CH27||بَحرٌ هائج وسماءٌ دهماء
كيم جون ميون (سوهو)
بطل:
"هَيبتُها||Her Savage Love"
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بكِ!
"بحرٌ هائج وسماءٌ دهماء"
...
غِمامٌ وظِلالٌ سوداء... هكذا هي السماء
فالبحرُ عاصٍ وغاضِب، يَضُم في كَبِدهِ ظُلمة.
والسَّماء مُدلهِمَّة تملؤها غيوم من غضب، وعيون باكية.
يا سماء وبحر... لا تتصارعا!
فالبحر جميل بلون السماء، والسماء وجدت لتعكس لونها عليك يا بحر."
الكاتب سوهو.
.......
كانت روزماري في الشِّقّة عالِقة؛ فلقد فرض عليها زوجها المَصون، والذي ظنَّتهُ لن يفرِض عليها سُلطتهُ الذكوريّة أبدًا، البقاء في المنزل، لكنها في نهاية المَطاف إستردَّت قناعتِها بأنَّ كُل الرِّجال سواسيّة.
لقد حَلَّ المساء وهي ما زالت محبوسة، لقد تجاوزت الساعة العاشِرة مساءً، وليس من عادات جون أن يتأخَّر في القدوم إلى هذا الحَد؛ عادةً ما يهب من عمله ليراها، ويُنجِز ما عليه إنجازِه سريعًا ليبقى معها، حتى أن أعماله الكتابيّة تَمُر بأزمة؛ لأنه دومًا ما يتأخَّر عن مواعيد التسليم.
لكنها الآن تفهم لِمَ لا يعود، لأنَّهُ لا يُريد أن يلتقي بها، وربما لا يريد رؤيتها بتاتًا، لأنه لو عاد ستنفجر بوجهه وتطلبه الإنفصال مجددًا، ولو كانت هذهِ هي ظنونه؛ فهو مُحِق تمامًا.
أخيرًا ها هي تسمع الباب يُفتَح، ذهبت إليه؛ لكنَّهُ تجاهلها وعبرها كما لو أنَّهُ لا يراها، رفعت حاجبها بغيظ، ثم قاطعت ذراعيها إلى صدرها تقول.
"هل أصبحتُ شبح الآن غير مرئي بالنِّسبةِ لك؟"
تنهد جون وبدى على معالمه الإرهاق، فلقد مَرَّ بيومٍ عصيب في العمل، إنهم يضغطون عليه لأجلِ أن يُسلِّم مخطوطة عمله القادم، وهو لم ينتهي بعد.
"روز، دعيني وشأني الآن، لستُ في مزاج للشِّجار معكِ"
دخل إلى غرفتهما، وهي تبعته بعد ثوانٍ، لكنها لم تلح في إزعاجها؛ فإنه من الواضح أنه مر بيوم مُتعِب نظرًا لملامحه المُرهقة، ولجت إلى غُرفتهُما، فسمعت صوت الماء قادِم من دورة المياه.
تنهدت وجلست على السرير، إستهلك حِمّامه قرابةِ السّاعة حتّى خرج، كانت تتمدَّد على السرير حينما خرج، وقد غَفَت بالفعل بينما تنتظره.
تنهد جون واقترب منها، بالتأكيد هي كانت بإنتظاره لتطلُب الطلاق مُجددًا، طلبًا لن يحققهُ لها مهما نقرت رأسه بتذمُّراتِها، جلس على حافّةِ السرير بعدما رفع عليها الغِطاء، مسح على شعرها بيده وهمس.
"افهميني رجاءً، قد تَريني سيئًا، ولكنّي لا أُريد أن أخسرِك حبيبتي!"
نهض ليُجفِّف شعره ويرتدي ثياب نومه، ثم آتى بجانبها، وإن لم يكونا على وِفاق الآن؛ لكنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عنها، هذا الحُضن الحنون الذي لها لا يُفوَّت.
إقترب إليها من خلفها حتى إلتصق بها، وضَمَّ خصرها بذراعه، ثم دسَّ وجهه في خُصلِ شعرِها، أغمض عينيه يتنعَّم بهذا الدِّفئ الذي ينبعث منها.
لكنها إلتفتت له أثناء نومها، فجعل أنفه يُلامس أنفها، تبسَّم بخفّة وطبع على أنفها قُبلة ثم على رأسها أُخرى، واحتضنها في النِّهاية إلى صدرِه.
في الصباح؛ إستيقظت روزماري لكن جون ليس هنا، لقد غادر بالفعل، أنه لا ينفك يهرُب منها، لكنَّهُ اليوم ترك لها هاتفها، فاتصلت بتشانيول، وما إن أجابها قالت بنبرة خشِنة.
"تملك مفاتيح الباب، أليس كذلك؟"
ردَّ بهدوء لامُباليًّا بالسَّخط الذي تَلُمُّهُ نبرتِها.
"نعم، تجهَّزي للعمل، وعندما تنتهي اتصلي بي، سآتي لآخذك!"
أغلق تشانيول الخط بعدما تفوّه بهذهِ الكلمات، يبدو أنَّهُ بِصَف جون هذهِ المرّة، لا بصفِّها.
نهضت لتتجهز بالعمل وهي تُتمتم بالشتائم على جون وتشانيول وجونغداي، وعلى نفسها لأنها غبيّة فلقد تزوَّجت مجددًا، وسمحت بإرادتِها الحُرّة أن تلِف قَيدَ رَجُل حول عُنقها مُجددًا.
إتصلت بتشانيول تُخبره أنها جاهزة، ثم بالفعل أتى وفتح لها باب الشِّقّة، رمقته بغضب لكنه تبسَّم ببلاهة؛ كما يفعل دومًا حينما لا يستطيع الفِرار منها.
دفعت به من صدرهِ عنها وتجاوزته، إنقضى يوم العمل بإعتياديّة، رغم أن ماري خطرت لها فكرة أن تستنجد على الهواء من جنون جون، لكنها ستكون مجنونة أكثر منه لو فعلت.
وبينما هُم خارجون؛ حاولت روزماري مُغافلة تشانيول لتهرب منه، فبينما هو يقف مع المخرج إستأذنت للذَّهاب إلى دورةِ المياه، وهذا ما لم يُصدِّقُه تشانيول، فماري يستحيل أن تستخدم الحِمّامات العموميّة.
إعتذر من المُخرِج سريعًا، وركض ناحية دورة المياه، لكنَّهُ كما توقَّع بالفعل... لم يجدها.
إتصل بجاي هيون يسألهُ لو رآها؛ لكن الأخير نَكَرَ ذلك، تنهد تشانيول بعدما أغلق الخط، وركض ليبحث عنها بالأرجاء.
ركض إلى الخارج، فرآها توقف سيارة أُجرة تبغي الفِرار، ركض إليها بأقصى سُرعته، وربَّت على السيّارة ليُغادِر السائق دونها.
إلتفتت إليه تجمع حاجبيها بسخط وترمقه بغضب، لكنَّهُ لم يأبه لنظراتِها هذهِ، وسحبها من يدها معه إلى السيّارة، التي يتنقَّلون بها في وقتِ العمل.
حاولت مقاومته بكل ما تملك من قوّة، إذ كانت تلكم يده التي لا تتركها وتحاول عرقلته، لكنها لا تُفلِح.
"اتركني أذهب، لا أُريد أن أعود، لِمَ تجبروني؟"
أفلت يدها بعدما فتح لها باب السيّارة لأجلها، وأشار لها بعينيه أن تصعد، لكنها دوَّرت عينيها تأبى، حينها إضطرَّ أن يستخدم ضِدَّها قوَّة بدنِه؛ ليُجبرها قسرًا أن تدخل.
أخذت تنتفِض تُحاول الفِرار لكنها لم تنجح، فصرخت بوجه تشانيول بعدما نجح في إدخالها.
"أيها الغبي اللعين!"
ما اهتم لشتائمها وأغلق عليها باب السيارة، صعد في مكان السائق وأدار العجلة، ثم بينما يقود قال لها.
"لا تكوني أنانيّة هكذا، فكِّري بجون"
إستنكرت بشدّة وبِغضب.
"هل ترى رغبتي بالإنفصال عن جون أنانيّة؟ أنا أفعل هذا لأجله، لا أريد أن يحرم نفسه من حقوقه الطبيعيّة ويحتضنني فقط!"
"وهو لا يريد هذه الحقوق ومُكتفٍ بكِ، لوما ذلك لما تزوَّجكِ من الأساس، هو يعلم من قبل أن يتقدَّم لخطبتكِ أول مرة بالأمر، لو أراد الإنسحاب لانسحب من وقتها ولم يَكُ ليُبالي بكِ، لكنه يحبك، ويريد أن يحصل على طفله منك، أو لا يحصل، كوني طفلته بدلًا من ذلك، بدل أن تفصليه عنكِ وتُضيّعي كل أتعابه في تحصيلكِ هباءً... كُفّي عن رؤية الأمور بمنطورِك وحدِك رجاءً!'
تنهدت روز وما اتبعت على حديثه، ربما تفهم ما يرمي إليه، لكنها بذات الوقت لا تُريد أن
تفهم... هي بالفعل تملك عقلًا جامدًا وعِندًا لا ينكسِر.
وصلت إلى شِقَّتِها أخيرًا فوجدت على بابها آيرين تقف بإنتظارِها، وعلى باب تشانيول تقف أوريل، تقدَّمت روز لتحيَّتُهما بعِناق، ثم وقفت ترمق تشانيول الذي لتوِّه وصل بعدما وضع السيّارة بمصفِّها.
"أعتذر عن بقائكما بالخارج، حتى أنا لا أستطيع الدخول والخروج على راحتي، فأخوكِ يا آيرين يحتجزني، وهذا الطويل يعاوِنه"
ربَّتت آيرين على ذراعها وقالت.
"أعلم... لذا أنا آتية للتنفيس عنك أثناء بقائكِ بالإقامة الإجبارية."
ضحكت روزماري ساخرة ثم أشارت لآيرين أن تدخل كذلك أوريل؛ لكن أوريل إعتذرت تقول.
"ربما آتِ لاحقًا، لكن لي حديث مع تشانيول عليَّ أن أُتممه أولًا!"
تشانيول نظر لها مُستغربًا وهي تبسَّمت له بلطافة، روزماري نظرت إلى كليهما وقالت.
"هل ربما ستحظيان بطفل؟"
تورَّد وجه أوريل وإلتفتت عنهم بحرج، وأما تشانيول فوخز رأس روز بسبَّابتِه يقول.
"توقَّفي عن قِلّة أدبكِ هذه!"
تحسست حيث وخزها فيما ترمقه بملامح مُقطِبة، ثم ركلته بقدمه، فانحنى سريعًا يُمسِك بقدمه.
"تستحِق أيها البغيض!"
دخلنَ الفتاتين إلى الشِّقة، ثم تشانيول أقام عوده بألم وأغلق عليهن الباب، ثم غادر يَعرُج بقدمه مُستندًا على أوريل التي تحيط كتفيها ذراعه.
"هل أنتَ بخير؟!"
نبست أوريل بقلق فتشانيول ضحك.
"لا تقلقي، لقد ضربتني لدرجة أنها ما عادت تؤلم كما كانت تفعل في البداية"
قهقت أوريل فما تساعده على الجلوس على الأريكة في منتصف صالة الجلوس بشِقَّتِه.
"ولِمَ تستنِد علي إذًا؟!"
"أدلَّل... لديكِ مشكلة؟!"
نفت ضاحكة ونقرت بسبّابته أنفه تقول.
"لا، تدلَّل بقدرِ ما تشاء، سأتحمَّل دلالك طالما أُحبُك!"
جلست بجانبه ثم نبست.
"تشانيول؟"
"هممم؟"
"ما الذي يحدث بين ماري وجون؟"
نظر لها تشانيول بحزم فتبسَّمت ببلاهة.
"ماذا؟!
إنَّهُ مُجرَّد سؤال!"
"لا تسألي هذا السؤال!"
تذمَّرت.
"لِمَ؟ هل تظُن أنني سأوشي بأمرهما أو أزيد الأمور بينهما سوءً؟!"
تنهد تشانيول ووقف ينزع مِعطفه.
"لا، لكنّي لن أخبرك طالما لم يفعلوا بأنفسهم"
تحسست كتفه تضايقه بلمساته ورفعت في وجهه أصبعين تُضيّق بينهما المسافة.
"القليل فقط!"
ضرب يدها بِلُطف.
"عودي إلى منزلِك!"
برمت شفتيها بأستياء وتذمَّرت.
"حسنًا سأصمُت!"
نهض تشانيول ليُبدِّل ثيابه، وهي أخذت تُتمتم بالشتائم بحقِه.
"مغرور عنيف وأحمق!"
صاح من غُرفتِه.
"أسمعُكِ تشتميني!"
قضمت على شفتيها بغيظ بعدما صاحت.
"هل أنتَ تتبلّى علي الآن؟"
ردَّ بصوت مُرتفع.
"وتتجرّأي أن تكذبي!"
تمتمت بسرِّها مُستاءة.
"بالتأكيد تسمع جيدًا بأُذنيكَ الكبيرتين هاتين!"
"أوريل!"
وضعت يدها على قلبها تمسح عليه بعدما صاح من مكانه في الدّاخل باسمها.
....................
توقَّفت روزماري، وإلتفت إلى الباب تشتِم تشانيول.
ضحكت آيرين، وعانقت عُنق زوجة أخيها تقول.
"دعكِ منهم، دعينا نقضي الوقت معًا!"
أومأت لها روز ثم قالت.
"سأُبدِّل ثيابي واستحِم سريعًا ثم آتي، اتصلي بهذا الطويل البغيض، واخبريه أن يحضر لنا الدَّجاج لي وأنتِ إختاري ما تشائين"
أومأت آيرين وجلست على الأريكة تقول.
"سأطلب دجاج أيضًا، وكولا؟"
"افعلي"
جلست آيرين على الأريكة، وروزماري إختفت في غُرفتِها، أخذت آيرين تُراسِل جون، فهو قد أخبرها أن مشكلة وقعت بينه وبين زوجته، وطلب منها أن تذهب لتقضي بعض الوقت عندها؛ كي لا تبقى لوحدها.
"هل وصلتِ عندها؟"
وصلتها رسالة نصيّة منه فأجابته.
"نعم وصلت"
"وكيف هي؟"
"حديد... كما دومًا"
"أُيمكنك ألا تُغادري حتى أعود؟"
"لا تقلق جون... سأبقى لديها وسنقضي وقتًا مُمتعًا معًا"
"شكرًا لكِ آيرين!"
"على الرُّحب أخي!"
"لطيف!"
إنتحبت بإبتسامة واسعة بعدما أغلقت غُرفة المحادثة معه، ثم فتحت غُرفة المحادثة مع أوريل، فلقد كانت أوريل بمُهِمة لسحب لِسان حبيبها تشانيول؛ لعلَّهُ يُخبِرها ما الواقع بين الإثنين؛ بما أنَّهُ يعاون جون على حبس روز.
"أوريل، هل إكتشفتِ شيء؟"
أصبحت أوريل مُتصلة، وها هي تكتب ردَّها.
"للأسف لا!"
"تشانيول يأبى أن يقول أي شيء لي، ولقد نِلتُ توبيخًا حارًّا منه."
"لن أجرؤ أن أسألهُ مُجددًا أبدًا"
"حسنًا؛ هل حبيبكِ الكتوم مُتاح الآن؟"
"لا أظن أنَّهُ مُتفرِّغ هذهِ اللحظة"
"حسنًا؛ أخبريه فورما يفرغ أن يشتري لما الدجاج والكولا"
"سأفعل أنا الآن"
أغلقت آيرين الهاتف تتنهد، كما هو متوقع من ذلك الضخم الطويل صاحب العضلات المفتولة.
فتحت التلفاز، وأخذت تشاهد عرض الإعادة لبرنامج "مسائكُن قوّة" الخاص بزوجة أخيها الحديديّة.
"اووه! هذهِ هي زوجة أخي!"
لطالما كانت مُهيبة روزماري على الشاشة، وستبقى دومًا... كانت تستضيف في برنامجها إحدى الفتيات، التي تعمل على مشروعها الخاص؛ لتدعمها.
إنتهت روزماري أخيرًا من إستحمامِها، وخرجت لترى آيرين فيما تُجفف شعرها بالمنشفة، وترتدي فُستانًا خفيفًا.
"هل وصل الطعام؟"
أومأت لها آيرين.
"ها هو هنا، تفضَّلي"
جلست روز بجوار آيرين، وباشرنَ بتناول الطعام بينما يتبادلن أحاديث عاديّة.
بعد ذلك حضرن كوبي قهوة مع قطع الشوكولاتة المُفضَّلة، ثم جلسنَ بالشُرفة يقينَ أنفسهن برودة الجو بمعطفين.
شعرت آيرين بالتردد حول فتح السيرة، لكنها تخاصمت مع ترددها، وتسآلت بعد إرتشفت رشفة من كوب قهوتها وأعادته إلى مكانه على الطاولة.
"روز، ألا تُريدي أن تُخبريني ما هي المُشكلة بينكِ وبين جون؟"
أجابتها روز بعدما إحتست من كوبها.
"أريد الإنفصال، وهو يرفض"
إنتفضت آيرين بلجَّة الدَّهشة، وقالت.
"تنفصلي!
لِمَ؟! ما الذي حدث؟!
لم يمُر على زواجكما سِوى شهرين!"
تنهدت روزماري، ونظرت إلى آيرين، التي تكاد لفرط الصدمة أن تخرج عينيها من رأسها.
"أنا لا أُنجِب، وعلمتُ حديثًا فقط"
صاحت آيرين بلا تصديق.
"ماذا؟!"
تنهدت آيرين تستجمع شتاتَها، ثم قالت.
"وجون يرفض تطليقكِ لهذا السبب؟"
أومأت روز لها بصمت، فأمسكت بيدها آيرين تحاول إقناع روز بتغيير رأيها.
"إذًا هو راضٍ عن ذلك ومُكتفٍ بكِ، لذا لا تترُكيه"
خيَّم الصمت لبضعٍ ثوان، لكن لم يدم فآيرين اتبعت.
"جون يحبُك مُذُّ خمس سنين قبل أن يلتقيكِ لأول مرة وتعرفينه، لا تعلمين كم تعمَّق حُبكِ في صدرِه وكم أنتِ مُتغلغِلة به، أنتِ لو تخلَّيتِ عنه لأي سبب جون لن يعود إلى طبيعته، سيعيش في ضَنَك لو قرر أن يعيش من بعدِك، فلقد علَّق حِبال حياته عليكِ، فلا تقتُليه!"
ليَّنَ الكلام عِناد روزماري، فقد لبثت في صمتٍ طويل، وما تكلَّمَت بعدها أبدًا؛ لأنها بدأت تشعر بخطورة قرارها هذا على جون وصحَّتِه النَّفسيّة... مرَّ الوقت هكذا؛ حتى وصل لآيرين إتصال من سيهون؛ يُخبرها فين أنَّهُ ينتظرُها بالأسفل.
حملت آيرين حقيبتها قُرب الباب، وأخرجت منها دعوة قدَّمتها لروزماري.
"هذهِ دعوة زفافي، أعلم أننا أهل ولا تحتاجين دعوة لتحضري، لكنّي أحببتُ أن أُعطيكِ واحدة"
نظرت روزماري إلى الدَّعوة وقالت.
"لو اكتشف أبي مُشكلتنا قد يؤخِّر زواجِك، أوليس؟!"
نفت آيرين، وربَّتت على كتف ماري تُطمئنُها.
"لقد أتممنا كل الأمور لأجل الزفاف، لقد تأخر الوقت ليُلغيه، وجون تزوَّج بالفعل، وهذا هو المُهم بعُرف العائلة الغبي هذا"
تبسَّمت ماري عندما طبطَبت آيرين على وجنتِها، وقالت.
"لا تُفكِّري سوى بسعادتِك ماري، كوني سعيدة رجاءً... هذا فقط ما نُريدُهُ جميعًا!"
هدهدت الكلمات على روح روزماري المكلومة بقبضةِ النَّقص، وجعلتها تشعر براحة أكثر، وتشعر بذنبٍ أقل ناحية جون.
غادرت آيرين؛ إذ كان سيهون بإنتظارِها بالأسفل، وأوريل معه، فورما دخلت تسآلت أوريل بلهفة.
"هل علمتِ ما المُشكِلة بينهما؟"
أومأت آيرين وتنهَّدت، فقال سيهون.
"وما هي؟!"
نظرت آيرين إلى هذين الوجهين الفضوليين ثم قالت.
"ليست مُشكِلة ضخمة، سيحلّونها مع مرورِ الوقت"
كلا الأخوين -سيهون وأوريل- فهما أنَّ آيرين لن تقول ما هي المشكلة، لكن لا بأس طالما أنَّ الأمر لن يقود إلى تبِعات سيّئة.
..............
غادرت آيرين وجون آتى، وقف جون ينظر لها مُستندًا على الحائط، وهي تجلس أمام التلفاز، نظرت له ورفعت حاجبًا تقول.
"لِمَ تُحدِّق؟ هل نسيت شيئًا على وجهي؟"
تبسَّم جون وأومئ يقول.
"نعم، فرحتي بكِ"
تنهدت وتجاهلت ما قاله وأخذت تنظر إلى التلفاز بصمت، أما جون؛ فقد دخل ليؤدّي شؤونه، وما إن إنتهى وجدها تنام في حِصَّتِها بالسَّرير.
آتى لينام خلفها، ثم عانق خصرها بذراعه ودَسَّ رأسه بشعرِها كما يفعل كل ليلة، لكنَّها تنهدت بإنزعاج وأبعدت يده عنها، ثم إلتفتت إليه ترمُقُه بإنزعاج وهو ينظر لها بريء الأديم.
رفعت الوسادة الطويلة ووضعتها بينهما، ثم رفعت أصبعها في وجهه مُحذِّرة.
"أياكَ أن تتجاوز هذا الحد وإلا لن تُنجِب لا مني ولا من غيري سيد كيم جون ميون!"
رمت بنفسها على حِصَّتِها، وجون إهتزَّ صدرِه ضاحِكًا، وضع يده تحت رأسه ثم همس.
"ألا ترين أن عقابكِ هذا جائر؟"
إلتفتت إليه تستنكر بغضب.
"جائر؟!
لقد تجرَّأت وحبستَني أيُّها الذكوري!"
"ذكوري؟! من؟! أنا؟!"
استهجن بشدّة وقعد على الفراش، لكنها أطفأت الأضواء ونبست.
"اصمت ودعني أنام، أعمالي ليست حُرّة كأعمالك كما تعلم!"
برم شفتيه ونبس.
"يا لكِ من قاسية!"
همست في نبرةٍ حازمة.
"تنام أو أطرُدك؟"
حينها لَبَدَ في فراشِه بصمت... أي شيء؛ ولا أن تهجره الهَيبة في مضجعه.
.........................
الليلة هي ليلة زفاف سيهون وآيرين، وقد إتفقا ألا يعقدا زفافًا ضخمًا، لكنه عُقِد في إحدى قاعات الزفاف الفارِهة!
للتوِّ وصلت روزماري برفقة جون إلى القاعة، ولا... علاقتهما لم تتحسَّن بعد، فلم تجنح روزماري عن فكرة الطلاق كُليًّا، كما أنَّها تحقد على جون؛ لأنَّهُ حبسها في الشِّقّة مَرّة، لكنهما لا يظهران نِزاعهما للعَلَن، ليسَ قبل أن تتزوج آيرين من سيهون على الأقل!
وقفت روزماري بجانب أهل العروس، وكانت تقف بجانب جون بينما يتحدَّث إلى مجموعة من أقارِبه.
كانت ترتدي فُستان من قطعتين باللون التُّرابي، إحداهُما داخليّ قصير، يعلو صدرها بإنثنائة قوسين، ثم يضيق على جذعها حتى يصل مُنتصف فخذها، ثم يعلوه فُستان خارجي بذات اللون، لكنَّه يَشِف فيكشف ما أسفله، فضفاض وبرّاق، وأخيرًا يُحيط خصرها حِزامٌ عريض يوثِّق الفُستانين معًا.
رفعت شعرها بتسريحةٍ أنيقة، وأخلت سبيل بعض الخُصل لتتساقط على صِدغها، تضع في عُنقها عِقدًا ألماسي بسيط، هو إحدى هدايا جون، وصلها بصناديقه قديمًا، تنتعِل بقدميها حذاء بكعبٍ عالٍ فضّي اللون.
العيون كُلُّها عليها، فهي تحظى بإهتمام الحضور كما لو أنَّها العروس، فهي مشهورة، وقد سرقت من أُمها الجينات الأوروبيّة الفاتِنة، ولها حضورًا طاغيًا.
ذلك أزعجها لكنَّها قررت أن تتحمّل حتى يتم عقد الزواج على الأقل، وها هي أبواب القاعة تُفتَح؛ ليَلِج من خلفِها السيد كيم وابنته تتأبَّط ذِراعه، روزماري فكَّرت بشيء واحد فقط هذه اللحظة جعلها تضحك، إنَّهُ من الجيد لآيرين أنها لا تملك بطنًا مُمتلئة بطفل في يومِ زِفافِها.
كان يقف سيهون في أعلى المَسار المُهلَّل بسجّاد أحمر تسير عليه آيرين بفُستانها الأبيض الذي يتغنّى بجمالها، لا هي من تتغنى بجماله، فآيرين من تُجمِّل الأشياء، لا الأشياء تُجملُها.
إستلم سيهون يَد آيرين وأتمّا معًا عهود الزواج حتى سمح لهما القِس بقُبلة، ولقد كان سيهون شقيًّا كفايّة ليُقبِل عروسه قُبلة شِفاه أمام النَّاس أجمع، حتى أن جون بجوارها تذمَّر.
"انظروا إلى هذا الوقح، يُقبِّل شِفاه أختي أمامي... حتى أنا لم أفعلها!"
تبسَّمت روز وربَّتت على يدِه تقول.
"لقد أصبحا زوجين الآن!"
لكن الكلام لم يعجب جون إذ برم شفتيه بإنزعاج، لكن عندما آتى تشانيول وأخذه منها ليقف مع بضعةِ رجال نسى الأمر وانخرط في أحاديث الذُّكور.
إستغلَّت روزماري الفُرصة لتخرج قليلًا تستنشق هواءً حُرًّا، وتحرر من نظرات الجميع المُسلَّطة عليها.
وبينما هي تقف في الخارج تستنشق أنفاسًا حُرّة، باغتها حضورُ رَجُلٌ ما، إنَّهُ رَجُلًا يافِع، طويل القامة نسبيًا وشاحب البشرة، لكنها من النُدبة العميقة التي تشرخ وجنته خمَّنَت أنَّهُ مُجرَّد رَجُل سيء على أقلِ تقدير، ومن ثيابِه الرَّثة والمُتَّسِخة قد يكون مُشرَّد.
رمقته بأعين مُستنكِرة وحاجبين مُقطَبين، كان يركض إليها، ويبتسم إبتسامة مريضة رغم أنَّ غمّازًا جميل برز في إحدى وجنتيه دون الأُخرى.
"أخيرًا أنا رأيتُكِ!"
إنَّهُ يملك وجهًا مألوفًا لعينيها، لكنها لا تتذكَّر أين رأتهُ تحديدًا من قبل، قبضت حاجبيها ونبست بغرابة.
"ماذا تريد؟"
رأتهُ يُخرِج شيئًا من جيبِه الخلفيّ دون أن يُجبها، وإذ بهِ سكّين، شهقت ماري بفزع ونظرت إلى الرَّجُل الذي اتسعت إبتسامته، فتلك النظرات الفَزِعة التي ترمقُه فيها تُغذّي نفسه المريضة.
روزماري نبست عليه بغضب رغم أنَّ الخوف من جنونِ هذا الرَّجُل قد تَخلخَلَ ونبرةِ صوتها.
"ماذا تفعل أنت؟ هل تنوي أن تقتُلني الآن أيُّها الرَّجُل المجنون!"
ضحك بطريقة مريضة وأومئ يقول.
"ماذا تَرين أنّي فاعلٌ بكِ؟
ألا يجدُرُ بكِ دفع ثمن ما إفتعلتِه بحياتي من خراب؟!"
أشار لها بسكّينه وأخذ يتقدَّم منها وهي تتراجع عنه.
"بسببكِ زوجتي هجرتني، أستطاعت أن تهجُرني رغم أنها لم تجرؤ يومًا أن ترفع وجهها بوجهي... لذا حان وقت أن تدفعي ثمن أفعالِك أيَّتُها الخبيثة!"
وفجأة ركض نحوها يصرخ بِغُل يُهاجمُها بسكّينه يبغي طعنها، وحينما كاد أن يطعنها إنحنت روزماري سريعًا تتحاشى الطعنة، وصرخت باسم جون عدة مرات.
"جون، جون، جون... أرجوكَ تعال وانقذني!"
أخذ اليافع المريض يضحك منها ومن خوفها، لأنَّها تشعره بالسعادة، تُرضي نفسه بصراخها وخوفها منه.
كانت ترتجف بشدّة، وتحاول الإبتعاد عنه وتفادي هجماتِه، لقد كرهوها الكثير من الرِّجال وهاجموها؛ لكن لم يجرؤ أحد من قبل أن يُشهر في وجهها سكينًا ليُزهِق روحها.
قالت له تحاول ثنيه عن نيَّتُه في قتلِها بينما تتنفَّس بصعوبة وترفع ذراعيها تحاول صرفه.
"اسمعني جيدًا، صدِّقني سأُسامحك ولن أشكوك للشرطة لو أنتَ الآن إبتعدتَ عني، اذهب فقط رجاءً!"
نفى برأسه رافضًا فيما يبرُم شفتيه، ثم حمل الرَّجُل السّكّين بيدهِ الأُخرى وهاجمها بها مُجددًا ولكنه كان أكثر شراسة، لكنَّها نزعت حذاءها سريعًا، وضربت جبهته بالكعب العالي فصار ينزف رأسه نزيفًا شديدًا، رغم ذلك؛ هو مُصِر على إزهاقِ روحها الآن؛ إذ أخذ يحاول طعنها مُجددًا بينما ينعتها بألقابٍ بذيئة.
"جون، تشانيول، جاي!"
وروزماري ضلَّت تصرخ وتتملَّص منه كلما حاول مُباغتتِها.
صرخت بقوّة شديدة حينما أصبحت السّكّين قُرب بطنِها، تمسَّكت به ولم تؤلمها ما أحدثته بيدها من شروخ عميقه، وحينما دفع بيده ليغرزها في بطنها، إستطاعت عكف ذراعه، فانعكس الإتجاه وغرز السّكّين في بطنِه بدلًا منها.
شهقت روزماري بقوّة ونظرت إلى الرَّجُل الذي أعتقَ آه ثقيلة، ثم تأرجح يفقد توازنه وسقط من أمامها أرضًا.
جون الذي شعر بغيابها مُذُّ دقائق وأخذ يبحث عنها بالدّاخل بجنون؛ يظنُّها قد هربت منه بسبب خلافهما الأخير، استوقفه سماعه لصوتها تصرُخ باسمه، فتيبَّس عوده للحظة يتدارك نفسه، ثم أخذ يركض إلى الخارج، وصرخ في تشانيول أن يتبعه سريعًا رغم أن الأخير يقف بعيدًا.
"تشانيول، روز تصرخ، أين هي؟!"
"ماذا؟!"
إستنكر تشانيول في صيحة، فلجَّت القاعة، وركض خلفه تشانيول ثم جاي وحتى سيهون؛ ليروا ما في الأمر.
لكنهم قد وصلوا متأخرين بالفعل...!
فلقد وقع الرجل، والسّكين مُدمى بيد روزماري، التي سُرعان ما رمته أرضًا، وأخذت ترتجف، تبكي، وتُتمتِم.
"أنا لم أقتله، لم أقتل أي أحد، أنا لم أقصد!"
هرع إليها جون، واحتضنها إلى صدره يُخبّئ وجهها عندَ عنقه، نظر إلى ما حدث، الرَّجُل طُعِنَ في بطنِه بوضوح.
إنقبضت معالم جون كما الجميع وإلتجموا على إثرِ هذهِ المُصيبة، وروزماري بين يديه تبكي وتُردِّد.
"أنا لم أقتله، هو أراد أن يقتلني، وأجبرني أن أؤذيه، صدِّقوني!"
ربَّت جون على رأسِها بينما ينظر إلى الرَّجل، الجميع كان في حالة إرتباك، ولا يعلمون كيف يتصرفون، لكن إدارة القاعة إتَّصلت بالشُّرطة بالفعل، وعندما سمعت روزماري أصوات سياراتهم قادمة أخذت تبكي أكثر وتنتحِب وتُردِّد ذات الكلام، كما لو أنَّها طِفلة بينما تتمسَّك بقميصِ جون.
"أرجوك! لا تجعلهم يأخذوني، أنا لم اقتله! لم أقصِد!"
رفع رأسها عنه وأحاط وجهها بكفّيه يقول.
"لن أتركك، لا تخشي شيئًا، أنا معكِ هنا ولن أسمح لهم بأذيَّتِك"
وصلت الشرطة بالفعل، وإحدى المحقيقين رفع شارته معرِّفًا.
"أنا المُحقق بيون بيكهيون، وبوفقِ أحكام القانون، فنحن سنقبض على الجانية كيم روزماري بتهمةِ القتل دون مُذكرة إعتقال"
إختبأت خلف ظهر جون، وأخذت تنفي برأسها، تبكي بشدة وتقول.
"أُقسم أنّي لم أقصِد إيذائه، هو من هاجمني أولًا!"
اخرج المحقق بيون أصفاده المعلَّقة على بِنطاله وقال.
"قولي كل هذا بمركز الشُّرطة"
اقترب منها المحقق، لكن جون وقف في وجهه يقول.
"لا تُصفِّدها، ستأتي معكم طوعًا"
رفع المحقق حاجبه بسخط، فيبدو من هيئته أنَّهُ صارم ولن يرضى أن تسير كلمة أحد سوى كلمته هُنا.
"هل تقف في وجه القانون يا هذا الآن!"
"نعم!"
وقف جون أمامه بتحدٍ، فقال المحقق لرجاله من الشرطة.
"صفّدوه معها إذًا!"
تشانيول وقف أمام المحقق، وقال له.
"أيها المحقق، لو ترى أنّها تَمُر في حالةِ صدمة، وهي لا تقدر على مُجابهتكَ الآن، رجاءً تعامل معها برِفق، ودعنا نرُافقها"
نظر بيكهيون إلى المرأة الصبيّة، التي لا تتوقَّف عن البُكاء، وتتشبَّث بقميص زوجها من دُبر؛ لعلَّهُ يحميها.
أومئ المحقق بيون، فلقد شعر بأنها في حالةِ صدمة، رغم أن هذه المِهنة صقلتهُ على القسوة، فلقد رأى من أنواع الناس العُجاب بالفعل، قليلون من يتورَّطون بلا قصد، وهو أصبح قادر أن يقرأ الوجوه، وهذه المرأة لا تدَّعي الخوف، هي بالفعلِ خائفة.
نظر المحقق إلى جون، الذي ما زال يقف بحمايتها رغم أنهم صفَّدوه.
"تنحّى عنها"
"لن أفعل!"
أشار إلى رِجاله أن بسحبوه بالقوّة، وهذا ما حدث فظلَّت روزماري بلا ظهر يحميها أمام المُحقِّق البَليد هذا، تراجعت عندما تقدَّم منها المُحقِّق، حينها أمسك بيدِها تشانيول، ونبس لها.
"لا تخافي، سأُخرجك، أعدك!"
نظرت إلى المُحقِّق حينما أمسك بيدها ثم كبّل معصميها وهو يقول.
"سيدة كيم روزماري؛ أنتِ رهن الإعتقال بلا مُذكَّرة إعتقال للقبضِ عليكِ في الجُرم المشهود، يمكنكِ الإحتفاظ بحقكِ في الصمت وتوكيل مُحامي!"
كَبَّلَ يدها أمامها، ثم أشار لها.
"تفضَّلي معي!"
نظرت روزماري إلى تشانيول بإستنجاد، فأومئ لها وتمسَّك بكتفيها يسحبها معه برفق إلى سيارة الشُّرطة.
صعد معها بسيّارة الشُّرطة، المُحقِّق بيون بالأمام، بجانبه رجل شرطة يقود، وبجانب تشانيول رجل شرطة آخر.
كانت روزماري لابثة في صمت، فالصدمة قد أخذتها بِعزَّتِها، وهي الآن تكادُ تفقد وعيها بسبب هذه الصدمة، وهذا الخوف الذي تشعر به.
تمسَّك تشانيول بيدها وقال.
"أعدُكِ سأُخرجِك، الآن سأتَّصِل بالمُحامي جونغ إن ليأتي، لا تخافي!"
نظرت إلى تشانيول وهمست بصوتٍ يرتجف.
"أنا خائفة حقًا، ضَع الرَّجُل في أفضلِ مُستشفى وتابع حالتهُ الصحيّة، أنا لا أريد أن أكون السبب في موتِ إنسان وإن لم أكُ أقصد، أرجوكَ يا تشانيول!"
"حسنًا، سأهتم بكل شيء، لا تقلقي!"
المُحقِّق بيون يسمع كل شيء لكنَّه يدَّعي أنه لا يفعل، فهو لا يثق بالناس، كثيرًا ما سمع مثل هذا الكلام من مُجرمين إرتكبوا جرائمهم متعمِّدين... التحقيق سيكشف له كل شيء.
وصلوا مركز الشرطة، ووضعوا روزماري بزنزانة معزولة عن البقيّة بما أنها إمرأة، وجون وقف أمام المحقق قبل أن يضعه بزنزانة عشوائية وقال.
"ضعني مع زوجتي أيُها المُحقق رجاءً!"
نفى المحقق برأسه يقول.
"هذا غير ممكن"
لكن جون كان مُصِر.
"هي تمر في حالة صدمة، وزوجتي قلبها رَهَف ونفسها رقيقة، قد تنهار، اتركني ابقى معها رجاءً!"
أومئ المُحقِّق بيون وأدخله إليها، سُرعان ما هرع إليها جون، وأدخلها بين ذراعيه المُصفَّدة يحتضنها، وأما المُحقِّق؛ فأشار إلى كاميرا المُراقبة التي بالغُرفة يقول.
"لا تقوموا بفعلٍ مُخِل في الدّاخل، سنراكم حينها!"
ولم يك هذا الوقت المُناسِب لمزحةِ المُحقِّق بيون رُغمَ أنَّهُ لم يقصُد أن يمزح.
غادر الجميع؛ رجال الشُّرطة والمعارف الذين أتوا مع روزماري وجون؛ من أمام قفصِ الزِّنزانة، نظر جون إلى روز، كانت تستند برأسها على الحائط خلفها ولابثة في صمتٍ مُتقِع.
تنهد جون ثم نزع عنه سترته ليضعها حول كتفيها، ثم إجتذبها إلى ما بين ذراعيه يحتضنها، أخذ يُربِت على رأسها الرّاكِن على كتفه، وذقنه يعلو قِمَّة رأسها.
"جون؟"
"هَيبَتُه؟"
ترقرَقت عيناها بالدَّمع مُجددًا وقالت.
"هل سأُسجَن؟"
ضَمَّها بقوّة بين ذراعيه ونبس.
"لن يحدث... لا تقلقي!"
تنهدت وأغمضت عيناها، تشعُر بالتَّعَبِ الشديد، عيناها قد تورَّمت بالفعل لكثرةِ ما بكت، وهي الآن في أسوء أحوالها على الإطلاق.
لكن كتف جون لطالما كان آمنًا، ولطالما كانت ذراعيه دافئة، تشعرُ بالإمتنان لأنه تطاول على رجلِ الشُّرطة وإلا لكانت الآن وحدها تُعاني، على الأقل؛ بوجوده معها لن تشعُر بالوِحدة.
آتى تشانيول بعد دقائق، فنظر له جون كذلك روز، حينها قال.
"جون أنتَ ستبيتَ الليلة بالمركز وغدًا يخرجونك، وصل المحامي كيم جونغ إن، ويقول أن روز ستبقى لعدةِ أيّام على الأقل!"
نظرت روز إلى جون، وتمسَّكت بقميصه بهلع، فهي بالتأكيد لا تُريد أن تبقى بهذا القفص الموحِش وحدها؛ فنبس.
"لا تخافي، غدًا سأتشاجر مع هذا المُحقِّق مُجددًا كي يحبسني معكِ مُجددًا"
تنهد تشانيول وقال.
"سأذهب إلى المنزل، واحضر لكم ثيابًا أُخرى، لا تقلقوا... كل شيء سيسير على ما يُرام!"
..........
في اليوم التّالي؛ رفعت روز رأسها عن كتف جون حينما نادى باسمها الشُّرطي لأجلِ بِدء التَّحقيق.
لم تَنَم طيلةِ الليل، بل وظلَّت مُستيقظة بِصُحبةِ جون، لم يتكلما بشيء بالفعل، فالإرهاق قد إستحوذ على روز، وجون قدَّم مُساندتِه لها بحُضنِه الدّافئ.
أُدخِلت روز إلى غُرفة التحقيق؛ تمامًا كما تظهر بالدرامات التلفزيونيّة، فهي غُرفة ضيّقة مرفوع على زواياها كاميرات مُراقبة، وإحدى الجُدران لها نافذة زُجاجيّة، تكشِفها للحُجرة الأُخرى.
كانت وحدها تجلس إلى هذه الطاولة، التي تلتف حولها أربعة كراسي، بجانبها كُرسي شاغر، وأمامها إثنان آخران.
وضعت روزماري رأسها على الطاولة، وأغمضت عيناها بإرهاق حتى فُتِحَ الباب، وإذ به رَجُل طويل القامة نسبيًا، أسمر البشرة، بُندقيَّ الشعر، وملامحه وسيمة، يرتدي بدلة رسميّة رماديّة يعلوها مِعطف أسود طويل، ويحمل بيدِه حقيبة أوراقه... إنَّهُ المُحامي كيم جونغ إن.
آتى المُحامي وجلس بجوارِها يقول.
"سيدتي، فسَّرَ لي مُدير أعمالك السيّد بارك تشانيول ما حدث، ونحنُ طيلة الليل نُنَبِّش عن أدلّة لإنقاذِك، وجمعنا ما يكفي
لإخراجِك... الآن لا تقلقي من شيء، وأجيبي عن أسئلة المُحقِّق بِصِدق وشفافيّة، لا داعي للخوف!"
"حسنًا"
دخل المُحقِّق أخيرًا يحمل على ذراعه أوراقه.
"إذًا سيّدة كيم روزماري، اخبريني ما حدث بالتَّفصيل"
إستجمعت روزماري شتاتها، وأجابته بكل تفاصيل الحادثة مُذُّ أن خرجت من قاعةِ الزَّفاف وحتى وصلت الشُّرطة لاحقًا إلى موقع الجريمة.
كتب المُحقِّق ملحوظاتِه ثم سألها.
"إذًا مبدأيًا هو كارِه... حسنًا؛ هل سبقَ أن رأيتِه في أي مكان من قبل؟"
تعلم روزماري أنَّهُ يملك وجهًا مألوف، لذا أومأت برأسها تقول.
"لَهُ وجهًا مألوف بالفعل!"
همهم المُحقِّق ثم عقد ساعديه إلى صدره، رفع الساق فوق الأُخرى وارتخى على مقعدِه.
"حسنًا حاولي أن تتذكَّري متى رأيتِه"
قبضت حاجبيها تحاول أن تتذكر، وحاولت أن تتذكر المرّات التي هاجموها بها الرِّجال من صِنفه، ونعم تذكَّرت.
"تذكَّرت! لقد سبق له أن هاجمني في مركز سيؤل التِّجاري، كان بصُحبتي آيرين وأوريل وجاي، حتى أنَّهُ توعَّد لي أن يراني مُجددًا على عينِ المَلأ!"
"ولِمَ لم تتقدَّمي بشكوى ضِدَّه في ذلك الوقت؟!"
برمت شفتيها تقول.
"ليست أول مرة أن أتعرَّض للهجوم من الكارهين، لم آخذ بالأمر على محملِ الجَد في ذلك الوقت!"
أومئ لها وأغلق دفّتي الكتاب، ثم استمع إلى مُحاميها الذي يقول.
"موكلتي بريئة من تُهمة الشروع بالقتل العَمد، ونحنُ نملك الأدلة الكافيّة لتنجو من هذهِ التُّهمة، لذا أُطالب بإخراجِها مؤقَّتًا بِكفالة"
"لا يُمكِن إخراجها بكفالة، اليوم سأحوِّلها لمكتب المُدَّعي العام، وهو من عِنده سيرفعها إلى المحكمة... أنا إنتهى عملي إلى هُنا"
نهض المُحقِّق ثم خرج ببرود، أما روز فنظرت إلى مُحاميها الذي تنهد قائلًا.
"سأُقدِّم طلبًا رسميًا عند المُدَّعي العام لإخراجكِ بكفالة"
أومأت له، ثم خرجت برِفقة شُرطيان، ووجدت أن جون قد تشاجر مع المُحقِّق بيون مُجددًا، والأخير قرر أن يسجِنه حتى تُحوَّل زوجته إلى المحكمة؛ طالما أن هذا ما يطمح له.
جون نظر لها وابتسم رُغمَ الكدمة المتورِّمة على وجهِه.
"سأبقى معكِ"
إقتربت منه حتى إحتضنت خصرِه بذراعيها، وأندسَّت بين ذراعيه تقول.
"أنتَ جون المجنون الخاص بي حقًّا!"
"لا بأس... طالما أنا سأبقى معكِ"
.................
كانت العائلة بأجمعِها مُجتمِعة في قصرِ العائلة كيم في حي القصور أبوجانغ، والدي جون، آيرين وسيهون الذي إنتزع زفافهما، كذلك تشانيول تجلس بجانبه أوريل، من عائلة ماري لوكاس موجود ووالديها فقط، كما أن المُحامي جونغ إن موجود.
السيد كيم قال.
"هل جون وماري بخير؟"
أومئ له تشانيول وقال.
"يُمكنكَ أن تقول بخير، روزماري في حالة نفسيّة سيئة، وجون معها يُساندها، كلما أراد المُحقِّق إخراجه تشاجر معه؛ كي يبقى مسجونًا معها
لكن... هناك مشكلة كبيرة الآن!"
قبض السيد كيم حاجبيه يتسآل.
"وما هي؟"
"لقد تسرَّب الخبر للإعلام، ومواقع الإنترنت تَضُج بهذا الخبر"
تدَّخل لوكاس في الحديثِ نابِسًا.
"وما الذي يقولونه عنها؟"
"قاتلة... كل المقالات التي كُتِبَت والتعليقات على الأمرِ مُسيئة"
قال جونغ إن.
"يُمكِن تدبُّر هذا الأمر، على المحطّة أن تحمي مُذيعتها، ونحنُ سنشُن على كل من ينعتها بالقاتلة بحملة شكاوى."
لبث الجميع في صمتٍ إلا السيد كيم إذ قال.
"ماذا سيحدُث الآن؟"
أجاب المُحامي.
"علينا أن ننتظر جلسة المُحاكمة... لا نملك شيئًا لنفعله قبل ذلك"
................
كان جونغداي في شِقَّتِه، التي يمكُث فيها مؤقتًا إلى حينًا لم يُقرر متى يأتي بعد، وتحديدًا يجلس أمام التِّلفاز؛ حيثُ تُذاع برامج حِواريّة تُناقِش قضيّة المُذيعة الشهيرة كيم روزماري؛ التي أصبحت رقم واحد في مُحرِّك البحث بغضونِ ليلة واحدة.
بعضُ النّاس يتهمونها بالقتل وينعتونها بالقاتلة، وآخرين يبحثون عن أسباب تُبرّئها، وآخرين ينتظرون حُكم المحكمة.
لكن الشُرطة صامتة، وترفض الإدلاء بأي تصريح بحسبِ رغبةِ مُدير أعمالِها بارك تشانيول، إذ أنَّ هُناك تكتُّم تام من طرفِ الشُّرطة والإدعاء العام على القضية، والناسُ يؤولون من عندهم النتائج، ويلوكون سيرة المذيعة المعروفة بين ضروسهم بين مؤيّد وُمعارِض.
لكن جونغداي يعلم أنَّهُ يُمكنها أن تقتُل أحد، يعلم ذلك جيدًا؛ لأنَّهُ سبق أن دافعت عن نفسِها منه برصاصة إندسَّت بجسدِه، وللآن يرى محل النُّدبة التي تركتها عليه.
تحسس أديمه المندوب وابتسم يرفع شِدقًا.
"آيي! لطالما كانت روزماري شَرِسة!"
لكنها لن تفعل ذلك لأنَّها تُريد، هي إمرأة حاولت قتل نفسها لكنها لن تسمح لأحد أن يقتُلها، هي قد تَقتُل كي لا تُقتَل فقط.
عندما أصابته بعيارٍ ناري في آخر يوم لهما معًا، يذكر جيدًا كيف إنهارت أمامه، وكانت ترتجف بجسدها الهزيل، ولا تُصدِّق ما أقدمت على فعله بِنفسِها.
ثم عَلِمَ لاحقًا أنَّها حاولت الإنتحار؛ لأنَّها كادت أن تقتُله وإن لم تَكُ تقصِد، في تلكَ المرّة رفض أن يشتكي عليها عند الشُّرطة، وقال أنَّه لا يعرف من الجاني أثناء تحقيقات الشُّرطة، لكن هذهِ المرّة مُختلِفة، فلقد وقعت روزماري بيد الشُّرطة، ولن تنفذ دون عِقاب لو أُثبِتت عليها التُّهَم.
الأمر الوحيد المُتأكِد منه أنها ستدخُل في أزمةِ نفسيّة مُجددًا بسبب شعورها بالذَّنب، وأما بقيّة الأحداث فسيُراقبها بصمت، لكنه لن يسمح أن تدخل السِّجن حتى لو أذنَبَت عن عَمد.
تبقى روز... حُب العُمر الوحيد، وقلبه لن يطاوعه أن يراها تتأذّى على يد غيره ويلزم الصمت، بالطبع هذا غير مُمكن!
وبينما جونغداي مشغول التفكير بالفوضى الدّائرة بحياة روزماري ببيئته الهادئة، الخَصبة لإنبات أفكار لامحدودة بعقلِه الخبيث، أزعجه الرَّنين المُزعج جدًا على الباب والطرق المُتتابِع.
نهض ليُجيب الباب ولقد صاح بإنفعال.
"توقف عن طرقِ الباب أيُّها المخبول!"
وما إن فتح الباب وإذ بها ساكوارا تقف خلفه، تلبس فُستان فضفاض أسود، ومعالم الحُزن والبُكاء ترسُم وجهها.
نبس جونغداي مُستغربًا، فلقد تخفّى جيّدًا عن نظرها، ولكنها وجدته!
"ساكوارا! كيف وجدتِني؟!"
أخذت تدفعه من صدرِه وهي تبكي وتصيح بغضب.
"لِمَ؟! هل ظننتَ أنَّكَ ستنجو بفعلتِك؟!
خدعتني بحُبك المُزيف، وجعلتني أحمل بطفلٍ منك، ثم تنسحب!
هل تظن أن الأمور تسير بهذهِ السهولة؟ هل تظُن أن العالم يسير على هواك؟!"
تنهد جونغداي وأبعد ذراعيها عنه، إستنشق نفسًا عميقًا وأغمض عينيه لثانية؛ كي يضبط غضبه عنها، ثم قال لها.
"متى وعدتُكِ بأي شيء أنا؟
متى قُلت أنّي أُحبُك؟"
رفع شِدقه يبتسم بسُخرية.
"هل بنيتِ لنفسكِ قصرًا ورديًا من أحلام المُراهقات معي؟"
تقدم منها يتحدث بقسوة رغم نبرته السّاخِرة.
"أنا لا أُحبُك صغيرتي... أنتِ لستِ سوى جسد جميل أقتات عليه!"
إقترب منها أكثر حتّى همس بِأُذنها.
"أنتِ بالنِّسبةِ لي بمقام الكثير من النِّساء اللاتي سبقنكِ وسيتبعنكِ... مثلكِ مثلهن!"
كوّر شفتيه بأسف حينما أبصر الخيبة تعم على وجهها وكم كانت الكلمات قاسية عليها.
"هل آلمتكِ الحقيقة؟!
ما العمل؟! أنتِ من أصررتِ أن تسمعينها"
ربَّتَ على وجنتها ثم نبس.
"أعتذر حُلوتي عن إيذاء قلبكِ اللطيف"
ثم جعلها تلتفت ودفع بكتفيها خارجًا.
"والآن غادري، ولا تأتي لرؤيتي مُجددًا، لأنَّكِ ستبكي كُلَّما أتيتِ، حسنًا؟"
إلتفتت إليه عندما أصبحت خارِجًا فلوًّح لها بيده مُبتسِمًا.
"وداعًا صغيرتي الحُلوة!"
أغلق الباب بوجهها، وساكوارا تحسست بطنها الذي بدأ يبرز ورمقت الباب بحِقد.
هذهِ المرّة لن تنجو بفعلتِكَ يا كيم جونغداي... فمشاعِر ساكوارا وكرامتِها ليست لُعبة بين يديك.
...............................
يُتبَع...
الفصل السابع والعشرون "بحرٌ هائج وسماءٌ دهماء"
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بكِ
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
...................
سلااااااااام
*تتحاشى الضرب*
قلتلكم أن هذا الجُزء أكثر جُزء متحمسة له😁
طبعًا لسة الأكشن شغّال حتى آخر الرواية.
الفصل القادم بعد 100فوت و100كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟
تأثرها بكلام آيرين وتشانيول ورغبتها في الإنفصال؟
معاملتها لجون؟
الجريمة؟
ردة فعلها على ما حدث؟
2.جون؟
مساندته لماري عندما وقعت الجريمة؟
محاولاته لتليينها ومحو فكرة الطلاق من رأسها؟
3.جونغداي؟
كلامه مع ساكوارا؟
4.ماذا ستفعل ساكوارا؟
5. رأيكم بالشخصيات المحوريّة:
المحقق بيون بيكهيون؟
المُحامي كيم جونغ إن؟
المُجرم؟
6. ماذا سيحدث لروز؟
7.رأيكم في الفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بطل:
"هَيبتُها||Her Savage Love"
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بكِ!
"بحرٌ هائج وسماءٌ دهماء"
...
غِمامٌ وظِلالٌ سوداء... هكذا هي السماء
فالبحرُ عاصٍ وغاضِب، يَضُم في كَبِدهِ ظُلمة.
والسَّماء مُدلهِمَّة تملؤها غيوم من غضب، وعيون باكية.
يا سماء وبحر... لا تتصارعا!
فالبحر جميل بلون السماء، والسماء وجدت لتعكس لونها عليك يا بحر."
الكاتب سوهو.
.......
كانت روزماري في الشِّقّة عالِقة؛ فلقد فرض عليها زوجها المَصون، والذي ظنَّتهُ لن يفرِض عليها سُلطتهُ الذكوريّة أبدًا، البقاء في المنزل، لكنها في نهاية المَطاف إستردَّت قناعتِها بأنَّ كُل الرِّجال سواسيّة.
لقد حَلَّ المساء وهي ما زالت محبوسة، لقد تجاوزت الساعة العاشِرة مساءً، وليس من عادات جون أن يتأخَّر في القدوم إلى هذا الحَد؛ عادةً ما يهب من عمله ليراها، ويُنجِز ما عليه إنجازِه سريعًا ليبقى معها، حتى أن أعماله الكتابيّة تَمُر بأزمة؛ لأنه دومًا ما يتأخَّر عن مواعيد التسليم.
لكنها الآن تفهم لِمَ لا يعود، لأنَّهُ لا يُريد أن يلتقي بها، وربما لا يريد رؤيتها بتاتًا، لأنه لو عاد ستنفجر بوجهه وتطلبه الإنفصال مجددًا، ولو كانت هذهِ هي ظنونه؛ فهو مُحِق تمامًا.
أخيرًا ها هي تسمع الباب يُفتَح، ذهبت إليه؛ لكنَّهُ تجاهلها وعبرها كما لو أنَّهُ لا يراها، رفعت حاجبها بغيظ، ثم قاطعت ذراعيها إلى صدرها تقول.
"هل أصبحتُ شبح الآن غير مرئي بالنِّسبةِ لك؟"
تنهد جون وبدى على معالمه الإرهاق، فلقد مَرَّ بيومٍ عصيب في العمل، إنهم يضغطون عليه لأجلِ أن يُسلِّم مخطوطة عمله القادم، وهو لم ينتهي بعد.
"روز، دعيني وشأني الآن، لستُ في مزاج للشِّجار معكِ"
دخل إلى غرفتهما، وهي تبعته بعد ثوانٍ، لكنها لم تلح في إزعاجها؛ فإنه من الواضح أنه مر بيوم مُتعِب نظرًا لملامحه المُرهقة، ولجت إلى غُرفتهُما، فسمعت صوت الماء قادِم من دورة المياه.
تنهدت وجلست على السرير، إستهلك حِمّامه قرابةِ السّاعة حتّى خرج، كانت تتمدَّد على السرير حينما خرج، وقد غَفَت بالفعل بينما تنتظره.
تنهد جون واقترب منها، بالتأكيد هي كانت بإنتظاره لتطلُب الطلاق مُجددًا، طلبًا لن يحققهُ لها مهما نقرت رأسه بتذمُّراتِها، جلس على حافّةِ السرير بعدما رفع عليها الغِطاء، مسح على شعرها بيده وهمس.
"افهميني رجاءً، قد تَريني سيئًا، ولكنّي لا أُريد أن أخسرِك حبيبتي!"
نهض ليُجفِّف شعره ويرتدي ثياب نومه، ثم آتى بجانبها، وإن لم يكونا على وِفاق الآن؛ لكنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عنها، هذا الحُضن الحنون الذي لها لا يُفوَّت.
إقترب إليها من خلفها حتى إلتصق بها، وضَمَّ خصرها بذراعه، ثم دسَّ وجهه في خُصلِ شعرِها، أغمض عينيه يتنعَّم بهذا الدِّفئ الذي ينبعث منها.
لكنها إلتفتت له أثناء نومها، فجعل أنفه يُلامس أنفها، تبسَّم بخفّة وطبع على أنفها قُبلة ثم على رأسها أُخرى، واحتضنها في النِّهاية إلى صدرِه.
في الصباح؛ إستيقظت روزماري لكن جون ليس هنا، لقد غادر بالفعل، أنه لا ينفك يهرُب منها، لكنَّهُ اليوم ترك لها هاتفها، فاتصلت بتشانيول، وما إن أجابها قالت بنبرة خشِنة.
"تملك مفاتيح الباب، أليس كذلك؟"
ردَّ بهدوء لامُباليًّا بالسَّخط الذي تَلُمُّهُ نبرتِها.
"نعم، تجهَّزي للعمل، وعندما تنتهي اتصلي بي، سآتي لآخذك!"
أغلق تشانيول الخط بعدما تفوّه بهذهِ الكلمات، يبدو أنَّهُ بِصَف جون هذهِ المرّة، لا بصفِّها.
نهضت لتتجهز بالعمل وهي تُتمتم بالشتائم على جون وتشانيول وجونغداي، وعلى نفسها لأنها غبيّة فلقد تزوَّجت مجددًا، وسمحت بإرادتِها الحُرّة أن تلِف قَيدَ رَجُل حول عُنقها مُجددًا.
إتصلت بتشانيول تُخبره أنها جاهزة، ثم بالفعل أتى وفتح لها باب الشِّقّة، رمقته بغضب لكنه تبسَّم ببلاهة؛ كما يفعل دومًا حينما لا يستطيع الفِرار منها.
دفعت به من صدرهِ عنها وتجاوزته، إنقضى يوم العمل بإعتياديّة، رغم أن ماري خطرت لها فكرة أن تستنجد على الهواء من جنون جون، لكنها ستكون مجنونة أكثر منه لو فعلت.
وبينما هُم خارجون؛ حاولت روزماري مُغافلة تشانيول لتهرب منه، فبينما هو يقف مع المخرج إستأذنت للذَّهاب إلى دورةِ المياه، وهذا ما لم يُصدِّقُه تشانيول، فماري يستحيل أن تستخدم الحِمّامات العموميّة.
إعتذر من المُخرِج سريعًا، وركض ناحية دورة المياه، لكنَّهُ كما توقَّع بالفعل... لم يجدها.
إتصل بجاي هيون يسألهُ لو رآها؛ لكن الأخير نَكَرَ ذلك، تنهد تشانيول بعدما أغلق الخط، وركض ليبحث عنها بالأرجاء.
ركض إلى الخارج، فرآها توقف سيارة أُجرة تبغي الفِرار، ركض إليها بأقصى سُرعته، وربَّت على السيّارة ليُغادِر السائق دونها.
إلتفتت إليه تجمع حاجبيها بسخط وترمقه بغضب، لكنَّهُ لم يأبه لنظراتِها هذهِ، وسحبها من يدها معه إلى السيّارة، التي يتنقَّلون بها في وقتِ العمل.
حاولت مقاومته بكل ما تملك من قوّة، إذ كانت تلكم يده التي لا تتركها وتحاول عرقلته، لكنها لا تُفلِح.
"اتركني أذهب، لا أُريد أن أعود، لِمَ تجبروني؟"
أفلت يدها بعدما فتح لها باب السيّارة لأجلها، وأشار لها بعينيه أن تصعد، لكنها دوَّرت عينيها تأبى، حينها إضطرَّ أن يستخدم ضِدَّها قوَّة بدنِه؛ ليُجبرها قسرًا أن تدخل.
أخذت تنتفِض تُحاول الفِرار لكنها لم تنجح، فصرخت بوجه تشانيول بعدما نجح في إدخالها.
"أيها الغبي اللعين!"
ما اهتم لشتائمها وأغلق عليها باب السيارة، صعد في مكان السائق وأدار العجلة، ثم بينما يقود قال لها.
"لا تكوني أنانيّة هكذا، فكِّري بجون"
إستنكرت بشدّة وبِغضب.
"هل ترى رغبتي بالإنفصال عن جون أنانيّة؟ أنا أفعل هذا لأجله، لا أريد أن يحرم نفسه من حقوقه الطبيعيّة ويحتضنني فقط!"
"وهو لا يريد هذه الحقوق ومُكتفٍ بكِ، لوما ذلك لما تزوَّجكِ من الأساس، هو يعلم من قبل أن يتقدَّم لخطبتكِ أول مرة بالأمر، لو أراد الإنسحاب لانسحب من وقتها ولم يَكُ ليُبالي بكِ، لكنه يحبك، ويريد أن يحصل على طفله منك، أو لا يحصل، كوني طفلته بدلًا من ذلك، بدل أن تفصليه عنكِ وتُضيّعي كل أتعابه في تحصيلكِ هباءً... كُفّي عن رؤية الأمور بمنطورِك وحدِك رجاءً!'
تنهدت روز وما اتبعت على حديثه، ربما تفهم ما يرمي إليه، لكنها بذات الوقت لا تُريد أن
تفهم... هي بالفعل تملك عقلًا جامدًا وعِندًا لا ينكسِر.
وصلت إلى شِقَّتِها أخيرًا فوجدت على بابها آيرين تقف بإنتظارِها، وعلى باب تشانيول تقف أوريل، تقدَّمت روز لتحيَّتُهما بعِناق، ثم وقفت ترمق تشانيول الذي لتوِّه وصل بعدما وضع السيّارة بمصفِّها.
"أعتذر عن بقائكما بالخارج، حتى أنا لا أستطيع الدخول والخروج على راحتي، فأخوكِ يا آيرين يحتجزني، وهذا الطويل يعاوِنه"
ربَّتت آيرين على ذراعها وقالت.
"أعلم... لذا أنا آتية للتنفيس عنك أثناء بقائكِ بالإقامة الإجبارية."
ضحكت روزماري ساخرة ثم أشارت لآيرين أن تدخل كذلك أوريل؛ لكن أوريل إعتذرت تقول.
"ربما آتِ لاحقًا، لكن لي حديث مع تشانيول عليَّ أن أُتممه أولًا!"
تشانيول نظر لها مُستغربًا وهي تبسَّمت له بلطافة، روزماري نظرت إلى كليهما وقالت.
"هل ربما ستحظيان بطفل؟"
تورَّد وجه أوريل وإلتفتت عنهم بحرج، وأما تشانيول فوخز رأس روز بسبَّابتِه يقول.
"توقَّفي عن قِلّة أدبكِ هذه!"
تحسست حيث وخزها فيما ترمقه بملامح مُقطِبة، ثم ركلته بقدمه، فانحنى سريعًا يُمسِك بقدمه.
"تستحِق أيها البغيض!"
دخلنَ الفتاتين إلى الشِّقة، ثم تشانيول أقام عوده بألم وأغلق عليهن الباب، ثم غادر يَعرُج بقدمه مُستندًا على أوريل التي تحيط كتفيها ذراعه.
"هل أنتَ بخير؟!"
نبست أوريل بقلق فتشانيول ضحك.
"لا تقلقي، لقد ضربتني لدرجة أنها ما عادت تؤلم كما كانت تفعل في البداية"
قهقت أوريل فما تساعده على الجلوس على الأريكة في منتصف صالة الجلوس بشِقَّتِه.
"ولِمَ تستنِد علي إذًا؟!"
"أدلَّل... لديكِ مشكلة؟!"
نفت ضاحكة ونقرت بسبّابته أنفه تقول.
"لا، تدلَّل بقدرِ ما تشاء، سأتحمَّل دلالك طالما أُحبُك!"
جلست بجانبه ثم نبست.
"تشانيول؟"
"هممم؟"
"ما الذي يحدث بين ماري وجون؟"
نظر لها تشانيول بحزم فتبسَّمت ببلاهة.
"ماذا؟!
إنَّهُ مُجرَّد سؤال!"
"لا تسألي هذا السؤال!"
تذمَّرت.
"لِمَ؟ هل تظُن أنني سأوشي بأمرهما أو أزيد الأمور بينهما سوءً؟!"
تنهد تشانيول ووقف ينزع مِعطفه.
"لا، لكنّي لن أخبرك طالما لم يفعلوا بأنفسهم"
تحسست كتفه تضايقه بلمساته ورفعت في وجهه أصبعين تُضيّق بينهما المسافة.
"القليل فقط!"
ضرب يدها بِلُطف.
"عودي إلى منزلِك!"
برمت شفتيها بأستياء وتذمَّرت.
"حسنًا سأصمُت!"
نهض تشانيول ليُبدِّل ثيابه، وهي أخذت تُتمتم بالشتائم بحقِه.
"مغرور عنيف وأحمق!"
صاح من غُرفتِه.
"أسمعُكِ تشتميني!"
قضمت على شفتيها بغيظ بعدما صاحت.
"هل أنتَ تتبلّى علي الآن؟"
ردَّ بصوت مُرتفع.
"وتتجرّأي أن تكذبي!"
تمتمت بسرِّها مُستاءة.
"بالتأكيد تسمع جيدًا بأُذنيكَ الكبيرتين هاتين!"
"أوريل!"
وضعت يدها على قلبها تمسح عليه بعدما صاح من مكانه في الدّاخل باسمها.
....................
توقَّفت روزماري، وإلتفت إلى الباب تشتِم تشانيول.
ضحكت آيرين، وعانقت عُنق زوجة أخيها تقول.
"دعكِ منهم، دعينا نقضي الوقت معًا!"
أومأت لها روز ثم قالت.
"سأُبدِّل ثيابي واستحِم سريعًا ثم آتي، اتصلي بهذا الطويل البغيض، واخبريه أن يحضر لنا الدَّجاج لي وأنتِ إختاري ما تشائين"
أومأت آيرين وجلست على الأريكة تقول.
"سأطلب دجاج أيضًا، وكولا؟"
"افعلي"
جلست آيرين على الأريكة، وروزماري إختفت في غُرفتِها، أخذت آيرين تُراسِل جون، فهو قد أخبرها أن مشكلة وقعت بينه وبين زوجته، وطلب منها أن تذهب لتقضي بعض الوقت عندها؛ كي لا تبقى لوحدها.
"هل وصلتِ عندها؟"
وصلتها رسالة نصيّة منه فأجابته.
"نعم وصلت"
"وكيف هي؟"
"حديد... كما دومًا"
"أُيمكنك ألا تُغادري حتى أعود؟"
"لا تقلق جون... سأبقى لديها وسنقضي وقتًا مُمتعًا معًا"
"شكرًا لكِ آيرين!"
"على الرُّحب أخي!"
"لطيف!"
إنتحبت بإبتسامة واسعة بعدما أغلقت غُرفة المحادثة معه، ثم فتحت غُرفة المحادثة مع أوريل، فلقد كانت أوريل بمُهِمة لسحب لِسان حبيبها تشانيول؛ لعلَّهُ يُخبِرها ما الواقع بين الإثنين؛ بما أنَّهُ يعاون جون على حبس روز.
"أوريل، هل إكتشفتِ شيء؟"
أصبحت أوريل مُتصلة، وها هي تكتب ردَّها.
"للأسف لا!"
"تشانيول يأبى أن يقول أي شيء لي، ولقد نِلتُ توبيخًا حارًّا منه."
"لن أجرؤ أن أسألهُ مُجددًا أبدًا"
"حسنًا؛ هل حبيبكِ الكتوم مُتاح الآن؟"
"لا أظن أنَّهُ مُتفرِّغ هذهِ اللحظة"
"حسنًا؛ أخبريه فورما يفرغ أن يشتري لما الدجاج والكولا"
"سأفعل أنا الآن"
أغلقت آيرين الهاتف تتنهد، كما هو متوقع من ذلك الضخم الطويل صاحب العضلات المفتولة.
فتحت التلفاز، وأخذت تشاهد عرض الإعادة لبرنامج "مسائكُن قوّة" الخاص بزوجة أخيها الحديديّة.
"اووه! هذهِ هي زوجة أخي!"
لطالما كانت مُهيبة روزماري على الشاشة، وستبقى دومًا... كانت تستضيف في برنامجها إحدى الفتيات، التي تعمل على مشروعها الخاص؛ لتدعمها.
إنتهت روزماري أخيرًا من إستحمامِها، وخرجت لترى آيرين فيما تُجفف شعرها بالمنشفة، وترتدي فُستانًا خفيفًا.
"هل وصل الطعام؟"
أومأت لها آيرين.
"ها هو هنا، تفضَّلي"
جلست روز بجوار آيرين، وباشرنَ بتناول الطعام بينما يتبادلن أحاديث عاديّة.
بعد ذلك حضرن كوبي قهوة مع قطع الشوكولاتة المُفضَّلة، ثم جلسنَ بالشُرفة يقينَ أنفسهن برودة الجو بمعطفين.
شعرت آيرين بالتردد حول فتح السيرة، لكنها تخاصمت مع ترددها، وتسآلت بعد إرتشفت رشفة من كوب قهوتها وأعادته إلى مكانه على الطاولة.
"روز، ألا تُريدي أن تُخبريني ما هي المُشكلة بينكِ وبين جون؟"
أجابتها روز بعدما إحتست من كوبها.
"أريد الإنفصال، وهو يرفض"
إنتفضت آيرين بلجَّة الدَّهشة، وقالت.
"تنفصلي!
لِمَ؟! ما الذي حدث؟!
لم يمُر على زواجكما سِوى شهرين!"
تنهدت روزماري، ونظرت إلى آيرين، التي تكاد لفرط الصدمة أن تخرج عينيها من رأسها.
"أنا لا أُنجِب، وعلمتُ حديثًا فقط"
صاحت آيرين بلا تصديق.
"ماذا؟!"
تنهدت آيرين تستجمع شتاتَها، ثم قالت.
"وجون يرفض تطليقكِ لهذا السبب؟"
أومأت روز لها بصمت، فأمسكت بيدها آيرين تحاول إقناع روز بتغيير رأيها.
"إذًا هو راضٍ عن ذلك ومُكتفٍ بكِ، لذا لا تترُكيه"
خيَّم الصمت لبضعٍ ثوان، لكن لم يدم فآيرين اتبعت.
"جون يحبُك مُذُّ خمس سنين قبل أن يلتقيكِ لأول مرة وتعرفينه، لا تعلمين كم تعمَّق حُبكِ في صدرِه وكم أنتِ مُتغلغِلة به، أنتِ لو تخلَّيتِ عنه لأي سبب جون لن يعود إلى طبيعته، سيعيش في ضَنَك لو قرر أن يعيش من بعدِك، فلقد علَّق حِبال حياته عليكِ، فلا تقتُليه!"
ليَّنَ الكلام عِناد روزماري، فقد لبثت في صمتٍ طويل، وما تكلَّمَت بعدها أبدًا؛ لأنها بدأت تشعر بخطورة قرارها هذا على جون وصحَّتِه النَّفسيّة... مرَّ الوقت هكذا؛ حتى وصل لآيرين إتصال من سيهون؛ يُخبرها فين أنَّهُ ينتظرُها بالأسفل.
حملت آيرين حقيبتها قُرب الباب، وأخرجت منها دعوة قدَّمتها لروزماري.
"هذهِ دعوة زفافي، أعلم أننا أهل ولا تحتاجين دعوة لتحضري، لكنّي أحببتُ أن أُعطيكِ واحدة"
نظرت روزماري إلى الدَّعوة وقالت.
"لو اكتشف أبي مُشكلتنا قد يؤخِّر زواجِك، أوليس؟!"
نفت آيرين، وربَّتت على كتف ماري تُطمئنُها.
"لقد أتممنا كل الأمور لأجل الزفاف، لقد تأخر الوقت ليُلغيه، وجون تزوَّج بالفعل، وهذا هو المُهم بعُرف العائلة الغبي هذا"
تبسَّمت ماري عندما طبطَبت آيرين على وجنتِها، وقالت.
"لا تُفكِّري سوى بسعادتِك ماري، كوني سعيدة رجاءً... هذا فقط ما نُريدُهُ جميعًا!"
هدهدت الكلمات على روح روزماري المكلومة بقبضةِ النَّقص، وجعلتها تشعر براحة أكثر، وتشعر بذنبٍ أقل ناحية جون.
غادرت آيرين؛ إذ كان سيهون بإنتظارِها بالأسفل، وأوريل معه، فورما دخلت تسآلت أوريل بلهفة.
"هل علمتِ ما المُشكِلة بينهما؟"
أومأت آيرين وتنهَّدت، فقال سيهون.
"وما هي؟!"
نظرت آيرين إلى هذين الوجهين الفضوليين ثم قالت.
"ليست مُشكِلة ضخمة، سيحلّونها مع مرورِ الوقت"
كلا الأخوين -سيهون وأوريل- فهما أنَّ آيرين لن تقول ما هي المشكلة، لكن لا بأس طالما أنَّ الأمر لن يقود إلى تبِعات سيّئة.
..............
غادرت آيرين وجون آتى، وقف جون ينظر لها مُستندًا على الحائط، وهي تجلس أمام التلفاز، نظرت له ورفعت حاجبًا تقول.
"لِمَ تُحدِّق؟ هل نسيت شيئًا على وجهي؟"
تبسَّم جون وأومئ يقول.
"نعم، فرحتي بكِ"
تنهدت وتجاهلت ما قاله وأخذت تنظر إلى التلفاز بصمت، أما جون؛ فقد دخل ليؤدّي شؤونه، وما إن إنتهى وجدها تنام في حِصَّتِها بالسَّرير.
آتى لينام خلفها، ثم عانق خصرها بذراعه ودَسَّ رأسه بشعرِها كما يفعل كل ليلة، لكنَّها تنهدت بإنزعاج وأبعدت يده عنها، ثم إلتفتت إليه ترمُقُه بإنزعاج وهو ينظر لها بريء الأديم.
رفعت الوسادة الطويلة ووضعتها بينهما، ثم رفعت أصبعها في وجهه مُحذِّرة.
"أياكَ أن تتجاوز هذا الحد وإلا لن تُنجِب لا مني ولا من غيري سيد كيم جون ميون!"
رمت بنفسها على حِصَّتِها، وجون إهتزَّ صدرِه ضاحِكًا، وضع يده تحت رأسه ثم همس.
"ألا ترين أن عقابكِ هذا جائر؟"
إلتفتت إليه تستنكر بغضب.
"جائر؟!
لقد تجرَّأت وحبستَني أيُّها الذكوري!"
"ذكوري؟! من؟! أنا؟!"
استهجن بشدّة وقعد على الفراش، لكنها أطفأت الأضواء ونبست.
"اصمت ودعني أنام، أعمالي ليست حُرّة كأعمالك كما تعلم!"
برم شفتيه ونبس.
"يا لكِ من قاسية!"
همست في نبرةٍ حازمة.
"تنام أو أطرُدك؟"
حينها لَبَدَ في فراشِه بصمت... أي شيء؛ ولا أن تهجره الهَيبة في مضجعه.
.........................
الليلة هي ليلة زفاف سيهون وآيرين، وقد إتفقا ألا يعقدا زفافًا ضخمًا، لكنه عُقِد في إحدى قاعات الزفاف الفارِهة!
للتوِّ وصلت روزماري برفقة جون إلى القاعة، ولا... علاقتهما لم تتحسَّن بعد، فلم تجنح روزماري عن فكرة الطلاق كُليًّا، كما أنَّها تحقد على جون؛ لأنَّهُ حبسها في الشِّقّة مَرّة، لكنهما لا يظهران نِزاعهما للعَلَن، ليسَ قبل أن تتزوج آيرين من سيهون على الأقل!
وقفت روزماري بجانب أهل العروس، وكانت تقف بجانب جون بينما يتحدَّث إلى مجموعة من أقارِبه.
كانت ترتدي فُستان من قطعتين باللون التُّرابي، إحداهُما داخليّ قصير، يعلو صدرها بإنثنائة قوسين، ثم يضيق على جذعها حتى يصل مُنتصف فخذها، ثم يعلوه فُستان خارجي بذات اللون، لكنَّه يَشِف فيكشف ما أسفله، فضفاض وبرّاق، وأخيرًا يُحيط خصرها حِزامٌ عريض يوثِّق الفُستانين معًا.
رفعت شعرها بتسريحةٍ أنيقة، وأخلت سبيل بعض الخُصل لتتساقط على صِدغها، تضع في عُنقها عِقدًا ألماسي بسيط، هو إحدى هدايا جون، وصلها بصناديقه قديمًا، تنتعِل بقدميها حذاء بكعبٍ عالٍ فضّي اللون.
العيون كُلُّها عليها، فهي تحظى بإهتمام الحضور كما لو أنَّها العروس، فهي مشهورة، وقد سرقت من أُمها الجينات الأوروبيّة الفاتِنة، ولها حضورًا طاغيًا.
ذلك أزعجها لكنَّها قررت أن تتحمّل حتى يتم عقد الزواج على الأقل، وها هي أبواب القاعة تُفتَح؛ ليَلِج من خلفِها السيد كيم وابنته تتأبَّط ذِراعه، روزماري فكَّرت بشيء واحد فقط هذه اللحظة جعلها تضحك، إنَّهُ من الجيد لآيرين أنها لا تملك بطنًا مُمتلئة بطفل في يومِ زِفافِها.
كان يقف سيهون في أعلى المَسار المُهلَّل بسجّاد أحمر تسير عليه آيرين بفُستانها الأبيض الذي يتغنّى بجمالها، لا هي من تتغنى بجماله، فآيرين من تُجمِّل الأشياء، لا الأشياء تُجملُها.
إستلم سيهون يَد آيرين وأتمّا معًا عهود الزواج حتى سمح لهما القِس بقُبلة، ولقد كان سيهون شقيًّا كفايّة ليُقبِل عروسه قُبلة شِفاه أمام النَّاس أجمع، حتى أن جون بجوارها تذمَّر.
"انظروا إلى هذا الوقح، يُقبِّل شِفاه أختي أمامي... حتى أنا لم أفعلها!"
تبسَّمت روز وربَّتت على يدِه تقول.
"لقد أصبحا زوجين الآن!"
لكن الكلام لم يعجب جون إذ برم شفتيه بإنزعاج، لكن عندما آتى تشانيول وأخذه منها ليقف مع بضعةِ رجال نسى الأمر وانخرط في أحاديث الذُّكور.
إستغلَّت روزماري الفُرصة لتخرج قليلًا تستنشق هواءً حُرًّا، وتحرر من نظرات الجميع المُسلَّطة عليها.
وبينما هي تقف في الخارج تستنشق أنفاسًا حُرّة، باغتها حضورُ رَجُلٌ ما، إنَّهُ رَجُلًا يافِع، طويل القامة نسبيًا وشاحب البشرة، لكنها من النُدبة العميقة التي تشرخ وجنته خمَّنَت أنَّهُ مُجرَّد رَجُل سيء على أقلِ تقدير، ومن ثيابِه الرَّثة والمُتَّسِخة قد يكون مُشرَّد.
رمقته بأعين مُستنكِرة وحاجبين مُقطَبين، كان يركض إليها، ويبتسم إبتسامة مريضة رغم أنَّ غمّازًا جميل برز في إحدى وجنتيه دون الأُخرى.
"أخيرًا أنا رأيتُكِ!"
إنَّهُ يملك وجهًا مألوفًا لعينيها، لكنها لا تتذكَّر أين رأتهُ تحديدًا من قبل، قبضت حاجبيها ونبست بغرابة.
"ماذا تريد؟"
رأتهُ يُخرِج شيئًا من جيبِه الخلفيّ دون أن يُجبها، وإذ بهِ سكّين، شهقت ماري بفزع ونظرت إلى الرَّجُل الذي اتسعت إبتسامته، فتلك النظرات الفَزِعة التي ترمقُه فيها تُغذّي نفسه المريضة.
روزماري نبست عليه بغضب رغم أنَّ الخوف من جنونِ هذا الرَّجُل قد تَخلخَلَ ونبرةِ صوتها.
"ماذا تفعل أنت؟ هل تنوي أن تقتُلني الآن أيُّها الرَّجُل المجنون!"
ضحك بطريقة مريضة وأومئ يقول.
"ماذا تَرين أنّي فاعلٌ بكِ؟
ألا يجدُرُ بكِ دفع ثمن ما إفتعلتِه بحياتي من خراب؟!"
أشار لها بسكّينه وأخذ يتقدَّم منها وهي تتراجع عنه.
"بسببكِ زوجتي هجرتني، أستطاعت أن تهجُرني رغم أنها لم تجرؤ يومًا أن ترفع وجهها بوجهي... لذا حان وقت أن تدفعي ثمن أفعالِك أيَّتُها الخبيثة!"
وفجأة ركض نحوها يصرخ بِغُل يُهاجمُها بسكّينه يبغي طعنها، وحينما كاد أن يطعنها إنحنت روزماري سريعًا تتحاشى الطعنة، وصرخت باسم جون عدة مرات.
"جون، جون، جون... أرجوكَ تعال وانقذني!"
أخذ اليافع المريض يضحك منها ومن خوفها، لأنَّها تشعره بالسعادة، تُرضي نفسه بصراخها وخوفها منه.
كانت ترتجف بشدّة، وتحاول الإبتعاد عنه وتفادي هجماتِه، لقد كرهوها الكثير من الرِّجال وهاجموها؛ لكن لم يجرؤ أحد من قبل أن يُشهر في وجهها سكينًا ليُزهِق روحها.
قالت له تحاول ثنيه عن نيَّتُه في قتلِها بينما تتنفَّس بصعوبة وترفع ذراعيها تحاول صرفه.
"اسمعني جيدًا، صدِّقني سأُسامحك ولن أشكوك للشرطة لو أنتَ الآن إبتعدتَ عني، اذهب فقط رجاءً!"
نفى برأسه رافضًا فيما يبرُم شفتيه، ثم حمل الرَّجُل السّكّين بيدهِ الأُخرى وهاجمها بها مُجددًا ولكنه كان أكثر شراسة، لكنَّها نزعت حذاءها سريعًا، وضربت جبهته بالكعب العالي فصار ينزف رأسه نزيفًا شديدًا، رغم ذلك؛ هو مُصِر على إزهاقِ روحها الآن؛ إذ أخذ يحاول طعنها مُجددًا بينما ينعتها بألقابٍ بذيئة.
"جون، تشانيول، جاي!"
وروزماري ضلَّت تصرخ وتتملَّص منه كلما حاول مُباغتتِها.
صرخت بقوّة شديدة حينما أصبحت السّكّين قُرب بطنِها، تمسَّكت به ولم تؤلمها ما أحدثته بيدها من شروخ عميقه، وحينما دفع بيده ليغرزها في بطنها، إستطاعت عكف ذراعه، فانعكس الإتجاه وغرز السّكّين في بطنِه بدلًا منها.
شهقت روزماري بقوّة ونظرت إلى الرَّجُل الذي أعتقَ آه ثقيلة، ثم تأرجح يفقد توازنه وسقط من أمامها أرضًا.
جون الذي شعر بغيابها مُذُّ دقائق وأخذ يبحث عنها بالدّاخل بجنون؛ يظنُّها قد هربت منه بسبب خلافهما الأخير، استوقفه سماعه لصوتها تصرُخ باسمه، فتيبَّس عوده للحظة يتدارك نفسه، ثم أخذ يركض إلى الخارج، وصرخ في تشانيول أن يتبعه سريعًا رغم أن الأخير يقف بعيدًا.
"تشانيول، روز تصرخ، أين هي؟!"
"ماذا؟!"
إستنكر تشانيول في صيحة، فلجَّت القاعة، وركض خلفه تشانيول ثم جاي وحتى سيهون؛ ليروا ما في الأمر.
لكنهم قد وصلوا متأخرين بالفعل...!
فلقد وقع الرجل، والسّكين مُدمى بيد روزماري، التي سُرعان ما رمته أرضًا، وأخذت ترتجف، تبكي، وتُتمتِم.
"أنا لم أقتله، لم أقتل أي أحد، أنا لم أقصد!"
هرع إليها جون، واحتضنها إلى صدره يُخبّئ وجهها عندَ عنقه، نظر إلى ما حدث، الرَّجُل طُعِنَ في بطنِه بوضوح.
إنقبضت معالم جون كما الجميع وإلتجموا على إثرِ هذهِ المُصيبة، وروزماري بين يديه تبكي وتُردِّد.
"أنا لم أقتله، هو أراد أن يقتلني، وأجبرني أن أؤذيه، صدِّقوني!"
ربَّت جون على رأسِها بينما ينظر إلى الرَّجل، الجميع كان في حالة إرتباك، ولا يعلمون كيف يتصرفون، لكن إدارة القاعة إتَّصلت بالشُّرطة بالفعل، وعندما سمعت روزماري أصوات سياراتهم قادمة أخذت تبكي أكثر وتنتحِب وتُردِّد ذات الكلام، كما لو أنَّها طِفلة بينما تتمسَّك بقميصِ جون.
"أرجوك! لا تجعلهم يأخذوني، أنا لم اقتله! لم أقصِد!"
رفع رأسها عنه وأحاط وجهها بكفّيه يقول.
"لن أتركك، لا تخشي شيئًا، أنا معكِ هنا ولن أسمح لهم بأذيَّتِك"
وصلت الشرطة بالفعل، وإحدى المحقيقين رفع شارته معرِّفًا.
"أنا المُحقق بيون بيكهيون، وبوفقِ أحكام القانون، فنحن سنقبض على الجانية كيم روزماري بتهمةِ القتل دون مُذكرة إعتقال"
إختبأت خلف ظهر جون، وأخذت تنفي برأسها، تبكي بشدة وتقول.
"أُقسم أنّي لم أقصِد إيذائه، هو من هاجمني أولًا!"
اخرج المحقق بيون أصفاده المعلَّقة على بِنطاله وقال.
"قولي كل هذا بمركز الشُّرطة"
اقترب منها المحقق، لكن جون وقف في وجهه يقول.
"لا تُصفِّدها، ستأتي معكم طوعًا"
رفع المحقق حاجبه بسخط، فيبدو من هيئته أنَّهُ صارم ولن يرضى أن تسير كلمة أحد سوى كلمته هُنا.
"هل تقف في وجه القانون يا هذا الآن!"
"نعم!"
وقف جون أمامه بتحدٍ، فقال المحقق لرجاله من الشرطة.
"صفّدوه معها إذًا!"
تشانيول وقف أمام المحقق، وقال له.
"أيها المحقق، لو ترى أنّها تَمُر في حالةِ صدمة، وهي لا تقدر على مُجابهتكَ الآن، رجاءً تعامل معها برِفق، ودعنا نرُافقها"
نظر بيكهيون إلى المرأة الصبيّة، التي لا تتوقَّف عن البُكاء، وتتشبَّث بقميص زوجها من دُبر؛ لعلَّهُ يحميها.
أومئ المحقق بيون، فلقد شعر بأنها في حالةِ صدمة، رغم أن هذه المِهنة صقلتهُ على القسوة، فلقد رأى من أنواع الناس العُجاب بالفعل، قليلون من يتورَّطون بلا قصد، وهو أصبح قادر أن يقرأ الوجوه، وهذه المرأة لا تدَّعي الخوف، هي بالفعلِ خائفة.
نظر المحقق إلى جون، الذي ما زال يقف بحمايتها رغم أنهم صفَّدوه.
"تنحّى عنها"
"لن أفعل!"
أشار إلى رِجاله أن بسحبوه بالقوّة، وهذا ما حدث فظلَّت روزماري بلا ظهر يحميها أمام المُحقِّق البَليد هذا، تراجعت عندما تقدَّم منها المُحقِّق، حينها أمسك بيدِها تشانيول، ونبس لها.
"لا تخافي، سأُخرجك، أعدك!"
نظرت إلى المُحقِّق حينما أمسك بيدها ثم كبّل معصميها وهو يقول.
"سيدة كيم روزماري؛ أنتِ رهن الإعتقال بلا مُذكَّرة إعتقال للقبضِ عليكِ في الجُرم المشهود، يمكنكِ الإحتفاظ بحقكِ في الصمت وتوكيل مُحامي!"
كَبَّلَ يدها أمامها، ثم أشار لها.
"تفضَّلي معي!"
نظرت روزماري إلى تشانيول بإستنجاد، فأومئ لها وتمسَّك بكتفيها يسحبها معه برفق إلى سيارة الشُّرطة.
صعد معها بسيّارة الشُّرطة، المُحقِّق بيون بالأمام، بجانبه رجل شرطة يقود، وبجانب تشانيول رجل شرطة آخر.
كانت روزماري لابثة في صمت، فالصدمة قد أخذتها بِعزَّتِها، وهي الآن تكادُ تفقد وعيها بسبب هذه الصدمة، وهذا الخوف الذي تشعر به.
تمسَّك تشانيول بيدها وقال.
"أعدُكِ سأُخرجِك، الآن سأتَّصِل بالمُحامي جونغ إن ليأتي، لا تخافي!"
نظرت إلى تشانيول وهمست بصوتٍ يرتجف.
"أنا خائفة حقًا، ضَع الرَّجُل في أفضلِ مُستشفى وتابع حالتهُ الصحيّة، أنا لا أريد أن أكون السبب في موتِ إنسان وإن لم أكُ أقصد، أرجوكَ يا تشانيول!"
"حسنًا، سأهتم بكل شيء، لا تقلقي!"
المُحقِّق بيون يسمع كل شيء لكنَّه يدَّعي أنه لا يفعل، فهو لا يثق بالناس، كثيرًا ما سمع مثل هذا الكلام من مُجرمين إرتكبوا جرائمهم متعمِّدين... التحقيق سيكشف له كل شيء.
وصلوا مركز الشرطة، ووضعوا روزماري بزنزانة معزولة عن البقيّة بما أنها إمرأة، وجون وقف أمام المحقق قبل أن يضعه بزنزانة عشوائية وقال.
"ضعني مع زوجتي أيُها المُحقق رجاءً!"
نفى المحقق برأسه يقول.
"هذا غير ممكن"
لكن جون كان مُصِر.
"هي تمر في حالة صدمة، وزوجتي قلبها رَهَف ونفسها رقيقة، قد تنهار، اتركني ابقى معها رجاءً!"
أومئ المُحقِّق بيون وأدخله إليها، سُرعان ما هرع إليها جون، وأدخلها بين ذراعيه المُصفَّدة يحتضنها، وأما المُحقِّق؛ فأشار إلى كاميرا المُراقبة التي بالغُرفة يقول.
"لا تقوموا بفعلٍ مُخِل في الدّاخل، سنراكم حينها!"
ولم يك هذا الوقت المُناسِب لمزحةِ المُحقِّق بيون رُغمَ أنَّهُ لم يقصُد أن يمزح.
غادر الجميع؛ رجال الشُّرطة والمعارف الذين أتوا مع روزماري وجون؛ من أمام قفصِ الزِّنزانة، نظر جون إلى روز، كانت تستند برأسها على الحائط خلفها ولابثة في صمتٍ مُتقِع.
تنهد جون ثم نزع عنه سترته ليضعها حول كتفيها، ثم إجتذبها إلى ما بين ذراعيه يحتضنها، أخذ يُربِت على رأسها الرّاكِن على كتفه، وذقنه يعلو قِمَّة رأسها.
"جون؟"
"هَيبَتُه؟"
ترقرَقت عيناها بالدَّمع مُجددًا وقالت.
"هل سأُسجَن؟"
ضَمَّها بقوّة بين ذراعيه ونبس.
"لن يحدث... لا تقلقي!"
تنهدت وأغمضت عيناها، تشعُر بالتَّعَبِ الشديد، عيناها قد تورَّمت بالفعل لكثرةِ ما بكت، وهي الآن في أسوء أحوالها على الإطلاق.
لكن كتف جون لطالما كان آمنًا، ولطالما كانت ذراعيه دافئة، تشعرُ بالإمتنان لأنه تطاول على رجلِ الشُّرطة وإلا لكانت الآن وحدها تُعاني، على الأقل؛ بوجوده معها لن تشعُر بالوِحدة.
آتى تشانيول بعد دقائق، فنظر له جون كذلك روز، حينها قال.
"جون أنتَ ستبيتَ الليلة بالمركز وغدًا يخرجونك، وصل المحامي كيم جونغ إن، ويقول أن روز ستبقى لعدةِ أيّام على الأقل!"
نظرت روز إلى جون، وتمسَّكت بقميصه بهلع، فهي بالتأكيد لا تُريد أن تبقى بهذا القفص الموحِش وحدها؛ فنبس.
"لا تخافي، غدًا سأتشاجر مع هذا المُحقِّق مُجددًا كي يحبسني معكِ مُجددًا"
تنهد تشانيول وقال.
"سأذهب إلى المنزل، واحضر لكم ثيابًا أُخرى، لا تقلقوا... كل شيء سيسير على ما يُرام!"
..........
في اليوم التّالي؛ رفعت روز رأسها عن كتف جون حينما نادى باسمها الشُّرطي لأجلِ بِدء التَّحقيق.
لم تَنَم طيلةِ الليل، بل وظلَّت مُستيقظة بِصُحبةِ جون، لم يتكلما بشيء بالفعل، فالإرهاق قد إستحوذ على روز، وجون قدَّم مُساندتِه لها بحُضنِه الدّافئ.
أُدخِلت روز إلى غُرفة التحقيق؛ تمامًا كما تظهر بالدرامات التلفزيونيّة، فهي غُرفة ضيّقة مرفوع على زواياها كاميرات مُراقبة، وإحدى الجُدران لها نافذة زُجاجيّة، تكشِفها للحُجرة الأُخرى.
كانت وحدها تجلس إلى هذه الطاولة، التي تلتف حولها أربعة كراسي، بجانبها كُرسي شاغر، وأمامها إثنان آخران.
وضعت روزماري رأسها على الطاولة، وأغمضت عيناها بإرهاق حتى فُتِحَ الباب، وإذ به رَجُل طويل القامة نسبيًا، أسمر البشرة، بُندقيَّ الشعر، وملامحه وسيمة، يرتدي بدلة رسميّة رماديّة يعلوها مِعطف أسود طويل، ويحمل بيدِه حقيبة أوراقه... إنَّهُ المُحامي كيم جونغ إن.
آتى المُحامي وجلس بجوارِها يقول.
"سيدتي، فسَّرَ لي مُدير أعمالك السيّد بارك تشانيول ما حدث، ونحنُ طيلة الليل نُنَبِّش عن أدلّة لإنقاذِك، وجمعنا ما يكفي
لإخراجِك... الآن لا تقلقي من شيء، وأجيبي عن أسئلة المُحقِّق بِصِدق وشفافيّة، لا داعي للخوف!"
"حسنًا"
دخل المُحقِّق أخيرًا يحمل على ذراعه أوراقه.
"إذًا سيّدة كيم روزماري، اخبريني ما حدث بالتَّفصيل"
إستجمعت روزماري شتاتها، وأجابته بكل تفاصيل الحادثة مُذُّ أن خرجت من قاعةِ الزَّفاف وحتى وصلت الشُّرطة لاحقًا إلى موقع الجريمة.
كتب المُحقِّق ملحوظاتِه ثم سألها.
"إذًا مبدأيًا هو كارِه... حسنًا؛ هل سبقَ أن رأيتِه في أي مكان من قبل؟"
تعلم روزماري أنَّهُ يملك وجهًا مألوف، لذا أومأت برأسها تقول.
"لَهُ وجهًا مألوف بالفعل!"
همهم المُحقِّق ثم عقد ساعديه إلى صدره، رفع الساق فوق الأُخرى وارتخى على مقعدِه.
"حسنًا حاولي أن تتذكَّري متى رأيتِه"
قبضت حاجبيها تحاول أن تتذكر، وحاولت أن تتذكر المرّات التي هاجموها بها الرِّجال من صِنفه، ونعم تذكَّرت.
"تذكَّرت! لقد سبق له أن هاجمني في مركز سيؤل التِّجاري، كان بصُحبتي آيرين وأوريل وجاي، حتى أنَّهُ توعَّد لي أن يراني مُجددًا على عينِ المَلأ!"
"ولِمَ لم تتقدَّمي بشكوى ضِدَّه في ذلك الوقت؟!"
برمت شفتيها تقول.
"ليست أول مرة أن أتعرَّض للهجوم من الكارهين، لم آخذ بالأمر على محملِ الجَد في ذلك الوقت!"
أومئ لها وأغلق دفّتي الكتاب، ثم استمع إلى مُحاميها الذي يقول.
"موكلتي بريئة من تُهمة الشروع بالقتل العَمد، ونحنُ نملك الأدلة الكافيّة لتنجو من هذهِ التُّهمة، لذا أُطالب بإخراجِها مؤقَّتًا بِكفالة"
"لا يُمكِن إخراجها بكفالة، اليوم سأحوِّلها لمكتب المُدَّعي العام، وهو من عِنده سيرفعها إلى المحكمة... أنا إنتهى عملي إلى هُنا"
نهض المُحقِّق ثم خرج ببرود، أما روز فنظرت إلى مُحاميها الذي تنهد قائلًا.
"سأُقدِّم طلبًا رسميًا عند المُدَّعي العام لإخراجكِ بكفالة"
أومأت له، ثم خرجت برِفقة شُرطيان، ووجدت أن جون قد تشاجر مع المُحقِّق بيون مُجددًا، والأخير قرر أن يسجِنه حتى تُحوَّل زوجته إلى المحكمة؛ طالما أن هذا ما يطمح له.
جون نظر لها وابتسم رُغمَ الكدمة المتورِّمة على وجهِه.
"سأبقى معكِ"
إقتربت منه حتى إحتضنت خصرِه بذراعيها، وأندسَّت بين ذراعيه تقول.
"أنتَ جون المجنون الخاص بي حقًّا!"
"لا بأس... طالما أنا سأبقى معكِ"
.................
كانت العائلة بأجمعِها مُجتمِعة في قصرِ العائلة كيم في حي القصور أبوجانغ، والدي جون، آيرين وسيهون الذي إنتزع زفافهما، كذلك تشانيول تجلس بجانبه أوريل، من عائلة ماري لوكاس موجود ووالديها فقط، كما أن المُحامي جونغ إن موجود.
السيد كيم قال.
"هل جون وماري بخير؟"
أومئ له تشانيول وقال.
"يُمكنكَ أن تقول بخير، روزماري في حالة نفسيّة سيئة، وجون معها يُساندها، كلما أراد المُحقِّق إخراجه تشاجر معه؛ كي يبقى مسجونًا معها
لكن... هناك مشكلة كبيرة الآن!"
قبض السيد كيم حاجبيه يتسآل.
"وما هي؟"
"لقد تسرَّب الخبر للإعلام، ومواقع الإنترنت تَضُج بهذا الخبر"
تدَّخل لوكاس في الحديثِ نابِسًا.
"وما الذي يقولونه عنها؟"
"قاتلة... كل المقالات التي كُتِبَت والتعليقات على الأمرِ مُسيئة"
قال جونغ إن.
"يُمكِن تدبُّر هذا الأمر، على المحطّة أن تحمي مُذيعتها، ونحنُ سنشُن على كل من ينعتها بالقاتلة بحملة شكاوى."
لبث الجميع في صمتٍ إلا السيد كيم إذ قال.
"ماذا سيحدُث الآن؟"
أجاب المُحامي.
"علينا أن ننتظر جلسة المُحاكمة... لا نملك شيئًا لنفعله قبل ذلك"
................
كان جونغداي في شِقَّتِه، التي يمكُث فيها مؤقتًا إلى حينًا لم يُقرر متى يأتي بعد، وتحديدًا يجلس أمام التِّلفاز؛ حيثُ تُذاع برامج حِواريّة تُناقِش قضيّة المُذيعة الشهيرة كيم روزماري؛ التي أصبحت رقم واحد في مُحرِّك البحث بغضونِ ليلة واحدة.
بعضُ النّاس يتهمونها بالقتل وينعتونها بالقاتلة، وآخرين يبحثون عن أسباب تُبرّئها، وآخرين ينتظرون حُكم المحكمة.
لكن الشُرطة صامتة، وترفض الإدلاء بأي تصريح بحسبِ رغبةِ مُدير أعمالِها بارك تشانيول، إذ أنَّ هُناك تكتُّم تام من طرفِ الشُّرطة والإدعاء العام على القضية، والناسُ يؤولون من عندهم النتائج، ويلوكون سيرة المذيعة المعروفة بين ضروسهم بين مؤيّد وُمعارِض.
لكن جونغداي يعلم أنَّهُ يُمكنها أن تقتُل أحد، يعلم ذلك جيدًا؛ لأنَّهُ سبق أن دافعت عن نفسِها منه برصاصة إندسَّت بجسدِه، وللآن يرى محل النُّدبة التي تركتها عليه.
تحسس أديمه المندوب وابتسم يرفع شِدقًا.
"آيي! لطالما كانت روزماري شَرِسة!"
لكنها لن تفعل ذلك لأنَّها تُريد، هي إمرأة حاولت قتل نفسها لكنها لن تسمح لأحد أن يقتُلها، هي قد تَقتُل كي لا تُقتَل فقط.
عندما أصابته بعيارٍ ناري في آخر يوم لهما معًا، يذكر جيدًا كيف إنهارت أمامه، وكانت ترتجف بجسدها الهزيل، ولا تُصدِّق ما أقدمت على فعله بِنفسِها.
ثم عَلِمَ لاحقًا أنَّها حاولت الإنتحار؛ لأنَّها كادت أن تقتُله وإن لم تَكُ تقصِد، في تلكَ المرّة رفض أن يشتكي عليها عند الشُّرطة، وقال أنَّه لا يعرف من الجاني أثناء تحقيقات الشُّرطة، لكن هذهِ المرّة مُختلِفة، فلقد وقعت روزماري بيد الشُّرطة، ولن تنفذ دون عِقاب لو أُثبِتت عليها التُّهَم.
الأمر الوحيد المُتأكِد منه أنها ستدخُل في أزمةِ نفسيّة مُجددًا بسبب شعورها بالذَّنب، وأما بقيّة الأحداث فسيُراقبها بصمت، لكنه لن يسمح أن تدخل السِّجن حتى لو أذنَبَت عن عَمد.
تبقى روز... حُب العُمر الوحيد، وقلبه لن يطاوعه أن يراها تتأذّى على يد غيره ويلزم الصمت، بالطبع هذا غير مُمكن!
وبينما جونغداي مشغول التفكير بالفوضى الدّائرة بحياة روزماري ببيئته الهادئة، الخَصبة لإنبات أفكار لامحدودة بعقلِه الخبيث، أزعجه الرَّنين المُزعج جدًا على الباب والطرق المُتتابِع.
نهض ليُجيب الباب ولقد صاح بإنفعال.
"توقف عن طرقِ الباب أيُّها المخبول!"
وما إن فتح الباب وإذ بها ساكوارا تقف خلفه، تلبس فُستان فضفاض أسود، ومعالم الحُزن والبُكاء ترسُم وجهها.
نبس جونغداي مُستغربًا، فلقد تخفّى جيّدًا عن نظرها، ولكنها وجدته!
"ساكوارا! كيف وجدتِني؟!"
أخذت تدفعه من صدرِه وهي تبكي وتصيح بغضب.
"لِمَ؟! هل ظننتَ أنَّكَ ستنجو بفعلتِك؟!
خدعتني بحُبك المُزيف، وجعلتني أحمل بطفلٍ منك، ثم تنسحب!
هل تظن أن الأمور تسير بهذهِ السهولة؟ هل تظُن أن العالم يسير على هواك؟!"
تنهد جونغداي وأبعد ذراعيها عنه، إستنشق نفسًا عميقًا وأغمض عينيه لثانية؛ كي يضبط غضبه عنها، ثم قال لها.
"متى وعدتُكِ بأي شيء أنا؟
متى قُلت أنّي أُحبُك؟"
رفع شِدقه يبتسم بسُخرية.
"هل بنيتِ لنفسكِ قصرًا ورديًا من أحلام المُراهقات معي؟"
تقدم منها يتحدث بقسوة رغم نبرته السّاخِرة.
"أنا لا أُحبُك صغيرتي... أنتِ لستِ سوى جسد جميل أقتات عليه!"
إقترب منها أكثر حتّى همس بِأُذنها.
"أنتِ بالنِّسبةِ لي بمقام الكثير من النِّساء اللاتي سبقنكِ وسيتبعنكِ... مثلكِ مثلهن!"
كوّر شفتيه بأسف حينما أبصر الخيبة تعم على وجهها وكم كانت الكلمات قاسية عليها.
"هل آلمتكِ الحقيقة؟!
ما العمل؟! أنتِ من أصررتِ أن تسمعينها"
ربَّتَ على وجنتها ثم نبس.
"أعتذر حُلوتي عن إيذاء قلبكِ اللطيف"
ثم جعلها تلتفت ودفع بكتفيها خارجًا.
"والآن غادري، ولا تأتي لرؤيتي مُجددًا، لأنَّكِ ستبكي كُلَّما أتيتِ، حسنًا؟"
إلتفتت إليه عندما أصبحت خارِجًا فلوًّح لها بيده مُبتسِمًا.
"وداعًا صغيرتي الحُلوة!"
أغلق الباب بوجهها، وساكوارا تحسست بطنها الذي بدأ يبرز ورمقت الباب بحِقد.
هذهِ المرّة لن تنجو بفعلتِكَ يا كيم جونغداي... فمشاعِر ساكوارا وكرامتِها ليست لُعبة بين يديك.
...............................
يُتبَع...
الفصل السابع والعشرون "بحرٌ هائج وسماءٌ دهماء"
الجُزء الخامس: لا تؤذيني بكِ
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
...................
سلااااااااام
*تتحاشى الضرب*
قلتلكم أن هذا الجُزء أكثر جُزء متحمسة له😁
طبعًا لسة الأكشن شغّال حتى آخر الرواية.
الفصل القادم بعد 100فوت و100كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟
تأثرها بكلام آيرين وتشانيول ورغبتها في الإنفصال؟
معاملتها لجون؟
الجريمة؟
ردة فعلها على ما حدث؟
2.جون؟
مساندته لماري عندما وقعت الجريمة؟
محاولاته لتليينها ومحو فكرة الطلاق من رأسها؟
3.جونغداي؟
كلامه مع ساكوارا؟
4.ماذا ستفعل ساكوارا؟
5. رأيكم بالشخصيات المحوريّة:
المحقق بيون بيكهيون؟
المُحامي كيم جونغ إن؟
المُجرم؟
6. ماذا سيحدث لروز؟
7.رأيكم في الفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі