CH8|| سماءٌ وبَحر
كيم جون ميون( سوهو)
(حتى تؤمني بحُبي)
هَيّبَتُها|| الحرب
" سماء وبَحر"
" قلب؛ أنتِ الخافِق في صدري؛
أموت لولاكِ.
سيدتي أُحبكِ، فاسمعي نِدائي...!
إن لي قلبًا في حُبكِ عامر، فلا تهدميه بعصاكِ...!
لي أنتِ، من بين نساء الدُنيا قلبي وقع في شِباكِكِ أنتِ...
لأنكِ صيّادة ماهرة يا سيدتي، إخترتِ قلبي ليقع في هواكِ.
أنتِ الشريان، أنتِ الوريد، أنتِ العِرق، وكل نبضة تَطئ قلبي.
فهلّا وهبتِ هذا القلب المُعذَّب نِصابه منكِ؟!
إلى عذراء القلب
الكاتب سوهو"
.........
نظر في كأس القهوة على طاولته، وأخذ يتحسس فاه الكوب بلا أن يجرّدها من فضولها، إنها عادته عندما تزاحمه الكلمات في مَحفل الأوراق أو في مثل هذا المَحفل معها، مَحفل المشاعر.
لكنه قرر أن يكون صادقًا معها من البداية حتى اللانهاية، فهو لا يُريد أن يبني هذه العلاقة معها على كِذبة مهما كانت ضئيلة أو ضيّقة.
ذكّرته تريد إجابة، تُصِرّ أن يرضي فضولها، خصوصًا أنه صامت ومتوتر.
" ألن تُخبرني؟"
رفع رأسه لها عندما إستجوبته بملامح يملئها الإستنكار كذا شيئًا من الإنزعاج.
" بلى يا هيّبة؛ سأُجيبك!"
فأشارت له بيدها أن يسترسل تستعجله الكلام، حينها تنهد يضم أصابعه في كفه أسفل الطاولة، ثم أخيرًا نظر في عينيها.
" نعم، أنا من يبعثها لكِ"
كمشت جفونها، ورمقته بنظرات مجبولة بالتساؤلات الكثيرة.
" ولِمَ؟!"
تبسّم، وأراح ظهره إلى ظهر الكرسي يقول.
" لا مزيد من الأسئلة الآن، سأُجيبك حين نعود إلى سيؤل، وأجعلكِ تستكشفي الإجابات بنفسك سيدتي"
أمالت رأسها تنظر إليه، إذ لا تعجبها الطريقة التي يتكلم بها الآن، يُعطيها أطراف أجوبة؛ لا أجوبة كاملة، وكم إستطابت له نظراتها المُنزعِجة في ذلك الحين.
" أهو سِر؟!"
برم شفتيه ثم أومئ.
" نعم؛ سِر حتى أدعكِ تكتشفينه بنفسكِ"
ورغم أن الفضول يساورها بهذا الشأن إلا أنها لم تسترسل بالمزيد، لن تكون لحوحة وهي تكره اللحوحين.
عجبًا لهذا الرجل!
كيف له أن يجعلها فضولية بشأنه؟!
لقد إعتادت ألا تُبالي بأحد، وتكتفي بما يُقدم لها فحسب، لم تعتد أن تخوض في الأشخاص من حولها، ولا أن تعرفهم عن قرب، وما الذي تُخبئه وجوههم.
لكنه يجعلها تود أن تعلم المزيد عنه وتتعلمه، ترغب في فهمه والوصول إلى أعماقه، لِمَ؟!
ربما لأنه رجلٌ مختلف، وربما لأنها لم تَجد قرائته بسهولة.
ربما لأنه كتاب مُحكمٌ إغلاقه، مملوء بالألغاز، فلا يجعل صفحاته بين يديها تقرأها، يجعلها في شوق لتتطلع إلى المزيد من فصوله.
وقف يقطع حبل أفكارها المُمتدة بشأنه، ومدَّ لها يده وعلى شفتيه إبتسامة هادئة.
" هَيّبة، ما رأيكِ بجولة؟!"
نظرت في يده الممدودة لها بنُبل...
أتضع يدها بيده؟ أم تتجاهله؟
لِمَ تقلق بشأن شعوره الآن؟!
تنهدت بغضب تزجره بنظرات حامية، لأنه يسبب لها مِثل هذه الحيرة المَقيتة، ولكنها تمسّكت بيده المُمتدة لها على آية، فمن داخلها؛ روزماري لا ترغب بجرح شعوره، ابتسم جون ميون ثم ضحك حينما نبست بغضب.
" اللعنة فقط!"
جعل نفسه جاهلًا بأمرها وشخصيتها حين سألها.
" ولِمَ تلعني يا سيدة الهيّبة؟!"
شزرته بنظرات مُنزعجة وقالت.
" لأنك مُزعج وبغيض"
برم شفتيه وأومئ، الحرب الآن داخليّة بين منطقها وبمادئها ومشاعرها، وهذه الحرب لن تنتهي حتى تؤمن به وتُسلِّم.
كان يسير ويدها بيده، لا يضغط عليها ولا يفلتها، إنما يتمسّك بها بوِد، ولا يُمتِّن عليها أنامله.
لأنها لو قبلت به؛ سيمنحها هذا القدر من الحُرية، ستكون حُرّة بالكامل، لكنه سيتمسّك بيدها ولن يُفلتها.
سيكون ملاكها الحارس للأبد، الرجل الذي يشجعها دومًا، ويقف بظهرها، لا يسمح لها أن تنحني، بل سيشد ظهرها به ويرفع رأسها على الدوام.
أخذ من على خطّاف قريب قُبعة بتصميم رُعاة البقر ووضعها على رأسها، ثم وضع قُبّعته كذلك، وتابع معها المسير، تبسّمت فيما تتحسس حواف القُبعة، الشمسُ لطيفة، والنسيم عليل، والصباح جميل.
والأهم من كل شيء؛ أن رِفقة جارها جون المجنون مُمتعة جدًا، تبعث في نفسها الفرح.
كانا يسيران بين البساتين، حياة الريف من حولهما لها ضجيجها الخاص، ليس كضجيج المدينة المُزعج، إنما ضجيج مُحبب يُسعدكَ الإستماع إليه.
" جون؟"
نظر لها فاتبعت.
" لم تخبرني سابقًا؛ ما هو عملك؟!"
همهم وقد أصابه التوتر، أيُ كذبة سيلفقها الآن؟!
إنه من الباكر جدًا أن يُخبرها بأنه الكاتب سوهو، لذا سُرعان ما لفّق كلامًا.
" أعمل في مجال التنمية البشرية"
عكفت شفتيها كذا حاجبيها واستنكرت.
" التنمية البشرية؟ تسخر مني!"
نفى برأسه سريعًا يقول.
" لا سيدتي! أنا حقًا أعمل في مجال التنمية البشريّة، لكن لا تسأليني أكثر عن العمل، لن أُخبرك"
كمشت جفونها ترمقه بشك وتوقفت عن السير معه، فنظر لها وعدّل لأجلها القُبّعة فيما يبتسم وقال.
" سيدتي العظيمة، لا تقلقي بشأني، أنا شخص محل ثِقة، صدّقيني!"
زفرت روزماري بسخرية واتبعت سيرها تسبقه فيما تقول.
" من يطلبون الثقة عادة لا يكونوا موثوقين فعلًا"
ضحك مما قالت، فللأسف هي صادقة، ثم تقدمها وإلتفت، إذ أصبح يسير إلى الخلف وهي إلى الأمام.
" سأثبت لكِ دومًا أنني مُختلف"
نظرت في ملامحه البشوشة بإمتعاض وقالت.
" لِم ترفض إذن أن تخبرني عنك؟!"
طرق أرنبة أنفها بسبابته بحركة لطيفة جعلتها تشهق إثر المفاجأة وقال.
" كي تبقي فضولية بشأني دومًا"
أشاحت عنه وزفرت بملل، لِمَ لا يُرضي فضولها وحسب؟!
كانت عيناها تجول في المساحات المزروعة حول الطريق التُرابي الذي يسيران فيه.
" ماذا سنفعل؟ هل سنسير بين الحقول لبقية اليوم؟"
نفى برأسه وقال.
" لا، أملك خُطط لقضاء يومًا مُسليًا"
لا تنكر أنها شعرت بالحماسة.
بعد مَسير طويل بين الحقول أجرى إتصالًا، لم تدري بما تحدث فلقد كان يتحدث التايلاندية، لكنه بصمته وإيماءاته حفّزها لتعلم إلاما يُخطط.
" ألن تخبرني ماذا ستجعلنا نفعل؟"
نفى برأسها وأمسك بيدها، ثم بلا إذن سحبها معه.
" فلتكتشفي بنفسك"
وهي صاحت به بغضب.
" أنت! سأركلك على وقاحتك هذه، توقف عن سحبي هكذا!"
ما أنصت لها، وفقط ضحك فيما ينظر إلى تعابيرها الغاضبة.
شعرت أن وجهه الحَسن يستحق ثوانٍ من التأمل منها، أحبّت كيف أن وجنتيه تبرز عندما يضحك وتضيق عينيه.
يبدو رائعًا عندما لا يضحك، ويبدو ودودًا عندما يضحك...!
تحمحمت وأشاحت عنه، فرفع حاجبه إزاء رد فعلها هذه، لكنه لم يسألها حيالها شيء، كي لا يُحرجها.
وصل بها إلى بُحيرة صغيرة في محيط عُشبي أخضر رائع، حيث تستطيع أن ترى في البُحيرة بعض الأوزّ والبط يعوم.
ضحكت بمُتعة وركضت إلى البُحيرة تنظر عن قُرب.
" أنت حقًا تعلم كيف تجعلني سعيدة"
همهم مبتسمًا، فهي لم ترى شيء بعد، المُتعة معه تكون بثوب آخر، لأنه يعرف عنها تفاصيل، حتى هي غافلة عنها، كالخوف من الأعماق، حُب الأسطح، والأهم؛ وجهات نظرها القابلة للتغيير حتى لو بدت مُتزمِّتة حيال رأيها.
فلو ناقشها، ربما تتزمت على رأيها أو تصمت تُبدي رفضًا في أي موضوع كان، لكنها لاحقًا ستفكر مليًّا بالمسألة وتتخذ القرار الصحيح.
أشار لها إلى يمينه وقال.
" لقد أجريتُ إتصالًا لإحضارها، ماذا عن قضاء ليلة بها؟!"
حينها رفعت قدمها لتضربه لكنه هرب سريعًا، فهو لن يطوق لهذه اللمسة التي ستصيبه في منطقة شديدة الحساسية، وسُرعان ما برر.
" لا يا هيّبة! حدث سوء فهم! أنا أنام بالخارج وأنتِ بالداخل، هكذا أقصد!"
أنزلت قدمها وهو تنفّس الصُعداء يقول.
" يا إلهي! كدتُ أموت خوفًا، لِمَ أنتِ إمرأة عنيفة هكذا؟!"
شزرته بغيظ، فابتسم بحرج ورفع كفه يقول.
" آسف"
تنهدت واقتربت منه تهمس.
" يبدو أن جون المجنون قد أستيقظ من سُباته"
ثم استقبل ضربتها التالية بكل راحبة صدر على كتفه القريب منها، وهي قالت.
" في المرة القادمة إختر ألفاظًا مُناسبة أكثر لمقصدك، كي لا يحدث سوء فهم، حسنًا جاري جون؟!"
أومئ، ثم وضع يد على خصره والأخرى شاكس بها شعره يقول.
" أحب لقب جاري جون بالمناسبة"
أومأت.
" لن أناديك به إذن بعد الآن"
سارت إلى شاحنة التخييم وهو خلفها يتذمر.
" لِمَ أنتِ قاسية هكذا؟!"
أعجبها ما تفعله به.
" سأناديك جون المجنون"
" لكنني أكرهه"
شعرت بالغيظ يفوح من صوته لذا بإبتسامة مشاكسة قالت دون أن تلتقطها عينيه.
" ولهذا سأناديك به"
تذمر يتبعها ولم يَزد قول شيء، ليس وحده من يستطيع إغاظتها، هي تُغيظه جيدًا أيضًا.
بعد أن مالت الشمس؛ كان جون ميون يقوم بشواء قِطع اللحم خارجًا، وهي كانت تتمدد على ظهر الشاحنة تنظر إلى السماء.
فجأة إنتفضت ومالت تنظر إليه بالأسفل.
" نسيت أن أخبرك أنني لا آكل لحم الخنزير"
تبسّم يلف عيدان الشواء باللحم المفروم وقال.
" هذا لحم بقر، لا تقلقي"
تنهدت براحة ولكنها نهضت من جديد تخبره.
" قم بشويّ الدجاج أيضًا"
ضحك بخفة فيما يضع الدجاج الذي تبّله بالفعل على صاج الشواء وقال.
" حاضر، أوامر أخرى سيدتي"
" احضر الكولا"
" موجودة"
تنهدت بأستياء وقعدت فوق الشاحنة، نظرت إليه وتذمّرت بإنزعاج شديد.
" لِمَ أنتَ تعلم كل شيء عني؟! هذا مُزعِج!"
رفع حاجبه بخيلاء، ثم غمز ناحيتها فشهقت بلا تصديق وأشارت إلى نفسها.
" ألتوّ تحرشتَ بي؟!"
أومئ.
" لا يُسمى تحرّشًا، بل مُلاطفة وتودد سيدتي"
تنهدت وتمددت على سطح الشاحنة من جديد، تعلم أنه لم يقصد أن يتحرش بها، لكنها لطالما اعتبرت مثل هذه التصرفات تحرّشًا.
" لا تتودد إليّ يا هذا!"
بعد فينة جون ميون ناداها.
" سيدتي، الطعام جاهز، تفضلي لتناوله"
نهضت تبغي النزول، ولكن فجأة شعرت بأن السُلم الذي يصلها بالسطح بعيدًا جدًا عن متناولها.
إزدرئت جوفها، ونظرت ناحية جونميون المشغول بتحضير طاولة الطعام، لا ترغب في طلب مساعدته، هذا محرج.
تنهدت بأستياء وقضمت شفتيها، سيكون من المُحرِج أكثر لو سقطت على وجهها.
لذا إستسلمت أمام حاجتها وتنهدت بغضب تناديه.
" أنت، ساعدني على النزول، أظنني عالقة"
إلتفت لها واقترب، صعد بعض درجات السُلّم، ثم مدّ بيديه لها يقول.
" تعالي، تمسكي بي ولا تخافي!"
أمسكت بيده ثم بعونه نزلت السُلم، يده أحاطت خصرها وصدره يسند ظهرها، شعرت قلبها ينبض بشدة مما يحدث.
لم تكن بهذا القرب من رجل أبدًا بعد طلاقها، تشعر بالرهبة، خائفة مِما قد تحيد إليه هذه المشاعر التي تكنّها لهذا الرجل.
أرادت أن تهرب منه، وبذات الوقت تُحب أنها بهذا القُرب منه، منذ زمن طويل لم تشعر بأن شيء داخلها يتحرك لصالح رجل أيًا كان.
وضعت يدها فوق ذراعه التي تُحيط خصرها وابتعدت تلتفت إليه، ما زال يرفع ذراعه وكأنه يُحيطها، يغمض عينيه وما زال يستنشق رحيق شعرها الذي تعلّق في أنفه.
تحمحمت بحرج، وسارت حتى جلست على الكرسي أمام طاولة الطعام، وباشرت بتناول طعامها، لم تَكُ لتمنحه فُرصة أن يحرجها بما فعل.
فتح جون ميون عيناه وتنفّس الصُعداء، ثم تقرّب منها حتى جلس على كرسيه، وتناول طعامه في صمت.
لكن كِلا القلبين، لم يكونا بخير أبدًا...
بعد الطعام؛ جلست روزماري أرضًا قُرب البُحيرة، فيما جون ميون يُحضّر كوبين من الشراب الساخن الذي يتناسب وبرودة الليلة.
وضع بقُربها كوبها، ثم شعرت به يضع على كتفيها غِطاء خفيف، تمسّكت بالغطاء وإلتفتت إلى يسارها حيث جلس فابتسم يقول.
" ستبردين كثيرًا بينما نجلس"
أومأت ثم تابعت النظر إلى البُحيرة، السكون الذي يحفّها والهدوء هذا تحبه، فلا يفشل بتصفية ذهنها، وترتيب أفكارها.
إلتفتت تنظر إليه وقالت.
" جاري جون"
همهم فاتبعت.
" هل أنا العمل الذي أتيت لأجله إلى هنا؟"
لم يتردد كثيرًا في منحها إجابة، لكنه تريّث قليلًا.
" نعم، هذه الحرب أهم أعمالي الآن"
" لِمَ أنت مُصرّ جدًا لتكسب ودّي؟"
تبسّم ونفى برأسه يقول.
" لا أخطط لكسب وِدّك..."
ثم أشار إلى قلبها واتبع.
" بل أخطط لكسب قلبك"
ثم أخيرًا تنهد واتبع.
" لأنني إنتظرتُ كثيرًا لأخوض هذه الحرب، والآن لا يمكن أن أتراجع"
بَرمت روزماري شفتيها ولَزمت الصمت، ذلك لأنها جاهلة زيادة فيما يتعلق به، لا تدري كما خاض وحضّر لهذه الحرب، ولا تدري منذ متى هو مفتونًا بها.
وفيما هما يجلسان متجاوران هكذا أمام البُحيرة الصغيرة سمعت روزماري صوت رنين هاتفها فأخرجته من جيبها وإذ به تشانيول، فأجابته بنبرة هادئة.
" مرحبًا تشانيول"
زفر أنفاسه من عُمق عُمق صدره في قلب السماعة، ثم همس ونبرة القلق جليّة في صوته.
" روز، أنتِ بخير؟! لم يُصبكِ أذى؟"
عكفت حاجبيها لا تفهم سبب القلق في نبرته.
" ولِمَ لا أكون بخير؟ أنا بخير!"
تنهد براحة في السمّاعة ثم اتبع.
" حمدًا للرب! كِدتُ أموت خوفًا عليكِ"
نظرت إلى جون ميون بجانبها، وهو عكف حاجبيه متسألًا.
" ولِمَ؟!"
أجابها تشانيول وقد إستعاد صوته رنّاته الطبيعية.
" لقد وقع هجوم إرهابي وتبادل إطلاق نار في الفُندق الذي حجزتُ لكِ فيه"
همهمت.
" بهذا الشأن! أعلم لكنني نجوت، لا تقلق بشأني، أنا بخير."
" جيد، أين تُقيمين الآن؟!"
قامت بتحسس عُنقها وجون ميون استنتج أمرًا فابتسم، هي على وشك قول كذبة.
" أُقيم في فُندق آخر، لا تقلق بشأني"
وبعد السلام أنهت المُكالمة معه، ثم زفرت أنفاسها براحة، فلقد نَجت من إستجوابه، حينها جون ميون من جوارها تسآل وعلى شفتيه إبتسامة عابثة.
" لِمَ لم تقولي له الحقيقة؟!"
إلتفتت تنظر إليه، وحينما رأت تلك الإبتسامة على شفتيه، إلتفتت بجسدها كله له وقالت تُنبهه.
" لسببين جاري المجنون؛ الأول كي لا أؤذي مشاعره إن علم أنّي برفقتك، فأنا رفضتُ مجيئه معي، بينما أنت الآن معي.
والثاني كي لا يخرج نوبة غيرته وغضبه عليك، فعظامك واهنة وقبضته صَلِدة"
زفر جون ميون ساخرًا مما قالت، ثم رفع حاجبيه ينفي بكفه.
" أتظنيني ضعيف لا يمكنني الدفاع عن نفسي وضرب ذلك العملاق؟!"
" أجل"
ضحك مما قالت وشدّ قبضتيه، فلقد ضحك غاضبًا، ثم بسرّه تمتم بالشتائم على رأس البطيخة ذاك.
أما روزماري فنهضت إلى الداخل تُدفئ كتفيها بالبطانيّة وقالت.
" سأدخل لأنام"
أومئ لها.
" ليلة سعيدة يا هيّبة"
في الصباح التالي؛ إستيقظت روزماري وإذ بعربة التخييم قد تَغيّر موقعها، فهي الآن في مُنتصف أحراش وأشجار مُثمِرة.
خرجت روزماري من السيارة ونظرت حولها، وإذ بجون ميون يأتي، يضع على رأسه قُبّعة رُعاة البقر، ويحمل في يده سلّة مليئة بالخضراوات.
حينما رآها تقف خارجًا إبتسم وقال.
" صباح الخير يا هيّبة!"
" صباح الخير، متى حرّكت الشاحنة؟"
أجاب.
" منذ طليعة الشمس، هل حظيتِ بنوم جيّد؟"
أومأت ثم أقتربت منه تقول.
" والآن، أين كُنت؟"
رفع السلّة يقول.
" كنتُ أجول بين الأحراش وقطفتُ بعض الثِمار"
أومأت، ثم قالت فيما قد رفعت كفيها لتجمع شعرها المُنسدل على شكل ذيل حِصان.
" مُراعاة لمجهودك خلال الأيام الفائتة سأقوم بتحضير الإفطار بنفسي"
كان ينظر إليها بشرود، قد أصبح خط فكها ظاهرًا، ومعالم وجهها واضحة، والأجمل عُنقها مكشوفة، ورتابة شعرها جميلة.
لوحت بيدها أمام وجهه فأخذ يرفرف بأهدابه وقال.
" حسنًا حسنًا، شكرًا لكِ"
سحبت رِداء المطبخ وباشرت بتحضير الإفطار لهما.
وعلى خلاف ما تكون النساء؛ هي فورما وضعت الأطباق على الطاولة باشرت بتناول إفطارها ولم تنتظر لرد فعله أو رأيه، حينها ابتسم.
هي شخصيّة واثقة من نفسها حتى بأدق التفاصيل وبكل المجالات.
شرع يتناول الطعام، ولم يستغرب بأنها طاهية ماهرة، فهي عاشت لوحدها لسنين طويلة بعد طلاقها.
إنتهت روزماري من تناول الإفطار، وشرعت بغسل الصحون فيما هو يرتب الطاولة.
حينها أخبرها.
" على العشاء، لديّ أمرًا أخبركِ به"
...
في وقتٍ مُنصَرِم من اليوم، وصلت لروزماري دعوة على العشاء، لم تكن تدري الموقع، فقط تعلم أنها من جون ميون؛ لذا لم تخشى الذهاب ولم تتردد.
في المساء؛ وصلها طرد إلى غُرفة الفُندق التي عادت لتُقيم بها، كان طردًا ليس بغريب عليها.
مُجددًا؛ صندوق باللون الأزرق السماوي، عليه بطاقة صغيرة كُتِب عليها
" إلى زهرتي العذراء"
لم تشعر بنفسها إلا وهي تبتسم، لقد أحبّت لقبها هذا، بل كُل ألقابها الذي ينعتها بها.
زهرتي العذراء...
عذراء القلب...
سيدتي المهيوبة...
هيّبة...
كُلها جميلة وتُحبها، لأنها تبعث في نفسها شعورًا رقيق، تُحِب كيف يحبها، ويعتز بحبه لها، ويتكلم عنها، تُحب حُبه لها.
حملت الصندوق من العامل ووضعته على سريرها لتفتحه، وإذ بداخله فُستان أزرق يُماثل لون عينيها البحريتين، معه حقيبة يد صغيرة وحذاء بكعب عالٍ باللون الأبيض.
وهو للمرة الثانية يبعث لها هذا النوع من الهدايا، فلقد وصلها سابقًا من مُعجبها المجهول فستان أزرق سماوي وحذاء أبيض.
الآن تفهم أنه يفضل هذا اللون عن بقية الألوان...
تأنّقت كما لو أنها ستخرج بضيافة شاشات العالم أجمع، خرجت من الفُندق وإذ بعامل يقترب منها يحمل بطاقة، سلمها أياها لتقرأها.
" سترين سيارة بيضاء على طِراز السبعينيات خلفكِ، اركبي بها والسائق سيحضرك سيدتي المهيوبة"
نظرت حولها، وإذ بها السيارة التي تحدث عنها، صعدت بها، ذوقه في إقتناء الأشياء غريب ومميز، هو ليس تقليدي، لن يأتي بسيارة فارهة لتنقلها.
لذلك هي لا تدري ماذا تتوقع، وتحب أنه يجعلها في حيرة من أمرها، ولا تدري أي حركة سيأخذها لاحقًا.
وصلت قرب الشاطئ، فتوقفت السيارة وخرج السائق، إلتفت حول السيارة ليفتح لها الباب.
" تفضلي سيدتي"
ترجّلت من السيارة تنظر حولها، لا أحد ولا شيء، ولا تملك معرفة إلى أين ستذهب، ربما يأخذها إلى عُمق الشاطئ مجددًا!
وفيما تفكر لاحظت أن يَخت دون الصف الذي يلتزم به أضاء، فعلمت أنه وجهتها، وجدت عنده رجلًا تحدث إليها.
" السيدة روزماري؟!"
أومأت فابتسم وأشار لها.
" تفضلي معي سيدتي"
صعدت على متن اليخت ثم هو أشار لها.
" رَجُلِك ينتظركِ في مُقدمة اليخت، تفضلي"
إستنكرت فيما تتبع المُضيف.
" رَجُلي! هذا الرجل يقفز إلى إستنتاجات مُثيرة!"
عاد المُضيف من حيث آتى وتقدّمت وحدها، وإذ بجون ميون يقف في مُقدمة اليخت ويمنحها ظهره، يرتدي بدلة سوداء ذات سُترة بلون النبيذ، فيما يسرّح شعره الذي بلون الكراميل بفاصلة جانبية جذّابة، وهو يحمل كأس نبيذ وينظر للبحر.
إلتفت لها حينما سمع صوت طرقات كعبها على الأرضية، وابتسم يأخذه الهُيام بإحدى نوباته مجددًا بسببها.
تقدم منها مسحورًا بإطلالتها الناعمة والراقيّة هذه، تمسّك بكفها ورفعه إلى شفتيه ليقبله، وذلك ما جعلها ترمقه بلا تصديق، أيقبل يدها؟! حقًا؟!
أين غروره وكبريائه كرجل؟!
ربما هي قاست الرجولة على الرجل الخطأ فحسب.
جعل يسير بها حتى طاولة العشاء، كانت طاولة راقية لكنها غريبة وجعلتها تضحك، فالدجاج هنا وهناك.
أبعد لها الكرسي فجلست، ثم جلس وضرب أطراف بنانه ببعضها فأضاءت بقعة ضوء عليهما، وأضواء أخرى سُلِطَت على البحر.
" لِمَ إخترت هذا المكان تحديدًا؟!"
أجابها.
" لسببين؛ الأول لأن لا مكان يناسبكِ أكثر من عُمق البحر.
والثاني لأنكِ عرفتِني أول مرة على متن يخت في منتصف البحر"
برمت شفتيها وأحبّت الذكرى، ثم أومأت، ولكن هذه الإبتسامة التي طفت على شفتيها كانت جزءًا بسيطًا عمّا يعتمر فيها من سعادة وعُرفان بسببه.
شرعت تتناول الطعام، أطباق مختلفة، كلها من الدجاج، رِفقة كأس كولا.
" أنت رجل مختلف عن الذين أعرفهم"
تلقاها سمعه كمديح فهمس يبتسم لها بشفتيه الزكيّتين.
" شكرًا لكِ يا هيّبة، لن أنسى أنكِ ميّزتيني بالإختلاف"
فرّت من فاهها ضحكة ناعمة وقالت.
" أتعلم؟ تعجبني ألقابك، لم يسبق لك أن ناديتني باسمي، هيّبة وسيدتي المهيوبة، لها وقع مميز في نفسي"
وفجأة وعت عمّا قالت فتنهدت، وقد إستاءت ملامحها، وزجرته بغيظ.
" يا لك! أصبحتُ ثرثارة بسببك!"
ضحك مما قالت وجعل يقول.
" لا تكبتي الأفكار والمشاعر داخلك، أفصحي عنهم، وستكوني أسعد وأفضل يا هيّبة"
ثم طرق يتناول طعامه، لكنه فجأة رفع لها عينيه ورفع حاجبه دون الآخر، يشير لها بشوكته.
" بالمناسبة؛ بما أن هذه الألقاب تعجبك، لن أناديكِ إلا بها"
شربت من الكولا ونبست تتدعي قلة الإهتمام.
" من يهتم؟!"
أجابها.
" أنا أهتم"
حاولت بكل مقدرتها ألا تظهر إبتسامتها، لكنها إبتسمت ورآها وأسرّته.
يحب أن يراها سعيدة، مُهيبة، مهيوبة، في القمة، وفي قلبه.
بعد العشاء، وقفت روزماري تستند على سياج اليخت، وهو آتى ليقف بجانبها، يده ترتجف وقلبه ينبض بسرعة، لأن في جعبته كلامًا كبير، ربما أتى قبل أوانه، لكنه لا يشعر أنه ستأتيه فرصة مثل هذه لاحقًا.
كان قد حضّر جملًا مُنمَّقة وفصيحة ليتلوها على سمعها فيسحرها بالفن الذي يتقنه، فن الكلمات، لكنه الكاتب الفذّ الذي يعجز عقله عن تجميع جملة الآن، وكأن الفنان في داخله مات على ضفاف هذا الشعور الحقيقي.
فلقد وهب شخصياته وروياته جزءً كبيرًا وحقيقيًا من مشاعره، لكنه أن يكون الشخصيّة نفسها التي تختبر المشاعر بشكل مباشر، لهو شعور مختلف.
أن تبثّ المشاعر في شخصياتك وتتحكم بأقدارها كدمى الماريونت مختلف تمامًا عندما تكون أنت الدُمية التي يتحكم بها القدر.
زفر أنفاسه للمرة الأخير وقرر أن يقول ما يخطر في باله وحسب.
لكنها قاطعته حينما قالت وعيناها في البحر.
" مثل أول مرة جلستُ فيها أمام الكاميرا، زفرت كثيرًا وكنت أرتجف، أنفاسي صعبة وجسدي من الداخل يحترق"
إلتفتت له وقالت.
" هكذا أنت الآن، ما الذي يربكك؟!"
قال بلا أن يفكر كما قرر.
" أنتِ"
قبضت حاجبيها بإستنكار أشارت إلى نفسها.
" أنا؟!"
أومئ يؤكد عليها التهمة التي ألصقها بها، فمن غيرها يوتره؟
من غيرها يشغل تفكيره؟!
لا أحد، ولا أحد يجرؤ أن يحتلّه كإحتلالها له، لكل مشاعره وأفكاره وكلماته، حتى لسِمات وجوده.
نظر في عينيها البحريّة وقال.
" صدّقيني، لا غيركِ يربكني"
لم تقل شيء، فربما يقول الحق، فهي لا تفهم حالة الحب التي هو واقع بها لصالحها، ولا تفهم كيف تربكه، تفهم فقط أن يحبها و تربكه.
وحينما قال التالي لم تكن متفاجئة، فالأفعال تعترف أحيانًا قبل اللسان وهذه حالته.
" بلا مُقدمات يا هيّبة، أنا أحبك"
إستطردت تنظر في البحر.
" انظر إلى البحر، أنه عميق ومُظلم، ألا تخاف ظلامي؟!"
نظر هو إلى السماء وقال.
" البحر ليس مظلم، السماء المسؤولة عن ظلامه الآن"
نظرت إلى السماء فاتبع فيما ينظر لها.
" سأكون لكِ سماءً لا تُظلِم"
نظرت له تُريد أن ترد، فلا مجال للحب في حياتها، ولا يمكن لرجل -أيًا كان هو- أن يحتل مساحة من حياتها، ويتطلب إهتمام وحق وواجب.
أرادت أن تضرب مشاعره عرض الحائط؛ حِفاظًا على مشاعرها، تعلم أنها بهذا الفعل تكون أنانية، وربما قابلت أن تؤمن بحملاته التبشيريّة، لكنها ما زالت لا تؤمن بحبه إيمانًا موثقًا وثيقًا يجعلها تثق به وتسلم له ما تبقى لها من قلبها.
قلبها الذي تداعى وتحطم كفاية على يد رجل آخر، أتسلمه ما تبقى منه الآن؟
ماذا إن ما كان حبه وثيقًا، قلبها المعطوب حينها لا يمكن أن يلتئم.
...................
يُتبَع...
الفصل الثامن "سماءٌ وبَحر"
ضِمن الجزء الثاني (حتى تؤمني بحُبي)
للرواية العاطفيّة "هَيّبَتُها|| الحرب"
..................
سلاااااااااام
كيف حالكم؟! ميرسي مشتاااااق لكم.
المهم بقولكم، الهداوة بالأحداث ودعوها شوي، الأحداث الساخنة على الطريق.😝
شكرًا لكل القراء والمُتفاعلين من كل قلبي.
لكن قررت أشكر هالثلاثة أشخاص على مجهودهم في دعمي، من كل قلبي شكرًا♥️☹
Jeon_IeSoul، jinin-exo، oohhuna99
عنجد شكرًا الكم، أنتو أكثر حد بيدعمني هالفترة♥️♥️♥️
وأنوّه لشي مهم، البنت الي عاملة أكثر من حساب لتدعمني فيهم أنا متأسفة لأني حظرت حساباتك، الرواية ما بتكبر بعدد الحسابات الي بتدعمها بل بعدد الأشخاص، لهيك لا اتعبي حالك وتتدعمني من خمس حسابات، بدك تدعميني ادعميني من واحد بس.♥️
الفصل القادم بعد 80 فوت و80 كومنت.
1.رأيكم بروزماري التي بدأت تلين كثيرًا لمشاعر جون؟
2.رأيكم بجون وخطواته البطيئة لكسب قلبها؟ وتأثيره عليها؟
3.ماذا تتوقعوا أن تكون رد فعل جونميون على رفض روز؟ هل سترفضه بالفعل؟
4.ماذا سيفعل تشانيول لو علم أنهم معًا؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
(حتى تؤمني بحُبي)
هَيّبَتُها|| الحرب
" سماء وبَحر"
" قلب؛ أنتِ الخافِق في صدري؛
أموت لولاكِ.
سيدتي أُحبكِ، فاسمعي نِدائي...!
إن لي قلبًا في حُبكِ عامر، فلا تهدميه بعصاكِ...!
لي أنتِ، من بين نساء الدُنيا قلبي وقع في شِباكِكِ أنتِ...
لأنكِ صيّادة ماهرة يا سيدتي، إخترتِ قلبي ليقع في هواكِ.
أنتِ الشريان، أنتِ الوريد، أنتِ العِرق، وكل نبضة تَطئ قلبي.
فهلّا وهبتِ هذا القلب المُعذَّب نِصابه منكِ؟!
إلى عذراء القلب
الكاتب سوهو"
.........
نظر في كأس القهوة على طاولته، وأخذ يتحسس فاه الكوب بلا أن يجرّدها من فضولها، إنها عادته عندما تزاحمه الكلمات في مَحفل الأوراق أو في مثل هذا المَحفل معها، مَحفل المشاعر.
لكنه قرر أن يكون صادقًا معها من البداية حتى اللانهاية، فهو لا يُريد أن يبني هذه العلاقة معها على كِذبة مهما كانت ضئيلة أو ضيّقة.
ذكّرته تريد إجابة، تُصِرّ أن يرضي فضولها، خصوصًا أنه صامت ومتوتر.
" ألن تُخبرني؟"
رفع رأسه لها عندما إستجوبته بملامح يملئها الإستنكار كذا شيئًا من الإنزعاج.
" بلى يا هيّبة؛ سأُجيبك!"
فأشارت له بيدها أن يسترسل تستعجله الكلام، حينها تنهد يضم أصابعه في كفه أسفل الطاولة، ثم أخيرًا نظر في عينيها.
" نعم، أنا من يبعثها لكِ"
كمشت جفونها، ورمقته بنظرات مجبولة بالتساؤلات الكثيرة.
" ولِمَ؟!"
تبسّم، وأراح ظهره إلى ظهر الكرسي يقول.
" لا مزيد من الأسئلة الآن، سأُجيبك حين نعود إلى سيؤل، وأجعلكِ تستكشفي الإجابات بنفسك سيدتي"
أمالت رأسها تنظر إليه، إذ لا تعجبها الطريقة التي يتكلم بها الآن، يُعطيها أطراف أجوبة؛ لا أجوبة كاملة، وكم إستطابت له نظراتها المُنزعِجة في ذلك الحين.
" أهو سِر؟!"
برم شفتيه ثم أومئ.
" نعم؛ سِر حتى أدعكِ تكتشفينه بنفسكِ"
ورغم أن الفضول يساورها بهذا الشأن إلا أنها لم تسترسل بالمزيد، لن تكون لحوحة وهي تكره اللحوحين.
عجبًا لهذا الرجل!
كيف له أن يجعلها فضولية بشأنه؟!
لقد إعتادت ألا تُبالي بأحد، وتكتفي بما يُقدم لها فحسب، لم تعتد أن تخوض في الأشخاص من حولها، ولا أن تعرفهم عن قرب، وما الذي تُخبئه وجوههم.
لكنه يجعلها تود أن تعلم المزيد عنه وتتعلمه، ترغب في فهمه والوصول إلى أعماقه، لِمَ؟!
ربما لأنه رجلٌ مختلف، وربما لأنها لم تَجد قرائته بسهولة.
ربما لأنه كتاب مُحكمٌ إغلاقه، مملوء بالألغاز، فلا يجعل صفحاته بين يديها تقرأها، يجعلها في شوق لتتطلع إلى المزيد من فصوله.
وقف يقطع حبل أفكارها المُمتدة بشأنه، ومدَّ لها يده وعلى شفتيه إبتسامة هادئة.
" هَيّبة، ما رأيكِ بجولة؟!"
نظرت في يده الممدودة لها بنُبل...
أتضع يدها بيده؟ أم تتجاهله؟
لِمَ تقلق بشأن شعوره الآن؟!
تنهدت بغضب تزجره بنظرات حامية، لأنه يسبب لها مِثل هذه الحيرة المَقيتة، ولكنها تمسّكت بيده المُمتدة لها على آية، فمن داخلها؛ روزماري لا ترغب بجرح شعوره، ابتسم جون ميون ثم ضحك حينما نبست بغضب.
" اللعنة فقط!"
جعل نفسه جاهلًا بأمرها وشخصيتها حين سألها.
" ولِمَ تلعني يا سيدة الهيّبة؟!"
شزرته بنظرات مُنزعجة وقالت.
" لأنك مُزعج وبغيض"
برم شفتيه وأومئ، الحرب الآن داخليّة بين منطقها وبمادئها ومشاعرها، وهذه الحرب لن تنتهي حتى تؤمن به وتُسلِّم.
كان يسير ويدها بيده، لا يضغط عليها ولا يفلتها، إنما يتمسّك بها بوِد، ولا يُمتِّن عليها أنامله.
لأنها لو قبلت به؛ سيمنحها هذا القدر من الحُرية، ستكون حُرّة بالكامل، لكنه سيتمسّك بيدها ولن يُفلتها.
سيكون ملاكها الحارس للأبد، الرجل الذي يشجعها دومًا، ويقف بظهرها، لا يسمح لها أن تنحني، بل سيشد ظهرها به ويرفع رأسها على الدوام.
أخذ من على خطّاف قريب قُبعة بتصميم رُعاة البقر ووضعها على رأسها، ثم وضع قُبّعته كذلك، وتابع معها المسير، تبسّمت فيما تتحسس حواف القُبعة، الشمسُ لطيفة، والنسيم عليل، والصباح جميل.
والأهم من كل شيء؛ أن رِفقة جارها جون المجنون مُمتعة جدًا، تبعث في نفسها الفرح.
كانا يسيران بين البساتين، حياة الريف من حولهما لها ضجيجها الخاص، ليس كضجيج المدينة المُزعج، إنما ضجيج مُحبب يُسعدكَ الإستماع إليه.
" جون؟"
نظر لها فاتبعت.
" لم تخبرني سابقًا؛ ما هو عملك؟!"
همهم وقد أصابه التوتر، أيُ كذبة سيلفقها الآن؟!
إنه من الباكر جدًا أن يُخبرها بأنه الكاتب سوهو، لذا سُرعان ما لفّق كلامًا.
" أعمل في مجال التنمية البشرية"
عكفت شفتيها كذا حاجبيها واستنكرت.
" التنمية البشرية؟ تسخر مني!"
نفى برأسه سريعًا يقول.
" لا سيدتي! أنا حقًا أعمل في مجال التنمية البشريّة، لكن لا تسأليني أكثر عن العمل، لن أُخبرك"
كمشت جفونها ترمقه بشك وتوقفت عن السير معه، فنظر لها وعدّل لأجلها القُبّعة فيما يبتسم وقال.
" سيدتي العظيمة، لا تقلقي بشأني، أنا شخص محل ثِقة، صدّقيني!"
زفرت روزماري بسخرية واتبعت سيرها تسبقه فيما تقول.
" من يطلبون الثقة عادة لا يكونوا موثوقين فعلًا"
ضحك مما قالت، فللأسف هي صادقة، ثم تقدمها وإلتفت، إذ أصبح يسير إلى الخلف وهي إلى الأمام.
" سأثبت لكِ دومًا أنني مُختلف"
نظرت في ملامحه البشوشة بإمتعاض وقالت.
" لِم ترفض إذن أن تخبرني عنك؟!"
طرق أرنبة أنفها بسبابته بحركة لطيفة جعلتها تشهق إثر المفاجأة وقال.
" كي تبقي فضولية بشأني دومًا"
أشاحت عنه وزفرت بملل، لِمَ لا يُرضي فضولها وحسب؟!
كانت عيناها تجول في المساحات المزروعة حول الطريق التُرابي الذي يسيران فيه.
" ماذا سنفعل؟ هل سنسير بين الحقول لبقية اليوم؟"
نفى برأسه وقال.
" لا، أملك خُطط لقضاء يومًا مُسليًا"
لا تنكر أنها شعرت بالحماسة.
بعد مَسير طويل بين الحقول أجرى إتصالًا، لم تدري بما تحدث فلقد كان يتحدث التايلاندية، لكنه بصمته وإيماءاته حفّزها لتعلم إلاما يُخطط.
" ألن تخبرني ماذا ستجعلنا نفعل؟"
نفى برأسها وأمسك بيدها، ثم بلا إذن سحبها معه.
" فلتكتشفي بنفسك"
وهي صاحت به بغضب.
" أنت! سأركلك على وقاحتك هذه، توقف عن سحبي هكذا!"
ما أنصت لها، وفقط ضحك فيما ينظر إلى تعابيرها الغاضبة.
شعرت أن وجهه الحَسن يستحق ثوانٍ من التأمل منها، أحبّت كيف أن وجنتيه تبرز عندما يضحك وتضيق عينيه.
يبدو رائعًا عندما لا يضحك، ويبدو ودودًا عندما يضحك...!
تحمحمت وأشاحت عنه، فرفع حاجبه إزاء رد فعلها هذه، لكنه لم يسألها حيالها شيء، كي لا يُحرجها.
وصل بها إلى بُحيرة صغيرة في محيط عُشبي أخضر رائع، حيث تستطيع أن ترى في البُحيرة بعض الأوزّ والبط يعوم.
ضحكت بمُتعة وركضت إلى البُحيرة تنظر عن قُرب.
" أنت حقًا تعلم كيف تجعلني سعيدة"
همهم مبتسمًا، فهي لم ترى شيء بعد، المُتعة معه تكون بثوب آخر، لأنه يعرف عنها تفاصيل، حتى هي غافلة عنها، كالخوف من الأعماق، حُب الأسطح، والأهم؛ وجهات نظرها القابلة للتغيير حتى لو بدت مُتزمِّتة حيال رأيها.
فلو ناقشها، ربما تتزمت على رأيها أو تصمت تُبدي رفضًا في أي موضوع كان، لكنها لاحقًا ستفكر مليًّا بالمسألة وتتخذ القرار الصحيح.
أشار لها إلى يمينه وقال.
" لقد أجريتُ إتصالًا لإحضارها، ماذا عن قضاء ليلة بها؟!"
حينها رفعت قدمها لتضربه لكنه هرب سريعًا، فهو لن يطوق لهذه اللمسة التي ستصيبه في منطقة شديدة الحساسية، وسُرعان ما برر.
" لا يا هيّبة! حدث سوء فهم! أنا أنام بالخارج وأنتِ بالداخل، هكذا أقصد!"
أنزلت قدمها وهو تنفّس الصُعداء يقول.
" يا إلهي! كدتُ أموت خوفًا، لِمَ أنتِ إمرأة عنيفة هكذا؟!"
شزرته بغيظ، فابتسم بحرج ورفع كفه يقول.
" آسف"
تنهدت واقتربت منه تهمس.
" يبدو أن جون المجنون قد أستيقظ من سُباته"
ثم استقبل ضربتها التالية بكل راحبة صدر على كتفه القريب منها، وهي قالت.
" في المرة القادمة إختر ألفاظًا مُناسبة أكثر لمقصدك، كي لا يحدث سوء فهم، حسنًا جاري جون؟!"
أومئ، ثم وضع يد على خصره والأخرى شاكس بها شعره يقول.
" أحب لقب جاري جون بالمناسبة"
أومأت.
" لن أناديك به إذن بعد الآن"
سارت إلى شاحنة التخييم وهو خلفها يتذمر.
" لِمَ أنتِ قاسية هكذا؟!"
أعجبها ما تفعله به.
" سأناديك جون المجنون"
" لكنني أكرهه"
شعرت بالغيظ يفوح من صوته لذا بإبتسامة مشاكسة قالت دون أن تلتقطها عينيه.
" ولهذا سأناديك به"
تذمر يتبعها ولم يَزد قول شيء، ليس وحده من يستطيع إغاظتها، هي تُغيظه جيدًا أيضًا.
بعد أن مالت الشمس؛ كان جون ميون يقوم بشواء قِطع اللحم خارجًا، وهي كانت تتمدد على ظهر الشاحنة تنظر إلى السماء.
فجأة إنتفضت ومالت تنظر إليه بالأسفل.
" نسيت أن أخبرك أنني لا آكل لحم الخنزير"
تبسّم يلف عيدان الشواء باللحم المفروم وقال.
" هذا لحم بقر، لا تقلقي"
تنهدت براحة ولكنها نهضت من جديد تخبره.
" قم بشويّ الدجاج أيضًا"
ضحك بخفة فيما يضع الدجاج الذي تبّله بالفعل على صاج الشواء وقال.
" حاضر، أوامر أخرى سيدتي"
" احضر الكولا"
" موجودة"
تنهدت بأستياء وقعدت فوق الشاحنة، نظرت إليه وتذمّرت بإنزعاج شديد.
" لِمَ أنتَ تعلم كل شيء عني؟! هذا مُزعِج!"
رفع حاجبه بخيلاء، ثم غمز ناحيتها فشهقت بلا تصديق وأشارت إلى نفسها.
" ألتوّ تحرشتَ بي؟!"
أومئ.
" لا يُسمى تحرّشًا، بل مُلاطفة وتودد سيدتي"
تنهدت وتمددت على سطح الشاحنة من جديد، تعلم أنه لم يقصد أن يتحرش بها، لكنها لطالما اعتبرت مثل هذه التصرفات تحرّشًا.
" لا تتودد إليّ يا هذا!"
بعد فينة جون ميون ناداها.
" سيدتي، الطعام جاهز، تفضلي لتناوله"
نهضت تبغي النزول، ولكن فجأة شعرت بأن السُلم الذي يصلها بالسطح بعيدًا جدًا عن متناولها.
إزدرئت جوفها، ونظرت ناحية جونميون المشغول بتحضير طاولة الطعام، لا ترغب في طلب مساعدته، هذا محرج.
تنهدت بأستياء وقضمت شفتيها، سيكون من المُحرِج أكثر لو سقطت على وجهها.
لذا إستسلمت أمام حاجتها وتنهدت بغضب تناديه.
" أنت، ساعدني على النزول، أظنني عالقة"
إلتفت لها واقترب، صعد بعض درجات السُلّم، ثم مدّ بيديه لها يقول.
" تعالي، تمسكي بي ولا تخافي!"
أمسكت بيده ثم بعونه نزلت السُلم، يده أحاطت خصرها وصدره يسند ظهرها، شعرت قلبها ينبض بشدة مما يحدث.
لم تكن بهذا القرب من رجل أبدًا بعد طلاقها، تشعر بالرهبة، خائفة مِما قد تحيد إليه هذه المشاعر التي تكنّها لهذا الرجل.
أرادت أن تهرب منه، وبذات الوقت تُحب أنها بهذا القُرب منه، منذ زمن طويل لم تشعر بأن شيء داخلها يتحرك لصالح رجل أيًا كان.
وضعت يدها فوق ذراعه التي تُحيط خصرها وابتعدت تلتفت إليه، ما زال يرفع ذراعه وكأنه يُحيطها، يغمض عينيه وما زال يستنشق رحيق شعرها الذي تعلّق في أنفه.
تحمحمت بحرج، وسارت حتى جلست على الكرسي أمام طاولة الطعام، وباشرت بتناول طعامها، لم تَكُ لتمنحه فُرصة أن يحرجها بما فعل.
فتح جون ميون عيناه وتنفّس الصُعداء، ثم تقرّب منها حتى جلس على كرسيه، وتناول طعامه في صمت.
لكن كِلا القلبين، لم يكونا بخير أبدًا...
بعد الطعام؛ جلست روزماري أرضًا قُرب البُحيرة، فيما جون ميون يُحضّر كوبين من الشراب الساخن الذي يتناسب وبرودة الليلة.
وضع بقُربها كوبها، ثم شعرت به يضع على كتفيها غِطاء خفيف، تمسّكت بالغطاء وإلتفتت إلى يسارها حيث جلس فابتسم يقول.
" ستبردين كثيرًا بينما نجلس"
أومأت ثم تابعت النظر إلى البُحيرة، السكون الذي يحفّها والهدوء هذا تحبه، فلا يفشل بتصفية ذهنها، وترتيب أفكارها.
إلتفتت تنظر إليه وقالت.
" جاري جون"
همهم فاتبعت.
" هل أنا العمل الذي أتيت لأجله إلى هنا؟"
لم يتردد كثيرًا في منحها إجابة، لكنه تريّث قليلًا.
" نعم، هذه الحرب أهم أعمالي الآن"
" لِمَ أنت مُصرّ جدًا لتكسب ودّي؟"
تبسّم ونفى برأسه يقول.
" لا أخطط لكسب وِدّك..."
ثم أشار إلى قلبها واتبع.
" بل أخطط لكسب قلبك"
ثم أخيرًا تنهد واتبع.
" لأنني إنتظرتُ كثيرًا لأخوض هذه الحرب، والآن لا يمكن أن أتراجع"
بَرمت روزماري شفتيها ولَزمت الصمت، ذلك لأنها جاهلة زيادة فيما يتعلق به، لا تدري كما خاض وحضّر لهذه الحرب، ولا تدري منذ متى هو مفتونًا بها.
وفيما هما يجلسان متجاوران هكذا أمام البُحيرة الصغيرة سمعت روزماري صوت رنين هاتفها فأخرجته من جيبها وإذ به تشانيول، فأجابته بنبرة هادئة.
" مرحبًا تشانيول"
زفر أنفاسه من عُمق عُمق صدره في قلب السماعة، ثم همس ونبرة القلق جليّة في صوته.
" روز، أنتِ بخير؟! لم يُصبكِ أذى؟"
عكفت حاجبيها لا تفهم سبب القلق في نبرته.
" ولِمَ لا أكون بخير؟ أنا بخير!"
تنهد براحة في السمّاعة ثم اتبع.
" حمدًا للرب! كِدتُ أموت خوفًا عليكِ"
نظرت إلى جون ميون بجانبها، وهو عكف حاجبيه متسألًا.
" ولِمَ؟!"
أجابها تشانيول وقد إستعاد صوته رنّاته الطبيعية.
" لقد وقع هجوم إرهابي وتبادل إطلاق نار في الفُندق الذي حجزتُ لكِ فيه"
همهمت.
" بهذا الشأن! أعلم لكنني نجوت، لا تقلق بشأني، أنا بخير."
" جيد، أين تُقيمين الآن؟!"
قامت بتحسس عُنقها وجون ميون استنتج أمرًا فابتسم، هي على وشك قول كذبة.
" أُقيم في فُندق آخر، لا تقلق بشأني"
وبعد السلام أنهت المُكالمة معه، ثم زفرت أنفاسها براحة، فلقد نَجت من إستجوابه، حينها جون ميون من جوارها تسآل وعلى شفتيه إبتسامة عابثة.
" لِمَ لم تقولي له الحقيقة؟!"
إلتفتت تنظر إليه، وحينما رأت تلك الإبتسامة على شفتيه، إلتفتت بجسدها كله له وقالت تُنبهه.
" لسببين جاري المجنون؛ الأول كي لا أؤذي مشاعره إن علم أنّي برفقتك، فأنا رفضتُ مجيئه معي، بينما أنت الآن معي.
والثاني كي لا يخرج نوبة غيرته وغضبه عليك، فعظامك واهنة وقبضته صَلِدة"
زفر جون ميون ساخرًا مما قالت، ثم رفع حاجبيه ينفي بكفه.
" أتظنيني ضعيف لا يمكنني الدفاع عن نفسي وضرب ذلك العملاق؟!"
" أجل"
ضحك مما قالت وشدّ قبضتيه، فلقد ضحك غاضبًا، ثم بسرّه تمتم بالشتائم على رأس البطيخة ذاك.
أما روزماري فنهضت إلى الداخل تُدفئ كتفيها بالبطانيّة وقالت.
" سأدخل لأنام"
أومئ لها.
" ليلة سعيدة يا هيّبة"
في الصباح التالي؛ إستيقظت روزماري وإذ بعربة التخييم قد تَغيّر موقعها، فهي الآن في مُنتصف أحراش وأشجار مُثمِرة.
خرجت روزماري من السيارة ونظرت حولها، وإذ بجون ميون يأتي، يضع على رأسه قُبّعة رُعاة البقر، ويحمل في يده سلّة مليئة بالخضراوات.
حينما رآها تقف خارجًا إبتسم وقال.
" صباح الخير يا هيّبة!"
" صباح الخير، متى حرّكت الشاحنة؟"
أجاب.
" منذ طليعة الشمس، هل حظيتِ بنوم جيّد؟"
أومأت ثم أقتربت منه تقول.
" والآن، أين كُنت؟"
رفع السلّة يقول.
" كنتُ أجول بين الأحراش وقطفتُ بعض الثِمار"
أومأت، ثم قالت فيما قد رفعت كفيها لتجمع شعرها المُنسدل على شكل ذيل حِصان.
" مُراعاة لمجهودك خلال الأيام الفائتة سأقوم بتحضير الإفطار بنفسي"
كان ينظر إليها بشرود، قد أصبح خط فكها ظاهرًا، ومعالم وجهها واضحة، والأجمل عُنقها مكشوفة، ورتابة شعرها جميلة.
لوحت بيدها أمام وجهه فأخذ يرفرف بأهدابه وقال.
" حسنًا حسنًا، شكرًا لكِ"
سحبت رِداء المطبخ وباشرت بتحضير الإفطار لهما.
وعلى خلاف ما تكون النساء؛ هي فورما وضعت الأطباق على الطاولة باشرت بتناول إفطارها ولم تنتظر لرد فعله أو رأيه، حينها ابتسم.
هي شخصيّة واثقة من نفسها حتى بأدق التفاصيل وبكل المجالات.
شرع يتناول الطعام، ولم يستغرب بأنها طاهية ماهرة، فهي عاشت لوحدها لسنين طويلة بعد طلاقها.
إنتهت روزماري من تناول الإفطار، وشرعت بغسل الصحون فيما هو يرتب الطاولة.
حينها أخبرها.
" على العشاء، لديّ أمرًا أخبركِ به"
...
في وقتٍ مُنصَرِم من اليوم، وصلت لروزماري دعوة على العشاء، لم تكن تدري الموقع، فقط تعلم أنها من جون ميون؛ لذا لم تخشى الذهاب ولم تتردد.
في المساء؛ وصلها طرد إلى غُرفة الفُندق التي عادت لتُقيم بها، كان طردًا ليس بغريب عليها.
مُجددًا؛ صندوق باللون الأزرق السماوي، عليه بطاقة صغيرة كُتِب عليها
" إلى زهرتي العذراء"
لم تشعر بنفسها إلا وهي تبتسم، لقد أحبّت لقبها هذا، بل كُل ألقابها الذي ينعتها بها.
زهرتي العذراء...
عذراء القلب...
سيدتي المهيوبة...
هيّبة...
كُلها جميلة وتُحبها، لأنها تبعث في نفسها شعورًا رقيق، تُحِب كيف يحبها، ويعتز بحبه لها، ويتكلم عنها، تُحب حُبه لها.
حملت الصندوق من العامل ووضعته على سريرها لتفتحه، وإذ بداخله فُستان أزرق يُماثل لون عينيها البحريتين، معه حقيبة يد صغيرة وحذاء بكعب عالٍ باللون الأبيض.
وهو للمرة الثانية يبعث لها هذا النوع من الهدايا، فلقد وصلها سابقًا من مُعجبها المجهول فستان أزرق سماوي وحذاء أبيض.
الآن تفهم أنه يفضل هذا اللون عن بقية الألوان...
تأنّقت كما لو أنها ستخرج بضيافة شاشات العالم أجمع، خرجت من الفُندق وإذ بعامل يقترب منها يحمل بطاقة، سلمها أياها لتقرأها.
" سترين سيارة بيضاء على طِراز السبعينيات خلفكِ، اركبي بها والسائق سيحضرك سيدتي المهيوبة"
نظرت حولها، وإذ بها السيارة التي تحدث عنها، صعدت بها، ذوقه في إقتناء الأشياء غريب ومميز، هو ليس تقليدي، لن يأتي بسيارة فارهة لتنقلها.
لذلك هي لا تدري ماذا تتوقع، وتحب أنه يجعلها في حيرة من أمرها، ولا تدري أي حركة سيأخذها لاحقًا.
وصلت قرب الشاطئ، فتوقفت السيارة وخرج السائق، إلتفت حول السيارة ليفتح لها الباب.
" تفضلي سيدتي"
ترجّلت من السيارة تنظر حولها، لا أحد ولا شيء، ولا تملك معرفة إلى أين ستذهب، ربما يأخذها إلى عُمق الشاطئ مجددًا!
وفيما تفكر لاحظت أن يَخت دون الصف الذي يلتزم به أضاء، فعلمت أنه وجهتها، وجدت عنده رجلًا تحدث إليها.
" السيدة روزماري؟!"
أومأت فابتسم وأشار لها.
" تفضلي معي سيدتي"
صعدت على متن اليخت ثم هو أشار لها.
" رَجُلِك ينتظركِ في مُقدمة اليخت، تفضلي"
إستنكرت فيما تتبع المُضيف.
" رَجُلي! هذا الرجل يقفز إلى إستنتاجات مُثيرة!"
عاد المُضيف من حيث آتى وتقدّمت وحدها، وإذ بجون ميون يقف في مُقدمة اليخت ويمنحها ظهره، يرتدي بدلة سوداء ذات سُترة بلون النبيذ، فيما يسرّح شعره الذي بلون الكراميل بفاصلة جانبية جذّابة، وهو يحمل كأس نبيذ وينظر للبحر.
إلتفت لها حينما سمع صوت طرقات كعبها على الأرضية، وابتسم يأخذه الهُيام بإحدى نوباته مجددًا بسببها.
تقدم منها مسحورًا بإطلالتها الناعمة والراقيّة هذه، تمسّك بكفها ورفعه إلى شفتيه ليقبله، وذلك ما جعلها ترمقه بلا تصديق، أيقبل يدها؟! حقًا؟!
أين غروره وكبريائه كرجل؟!
ربما هي قاست الرجولة على الرجل الخطأ فحسب.
جعل يسير بها حتى طاولة العشاء، كانت طاولة راقية لكنها غريبة وجعلتها تضحك، فالدجاج هنا وهناك.
أبعد لها الكرسي فجلست، ثم جلس وضرب أطراف بنانه ببعضها فأضاءت بقعة ضوء عليهما، وأضواء أخرى سُلِطَت على البحر.
" لِمَ إخترت هذا المكان تحديدًا؟!"
أجابها.
" لسببين؛ الأول لأن لا مكان يناسبكِ أكثر من عُمق البحر.
والثاني لأنكِ عرفتِني أول مرة على متن يخت في منتصف البحر"
برمت شفتيها وأحبّت الذكرى، ثم أومأت، ولكن هذه الإبتسامة التي طفت على شفتيها كانت جزءًا بسيطًا عمّا يعتمر فيها من سعادة وعُرفان بسببه.
شرعت تتناول الطعام، أطباق مختلفة، كلها من الدجاج، رِفقة كأس كولا.
" أنت رجل مختلف عن الذين أعرفهم"
تلقاها سمعه كمديح فهمس يبتسم لها بشفتيه الزكيّتين.
" شكرًا لكِ يا هيّبة، لن أنسى أنكِ ميّزتيني بالإختلاف"
فرّت من فاهها ضحكة ناعمة وقالت.
" أتعلم؟ تعجبني ألقابك، لم يسبق لك أن ناديتني باسمي، هيّبة وسيدتي المهيوبة، لها وقع مميز في نفسي"
وفجأة وعت عمّا قالت فتنهدت، وقد إستاءت ملامحها، وزجرته بغيظ.
" يا لك! أصبحتُ ثرثارة بسببك!"
ضحك مما قالت وجعل يقول.
" لا تكبتي الأفكار والمشاعر داخلك، أفصحي عنهم، وستكوني أسعد وأفضل يا هيّبة"
ثم طرق يتناول طعامه، لكنه فجأة رفع لها عينيه ورفع حاجبه دون الآخر، يشير لها بشوكته.
" بالمناسبة؛ بما أن هذه الألقاب تعجبك، لن أناديكِ إلا بها"
شربت من الكولا ونبست تتدعي قلة الإهتمام.
" من يهتم؟!"
أجابها.
" أنا أهتم"
حاولت بكل مقدرتها ألا تظهر إبتسامتها، لكنها إبتسمت ورآها وأسرّته.
يحب أن يراها سعيدة، مُهيبة، مهيوبة، في القمة، وفي قلبه.
بعد العشاء، وقفت روزماري تستند على سياج اليخت، وهو آتى ليقف بجانبها، يده ترتجف وقلبه ينبض بسرعة، لأن في جعبته كلامًا كبير، ربما أتى قبل أوانه، لكنه لا يشعر أنه ستأتيه فرصة مثل هذه لاحقًا.
كان قد حضّر جملًا مُنمَّقة وفصيحة ليتلوها على سمعها فيسحرها بالفن الذي يتقنه، فن الكلمات، لكنه الكاتب الفذّ الذي يعجز عقله عن تجميع جملة الآن، وكأن الفنان في داخله مات على ضفاف هذا الشعور الحقيقي.
فلقد وهب شخصياته وروياته جزءً كبيرًا وحقيقيًا من مشاعره، لكنه أن يكون الشخصيّة نفسها التي تختبر المشاعر بشكل مباشر، لهو شعور مختلف.
أن تبثّ المشاعر في شخصياتك وتتحكم بأقدارها كدمى الماريونت مختلف تمامًا عندما تكون أنت الدُمية التي يتحكم بها القدر.
زفر أنفاسه للمرة الأخير وقرر أن يقول ما يخطر في باله وحسب.
لكنها قاطعته حينما قالت وعيناها في البحر.
" مثل أول مرة جلستُ فيها أمام الكاميرا، زفرت كثيرًا وكنت أرتجف، أنفاسي صعبة وجسدي من الداخل يحترق"
إلتفتت له وقالت.
" هكذا أنت الآن، ما الذي يربكك؟!"
قال بلا أن يفكر كما قرر.
" أنتِ"
قبضت حاجبيها بإستنكار أشارت إلى نفسها.
" أنا؟!"
أومئ يؤكد عليها التهمة التي ألصقها بها، فمن غيرها يوتره؟
من غيرها يشغل تفكيره؟!
لا أحد، ولا أحد يجرؤ أن يحتلّه كإحتلالها له، لكل مشاعره وأفكاره وكلماته، حتى لسِمات وجوده.
نظر في عينيها البحريّة وقال.
" صدّقيني، لا غيركِ يربكني"
لم تقل شيء، فربما يقول الحق، فهي لا تفهم حالة الحب التي هو واقع بها لصالحها، ولا تفهم كيف تربكه، تفهم فقط أن يحبها و تربكه.
وحينما قال التالي لم تكن متفاجئة، فالأفعال تعترف أحيانًا قبل اللسان وهذه حالته.
" بلا مُقدمات يا هيّبة، أنا أحبك"
إستطردت تنظر في البحر.
" انظر إلى البحر، أنه عميق ومُظلم، ألا تخاف ظلامي؟!"
نظر هو إلى السماء وقال.
" البحر ليس مظلم، السماء المسؤولة عن ظلامه الآن"
نظرت إلى السماء فاتبع فيما ينظر لها.
" سأكون لكِ سماءً لا تُظلِم"
نظرت له تُريد أن ترد، فلا مجال للحب في حياتها، ولا يمكن لرجل -أيًا كان هو- أن يحتل مساحة من حياتها، ويتطلب إهتمام وحق وواجب.
أرادت أن تضرب مشاعره عرض الحائط؛ حِفاظًا على مشاعرها، تعلم أنها بهذا الفعل تكون أنانية، وربما قابلت أن تؤمن بحملاته التبشيريّة، لكنها ما زالت لا تؤمن بحبه إيمانًا موثقًا وثيقًا يجعلها تثق به وتسلم له ما تبقى لها من قلبها.
قلبها الذي تداعى وتحطم كفاية على يد رجل آخر، أتسلمه ما تبقى منه الآن؟
ماذا إن ما كان حبه وثيقًا، قلبها المعطوب حينها لا يمكن أن يلتئم.
...................
يُتبَع...
الفصل الثامن "سماءٌ وبَحر"
ضِمن الجزء الثاني (حتى تؤمني بحُبي)
للرواية العاطفيّة "هَيّبَتُها|| الحرب"
..................
سلاااااااااام
كيف حالكم؟! ميرسي مشتاااااق لكم.
المهم بقولكم، الهداوة بالأحداث ودعوها شوي، الأحداث الساخنة على الطريق.😝
شكرًا لكل القراء والمُتفاعلين من كل قلبي.
لكن قررت أشكر هالثلاثة أشخاص على مجهودهم في دعمي، من كل قلبي شكرًا♥️☹
Jeon_IeSoul، jinin-exo، oohhuna99
عنجد شكرًا الكم، أنتو أكثر حد بيدعمني هالفترة♥️♥️♥️
وأنوّه لشي مهم، البنت الي عاملة أكثر من حساب لتدعمني فيهم أنا متأسفة لأني حظرت حساباتك، الرواية ما بتكبر بعدد الحسابات الي بتدعمها بل بعدد الأشخاص، لهيك لا اتعبي حالك وتتدعمني من خمس حسابات، بدك تدعميني ادعميني من واحد بس.♥️
الفصل القادم بعد 80 فوت و80 كومنت.
1.رأيكم بروزماري التي بدأت تلين كثيرًا لمشاعر جون؟
2.رأيكم بجون وخطواته البطيئة لكسب قلبها؟ وتأثيره عليها؟
3.ماذا تتوقعوا أن تكون رد فعل جونميون على رفض روز؟ هل سترفضه بالفعل؟
4.ماذا سيفعل تشانيول لو علم أنهم معًا؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(8)
CH8|| سماءٌ وبَحر
من غير تفكير بيضرب سوهو
Відповісти
2020-10-03 15:42:24
1
CH8|| سماءٌ وبَحر
الفصل دخل قلبى الصراحة
Відповісти
2020-10-03 15:42:53
1
CH8|| سماءٌ وبَحر
مابحب اتوقع الصراحة
Відповісти
2020-10-03 15:44:08
1