CH26||أغرق في بحرِك
كيم جون ميون (سوهو)
بَطل:
هَيبتُها||Her Savage Love
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بِكِ
"أغرق في بحرِك"
...
"أخبريني؛ ما بِنا؟!
إعتدنا أن نكون سماءٌ وبَحر...
بُنٌّ وبَحر...
سوهو وزهرته العذراء...
سيدتي المهيوبة وجاركِ جون المجنون...
هَيبة ومُطاردها المهووس...
جون وهيبته...
لكن من نحن الآن، هذهِ ليست أنتِ، وهذا ليس أنا"
"حُفِظَت كمسودّة"
....
سقطت الحقيبة من يدها، وإلتفتت تنظر إلى المِصعَد الذي إنغلقت دفَّتيه، هل هي تتوهم؟!
هل ما حدث للتوّ كان حقيقي؟
قضمت على شفتاها؛ تحاول كبت إنفعالها حتى حين تستوعب ما حدث، نَقرت على شاشة القُفل رمز الدخول بيدٍ ترتجف، ثم دخلت تحمل حقيبتها، التي وضعتها بعشوائية في أي مكان قريب.
أغلقت الباب من خلفها بالأقفال؛ كي لا يتسنّى لأحد الدخول وإزعاجها، ثم دخلت إلى قعرِ شِقَّتِها، دمها يغلي وقلبها مقبوض، الكلام الذي قاله جونغداي مُذُّ وهلة لا ينفك يتردد في ذهنها.
تشعرُ بالضياع فعلًا، ولا يُمكن لأي شيء أن يُخفِّف عنها إلا إذا ثَبُتَ عكس ما قاله لها جونغداي.
"إهدأي روز إهدأي!"
حَثَّت نفسها على الهدوء، وتحرَّكت لتجلس على الأريكة الجلديّة السوداء.
جلست تعقد حاجبيها، وتشابك أصابعها في الحيز الشاغر بين ساقيها المُنفرجتين بِخفّة، تُفكِر بجِدٍ وأجتهاد عن مدى إحتمالية صِحَّة كلام جونغداي أو تلفيقِه.
فكَّرت... لقد تزوجت من جونغداي لسنوات، وطيلةَ تلك السنوات لم تُرزق بطفل، لقد قالوا لها أنه لا يُنجِب.
والآن؛ هي من فترة جيّدة مع جون، فترة تعدَّت الثلاثة شهور، ورُغم أنهما لم يتحصَّنا ضِدَّ الحمل أبدًا؛ هي لم تحمل.
أيُعقَل أن المشكلة منها حقًا، لكن وإن كانت؛ لِمَ قالوا لها أنها ليست منها؟
تنهدت بأستياء شديد، وجعلت رأسها بين كفّيها عندما تذكرت تفاصيل ذلك اليوم، لقد أخبرها الطبيب بوضوح وهي مع جونغداي أنها تُنجِب وجونغداي عاقِر.
لكن من قد يفعل شيئًا كهذا؟! من قد يتلاعب بنتائج الفحوصات التي أجرتها؟
جونغداي؟!
مُستحيل... تذكر أنه غضب وحزن جدًا، لأنه شعر بالنقص الشديد، بالتأكيد هو ليس مُضحيًا لهذهِ الدرجة؛ كي يتحمَّل الأمر على عاتِقه دون أن يبوح لها بالحقيقة، كما أنه من أتى اليوم وزفَّ لها الخبر المُفجِع.
من غيره؟!
فكَّرت لدقائق، ثم وقفت تومئ برأسها، وبدأت العصبيّة تتفشّى بها.
"إنه تشانيول!"
دفعت بالطاولة أرضًا لتسقط بما عليها، وهي تصرخ.
"إنه تشانيول، تشانيول من خدعني!"
ولم يتوقف غضبها عند هذا الحد، بل بدأت بتكسير كل ما تستطيع كسره، وإسقاط كل ما تَقدِر عليه، تجعل غضبها الشديد، الذي ملأها فجأة، يخرُج دفعة واحدة.
كانت تصرُخ وتبكي وتُحطِّم، حزينة وغاضبة ويائسة ومخذولة، كل المشاعر داهمتها في نفس الوقت.
جلست بين رُكام الحُطام، وأخذت تبكي بجنون، ليس غضبًا من تشانيول، بل لأنها لن تكون أُمًا أبدًا، فلو كانت تملك أملًا مهما كان ضئيل لما كانت عرفت هذهِ الحقيقة مُتأخرة جدًا.
والآن... الآن ماذا ستقول لجون وحياته مرهونة على طفلٍ منها؟
كيف تواجهه؟ ماذا تقول له؟
رُبما لن يترُكها، ورُبما يتمسَّك بها، ويحثُّها على تلقّي العلاج، لكنها قد لا تنجح، وستعيش في خيبةِ أمل أكبر من التي تعيشها الآن، لن تتحمل أن تحمل الأمل وتجهضه.
ولا تملك الحق حينذاك أن تحرمه من حقِه بأن يكون أبًا وتُكفيه بها، لن تقبل حتى ولو قَبِل... هي ليست بهذا السوء.
هي تُحب جون حقًا، تُحبُهُ كثيرًا، ولا يُمكنها أن تراه يتحمَّل المزيد من الصِّعاب، ويخوض في المزيد من المشاكل لأجلِها.
لا، يكفي ما وصل بهِ إلى هذا الحد!
وبِخلافِ جون؛ ألا تستحِق أن تكون أُمًا؟!
لربما هي فعلًا لا تستحق؛ لطالما ظَنَّت أنَّها ستكون أُمًا سيّئة، ولربما الرَّب لم يُرِد لها أن تُنجِب طفلًا؛ ليتعذَّب على يد أُم فاشلة مثلها.
حتى وإن كان... كانت ستبذل كل مجهودها؛ لتمنحه حياة جيدة وكريمة، كانت ستُقدِّم له ما لم تملكه يومًا، ستحاول بكل قُدراتها ألا تكون أُمًا سيّئة على الأقل.
لكن الفُرصة سُلِبَت منها بالفعل، وها هي الآن لن تكون أُمًا أبدًا.
مضى الوقت وما زالت تجلس بمكانها؛ أرضًا بين رُكام الحُطام، حَلَّ الليل وانتشرت العتمة، لكنها لم تنهض لإنفاذ الضوء في الشِّقة المُعتِمة، بل هكذا جلست بالعتمة وما زالت تبكي، تبكي بصمت وبتعب.
سمعت صوت رنين الجرس، لم تجبه، جون، تشانيول، أيًا كان... هي لا تملك الرغبة برؤية أي أحد، ستُفضِّل أن تُسامر ضعفها وأوجاعها وحدها، هكذا هي تحزن.
...................
وأما في الخارج؛ فلقد بَلَغَ جون إتصالًا من جاي وهو في الخارج؛ لتأدية بعض الأمور المُتعلِّقة بعملهِ.
أبلغه أن الرجل، الذي رآه بالصور -جونغداي-، يحوم حول البناية، روزماري اليوم في عُطلة؛ لذا لم يخشى تبِعات الأمر كثيرًا، وخصوصًا أنَّهُ طلب منها مُشدِدًا ألا تخرُج إلا بصُحبة تشانيول أو جاي في غيابه، وهي لم تعترض بل إنصاعت.
لكنَّهُ المساء يعود؛ فيجدها قد غيَّرت رمز الدخول، وتأبى أن تفتح لهُ الباب؛ ساورهُ القلق والشَّك، يخشى أنها عَلِمت ويخشى أكثر أنها تأذَّت.
طرق الباب عِدة مرات ورنَّ الجرس كثيرًا، لكنها لا تستجيب.
"روز افتحي الباب... دعينا نتحدث رجاءً!"
"ماري أشعر بالقلق حقًا، فقط دعيني أطمئن!"
"حبيبتي؛ أنتِ بخير؟!"
"روزماري رُدّي علي!"
لكن كُل نجواه قد ضاعت هباءً، لا يبدو أنها سَتلين الطرف له هذهِ المرّة، لن تدعه يَلج ولا أن يراها فيطمئن قلبه.
تنهد مُستاءً وقَلِقًا، ثم نزل إلى غُرفة الأمن؛ لينظُر في كاميرات المُراقبة، لعله علم ما الذي حدث.
جلس أمام أجهزة الحاسوب، وإحدى رجال الأمن كان يبحث لأجله عن أي شيء مُريب في تسجيلات كاميرات المُراقبة.
"توقف هنا!"
تنهد جون مُستاءً عندما رآها تخرُج عن إتفاقهما وتخرج وحدها دون أي صُحبة معها.
"أكمله!"
رآها تبتعد عن مَدخل البناية، غابت قرابة العشرُ دقائق ثم عادت مُجددًا، لكنه الآن يرى ظهر رجل رفيع، يتجاوز طوله المِتر والسبعين بقليل، هذهِ هيئة جونغداي.
ضَرب جون قبضته بالطاولة بغضب، وهو يراه يتبع زوجته إلى داخل البناية رغم أنه واضح أنها تحاول مُحاشاتِه.
"انتقل إلى كاميرا المصعد لو سمحت!"
وها هو الآن يراهُما في المِصعد، جونغداي يتحدث إليها بملامح نَزِقة ولئيمة، وهي تُريه وجهًا مُتزعزع ثم مصدوم وضعيف.
"اللعنة على هذا فقط!"
صاح بتلك وخرج من غرفة الأمن، ركض إلى شِقَّتِه، طرق الباب مُجددًا؛ لكنَّهُ طرقه بغضب وإنفعال.
"ماري افتحي الباب قلتُ لكِ!"
"لوما فتحتِه سأكسره!"
"افتحيه ودعينا نتحدث!"
روزماري بالدّاخل لم تُحرِّك ساكنًا، بل فقط حرَّكت عيناها الذابلة نحو الباب دون أن تؤتي بأي حركة أُخرى.
استنفر جون بالخارج كما لم يسبق أن حدث معه، فهو يعيش الآن أكثر اللحظات رُعبًا في حياته، خوفه من خسارتِها هكذا يُرعبه ويَصُب الغضب في نفسه.
أخذ يركل الباب ويلكمه ويصرخ.
"ماري أجيبي!
افتحي الباب!"
إنفتح المِصعد وظهر تشانيول من بين دفّتيه، وما إن رأى جون بهذهِ الحالة السيئة هرع إليه يحاول تهدئته.
"جون، ما بك؟
هل تشاجرتَ مع روز؟"
لكن جون لا يتوقف، أبعده تشانيول بكل قوَّتِه عن الباب.
"ما الذي يحدُث معكَ أنت؟!"
صاح جون ولمعت في عينيه دموع غضب وخوف.
"جونغداي أخبرها بكل شيء، وهي تأبى أن تفتح الباب وتحبس نفسها بالداخل، أنا خائف عليها وعلينا، تفهم تشانيول؟!"
تنهد تشانيول مُستاءً ونبس.
"وهل وجدتَ أن الحل هو ضرب الباب؟
أنتَ لن تقدر على كسرِه والدخول لو تعلم!"
صاح جون.
"الآن ماذا أفعل إذًا؟"
تنهد تشانيول، وربَّتَ على كتفِه يقول.
"الآن إهدأ وتعال معي لنرى ماذا سنفعل"
وقف جون مُتخصِّرًا بإنفعال أمام باب شِقة ماري؛ لكن تشانيول سحبه من عضده؛ ليدخُل معه إلى شِقَّتِه.
"لن ينفعك وقوفك هُنا، ادخل ودعنا نُفكِّر بالأمر، حسنًا؟"
تنهد جون، ورمق الباب لآخر مرّة قبل أن يدخل الشِقّة بصُحبةِ تشانيول.
جلس جون على إحدى الآرائك، وجلس تشانيول قِبالته، وتشانيول تَحدَّث.
"روز الآن ستدخُل في حالة من الإكتئاب لفترة وجيزة، هي لن تؤذي نفسها، لكن السيء أنها لن تنفع نفسها.
أنا مُتأكد أنها الآن تجلس في العتمة، معدتها خاوية وحلقها جاف، تبكي وتُفكر... تبكي وتُفكر... وهكذا حتى يغلبها النُعاس، وتنام في أي رُقعة هي جالسة فيها"
تنهد جون وجعل رأسه بين كفّيه يقول.
"وأنا الآن ماذا أفعل يا تشانيول، هل أراها تنهار وتقضي على نفسها هكذا ولا أفعل شيء؟"
نفى تشانيول وهمس.
"الليلة دعها تفعل ما تشاء، وغدًا صباحًا سنحضر من يفك رمز الباب"
نهض تشانيول واعلم صديقه.
"الآن انهض يا صديقي، نَم وارتاح لتستعِد للغد"
تنهد جون مُجددًا.
"كيف سيأتيني النوم وأنا لا أدري ما الذي حَلَّ بها"
"لا تَكُ دراميًّا، هي قطعًا ستكون بخير، فقط دعها اليوم تحزن كما تشاء، غدًا لا تتركها تفعل ما تشاء"
رفع جون بصره إلى تشانيول وقال.
"أنتَ حقًا تملك دمًا باردًا، كيف لا تقلق بشأنها؟!"
حرَّك تشانيول كتفيه وقال.
"لأني عشتُ معها كثيرًا وأعلم كيف تحزن، لقد مرَّت بالكثير من الأزمات بالفعل، ونهضت في كل مرّة، وعادت أقوى من الأول.
ورُبما لستُ قلقًا لأنّها تملكك، لن تؤذي نفسها طالما لديها ما تتمسَّك بهِ في هذهِ الحياة"
.........................
ضَلَلتُ جالسًا في صالةِ الجلوس الخاصّة بتشانيول وحدي، الشِّقة غارِقة في الظلام والليل يكاد أن ينتَصِف، لكنّ لا يأتيني الوَسن، بل أنا حتى لم أُحاول أن أخلد إلى النوم.
كنتُ جالسًا قِبالة ساعة الحائط، ولا يُسمَع صوت في الشِّقة سوى صوت عقارِبها التي تتحرك كلما ضرب الوقت ثانية جديدة، الغضب المكتوم في جوفي أنجب جنون، جنون لا يُمكِن كتمه أبدًا.
حملتُ سُترتِي، وخرجتُ من الشِّقة اتَّصِل بجاي هيون.
"هل حصلتَ على ما طلبتُه مِنك؟"
أجابني جاي هيون، ولا يبدو من نبرة صوته أنَّهُ قد خَلَدَ إلى النومِ بعد.
"نعم، سأبعثهُ لكَ بِرسالة نصيّة"
أغلقتُ المُكالمة معه، وأسرعتُ لتقفِّي طريقي إلى حيث يقودني، صعدتُ سيارتي وقدتُ بتهور وسُرعة عاليّة، أحدهُم الليلة سَيُلقَّن درسًا قاسيًّا؛ كي لا يعبث معي مُجددًا أو مع إمرأتي الثَّمينة.
وصلت إلى حيثُ أعلم أن جونغداي يتواجد، فلقد إستأجر الأخير شِقّة فاخِرة في حيٍّ قريب من الحي الذي أسكنه؛ يَظُن في ذلك أنَّهُ يستطيع أن يكون من روزماري أقرب.
لكن المُستحيل أقرب إلى عينيه من زوجتِي، الآن روزماري باسمي، زوجتي؛ أي تَخُصُّني؛ أي إمرأتي؛ أي لي وحدي، ولا مجال لطرفٍ ثالث أن يكون بينَنا.
وقفتُ أمام باب الشِّقة، ووضعتُ يدي على الجرس، ولم أرفعها حتى فُتِحَ باب الشِّقة، أسقطتُ على وجهِ جونغداي لكمة من قبضةِ يدي جعلته يتأرجح، ويفقد توازنه لبضعةِ خطوات آنِفة.
دخلتُ إلى شِقَّتِه، وضربتُ الباب خلفي بقوّة، أما هو؛ فوقف ليُقهقِه، ويمسح على جُرح شفتيه بأطراف أصابعه.
لاك فكِّه، ثم رفع بصرهُ إليَّ وتمتم، وتلك الإبتسامة لا تنفك تُشوِّه ثغره المشوَّه بالفعل.
"ماذا؟ ألم تُعجبكَ هديتي لزواجِك؟
إعتبرها مُباركة مُخلِصة!"
هذا الرجل يستنزِف صبري ونُتف الرَّجاحة الباقيّة في عقلي، تنهدتُ قبل أن أنظر إليه، فنبس يكوِّر شفتاه.
"اووه! تبدو مُخيفًا يا رجل!"
حرَّكت عُنقي، وسمحت للغضاريف أن تتضارب في جوفه، ثم عدتُ لأرمقه مُجددًا وأنا على حِفَّة التَّهور.
"ما غرضُكَ من هذهِ الهدية المقيتة؟
أن تنزع زواجي أو تحصل على زوجتي؟"
قهقه جونغداي بغضب، ثم نظر إليَّ يومئ برأسه.
"تعلم... كلمة زوجتي هذه تُضايقني، استبدلها بشيء آخر"
جعلني أضحك مِما قال وأستأنِف لإغاظته.
"ضايقتكَ أم لا، آخر همّي، روزماري زوجتي الآن، حَرمي"
رفع كفيه يومئ؛ يريدني أن أسكت، وتناول دَفَّة الحديث عنّي.
"أتُريد أن تعرف ما الذي أطمح عليه؟!"
إلتزمتُ الصَّمت، فأومئ ضاحِكًا.
"حسنًا، سأُخبرُك!"
إقترب مني؛ يقف مُتحديًّا إياي، وأفشى عن نواياه الخبيثة بنبرة حقيرة.
"هدفي واضح... ماري!
أن أستعيدها لي... وإن ما نجحتُ في ذلك سأكتفي بتدمير إرتباطها بأي رجل تختاره بعدي؛ لأنَّهُ..."
وكز صدري بقبضته، ونبس يَصُر على أسنانه غاضبًا.
"إما أنا، أو لا أحد!"
قوله ذلك جعلني أزفر أنفاسي ساخِرًا، فرمقتهُ بسخرية كذلك بغضب، وبزغت إبتسامة -أنا مُتأكد أنها لئيمة- على شفتيّ.
"أنت حقًا واهم، ألا تعلم!"
أزحتُ يده عن صدري بقسوة، ولكمتهُ في صدره بقوّة، فتراجع عِدة خطوات يفقد توازنه مُجددًا، وأنا اختزلتُ المسافة بقطعها إليه؛ لألكمه مُجددًا فقط.
"أنتَ ماضي روزماري، الذي لا تُحِب أن تتذكره، ولو أنها تقدر؛ لمسحت اسمكَ من سيرتها الذاتيّة كُليًّا، بل لَمسحتكَ من الوجود!"
لكمة أخرى نالها في صدره حالما أدركتُه فتأخر مُجددًا وأنا تقدَّمت.
"بأي حق أنتَ تُطالب بها؟ ها؟
أتظُن نفسكَ حقًا تستحقها؟
ماذا قدَّمتَ لها أنت؟!
هل أُخبركَ أنا ماذا فعلت؟"
رفعتُ حاجبي أرمقه بسخط، وهو تلقى لكماتي وكلماتي بملامح مقبوضة غضبًا، لكنه لم يتكلَّم، وأنا ضربته مُجددًا؛ اللكمات بعددِ الكلمات.
"جعلتها لكَ مِثلَ خادمة... لا أستبعد أنَّك جعلتها تمسح حذاءك حتى!
تتذكر أنها زوجتكَ في قاع الليل فقط، منعتها عن تكوين ذاتها، منعتها أن تستأنِف دراستها، لم تستثمر مواهبها، بل منعتها أن تخرج من باب منزلك حتى!"
كلانا يرمق الآخر بخشونة، لكن عيناه على عكسي مُمتلئة بالدموع، ذلك أشعرني بالنشوة، كذلك وَهنه، كلما لكمتهُ تراجع فقط والتزم الصمت.
"أنتَ ماذا قدمت لها؟ أخبرني!
كيف طاوعكَ قلبكَ أن تضرُب وجهها، أن تُعنِّفها، ألم تَكُ تُحبها؟"
صرختُ في وجهه حتى إحمرَّ وجهي وانتفخت أوداجي، ودموعه على وجنتيه إنسكبَت؛ وما فتئ يرمقني بأعين حمراء، وما فتئ صامت وأنا أتكلَّم، أنا أضربه وهو يتلقى ضربي بصمت.
"لو أحببتها فعلًا لجعلتها تعيش في عِز، لأن الحُب يعز ولا يذل، لكنك أذللتها!"
رفعتُ سبّابتي في وجهه ونبستُ ألومه.
"لو قدَّرتَها حق قدرِها، لو أحببتَها حقًا لما كُنتَ تلهث خلفها الآن هكذا كما لو أنَّكَ كلب، لكنكَ من خسرتها بفعلِ يداك."
نفث أنفاسه وأشاح بوجهه عني؛ لكنّي لاحقته بآثامه.
"أخبرني أنتَ الآن لِمَ غاضب وعُدتَ لِتنتَقِم؟!
لأن تشانيول تلاعب بالتحاليل، ألا تدري لِمَ فعل ذلك؟"
نظر لي مُجددًا كما لو أنَّهُ حقًا لا يدري السبب خلف فعلة تشانيول، لكنّي أرويتُ فضوله لو كان جاهلًا أعمى البصيرة.
"فعل ذلك لأنَّهُ يعرفك، يعرف كم أنتَ دنيئ وحقير، كُنتَ ستذلُها أكثر، وتُعيّرُها، وتنعتها بالنّاقصة، كنتَ ستمنُن عليها، وتكسر قلبها أكثر؛ لذا تشانيول كان على حق عندما بدَّل النتائج."
كان يرمقني مُتفاجئًا، والآن أفهم سبب نظراته هذه، فعشوتُ إليه استنكِر.
"ماذا؟!
هل أنتَ مُتفاجئ أنّي أعلم؟
لربما تتسآل بعقلكَ الضئيل هذا كيف تزوجتُها رغم ذلك؟"
بدى فضوليًا عن أسبابي الشيّقة، لذلك مُجددًا أوفيته بإجابتي.
"أنا لستُ مثلك، أنا لم أتزوجها لأي مصلحة كانت.
أنا لم أتزوجها لأنها جميلة، أو لأنها مشهورة، أو لا لتُنجِب لي، أو تخدمني، أو لأجد جسدًا جميلًا أقتات عليه.
أنا تزوجتُها لسببٍ واحد فقط... لأني أُحبُها.
سببٌ أنتَ لن تفهمه أبدًا، كلمة أنت لا تعرف قيمتها!"
تنهدت وتراجعتُ عنه أقول.
"والآن أنا أحق بها منك، أنا أُحبها، وأفتخر بها، وأعزها، وأُدللها، لأنّي أُقدِّرها حق تقديرها، وأدري أنّي أمتلك في بيتي جوهرة، هذه الجوهرة التي أصبحت على اسمي بكدّي، وتعبي، ورضاها."
عاد يرمقني بغضب، وأنا رفعتُ سبَّابتي بوجهه أُحذِّره للمرة الأخيرة.
"لذا... لا تُفكِّر أبدًا أن تضع أصبعًا عليها، أو أن تقع عيناك عليها، تعلم لِمَ؟!"
أمسكتُ بياقته بِكلتا قبضتي أخنُقه واتبعت أصر على أسناني كما أصر على كلماتي.
"لأني لن أكتفي بالكلام، ولا بسكين، أنا سأقتُلُك آنِفًا... أقسم أنّي سأفعل!"
أفلته ونبست.
"والآن قبل أن أُغادِر، اسمح لي بلكمة!"
سحقتُ وجهه بلكمة أخيرة أفقدته توازنه فسقط أرضًا، ثم أنا نبست قبل أن أخرج.
"فقط لأنكَ تستحق!"
أحيانًا ما تكون عضلة اللسان أقوى من القبضة، أنا لآخر مرَّة لقَّنتهُ درسًا كلاميًا رغم أنّها لم تَكُ تلك نيتي عندما أتيت، لو سمح لنفسه بمرة قادمة؛ سألقنه درسًا عنيفًا... لأن لغة القبضة تنفع مع الجُهلاء فحسب.
........................
طلعت شمسُ صباح اليوم التالي؛ وروزماري ما زالت تجلس في مكانها مُذُّ الأمس، لكن النوم سُلطان، قد سرقها من أوجاعها، وضمَّها في كُنِفه.
لكن روزماري سمعت صوت ضوضاء قريبة منها؛ وذلك ما جعلها ترفع رأسها عن حِجرِها، وتستعيد وعيها.
نظرت ناحية الباب، الصوت يصدُر من هُناك، إزدرئت جوفها وضمَّت نفسها بذراعيها، تشعر بالخوف؛ لكن لا تدري لِمَ، ومِمَن هي الآن تشعر بالخوف.
انفتح باب الشقة، وسمعت صوت دبّات حذاء قبل أن تُدرك عيناها صاحبها، ولم يَكُ سوى جون، تنهد بأنفاسٍ ثقيلة ما إن رآها، ثم هرع لإحتضانِها بين ذراعيه الدافئين.
أخذ يمسح بيده على رأسها وهو يُتمتِم.
"لِمَ تفعلين كل هذا بي؟!"
وجدها ساكنة تأبى أن تتحرَّك، فرفعها بلُِطفٍ عنه، ورفع ذقنها لينظر في وجهها، ملامحها ذابلة وعيناها قد تورَّمت.
مسح على وجنتها بإبهامِه برفق وهمس.
"لا تبكي أكثر من ذلك، يكفي"
وقف وحملها بين ذراعيه إلى الداخل، وضعها على السرير، ورفع عليها الغِطاء، أمسك بيدها وأخذ يُربِّت عليها بِرِفق.
"روز؛ لا تؤلميني بكِ حبيبتي!
مهما كان الذي سمعتِه لا تسمحي للضعف أن يتسلل إلى نفسِك، ولا تجعلي اليأس يسيطر عليكِ، لا بأس... لكلِ مشكلة علاج، حسنًا؟"
رفعت روزماري لتنظر له بعينيها الدامعة، مسح لها دموعها ونفى برأسه ألا تبكي، ثم ضمّها بين ذراعيه مُجددًا، وهو يربت على ظهرها.
"لا بأس حبيبتي، حقًا لا بأس!"
أغمضت عيناها ترتاح برأسها على كتفه.
"هل هي بخير؟"
بمجرَّد أن سمعت صوت تشانيول، رفعت رأسها عن كتف سوهو، ورمقته بغضب، لكنه لم ينتبه، واقترب منها يُربِّت على رأسها.
"أنتِ بخير؟"
أبعدت يده عنها بقسوة ونبست.
"لا تلمسني!"
نَظرَ تشانيول إليها ثم إلى جون، وسحب يده مخذولًا، إزدرئ جوفه وطأطأ رأسه ينبس.
"في ذلك الوقت؛ كُنتِ تعيشي حياة الضَّنَك مع جونغداي، خشيتُ عليكِ منه ومن نفسِك؛ لذا بَدَّلتُ النتائج"
تنهد وإلتفتَ يمنحها ظهره.
"لو عاد بنا الزمن كنتُ سأفعل ذات الشيء مُجددًا؛ لذا أنا لستُ آسفًا أبدًا!"
نهضت عن حِجرِ جون، وأنقضَّت بأظافرها على ظهره؛ تكمش على قميصه وتصرخ به.
"لِمَ لم تُخبرني؟! أنا مُطلَّقة مُذُّ خمسة سنين؛ طيلة هذهِ السنين لم تجد لنفسكَ فُرصة واحدة لتُخبرني الحقيقة؟
هل خداعكَ لي أشعرك بالنشوة؟!"
إلتفت لها وكانت ملامحه مُنقبضة في غضب.
"النشوة؟ أتسمعين الهُراء الذي تتفوهين به حتى؟!"
نهض جون وتمسَّك بزوجته يحاول تهدئتها، وتشانيول اتبع كلامه.
"لم أتمكَّن من فعلِ ذلك أبدًا، أنا لم أنتظر الفُرصة لأخبرك بالحقيقة؛ لأني ما كنتُ أنوي إخبارك!
وكيف أُخبرك وأنتِ أصبحتِ في عينِك وعيون الناس أجمعين المرأة المثاليّة؟
لم أُرِد أن تشعري بالنَّقص أو تتبدَّد أحلامك، أنا كنتُ أخاف عليكِ منكِ وما زِلت، فكيف أُخبرك؟!"
نبست وعيناها تدمع.
"وإذًا؟! هل الحال الذي أنا عليه أفضل الآن؟!
لو أنَّكَ أخبرتَني من قبل لما تزوجتُ مُجددًا مهما سوَّلت لي نفسي، أنتَ بفعلتك هذه جعلتني أُعرِّض رجُل كل همه أن يُنجِب منّي طفل للغُش والخداع وأنا لا أدري!"
حينها تدخل جون ونبس.
"لكنّي كنتُ أعلم بالحقيقة من قبل أن أتزوجك، أنا لم أتعرَّض للخِداع ماري"
"ماذا؟!"
إلتفتت إلى جون ونبست بهذهِ بلا تصديق، ثم تهكَّمت بغضب تنظر إلى الرَّجُلين.
"أي أنّي الوحيدة التي تعرَّضت للخداع؟!"
كلاهما طأطأ برأسه ولم يسترسِل بحرف، ولكنها غارت بغضبها على جون تدفعه من صدره، تصرخ في وجهه وتبكي.
"لِمَ لم تُخبرني أنتَ الآخر، أنا حقًا لا أفهمكم!"
تمسَّك جون بمعصميها، وجعلها تجلس رُغمًا عنها، وهي تحاول أن تتفلَّت من قبضتِه.
"أتركني! أخبرتُكَ أن تترُكني!"
لكن جون نبس بغضب، ولم يفلُتها.
"لأنّي خشيتُ على نفسي وعلى حُبي منكِ ومن جنونك، إهدأي الآن... يكفي جنون!"
دفعت بيديه عنها ونبست تستنكر بغضب.
"أتقول عني مجنونة الآن؟!
هل لأني غاضبة من أكاذيبكم أصبحتُ مجنونة؟!"
همس جون.
"لم أقصد... أنا آسف!"
صرخت بأعلى صوتها حينما إمتدَّت يده ناحيتها؛ كي يُمسِك بها مُجددًا، وقفزت من فوق السرير تضرب كلاهما بالتُّحف الصغيرة، التي تضعها هنا وهناك.
"أخبرتُكَ أن تتركني وشأني!
اخرجوا كلاكما، لا أريد رؤية أحد، اخرجوا!"
فيما تشانيول وجون يحاولان تحاشي الضربات يحاولان تهدئتها، لكنها لا تهدأ، بل صرخت بهم ورمتهم بكل شيء في الغرفة، ثم وقفت بصعوبة.
"ماري، أنتِ بخير؟"
همس جون بهذه وهو يراها تتهاوى، ضاق نفسها وشعرت بالدوّار الشديد، ثم سقطت أرضًا.
"روز!"
هرع كلاهما إليها بعدما صرخ جون باسمها هكذا، رفعها جون إلى حِجره، وأخذ يربِّت على وجنتها ويناديها بقلق.
"حبيبتي! أرجوكِ أنا آسف!
أفتحي عينيكِ!"
تشانيول تحدَّث بهلع.
"دعنا نأخذها إلى المستشفى بدلًا من ذلك!"
سُرعان ما وافقهُ جون، فحملها على ذراعيه.
"اسبقني واحضر السيّارة سريعًا!"
................
كانا جون وتشانيول يقفان أمام بوّابة الطوارئ؛ حيثُ روزماري تتلقّى الرعاية الطبيّة اللّازِمة، تشانيول يستند على الحائط قُرب الباب، وجون يسير جيئةً وذهابًا في قلق.
تشانيول تنهد قبل أن ينبس.
"إهدأ يا جون، روز ستكون بخير"
تنهد جون وأومئ.
"أرجو ذلك حقًا!"
كلاهما إلتفت ناحية الباب حينما هَمَّ أحدهم بفتحِه، وما إن ظهر الطبيب هرع كلاهما إليه، إذ جون تسآل.
"أخبرني أيُّها الطبيب، كيف هي زوجتي؟!"
"هي بخير الآن، تعرَّضت لإنهيار عصبيّ وإنخفاض حاد في ضغط الدم، أوصي أن تَبيتَ الليلة لدينا، وغدًا يُمكِن إخراجها إذا إستقرَّت مؤشِّراتها الحيويّة"
إنسحب الطبيب من لديهما، ثم بعد ثوانٍ؛ ظهرت روزماري يسحبونها على سرير وهي نائمة، تَبِعها الرَّجُلين حتى أركنوها في غرفةٍ خاصّة، وضلَّت المُمرِّضة؛ لتضع لها في وريدها ما تحتاجه من مواد طبّيّة.
خرجت المُمرِّضة وبقيَ الثلاثة فقط، روزماري التي تنام وجون وتشانيول قُربها، كلاهما يترقبان إستيقاظها والقلق والأسف يطغان عليهما.
مضى الوقت بالفعل؛ وكان تشانيول مُضطَر أن يغادر لأجل العمل وجون بقي لديها... هكذا حتّى حَلَّ الليل، وغرقت الشمس في كبد السماء، وظهر القمر بدلًا منها.
كان جون يجلس على يمينها ولا ينفك ينظر لها، يرمُقها بنظراتِه الحزينة، أمسك بيدها، ورفعها إلى شفتيه يُقبِّلُها، ثم جعلها إلى وجنته.
"أنتِ لستِ ناقصة يا حبيبتي، وأنا لن أسمح لأي شيء أن يُفرِّق بيننا، أنا لا بأس معي لو لم نُنجِب طفلًا أبدًا، لكنّي لن أستطيع أن أستمِر في حياتي هذهِ دونكِ؛ لذا أرجوكِ فكّري بي وحقيقةَ ما أشعرُ بِهِ أيضًا، حُبنا لا يحتاج طِفل ليُمتِّنه، حُبنا مَتين كفاية لِنكتفي به!"
وهكذا ضلَّ معها جالسًا دون أن يُفارقها ولو لدقيقة واحدة حتى دقَّت الساعة العاشرة ليلًا الأبواب... خرج جون؛ لتأديةَ مُكالمة هاتفيّة عاجِلة مع سيهون؛ لأجلِ بعض القضايا المُتعلِّقة بالنَّشر، فاليوم لم تَهبِط خاطرة على مَنصَّتِه الإلكترونيّة؛ وذلك ما سبَّب قلق لِدى المُعجَبين.
خلال تِلكَ الدقائق؛ روزماري فتحت عيناها، لقد سبق لها أن إستيقظت، لكنها كانت بإنتظار الفُرصة المُناسبة لتفتح عيناها؛ وها قد حانت.
قعدت على السرير، وسحبت تلك الإبرة من يدها؛ فيما وجهها، الذي إنقبضت معالمهُ بألم، يتكلَّم عن كم أنَّ الأمر مؤلم، نهضت عن السرير، وأخذت سُترة جون معها.
خرجت مُتسلِّلة من غُرفتِها؛ فيما هو يمنح الباب ظهره، وبعيد نسبيًّا ليشعُر بها خلفه، على رؤوس أصابعها هربت، ثم أخذت تركض تنتعِلُ شِبشِب المُستشفى الخفيف.
ركضت هربًا من أمام المُستشفى، وارتدت سُترة جون فوق زي المرضى، كانت تسير وتسير وتسير، الغضب ما زال يعتمر بخلدِها وروحها ثائرة، لكنها كانت تشعُر بالعجز والحُزن أكثر من كُلِّ ذلك.
لم تُرِد أن تبكي أكثر، لكن دموعها كانت تسقُط على خدّيها دون أن تقدِر على التَّحكُّم بها، مسحت على خدّيها وهي تسير ورأسها مُطأطأ؛ كي لا يتعرَّف عليها النّاس.
توقفت عِندَ باب إحدى الحانات، تبسَّمت تَسخر من هذهِ التدابير، يُقال أن الخمر يُنسي الأوجاع... هي، التي لم تُجرِّب أن تشرب الخمر طيلة حياتها؛ الليلة ستُجرِّبُه على شرفِ النسيان.
وَلَجَت إلى الحانة، ورَبَضَت أمام البار، ثم أشارت للسّاقي.
"اسكب لي كأس من أي شيء لديك!"
بدت غريبة ومُريبة في رداء المستشفى والسُترة الرِّجاليّة التي ترتديها فوقها، لكن الساقي خدمها بصمت، وصبَّ لها كأس خمر.
رفعتهُ روزماري إلى شفتيها، وأحسَّت بتلكَ الحُرقة والمرارة توقد في حلقِها، رُغم ذلك؛ تحمَّلت وسكبته في حلقها دُفعة واحِدة، ابتلعته بصعوبة، ثم وضعت الكأس على البار تقول.
"اسكب لي المزيد"
وهكذا تعدَّت الكأس العاشر وقد غرقت بالثمالة فعلًا.
"سيدتي، ماذا تفعلين هنا؟!"
إلتفتت روز إلى الصوت، وضيَّقت عيناها، فالصورة مُغبَّشة في عينيها، ثم ابتسمت.
"اوه جاي! لم أتوقع أن تجدني أنتَ أولًا!"
تنهد جاي وجلس بجانبها؛ يمنع الساقي أن يسكُب لها المزيد.
"هل نسيتِ ما قُلتِه لي؟! ألم تُهدِديني لو آذيتُ نفسي؟"
سخرت روز ونبست.
"لستُ أنوي أن أنتحر، أنا فقط أشرب!"
سحب الكأس من يدها وقال.
"لكنَّكِ تؤذي نفسكِ بالشُّرب الآن، من المُفترض أنَّكِ في المُستشفى تتلقّي العلاج، لا أن تتسكَّعي هُنا بثيابِ المُستشفى!"
تمسَّك بكتفيها، يُنهِضها رغم مُقاومتها الضعيفة.
"اتركني!"
لكنَّهُ كان مُصِر.
"يكاد زوجكِ أن يصل؛ لذا أن نلتقيه خارجًا أفضل من أن نَلتقيه هُنا"
جعلها تنهض رُغمًا عنها، ووقف بصُحبتِها قُرب الحانة بإنتظار جون، الذي قد وصل أخيرًا، ترجَّل جون من السيّارة بغضب، واقترب منها سريعًا، فبإرتباك جعلها جاي تقِف في ظهره، ونبس يحاول تهدئة جون.
"لا تغضب منها... إهدأ أولًا!"
تنهد جون، ثم ابتعد قليلًا يدور حول نفسه مُتخصِّرًا، يحاول تهدئة نفسه المُعتلّة بالغضبِ الآن... ثم أخيرًا إلتفتَ إلى جاي، ورمقها، التي تقف بظهرِ جاي بلا أن تَعي ما يحدُث حولها.
تنهَّدَ جون مُجددًا ونظرَ إلى جاي.
"ماذا تظُن أنّي فاعل؟! أنا لن أؤذيها!"
أمسك بعِضدها واجتذبها إليه، جعلها أسفل ذراعه، ثم سحبها برفق معه إلى سيارته، أشار لجاي أن يصعد معه، ثم انطلق عودةً إلى المنزل.
غادر جاي إلى شقَّتِه فور وصولهِم، وجون حَمَلَ روز إلى شِقَّتِهما.
وضعها على السَّرير برِفق، ثم أراد أن يبتعد عنها ليُحضِر لها ثيابًا نظيفة، لكنَّها تمسَّكت بقميصِه من جُب فإلتفت لها، كانت الدموع تَملئ عيناها عندما نبست.
"طَلِّقني جون!"
تجمَّد في مكانِه لوهلة؛ وكأنَّ أحدهُم صَبَّ على رأسِه ماءً مُثلِج، استغنى عن إحضار الثياب لها، ورفع عليها الغطاء، أغلق الضوء، ثم الباب، وتركها وحدها.
توجَّه إلى صالةِ الجلوس، وارتمى بجسدِه على الأريكة، تِلكَ الكلمة، التي نبست بها بثمالة، جعلت بَدَنَه يقشَعِر وقلبه ينبض بخوفٍ وقلق.
الحياة لا تَسير على هذا المِنوال معه؛ وهو لن يسمح لها أن تنفَصِل عنه لمثلِ هذا السبب التافه، ولا لأيّ سببٍ آخر سيتركُها... لم يَقدر أن ينام ليلًا؛ فالكلمة قد سبَّبت له الأرق بالفعل؛ فجافَهُ النوم ولم تُجافيه الأفكار العقيمة التي تدور في خلدِه.
تأمَّل فقط أن تَصحو غدًا، تكون قد نسيت ما تفوَّهت به لِتَّو، وتستعيد أشُدَّها شيئًا فشيئًا؛ لأنَّهُ لن يسمح لها بالإبتعاد عنه أبدًا، ولن يسمح لها أن تبقى متآكلة وضعيفة هكذا أبدًا.
عليها أن تعود روزماري التي يعرفها سريعًا.
لأنَّ هَيبَتُها كُل القِصّة...
....................................
في الصباح الباكِر؛ إستيقظت روزماري على ألمٍ شَنيع في رأسِها، ولم تَكُ تتذكَّر شيئًا؛ مِثل كيف وصلت إلى هُنا... تنفَّسَت بصعوبة؛ ورويدًا رويدًا؛ إسترجعت ذكريات الأمس حتى لَثمت شفتاها أول كأس خمر.
تمسَّكت في رأسِها بألم، وتمتمت.
"اللعنة! لا أُصدِّق أنّي ثملت!"
نهضت إلى دورة المياه، لتستحِم، وتُبدِّل ثيابها، ثم تُسرِّح شعرِها... إنتهت من كل ذلك، وها هي تجلس أمام مرآتِها، تنهدت تنظر إلى نفسها، وفكَّرت ما الذي يجب أن تفعله.
خطوة واحدة واضحة الآن... الإنفصال.
لا تأخذها العِزّة في نفسِها أو حَرّة الغضب؛ لِتُقدِم على هذهِ الخطوة الفاصِلة في علاقة ما زالت تَحبو، لكنها لا تستطيع أن تستمِر؛ ليس لأجلِها، بل لأجلِ جون.
لا ترى أنها تملك الحق أن تلزمه بها طيلة العُمر، وتحرمهُ من حقِّه بأن يكون أبًا، هذا حَقِّه، وإن قال لا بأس؛ فعندها هي كل البأس، لا يمكنها أن تحرمه من أبسط حقوقه فقط ليبقى معها.
تعلم أنه سيرفض، وربما يغضب، ويُقدِم على فعلٍ مُفاجئ؛ لكن لا يُمكِن... مهما فعل لن يقدر أن يُبدِّل ما في خاطِرها، أو أن يقنعها بكلامه المعسول مُجددًا.
خرجت روزماري من غُرفتُهما تنظر في الأرجاء، إستقطب أنفها رائحة الطعام الزَّكيّة؛ فتوجَّهت إلى المَطبخ.
كان جون يقف؛ ليعُدَّ طبقًا أمام الموقد فيما يربط حول خصرِه روب المطبخ، إلتفت لها وابتسم حينما شعر بحركتها خلفه؛ ثم نبس.
"الفطور يكاد أن يجهز... اجلسي حتى أُقدِّمُه"
تقدَّمت منه ونظرت في ما يصنع.
"ما هذا الحساء؟"
"حساء يساعدكِ أن تتخطّي آثار الثمالة، لم أتوقَّع يومًا أنّي سأُحضِّرَهُ لكِ؛ لكن ها نحنُ ذا!"
رمقته بصمت؛ إذ شعرت بنبرة التأنيب، التي قصدها بها، ثم تراجعت لتجلس على طاولة الطعام.
"أرجو أنّي الأمس لم أرتكِب أيَ حماقة"
سكب لها من الحساء، ثم آتى وجلس قِبالتِها يقول.
"فعلتِ، لكن أمامي فقط؛ فلا بأس!"
أومأت بصمت، ثم غطَّست المِلعقة في الحساء لتسكبها بفمها، وهو راقب معالمها يبحث عن رِضاها عن طعم الطبق، لكن ملامحها كما دائمًا؛ لا تُقرأ.
"كيف ترين طعمه؟!"
"لذيذ... تَرِبَت يداك"
أومئ لها وبانت على شفتيها إبتسامة، ثم نهض، إختفى لدقيقة، ثم عاد يحمل كأس ماء وحبة دواء.
"بعد أن تنتهي تناولي هذا الدواء كي يزول الصُّداع"
أومأت له مُجددًا، وما إن إنتهت من طبق الحساء؛ تناولت حبّة الدواء فربَّت على رأسها برضى، ثم وقف ليغسل الصحون.
إقتربت روز، ووقفت عند البار تستند إليه بمرفقيها وقالت.
"هل أُعِدَّ لنا القهوة حتى تنتهي، ثم نجلس لنتكلَّم قليلًا!"
توقفت يداه عن العمل؛ لأنه شعر بأن شيئًا سيء قادم ليُدركه، لكنه أومئ لها على آيةِ حال؛ فلا مجال للهرب من شيء حَتمي.
وضعت أمامه كوب قهوته، ثم جلست، كانا يجلسان بالشُّرفة، ما زالت الشمسُ خفيفة والصباح جميل.
"جون... أنا آسفة لما سببتَهُ من متاعب لكَ الأمس"
نفى برأسه، وربَّت على يدها يقول.
"لا تقولي شيئًا كهذا حبيبتي؛ لا بأس!"
تنهدت مُجددًا وطأطأت برأسها، لُطفهُ معها يُكبِّلُها، يُثقِل لسانها.
"جون؟"
"هَيبتُه؟"
"أنا لا يُمكن أن أُنجِب لكَ طفل"
أراد أن يتكلَّم، لكنَّها قاطعته حينما أمسكت بيده، التي يمسك بها كوب القهوة.
"الأمر لا يتعلَّق بك وحدك، إنها مسألة أوسع مِنّا، عائلتكَ تنتظر أن ألِد لهم حفيدهم الأول، أنا أعلم أن هذهِ رغبة والدك الأخيرة الذي صِحَّته بتهور، كما أن آيرين لا يمكن أن تسبقنا بالإنجاب، هذا عُرف عائلتك بالنهاية.
أنا لا أود ألا يرى والدك طفلًا لكَ من صُلبَك، أو أن تَظل أحلام آيرين مُعلَّقة بسببي، أو أن تعيش أنت وفي قلبكَ حسرة، أن تؤلمك رؤية أطفال الناس بدل أن تُفرحك.
أنا لن أُرضي حُبي وأتملكك بأنانيّة لأُرضي نفسي، أنتَ لدي أهم من نفسي، وأحلامك هي أحلامي، ولكن إن أنا عجزتُ عن تحقيقها؛ لا يسعني أن أجبركَ على البقاء مع عقيم مثلي.
دعنا ننفصل!"
أخذ ينظر لها بصمت، لا يقول شيء، لكنه لم يَكُ بخير أبدًا مع ما قالته، لا يُمكنها أن تتخلَّص منه ولو فعلت ذلك لصالحه.
وضع كوب القهوة ثم وقف يحمل سترته وقال.
"هناك بعض الأمور في العمل عالقة؛ لذا يجب أن أذهب لدار النشر بنفسي لأحلّها... أراكِ مساءً"
نهضت تتبعه حتى تمسَّكت بعِضده تستوقفه ونبست.
"أنا أريد الطلاق!"
أفلت يده منها بقسوة وإلتفت لها بغضب.
"وأنا لا أُريد أن أُطلقِك... لن يحدُث!"
كادت أن تتكلَّم لولا أنَّهُ رفع سبّابته في وجهها مُحذِّرًا.
"وهذا الحديث أياكِ أن تفتحيه معي مُجددًا، تفهمين؟"
شدَّت عودها بتحدٍ ونبست.
"لا أفهم، لا يمكنكَ أن تُجبرني عليك، أنا أريد الطلاق وهذا قطعيّ، ولا يُمكِن لسقفٍ أن يجمعنا مُجددًا!"
ارتفع حاجبه عن ناصيته ونبس بغضب.
"حقًّا؟!"
"نعم، حقًّا!"
أومئ لها، ثم ولج البيت مُجددًا، أخذ جميع المفاتيح في المنزل، أغلق الشُّرفة، قطع سلك الإنترنت، ثم حمل هاتفها وأدرك الباب.
"أنتَ ماذا تفعل الآن!"
صرخت بعصبيّة، وبإنفعال ضربت صدره بكفّيها، تمسَّك بعضديها ودفعها نحو الحائط حتى أنها أنَّت مُتألِّمة؛ وهو نبس.
"أريني قُدراتِك، كيف ستهرُبين؟!"
تبعته تحاول إدراكه، ولكنه سبقها بالفعل؛ إذ خرج وغيَّر كلمة السِّر مُجددًا، واحتياطًا أقفل الباب بالمُفتاح؛ ثم غادر إلى عمله العاجل.
لم يتزوجها عبثًا، كان يعلم أن هذا الوقت قادم لا محالة، وبصفته زوجها؛ يمكنه أن يفعل تصرُّفًا شنيعًا كحبسها في المنزل.
جون على إستعداد أن يفعل أي شيء؛ ليُحافِظ عليها وعلى هذا الزواج.
....................
يُتبَع...
الفصل السّادِس والعِشرون "أغرق في بحرِك"
الجُزء الخامس والأخير "لا تؤذيني بكِ!"
الرواية العاطفيّة"هَيبتُها||Her Savage Love"
...................
سلااااااااام
إعلان واحد قبل ما انسى... الجزء الخامس هو الأخير، طبعًا القُرّاء الصاحيين بيتذكروا أني قلت الرواية من سِت أجزاء، لكن ما بين الجزء الخامس والسادس ما في فاصل قوي؛ لهيك دمجتهم... طبعًا هذا ما بأثر على عدد الفصول الباقية أبدًا.
ضل قرابة عشر فصول فقط.
الفصل القادم بعد100 فوت و100كومنت.
1.رأيكم بجون؟
2.رأيكم بروز؟
3.تشانيول؟
4.ما مصير علاقة تشانيول وروز؟ وعلاقة جون وروز؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤Love❤
بَطل:
هَيبتُها||Her Savage Love
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بِكِ
"أغرق في بحرِك"
...
"أخبريني؛ ما بِنا؟!
إعتدنا أن نكون سماءٌ وبَحر...
بُنٌّ وبَحر...
سوهو وزهرته العذراء...
سيدتي المهيوبة وجاركِ جون المجنون...
هَيبة ومُطاردها المهووس...
جون وهيبته...
لكن من نحن الآن، هذهِ ليست أنتِ، وهذا ليس أنا"
"حُفِظَت كمسودّة"
....
سقطت الحقيبة من يدها، وإلتفتت تنظر إلى المِصعَد الذي إنغلقت دفَّتيه، هل هي تتوهم؟!
هل ما حدث للتوّ كان حقيقي؟
قضمت على شفتاها؛ تحاول كبت إنفعالها حتى حين تستوعب ما حدث، نَقرت على شاشة القُفل رمز الدخول بيدٍ ترتجف، ثم دخلت تحمل حقيبتها، التي وضعتها بعشوائية في أي مكان قريب.
أغلقت الباب من خلفها بالأقفال؛ كي لا يتسنّى لأحد الدخول وإزعاجها، ثم دخلت إلى قعرِ شِقَّتِها، دمها يغلي وقلبها مقبوض، الكلام الذي قاله جونغداي مُذُّ وهلة لا ينفك يتردد في ذهنها.
تشعرُ بالضياع فعلًا، ولا يُمكن لأي شيء أن يُخفِّف عنها إلا إذا ثَبُتَ عكس ما قاله لها جونغداي.
"إهدأي روز إهدأي!"
حَثَّت نفسها على الهدوء، وتحرَّكت لتجلس على الأريكة الجلديّة السوداء.
جلست تعقد حاجبيها، وتشابك أصابعها في الحيز الشاغر بين ساقيها المُنفرجتين بِخفّة، تُفكِر بجِدٍ وأجتهاد عن مدى إحتمالية صِحَّة كلام جونغداي أو تلفيقِه.
فكَّرت... لقد تزوجت من جونغداي لسنوات، وطيلةَ تلك السنوات لم تُرزق بطفل، لقد قالوا لها أنه لا يُنجِب.
والآن؛ هي من فترة جيّدة مع جون، فترة تعدَّت الثلاثة شهور، ورُغم أنهما لم يتحصَّنا ضِدَّ الحمل أبدًا؛ هي لم تحمل.
أيُعقَل أن المشكلة منها حقًا، لكن وإن كانت؛ لِمَ قالوا لها أنها ليست منها؟
تنهدت بأستياء شديد، وجعلت رأسها بين كفّيها عندما تذكرت تفاصيل ذلك اليوم، لقد أخبرها الطبيب بوضوح وهي مع جونغداي أنها تُنجِب وجونغداي عاقِر.
لكن من قد يفعل شيئًا كهذا؟! من قد يتلاعب بنتائج الفحوصات التي أجرتها؟
جونغداي؟!
مُستحيل... تذكر أنه غضب وحزن جدًا، لأنه شعر بالنقص الشديد، بالتأكيد هو ليس مُضحيًا لهذهِ الدرجة؛ كي يتحمَّل الأمر على عاتِقه دون أن يبوح لها بالحقيقة، كما أنه من أتى اليوم وزفَّ لها الخبر المُفجِع.
من غيره؟!
فكَّرت لدقائق، ثم وقفت تومئ برأسها، وبدأت العصبيّة تتفشّى بها.
"إنه تشانيول!"
دفعت بالطاولة أرضًا لتسقط بما عليها، وهي تصرخ.
"إنه تشانيول، تشانيول من خدعني!"
ولم يتوقف غضبها عند هذا الحد، بل بدأت بتكسير كل ما تستطيع كسره، وإسقاط كل ما تَقدِر عليه، تجعل غضبها الشديد، الذي ملأها فجأة، يخرُج دفعة واحدة.
كانت تصرُخ وتبكي وتُحطِّم، حزينة وغاضبة ويائسة ومخذولة، كل المشاعر داهمتها في نفس الوقت.
جلست بين رُكام الحُطام، وأخذت تبكي بجنون، ليس غضبًا من تشانيول، بل لأنها لن تكون أُمًا أبدًا، فلو كانت تملك أملًا مهما كان ضئيل لما كانت عرفت هذهِ الحقيقة مُتأخرة جدًا.
والآن... الآن ماذا ستقول لجون وحياته مرهونة على طفلٍ منها؟
كيف تواجهه؟ ماذا تقول له؟
رُبما لن يترُكها، ورُبما يتمسَّك بها، ويحثُّها على تلقّي العلاج، لكنها قد لا تنجح، وستعيش في خيبةِ أمل أكبر من التي تعيشها الآن، لن تتحمل أن تحمل الأمل وتجهضه.
ولا تملك الحق حينذاك أن تحرمه من حقِه بأن يكون أبًا وتُكفيه بها، لن تقبل حتى ولو قَبِل... هي ليست بهذا السوء.
هي تُحب جون حقًا، تُحبُهُ كثيرًا، ولا يُمكنها أن تراه يتحمَّل المزيد من الصِّعاب، ويخوض في المزيد من المشاكل لأجلِها.
لا، يكفي ما وصل بهِ إلى هذا الحد!
وبِخلافِ جون؛ ألا تستحِق أن تكون أُمًا؟!
لربما هي فعلًا لا تستحق؛ لطالما ظَنَّت أنَّها ستكون أُمًا سيّئة، ولربما الرَّب لم يُرِد لها أن تُنجِب طفلًا؛ ليتعذَّب على يد أُم فاشلة مثلها.
حتى وإن كان... كانت ستبذل كل مجهودها؛ لتمنحه حياة جيدة وكريمة، كانت ستُقدِّم له ما لم تملكه يومًا، ستحاول بكل قُدراتها ألا تكون أُمًا سيّئة على الأقل.
لكن الفُرصة سُلِبَت منها بالفعل، وها هي الآن لن تكون أُمًا أبدًا.
مضى الوقت وما زالت تجلس بمكانها؛ أرضًا بين رُكام الحُطام، حَلَّ الليل وانتشرت العتمة، لكنها لم تنهض لإنفاذ الضوء في الشِّقة المُعتِمة، بل هكذا جلست بالعتمة وما زالت تبكي، تبكي بصمت وبتعب.
سمعت صوت رنين الجرس، لم تجبه، جون، تشانيول، أيًا كان... هي لا تملك الرغبة برؤية أي أحد، ستُفضِّل أن تُسامر ضعفها وأوجاعها وحدها، هكذا هي تحزن.
...................
وأما في الخارج؛ فلقد بَلَغَ جون إتصالًا من جاي وهو في الخارج؛ لتأدية بعض الأمور المُتعلِّقة بعملهِ.
أبلغه أن الرجل، الذي رآه بالصور -جونغداي-، يحوم حول البناية، روزماري اليوم في عُطلة؛ لذا لم يخشى تبِعات الأمر كثيرًا، وخصوصًا أنَّهُ طلب منها مُشدِدًا ألا تخرُج إلا بصُحبة تشانيول أو جاي في غيابه، وهي لم تعترض بل إنصاعت.
لكنَّهُ المساء يعود؛ فيجدها قد غيَّرت رمز الدخول، وتأبى أن تفتح لهُ الباب؛ ساورهُ القلق والشَّك، يخشى أنها عَلِمت ويخشى أكثر أنها تأذَّت.
طرق الباب عِدة مرات ورنَّ الجرس كثيرًا، لكنها لا تستجيب.
"روز افتحي الباب... دعينا نتحدث رجاءً!"
"ماري أشعر بالقلق حقًا، فقط دعيني أطمئن!"
"حبيبتي؛ أنتِ بخير؟!"
"روزماري رُدّي علي!"
لكن كُل نجواه قد ضاعت هباءً، لا يبدو أنها سَتلين الطرف له هذهِ المرّة، لن تدعه يَلج ولا أن يراها فيطمئن قلبه.
تنهد مُستاءً وقَلِقًا، ثم نزل إلى غُرفة الأمن؛ لينظُر في كاميرات المُراقبة، لعله علم ما الذي حدث.
جلس أمام أجهزة الحاسوب، وإحدى رجال الأمن كان يبحث لأجله عن أي شيء مُريب في تسجيلات كاميرات المُراقبة.
"توقف هنا!"
تنهد جون مُستاءً عندما رآها تخرُج عن إتفاقهما وتخرج وحدها دون أي صُحبة معها.
"أكمله!"
رآها تبتعد عن مَدخل البناية، غابت قرابة العشرُ دقائق ثم عادت مُجددًا، لكنه الآن يرى ظهر رجل رفيع، يتجاوز طوله المِتر والسبعين بقليل، هذهِ هيئة جونغداي.
ضَرب جون قبضته بالطاولة بغضب، وهو يراه يتبع زوجته إلى داخل البناية رغم أنه واضح أنها تحاول مُحاشاتِه.
"انتقل إلى كاميرا المصعد لو سمحت!"
وها هو الآن يراهُما في المِصعد، جونغداي يتحدث إليها بملامح نَزِقة ولئيمة، وهي تُريه وجهًا مُتزعزع ثم مصدوم وضعيف.
"اللعنة على هذا فقط!"
صاح بتلك وخرج من غرفة الأمن، ركض إلى شِقَّتِه، طرق الباب مُجددًا؛ لكنَّهُ طرقه بغضب وإنفعال.
"ماري افتحي الباب قلتُ لكِ!"
"لوما فتحتِه سأكسره!"
"افتحيه ودعينا نتحدث!"
روزماري بالدّاخل لم تُحرِّك ساكنًا، بل فقط حرَّكت عيناها الذابلة نحو الباب دون أن تؤتي بأي حركة أُخرى.
استنفر جون بالخارج كما لم يسبق أن حدث معه، فهو يعيش الآن أكثر اللحظات رُعبًا في حياته، خوفه من خسارتِها هكذا يُرعبه ويَصُب الغضب في نفسه.
أخذ يركل الباب ويلكمه ويصرخ.
"ماري أجيبي!
افتحي الباب!"
إنفتح المِصعد وظهر تشانيول من بين دفّتيه، وما إن رأى جون بهذهِ الحالة السيئة هرع إليه يحاول تهدئته.
"جون، ما بك؟
هل تشاجرتَ مع روز؟"
لكن جون لا يتوقف، أبعده تشانيول بكل قوَّتِه عن الباب.
"ما الذي يحدُث معكَ أنت؟!"
صاح جون ولمعت في عينيه دموع غضب وخوف.
"جونغداي أخبرها بكل شيء، وهي تأبى أن تفتح الباب وتحبس نفسها بالداخل، أنا خائف عليها وعلينا، تفهم تشانيول؟!"
تنهد تشانيول مُستاءً ونبس.
"وهل وجدتَ أن الحل هو ضرب الباب؟
أنتَ لن تقدر على كسرِه والدخول لو تعلم!"
صاح جون.
"الآن ماذا أفعل إذًا؟"
تنهد تشانيول، وربَّتَ على كتفِه يقول.
"الآن إهدأ وتعال معي لنرى ماذا سنفعل"
وقف جون مُتخصِّرًا بإنفعال أمام باب شِقة ماري؛ لكن تشانيول سحبه من عضده؛ ليدخُل معه إلى شِقَّتِه.
"لن ينفعك وقوفك هُنا، ادخل ودعنا نُفكِّر بالأمر، حسنًا؟"
تنهد جون، ورمق الباب لآخر مرّة قبل أن يدخل الشِقّة بصُحبةِ تشانيول.
جلس جون على إحدى الآرائك، وجلس تشانيول قِبالته، وتشانيول تَحدَّث.
"روز الآن ستدخُل في حالة من الإكتئاب لفترة وجيزة، هي لن تؤذي نفسها، لكن السيء أنها لن تنفع نفسها.
أنا مُتأكد أنها الآن تجلس في العتمة، معدتها خاوية وحلقها جاف، تبكي وتُفكر... تبكي وتُفكر... وهكذا حتى يغلبها النُعاس، وتنام في أي رُقعة هي جالسة فيها"
تنهد جون وجعل رأسه بين كفّيه يقول.
"وأنا الآن ماذا أفعل يا تشانيول، هل أراها تنهار وتقضي على نفسها هكذا ولا أفعل شيء؟"
نفى تشانيول وهمس.
"الليلة دعها تفعل ما تشاء، وغدًا صباحًا سنحضر من يفك رمز الباب"
نهض تشانيول واعلم صديقه.
"الآن انهض يا صديقي، نَم وارتاح لتستعِد للغد"
تنهد جون مُجددًا.
"كيف سيأتيني النوم وأنا لا أدري ما الذي حَلَّ بها"
"لا تَكُ دراميًّا، هي قطعًا ستكون بخير، فقط دعها اليوم تحزن كما تشاء، غدًا لا تتركها تفعل ما تشاء"
رفع جون بصره إلى تشانيول وقال.
"أنتَ حقًا تملك دمًا باردًا، كيف لا تقلق بشأنها؟!"
حرَّك تشانيول كتفيه وقال.
"لأني عشتُ معها كثيرًا وأعلم كيف تحزن، لقد مرَّت بالكثير من الأزمات بالفعل، ونهضت في كل مرّة، وعادت أقوى من الأول.
ورُبما لستُ قلقًا لأنّها تملكك، لن تؤذي نفسها طالما لديها ما تتمسَّك بهِ في هذهِ الحياة"
.........................
ضَلَلتُ جالسًا في صالةِ الجلوس الخاصّة بتشانيول وحدي، الشِّقة غارِقة في الظلام والليل يكاد أن ينتَصِف، لكنّ لا يأتيني الوَسن، بل أنا حتى لم أُحاول أن أخلد إلى النوم.
كنتُ جالسًا قِبالة ساعة الحائط، ولا يُسمَع صوت في الشِّقة سوى صوت عقارِبها التي تتحرك كلما ضرب الوقت ثانية جديدة، الغضب المكتوم في جوفي أنجب جنون، جنون لا يُمكِن كتمه أبدًا.
حملتُ سُترتِي، وخرجتُ من الشِّقة اتَّصِل بجاي هيون.
"هل حصلتَ على ما طلبتُه مِنك؟"
أجابني جاي هيون، ولا يبدو من نبرة صوته أنَّهُ قد خَلَدَ إلى النومِ بعد.
"نعم، سأبعثهُ لكَ بِرسالة نصيّة"
أغلقتُ المُكالمة معه، وأسرعتُ لتقفِّي طريقي إلى حيث يقودني، صعدتُ سيارتي وقدتُ بتهور وسُرعة عاليّة، أحدهُم الليلة سَيُلقَّن درسًا قاسيًّا؛ كي لا يعبث معي مُجددًا أو مع إمرأتي الثَّمينة.
وصلت إلى حيثُ أعلم أن جونغداي يتواجد، فلقد إستأجر الأخير شِقّة فاخِرة في حيٍّ قريب من الحي الذي أسكنه؛ يَظُن في ذلك أنَّهُ يستطيع أن يكون من روزماري أقرب.
لكن المُستحيل أقرب إلى عينيه من زوجتِي، الآن روزماري باسمي، زوجتي؛ أي تَخُصُّني؛ أي إمرأتي؛ أي لي وحدي، ولا مجال لطرفٍ ثالث أن يكون بينَنا.
وقفتُ أمام باب الشِّقة، ووضعتُ يدي على الجرس، ولم أرفعها حتى فُتِحَ باب الشِّقة، أسقطتُ على وجهِ جونغداي لكمة من قبضةِ يدي جعلته يتأرجح، ويفقد توازنه لبضعةِ خطوات آنِفة.
دخلتُ إلى شِقَّتِه، وضربتُ الباب خلفي بقوّة، أما هو؛ فوقف ليُقهقِه، ويمسح على جُرح شفتيه بأطراف أصابعه.
لاك فكِّه، ثم رفع بصرهُ إليَّ وتمتم، وتلك الإبتسامة لا تنفك تُشوِّه ثغره المشوَّه بالفعل.
"ماذا؟ ألم تُعجبكَ هديتي لزواجِك؟
إعتبرها مُباركة مُخلِصة!"
هذا الرجل يستنزِف صبري ونُتف الرَّجاحة الباقيّة في عقلي، تنهدتُ قبل أن أنظر إليه، فنبس يكوِّر شفتاه.
"اووه! تبدو مُخيفًا يا رجل!"
حرَّكت عُنقي، وسمحت للغضاريف أن تتضارب في جوفه، ثم عدتُ لأرمقه مُجددًا وأنا على حِفَّة التَّهور.
"ما غرضُكَ من هذهِ الهدية المقيتة؟
أن تنزع زواجي أو تحصل على زوجتي؟"
قهقه جونغداي بغضب، ثم نظر إليَّ يومئ برأسه.
"تعلم... كلمة زوجتي هذه تُضايقني، استبدلها بشيء آخر"
جعلني أضحك مِما قال وأستأنِف لإغاظته.
"ضايقتكَ أم لا، آخر همّي، روزماري زوجتي الآن، حَرمي"
رفع كفيه يومئ؛ يريدني أن أسكت، وتناول دَفَّة الحديث عنّي.
"أتُريد أن تعرف ما الذي أطمح عليه؟!"
إلتزمتُ الصَّمت، فأومئ ضاحِكًا.
"حسنًا، سأُخبرُك!"
إقترب مني؛ يقف مُتحديًّا إياي، وأفشى عن نواياه الخبيثة بنبرة حقيرة.
"هدفي واضح... ماري!
أن أستعيدها لي... وإن ما نجحتُ في ذلك سأكتفي بتدمير إرتباطها بأي رجل تختاره بعدي؛ لأنَّهُ..."
وكز صدري بقبضته، ونبس يَصُر على أسنانه غاضبًا.
"إما أنا، أو لا أحد!"
قوله ذلك جعلني أزفر أنفاسي ساخِرًا، فرمقتهُ بسخرية كذلك بغضب، وبزغت إبتسامة -أنا مُتأكد أنها لئيمة- على شفتيّ.
"أنت حقًا واهم، ألا تعلم!"
أزحتُ يده عن صدري بقسوة، ولكمتهُ في صدره بقوّة، فتراجع عِدة خطوات يفقد توازنه مُجددًا، وأنا اختزلتُ المسافة بقطعها إليه؛ لألكمه مُجددًا فقط.
"أنتَ ماضي روزماري، الذي لا تُحِب أن تتذكره، ولو أنها تقدر؛ لمسحت اسمكَ من سيرتها الذاتيّة كُليًّا، بل لَمسحتكَ من الوجود!"
لكمة أخرى نالها في صدره حالما أدركتُه فتأخر مُجددًا وأنا تقدَّمت.
"بأي حق أنتَ تُطالب بها؟ ها؟
أتظُن نفسكَ حقًا تستحقها؟
ماذا قدَّمتَ لها أنت؟!
هل أُخبركَ أنا ماذا فعلت؟"
رفعتُ حاجبي أرمقه بسخط، وهو تلقى لكماتي وكلماتي بملامح مقبوضة غضبًا، لكنه لم يتكلَّم، وأنا ضربته مُجددًا؛ اللكمات بعددِ الكلمات.
"جعلتها لكَ مِثلَ خادمة... لا أستبعد أنَّك جعلتها تمسح حذاءك حتى!
تتذكر أنها زوجتكَ في قاع الليل فقط، منعتها عن تكوين ذاتها، منعتها أن تستأنِف دراستها، لم تستثمر مواهبها، بل منعتها أن تخرج من باب منزلك حتى!"
كلانا يرمق الآخر بخشونة، لكن عيناه على عكسي مُمتلئة بالدموع، ذلك أشعرني بالنشوة، كذلك وَهنه، كلما لكمتهُ تراجع فقط والتزم الصمت.
"أنتَ ماذا قدمت لها؟ أخبرني!
كيف طاوعكَ قلبكَ أن تضرُب وجهها، أن تُعنِّفها، ألم تَكُ تُحبها؟"
صرختُ في وجهه حتى إحمرَّ وجهي وانتفخت أوداجي، ودموعه على وجنتيه إنسكبَت؛ وما فتئ يرمقني بأعين حمراء، وما فتئ صامت وأنا أتكلَّم، أنا أضربه وهو يتلقى ضربي بصمت.
"لو أحببتها فعلًا لجعلتها تعيش في عِز، لأن الحُب يعز ولا يذل، لكنك أذللتها!"
رفعتُ سبّابتي في وجهه ونبستُ ألومه.
"لو قدَّرتَها حق قدرِها، لو أحببتَها حقًا لما كُنتَ تلهث خلفها الآن هكذا كما لو أنَّكَ كلب، لكنكَ من خسرتها بفعلِ يداك."
نفث أنفاسه وأشاح بوجهه عني؛ لكنّي لاحقته بآثامه.
"أخبرني أنتَ الآن لِمَ غاضب وعُدتَ لِتنتَقِم؟!
لأن تشانيول تلاعب بالتحاليل، ألا تدري لِمَ فعل ذلك؟"
نظر لي مُجددًا كما لو أنَّهُ حقًا لا يدري السبب خلف فعلة تشانيول، لكنّي أرويتُ فضوله لو كان جاهلًا أعمى البصيرة.
"فعل ذلك لأنَّهُ يعرفك، يعرف كم أنتَ دنيئ وحقير، كُنتَ ستذلُها أكثر، وتُعيّرُها، وتنعتها بالنّاقصة، كنتَ ستمنُن عليها، وتكسر قلبها أكثر؛ لذا تشانيول كان على حق عندما بدَّل النتائج."
كان يرمقني مُتفاجئًا، والآن أفهم سبب نظراته هذه، فعشوتُ إليه استنكِر.
"ماذا؟!
هل أنتَ مُتفاجئ أنّي أعلم؟
لربما تتسآل بعقلكَ الضئيل هذا كيف تزوجتُها رغم ذلك؟"
بدى فضوليًا عن أسبابي الشيّقة، لذلك مُجددًا أوفيته بإجابتي.
"أنا لستُ مثلك، أنا لم أتزوجها لأي مصلحة كانت.
أنا لم أتزوجها لأنها جميلة، أو لأنها مشهورة، أو لا لتُنجِب لي، أو تخدمني، أو لأجد جسدًا جميلًا أقتات عليه.
أنا تزوجتُها لسببٍ واحد فقط... لأني أُحبُها.
سببٌ أنتَ لن تفهمه أبدًا، كلمة أنت لا تعرف قيمتها!"
تنهدت وتراجعتُ عنه أقول.
"والآن أنا أحق بها منك، أنا أُحبها، وأفتخر بها، وأعزها، وأُدللها، لأنّي أُقدِّرها حق تقديرها، وأدري أنّي أمتلك في بيتي جوهرة، هذه الجوهرة التي أصبحت على اسمي بكدّي، وتعبي، ورضاها."
عاد يرمقني بغضب، وأنا رفعتُ سبَّابتي بوجهه أُحذِّره للمرة الأخيرة.
"لذا... لا تُفكِّر أبدًا أن تضع أصبعًا عليها، أو أن تقع عيناك عليها، تعلم لِمَ؟!"
أمسكتُ بياقته بِكلتا قبضتي أخنُقه واتبعت أصر على أسناني كما أصر على كلماتي.
"لأني لن أكتفي بالكلام، ولا بسكين، أنا سأقتُلُك آنِفًا... أقسم أنّي سأفعل!"
أفلته ونبست.
"والآن قبل أن أُغادِر، اسمح لي بلكمة!"
سحقتُ وجهه بلكمة أخيرة أفقدته توازنه فسقط أرضًا، ثم أنا نبست قبل أن أخرج.
"فقط لأنكَ تستحق!"
أحيانًا ما تكون عضلة اللسان أقوى من القبضة، أنا لآخر مرَّة لقَّنتهُ درسًا كلاميًا رغم أنّها لم تَكُ تلك نيتي عندما أتيت، لو سمح لنفسه بمرة قادمة؛ سألقنه درسًا عنيفًا... لأن لغة القبضة تنفع مع الجُهلاء فحسب.
........................
طلعت شمسُ صباح اليوم التالي؛ وروزماري ما زالت تجلس في مكانها مُذُّ الأمس، لكن النوم سُلطان، قد سرقها من أوجاعها، وضمَّها في كُنِفه.
لكن روزماري سمعت صوت ضوضاء قريبة منها؛ وذلك ما جعلها ترفع رأسها عن حِجرِها، وتستعيد وعيها.
نظرت ناحية الباب، الصوت يصدُر من هُناك، إزدرئت جوفها وضمَّت نفسها بذراعيها، تشعر بالخوف؛ لكن لا تدري لِمَ، ومِمَن هي الآن تشعر بالخوف.
انفتح باب الشقة، وسمعت صوت دبّات حذاء قبل أن تُدرك عيناها صاحبها، ولم يَكُ سوى جون، تنهد بأنفاسٍ ثقيلة ما إن رآها، ثم هرع لإحتضانِها بين ذراعيه الدافئين.
أخذ يمسح بيده على رأسها وهو يُتمتِم.
"لِمَ تفعلين كل هذا بي؟!"
وجدها ساكنة تأبى أن تتحرَّك، فرفعها بلُِطفٍ عنه، ورفع ذقنها لينظر في وجهها، ملامحها ذابلة وعيناها قد تورَّمت.
مسح على وجنتها بإبهامِه برفق وهمس.
"لا تبكي أكثر من ذلك، يكفي"
وقف وحملها بين ذراعيه إلى الداخل، وضعها على السرير، ورفع عليها الغِطاء، أمسك بيدها وأخذ يُربِّت عليها بِرِفق.
"روز؛ لا تؤلميني بكِ حبيبتي!
مهما كان الذي سمعتِه لا تسمحي للضعف أن يتسلل إلى نفسِك، ولا تجعلي اليأس يسيطر عليكِ، لا بأس... لكلِ مشكلة علاج، حسنًا؟"
رفعت روزماري لتنظر له بعينيها الدامعة، مسح لها دموعها ونفى برأسه ألا تبكي، ثم ضمّها بين ذراعيه مُجددًا، وهو يربت على ظهرها.
"لا بأس حبيبتي، حقًا لا بأس!"
أغمضت عيناها ترتاح برأسها على كتفه.
"هل هي بخير؟"
بمجرَّد أن سمعت صوت تشانيول، رفعت رأسها عن كتف سوهو، ورمقته بغضب، لكنه لم ينتبه، واقترب منها يُربِّت على رأسها.
"أنتِ بخير؟"
أبعدت يده عنها بقسوة ونبست.
"لا تلمسني!"
نَظرَ تشانيول إليها ثم إلى جون، وسحب يده مخذولًا، إزدرئ جوفه وطأطأ رأسه ينبس.
"في ذلك الوقت؛ كُنتِ تعيشي حياة الضَّنَك مع جونغداي، خشيتُ عليكِ منه ومن نفسِك؛ لذا بَدَّلتُ النتائج"
تنهد وإلتفتَ يمنحها ظهره.
"لو عاد بنا الزمن كنتُ سأفعل ذات الشيء مُجددًا؛ لذا أنا لستُ آسفًا أبدًا!"
نهضت عن حِجرِ جون، وأنقضَّت بأظافرها على ظهره؛ تكمش على قميصه وتصرخ به.
"لِمَ لم تُخبرني؟! أنا مُطلَّقة مُذُّ خمسة سنين؛ طيلة هذهِ السنين لم تجد لنفسكَ فُرصة واحدة لتُخبرني الحقيقة؟
هل خداعكَ لي أشعرك بالنشوة؟!"
إلتفت لها وكانت ملامحه مُنقبضة في غضب.
"النشوة؟ أتسمعين الهُراء الذي تتفوهين به حتى؟!"
نهض جون وتمسَّك بزوجته يحاول تهدئتها، وتشانيول اتبع كلامه.
"لم أتمكَّن من فعلِ ذلك أبدًا، أنا لم أنتظر الفُرصة لأخبرك بالحقيقة؛ لأني ما كنتُ أنوي إخبارك!
وكيف أُخبرك وأنتِ أصبحتِ في عينِك وعيون الناس أجمعين المرأة المثاليّة؟
لم أُرِد أن تشعري بالنَّقص أو تتبدَّد أحلامك، أنا كنتُ أخاف عليكِ منكِ وما زِلت، فكيف أُخبرك؟!"
نبست وعيناها تدمع.
"وإذًا؟! هل الحال الذي أنا عليه أفضل الآن؟!
لو أنَّكَ أخبرتَني من قبل لما تزوجتُ مُجددًا مهما سوَّلت لي نفسي، أنتَ بفعلتك هذه جعلتني أُعرِّض رجُل كل همه أن يُنجِب منّي طفل للغُش والخداع وأنا لا أدري!"
حينها تدخل جون ونبس.
"لكنّي كنتُ أعلم بالحقيقة من قبل أن أتزوجك، أنا لم أتعرَّض للخِداع ماري"
"ماذا؟!"
إلتفتت إلى جون ونبست بهذهِ بلا تصديق، ثم تهكَّمت بغضب تنظر إلى الرَّجُلين.
"أي أنّي الوحيدة التي تعرَّضت للخداع؟!"
كلاهما طأطأ برأسه ولم يسترسِل بحرف، ولكنها غارت بغضبها على جون تدفعه من صدره، تصرخ في وجهه وتبكي.
"لِمَ لم تُخبرني أنتَ الآخر، أنا حقًا لا أفهمكم!"
تمسَّك جون بمعصميها، وجعلها تجلس رُغمًا عنها، وهي تحاول أن تتفلَّت من قبضتِه.
"أتركني! أخبرتُكَ أن تترُكني!"
لكن جون نبس بغضب، ولم يفلُتها.
"لأنّي خشيتُ على نفسي وعلى حُبي منكِ ومن جنونك، إهدأي الآن... يكفي جنون!"
دفعت بيديه عنها ونبست تستنكر بغضب.
"أتقول عني مجنونة الآن؟!
هل لأني غاضبة من أكاذيبكم أصبحتُ مجنونة؟!"
همس جون.
"لم أقصد... أنا آسف!"
صرخت بأعلى صوتها حينما إمتدَّت يده ناحيتها؛ كي يُمسِك بها مُجددًا، وقفزت من فوق السرير تضرب كلاهما بالتُّحف الصغيرة، التي تضعها هنا وهناك.
"أخبرتُكَ أن تتركني وشأني!
اخرجوا كلاكما، لا أريد رؤية أحد، اخرجوا!"
فيما تشانيول وجون يحاولان تحاشي الضربات يحاولان تهدئتها، لكنها لا تهدأ، بل صرخت بهم ورمتهم بكل شيء في الغرفة، ثم وقفت بصعوبة.
"ماري، أنتِ بخير؟"
همس جون بهذه وهو يراها تتهاوى، ضاق نفسها وشعرت بالدوّار الشديد، ثم سقطت أرضًا.
"روز!"
هرع كلاهما إليها بعدما صرخ جون باسمها هكذا، رفعها جون إلى حِجره، وأخذ يربِّت على وجنتها ويناديها بقلق.
"حبيبتي! أرجوكِ أنا آسف!
أفتحي عينيكِ!"
تشانيول تحدَّث بهلع.
"دعنا نأخذها إلى المستشفى بدلًا من ذلك!"
سُرعان ما وافقهُ جون، فحملها على ذراعيه.
"اسبقني واحضر السيّارة سريعًا!"
................
كانا جون وتشانيول يقفان أمام بوّابة الطوارئ؛ حيثُ روزماري تتلقّى الرعاية الطبيّة اللّازِمة، تشانيول يستند على الحائط قُرب الباب، وجون يسير جيئةً وذهابًا في قلق.
تشانيول تنهد قبل أن ينبس.
"إهدأ يا جون، روز ستكون بخير"
تنهد جون وأومئ.
"أرجو ذلك حقًا!"
كلاهما إلتفت ناحية الباب حينما هَمَّ أحدهم بفتحِه، وما إن ظهر الطبيب هرع كلاهما إليه، إذ جون تسآل.
"أخبرني أيُّها الطبيب، كيف هي زوجتي؟!"
"هي بخير الآن، تعرَّضت لإنهيار عصبيّ وإنخفاض حاد في ضغط الدم، أوصي أن تَبيتَ الليلة لدينا، وغدًا يُمكِن إخراجها إذا إستقرَّت مؤشِّراتها الحيويّة"
إنسحب الطبيب من لديهما، ثم بعد ثوانٍ؛ ظهرت روزماري يسحبونها على سرير وهي نائمة، تَبِعها الرَّجُلين حتى أركنوها في غرفةٍ خاصّة، وضلَّت المُمرِّضة؛ لتضع لها في وريدها ما تحتاجه من مواد طبّيّة.
خرجت المُمرِّضة وبقيَ الثلاثة فقط، روزماري التي تنام وجون وتشانيول قُربها، كلاهما يترقبان إستيقاظها والقلق والأسف يطغان عليهما.
مضى الوقت بالفعل؛ وكان تشانيول مُضطَر أن يغادر لأجل العمل وجون بقي لديها... هكذا حتّى حَلَّ الليل، وغرقت الشمس في كبد السماء، وظهر القمر بدلًا منها.
كان جون يجلس على يمينها ولا ينفك ينظر لها، يرمُقها بنظراتِه الحزينة، أمسك بيدها، ورفعها إلى شفتيه يُقبِّلُها، ثم جعلها إلى وجنته.
"أنتِ لستِ ناقصة يا حبيبتي، وأنا لن أسمح لأي شيء أن يُفرِّق بيننا، أنا لا بأس معي لو لم نُنجِب طفلًا أبدًا، لكنّي لن أستطيع أن أستمِر في حياتي هذهِ دونكِ؛ لذا أرجوكِ فكّري بي وحقيقةَ ما أشعرُ بِهِ أيضًا، حُبنا لا يحتاج طِفل ليُمتِّنه، حُبنا مَتين كفاية لِنكتفي به!"
وهكذا ضلَّ معها جالسًا دون أن يُفارقها ولو لدقيقة واحدة حتى دقَّت الساعة العاشرة ليلًا الأبواب... خرج جون؛ لتأديةَ مُكالمة هاتفيّة عاجِلة مع سيهون؛ لأجلِ بعض القضايا المُتعلِّقة بالنَّشر، فاليوم لم تَهبِط خاطرة على مَنصَّتِه الإلكترونيّة؛ وذلك ما سبَّب قلق لِدى المُعجَبين.
خلال تِلكَ الدقائق؛ روزماري فتحت عيناها، لقد سبق لها أن إستيقظت، لكنها كانت بإنتظار الفُرصة المُناسبة لتفتح عيناها؛ وها قد حانت.
قعدت على السرير، وسحبت تلك الإبرة من يدها؛ فيما وجهها، الذي إنقبضت معالمهُ بألم، يتكلَّم عن كم أنَّ الأمر مؤلم، نهضت عن السرير، وأخذت سُترة جون معها.
خرجت مُتسلِّلة من غُرفتِها؛ فيما هو يمنح الباب ظهره، وبعيد نسبيًّا ليشعُر بها خلفه، على رؤوس أصابعها هربت، ثم أخذت تركض تنتعِلُ شِبشِب المُستشفى الخفيف.
ركضت هربًا من أمام المُستشفى، وارتدت سُترة جون فوق زي المرضى، كانت تسير وتسير وتسير، الغضب ما زال يعتمر بخلدِها وروحها ثائرة، لكنها كانت تشعُر بالعجز والحُزن أكثر من كُلِّ ذلك.
لم تُرِد أن تبكي أكثر، لكن دموعها كانت تسقُط على خدّيها دون أن تقدِر على التَّحكُّم بها، مسحت على خدّيها وهي تسير ورأسها مُطأطأ؛ كي لا يتعرَّف عليها النّاس.
توقفت عِندَ باب إحدى الحانات، تبسَّمت تَسخر من هذهِ التدابير، يُقال أن الخمر يُنسي الأوجاع... هي، التي لم تُجرِّب أن تشرب الخمر طيلة حياتها؛ الليلة ستُجرِّبُه على شرفِ النسيان.
وَلَجَت إلى الحانة، ورَبَضَت أمام البار، ثم أشارت للسّاقي.
"اسكب لي كأس من أي شيء لديك!"
بدت غريبة ومُريبة في رداء المستشفى والسُترة الرِّجاليّة التي ترتديها فوقها، لكن الساقي خدمها بصمت، وصبَّ لها كأس خمر.
رفعتهُ روزماري إلى شفتيها، وأحسَّت بتلكَ الحُرقة والمرارة توقد في حلقِها، رُغم ذلك؛ تحمَّلت وسكبته في حلقها دُفعة واحِدة، ابتلعته بصعوبة، ثم وضعت الكأس على البار تقول.
"اسكب لي المزيد"
وهكذا تعدَّت الكأس العاشر وقد غرقت بالثمالة فعلًا.
"سيدتي، ماذا تفعلين هنا؟!"
إلتفتت روز إلى الصوت، وضيَّقت عيناها، فالصورة مُغبَّشة في عينيها، ثم ابتسمت.
"اوه جاي! لم أتوقع أن تجدني أنتَ أولًا!"
تنهد جاي وجلس بجانبها؛ يمنع الساقي أن يسكُب لها المزيد.
"هل نسيتِ ما قُلتِه لي؟! ألم تُهدِديني لو آذيتُ نفسي؟"
سخرت روز ونبست.
"لستُ أنوي أن أنتحر، أنا فقط أشرب!"
سحب الكأس من يدها وقال.
"لكنَّكِ تؤذي نفسكِ بالشُّرب الآن، من المُفترض أنَّكِ في المُستشفى تتلقّي العلاج، لا أن تتسكَّعي هُنا بثيابِ المُستشفى!"
تمسَّك بكتفيها، يُنهِضها رغم مُقاومتها الضعيفة.
"اتركني!"
لكنَّهُ كان مُصِر.
"يكاد زوجكِ أن يصل؛ لذا أن نلتقيه خارجًا أفضل من أن نَلتقيه هُنا"
جعلها تنهض رُغمًا عنها، ووقف بصُحبتِها قُرب الحانة بإنتظار جون، الذي قد وصل أخيرًا، ترجَّل جون من السيّارة بغضب، واقترب منها سريعًا، فبإرتباك جعلها جاي تقِف في ظهره، ونبس يحاول تهدئة جون.
"لا تغضب منها... إهدأ أولًا!"
تنهد جون، ثم ابتعد قليلًا يدور حول نفسه مُتخصِّرًا، يحاول تهدئة نفسه المُعتلّة بالغضبِ الآن... ثم أخيرًا إلتفتَ إلى جاي، ورمقها، التي تقف بظهرِ جاي بلا أن تَعي ما يحدُث حولها.
تنهَّدَ جون مُجددًا ونظرَ إلى جاي.
"ماذا تظُن أنّي فاعل؟! أنا لن أؤذيها!"
أمسك بعِضدها واجتذبها إليه، جعلها أسفل ذراعه، ثم سحبها برفق معه إلى سيارته، أشار لجاي أن يصعد معه، ثم انطلق عودةً إلى المنزل.
غادر جاي إلى شقَّتِه فور وصولهِم، وجون حَمَلَ روز إلى شِقَّتِهما.
وضعها على السَّرير برِفق، ثم أراد أن يبتعد عنها ليُحضِر لها ثيابًا نظيفة، لكنَّها تمسَّكت بقميصِه من جُب فإلتفت لها، كانت الدموع تَملئ عيناها عندما نبست.
"طَلِّقني جون!"
تجمَّد في مكانِه لوهلة؛ وكأنَّ أحدهُم صَبَّ على رأسِه ماءً مُثلِج، استغنى عن إحضار الثياب لها، ورفع عليها الغطاء، أغلق الضوء، ثم الباب، وتركها وحدها.
توجَّه إلى صالةِ الجلوس، وارتمى بجسدِه على الأريكة، تِلكَ الكلمة، التي نبست بها بثمالة، جعلت بَدَنَه يقشَعِر وقلبه ينبض بخوفٍ وقلق.
الحياة لا تَسير على هذا المِنوال معه؛ وهو لن يسمح لها أن تنفَصِل عنه لمثلِ هذا السبب التافه، ولا لأيّ سببٍ آخر سيتركُها... لم يَقدر أن ينام ليلًا؛ فالكلمة قد سبَّبت له الأرق بالفعل؛ فجافَهُ النوم ولم تُجافيه الأفكار العقيمة التي تدور في خلدِه.
تأمَّل فقط أن تَصحو غدًا، تكون قد نسيت ما تفوَّهت به لِتَّو، وتستعيد أشُدَّها شيئًا فشيئًا؛ لأنَّهُ لن يسمح لها بالإبتعاد عنه أبدًا، ولن يسمح لها أن تبقى متآكلة وضعيفة هكذا أبدًا.
عليها أن تعود روزماري التي يعرفها سريعًا.
لأنَّ هَيبَتُها كُل القِصّة...
....................................
في الصباح الباكِر؛ إستيقظت روزماري على ألمٍ شَنيع في رأسِها، ولم تَكُ تتذكَّر شيئًا؛ مِثل كيف وصلت إلى هُنا... تنفَّسَت بصعوبة؛ ورويدًا رويدًا؛ إسترجعت ذكريات الأمس حتى لَثمت شفتاها أول كأس خمر.
تمسَّكت في رأسِها بألم، وتمتمت.
"اللعنة! لا أُصدِّق أنّي ثملت!"
نهضت إلى دورة المياه، لتستحِم، وتُبدِّل ثيابها، ثم تُسرِّح شعرِها... إنتهت من كل ذلك، وها هي تجلس أمام مرآتِها، تنهدت تنظر إلى نفسها، وفكَّرت ما الذي يجب أن تفعله.
خطوة واحدة واضحة الآن... الإنفصال.
لا تأخذها العِزّة في نفسِها أو حَرّة الغضب؛ لِتُقدِم على هذهِ الخطوة الفاصِلة في علاقة ما زالت تَحبو، لكنها لا تستطيع أن تستمِر؛ ليس لأجلِها، بل لأجلِ جون.
لا ترى أنها تملك الحق أن تلزمه بها طيلة العُمر، وتحرمهُ من حقِّه بأن يكون أبًا، هذا حَقِّه، وإن قال لا بأس؛ فعندها هي كل البأس، لا يمكنها أن تحرمه من أبسط حقوقه فقط ليبقى معها.
تعلم أنه سيرفض، وربما يغضب، ويُقدِم على فعلٍ مُفاجئ؛ لكن لا يُمكِن... مهما فعل لن يقدر أن يُبدِّل ما في خاطِرها، أو أن يقنعها بكلامه المعسول مُجددًا.
خرجت روزماري من غُرفتُهما تنظر في الأرجاء، إستقطب أنفها رائحة الطعام الزَّكيّة؛ فتوجَّهت إلى المَطبخ.
كان جون يقف؛ ليعُدَّ طبقًا أمام الموقد فيما يربط حول خصرِه روب المطبخ، إلتفت لها وابتسم حينما شعر بحركتها خلفه؛ ثم نبس.
"الفطور يكاد أن يجهز... اجلسي حتى أُقدِّمُه"
تقدَّمت منه ونظرت في ما يصنع.
"ما هذا الحساء؟"
"حساء يساعدكِ أن تتخطّي آثار الثمالة، لم أتوقَّع يومًا أنّي سأُحضِّرَهُ لكِ؛ لكن ها نحنُ ذا!"
رمقته بصمت؛ إذ شعرت بنبرة التأنيب، التي قصدها بها، ثم تراجعت لتجلس على طاولة الطعام.
"أرجو أنّي الأمس لم أرتكِب أيَ حماقة"
سكب لها من الحساء، ثم آتى وجلس قِبالتِها يقول.
"فعلتِ، لكن أمامي فقط؛ فلا بأس!"
أومأت بصمت، ثم غطَّست المِلعقة في الحساء لتسكبها بفمها، وهو راقب معالمها يبحث عن رِضاها عن طعم الطبق، لكن ملامحها كما دائمًا؛ لا تُقرأ.
"كيف ترين طعمه؟!"
"لذيذ... تَرِبَت يداك"
أومئ لها وبانت على شفتيها إبتسامة، ثم نهض، إختفى لدقيقة، ثم عاد يحمل كأس ماء وحبة دواء.
"بعد أن تنتهي تناولي هذا الدواء كي يزول الصُّداع"
أومأت له مُجددًا، وما إن إنتهت من طبق الحساء؛ تناولت حبّة الدواء فربَّت على رأسها برضى، ثم وقف ليغسل الصحون.
إقتربت روز، ووقفت عند البار تستند إليه بمرفقيها وقالت.
"هل أُعِدَّ لنا القهوة حتى تنتهي، ثم نجلس لنتكلَّم قليلًا!"
توقفت يداه عن العمل؛ لأنه شعر بأن شيئًا سيء قادم ليُدركه، لكنه أومئ لها على آيةِ حال؛ فلا مجال للهرب من شيء حَتمي.
وضعت أمامه كوب قهوته، ثم جلست، كانا يجلسان بالشُّرفة، ما زالت الشمسُ خفيفة والصباح جميل.
"جون... أنا آسفة لما سببتَهُ من متاعب لكَ الأمس"
نفى برأسه، وربَّت على يدها يقول.
"لا تقولي شيئًا كهذا حبيبتي؛ لا بأس!"
تنهدت مُجددًا وطأطأت برأسها، لُطفهُ معها يُكبِّلُها، يُثقِل لسانها.
"جون؟"
"هَيبتُه؟"
"أنا لا يُمكن أن أُنجِب لكَ طفل"
أراد أن يتكلَّم، لكنَّها قاطعته حينما أمسكت بيده، التي يمسك بها كوب القهوة.
"الأمر لا يتعلَّق بك وحدك، إنها مسألة أوسع مِنّا، عائلتكَ تنتظر أن ألِد لهم حفيدهم الأول، أنا أعلم أن هذهِ رغبة والدك الأخيرة الذي صِحَّته بتهور، كما أن آيرين لا يمكن أن تسبقنا بالإنجاب، هذا عُرف عائلتك بالنهاية.
أنا لا أود ألا يرى والدك طفلًا لكَ من صُلبَك، أو أن تَظل أحلام آيرين مُعلَّقة بسببي، أو أن تعيش أنت وفي قلبكَ حسرة، أن تؤلمك رؤية أطفال الناس بدل أن تُفرحك.
أنا لن أُرضي حُبي وأتملكك بأنانيّة لأُرضي نفسي، أنتَ لدي أهم من نفسي، وأحلامك هي أحلامي، ولكن إن أنا عجزتُ عن تحقيقها؛ لا يسعني أن أجبركَ على البقاء مع عقيم مثلي.
دعنا ننفصل!"
أخذ ينظر لها بصمت، لا يقول شيء، لكنه لم يَكُ بخير أبدًا مع ما قالته، لا يُمكنها أن تتخلَّص منه ولو فعلت ذلك لصالحه.
وضع كوب القهوة ثم وقف يحمل سترته وقال.
"هناك بعض الأمور في العمل عالقة؛ لذا يجب أن أذهب لدار النشر بنفسي لأحلّها... أراكِ مساءً"
نهضت تتبعه حتى تمسَّكت بعِضده تستوقفه ونبست.
"أنا أريد الطلاق!"
أفلت يده منها بقسوة وإلتفت لها بغضب.
"وأنا لا أُريد أن أُطلقِك... لن يحدُث!"
كادت أن تتكلَّم لولا أنَّهُ رفع سبّابته في وجهها مُحذِّرًا.
"وهذا الحديث أياكِ أن تفتحيه معي مُجددًا، تفهمين؟"
شدَّت عودها بتحدٍ ونبست.
"لا أفهم، لا يمكنكَ أن تُجبرني عليك، أنا أريد الطلاق وهذا قطعيّ، ولا يُمكِن لسقفٍ أن يجمعنا مُجددًا!"
ارتفع حاجبه عن ناصيته ونبس بغضب.
"حقًّا؟!"
"نعم، حقًّا!"
أومئ لها، ثم ولج البيت مُجددًا، أخذ جميع المفاتيح في المنزل، أغلق الشُّرفة، قطع سلك الإنترنت، ثم حمل هاتفها وأدرك الباب.
"أنتَ ماذا تفعل الآن!"
صرخت بعصبيّة، وبإنفعال ضربت صدره بكفّيها، تمسَّك بعضديها ودفعها نحو الحائط حتى أنها أنَّت مُتألِّمة؛ وهو نبس.
"أريني قُدراتِك، كيف ستهرُبين؟!"
تبعته تحاول إدراكه، ولكنه سبقها بالفعل؛ إذ خرج وغيَّر كلمة السِّر مُجددًا، واحتياطًا أقفل الباب بالمُفتاح؛ ثم غادر إلى عمله العاجل.
لم يتزوجها عبثًا، كان يعلم أن هذا الوقت قادم لا محالة، وبصفته زوجها؛ يمكنه أن يفعل تصرُّفًا شنيعًا كحبسها في المنزل.
جون على إستعداد أن يفعل أي شيء؛ ليُحافِظ عليها وعلى هذا الزواج.
....................
يُتبَع...
الفصل السّادِس والعِشرون "أغرق في بحرِك"
الجُزء الخامس والأخير "لا تؤذيني بكِ!"
الرواية العاطفيّة"هَيبتُها||Her Savage Love"
...................
سلااااااااام
إعلان واحد قبل ما انسى... الجزء الخامس هو الأخير، طبعًا القُرّاء الصاحيين بيتذكروا أني قلت الرواية من سِت أجزاء، لكن ما بين الجزء الخامس والسادس ما في فاصل قوي؛ لهيك دمجتهم... طبعًا هذا ما بأثر على عدد الفصول الباقية أبدًا.
ضل قرابة عشر فصول فقط.
الفصل القادم بعد100 فوت و100كومنت.
1.رأيكم بجون؟
2.رأيكم بروز؟
3.تشانيول؟
4.ما مصير علاقة تشانيول وروز؟ وعلاقة جون وروز؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤Love❤
Коментарі