CH31||ظِلالٌ رماديّة
كيم جون ميون (الكاتب سوهو)
بطل:
هَيبَتُها|| Her Savage Love
"لا تؤذيني بكِ"
"ظِلالٌ رماديّة"
...
الكاتب سوهو في عُطلة، نعتذر عن كثرةِ تعطُّل تحديثات الكاتب.
............
إنطلق جون بأُختِه آيرين إلى المُستشفى، التي أعلمتهُما أُمهما أنَّ أبيهما نُقِلَ إليها على نحوٍ عاجل، لقد تولّى جون قيادة الطريق بعجلةٍ من جنون، عِدَّة مرّات كاد أن ينخرط في حوادث مُريعة لِسُرعتِه المُفرِطة.
تراكمت الهموم على قلبِه زيادة مؤخرًا، وما عاد قادرًا أن يستوعب كل هذا الوجع والهم، الذي لا ينفك يتراكم في صدرِه ويزداد بلا رادع.
وصل جون إلى المُستشفى؛ إذ كان يركض بين مَمرَّات المُستشفى بعدما قطع مكتب الإستقبال وصولًا لِغُرفةِ العناية المُركَّزة، التي يخضع فيها والده للعلاج.
هرع إلى أُمِه حينما رآها تجلس على كراسي الإستراحة في المَمر الضَّيّق أمام النافذة الزُّجاجيّة، التي تَطِل على غُرفة العناية المُركَّزة، كانت تجلس وحدها أمامها وتبكي، أمسك جون بيديها، ثم عانقها إلى صدرِه بعناية، فأخذت تبكي على كتفه بِوفرة.
لطالما ظنَّ أن بُكاء روزماري أكثر ما يُمكنهُ أن يحرق قلبه، لكنَّهُ الآن إكتشف أن بُكاء أُمه يؤلِم قلبه أكثر من أيّ بُكاء آخر.
هوَّد عليها لتهدأ، وأخذ يمسح على ظهرِها بلُطف.
"أمي رجاءً توقَّفي عن البُكاء، إنَّكِ تؤلمين قلبي حقًا، أبي سيتعافى، سيكون بخير، فقط تشجَّعي!"
وضعت السيدة كيم رأسها على كتف إبنها الوحيد؛ تُحاول التوقف عن البُكاء فيما تتفلَّت من ثغرِها شهقات رُغمًا عنها، فيما جون يُعانِق بذراعه الأُخرى آيرين، التي ما زالت تبكي بحرارة، يضُم المرأتين إلى صدرِه، ويواسيهن فيما هو من يحتاج للمواساة.
فجأة؛ أخذ جهاز نبضات القلب المُثبَّت على صدرِ السيّد كيم يُصفِّر، وخط نبضات القلب إستقام، وما عاد فيه أيُّ تعرُّجات تُذكَر.
نهض جون سريعًا على ساقيه، واقترب إلى النافذة الزُّجاجيّة، وأمه وأخته تبكيان بفزع من جديد، هرع الأطباء إلى داخل الغُرفة لإسعاف السّيد، وحينما كانوا يضربوا صدره بصدمات الكهربائية ضَمَّ جون يديه في قبضتين شديدتين، وأحمرَّت عيناه لإكتظاظ الدموع فيهُما.
لكن حينما رفع الطبيب الغِطاء على وجه السيد كيم؛ يُعلِن وفاته بلا كلمات؛ تلك الدموع، الذي يحجُر عليها، تحررت من أسوار جفونه، وأنسابت بحرارة، وحُريّة، وكثرة على وجنتيه.
أمه وأخته خلفه تصرُخان، لكنَّهُ لم يُحرِّك ساكنًا لتهدئة أيًا منهُما، إنما ينظر إلى والده، الذي سُلبت أنفاسه الأخيرة، هو فقد حياته وهُم فقدوه جميعًا، فقدو عامود هذهِ العائلة، ورَجُلها الأول والأكبر.
خرج الطبيب وفيما يَمُر بجون ربَّتَ على كتفِه يواسيه فيما يعلو ملامحه الأسف، إنقبضت معالم جون، وإختنقَ في دموعه وتلك الغصَّة العالِقة بحلقِه.
تشوَّشَ بصره، وما عاد قادرًا أن يُدرِك ما يحدث حوله، هو فقط إرتمى بجسدِه، الذي شعر به ثقيل للغاية لدرجة تجعله لا يقدِر أن يحمله، على كُرسي الإستراحة الواقع في المَمر أمام غرفة العناية المُركَّزة.
وأثناء ذلك؛ آتى تشانيول مُسرِعًا يُرافقه جاي وكذلك سيهون معهم، سيهون هرع إلى زوجتِه، التي تجلس أرضًا وتبكي بحرارة، بطريقة تُمزِّق فؤاده لدرجةِ أنَّهُ نسى أنَّهُ منها غاضب جدًا وأنَّها جرحتهُ بِشدّة، وضمَّها إلى صدرِه بقوة مُتناسيًّا كل النِّزاعات.
إرتكزت آيرين برأسِها على صدرِ سيهون، وبكت بشدة.
"أنا آسفة، يا لي من إمرأة أنانيّة وبغيظة!
كرهتُ طفلي، وأبي إنقطف قلبه قبل أن تَقِر عينه برؤية حفيد له، لا تدري يا سيهون كم تمنّى أن يُناديه طِفلًا جدي!
أنا آسفة لأنّي لم أتمكن من منحكَ أكثر ما ترغب به يا أبي، أنا آسفة أبي، أنا آسفة حقًا!"
ضمَّها سيهون بقوة إليه فيما بيدِه يمسح على رأسِها ويحاول تهدئتها، فيما هو الآخر يبكي على حميه، الذي كان بِمثابةِ أباه.
ولكنها إرتخت بين يديه أخيرًا بعد نوبة نواح وبُكاء، وكفَّت عن البُكاء فجأة؛ وذلك لأنَّها فقدت الوعي بين يديه، ذلك الألم كان أكبر من أن يتحمَّله قلبها المُرهق.
حملها سيهون على ذراعيه سريعًا هلِعًا، وركض بها يطلب مُساعدة الأطباء فيما يبدو عليه الفزع، أراد جون النهوض والإطمئنان على أخته، لكنه حينما نظر إلى أمه، التي عاد ليضمها بذراعه وجدها مُرتخية على ذراعه، إتسعت عيناه بفزع، وتشانيول أسرع لإستدعاء الطبيب، لقد فقدت هي الأُخرى وعيها.
نُقِلنَ المرأتين إلى غُرفة خاصّة ليرتاحن على أثرِ الصَّدمة المُفزِعة ويتلقينَ العناية الصحيّة اللازِمة.
وأما جون؛ فلقد بان على وجهه التعب الشديد وهو يتنقَّل في أنحاء المُستشفى؛ لإتمام الإجراءات اللّازِمة لأجلِ والده، وسيهون تولّى أمر الإجراءات اللازمة لأجل آيرين ووالدتها.
حَلَّ المساء؛ وجون كان في حديقة المُستشفى يجلس وحده فيما تشانيول وجاي يقفان لمُراقبتِه من بعيد.
"هل تظن أنَّهُ سيكون بخير؟"
تسآل جاي فأومئ له تشانيول واتبع.
"بالتأكيد، طالما عليه أن يستمر في هذهِ الحياة عليه أن يكون بخير، هُناك الكثير من الرؤوس تستند على كتفيه، وعلى كتفيه أن يستقيما ولولا ترهلا لوهلة"
تنهَّد جاي وأومئ، تشانيول مُحِق، الذين يعيشونَ في ظروفِ جون، ويحملون على أعتاقهم مسؤولية حياة أُناس غيرهم، عليهم أن يتحمَّلوا الصِّعاب ويشدّوا أعوادهم، فالحياة تطلَّب منهم أن يكونوا أقوياء على الدوام.
لقد كان جون يجلس على الكُرسي الخشبي بشرودٍ تام، عيناه عالقة على السماء في الأُفق البعيد، لا يقول شيء، ولا يُحرِّك ساكنًا، بل إنَّهُ حتى لا يبكي.
لم يُسبَق له أن إنهار إلى هذا الحد، ولم يشهد له أحد هزيمة أكبر من هذه، أو وجع أوغل.
تنهَّد تشانيول واقترب منه؛ إذ لم يتمكَّت من السكون وأخذ مقعد مُتفرِّج من بعيد لا يؤثِّر بما يحدُث، آتى إليه وجلس بجوارِه، ثم ربَّت على كتفه لمواساتِه،و همس رُغم أنَّ جون لم يُحرِّك ساكنًا لوجوده معه.
"سيُخرِّج سيهون زوجته وأمك من المُستشفى الليلة، وأنتَ عُد الليلة إلى منزلِك، روزماري بالتأكيد قَلِقة بشأنِك الآن وأنت بحاجة إلى الرّاحة، اذهب وارتح لأجلِ مراسم الجنازة لأجلِ والدك"
دون أن يقول شيء أو حتى ينظر إلى تشانيول؛ جون نهض وسار نحو سيّارتِه في مَصف المُستشفى الخارجي.
صعد في سيارته وقادها عودةً إلى المنزل، هذهِ المرة لم يَكُ يقود سيّارتِه بِسُرعة، بل كان يقودها على مهل.
لم يضع حِزام الأمان، وترك النافذة القريبة منه مفتوحة؛ ليتسلَّل الهواء إلى الداخل ويُواسيه بمُداعبة خُصل شعرِه، يتَّكِز بمِرفقِه إلى النافذة وقبضتِه أسفل ذقنه.
وصل إلى المنزل بعدما خاض طريقًا هادئًا وطويل إلى المنزل، ولج الشِّقة، كانت ساكنة جدًا والهدوء يَحُف جنباتِها.
توجَّه إلى غُرفةِ نومِه، فوجد روزماري في الفِراش بإنتظارِه قاعدة، كانت ترتدي ثوب نوم من الحرير أبيض اللون، ويداها مفتوحتان له؛ كي يرتمي بين أحضانها الدافئة، ويتوسَّد صدرها الذي سيضمُّه ضمَّةً حنون.
كانت تبكي، كان ذلك واضحًا من عينيها الحمراوتين ووجنتيها النَّدتين، أبعدت الغطاء لأجلِه، ثم مَدَّت ذراعيها ناحيته مُجددًا تدعوه إلى مأدبة مواساة، فآتى لها يتوسَّل إهتمامها ومواساتها بلا كلام.
وضع رأسه على صدرِها وتنفَّسها بِعُمق، ذراعيها أحاطت ظهره، وأصابعها تنبش في خُصلِ شعره المُبعثرة، ذقنها على رأسِه، وكثيرًا ما تمسَّه شفتاها بقُبل لمواساتِه.
لم تقل أي كلام ولم يفعل هو أيضًا، فقط تركته يبكي على صدرها الدافئ لأجلِه حتى يرتاح قلبه، ولا يتراكم الوجع فيه، وتلك الليلة عيناهُما لم تُغمَض.
في الصَّباح الباكِر؛ إتَّشحت روزماري بثيابٍ سوداء، كذلك جون، ولكنها عندما رافقته إلى الباب، إلتفت لها وقال بنبرةٍ مُتعبة، ولا يبدو عليه أنَّهُ يتحمَّل أيُّ نِقاش أو مفاوضات لِسانيّة.
"إلى أين؟"
لم تُرِد أن تُثقِل عليه بإصرارها، لذا طلبته بنبرةٍ ليّنة تميل إلى التَّوسل، وعزمت لو قال لا ستُطيع، لن تُزيده تعبًا هي أيضًا.
"خُذني معك، لا تتركني وحدي هنا، أنا من عائلتك أيضًا، ومن واجبي أن أحضر لأجلِ عزاء أبيك، وأقف لمواساة أمك وأختك"
تنهَّد وأومئ لها.
"حسنًا، لكن كوني حذرة"
أومأت له روزماري، وخرجت معه إلى الكنيسة، حيثُ ستُشيَّع جُثّة السيد كيم إلى المَقبرة، فور وصولهما بدأت مراسم العزاء ثم مراسم الدَّفن.
حمل جون، وسيهون، ولوكاس كذلك بعض أقاربهم التابوت إلى داخل القبر، وأخذوا يردمونه في التُّراب فيما السيدة كيم وآيرين تبكيان بحرارة، كذلك روزماري.
إقترب السيد جوزيف ومعه السيدة ميلاني -والدي روزماري- لتعزية عائلة جون، كذلك فعل البقية، لكن لوكاس توقف لمُعانقةِ أُختِه لِوهلة.
همس لها قُرب أُذنِها.
"أنتِ بخير؟!"
لم تُحرِّك ساكِنًا؛ فإبتعد عنها بعد وهلة ليطمئن عليها، فأومأت له حينما نظر لها يُهمهِم، حينها تنهد براحة، ورفع يده ليمسح بها على رأسِها بِلُطف.
"سآتي إلى زيارتكِ بعدما ينتهي العزاء، الآن سأقف مع جون وأقوم بواجبي"
لم تقل شيء مُجددًا، وهو لم ينتظر منها أن تقول شيء بل إبتعد عنها يقصد جون في مَسيرِه، لكنَّها تمسَّكت بأطراف أصابعه قبل أن يتجاوزها كُليًّا، ونبست.
"شكرًا لك لوكاس!"
"على الرُّحب!"
إبتسم لها فيما يُربِّت على يدها بلِطف، ثم ذهب إلى جون؛ ليُساعده في أمور العزاء، وإستقبال المُعزّين، وتحضير وليمة العزاء.
...........................
مرَّت ثلاثة أيام من عُسر على العائلة وانقضت أمور العزاء، وفي هذا الصباح الجديد حمل جون باقة من الورود، ووضعها على قبرِ أبيه النَّدي.
إنَّهُ يزوره مُذُّ ثلاثةِ أيام ولا يُفارقه، وقرر أن لا يُفارقه ولو إنجلت سحابة الحُزن وتعوَّد على فُراقِه.
جلس القُرفصاء قُرب القبر، وكمش بيده على حفنة من تُراب قبر أبيه، يؤلمه هذا المنظر كلما مَرَّ به، ما زال لا يُصدِّق أن أباه الآن تحت التُّراب مردوم.
"أبي، كيف حالك اليوم؟!
أتمنّى أنَّكَ بخير.
ما زِلتُ لا أُصدِّق أنّي حقًا فقدتُك، ما زلتُ أذهب إلى المنزل وأنا أنتظر أن أراكَ على أريكتِك تحمل جريدة اليوم، وعلى مِنضدتِك كوب القهوة قد أصبح دافئًا كما تُحِب.
أبي، أنا آسف، لقد خذلتُك... اعذرني، لم أدري أن الموت سيختطفُكَ مني بهذهِ السُّرعة وإلا لحققتُ أُمنيّاتك بوقتٍ أبكر.
لطالما قُلتَ أنَّني ولدك الصالح، أنَّك تعتز بي وتفخر بي، لكنّي أشعر بأنّي مُجرَّد ابنٌ عاق لك.
لأنني ضايقتُكَ حينما عاندتُك، وعاندتُ عُرف العائلة، وتأخَّرت حتى تزوَّجت، الأسوء أنني ما حققتُ أُمنيتُكَ الوحيدة رغم أنَّك حققت كل أُمنياتي.
لم تَقِر عينك بابنٍ لي، سألوم نفسي على الدوام، وسأكره نفسي كثيرًا، لأنني تباطئتُ عن تحقيق أُمنيتُكَ الوحيدة، أنا آسف أبي"
تساقطت دموع جون وفيرة على وجنتيه؛ فبادر في مسحِها سريعًا بنزعةٍ رُجوليّة، ثم تبسَّم واتبع.
"إن ثبُتَ حمل ماري، وأنجبت لي إبنًا ولك حفيدًا؛ أعدُكَ أنني سأجعله يزوركَ كثيرًا!"
أقام جون عوده بعدما تنهَّد بِعُمق ونبس.
"والآن؛ إلى اللقاء أبي، سآتي لزيارتُكَ غدًا!"
عاد جون إلى الشِّقة، لروز اليوم موعد لدى الطبيب كيم مينسوك، للكشف عن نتائج العملية، لقد أبدت روزماري توترًا، ولكن جون بدى مُرتخيًا؛ وكأنَّهُ وصل حدَّه بالأخبار السيئة، وما عاد أي شيء قد يؤثِّر عليه.
وصل جون بروز إلى المُستشفى، وتحديدًا إلى عيادة الطبيب كيم مينسوك، وبينما هُما في قاعةِ الإنتظار؛ روز كانت تقبض على يديها بتوتُّر وتُنزِل رأسها.
نظر لها جون ولَحِظَ كم هي متوتِّرة، فأمسك بيدها، وبذراعه الأخرى أحاط كتفيها يُقرِّبُها له، رفعت نظرها له فابتسم وهمس.
"لا تتوتَّري، مهما كانت النَّتيجة لا تحزني"
أومأت له ثم أسندت رأسها على كتفه وهمست.
"أنتَ حقًّا قوي، بوسِعكَ أن تبتسم لي وتواسيني رغم كثرة الهموم المُتراكِمة على قلبك، أنا حقًّا فخورة بك!"
طبع قُبلة على رأسِها وهمس.
"بعدما ننتهي من هُنا لديكِ موعد عند الطبيب كريس وو"
تذمَّرت برفض، لكنه إكتفى بإبتسامة بسيطة دون أن يجنح عن رأيه.
"السيدة كيم روزماري"
نادت المُمرِّضة، فلقد حان موعد روز وجون عند الطبيب.
دخل كلاهما إلى الطبيب كيم مينسوك، الذي رحَّبَ بهما بوجهه الودود، ثم مُباشرةً أخضع روزماري للفحوصات اللازمة؛ للتأكُّد من ثبات الحمل من عدمِه.
إنتهى الطبيب من فحصها، ثم جلس على مكتبه وأمامه الزوجين.
"للأسف؛ الحمل لم يثبت"
بدى على معالم الطبيب الأسف فيما يرمق الزوجين، روزماري أخفضت رأسها تتنهَّد بِعُمق وجون سُرعان ما أمسك بيدها يواسيها.
كانت تعلم روز أن الأمر لن يتم، كانت تملك ذلك الشعور الذي يخبرها بأنها لن تنجح من أوّلِ مرّة، لطالما لم تَكُ محظوظة، ونصيبها من الحظ صرفته كُلُّه بالحصول على جون.
لكن الآن ليس لأجلِها بل لأجلِ جون؛ رفعت رأسها وابتسمت تتمسَّك بيد جون، إستجمعت نفسها كي لا تنهار، ولا تكون عِبئًا على جون.
"لا بأس، يمكننا أن نحاول مُجددًا، أليس كذلك؟"
سُرعان ما أومئ الطبيب وقال.
"بالطَّبع! سأطلب منهم أن يحجزوا لكِ موعدًا فوريًّا، لا تقلقي!"
أومأت للطبيب بإبتسامة، وجون رفع يدها إلى شفتيه ليطبع قُبلة، ثم همس.
"أحسنتِ؛ أنا فخور بكِ!"
تبسَّمت لجون وربَّتت على يده، نظَّمت لدى الطبيب كيم مينسوك موعد آخر، ثم إنسحب كلاهما إلى عيادة الطبيب كريس وو.
وبينما هُم بالإنتظار، جون تسآل.
"هل أنتِ بخير يا هَيبة؟"
تبسَّمت، مرَّ وقت على هذا اللقب الذي تُحبه.
"الهَيبة مُهيبة وبهيّة دومًا، لا يُمكن لشيء مثل هذا أن يضعفني، سأبقى قويّة دومًا، لقد مررنا بما هو أصعب"
أومئ لها موافقًا وهمس.
"هكذا أُريدك يا سيدتي المهيوبة"
ضحكت بخفّة، ونظرت إليه.
"جون تُذكِّرني بالأيّام الخوالي، حينما كُنت تتبعني في كُلِّ مكان قبل أن تحصل علي"
تبسَّم ثغره ونبس.
"تلك كانت أيام حُلوة أعتزُّ بها"
طبع قُبلة على رأسها ثم تبادلا نظرات حُب، بدى لها قويًّا أقوى مما ظنَّت، كذلك هي بانت في عينيه قويّة أقوى مما ظن.
"السيدة كيم روزماري"
نهضت روزماري تلبية لنداء المُمرِّضة، وولجت إلى غُرفة الطبيب وحدها، وجون بقيَّ للإنتظار بالخارج.
رحَّب بها الطبيب كريس بِوِد كما العادة، ثم أشار لها أن تجلس في المكان المُخصَّص لِمثلِها من المرضى، جلست على المقعد الطويل ذي الظهر المُنحني، ثم آتى الطبيب وجلس قُرب رأسِها فيما يحمل معه ملفِّها المَرضيّ.
"كيف حالكِ اليوم سيدة كيم؟"
"لستُ بخير"
"ولِمَ لستِ بخير؟"
تنهَّدت قبل أن تُجيبه.
"مُذُّ إكتشفت أنّي لا أُنجب حتى هذه اللحظة، والأمور تأخذ مُنحنى مأساويّ في حياتي.
بدءًا من إكتشاف مشكلتي الصحيّة ثم مُشكلات أُخر، التورُّط في جريمة، خسارتي لوظيفتي، وفاة حماي، والآن فشل عملية طفل الأنابيب... أشعرُ بالإرهاق"
"وكيف تتدبَّرين كل هذهِ الأمور وتبقين نفسكِ تحت السيطرة؟"
"أحاول أن أكون قويّة لأجلِ جون، فلقد خسر جون والده، ورغم ذلك؛ ما زال قويًّا كفايّة ليتمسَّك بيدي ويبتسِم لي، يُقدِّم لي العَون"
"هل ستحاولي أن تخضعي للعملية مرّةً أُخرى؟"
"نعم، سأفعل لأجلِ جون"
"وماذا لو فشلت مُجدَّدًا؟"
أفرغت مِلئ صدرِها ثم نبست.
"سأتوقف عن المحاولة بعدها"
"وماذا بشأنِ جون؟"
نظرت للطبيب وأجابته سؤاله، فبدى مُتفاجئًا على آخرِه من هذهِ الإجابة الغير متوقعة منها، إنَّهُ ليس تصرُّفًا تُقدِم عليه إمرأة تُحِب زوجها، أو إنَّه تصرُّف تُقدِّم عليه إمرأة مجنونة بِحُبِ زوجها، وروزماري واحدة من الأثنتين، إما لا تُحِبُّه أو تُحِبُّه بجنون.
"أحقًا ستفعلي ذلك؟!"
أومأت تتنهد ثم إبتسمت إبتسامة بدت بائسة.
"نعم، سأفعل لأجلِ جون"
"هل تُحبّين السيد كيم جون ميون؟"
"أُحبُّه بجنون"
أومئ الطبيب، إذًا مريضته من الصِّنف الثاني، المجنونة بالحُب.
...........................
بعد إنقضاءِ فترةِ العزاء؛ إجتمع جون وزوجته وآيرين وزوجها في بيتِ العائلة، فالأُم تبقَّت لوحدِها وتأبى أن تخرج من المنزل.
وعلى اليافعين أن يعودوا لمُمارسة حياتهم الطبيعيّة بعدما قضو عِدَّة أيام في القصر لأجلِ العزاء، لكن هُناكَ إشكالٌ واقع، وهو الأُم.
كانوا جميعًا مُلتفّينَ على الآرائك في صالةِ الجلوس الفسيحة، وجون بدى جديًّا فيما يحاول إقناع أُمُّه للمرة الألف.
"أمي ما الذي سيُبقيكِ هُنا وحدك؟!
تعالي معي إلى بيتي وعيشي معي، صدّقيني لا ضير في ذلك، أنتِ أمي ولستِ ثِقلًا علي لو كنتِ تظُني ذلك"
تنهَّدت السيّدة التي تتَّشِح بالسَّواد بأستياء فيما تُدلِّك صِدغيها.
"أخبرتُكَ ألف مرة أنَّ هذا هو منزلي، وأنا لن أتركُه لأي سببٍ كان، ثم إنني لستُ وحدي، هُناك طاقم كامل من الخَدم في مُساعدتي، لن أترك منزلي، الذي عشتُ فيه أربعين عامًا، وأُصبح عالة على أحدكم، أنا هكذا مُرتاحة"
سُرعان ما إعترضت روزماري وقد إستاءت من كلام السيّدة.
"لستِ عالة على أحد أمي، أنتِ أُمنا جميعًا ونحنُ سنكون سُعداء لو قبلتِ أن تعيشي معنا، لا يمكن للأُم أن تكون عالة على أطفالِها"
تبسَّمت السيّدة بإمتنان، وربتت على كتفِ روز بيدٍ ليّنة.
"أُقدِّر لكم إهتمامكم بي جميعًا، لكنني ما زِلتُ لن أنتقل، لن أغادر منزلي هذا أبدًا، لن أشعُر بالأرتياح سوى هنا"
ردَّت روز.
"إذًا نحنُ من سننتقل إلى هنا ونعيش معكِ"
سُرعان ما رفضت السيّدة.
"لا، لن أسمح لأحد أن ينتقل عندي... يكفي أن تزوروني كل فترة"
آيرين أخذت تبكي ونبست.
"أمي أنتِ حقًّا عنيدة، ماذا ستفعلين في هذا القصر الواسع وحدكِ؟"
تبسَّمت السيّدة، وفتحت ذراعيها لإبنتها، لتأتيها آيرين وترتمي في كُنفها، راحت السيّدة تُربِّت على إبنتها رُغم أنَّ عينيها تدمع.
"أنا سأكون بخير، سأتفرغ لإجتماعات النساء في الحَي، لقراءة الكتب، ومشاهدة الدراما، وممارسة الرياضة... لدي أشياء كثيرة لأفعلها"
رفعت آيرين نفسها عن والدتها، ثم أمسكت بيد أمها وقالت.
"إذًا معكِ خمسة شهور لتفعلي ما تودّي فعله، ثم أنتِ لن تتفرَّغي لفعلِ شيء"
قبضت الأُم حاجبيها بلا فهم كذلك جون وروز، ثم آيرين؛ لشرح اللبس، إلتفتت لتُمسك بيد سيهون الذي بدى مُتفاجئًا، وأعلمت الجميع.
"أنا حامل"
السيدة إنتحبت في سعادة.
"حقًا؟!"
وتلك الوجوه المُكتئبة لم تبتسِم بصدق وبلا مجاملة مُنذُ فترة، أنهالت على الزوجين التبريكات الحارّة، وإنتشرت السعادة في الجو من جديد.
......
عاد سيهون وآيرين إلى شِقَّتهُما، كذلك جون وروز؛ بما أنَّ السيّدة أصرَّت أن يغادروا جميعًا من عندها، لأنَّ القصر يحتاج إلى إنتفاضة في أعمال التنظيف بعد العزاء على حدِّ تعبيرها.
دخلت آيرين إلى الشِّقة فيما سيهون يقف خارجًا مع جون لأجلِ أمور العمل، بدت متوترة وهي تنتظره أن يأتي، إذ كانت تسير في صالةِ الجلوس بإرتباك؛ ولكنَّها عندما سمعت الباب يُفتَح هربت إلى الداخل، ما زالت لا تملك الشجاعة الكافيّة لمواجهته.
لقد واسها في فترة العزاء، وأعارها كتفه وكُنفه لتبكي كما تشاء على أبيها حتى تهدأ ويخف الألم، لكنَّهما لم يتحدَّثا في سيرةِ الطِّفل أبدًا، حتى أنَّهُ بدى مُتفاجئًا عندما أعلنت لعائلتها عن خبرِ حملِها.
دخلت إلى دورة المياه، إستحمَّت وبدَّلت ثيابها، لكنَّها بينما تمر في المرآة الموضوعة داخل غُرفتِها توقَّفت أمامها، وكشفت عن بطنها، ثم أخذت تتحسَّسَهُ بِبنانِها.
ترى إنتفاخًا واضحًا في بطنِها، لكنَّها حقًا لا تفهم كم هي بلهاء؛ كي لا تضع إحتمال الحمل وارد في رأسها بدلًا من إزدياد الوزن.
فيما تنظر إلى نفسها بالمرآة، وتتحسَّس بطنها براحتها؛ لم تلحظ سيهون حينما وقف مُستندًا على إطار الباب، يعقد ساعديه إلى صدره، وساقيه على بعضهما فيما ينظر إليها بصمت.
لكنَّها حينما لحِظته سترت على بطنِها سريعًا، فرفع حاحبه دون أن ينبس بشيء؛ كما لو أنَّهُ يستنكر سلوكها المُتقلِّب، أتخجل الآن منه وقد وبَّخته بأنَّهُ ليس حمل مسؤولية طفل؟!
لكنَّهُ لا يرغب في خوضِ شِجار معها لأي سببٍ كان في الوقت الرّاهِن؛ مُراعاةً لِشعورِها حيال فقدِها لوالدها؛ لذا غادر بصمت.
قضمت آيرين على شفتيها بتوتر فيما تُفكِّر ما الذي يجب عليها أن تفعله الآن مع زوجها؛ لتُصلِح الأحوال التي تدهورت بسببِها.
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرتهُ بِبُطئ كتحميّة، ثم خرجت من غُرفتهما تبحث عنه، وجدته يقف إلى الشُّرفة المُتَّصِلة بغُرفةِ الجلوس، يستند على سِوار الشُّرفة الرُّخامي وينظُر في الأُفقِ بشرود.
إقتربت منه بخطواتٍ مُتباطئة، وبعدما تعدَّت باب الشُّرفة الزُّجاجي توقَّفت لتنبس بحرج.
"جائع؟ هل أحضر لكَ شيئًا تأكلُه؟"
سيهون منحها إجابة مُختصرة لا تُشفي غليلها، بدى مزاجه حادًا كما لم يَكُ من قبل.
"لا"
إزدادت إرتباكًا، إذ أخذت تقضم شفتيها من جديد وتدعك أصابعها بتوتر.
"أترغب بشُربِ شيء بدلًا من ذلك؟"
"لا"
تنهدت بيأس وكادت أن تبكي حقًا، لكنَّها ما زالت تحاول.
"إذًا، أتود أن تستحِم؟ سأحضِّر لكَ الحِمّام"
إلتفت لها أخيرًا وتنهد قبل أن يتجاوزها ببرود.
"سأتولّى أموري بنفسي"
حسنًا؛ ليس وكأنَّها زوجة نمطيّة تخدم زوجها وتفعل لأجله كل شيء بدلًا عنه، لكنها تحاول أن تُبادِر بالصُّلح، لكنها لا تعلم ماذا تفعل معه.
ذهبت إلى غُرفتهما بعد حين، وجلست على السرير في حالة من التَّوتُّر تنتظِر سيهون أن ينتهي مِمّا يفعله، وليتحدّثا معًا كأي زوجين طبيعين وقعت بينهما مُشكلة ينبغي حلُّها.
مضى الوقت وهي تنتظر حتى أنَّ كتفيها ترهلا وأصابها الوَسن، لكنَّها تيقَّظت وأعتدلت في جلستِها حينما بزغ سيهون من خلفِ الباب كالقمر، بل أجمل وأكثر غواية.
يرتدي روب حِمّامِه الأسود، الذي يكشف صدرِه زيادة، شعره يُقطِّر ماءً، وبيدِه منشفة صغيرة لتجفيف شعره، إزدرئت جوفها وأشاحت عنه حينما تورَّدت وجنتيها خجلًا؛ خيالات إيروتيكيّة أُقيمت في عقلها.
لكنَّها إستجمعت شتاتها وتحمحمت، ثم وقفت لتسحب المنشفة الصغيرة من يده، وقفت على رؤوس أصابعها لتصل إلى قِمّته الشّاهِقة، وإستندت على كتفه بيدها، والأُخرى أخذت تُجفِّف بها شعره، ثم من العدم نبست.
"أنتَ كثيرٌ علي"
نظر لها يتحرّى عن مقصدها فاتبعت بينما هي مشغولة بتجفيف شعره.
"أنا لا أستحقُك"
سحب من يدها منشفته، وسار حتى أدرك المرآة، ليقف أمامها، ويقوم بتجفيف خُصل شعره بنفسه.
"لا أدري إن كنتِ لا تستحقيني، لكنني للأسف أُحبُك وأنتِ متورِّطة معي للأبد سواء علي كنتُ حِملَ مسؤولية عائلة أم لا"
إلتفت إليها وألقى المنشفة على السرير؛ ليزعجها بما أنّها تكره هذا التصرُّف الفوضوي.
"لقد تزوجتُكِ لِأُنجب طفلًا منكِ دون أن يُنعت بالإبن الغير شرعي، لا لأحصل عليكِ، لقد حصلتُ عليكِ من قبل الزواج"
إقترب منها حتى أدركها، ورفع مخائلها إليها بسبّابته أسفل ذقنها، ثم همس لها بنبرة مفعمة بالرجولة.
"أنتِ لي مُذُّ الأزل!"
أفلت ذقنها وتراجع خطوة.
"لا أفهم ما المُفاجئ بالنِّسبةِ لكِ أنَّكِ أصبحتِ حُبلى منّي، لم أجد المُبرِّر المُقنِع الذي يدعوكِ للغضب، لكنني أنا الآن أملك سببًا مُقنِع لأغضب منك"
أخفضت رأسها في أسف أمامه وهو اتبع.
"ولكنني لا أريد أن يسرق الغضب أيامي معك، عندما نشيخ سنتذكَّر أيامنا الحُلوة معًا، وسننسى بشأنِ المرارة التي عِشناها، وأنا أُخطط لبناء الكثير من الذكريات الجميلة بيننا"
إجتذبها من مؤخِّرة عنقها ليطبع على ناصيتها قُبلة، ثم ربَّت على وجنتيها عدة مرات قبل أن ينسحب ويتركها وحدها؛ لتراجع سلوكها للمرة الأخيرة قبل أن تنام الليلة في حُضنه مجددًا.
جلست آيرين بعد خروجه على السرير، ووضعت وجهها بين كفيّها تبكي بلا أن تصدر صوتًا، فقط دموعها تنساب بهدوء.
لا تدري إن كان هكذا يُسامحها أو يلومها أكثر، تدري أنّها أخطأت بحقه خطأً شنيعًا وتستحق منه كل الجفاء دون أي نُتف لين أو حُب مجّانيّة.
غامت السماء وآتى المساء ثم إنجلى وأمسى وقتُ النوم... غاصت آيرين في أحضانِ فراشها الوثير بما أنَّ رجُلها ذا الحُضن الذي تُحبِّذه على خِصامٍ معها -كما تظن-.
أغمضت عيناها تنتظر أن تغرق في النوم، في الأوِنّة الأخيرة؛ أصبحت آيرين تُحب النوم كثيرًا، وسُرعان ما تغرق في أحضانِه الوثيرة، لكنَّه يُجافيها مُذُّ عدة أيام فالحُب لا يحتويها.
أصرَّت أن تحاول أن تنام ولا تصدر أي صوت فيما هي تنتظر سيهون أن يأتي وينام بجوارها دون أن يضمها كما يفعل مؤخّرًا.
وها هو آتى أخيرًا، وتصرَّفت هي كما لو أنَّها نائمة بالفعل، شعرت بذراعه تتسلَّل أسفل جسدِها حتى أدركه، ورفعها لتنام على صدره، ضمَّها بين ذراعيه، ويده أخذت تربت على رأسها بلطف بعدما دثرها بالغطاء بحرص.
تبسَّمت؛ كما هو متوقع... سيهون هو أفضل زوج في العالم، وهكذا كان يسيرًا عليها أن تنام أخيرًا.
......................................
رويدًا رويدًا عادت الحياة إلى طبيعتِها، خضعت روز لعملية التلقيح مرة أخرى، ساندها جون أثناء ذلك، كذلك قدم لها الدعم النفسي الذي تحتاجه الطبيب كريس وو... وها هي الآن تمكث في فترة راحة حتى يثبت الحمل.
وأما جون؛ فدار النشر تضغط عليه كثيرًا، فمُنذ أن تزوج أهمل كتاباتِه كثيرًا، وما عاد نشيطًا كما سابق عهده، وذلك ما يُهدِّد مُستقبله ككاتب ومستقبل دار النشر بأكملها.
جاي وتشانيول يستئنفان العمل على مشروع بحر وسماء، ويخوضان تحديات لأجل الإستثمار، وأما سيهون وآيرين فلقد إكتشفا أن آيرين حُبلى بصبي، وذلك ما أولج السعادة في قلوب الجميع رغم أنَّ سيهون أرادهُ فتاة.
أوريل ما زالت تتردد إلى شقة تشانيول، وفي الواقع؛ الأزواج الثلاثة غالبًا ما يتناولوا وجبةِ العشاء معًا؛ لتمضية الوقت المُسلي.
وأما السيّدة كيم فلقد كان جون وروز يترددان إليها كثيرًا، لكن ليس بعد عملية روز التي تجبرها أن تمكث في الفراش بلا حركة، فأصبحت هي من تتردَّد إلى بيتِ جون وروز غالبًا.
وأما عائلة روز؛ فهُم الآن أفضل بكثير مما كانوا عليه، لوكاس يتردَّد لزيارتِها كثيرًا، أُمها تتصل بها في أغلب الأيام لتطمئن، أصبح والدها أكثر سخاءً؛ إذ أصبح يأتي لديها كلما إشتهى لها شيئًا لتأكله، لكن علاقتها مع أختها وزوجة أخيها ما تزال سطحية وستبقى، هكذا تُفضِّل روز.
كانت روزماري قاعدة داخل فراش السرير تُقلِّب بين قنوات التلفاز الموضوع في غُرفةِ النوم، فيما جون رابض بجانبها ومشغول في عمله على حاسوبه المحمول، وكثيرًا ما ينظر لها فيما يعمل.
ربما يكتب بعض السطور المُميزة عنها، من الجميل أنها تزوجت بكاتب رومانسي يتغنّى بحبها على الدوام دون كلل أو ملل؛ ورغم ذلك يملك جماهير يصفقون له مهما بالغ في الغزل.
"ماذا؟! أتواجه مشكلة في الكتابة؟"
همهم.
"توقفتُ عند نُقطة علي أن أصف بها مشاعر البطلة حيال إكتشافها أن البطل يُلاحقها مُذُّ خمسةِ سنوات، ويعرف عنها الكثير من التفاصيل، التي قد تكون تجهلها هي حتى عن نفسها."
همهمت روز مُطوَّلًا قبل أن تُجيبه.
"لو كانت إمرأة أخرى لخافت من هذا الرَّجُل، فلقد أصبحت خصوصيتها القصوى مكشوفة لشخصٍ ما لا تعرف عنه أي شيء، هو فقط فجأة ظهر أمامها.
إمرأةٌ عاديّة ستتسآل... كيف يعرفني إلى هذا الحد، ويعرف تفاصيل دقيقة عني حتى أنا لم ألحظها بنفسي؟!
أمرٌ مبرك منذ أنني لن أجد إجابتي نمطيّة عادية، إنه حتمًا مهووس!
لكن بطريقة لطيفة، هكذا فكَّرت، لم تخفني فكرة أنَّك تعرف كل شيء عني، أشعرني ذلك بالأمان رغم أنَّه عليه أن يشعرني بعدمه، أحسستُ بنفسي لأولِ مرة محبوبة بحق بلا أي مُجاملات ولا مُتطلبات، فقط حب بريء وصافي بلا مُقابل، من الرائع أن تتلقى الحُب دون أن يكون هناك مُقابل.
أتفهَّم كيف قد ينظرون الناس إلى مثل هذا العاشق، لكنني رأيتهُ بعينٍ مُختلِفة، جعلته ودودًا في عيني وبلا وعي، وجدتني أجتذبه لي بدلًا من أن أدفعه عني... هذا هو شعور البطلة حضرة الكاتب."
تبسَّم جون مِلئ شدقيه، ثم وضع حاسوبه فوق المنضدة جانبًا، قبل أن يجتذب هذه المرأة ذات اللسان الحُلو كالعسل بين ذراعيه، جعلها تتمدَّد بين ذراعيه، وراح يُقبِّل هاتين الشفتين اللتين تقول كلامًا يحبه، يعجبه سماعها كما يعجبه تذوقها.
كاد أن يتجاوز حد القُبل لولا أنها ذكَّرته.
"لا يمكن جون لأجلِ الطفل"
إبتعد عنها قليلًا وأومئ مستذكرًا
"نعم تذكّرت، لقد سلبتني وعيي لوهلة، وكنتُ على وشك أن أغرق في ملذّاتِك سيدتي"
تبسَّمت تقرص وجنته ونبست.
"أنتَ لطيفٌ جدًا، تؤكل!"
وذلك ما جعله يضحك ملئ شدقيه قبل أن يحتضنها بلطف وحذر بين ذراعيه.
"أُحبك روز"
"وأنا أحبك جون!"
اليوم؛ وللمرة الثانية؛ يذهب كلا الزوجان للنظر في ثبات الحمل من عدمه، لكن هذهِ المرّة كلاهما متوتِّر، أزيد من المرة السابقة، وإن ثبت الحمل فسيكونا أسعد زوجين في العالم، لكن كلاهما تعمّد ألا يُحلِّق في صقفِ آماله عاليًا؛ كي لا يكسر الواقع رِقابهم الحالمة.
"السيدة كيم روزماري والسيد كيم جون ميون، تفضلا معي، حان دوركما"
تمسّك كل منهما بيد الآخر قبل أن يلجا معًا إلى غرفة الطبيب كيم مينسوك مُجدَّدًا، الذي رحَّب بهما بمعالمه الودودة كما يفعل دومًا.
"أهلًا بكما، كيف سيطرتكم على أنفسكم؟"
جون شدد على يد روز ونبس.
"عالية وقوية"
أومئ الطبيب مينسوك مُبتسِمًا ونبس.
"يسعدني سماع ذلك... إذًا هيّا إلى الفحص لنرى ما هي النتيجة هذهِ المرّة"
نهضت روزماري مع الطبيب كيم مينسوك، ولآخر لحظة كانت تتمسَّك بيد جون؛ لأنَّها تشعُر بالخوف، لكن جون تبسَّم لها وربَّت على يدها يُشجِّعُها قبل أن تنصرف مع الطبيب.
"كوني قويّة، لا بأس!"
تنهدت ملئ صدرها ثم تمددت على السرير تخضع للفحوصات اللازمة، مضى بعض الوقت وانتهى الطبيب من فحوصاتِه، أتت روزماري، وجلست بجانب جون الذي تمسَّكَ بيديها سريعًا، وتأهَّب كلاهما لسماعِ الأخبار مهما كانت.
آتى الطبيب كيم مينسوك وجلس خلف طاولته، كانت معالمه شحيحة لا تقول عمّا يُخبئه في جُعبته من أخبار، لكنَّهُ إسترسل في الكلام بعد ثوان.
"تعلمان... هناك الكثير من الأزواج الذي لم يُحالفهم الحظ في أول تجربة ولا الثانية ولا حتى العاشرة، لكنَّهم ظلوا يحاولوا، ولم يصبهم اليأس حتى نجحوا"
جون وروز تبادلا النظرات بقلق، ويد جون إشتدَّت على يد روز حينما رأى عيناها تمتلئ بالدموع فيما تسأل الطبيب.
"هل تقصد أن تقول أنَّ التجرُبة فشلت مُجدَّدًا؟!"
تنهد الطبيب ثم أومئ برأسه لهم.
"للأسفِ نعم"
أخفضت روز رأسها حينما إنسابت دموعها على وجنتيها، لكن جون سُرعان ما إجتذبها من يدها لتكون بين ذراعيه، أخذ يُربِّت على كتفها ويواسيها.
"حبيبتي لا بأس، لا تبكي!"
مسح لها دموعها برِفق، ثم نظر إلى الطبيب الذي قال.
"هل أحجز لكم موعدًا مُجدَّدًا؟!"
"لا"
أجابته روزماري سريعًا قبل أن يفعل جون، ثم وقفت تقول له.
"شكرًا لك أيها الطبيب، لقد عملتَ بجِد"
غادرت الغرفة وجون أسرع في لحاقِها، تمسَّك بذراعها حينما أصبحت قُرب باب العيادة الخارجي وجعلها تلتفِت له.
"لن أجبركِ على فعلِ أي شيء، إن ما عُدتِ تُريدي أن تتعالجي فلا بأس، كما تُريدي، لكن لا تهرُبي منّي، لا تذهبي بعيدًا عنّي رجاءً"
أفلتت ذراعها من قبضته ومسحت دموعها قبل أن تتنهَّد.
"لستُ أُفكِّر بهذهِ الطريقة، أنا فقط أحتاج بعض الوقت لأقضيه مع نفسي جون، سأكون بخير، لا تقلق"
خرجت ولم يتبعها إحترامًا لرغبتها، خرجت روز من المُستشفى، وأخذت تسير في شوارع المدينة بشرود حتى وصلت إلى ضِفّة نهرِ الهان.
جلست على إحدى المقاعد الخشبيّة التي تُقابِل النهر، وأخذت تنظر إلى الماء الجاريّة دون أن تنبس بحرف، هكذا بصمت وسكون، هي حتى لا تبكي.
ولِمَ تبكي؟!
ليس عليها أن تبكي، هي لم تضع آمالًا كبيرة على كتفي هذا العلاج، ولو أنها وضعت آمالًا لما فكّرت بجديّة عمّا عليها أن تفعله لو فشلت.
وبينما هي تجلس بهدوء هكذا شعرت بأحدهم يحتل الجَنب الآخر الشاغر من المقعد، إلتفتت تنظر إلى ذلك الشخص، لكنَّها سُرعان ما شهقت وعيناها إتَّسَعت.
"جونغداي! ماذا تفعل هنا؟!"
وضع سبّابته على شفتيه يُشير لها أن تصمُت، ثم عقد ساعديه إلى صدره وبعدما نفث أنفاسه من أعماق صدره نبس.
"سأُغادِر قريبًا ولن تريني مُجدَّدًا أبدًا، لذا أتيتُ لأودعك"
نظر لها وإرتفع شِدقه بإبتسامة ساخرة، فهي تنظر في عينيه كما لم تفعل من قبل، ما كانت تجرؤ أن تنظر في عينيه أبدًا، ولو عن حُب.
لقد تغيَّرت حُب حياته، أصبحت أقوى من قبل، أفضل، أجمل، وأكثر فتونًا... وأما هي؛ فأشاحت عنه تتنهد، وهمست.
"وأخيرًا اسمع خبر جيّد"
ضحك مِلئ شِدقيه، لكنَّهُ أومئ يتفهَّم ردة فعلها.
"حسنًا؛ لقد أتيتُ لأسعدك بهذهِ الأخبار الجيدة"
أومأت له.
"حسنًا، شُكرًا لك"
نهض جونغداي من جوارِها ونبس.
"لقد حضَّرتُ لكِ مُفاجئة، ستصلك بغضون أشهر، أعتني بها رجاءً، ستُحبّينها"
"سأرمي بها في الشارع"
"لن تستطيعي أن ترميها أبدًا"
نبس بتلك وغادر كما آتى، بهدوء.
لكنه لم ينسى أن ينظر لها حتى آخر رمق؛ رغم أنّها لم تنظر إليه قط، ولم تتحدَّث معه أبدًا.
روزماري لم تأخذ لقائهم هذا بجديّة، وسُرعان ما مسحته من ذِهنِها، أوقفت سيّارة أُجرة من قُربِ نهر الهان، وأخذتها إلى حي القصور أبجونغ، ستخبر السيدة كيم ما يدور في خلدِها، والحل الوحيد الدّائر في ذِهنِها لهذهِ المُشكلة، ووالدته من ستخبر جون بما تُريده روز، هي لا تجرؤ أن تفعل، لا تملك القوّة اللازِمة لتفعل، تعلم أنَّ رد فعله فعله ستكون في غاية الخشونة، وهي لن تستطيع مواجهته.
خرجت من سيّارة الأُجرة وتنهَّدت بِعُمق، ثم حملت نفسها على الدخول، كانت السيّدة كيم في الحديقة تسقي الزهور، ما إن رأتها ألقت خرطوم المياه واقتربت منها.
"اوه روزماري أتت!"
تبسَّمت روز ورحَّبت بالسيّدة في عناق دافئ.
"سأطلب منهم تحضير شيئًا مُنعِش فيما نحنُ هُنا نجلس"
أومأت روز موافقة، ثم سارت بجوار حماتها، وجلسن قريبًا من بركة المياه، أتت عاملة من المطبخ بكأسي عصير، شكرتها روز وبعدما غادرت العاملة، روز تحدَّثت بجديّة.
"أمي في الحقيقة أتيتُ لأطلُب منكِ معروفًا"
"تفضلي ابنتي، قولي ما لديكِ"
لا تنكر روزماري أنَّها تشعر بالإرتباك الشديد حيال رد فعل السيدة، لكنّها فكّرت مليًا في الأمر قبل أن تبوح به، ومهما بَعُد تفكيرها أو إقترب وجدت نفسها تدور في النُّقطة ذاتها؛ هي لا تملك الحق أن تمنع جون من أن يصبح أبًا مهما كانت الفكرة صعبة عليها.
تمسَّكت السيدة كيم بيد روز تُشجعها أن تبوح بما هو عالق في حلقها، الأخيرة إستجمعت شجاعتها وتحدَّثت.
"تعلمين... اليوم كُنّا بالمُستشفى والحمل لم يثبُت مُجددًا"
تنهَّدت السيدة بأسف ثم ربَّتت على يد روز.
"لا بأس، ستنجحي في المرة القادمة"
نفت روز برأسِها وهمست.
"لا، إن الأمر في غاية الصعوبة، مواجهة الفشل في كل مرة لهو أمر عسير علي تقبُّله"
"إذًا ألن تحاولي مُجددًا؟!"
نفت روز برأسها ثم تنهدت بعُمق.
"لا، ما عدتُ أستطيع أن أفعل، لكن ما زلتُ أرى أني لا أملك الحق أن أسلب جون حقَّهُ في الأبوّة"
شهقت الأم بخفّة ونبست.
"لا تقولي رجاءً أنَّكِ تُريدي أن تنفصلي عنه!"
نفت روز برأسها فيما تنظر بحِجرها.
"لا، أنا لا أستطيع أن أعيش بدونه، ولا سيدعني أبتعد عنه ولو أردت"
"ماذا ستفعلي إذًا؟!"
تنهدت روز للمرة الأخيرة قبل أن ترفع وجهها إلى والدتِها في القانون تُخبرها.
"أمي، أنا أتيت لأخبركِ لأنني لا أستطيع قول ذلك بنفسي لجون، أرجوكِ لا تُجادليني بالأمر أو تُحاولي أن تُغيّري رأيي، نعم إنَّهُ قرار صعب علي، لكن الحلول إنقطعت وبقي هذا"
"ما هو؟! أقلقتِني؟!"
..................................
يُتبَع...
الفصل الواحد والثلاثون "ظِلالٌ رماديّة"
الجُزء الخامس "لا تؤلميني بكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
3rd/Apr/2021
...........................
سلاااااااااااام
بارت حزين مأساوي وبائس جديد.
قلت لكم من قبل أنو الرواية شارفت على الإنتهاء لكن الأحداث الي براسي طوَّلت عمر الرواية أكثر، لكن نحنا بالحِقبة الأخيرة من الرواية وهي أطول حِقبة في الرواية.
الفصل القادم بعد 100فوت و كومنت.
1.رأيكم بجون؟
ردة فعله على وفاة والده؟
ردة فعله على فشل العملية؟
2.رأيكم بروز؟
مواساتها لجون فيما يتعلَّق بِوفاة والده؟
ما الحل الذي تخبئه روز؟
ردة فعلها على فشل العملية؟
ماذا تتوقعوا قالت للطبيب كريس فتفاجئ؟
3.رأيكم بسيهون وآيرين؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بطل:
هَيبَتُها|| Her Savage Love
"لا تؤذيني بكِ"
"ظِلالٌ رماديّة"
...
الكاتب سوهو في عُطلة، نعتذر عن كثرةِ تعطُّل تحديثات الكاتب.
............
إنطلق جون بأُختِه آيرين إلى المُستشفى، التي أعلمتهُما أُمهما أنَّ أبيهما نُقِلَ إليها على نحوٍ عاجل، لقد تولّى جون قيادة الطريق بعجلةٍ من جنون، عِدَّة مرّات كاد أن ينخرط في حوادث مُريعة لِسُرعتِه المُفرِطة.
تراكمت الهموم على قلبِه زيادة مؤخرًا، وما عاد قادرًا أن يستوعب كل هذا الوجع والهم، الذي لا ينفك يتراكم في صدرِه ويزداد بلا رادع.
وصل جون إلى المُستشفى؛ إذ كان يركض بين مَمرَّات المُستشفى بعدما قطع مكتب الإستقبال وصولًا لِغُرفةِ العناية المُركَّزة، التي يخضع فيها والده للعلاج.
هرع إلى أُمِه حينما رآها تجلس على كراسي الإستراحة في المَمر الضَّيّق أمام النافذة الزُّجاجيّة، التي تَطِل على غُرفة العناية المُركَّزة، كانت تجلس وحدها أمامها وتبكي، أمسك جون بيديها، ثم عانقها إلى صدرِه بعناية، فأخذت تبكي على كتفه بِوفرة.
لطالما ظنَّ أن بُكاء روزماري أكثر ما يُمكنهُ أن يحرق قلبه، لكنَّهُ الآن إكتشف أن بُكاء أُمه يؤلِم قلبه أكثر من أيّ بُكاء آخر.
هوَّد عليها لتهدأ، وأخذ يمسح على ظهرِها بلُطف.
"أمي رجاءً توقَّفي عن البُكاء، إنَّكِ تؤلمين قلبي حقًا، أبي سيتعافى، سيكون بخير، فقط تشجَّعي!"
وضعت السيدة كيم رأسها على كتف إبنها الوحيد؛ تُحاول التوقف عن البُكاء فيما تتفلَّت من ثغرِها شهقات رُغمًا عنها، فيما جون يُعانِق بذراعه الأُخرى آيرين، التي ما زالت تبكي بحرارة، يضُم المرأتين إلى صدرِه، ويواسيهن فيما هو من يحتاج للمواساة.
فجأة؛ أخذ جهاز نبضات القلب المُثبَّت على صدرِ السيّد كيم يُصفِّر، وخط نبضات القلب إستقام، وما عاد فيه أيُّ تعرُّجات تُذكَر.
نهض جون سريعًا على ساقيه، واقترب إلى النافذة الزُّجاجيّة، وأمه وأخته تبكيان بفزع من جديد، هرع الأطباء إلى داخل الغُرفة لإسعاف السّيد، وحينما كانوا يضربوا صدره بصدمات الكهربائية ضَمَّ جون يديه في قبضتين شديدتين، وأحمرَّت عيناه لإكتظاظ الدموع فيهُما.
لكن حينما رفع الطبيب الغِطاء على وجه السيد كيم؛ يُعلِن وفاته بلا كلمات؛ تلك الدموع، الذي يحجُر عليها، تحررت من أسوار جفونه، وأنسابت بحرارة، وحُريّة، وكثرة على وجنتيه.
أمه وأخته خلفه تصرُخان، لكنَّهُ لم يُحرِّك ساكنًا لتهدئة أيًا منهُما، إنما ينظر إلى والده، الذي سُلبت أنفاسه الأخيرة، هو فقد حياته وهُم فقدوه جميعًا، فقدو عامود هذهِ العائلة، ورَجُلها الأول والأكبر.
خرج الطبيب وفيما يَمُر بجون ربَّتَ على كتفِه يواسيه فيما يعلو ملامحه الأسف، إنقبضت معالم جون، وإختنقَ في دموعه وتلك الغصَّة العالِقة بحلقِه.
تشوَّشَ بصره، وما عاد قادرًا أن يُدرِك ما يحدث حوله، هو فقط إرتمى بجسدِه، الذي شعر به ثقيل للغاية لدرجة تجعله لا يقدِر أن يحمله، على كُرسي الإستراحة الواقع في المَمر أمام غرفة العناية المُركَّزة.
وأثناء ذلك؛ آتى تشانيول مُسرِعًا يُرافقه جاي وكذلك سيهون معهم، سيهون هرع إلى زوجتِه، التي تجلس أرضًا وتبكي بحرارة، بطريقة تُمزِّق فؤاده لدرجةِ أنَّهُ نسى أنَّهُ منها غاضب جدًا وأنَّها جرحتهُ بِشدّة، وضمَّها إلى صدرِه بقوة مُتناسيًّا كل النِّزاعات.
إرتكزت آيرين برأسِها على صدرِ سيهون، وبكت بشدة.
"أنا آسفة، يا لي من إمرأة أنانيّة وبغيظة!
كرهتُ طفلي، وأبي إنقطف قلبه قبل أن تَقِر عينه برؤية حفيد له، لا تدري يا سيهون كم تمنّى أن يُناديه طِفلًا جدي!
أنا آسفة لأنّي لم أتمكن من منحكَ أكثر ما ترغب به يا أبي، أنا آسفة أبي، أنا آسفة حقًا!"
ضمَّها سيهون بقوة إليه فيما بيدِه يمسح على رأسِها ويحاول تهدئتها، فيما هو الآخر يبكي على حميه، الذي كان بِمثابةِ أباه.
ولكنها إرتخت بين يديه أخيرًا بعد نوبة نواح وبُكاء، وكفَّت عن البُكاء فجأة؛ وذلك لأنَّها فقدت الوعي بين يديه، ذلك الألم كان أكبر من أن يتحمَّله قلبها المُرهق.
حملها سيهون على ذراعيه سريعًا هلِعًا، وركض بها يطلب مُساعدة الأطباء فيما يبدو عليه الفزع، أراد جون النهوض والإطمئنان على أخته، لكنه حينما نظر إلى أمه، التي عاد ليضمها بذراعه وجدها مُرتخية على ذراعه، إتسعت عيناه بفزع، وتشانيول أسرع لإستدعاء الطبيب، لقد فقدت هي الأُخرى وعيها.
نُقِلنَ المرأتين إلى غُرفة خاصّة ليرتاحن على أثرِ الصَّدمة المُفزِعة ويتلقينَ العناية الصحيّة اللازِمة.
وأما جون؛ فلقد بان على وجهه التعب الشديد وهو يتنقَّل في أنحاء المُستشفى؛ لإتمام الإجراءات اللّازِمة لأجلِ والده، وسيهون تولّى أمر الإجراءات اللازمة لأجل آيرين ووالدتها.
حَلَّ المساء؛ وجون كان في حديقة المُستشفى يجلس وحده فيما تشانيول وجاي يقفان لمُراقبتِه من بعيد.
"هل تظن أنَّهُ سيكون بخير؟"
تسآل جاي فأومئ له تشانيول واتبع.
"بالتأكيد، طالما عليه أن يستمر في هذهِ الحياة عليه أن يكون بخير، هُناك الكثير من الرؤوس تستند على كتفيه، وعلى كتفيه أن يستقيما ولولا ترهلا لوهلة"
تنهَّد جاي وأومئ، تشانيول مُحِق، الذين يعيشونَ في ظروفِ جون، ويحملون على أعتاقهم مسؤولية حياة أُناس غيرهم، عليهم أن يتحمَّلوا الصِّعاب ويشدّوا أعوادهم، فالحياة تطلَّب منهم أن يكونوا أقوياء على الدوام.
لقد كان جون يجلس على الكُرسي الخشبي بشرودٍ تام، عيناه عالقة على السماء في الأُفق البعيد، لا يقول شيء، ولا يُحرِّك ساكنًا، بل إنَّهُ حتى لا يبكي.
لم يُسبَق له أن إنهار إلى هذا الحد، ولم يشهد له أحد هزيمة أكبر من هذه، أو وجع أوغل.
تنهَّد تشانيول واقترب منه؛ إذ لم يتمكَّت من السكون وأخذ مقعد مُتفرِّج من بعيد لا يؤثِّر بما يحدُث، آتى إليه وجلس بجوارِه، ثم ربَّت على كتفه لمواساتِه،و همس رُغم أنَّ جون لم يُحرِّك ساكنًا لوجوده معه.
"سيُخرِّج سيهون زوجته وأمك من المُستشفى الليلة، وأنتَ عُد الليلة إلى منزلِك، روزماري بالتأكيد قَلِقة بشأنِك الآن وأنت بحاجة إلى الرّاحة، اذهب وارتح لأجلِ مراسم الجنازة لأجلِ والدك"
دون أن يقول شيء أو حتى ينظر إلى تشانيول؛ جون نهض وسار نحو سيّارتِه في مَصف المُستشفى الخارجي.
صعد في سيارته وقادها عودةً إلى المنزل، هذهِ المرة لم يَكُ يقود سيّارتِه بِسُرعة، بل كان يقودها على مهل.
لم يضع حِزام الأمان، وترك النافذة القريبة منه مفتوحة؛ ليتسلَّل الهواء إلى الداخل ويُواسيه بمُداعبة خُصل شعرِه، يتَّكِز بمِرفقِه إلى النافذة وقبضتِه أسفل ذقنه.
وصل إلى المنزل بعدما خاض طريقًا هادئًا وطويل إلى المنزل، ولج الشِّقة، كانت ساكنة جدًا والهدوء يَحُف جنباتِها.
توجَّه إلى غُرفةِ نومِه، فوجد روزماري في الفِراش بإنتظارِه قاعدة، كانت ترتدي ثوب نوم من الحرير أبيض اللون، ويداها مفتوحتان له؛ كي يرتمي بين أحضانها الدافئة، ويتوسَّد صدرها الذي سيضمُّه ضمَّةً حنون.
كانت تبكي، كان ذلك واضحًا من عينيها الحمراوتين ووجنتيها النَّدتين، أبعدت الغطاء لأجلِه، ثم مَدَّت ذراعيها ناحيته مُجددًا تدعوه إلى مأدبة مواساة، فآتى لها يتوسَّل إهتمامها ومواساتها بلا كلام.
وضع رأسه على صدرِها وتنفَّسها بِعُمق، ذراعيها أحاطت ظهره، وأصابعها تنبش في خُصلِ شعره المُبعثرة، ذقنها على رأسِه، وكثيرًا ما تمسَّه شفتاها بقُبل لمواساتِه.
لم تقل أي كلام ولم يفعل هو أيضًا، فقط تركته يبكي على صدرها الدافئ لأجلِه حتى يرتاح قلبه، ولا يتراكم الوجع فيه، وتلك الليلة عيناهُما لم تُغمَض.
في الصَّباح الباكِر؛ إتَّشحت روزماري بثيابٍ سوداء، كذلك جون، ولكنها عندما رافقته إلى الباب، إلتفت لها وقال بنبرةٍ مُتعبة، ولا يبدو عليه أنَّهُ يتحمَّل أيُّ نِقاش أو مفاوضات لِسانيّة.
"إلى أين؟"
لم تُرِد أن تُثقِل عليه بإصرارها، لذا طلبته بنبرةٍ ليّنة تميل إلى التَّوسل، وعزمت لو قال لا ستُطيع، لن تُزيده تعبًا هي أيضًا.
"خُذني معك، لا تتركني وحدي هنا، أنا من عائلتك أيضًا، ومن واجبي أن أحضر لأجلِ عزاء أبيك، وأقف لمواساة أمك وأختك"
تنهَّد وأومئ لها.
"حسنًا، لكن كوني حذرة"
أومأت له روزماري، وخرجت معه إلى الكنيسة، حيثُ ستُشيَّع جُثّة السيد كيم إلى المَقبرة، فور وصولهما بدأت مراسم العزاء ثم مراسم الدَّفن.
حمل جون، وسيهون، ولوكاس كذلك بعض أقاربهم التابوت إلى داخل القبر، وأخذوا يردمونه في التُّراب فيما السيدة كيم وآيرين تبكيان بحرارة، كذلك روزماري.
إقترب السيد جوزيف ومعه السيدة ميلاني -والدي روزماري- لتعزية عائلة جون، كذلك فعل البقية، لكن لوكاس توقف لمُعانقةِ أُختِه لِوهلة.
همس لها قُرب أُذنِها.
"أنتِ بخير؟!"
لم تُحرِّك ساكِنًا؛ فإبتعد عنها بعد وهلة ليطمئن عليها، فأومأت له حينما نظر لها يُهمهِم، حينها تنهد براحة، ورفع يده ليمسح بها على رأسِها بِلُطف.
"سآتي إلى زيارتكِ بعدما ينتهي العزاء، الآن سأقف مع جون وأقوم بواجبي"
لم تقل شيء مُجددًا، وهو لم ينتظر منها أن تقول شيء بل إبتعد عنها يقصد جون في مَسيرِه، لكنَّها تمسَّكت بأطراف أصابعه قبل أن يتجاوزها كُليًّا، ونبست.
"شكرًا لك لوكاس!"
"على الرُّحب!"
إبتسم لها فيما يُربِّت على يدها بلِطف، ثم ذهب إلى جون؛ ليُساعده في أمور العزاء، وإستقبال المُعزّين، وتحضير وليمة العزاء.
...........................
مرَّت ثلاثة أيام من عُسر على العائلة وانقضت أمور العزاء، وفي هذا الصباح الجديد حمل جون باقة من الورود، ووضعها على قبرِ أبيه النَّدي.
إنَّهُ يزوره مُذُّ ثلاثةِ أيام ولا يُفارقه، وقرر أن لا يُفارقه ولو إنجلت سحابة الحُزن وتعوَّد على فُراقِه.
جلس القُرفصاء قُرب القبر، وكمش بيده على حفنة من تُراب قبر أبيه، يؤلمه هذا المنظر كلما مَرَّ به، ما زال لا يُصدِّق أن أباه الآن تحت التُّراب مردوم.
"أبي، كيف حالك اليوم؟!
أتمنّى أنَّكَ بخير.
ما زِلتُ لا أُصدِّق أنّي حقًا فقدتُك، ما زلتُ أذهب إلى المنزل وأنا أنتظر أن أراكَ على أريكتِك تحمل جريدة اليوم، وعلى مِنضدتِك كوب القهوة قد أصبح دافئًا كما تُحِب.
أبي، أنا آسف، لقد خذلتُك... اعذرني، لم أدري أن الموت سيختطفُكَ مني بهذهِ السُّرعة وإلا لحققتُ أُمنيّاتك بوقتٍ أبكر.
لطالما قُلتَ أنَّني ولدك الصالح، أنَّك تعتز بي وتفخر بي، لكنّي أشعر بأنّي مُجرَّد ابنٌ عاق لك.
لأنني ضايقتُكَ حينما عاندتُك، وعاندتُ عُرف العائلة، وتأخَّرت حتى تزوَّجت، الأسوء أنني ما حققتُ أُمنيتُكَ الوحيدة رغم أنَّك حققت كل أُمنياتي.
لم تَقِر عينك بابنٍ لي، سألوم نفسي على الدوام، وسأكره نفسي كثيرًا، لأنني تباطئتُ عن تحقيق أُمنيتُكَ الوحيدة، أنا آسف أبي"
تساقطت دموع جون وفيرة على وجنتيه؛ فبادر في مسحِها سريعًا بنزعةٍ رُجوليّة، ثم تبسَّم واتبع.
"إن ثبُتَ حمل ماري، وأنجبت لي إبنًا ولك حفيدًا؛ أعدُكَ أنني سأجعله يزوركَ كثيرًا!"
أقام جون عوده بعدما تنهَّد بِعُمق ونبس.
"والآن؛ إلى اللقاء أبي، سآتي لزيارتُكَ غدًا!"
عاد جون إلى الشِّقة، لروز اليوم موعد لدى الطبيب كيم مينسوك، للكشف عن نتائج العملية، لقد أبدت روزماري توترًا، ولكن جون بدى مُرتخيًا؛ وكأنَّهُ وصل حدَّه بالأخبار السيئة، وما عاد أي شيء قد يؤثِّر عليه.
وصل جون بروز إلى المُستشفى، وتحديدًا إلى عيادة الطبيب كيم مينسوك، وبينما هُما في قاعةِ الإنتظار؛ روز كانت تقبض على يديها بتوتُّر وتُنزِل رأسها.
نظر لها جون ولَحِظَ كم هي متوتِّرة، فأمسك بيدها، وبذراعه الأخرى أحاط كتفيها يُقرِّبُها له، رفعت نظرها له فابتسم وهمس.
"لا تتوتَّري، مهما كانت النَّتيجة لا تحزني"
أومأت له ثم أسندت رأسها على كتفه وهمست.
"أنتَ حقًّا قوي، بوسِعكَ أن تبتسم لي وتواسيني رغم كثرة الهموم المُتراكِمة على قلبك، أنا حقًّا فخورة بك!"
طبع قُبلة على رأسِها وهمس.
"بعدما ننتهي من هُنا لديكِ موعد عند الطبيب كريس وو"
تذمَّرت برفض، لكنه إكتفى بإبتسامة بسيطة دون أن يجنح عن رأيه.
"السيدة كيم روزماري"
نادت المُمرِّضة، فلقد حان موعد روز وجون عند الطبيب.
دخل كلاهما إلى الطبيب كيم مينسوك، الذي رحَّبَ بهما بوجهه الودود، ثم مُباشرةً أخضع روزماري للفحوصات اللازمة؛ للتأكُّد من ثبات الحمل من عدمِه.
إنتهى الطبيب من فحصها، ثم جلس على مكتبه وأمامه الزوجين.
"للأسف؛ الحمل لم يثبت"
بدى على معالم الطبيب الأسف فيما يرمق الزوجين، روزماري أخفضت رأسها تتنهَّد بِعُمق وجون سُرعان ما أمسك بيدها يواسيها.
كانت تعلم روز أن الأمر لن يتم، كانت تملك ذلك الشعور الذي يخبرها بأنها لن تنجح من أوّلِ مرّة، لطالما لم تَكُ محظوظة، ونصيبها من الحظ صرفته كُلُّه بالحصول على جون.
لكن الآن ليس لأجلِها بل لأجلِ جون؛ رفعت رأسها وابتسمت تتمسَّك بيد جون، إستجمعت نفسها كي لا تنهار، ولا تكون عِبئًا على جون.
"لا بأس، يمكننا أن نحاول مُجددًا، أليس كذلك؟"
سُرعان ما أومئ الطبيب وقال.
"بالطَّبع! سأطلب منهم أن يحجزوا لكِ موعدًا فوريًّا، لا تقلقي!"
أومأت للطبيب بإبتسامة، وجون رفع يدها إلى شفتيه ليطبع قُبلة، ثم همس.
"أحسنتِ؛ أنا فخور بكِ!"
تبسَّمت لجون وربَّتت على يده، نظَّمت لدى الطبيب كيم مينسوك موعد آخر، ثم إنسحب كلاهما إلى عيادة الطبيب كريس وو.
وبينما هُم بالإنتظار، جون تسآل.
"هل أنتِ بخير يا هَيبة؟"
تبسَّمت، مرَّ وقت على هذا اللقب الذي تُحبه.
"الهَيبة مُهيبة وبهيّة دومًا، لا يُمكن لشيء مثل هذا أن يضعفني، سأبقى قويّة دومًا، لقد مررنا بما هو أصعب"
أومئ لها موافقًا وهمس.
"هكذا أُريدك يا سيدتي المهيوبة"
ضحكت بخفّة، ونظرت إليه.
"جون تُذكِّرني بالأيّام الخوالي، حينما كُنت تتبعني في كُلِّ مكان قبل أن تحصل علي"
تبسَّم ثغره ونبس.
"تلك كانت أيام حُلوة أعتزُّ بها"
طبع قُبلة على رأسها ثم تبادلا نظرات حُب، بدى لها قويًّا أقوى مما ظنَّت، كذلك هي بانت في عينيه قويّة أقوى مما ظن.
"السيدة كيم روزماري"
نهضت روزماري تلبية لنداء المُمرِّضة، وولجت إلى غُرفة الطبيب وحدها، وجون بقيَّ للإنتظار بالخارج.
رحَّب بها الطبيب كريس بِوِد كما العادة، ثم أشار لها أن تجلس في المكان المُخصَّص لِمثلِها من المرضى، جلست على المقعد الطويل ذي الظهر المُنحني، ثم آتى الطبيب وجلس قُرب رأسِها فيما يحمل معه ملفِّها المَرضيّ.
"كيف حالكِ اليوم سيدة كيم؟"
"لستُ بخير"
"ولِمَ لستِ بخير؟"
تنهَّدت قبل أن تُجيبه.
"مُذُّ إكتشفت أنّي لا أُنجب حتى هذه اللحظة، والأمور تأخذ مُنحنى مأساويّ في حياتي.
بدءًا من إكتشاف مشكلتي الصحيّة ثم مُشكلات أُخر، التورُّط في جريمة، خسارتي لوظيفتي، وفاة حماي، والآن فشل عملية طفل الأنابيب... أشعرُ بالإرهاق"
"وكيف تتدبَّرين كل هذهِ الأمور وتبقين نفسكِ تحت السيطرة؟"
"أحاول أن أكون قويّة لأجلِ جون، فلقد خسر جون والده، ورغم ذلك؛ ما زال قويًّا كفايّة ليتمسَّك بيدي ويبتسِم لي، يُقدِّم لي العَون"
"هل ستحاولي أن تخضعي للعملية مرّةً أُخرى؟"
"نعم، سأفعل لأجلِ جون"
"وماذا لو فشلت مُجدَّدًا؟"
أفرغت مِلئ صدرِها ثم نبست.
"سأتوقف عن المحاولة بعدها"
"وماذا بشأنِ جون؟"
نظرت للطبيب وأجابته سؤاله، فبدى مُتفاجئًا على آخرِه من هذهِ الإجابة الغير متوقعة منها، إنَّهُ ليس تصرُّفًا تُقدِم عليه إمرأة تُحِب زوجها، أو إنَّه تصرُّف تُقدِّم عليه إمرأة مجنونة بِحُبِ زوجها، وروزماري واحدة من الأثنتين، إما لا تُحِبُّه أو تُحِبُّه بجنون.
"أحقًا ستفعلي ذلك؟!"
أومأت تتنهد ثم إبتسمت إبتسامة بدت بائسة.
"نعم، سأفعل لأجلِ جون"
"هل تُحبّين السيد كيم جون ميون؟"
"أُحبُّه بجنون"
أومئ الطبيب، إذًا مريضته من الصِّنف الثاني، المجنونة بالحُب.
...........................
بعد إنقضاءِ فترةِ العزاء؛ إجتمع جون وزوجته وآيرين وزوجها في بيتِ العائلة، فالأُم تبقَّت لوحدِها وتأبى أن تخرج من المنزل.
وعلى اليافعين أن يعودوا لمُمارسة حياتهم الطبيعيّة بعدما قضو عِدَّة أيام في القصر لأجلِ العزاء، لكن هُناكَ إشكالٌ واقع، وهو الأُم.
كانوا جميعًا مُلتفّينَ على الآرائك في صالةِ الجلوس الفسيحة، وجون بدى جديًّا فيما يحاول إقناع أُمُّه للمرة الألف.
"أمي ما الذي سيُبقيكِ هُنا وحدك؟!
تعالي معي إلى بيتي وعيشي معي، صدّقيني لا ضير في ذلك، أنتِ أمي ولستِ ثِقلًا علي لو كنتِ تظُني ذلك"
تنهَّدت السيّدة التي تتَّشِح بالسَّواد بأستياء فيما تُدلِّك صِدغيها.
"أخبرتُكَ ألف مرة أنَّ هذا هو منزلي، وأنا لن أتركُه لأي سببٍ كان، ثم إنني لستُ وحدي، هُناك طاقم كامل من الخَدم في مُساعدتي، لن أترك منزلي، الذي عشتُ فيه أربعين عامًا، وأُصبح عالة على أحدكم، أنا هكذا مُرتاحة"
سُرعان ما إعترضت روزماري وقد إستاءت من كلام السيّدة.
"لستِ عالة على أحد أمي، أنتِ أُمنا جميعًا ونحنُ سنكون سُعداء لو قبلتِ أن تعيشي معنا، لا يمكن للأُم أن تكون عالة على أطفالِها"
تبسَّمت السيّدة بإمتنان، وربتت على كتفِ روز بيدٍ ليّنة.
"أُقدِّر لكم إهتمامكم بي جميعًا، لكنني ما زِلتُ لن أنتقل، لن أغادر منزلي هذا أبدًا، لن أشعُر بالأرتياح سوى هنا"
ردَّت روز.
"إذًا نحنُ من سننتقل إلى هنا ونعيش معكِ"
سُرعان ما رفضت السيّدة.
"لا، لن أسمح لأحد أن ينتقل عندي... يكفي أن تزوروني كل فترة"
آيرين أخذت تبكي ونبست.
"أمي أنتِ حقًّا عنيدة، ماذا ستفعلين في هذا القصر الواسع وحدكِ؟"
تبسَّمت السيّدة، وفتحت ذراعيها لإبنتها، لتأتيها آيرين وترتمي في كُنفها، راحت السيّدة تُربِّت على إبنتها رُغم أنَّ عينيها تدمع.
"أنا سأكون بخير، سأتفرغ لإجتماعات النساء في الحَي، لقراءة الكتب، ومشاهدة الدراما، وممارسة الرياضة... لدي أشياء كثيرة لأفعلها"
رفعت آيرين نفسها عن والدتها، ثم أمسكت بيد أمها وقالت.
"إذًا معكِ خمسة شهور لتفعلي ما تودّي فعله، ثم أنتِ لن تتفرَّغي لفعلِ شيء"
قبضت الأُم حاجبيها بلا فهم كذلك جون وروز، ثم آيرين؛ لشرح اللبس، إلتفتت لتُمسك بيد سيهون الذي بدى مُتفاجئًا، وأعلمت الجميع.
"أنا حامل"
السيدة إنتحبت في سعادة.
"حقًا؟!"
وتلك الوجوه المُكتئبة لم تبتسِم بصدق وبلا مجاملة مُنذُ فترة، أنهالت على الزوجين التبريكات الحارّة، وإنتشرت السعادة في الجو من جديد.
......
عاد سيهون وآيرين إلى شِقَّتهُما، كذلك جون وروز؛ بما أنَّ السيّدة أصرَّت أن يغادروا جميعًا من عندها، لأنَّ القصر يحتاج إلى إنتفاضة في أعمال التنظيف بعد العزاء على حدِّ تعبيرها.
دخلت آيرين إلى الشِّقة فيما سيهون يقف خارجًا مع جون لأجلِ أمور العمل، بدت متوترة وهي تنتظره أن يأتي، إذ كانت تسير في صالةِ الجلوس بإرتباك؛ ولكنَّها عندما سمعت الباب يُفتَح هربت إلى الداخل، ما زالت لا تملك الشجاعة الكافيّة لمواجهته.
لقد واسها في فترة العزاء، وأعارها كتفه وكُنفه لتبكي كما تشاء على أبيها حتى تهدأ ويخف الألم، لكنَّهما لم يتحدَّثا في سيرةِ الطِّفل أبدًا، حتى أنَّهُ بدى مُتفاجئًا عندما أعلنت لعائلتها عن خبرِ حملِها.
دخلت إلى دورة المياه، إستحمَّت وبدَّلت ثيابها، لكنَّها بينما تمر في المرآة الموضوعة داخل غُرفتِها توقَّفت أمامها، وكشفت عن بطنها، ثم أخذت تتحسَّسَهُ بِبنانِها.
ترى إنتفاخًا واضحًا في بطنِها، لكنَّها حقًا لا تفهم كم هي بلهاء؛ كي لا تضع إحتمال الحمل وارد في رأسها بدلًا من إزدياد الوزن.
فيما تنظر إلى نفسها بالمرآة، وتتحسَّس بطنها براحتها؛ لم تلحظ سيهون حينما وقف مُستندًا على إطار الباب، يعقد ساعديه إلى صدره، وساقيه على بعضهما فيما ينظر إليها بصمت.
لكنَّها حينما لحِظته سترت على بطنِها سريعًا، فرفع حاحبه دون أن ينبس بشيء؛ كما لو أنَّهُ يستنكر سلوكها المُتقلِّب، أتخجل الآن منه وقد وبَّخته بأنَّهُ ليس حمل مسؤولية طفل؟!
لكنَّهُ لا يرغب في خوضِ شِجار معها لأي سببٍ كان في الوقت الرّاهِن؛ مُراعاةً لِشعورِها حيال فقدِها لوالدها؛ لذا غادر بصمت.
قضمت آيرين على شفتيها بتوتر فيما تُفكِّر ما الذي يجب عليها أن تفعله الآن مع زوجها؛ لتُصلِح الأحوال التي تدهورت بسببِها.
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرتهُ بِبُطئ كتحميّة، ثم خرجت من غُرفتهما تبحث عنه، وجدته يقف إلى الشُّرفة المُتَّصِلة بغُرفةِ الجلوس، يستند على سِوار الشُّرفة الرُّخامي وينظُر في الأُفقِ بشرود.
إقتربت منه بخطواتٍ مُتباطئة، وبعدما تعدَّت باب الشُّرفة الزُّجاجي توقَّفت لتنبس بحرج.
"جائع؟ هل أحضر لكَ شيئًا تأكلُه؟"
سيهون منحها إجابة مُختصرة لا تُشفي غليلها، بدى مزاجه حادًا كما لم يَكُ من قبل.
"لا"
إزدادت إرتباكًا، إذ أخذت تقضم شفتيها من جديد وتدعك أصابعها بتوتر.
"أترغب بشُربِ شيء بدلًا من ذلك؟"
"لا"
تنهدت بيأس وكادت أن تبكي حقًا، لكنَّها ما زالت تحاول.
"إذًا، أتود أن تستحِم؟ سأحضِّر لكَ الحِمّام"
إلتفت لها أخيرًا وتنهد قبل أن يتجاوزها ببرود.
"سأتولّى أموري بنفسي"
حسنًا؛ ليس وكأنَّها زوجة نمطيّة تخدم زوجها وتفعل لأجله كل شيء بدلًا عنه، لكنها تحاول أن تُبادِر بالصُّلح، لكنها لا تعلم ماذا تفعل معه.
ذهبت إلى غُرفتهما بعد حين، وجلست على السرير في حالة من التَّوتُّر تنتظِر سيهون أن ينتهي مِمّا يفعله، وليتحدّثا معًا كأي زوجين طبيعين وقعت بينهما مُشكلة ينبغي حلُّها.
مضى الوقت وهي تنتظر حتى أنَّ كتفيها ترهلا وأصابها الوَسن، لكنَّها تيقَّظت وأعتدلت في جلستِها حينما بزغ سيهون من خلفِ الباب كالقمر، بل أجمل وأكثر غواية.
يرتدي روب حِمّامِه الأسود، الذي يكشف صدرِه زيادة، شعره يُقطِّر ماءً، وبيدِه منشفة صغيرة لتجفيف شعره، إزدرئت جوفها وأشاحت عنه حينما تورَّدت وجنتيها خجلًا؛ خيالات إيروتيكيّة أُقيمت في عقلها.
لكنَّها إستجمعت شتاتها وتحمحمت، ثم وقفت لتسحب المنشفة الصغيرة من يده، وقفت على رؤوس أصابعها لتصل إلى قِمّته الشّاهِقة، وإستندت على كتفه بيدها، والأُخرى أخذت تُجفِّف بها شعره، ثم من العدم نبست.
"أنتَ كثيرٌ علي"
نظر لها يتحرّى عن مقصدها فاتبعت بينما هي مشغولة بتجفيف شعره.
"أنا لا أستحقُك"
سحب من يدها منشفته، وسار حتى أدرك المرآة، ليقف أمامها، ويقوم بتجفيف خُصل شعره بنفسه.
"لا أدري إن كنتِ لا تستحقيني، لكنني للأسف أُحبُك وأنتِ متورِّطة معي للأبد سواء علي كنتُ حِملَ مسؤولية عائلة أم لا"
إلتفت إليها وألقى المنشفة على السرير؛ ليزعجها بما أنّها تكره هذا التصرُّف الفوضوي.
"لقد تزوجتُكِ لِأُنجب طفلًا منكِ دون أن يُنعت بالإبن الغير شرعي، لا لأحصل عليكِ، لقد حصلتُ عليكِ من قبل الزواج"
إقترب منها حتى أدركها، ورفع مخائلها إليها بسبّابته أسفل ذقنها، ثم همس لها بنبرة مفعمة بالرجولة.
"أنتِ لي مُذُّ الأزل!"
أفلت ذقنها وتراجع خطوة.
"لا أفهم ما المُفاجئ بالنِّسبةِ لكِ أنَّكِ أصبحتِ حُبلى منّي، لم أجد المُبرِّر المُقنِع الذي يدعوكِ للغضب، لكنني أنا الآن أملك سببًا مُقنِع لأغضب منك"
أخفضت رأسها في أسف أمامه وهو اتبع.
"ولكنني لا أريد أن يسرق الغضب أيامي معك، عندما نشيخ سنتذكَّر أيامنا الحُلوة معًا، وسننسى بشأنِ المرارة التي عِشناها، وأنا أُخطط لبناء الكثير من الذكريات الجميلة بيننا"
إجتذبها من مؤخِّرة عنقها ليطبع على ناصيتها قُبلة، ثم ربَّت على وجنتيها عدة مرات قبل أن ينسحب ويتركها وحدها؛ لتراجع سلوكها للمرة الأخيرة قبل أن تنام الليلة في حُضنه مجددًا.
جلست آيرين بعد خروجه على السرير، ووضعت وجهها بين كفيّها تبكي بلا أن تصدر صوتًا، فقط دموعها تنساب بهدوء.
لا تدري إن كان هكذا يُسامحها أو يلومها أكثر، تدري أنّها أخطأت بحقه خطأً شنيعًا وتستحق منه كل الجفاء دون أي نُتف لين أو حُب مجّانيّة.
غامت السماء وآتى المساء ثم إنجلى وأمسى وقتُ النوم... غاصت آيرين في أحضانِ فراشها الوثير بما أنَّ رجُلها ذا الحُضن الذي تُحبِّذه على خِصامٍ معها -كما تظن-.
أغمضت عيناها تنتظر أن تغرق في النوم، في الأوِنّة الأخيرة؛ أصبحت آيرين تُحب النوم كثيرًا، وسُرعان ما تغرق في أحضانِه الوثيرة، لكنَّه يُجافيها مُذُّ عدة أيام فالحُب لا يحتويها.
أصرَّت أن تحاول أن تنام ولا تصدر أي صوت فيما هي تنتظر سيهون أن يأتي وينام بجوارها دون أن يضمها كما يفعل مؤخّرًا.
وها هو آتى أخيرًا، وتصرَّفت هي كما لو أنَّها نائمة بالفعل، شعرت بذراعه تتسلَّل أسفل جسدِها حتى أدركه، ورفعها لتنام على صدره، ضمَّها بين ذراعيه، ويده أخذت تربت على رأسها بلطف بعدما دثرها بالغطاء بحرص.
تبسَّمت؛ كما هو متوقع... سيهون هو أفضل زوج في العالم، وهكذا كان يسيرًا عليها أن تنام أخيرًا.
......................................
رويدًا رويدًا عادت الحياة إلى طبيعتِها، خضعت روز لعملية التلقيح مرة أخرى، ساندها جون أثناء ذلك، كذلك قدم لها الدعم النفسي الذي تحتاجه الطبيب كريس وو... وها هي الآن تمكث في فترة راحة حتى يثبت الحمل.
وأما جون؛ فدار النشر تضغط عليه كثيرًا، فمُنذ أن تزوج أهمل كتاباتِه كثيرًا، وما عاد نشيطًا كما سابق عهده، وذلك ما يُهدِّد مُستقبله ككاتب ومستقبل دار النشر بأكملها.
جاي وتشانيول يستئنفان العمل على مشروع بحر وسماء، ويخوضان تحديات لأجل الإستثمار، وأما سيهون وآيرين فلقد إكتشفا أن آيرين حُبلى بصبي، وذلك ما أولج السعادة في قلوب الجميع رغم أنَّ سيهون أرادهُ فتاة.
أوريل ما زالت تتردد إلى شقة تشانيول، وفي الواقع؛ الأزواج الثلاثة غالبًا ما يتناولوا وجبةِ العشاء معًا؛ لتمضية الوقت المُسلي.
وأما السيّدة كيم فلقد كان جون وروز يترددان إليها كثيرًا، لكن ليس بعد عملية روز التي تجبرها أن تمكث في الفراش بلا حركة، فأصبحت هي من تتردَّد إلى بيتِ جون وروز غالبًا.
وأما عائلة روز؛ فهُم الآن أفضل بكثير مما كانوا عليه، لوكاس يتردَّد لزيارتِها كثيرًا، أُمها تتصل بها في أغلب الأيام لتطمئن، أصبح والدها أكثر سخاءً؛ إذ أصبح يأتي لديها كلما إشتهى لها شيئًا لتأكله، لكن علاقتها مع أختها وزوجة أخيها ما تزال سطحية وستبقى، هكذا تُفضِّل روز.
كانت روزماري قاعدة داخل فراش السرير تُقلِّب بين قنوات التلفاز الموضوع في غُرفةِ النوم، فيما جون رابض بجانبها ومشغول في عمله على حاسوبه المحمول، وكثيرًا ما ينظر لها فيما يعمل.
ربما يكتب بعض السطور المُميزة عنها، من الجميل أنها تزوجت بكاتب رومانسي يتغنّى بحبها على الدوام دون كلل أو ملل؛ ورغم ذلك يملك جماهير يصفقون له مهما بالغ في الغزل.
"ماذا؟! أتواجه مشكلة في الكتابة؟"
همهم.
"توقفتُ عند نُقطة علي أن أصف بها مشاعر البطلة حيال إكتشافها أن البطل يُلاحقها مُذُّ خمسةِ سنوات، ويعرف عنها الكثير من التفاصيل، التي قد تكون تجهلها هي حتى عن نفسها."
همهمت روز مُطوَّلًا قبل أن تُجيبه.
"لو كانت إمرأة أخرى لخافت من هذا الرَّجُل، فلقد أصبحت خصوصيتها القصوى مكشوفة لشخصٍ ما لا تعرف عنه أي شيء، هو فقط فجأة ظهر أمامها.
إمرأةٌ عاديّة ستتسآل... كيف يعرفني إلى هذا الحد، ويعرف تفاصيل دقيقة عني حتى أنا لم ألحظها بنفسي؟!
أمرٌ مبرك منذ أنني لن أجد إجابتي نمطيّة عادية، إنه حتمًا مهووس!
لكن بطريقة لطيفة، هكذا فكَّرت، لم تخفني فكرة أنَّك تعرف كل شيء عني، أشعرني ذلك بالأمان رغم أنَّه عليه أن يشعرني بعدمه، أحسستُ بنفسي لأولِ مرة محبوبة بحق بلا أي مُجاملات ولا مُتطلبات، فقط حب بريء وصافي بلا مُقابل، من الرائع أن تتلقى الحُب دون أن يكون هناك مُقابل.
أتفهَّم كيف قد ينظرون الناس إلى مثل هذا العاشق، لكنني رأيتهُ بعينٍ مُختلِفة، جعلته ودودًا في عيني وبلا وعي، وجدتني أجتذبه لي بدلًا من أن أدفعه عني... هذا هو شعور البطلة حضرة الكاتب."
تبسَّم جون مِلئ شدقيه، ثم وضع حاسوبه فوق المنضدة جانبًا، قبل أن يجتذب هذه المرأة ذات اللسان الحُلو كالعسل بين ذراعيه، جعلها تتمدَّد بين ذراعيه، وراح يُقبِّل هاتين الشفتين اللتين تقول كلامًا يحبه، يعجبه سماعها كما يعجبه تذوقها.
كاد أن يتجاوز حد القُبل لولا أنها ذكَّرته.
"لا يمكن جون لأجلِ الطفل"
إبتعد عنها قليلًا وأومئ مستذكرًا
"نعم تذكّرت، لقد سلبتني وعيي لوهلة، وكنتُ على وشك أن أغرق في ملذّاتِك سيدتي"
تبسَّمت تقرص وجنته ونبست.
"أنتَ لطيفٌ جدًا، تؤكل!"
وذلك ما جعله يضحك ملئ شدقيه قبل أن يحتضنها بلطف وحذر بين ذراعيه.
"أُحبك روز"
"وأنا أحبك جون!"
اليوم؛ وللمرة الثانية؛ يذهب كلا الزوجان للنظر في ثبات الحمل من عدمه، لكن هذهِ المرّة كلاهما متوتِّر، أزيد من المرة السابقة، وإن ثبت الحمل فسيكونا أسعد زوجين في العالم، لكن كلاهما تعمّد ألا يُحلِّق في صقفِ آماله عاليًا؛ كي لا يكسر الواقع رِقابهم الحالمة.
"السيدة كيم روزماري والسيد كيم جون ميون، تفضلا معي، حان دوركما"
تمسّك كل منهما بيد الآخر قبل أن يلجا معًا إلى غرفة الطبيب كيم مينسوك مُجدَّدًا، الذي رحَّب بهما بمعالمه الودودة كما يفعل دومًا.
"أهلًا بكما، كيف سيطرتكم على أنفسكم؟"
جون شدد على يد روز ونبس.
"عالية وقوية"
أومئ الطبيب مينسوك مُبتسِمًا ونبس.
"يسعدني سماع ذلك... إذًا هيّا إلى الفحص لنرى ما هي النتيجة هذهِ المرّة"
نهضت روزماري مع الطبيب كيم مينسوك، ولآخر لحظة كانت تتمسَّك بيد جون؛ لأنَّها تشعُر بالخوف، لكن جون تبسَّم لها وربَّت على يدها يُشجِّعُها قبل أن تنصرف مع الطبيب.
"كوني قويّة، لا بأس!"
تنهدت ملئ صدرها ثم تمددت على السرير تخضع للفحوصات اللازمة، مضى بعض الوقت وانتهى الطبيب من فحوصاتِه، أتت روزماري، وجلست بجانب جون الذي تمسَّكَ بيديها سريعًا، وتأهَّب كلاهما لسماعِ الأخبار مهما كانت.
آتى الطبيب كيم مينسوك وجلس خلف طاولته، كانت معالمه شحيحة لا تقول عمّا يُخبئه في جُعبته من أخبار، لكنَّهُ إسترسل في الكلام بعد ثوان.
"تعلمان... هناك الكثير من الأزواج الذي لم يُحالفهم الحظ في أول تجربة ولا الثانية ولا حتى العاشرة، لكنَّهم ظلوا يحاولوا، ولم يصبهم اليأس حتى نجحوا"
جون وروز تبادلا النظرات بقلق، ويد جون إشتدَّت على يد روز حينما رأى عيناها تمتلئ بالدموع فيما تسأل الطبيب.
"هل تقصد أن تقول أنَّ التجرُبة فشلت مُجدَّدًا؟!"
تنهد الطبيب ثم أومئ برأسه لهم.
"للأسفِ نعم"
أخفضت روز رأسها حينما إنسابت دموعها على وجنتيها، لكن جون سُرعان ما إجتذبها من يدها لتكون بين ذراعيه، أخذ يُربِّت على كتفها ويواسيها.
"حبيبتي لا بأس، لا تبكي!"
مسح لها دموعها برِفق، ثم نظر إلى الطبيب الذي قال.
"هل أحجز لكم موعدًا مُجدَّدًا؟!"
"لا"
أجابته روزماري سريعًا قبل أن يفعل جون، ثم وقفت تقول له.
"شكرًا لك أيها الطبيب، لقد عملتَ بجِد"
غادرت الغرفة وجون أسرع في لحاقِها، تمسَّك بذراعها حينما أصبحت قُرب باب العيادة الخارجي وجعلها تلتفِت له.
"لن أجبركِ على فعلِ أي شيء، إن ما عُدتِ تُريدي أن تتعالجي فلا بأس، كما تُريدي، لكن لا تهرُبي منّي، لا تذهبي بعيدًا عنّي رجاءً"
أفلتت ذراعها من قبضته ومسحت دموعها قبل أن تتنهَّد.
"لستُ أُفكِّر بهذهِ الطريقة، أنا فقط أحتاج بعض الوقت لأقضيه مع نفسي جون، سأكون بخير، لا تقلق"
خرجت ولم يتبعها إحترامًا لرغبتها، خرجت روز من المُستشفى، وأخذت تسير في شوارع المدينة بشرود حتى وصلت إلى ضِفّة نهرِ الهان.
جلست على إحدى المقاعد الخشبيّة التي تُقابِل النهر، وأخذت تنظر إلى الماء الجاريّة دون أن تنبس بحرف، هكذا بصمت وسكون، هي حتى لا تبكي.
ولِمَ تبكي؟!
ليس عليها أن تبكي، هي لم تضع آمالًا كبيرة على كتفي هذا العلاج، ولو أنها وضعت آمالًا لما فكّرت بجديّة عمّا عليها أن تفعله لو فشلت.
وبينما هي تجلس بهدوء هكذا شعرت بأحدهم يحتل الجَنب الآخر الشاغر من المقعد، إلتفتت تنظر إلى ذلك الشخص، لكنَّها سُرعان ما شهقت وعيناها إتَّسَعت.
"جونغداي! ماذا تفعل هنا؟!"
وضع سبّابته على شفتيه يُشير لها أن تصمُت، ثم عقد ساعديه إلى صدره وبعدما نفث أنفاسه من أعماق صدره نبس.
"سأُغادِر قريبًا ولن تريني مُجدَّدًا أبدًا، لذا أتيتُ لأودعك"
نظر لها وإرتفع شِدقه بإبتسامة ساخرة، فهي تنظر في عينيه كما لم تفعل من قبل، ما كانت تجرؤ أن تنظر في عينيه أبدًا، ولو عن حُب.
لقد تغيَّرت حُب حياته، أصبحت أقوى من قبل، أفضل، أجمل، وأكثر فتونًا... وأما هي؛ فأشاحت عنه تتنهد، وهمست.
"وأخيرًا اسمع خبر جيّد"
ضحك مِلئ شِدقيه، لكنَّهُ أومئ يتفهَّم ردة فعلها.
"حسنًا؛ لقد أتيتُ لأسعدك بهذهِ الأخبار الجيدة"
أومأت له.
"حسنًا، شُكرًا لك"
نهض جونغداي من جوارِها ونبس.
"لقد حضَّرتُ لكِ مُفاجئة، ستصلك بغضون أشهر، أعتني بها رجاءً، ستُحبّينها"
"سأرمي بها في الشارع"
"لن تستطيعي أن ترميها أبدًا"
نبس بتلك وغادر كما آتى، بهدوء.
لكنه لم ينسى أن ينظر لها حتى آخر رمق؛ رغم أنّها لم تنظر إليه قط، ولم تتحدَّث معه أبدًا.
روزماري لم تأخذ لقائهم هذا بجديّة، وسُرعان ما مسحته من ذِهنِها، أوقفت سيّارة أُجرة من قُربِ نهر الهان، وأخذتها إلى حي القصور أبجونغ، ستخبر السيدة كيم ما يدور في خلدِها، والحل الوحيد الدّائر في ذِهنِها لهذهِ المُشكلة، ووالدته من ستخبر جون بما تُريده روز، هي لا تجرؤ أن تفعل، لا تملك القوّة اللازِمة لتفعل، تعلم أنَّ رد فعله فعله ستكون في غاية الخشونة، وهي لن تستطيع مواجهته.
خرجت من سيّارة الأُجرة وتنهَّدت بِعُمق، ثم حملت نفسها على الدخول، كانت السيّدة كيم في الحديقة تسقي الزهور، ما إن رأتها ألقت خرطوم المياه واقتربت منها.
"اوه روزماري أتت!"
تبسَّمت روز ورحَّبت بالسيّدة في عناق دافئ.
"سأطلب منهم تحضير شيئًا مُنعِش فيما نحنُ هُنا نجلس"
أومأت روز موافقة، ثم سارت بجوار حماتها، وجلسن قريبًا من بركة المياه، أتت عاملة من المطبخ بكأسي عصير، شكرتها روز وبعدما غادرت العاملة، روز تحدَّثت بجديّة.
"أمي في الحقيقة أتيتُ لأطلُب منكِ معروفًا"
"تفضلي ابنتي، قولي ما لديكِ"
لا تنكر روزماري أنَّها تشعر بالإرتباك الشديد حيال رد فعل السيدة، لكنّها فكّرت مليًا في الأمر قبل أن تبوح به، ومهما بَعُد تفكيرها أو إقترب وجدت نفسها تدور في النُّقطة ذاتها؛ هي لا تملك الحق أن تمنع جون من أن يصبح أبًا مهما كانت الفكرة صعبة عليها.
تمسَّكت السيدة كيم بيد روز تُشجعها أن تبوح بما هو عالق في حلقها، الأخيرة إستجمعت شجاعتها وتحدَّثت.
"تعلمين... اليوم كُنّا بالمُستشفى والحمل لم يثبُت مُجددًا"
تنهَّدت السيدة بأسف ثم ربَّتت على يد روز.
"لا بأس، ستنجحي في المرة القادمة"
نفت روز برأسِها وهمست.
"لا، إن الأمر في غاية الصعوبة، مواجهة الفشل في كل مرة لهو أمر عسير علي تقبُّله"
"إذًا ألن تحاولي مُجددًا؟!"
نفت روز برأسها ثم تنهدت بعُمق.
"لا، ما عدتُ أستطيع أن أفعل، لكن ما زلتُ أرى أني لا أملك الحق أن أسلب جون حقَّهُ في الأبوّة"
شهقت الأم بخفّة ونبست.
"لا تقولي رجاءً أنَّكِ تُريدي أن تنفصلي عنه!"
نفت روز برأسها فيما تنظر بحِجرها.
"لا، أنا لا أستطيع أن أعيش بدونه، ولا سيدعني أبتعد عنه ولو أردت"
"ماذا ستفعلي إذًا؟!"
تنهدت روز للمرة الأخيرة قبل أن ترفع وجهها إلى والدتِها في القانون تُخبرها.
"أمي، أنا أتيت لأخبركِ لأنني لا أستطيع قول ذلك بنفسي لجون، أرجوكِ لا تُجادليني بالأمر أو تُحاولي أن تُغيّري رأيي، نعم إنَّهُ قرار صعب علي، لكن الحلول إنقطعت وبقي هذا"
"ما هو؟! أقلقتِني؟!"
..................................
يُتبَع...
الفصل الواحد والثلاثون "ظِلالٌ رماديّة"
الجُزء الخامس "لا تؤلميني بكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
3rd/Apr/2021
...........................
سلاااااااااااام
بارت حزين مأساوي وبائس جديد.
قلت لكم من قبل أنو الرواية شارفت على الإنتهاء لكن الأحداث الي براسي طوَّلت عمر الرواية أكثر، لكن نحنا بالحِقبة الأخيرة من الرواية وهي أطول حِقبة في الرواية.
الفصل القادم بعد 100فوت و كومنت.
1.رأيكم بجون؟
ردة فعله على وفاة والده؟
ردة فعله على فشل العملية؟
2.رأيكم بروز؟
مواساتها لجون فيما يتعلَّق بِوفاة والده؟
ما الحل الذي تخبئه روز؟
ردة فعلها على فشل العملية؟
ماذا تتوقعوا قالت للطبيب كريس فتفاجئ؟
3.رأيكم بسيهون وآيرين؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі