CH5|| أزرق سماويّ
" نيران أنتِ، ولستِ نار واحدة، فحاشى لكِ ألا تكوني حارّة كالنيران، مُهيبة مثلها...
سيدتي أنتِ؛ منكِ تنضخ حرارة، تحرقني كُلّي، حرارة من حُب، كشعور لا يمكنني شرحه.
لكِ ألسنة من لهب، تتطاير من كل موضع فِتنة فيكِ...
من عينيكِ السماويتين، وشعركِ الأدهم...
من أديمكِ البيض، ومن طلائعكِ الجبليّة...
لكِ على قلبي سُلطان، فأنتِ مولاتي، وأنا لكِ، وباسم حُبكِ تابع...
تُرهقني هذه المشاعر يا سُلطانتي، تُرهقيني أنتِ، يُرهقني هذا الحب الذي أُبتليتُ به...
حتى أنا مُرهق من نفسي التي تموت في حبك، لكنني ما زلتُ أريدكِ، أريدكِ كل يوم أكثر من كل يوم يسلفه...
إلى عذراء القلب؛
الكاتب سوهو"
تنهدت روزماري بعدما قرأت كلماته المُفعمة بالأحاسيس، ووضعت لوحها الإلكتروني على سطح الطاولة في مقرّ عملها.
شابكت أصابعها إلى معدتها، وراحت تنظر في إنعكاسها على المرآة، أيُعقل أن هناك رجل يحب إلى هذا الحد من الإرهاق؟!
لا يمكنها أن تصدق أن هناك رجل يعذبه هكذا حب ويتغنى به، فالرجال أنانيون.
تنهدت، وعادت برأسها تستند على ظهر الكرسي فيما فريق العمل يتجهز لأجل تصوير الحلقة.
إستذكرت الماضي بلمحات...
قبل أعوام كثيرة؛ كانت روزماري أُنثى مريرة، إمرأة هشّة، عودها ضعيف، يسهُل كسره.
كانت لا تُقاوِم، لا تُجابِه، لا تنتفض، فقط تصبر وتتحمل كل شيء وأي شيء يصيبها ويؤذيها، فهي لا يمكن أن تعود إلى بيت أهلها مُطلقة، وتذوق فوق الهوان الذي تعيشه مهانة أكبر.
كانت تفكر بأنها لو تحملت جونغ داي، وهو شخص واحد، أفضل من تتحمل أفراد عائلتها كلهم، وهم أشخاصٌ كُثر.
تزوجت باكرًا؛ لتتخلص من الذين يُحسَبون عليها عائلة، من مكانهم الخانق، من ألسنتهم الحادة، قبضاتهم الصلدة، وأفواهم الشَّرِهة للمال.
جونغداي كان يُسكّنها في قصر مُصغَّر، تتنعم بالمال كيفما شائت، ثيابها، عطورها، زينتها، وكل إحتيجاتها، كُلها كانت من أفخر العلامات التجارية العالمية.
كان يُحبها علنًا وسرًا، يعاملها برقّة أمام الناس ويتباهى بها.
لكن علّته الوحيدة أنه يشك كثيرًا ويغضب سريعًا، كان مجنونًا بها، وما وعى أنه يؤذيها بحبه إلا عندما وصلت له دعوة الطلاق من المحكمة.
لم يكن بوسعها أن تتحمل كل نوبة غيرة يمر بها، وحدها من تتحمل التبعات التي قد تصل إلى الحبس والضرب المُبرح.
كان مجنونًا بحبها، وحُسنها الفاتن شكّل بينهما فجوة تتسع كل محاسن علاقتهما، وتدفنها تحت أنقاض كل ذكرى سيئة مررتها له.
في البداية؛ أسكتتها حاجتها إليه، وصبّرتها فكرة أنها تمر بأيام جيدة معه بين كل عقبة تعرقل علاقتهما وأخرى، بينما لو عادت إلى حياتها السابقة لن يمر عليها يوم توصفه بالجيد.
لكنه بعد الطلاق تحول إلى وحش يلاحقها دومًا، يُعرقِل طريق نجاحها في كل خطوة تخطوها نحو نجاحها.
أراد لها أسوء مصير لأنها إنفصلت عنه، وحاول بشتّى الطرق إرجاعها له، وكلما فشل فكك عزمها وإرادتها بمؤامراته ضدها، فهو ذا أيدي طويلة وكلام مسموع.
لولا تشانيول؛ الذي كان يسند ظهرها كلما مال؛ لما إستطاعت إطلاقًا الثبات والسير، كان يحملها على ظهره ويسير في طريقها عنها لو إستلزم الأمر، لم يسمح لها ولو لثانية أن تنهزم وتيأس.
ما كان ليتركها تسقط وهي تريد النهوض.
الأمس واجهت رجلًا لا تعرفه منه، لم تتخيل يومًا أنه بهذا الشر وإلى هذه الدرجة من الحقد.
تتذكر جيدًا أنه بعدما وعدها بأنها إلى قفصه راجعة ضحكت من ثقته هازئة، نَفَر هرمون السخرية حتى إنتشر فيها.
لا تنسى ملامح الصدمة التي إعتلت وجهه حينما كمشت على تلابيب قميصه الأبيض واجتذبته إليها ثم أصبحت ملامحها حادّة.
لأنها روزماري جديدة، هو لا يعرفها، روزماري هذه تمقته، لم تتزوجه، ولن يقدر على تطويعها كما في أحلامه.
" دعني أخبركَ بأمر صغير، لديّ فيديو تعترف فيه العاملة أنك قدمت لها الرشوى؛ لتضع الكاميرات في الشقّتين بحُريّة"
نظر ناحية شفتيها وهمس مُبتسمًا.
" لا يمكن لهذا أن يكون دليلًا كافيًا أمام المحكمة ليُدينني سيدة كيم"
تبسّمت.
" لستُ ألجئ للقانون سيد كيم، بل سألجئ للشارع والصحافة، سأصيبكَ بفضيحة لن تتعافى منها بسهولة إطلاقًا"
دفعت به عنها من صدره، ثم أخرجت له هاتفها تبتسم وقالت.
" لقد سجلتُ إعترافك منذ قليل أيضًا"
إلتفتت عنه، وخرجت تسير بهيبة وهيمنة، أما جونغداي فضرب سطح مكتبه بقبضتيه وصاح غاضبًا.
" واللعنة!"
هذه نتيجة العبث معها، اليوم تنوي فضحه، ولن ينجو إطلاقًا من الأحبال التي ستلفّها حول رقبته.
ستخنقه، ستنتقم منه...
ليس لأنه شوَّه صورتها أمام الناس بمثل هذه الطريقة الرخيصة وحسب، بل لأنها فرصتها الأولى لتسقطه، وهي لن توفرها إطلاقًا.
للإنتقام نشوّة شديدة الحلاوة، تود لو تجربها وتحس بها...
دخلت إحدى العاملات إليها تخرجها من تفكيرها العميق.
" سيدة روزماري، أن كنتِ جاهزة فهيّا تعالي، تكاد الحلقة أن تبدأ"
...
جلست روزماري بمتانة أمام كاميرات التصوير التي تلتقطها من كل زاوية ممكنة، كانت على طبيعتها وكأنها لم تَخُض نِزال الفضائح هذا، في إتزانها المُعتاد وبلمسة من الغرور الذي يَدُب ملامحها، ويرفع كتفيها فخرًا قدّمت الحلقة.
" واحد... إثنان... ثلاثة... أدِر الكاميرا"
مال ثغرها بإبتسامة شغوفة، فاليوم تسير أول الدرب في طريق رد حقها، لتُعلم الطاغية كيف يكون الطُغيان الحقيقيّ.
" مسائكنّ قوّة سيداتي؛ اليوم دعوني ألا أتحدث عن أحد، بل عن نفسي"
ملأت صدرها بجرعة هواء تُعيل الكلمات الثقيلة التي ستنطق بها الآن، وشابكت أصابعها إلى فخذها الذي يعلو الآخر، ثم اتبعت.
" المرء يبني نفسه من رُكامه، وما تكون هذه المتانة التي أمامكم إلا تجميعًا متين وسميك لرُكاميَّ السابق... كما تعلمنّ؛ جميعنا نمر بخيبات أمل"
مال نظرها إلى زاوية سُفلى نحو الأرض، لكنها لم تُطل، لربما مرارة الخيّبة جعلت رأسها ينحني لمقدار يقل عن الثانية، لكنها رفعت نِصاب كبريائها وشموخها، ورمقت الكاميرا وكأنها تنظر في عيون الناس الذين يرونها عبرها.
" نالتني الأقاويل والشائعات في الماضي كثيرًا، ونالني من القول أنني أبعث لكنّ رسالة لتلتزمنّ بها وأنا لا أفعل... الأمر ليس هكذا"
والآن ظهرت إبتسامتها المُبهمة، إبتسامة تُثير الريّبة، فلم تكن كل هذه المُقدمات إلا تحضيرًا للوجبة الدسمة في عرض هذا الكلام.
" كيم جونغ داي؛ مدير عام في إحدى محطات البثّ المُنافسة لنا، وأنعى لكنّ خبر أنه طليقي؛ هو من فعل هذه البلبلة التي لا أصل لها من الصِحّة؛ كي يهزّ كياني أمامكنّ، ويربطني في مكاني عن المُضي قُدمًا"
لم تتفق مُسبقًا مع زملائها الإداريين والمسؤولين عن المحتوى أنها ستتلفظ باسم، هي فقط قالت أنها ستبرئ اسمها أمام جمهورها دون أن تضر أحد.
المخرج خلف الكاميرات أشار لها أن تتوقف إلى هذا الحد، وتشانيول وقف هو الأخر متأزمًا، فالأمور ستزداد سوءًا الآن، لكنها روزماري، إمرأة عنيدة ولا تهمها النتائج بما أنها تفعل الصواب وتقول الحقيقة.
" كيم جونغداي مُتهم بتركيب كاميرات مراقبة في منزلي، ومنزل مدير أعمالي وصديقي، الأمر برمّته أنه إلتقط لنا صورًا في شققنا، ثم لفّق مشهدًا حميميًا، وأذاعه لكنّ عبر الصُحف الصفراء"
مالت بجذعها إلى الأمام واستفسرت بإبتسامة بهيّة.
" والآن سيداتي؛ ألا حق لنا أن نكون حذرات من الرجال؟!"
عادت بظهرها إلى الأريكة واتبعت.
" والآن؛ سنلج في موضوع آخر بعد الفاصل"
" cut"
زالت الإبتسامة عن شفتيها، وأتتها المسؤولة عن زينتها وشعرها لبعض التعديلات، أثناء ذلك آتى المخرج يتبعه عدد من جماعته، يخلفهم تشانيول يدعك صدغيه ويتنهد ببؤس.
" ما الذي فعلتِه الآن؟ أتدركي حجم المشكلة التي نحن بها بسببك؟ ما فائدة المال الذي تَدرّينه علينا لو أُغلقت المحطة بتُهمة التشهير"
هزئت ترمق المخرج والمنتج ومسؤولي المحتوى بضحكة، ثم أرخت نفسها على أريكتها وقالت.
" بمكاسب حلقة واحدة تستطيعون دفع تعويض، هذه ليست القضيّة"
بإنفعال قال أحدهم.
" إن لم تكن هذه هي القضيّة، ما هي القضية إذن؟!"
رمقت المنفعل لعدة ثوان قبل أن تنبس بشيء، ثم حفظًا على أعصابها؛ أغلقت عيناها واستندت برأسها على الأريكة.
" تحدث معي بإحترام، المرة القادمة سأمنحك ركلة تشل قدميك"
تناظر الرجل مع زملائه منزعجًا مما قالت، ثم روزماري نهضت عن أريكتها، وتنهدت فيما تعقد ساعديها إلى صدرها.
" القضية هي إستمرار البرنامج، ألم تفكروا بماذا سيحدث لو لم أتكلم بالحقيقة؟"
تطلّع جميعهم بجهل، حينها تنهدت تومئ ونهضت تسير بينهم مُجيبة.
" البرنامج سينتهي ببساطة، فالناس لن تُتابع برنامج هادف كهذا لو ما أنا بذاتي سرت على نهجه، لا يمكن"
إلتفتت إليهم ترمقهم جميعًا وقالت.
" أتفهمون الآن؟!"
أومئ البعض والبعض عاد إلى موقعه، حينها تنهدت ثم عادت إلى موقعها هي أيضًا.
.............
يلوح في قلبي ألم، أشعر بصدري ينقبض وكأن أصابع غليظة تكمشه، ورأسي ثقيل لكثرة ما يحمل من أفكار، وكأن للأفكار وزن.
ما فعلته روزماري اليوم جعلني أفكر في المستقبل مليًّا، شعرتُ بالخوف من القادم؛ منذ أن فرصتي معها ليست صعبة كما ظننت، بل مستحيلة.
فهي لأجل برنامجها التلفزيوني تستطيع فعل أي شيء، كأن لا تتزوج أبدًا.
هي تعدم أملي، لا تثبطه فحسب...
كُنّا معًا؛ ثالثنا السائق، تجلس هي بوقار خلفي وأنا أجاور السائق، كان الطريق صامتًا وطويلًا إلى منازلنا.
لوهلة شعرتُ بالغُربة؛ هل أبني أنا قصرًا من الأحلام في الهواء؟!
الواقع صفعني صفعة ألجمتني، لا يمكنها أن تعيش وحدها ويأتي اليوم الذي تستغني فيه عني، حينئذ؛ ماذا علي أن أفعل أنا؟!
كيف سأعيش بدونها وقد إعتدتُ أن أعيش فيها؟!
أشعر بالوهن يدُب بأطرافي وجسدي خاوٍ، تجاوز ألمي المرحلة النفسية ووصل إلى جسدي حرفيًا، أكاد أن أنهار.
ما إن وصلنا تفرّقنا، كُل منّا إلى شِقته، لم يسعني أن أتحدث معها، وأنا على هذا الحال من الوهن والضعف.
ولجتُ شقّتي، أخذتُ حمامًا، ثم وقفت في الشُرفة، والهواء البارد يلفحني ويبّرد أوصالي، لا بأس لو مرضت، ستكون حُجة جيدة لتعتني بي.
بعد أن ظفر مني التعب لكثرة الوقوف والتفكير بشأنها، خرجتُ انتعل خُفّي عاطفة إليها، عاطفة متكدمة لكثرة ما أصابتها بضرباتها اللامبالية.
لا تشعر بي رغم أنني إعترفتُ لها بمشاعري بدلًا من المرّة ألف.
ضغطتُ الجرس، وطرقت الباب عدة مرات لكنها لم تجيبني، تنهدتُ أفكر فيما يمنعها عن إجابتي، ربما تستحم، وربما تكون قد نامت بالفعل، أو تسمع الموسيقى، شيء من عادتها هذه.
.....
بعد إن أخذت روزماري حمامًا دافئًا في شِقتها لاحظت أن بعض مستحضرات العناية بالبشرة التي تخصها ليست ضمن أماكنها المُعتادة عندها، فتذكرت أنها تركتها عند جارها المهووس.
نظرت إلى الساعة، فإن كان الوقت قد نال منها وتأخر ستشعر بالتردد لطرق بابه، لكن الوقت ما زال في التاسعة؛ لذا خرجت تضع على جسدها فُستان خفيف باللون الورديّ.
طرقت بابه مرتين ثم تريثت لأن يرد، وما إن نظر عبر العدسة فتح الباب فورًا لأجلها.
بدى فوضويًا بعض الشيء، إذ أنه يستر جسده ببنطال أسود وقميص أبيض مفتوحة أزراره للمنتصف، كما أن شعره الذي وجب عليه أن يكون مرفوعًا بأناقة كما تراه عادة كان قد أفسده بشكل فوضوي.
أظهرت بسمة خفيفة لِقاء مظهره المُضحك، فيما هو يعتذر عن الفوضى في شكله مبررًا بينما يرتب نفسه.
" هذه آثار الكتا..."
استدرك ما كان سيقوله ثم سرعان ما بدّل أقواله.
" كتابة تقارير العمل المُنهِكة"
ضحك بسُخف بعدها لكثرة ما هو مُحرَج ولا يدري لأي سبب، حينها ظهرت بسمة خفيفة على شفتيها، فلقد وجدته لطيفًا بعض الشيء.
أما هو فسكن يتمعن بحركة شفتيها التي إرتفعت بخفّة، لكنه من جوفه يرقص بصخب، كالمجنون.
" أتيتُ لآخذ أغراضي التي تركتها لديك"
أشار لها بالدخول وابتعد عن الباب قائلًا.
" بالطبع سيدتي، تفضلي"
ولجت إلى قعر داره، وجلست على الأريكة الدهماء المُعتادة فيما هو يقف قال.
" دعيني أعد لكِ شيئًا تشربينه قبل أن تذهبي"
أومأت، ثم هو غادر بإبتسامة.
وبينما روزماري تنتظره قررت أن تنظر في أنحاء الشِقّة القريبة؛ لتضييع الوقت ليس إلا.
كانت تسير في الصالة وأنحائها، هي فقط لم ترى في هذه الشقة سوى غرفتين، ليس لأي سبب يثير الفضول، فقط لم تتوفر لها الفرصة لتفعل.
أمسكت بمقبض إحدى البابين وأدارته، ما كان خلف الباب أثار إستغرابها كثيرًا.
لا شيء، ولا حتى قطعة أثاث واحدة، لكن صناديق مختلفة الأحجام متماثلة اللون والشكل؛ تملئ الغرفة من السقف إلى الأرضية، جميعها باللون ذاته، الأزرق السماوي.
ولجت إلى الغرفة ونظرت في إحدى الصناديق الذي تُرِك فُرادى دون جماعة من الصناديق الذي من المفروض تصطف عليه.
لم تكن لتطفل على ما بداخله، فقط إنحنت وجلست على قدميها لتنظر إلى شكله الخارجيّ، ورأت عليه بطاقة صغيرة مكتوب عليها.
" إلى زهرتي العذراء"
روزماري قبضت حاجبيها، اللقب مألوف، مألوف جدًا، لدرجة أنها تشعر به قد تردد في سمعها كثيرًا ومنذ مدة قريبة جدًا، حتى شكل الصندوق ليس بغريب عليها.
شعرت بصاحب للشقة يقتحم الباب فجأة، فوقفت وإلتفتت إليه لتجده يحك عنقه بتوتر واضطراب شديد، مفضوحة مشاعره على وجهه.
" سيدتي، ماذا تفعلين هنا؟!"
نفت برأسها وخرجت تقول.
" لا شيء، فقط انظر، أعتذر على تطفلي على خصوصياتك"
سُرعان ما نفى بيديه وابتسم.
" لا يا هيّبة، لا تعتذري"
ثم أشار لها إلى الآرائك وقال.
" تفضلي، حضرتُ لكِ شيئًا تشربينه"
جلست حيث أشار ثم قدم لها كوبًا دافئًا يقول.
" حليب بالشوكولاتة والبُندق!!"
تبسّم جونميون بينما يده معلقة تحمل الكوب إليها، وضع الكوب أمامها، وهي ما زالت فاغرة الشفاه لا تصدق ما تراه.
" لم أفصح يومًا أنني أحب هذا الشراب، كيف تعرف؟!"
أشار لها أن تشرب من كأسها وقال.
" ستتفاجئين من مقدار معرفتي بكِ، أنا لستُ مُعجبًا عاديًا لكِ؟!"
" مهووس؟"
ضحك وأومئ.
" يمكنكِ قول ذلك"
أرادت سؤاله عن الصناديق، من أين يأتي بها؟ ولِمَ يجمعها؟!
لكنها كي لا تحرجه؛ كبحت رغبتها في المعرفة وإلتزمت الصمت بينما تشرب كأس الحليب الخاص بها.
وفيما هي تفكر بأمر الصناديق تطرق جونميون لموضوع الحلقة.
" كنتِ رائعة اليوم، لا يسعكِ رؤية كم أنا فخور في اللحظة التي فضحتِ بها مؤامرة الرجل ذاك؟"
تيسمت هازئة وتمتمت.
" أنت الوحيد الذي إمتدح تصرفي، جميعهم إنتقدوني"
لم يكن ما قالته واضحًا لمسامعه فعقد حاجبيه وتسآل.
" ماذا قلتِ؟!"
وضعت الكوب على الطاولة ما إن فرغ وقالت.
" ولِمَ تكون فخور بفعل بدر مني أنا؟! لستُ أخصّك كما أعلم"
تبسّم مستهجنًا، وقال بشيء من اللوم رغم أن نبرته كانت في غاية الهدوء والحنان.
" سيدتي المهيوبة! وكيف أنتِ لا تخصيني؟! أنا معجب بكِ وأنتِ شريكة حربي، فكيف لا تخصيني؟!"
قبضت حاجبيها ودنت بعينيها منه.
" شريكة حربك؟ ألستُ عدوتك في هذه الحرب التي أقمتها؟!"
أومئ.
" لكنها حرب مختلفة، لا أفوز بها إن خسرتِها"
برمت شفتيها ثم وقفت تقول.
" أنت رجل مجنون وأنا لا يسعني فهم ألغازك، اذهب واحضر لي مُرطباتي، عليّ أن أُدلل بشرتي قبل أن أنام"
ضحك بخفة ثم أومئ قائلًا.
" رغم أنني سأكون مسرورًا أكثر لو أطلتِ ضيافتكِ عندي، لكن لا بأس، سأحضرها حالًا"
ذهب وعاد في غضون ثوانٍ، ثم سلمّها الحقيبة التي تحمل بها كل أشيائها المشابهة قائلًا.
" ها هي"
تناولتها منه ثم سبقته إلى الباب.
" شكرًا لك"
وما إن فتح الباب حتى قابلت تشانيول يقف أمام الباب بعينين دمويّة ونظرات حادة، عقدت روزماري حاجبيها وتسآلت.
" ما الذي تفعله هنا هكذا؟!"
لم يجبها، فقط أمسك بذراعها وأبعدها عن طريقه، فالحوار الآن حوار رجال مع بعضهم، حوار القبضة.
لم يفهم جون لِمَ، ولكن لكمة قوية سقطت على عِظام وجنته جعلته يرتد بلا إتزان عدة خطوات للوراء.
" تشانيول! ما الذي دهاك؟!"
صاحت روزماري به، لكنه لم يأبه بل تقدم إلى جون الذي أخذ يلوك فكيّه ليتأكد من سلامتهما، ثم بينما يرمق الرجل الآخر بغضب مسح دماء شفتيه وقال.
" لِمَ همجيّ مثلك يقتحم بيتي ويجرؤ أن تتطاول قبضته على وجهي؟"
أشار تشانيول بسبابته إليه بينما يتقدم منه.
" لأنك مجرد رجل حقير وإنتهازيّ"
قبض على تلابيب قميص جون، وجعله يتأرجح بين قبضتيه فيما يفر الغضب من بين شفتيه.
" كنتُ أعلم أنكَ مهووس وشيئًا ما مخبول، لكنني لن أسمح لك أن تلهو مع النجوم ومعها على حد تعبيرك
سأحرص دائمًا أن تحترق بأشعة شمسي قبل المغيب، ولن أوفر لك الفرصة لإستباحة وقتها لك، ولا حتى دقيقة واحدة!"
قبض جون بصف أسنانه على شفّته السُفلى غاضبًا، ثم دفع بتشانيول عنه قائلًا.
" ومن تكون أنت لتتدخل؟ هي إمرأة حُرّة بتصريف وقتها مع من تشاء وكيفما تشاء، لا يربطها بك ما يمنعني عنها أو يبيح لك أن تمنعني عنها، لذا إلزم حدودك أنت أيها المتطفل!"
وهنا ثارت قبضة تشانيول ضد لسان جونميون، الذي يؤلم أكثر من قبضة تشانيول الثقيلة، وإبتدأ بينهما شجار قبضة، كثيرًا ما خسر بمواقف جونميون، لكنه لم يستسلم لأن نظيره ضخم الجسد وعظيم الجُثة عكسه.
تناورا في القتال، وروزماري تحاول فك الشجار دون أن تقترب وتتأذى.
" أنت وهو! يكفي! لا تؤذيا بعضكما!
تشانيول يا أخرق!
جونميون أيها المعتوه!"
ثم صرخت بأعلى صوتها.
" توقفا!"
تعلّقت قبضة تشانيول في الهواء قبل أن تصيب جونميون أسفله فيما يتنفس كلاهما بجهد ويتصببان عرقًا ودمًا.
إقترب ودفعت تشانيول من كتفيه عن جونميون غاضبة ترمق كلاهما، ثم نبست تلومهما.
" ظننتُ أنكما مختلفان، ولكن للأسف أنتما همجيان كبقية الرجال، أكرهكما بحق، ولا أريد أن أرى وجه أحد منكما إطلاقًا بعد اليوم!"
حملت حقيبتها وخرجت بخطوات متسارعة، رمق جونميون تشانيول بغضب بينما يمسح شفتيه وقال.
" يا رأس البطيخة! هدمت كل ما بنيته بلحظة!"
رفع تشانيول سبابته محذرًا وقال.
" لا تحاول أن تبني معها شيء، دومًا ما ستجدني أهدم كل حجر بنيته للوصول إليها"
خرج تشانيول من شقة جونميون، وتوجّه إلى شقتها، أخذ يطرق الباب بعنف وصلابة حتى تفتح له مهما كانت رافضة.
فتحت الباب بقوة وقالت.
" لا تجعلني أن أطلب من الشرطة أن يستضيفوك لديهم عدة أيام أيها الهمجي!"
أبعدها عن طريقة ممسكًا بكتفيها برقة، ثم دخل وأغلق الباب قائلًا.
" سنتحدث ثم أغادر"
تنهدت تسير خلفه، تعلم أنه حينما يكون على هذا القدر من الغضب فإن الكلام لا ينفع، لذا رضخت لرغبته في الإستماع له.
إلتفت حينما أصبح في صالة الجلوس وقال.
" هل حقًا ما قلتِه في الأستديو؟"
عقدت حاجبيها فيما تقاطع ذراعيها إلى صدرها.
" ماذا قُلت؟"
تنهد واقترب منها لينظر في عيناها البحريتين، ليرى إلى أي درجة هي غائصة في أفكارها المغلوطة ليس عن الرجال فحسب، وإنما عن الحياة بأكملها.
" أنكِ لن ترتبطي أبدًا لأجل البرنامج"
تنهدت وتجاوزته، ثم جلست على أريكتها تقول.
" لم أقل ذلك حرفيًّا!"
إلتفت إليها وقال.
" لكن هذا ما عناه كلامك"
أرخت روزماري ظهرها إلى ظهر الأريكة ورفعت ساق فوق الأخرى تقول وقد رفعت شفتاها إبتسامة هازئة.
" دونًا عن البرنامج، أتظنني سأرتكب ذات الحماقة مجددًا؟!
بالتأكيد لن يختار العصفور قفصًا ذهبيّ على حُرّيته التي لا تُقدّر بثمن"
نظر إليها لبضع لحظات بصمت فأشارت بحاجب مرفوع.
" ماذا؟!"
آتى وجلس قِبالتها، في البداية؛ لزم الصمت ولم يقل شيئًا، لأنه لا يدري بما يجيب، أيًا كان ما سيقوله لن يُجدي نفعًا معها، لن يقنعها.
لكنه بعد حين إستجمع شتاته ونبس.
" مُتأكد أن قناعتكِ هذه ستتغير يومًا ما"
ثم همس بينما ينهض.
" فقط أرجو أن تكون على يدي لأكون الظافر بكِ"
تجاهلت ما قال، شأن قوله هذا شأن أي إعتراف سخيف بنظرها رماه في سمعها هكذا، تبعته إلى الباب حتى تغلقه، حينها قال.
" أيمكنكِ فقط ألا تخرجي لغريب بهذا المظهر مجددًا؟! لا يبدو لائقًا إطلاقًا"
غادر دون أن ينتظر رد أو يتطلع لشيء، فقط غادر بهدوء، دخلت روزماري ونظرت إلى نفسها بالمرآة.
تلمّست شعرها الذي لا يزال مبلول، وفستانها الخفيف الذي يكشف معالم صدرها من الأعلى كذا كامل ذراعيها وساقيها زيادة، لم تلحظه كاشفًا هكذا إلا الآن.
تنهدت لتأتي بالحقيبة، ووضعت على بشرتها ما تحتاجه من مرطبات وكريمات عناية، ثم إمتطت فراشها وخلدت للنوم.
اليوم كان طويل بشكل غير عادي...
......
صباحًا؛ وفي طريق روزماري إلى محطة البث برفقة تشانيول مدير أعمالها والسائق الخاص بها كانت تفكر بعمق.
فجأة تذكرت أمر الصناديق التي رأتهم بالأمس في غرفة جارها جون، أنها مألوفة جدًا، السيء بالأمر أنه لديها ذاكرة سيئة.
تنهدت تدعك صدغيها بإنزعاج وتفكر...
صناديق باللون الأزرق السماوي، لها ياقة بذات اللون... زهرتي العذراء... يا هيّبة... سيدتي المهيوبة!
شهقت بخفة حينما ربطت الأمور ببعضها وفهمت أوصال الأشياء، منذ أن إبتدأ برنامجها التوعوي ومعجب ما يبعث لها ذات الشاكلة من الصناديق عليها ذات البطاقة في كل مرة.
" إلى زهرتي العذراء"
آخر صندوق وصلها عندما كانت في جيجو، كان يحوي فُستانًا صيفيّ باللون الأزرق، حذاء ذا كعب متوسط الإرتفاع وحقيبة كتف صغيرة باللون الأبيض.
ضربت ناصيتها براحتها ووبخت نفسها.
" يا لي من حمقاء!"
إذن هذا المعجب السخيّ هو ذاته المطارد المهووس جارها غريب الأطوار السيد كيم جونميون الذي سبق وأعلن عليها حرب لا تفهمها بعد.
" ما اللعنة؟!"
إلتفت لها تشانيول بعدما ظفر به الفضول قائلًا.
" منذ وهلة وأنتِ تتحدثي مع نفسك، ما المشكلة؟"
نظرت إلى تشانيول بتشتت، ثم نفت برأسها أن لا شيء، تشانيول تنهد وعاد بنظره إلى الأمام.
في الأستديو؛ كانت تجلس روزماري على أريكتها المعتادة جاهزة تمامًا لبدأ تصوير الحلقة.
تبسمت حينما أضاءت الكاميرا وتسلطت عليها جميعها من كل الزوايا الممكنة.
" مسائكنّ قوّة سيداتي العزيزات؛ الحب من النظرة الأولى، أهو متين أم ضعيف؟"
حرّكت كتفيها بجهل ثم قالت.
" لا أظن أنه حُبًا متين، لكنه النوع الوحيد الذي أجد فيه الواقعيّة، أتعلمنّ لماذا؟!"
ضحكت برنات خافتة ثم اتبعت.
" لأن النظرة الأولى تكون على الشكل الخارجي وهيئة الجسد
عزيزتي؛ إن كنتِ جميلة وأنيقة فكل الرجال سيقعون بحبك من أول نظرة، ليس بالنوع النادر من الحب ولا الفريد"
مالت برأسها قليلًا وهمست.
" أوفيكنّ بعد الفاصل"
...
تنهد جونميون حيث يقطن في شقته أمام التلفاز يشاهد حلقة برنامج محبوبته ذات الهيّبة، ثم نهض يتمتم مُستاءً.
" أحببتك من النظرة الأولى،لكن الحب الذي أحبكِ أياه مُتفرّد، ليس فريد وحسب!"
ولج إلى الغرفة التي تتكدس بها الصناديق المتماثلة، سحب إحدى الصناديق وفتحه، وإذ به فستان أزرق صيفي، قصير ومريح، ترافقه حقيية بيضاء صغيرة، وحذاء بكعب متوسط الإرتفاع بنفس اللون.
تنهد وأغلقه، إعتاد جونميون منذ أن بدأ برنامجها التلفزيوني أن يبعث لها الهدايا على أساس أنه معجب سريّ بها.
يبعث صندوق باللون الأزرق، عليه بطاقة كتب فيها "إلى زهرتي العذراء" يحوي بداخله هديّة.
هداياه عبارة عن مُقتنيات، كلما ذهب خارجًا للسياحة أو للعمل أو لأي شأن كان إشترى لها هديّة، وكلما ذهب إلى مركز التسوق يشتري لها، حتى أنه كلما رأى شيء فطاب له لأجلها إشتراه.
جونميون لم يحبها ببساطة، أحبها بجنون، بما يفوق المعتاد، بمتانة وبما يفوق سعته على الحب.
كما يقول دومًا؛ حبها أعظم من أن يتسعه، يحبها أكثر مما يحمل لها من حب حتى...
لا يمكن فهمه، لكنه هكذا يحبها.
............................
يُتبع...
الفصل الخامس "أزرق سماويّ"
ضمن الجزء الأول (سأُريك نفسكِ بي)
ضمن الرواية العاطفيّة "هيّبتُها"
.......................
سلاااااااااام
ميرسي يعود بفصل جديد👏👏🙈
هاي الرواية واقعة لقاع قاعي بحبها☹
الفصل الجاي ح تكون أحداثه حماسيّة، ترقبوه.
التحديث الجاي ل...
حكاية الألحان أخيييييرًا👏👏👏👏👏
الفصل القادم بعد 70 فوت و 70 كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟ تصديها لجونغداي؟ وإكتشافها إحدى أسرار جونميون؟ كلامها مع تشانيول؟
2.رأيكم بجونميون؟ تأييده لها بما فعلته؟ حبه الغريب لها؟ شجاره مع تشانيول؟
3.رأيكم بتشانيول؟ مشاعره لروز وكلامه معها؟ شجاره مع جون؟
4.رأيكم بجونغداي؟ قصة زواجه وروز؟ ماذا سيفعل لقاء ما فعلته رةز ضده؟
5.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
سيدتي أنتِ؛ منكِ تنضخ حرارة، تحرقني كُلّي، حرارة من حُب، كشعور لا يمكنني شرحه.
لكِ ألسنة من لهب، تتطاير من كل موضع فِتنة فيكِ...
من عينيكِ السماويتين، وشعركِ الأدهم...
من أديمكِ البيض، ومن طلائعكِ الجبليّة...
لكِ على قلبي سُلطان، فأنتِ مولاتي، وأنا لكِ، وباسم حُبكِ تابع...
تُرهقني هذه المشاعر يا سُلطانتي، تُرهقيني أنتِ، يُرهقني هذا الحب الذي أُبتليتُ به...
حتى أنا مُرهق من نفسي التي تموت في حبك، لكنني ما زلتُ أريدكِ، أريدكِ كل يوم أكثر من كل يوم يسلفه...
إلى عذراء القلب؛
الكاتب سوهو"
تنهدت روزماري بعدما قرأت كلماته المُفعمة بالأحاسيس، ووضعت لوحها الإلكتروني على سطح الطاولة في مقرّ عملها.
شابكت أصابعها إلى معدتها، وراحت تنظر في إنعكاسها على المرآة، أيُعقل أن هناك رجل يحب إلى هذا الحد من الإرهاق؟!
لا يمكنها أن تصدق أن هناك رجل يعذبه هكذا حب ويتغنى به، فالرجال أنانيون.
تنهدت، وعادت برأسها تستند على ظهر الكرسي فيما فريق العمل يتجهز لأجل تصوير الحلقة.
إستذكرت الماضي بلمحات...
قبل أعوام كثيرة؛ كانت روزماري أُنثى مريرة، إمرأة هشّة، عودها ضعيف، يسهُل كسره.
كانت لا تُقاوِم، لا تُجابِه، لا تنتفض، فقط تصبر وتتحمل كل شيء وأي شيء يصيبها ويؤذيها، فهي لا يمكن أن تعود إلى بيت أهلها مُطلقة، وتذوق فوق الهوان الذي تعيشه مهانة أكبر.
كانت تفكر بأنها لو تحملت جونغ داي، وهو شخص واحد، أفضل من تتحمل أفراد عائلتها كلهم، وهم أشخاصٌ كُثر.
تزوجت باكرًا؛ لتتخلص من الذين يُحسَبون عليها عائلة، من مكانهم الخانق، من ألسنتهم الحادة، قبضاتهم الصلدة، وأفواهم الشَّرِهة للمال.
جونغداي كان يُسكّنها في قصر مُصغَّر، تتنعم بالمال كيفما شائت، ثيابها، عطورها، زينتها، وكل إحتيجاتها، كُلها كانت من أفخر العلامات التجارية العالمية.
كان يُحبها علنًا وسرًا، يعاملها برقّة أمام الناس ويتباهى بها.
لكن علّته الوحيدة أنه يشك كثيرًا ويغضب سريعًا، كان مجنونًا بها، وما وعى أنه يؤذيها بحبه إلا عندما وصلت له دعوة الطلاق من المحكمة.
لم يكن بوسعها أن تتحمل كل نوبة غيرة يمر بها، وحدها من تتحمل التبعات التي قد تصل إلى الحبس والضرب المُبرح.
كان مجنونًا بحبها، وحُسنها الفاتن شكّل بينهما فجوة تتسع كل محاسن علاقتهما، وتدفنها تحت أنقاض كل ذكرى سيئة مررتها له.
في البداية؛ أسكتتها حاجتها إليه، وصبّرتها فكرة أنها تمر بأيام جيدة معه بين كل عقبة تعرقل علاقتهما وأخرى، بينما لو عادت إلى حياتها السابقة لن يمر عليها يوم توصفه بالجيد.
لكنه بعد الطلاق تحول إلى وحش يلاحقها دومًا، يُعرقِل طريق نجاحها في كل خطوة تخطوها نحو نجاحها.
أراد لها أسوء مصير لأنها إنفصلت عنه، وحاول بشتّى الطرق إرجاعها له، وكلما فشل فكك عزمها وإرادتها بمؤامراته ضدها، فهو ذا أيدي طويلة وكلام مسموع.
لولا تشانيول؛ الذي كان يسند ظهرها كلما مال؛ لما إستطاعت إطلاقًا الثبات والسير، كان يحملها على ظهره ويسير في طريقها عنها لو إستلزم الأمر، لم يسمح لها ولو لثانية أن تنهزم وتيأس.
ما كان ليتركها تسقط وهي تريد النهوض.
الأمس واجهت رجلًا لا تعرفه منه، لم تتخيل يومًا أنه بهذا الشر وإلى هذه الدرجة من الحقد.
تتذكر جيدًا أنه بعدما وعدها بأنها إلى قفصه راجعة ضحكت من ثقته هازئة، نَفَر هرمون السخرية حتى إنتشر فيها.
لا تنسى ملامح الصدمة التي إعتلت وجهه حينما كمشت على تلابيب قميصه الأبيض واجتذبته إليها ثم أصبحت ملامحها حادّة.
لأنها روزماري جديدة، هو لا يعرفها، روزماري هذه تمقته، لم تتزوجه، ولن يقدر على تطويعها كما في أحلامه.
" دعني أخبركَ بأمر صغير، لديّ فيديو تعترف فيه العاملة أنك قدمت لها الرشوى؛ لتضع الكاميرات في الشقّتين بحُريّة"
نظر ناحية شفتيها وهمس مُبتسمًا.
" لا يمكن لهذا أن يكون دليلًا كافيًا أمام المحكمة ليُدينني سيدة كيم"
تبسّمت.
" لستُ ألجئ للقانون سيد كيم، بل سألجئ للشارع والصحافة، سأصيبكَ بفضيحة لن تتعافى منها بسهولة إطلاقًا"
دفعت به عنها من صدره، ثم أخرجت له هاتفها تبتسم وقالت.
" لقد سجلتُ إعترافك منذ قليل أيضًا"
إلتفتت عنه، وخرجت تسير بهيبة وهيمنة، أما جونغداي فضرب سطح مكتبه بقبضتيه وصاح غاضبًا.
" واللعنة!"
هذه نتيجة العبث معها، اليوم تنوي فضحه، ولن ينجو إطلاقًا من الأحبال التي ستلفّها حول رقبته.
ستخنقه، ستنتقم منه...
ليس لأنه شوَّه صورتها أمام الناس بمثل هذه الطريقة الرخيصة وحسب، بل لأنها فرصتها الأولى لتسقطه، وهي لن توفرها إطلاقًا.
للإنتقام نشوّة شديدة الحلاوة، تود لو تجربها وتحس بها...
دخلت إحدى العاملات إليها تخرجها من تفكيرها العميق.
" سيدة روزماري، أن كنتِ جاهزة فهيّا تعالي، تكاد الحلقة أن تبدأ"
...
جلست روزماري بمتانة أمام كاميرات التصوير التي تلتقطها من كل زاوية ممكنة، كانت على طبيعتها وكأنها لم تَخُض نِزال الفضائح هذا، في إتزانها المُعتاد وبلمسة من الغرور الذي يَدُب ملامحها، ويرفع كتفيها فخرًا قدّمت الحلقة.
" واحد... إثنان... ثلاثة... أدِر الكاميرا"
مال ثغرها بإبتسامة شغوفة، فاليوم تسير أول الدرب في طريق رد حقها، لتُعلم الطاغية كيف يكون الطُغيان الحقيقيّ.
" مسائكنّ قوّة سيداتي؛ اليوم دعوني ألا أتحدث عن أحد، بل عن نفسي"
ملأت صدرها بجرعة هواء تُعيل الكلمات الثقيلة التي ستنطق بها الآن، وشابكت أصابعها إلى فخذها الذي يعلو الآخر، ثم اتبعت.
" المرء يبني نفسه من رُكامه، وما تكون هذه المتانة التي أمامكم إلا تجميعًا متين وسميك لرُكاميَّ السابق... كما تعلمنّ؛ جميعنا نمر بخيبات أمل"
مال نظرها إلى زاوية سُفلى نحو الأرض، لكنها لم تُطل، لربما مرارة الخيّبة جعلت رأسها ينحني لمقدار يقل عن الثانية، لكنها رفعت نِصاب كبريائها وشموخها، ورمقت الكاميرا وكأنها تنظر في عيون الناس الذين يرونها عبرها.
" نالتني الأقاويل والشائعات في الماضي كثيرًا، ونالني من القول أنني أبعث لكنّ رسالة لتلتزمنّ بها وأنا لا أفعل... الأمر ليس هكذا"
والآن ظهرت إبتسامتها المُبهمة، إبتسامة تُثير الريّبة، فلم تكن كل هذه المُقدمات إلا تحضيرًا للوجبة الدسمة في عرض هذا الكلام.
" كيم جونغ داي؛ مدير عام في إحدى محطات البثّ المُنافسة لنا، وأنعى لكنّ خبر أنه طليقي؛ هو من فعل هذه البلبلة التي لا أصل لها من الصِحّة؛ كي يهزّ كياني أمامكنّ، ويربطني في مكاني عن المُضي قُدمًا"
لم تتفق مُسبقًا مع زملائها الإداريين والمسؤولين عن المحتوى أنها ستتلفظ باسم، هي فقط قالت أنها ستبرئ اسمها أمام جمهورها دون أن تضر أحد.
المخرج خلف الكاميرات أشار لها أن تتوقف إلى هذا الحد، وتشانيول وقف هو الأخر متأزمًا، فالأمور ستزداد سوءًا الآن، لكنها روزماري، إمرأة عنيدة ولا تهمها النتائج بما أنها تفعل الصواب وتقول الحقيقة.
" كيم جونغداي مُتهم بتركيب كاميرات مراقبة في منزلي، ومنزل مدير أعمالي وصديقي، الأمر برمّته أنه إلتقط لنا صورًا في شققنا، ثم لفّق مشهدًا حميميًا، وأذاعه لكنّ عبر الصُحف الصفراء"
مالت بجذعها إلى الأمام واستفسرت بإبتسامة بهيّة.
" والآن سيداتي؛ ألا حق لنا أن نكون حذرات من الرجال؟!"
عادت بظهرها إلى الأريكة واتبعت.
" والآن؛ سنلج في موضوع آخر بعد الفاصل"
" cut"
زالت الإبتسامة عن شفتيها، وأتتها المسؤولة عن زينتها وشعرها لبعض التعديلات، أثناء ذلك آتى المخرج يتبعه عدد من جماعته، يخلفهم تشانيول يدعك صدغيه ويتنهد ببؤس.
" ما الذي فعلتِه الآن؟ أتدركي حجم المشكلة التي نحن بها بسببك؟ ما فائدة المال الذي تَدرّينه علينا لو أُغلقت المحطة بتُهمة التشهير"
هزئت ترمق المخرج والمنتج ومسؤولي المحتوى بضحكة، ثم أرخت نفسها على أريكتها وقالت.
" بمكاسب حلقة واحدة تستطيعون دفع تعويض، هذه ليست القضيّة"
بإنفعال قال أحدهم.
" إن لم تكن هذه هي القضيّة، ما هي القضية إذن؟!"
رمقت المنفعل لعدة ثوان قبل أن تنبس بشيء، ثم حفظًا على أعصابها؛ أغلقت عيناها واستندت برأسها على الأريكة.
" تحدث معي بإحترام، المرة القادمة سأمنحك ركلة تشل قدميك"
تناظر الرجل مع زملائه منزعجًا مما قالت، ثم روزماري نهضت عن أريكتها، وتنهدت فيما تعقد ساعديها إلى صدرها.
" القضية هي إستمرار البرنامج، ألم تفكروا بماذا سيحدث لو لم أتكلم بالحقيقة؟"
تطلّع جميعهم بجهل، حينها تنهدت تومئ ونهضت تسير بينهم مُجيبة.
" البرنامج سينتهي ببساطة، فالناس لن تُتابع برنامج هادف كهذا لو ما أنا بذاتي سرت على نهجه، لا يمكن"
إلتفتت إليهم ترمقهم جميعًا وقالت.
" أتفهمون الآن؟!"
أومئ البعض والبعض عاد إلى موقعه، حينها تنهدت ثم عادت إلى موقعها هي أيضًا.
.............
يلوح في قلبي ألم، أشعر بصدري ينقبض وكأن أصابع غليظة تكمشه، ورأسي ثقيل لكثرة ما يحمل من أفكار، وكأن للأفكار وزن.
ما فعلته روزماري اليوم جعلني أفكر في المستقبل مليًّا، شعرتُ بالخوف من القادم؛ منذ أن فرصتي معها ليست صعبة كما ظننت، بل مستحيلة.
فهي لأجل برنامجها التلفزيوني تستطيع فعل أي شيء، كأن لا تتزوج أبدًا.
هي تعدم أملي، لا تثبطه فحسب...
كُنّا معًا؛ ثالثنا السائق، تجلس هي بوقار خلفي وأنا أجاور السائق، كان الطريق صامتًا وطويلًا إلى منازلنا.
لوهلة شعرتُ بالغُربة؛ هل أبني أنا قصرًا من الأحلام في الهواء؟!
الواقع صفعني صفعة ألجمتني، لا يمكنها أن تعيش وحدها ويأتي اليوم الذي تستغني فيه عني، حينئذ؛ ماذا علي أن أفعل أنا؟!
كيف سأعيش بدونها وقد إعتدتُ أن أعيش فيها؟!
أشعر بالوهن يدُب بأطرافي وجسدي خاوٍ، تجاوز ألمي المرحلة النفسية ووصل إلى جسدي حرفيًا، أكاد أن أنهار.
ما إن وصلنا تفرّقنا، كُل منّا إلى شِقته، لم يسعني أن أتحدث معها، وأنا على هذا الحال من الوهن والضعف.
ولجتُ شقّتي، أخذتُ حمامًا، ثم وقفت في الشُرفة، والهواء البارد يلفحني ويبّرد أوصالي، لا بأس لو مرضت، ستكون حُجة جيدة لتعتني بي.
بعد أن ظفر مني التعب لكثرة الوقوف والتفكير بشأنها، خرجتُ انتعل خُفّي عاطفة إليها، عاطفة متكدمة لكثرة ما أصابتها بضرباتها اللامبالية.
لا تشعر بي رغم أنني إعترفتُ لها بمشاعري بدلًا من المرّة ألف.
ضغطتُ الجرس، وطرقت الباب عدة مرات لكنها لم تجيبني، تنهدتُ أفكر فيما يمنعها عن إجابتي، ربما تستحم، وربما تكون قد نامت بالفعل، أو تسمع الموسيقى، شيء من عادتها هذه.
.....
بعد إن أخذت روزماري حمامًا دافئًا في شِقتها لاحظت أن بعض مستحضرات العناية بالبشرة التي تخصها ليست ضمن أماكنها المُعتادة عندها، فتذكرت أنها تركتها عند جارها المهووس.
نظرت إلى الساعة، فإن كان الوقت قد نال منها وتأخر ستشعر بالتردد لطرق بابه، لكن الوقت ما زال في التاسعة؛ لذا خرجت تضع على جسدها فُستان خفيف باللون الورديّ.
طرقت بابه مرتين ثم تريثت لأن يرد، وما إن نظر عبر العدسة فتح الباب فورًا لأجلها.
بدى فوضويًا بعض الشيء، إذ أنه يستر جسده ببنطال أسود وقميص أبيض مفتوحة أزراره للمنتصف، كما أن شعره الذي وجب عليه أن يكون مرفوعًا بأناقة كما تراه عادة كان قد أفسده بشكل فوضوي.
أظهرت بسمة خفيفة لِقاء مظهره المُضحك، فيما هو يعتذر عن الفوضى في شكله مبررًا بينما يرتب نفسه.
" هذه آثار الكتا..."
استدرك ما كان سيقوله ثم سرعان ما بدّل أقواله.
" كتابة تقارير العمل المُنهِكة"
ضحك بسُخف بعدها لكثرة ما هو مُحرَج ولا يدري لأي سبب، حينها ظهرت بسمة خفيفة على شفتيها، فلقد وجدته لطيفًا بعض الشيء.
أما هو فسكن يتمعن بحركة شفتيها التي إرتفعت بخفّة، لكنه من جوفه يرقص بصخب، كالمجنون.
" أتيتُ لآخذ أغراضي التي تركتها لديك"
أشار لها بالدخول وابتعد عن الباب قائلًا.
" بالطبع سيدتي، تفضلي"
ولجت إلى قعر داره، وجلست على الأريكة الدهماء المُعتادة فيما هو يقف قال.
" دعيني أعد لكِ شيئًا تشربينه قبل أن تذهبي"
أومأت، ثم هو غادر بإبتسامة.
وبينما روزماري تنتظره قررت أن تنظر في أنحاء الشِقّة القريبة؛ لتضييع الوقت ليس إلا.
كانت تسير في الصالة وأنحائها، هي فقط لم ترى في هذه الشقة سوى غرفتين، ليس لأي سبب يثير الفضول، فقط لم تتوفر لها الفرصة لتفعل.
أمسكت بمقبض إحدى البابين وأدارته، ما كان خلف الباب أثار إستغرابها كثيرًا.
لا شيء، ولا حتى قطعة أثاث واحدة، لكن صناديق مختلفة الأحجام متماثلة اللون والشكل؛ تملئ الغرفة من السقف إلى الأرضية، جميعها باللون ذاته، الأزرق السماوي.
ولجت إلى الغرفة ونظرت في إحدى الصناديق الذي تُرِك فُرادى دون جماعة من الصناديق الذي من المفروض تصطف عليه.
لم تكن لتطفل على ما بداخله، فقط إنحنت وجلست على قدميها لتنظر إلى شكله الخارجيّ، ورأت عليه بطاقة صغيرة مكتوب عليها.
" إلى زهرتي العذراء"
روزماري قبضت حاجبيها، اللقب مألوف، مألوف جدًا، لدرجة أنها تشعر به قد تردد في سمعها كثيرًا ومنذ مدة قريبة جدًا، حتى شكل الصندوق ليس بغريب عليها.
شعرت بصاحب للشقة يقتحم الباب فجأة، فوقفت وإلتفتت إليه لتجده يحك عنقه بتوتر واضطراب شديد، مفضوحة مشاعره على وجهه.
" سيدتي، ماذا تفعلين هنا؟!"
نفت برأسها وخرجت تقول.
" لا شيء، فقط انظر، أعتذر على تطفلي على خصوصياتك"
سُرعان ما نفى بيديه وابتسم.
" لا يا هيّبة، لا تعتذري"
ثم أشار لها إلى الآرائك وقال.
" تفضلي، حضرتُ لكِ شيئًا تشربينه"
جلست حيث أشار ثم قدم لها كوبًا دافئًا يقول.
" حليب بالشوكولاتة والبُندق!!"
تبسّم جونميون بينما يده معلقة تحمل الكوب إليها، وضع الكوب أمامها، وهي ما زالت فاغرة الشفاه لا تصدق ما تراه.
" لم أفصح يومًا أنني أحب هذا الشراب، كيف تعرف؟!"
أشار لها أن تشرب من كأسها وقال.
" ستتفاجئين من مقدار معرفتي بكِ، أنا لستُ مُعجبًا عاديًا لكِ؟!"
" مهووس؟"
ضحك وأومئ.
" يمكنكِ قول ذلك"
أرادت سؤاله عن الصناديق، من أين يأتي بها؟ ولِمَ يجمعها؟!
لكنها كي لا تحرجه؛ كبحت رغبتها في المعرفة وإلتزمت الصمت بينما تشرب كأس الحليب الخاص بها.
وفيما هي تفكر بأمر الصناديق تطرق جونميون لموضوع الحلقة.
" كنتِ رائعة اليوم، لا يسعكِ رؤية كم أنا فخور في اللحظة التي فضحتِ بها مؤامرة الرجل ذاك؟"
تيسمت هازئة وتمتمت.
" أنت الوحيد الذي إمتدح تصرفي، جميعهم إنتقدوني"
لم يكن ما قالته واضحًا لمسامعه فعقد حاجبيه وتسآل.
" ماذا قلتِ؟!"
وضعت الكوب على الطاولة ما إن فرغ وقالت.
" ولِمَ تكون فخور بفعل بدر مني أنا؟! لستُ أخصّك كما أعلم"
تبسّم مستهجنًا، وقال بشيء من اللوم رغم أن نبرته كانت في غاية الهدوء والحنان.
" سيدتي المهيوبة! وكيف أنتِ لا تخصيني؟! أنا معجب بكِ وأنتِ شريكة حربي، فكيف لا تخصيني؟!"
قبضت حاجبيها ودنت بعينيها منه.
" شريكة حربك؟ ألستُ عدوتك في هذه الحرب التي أقمتها؟!"
أومئ.
" لكنها حرب مختلفة، لا أفوز بها إن خسرتِها"
برمت شفتيها ثم وقفت تقول.
" أنت رجل مجنون وأنا لا يسعني فهم ألغازك، اذهب واحضر لي مُرطباتي، عليّ أن أُدلل بشرتي قبل أن أنام"
ضحك بخفة ثم أومئ قائلًا.
" رغم أنني سأكون مسرورًا أكثر لو أطلتِ ضيافتكِ عندي، لكن لا بأس، سأحضرها حالًا"
ذهب وعاد في غضون ثوانٍ، ثم سلمّها الحقيبة التي تحمل بها كل أشيائها المشابهة قائلًا.
" ها هي"
تناولتها منه ثم سبقته إلى الباب.
" شكرًا لك"
وما إن فتح الباب حتى قابلت تشانيول يقف أمام الباب بعينين دمويّة ونظرات حادة، عقدت روزماري حاجبيها وتسآلت.
" ما الذي تفعله هنا هكذا؟!"
لم يجبها، فقط أمسك بذراعها وأبعدها عن طريقه، فالحوار الآن حوار رجال مع بعضهم، حوار القبضة.
لم يفهم جون لِمَ، ولكن لكمة قوية سقطت على عِظام وجنته جعلته يرتد بلا إتزان عدة خطوات للوراء.
" تشانيول! ما الذي دهاك؟!"
صاحت روزماري به، لكنه لم يأبه بل تقدم إلى جون الذي أخذ يلوك فكيّه ليتأكد من سلامتهما، ثم بينما يرمق الرجل الآخر بغضب مسح دماء شفتيه وقال.
" لِمَ همجيّ مثلك يقتحم بيتي ويجرؤ أن تتطاول قبضته على وجهي؟"
أشار تشانيول بسبابته إليه بينما يتقدم منه.
" لأنك مجرد رجل حقير وإنتهازيّ"
قبض على تلابيب قميص جون، وجعله يتأرجح بين قبضتيه فيما يفر الغضب من بين شفتيه.
" كنتُ أعلم أنكَ مهووس وشيئًا ما مخبول، لكنني لن أسمح لك أن تلهو مع النجوم ومعها على حد تعبيرك
سأحرص دائمًا أن تحترق بأشعة شمسي قبل المغيب، ولن أوفر لك الفرصة لإستباحة وقتها لك، ولا حتى دقيقة واحدة!"
قبض جون بصف أسنانه على شفّته السُفلى غاضبًا، ثم دفع بتشانيول عنه قائلًا.
" ومن تكون أنت لتتدخل؟ هي إمرأة حُرّة بتصريف وقتها مع من تشاء وكيفما تشاء، لا يربطها بك ما يمنعني عنها أو يبيح لك أن تمنعني عنها، لذا إلزم حدودك أنت أيها المتطفل!"
وهنا ثارت قبضة تشانيول ضد لسان جونميون، الذي يؤلم أكثر من قبضة تشانيول الثقيلة، وإبتدأ بينهما شجار قبضة، كثيرًا ما خسر بمواقف جونميون، لكنه لم يستسلم لأن نظيره ضخم الجسد وعظيم الجُثة عكسه.
تناورا في القتال، وروزماري تحاول فك الشجار دون أن تقترب وتتأذى.
" أنت وهو! يكفي! لا تؤذيا بعضكما!
تشانيول يا أخرق!
جونميون أيها المعتوه!"
ثم صرخت بأعلى صوتها.
" توقفا!"
تعلّقت قبضة تشانيول في الهواء قبل أن تصيب جونميون أسفله فيما يتنفس كلاهما بجهد ويتصببان عرقًا ودمًا.
إقترب ودفعت تشانيول من كتفيه عن جونميون غاضبة ترمق كلاهما، ثم نبست تلومهما.
" ظننتُ أنكما مختلفان، ولكن للأسف أنتما همجيان كبقية الرجال، أكرهكما بحق، ولا أريد أن أرى وجه أحد منكما إطلاقًا بعد اليوم!"
حملت حقيبتها وخرجت بخطوات متسارعة، رمق جونميون تشانيول بغضب بينما يمسح شفتيه وقال.
" يا رأس البطيخة! هدمت كل ما بنيته بلحظة!"
رفع تشانيول سبابته محذرًا وقال.
" لا تحاول أن تبني معها شيء، دومًا ما ستجدني أهدم كل حجر بنيته للوصول إليها"
خرج تشانيول من شقة جونميون، وتوجّه إلى شقتها، أخذ يطرق الباب بعنف وصلابة حتى تفتح له مهما كانت رافضة.
فتحت الباب بقوة وقالت.
" لا تجعلني أن أطلب من الشرطة أن يستضيفوك لديهم عدة أيام أيها الهمجي!"
أبعدها عن طريقة ممسكًا بكتفيها برقة، ثم دخل وأغلق الباب قائلًا.
" سنتحدث ثم أغادر"
تنهدت تسير خلفه، تعلم أنه حينما يكون على هذا القدر من الغضب فإن الكلام لا ينفع، لذا رضخت لرغبته في الإستماع له.
إلتفت حينما أصبح في صالة الجلوس وقال.
" هل حقًا ما قلتِه في الأستديو؟"
عقدت حاجبيها فيما تقاطع ذراعيها إلى صدرها.
" ماذا قُلت؟"
تنهد واقترب منها لينظر في عيناها البحريتين، ليرى إلى أي درجة هي غائصة في أفكارها المغلوطة ليس عن الرجال فحسب، وإنما عن الحياة بأكملها.
" أنكِ لن ترتبطي أبدًا لأجل البرنامج"
تنهدت وتجاوزته، ثم جلست على أريكتها تقول.
" لم أقل ذلك حرفيًّا!"
إلتفت إليها وقال.
" لكن هذا ما عناه كلامك"
أرخت روزماري ظهرها إلى ظهر الأريكة ورفعت ساق فوق الأخرى تقول وقد رفعت شفتاها إبتسامة هازئة.
" دونًا عن البرنامج، أتظنني سأرتكب ذات الحماقة مجددًا؟!
بالتأكيد لن يختار العصفور قفصًا ذهبيّ على حُرّيته التي لا تُقدّر بثمن"
نظر إليها لبضع لحظات بصمت فأشارت بحاجب مرفوع.
" ماذا؟!"
آتى وجلس قِبالتها، في البداية؛ لزم الصمت ولم يقل شيئًا، لأنه لا يدري بما يجيب، أيًا كان ما سيقوله لن يُجدي نفعًا معها، لن يقنعها.
لكنه بعد حين إستجمع شتاته ونبس.
" مُتأكد أن قناعتكِ هذه ستتغير يومًا ما"
ثم همس بينما ينهض.
" فقط أرجو أن تكون على يدي لأكون الظافر بكِ"
تجاهلت ما قال، شأن قوله هذا شأن أي إعتراف سخيف بنظرها رماه في سمعها هكذا، تبعته إلى الباب حتى تغلقه، حينها قال.
" أيمكنكِ فقط ألا تخرجي لغريب بهذا المظهر مجددًا؟! لا يبدو لائقًا إطلاقًا"
غادر دون أن ينتظر رد أو يتطلع لشيء، فقط غادر بهدوء، دخلت روزماري ونظرت إلى نفسها بالمرآة.
تلمّست شعرها الذي لا يزال مبلول، وفستانها الخفيف الذي يكشف معالم صدرها من الأعلى كذا كامل ذراعيها وساقيها زيادة، لم تلحظه كاشفًا هكذا إلا الآن.
تنهدت لتأتي بالحقيبة، ووضعت على بشرتها ما تحتاجه من مرطبات وكريمات عناية، ثم إمتطت فراشها وخلدت للنوم.
اليوم كان طويل بشكل غير عادي...
......
صباحًا؛ وفي طريق روزماري إلى محطة البث برفقة تشانيول مدير أعمالها والسائق الخاص بها كانت تفكر بعمق.
فجأة تذكرت أمر الصناديق التي رأتهم بالأمس في غرفة جارها جون، أنها مألوفة جدًا، السيء بالأمر أنه لديها ذاكرة سيئة.
تنهدت تدعك صدغيها بإنزعاج وتفكر...
صناديق باللون الأزرق السماوي، لها ياقة بذات اللون... زهرتي العذراء... يا هيّبة... سيدتي المهيوبة!
شهقت بخفة حينما ربطت الأمور ببعضها وفهمت أوصال الأشياء، منذ أن إبتدأ برنامجها التوعوي ومعجب ما يبعث لها ذات الشاكلة من الصناديق عليها ذات البطاقة في كل مرة.
" إلى زهرتي العذراء"
آخر صندوق وصلها عندما كانت في جيجو، كان يحوي فُستانًا صيفيّ باللون الأزرق، حذاء ذا كعب متوسط الإرتفاع وحقيبة كتف صغيرة باللون الأبيض.
ضربت ناصيتها براحتها ووبخت نفسها.
" يا لي من حمقاء!"
إذن هذا المعجب السخيّ هو ذاته المطارد المهووس جارها غريب الأطوار السيد كيم جونميون الذي سبق وأعلن عليها حرب لا تفهمها بعد.
" ما اللعنة؟!"
إلتفت لها تشانيول بعدما ظفر به الفضول قائلًا.
" منذ وهلة وأنتِ تتحدثي مع نفسك، ما المشكلة؟"
نظرت إلى تشانيول بتشتت، ثم نفت برأسها أن لا شيء، تشانيول تنهد وعاد بنظره إلى الأمام.
في الأستديو؛ كانت تجلس روزماري على أريكتها المعتادة جاهزة تمامًا لبدأ تصوير الحلقة.
تبسمت حينما أضاءت الكاميرا وتسلطت عليها جميعها من كل الزوايا الممكنة.
" مسائكنّ قوّة سيداتي العزيزات؛ الحب من النظرة الأولى، أهو متين أم ضعيف؟"
حرّكت كتفيها بجهل ثم قالت.
" لا أظن أنه حُبًا متين، لكنه النوع الوحيد الذي أجد فيه الواقعيّة، أتعلمنّ لماذا؟!"
ضحكت برنات خافتة ثم اتبعت.
" لأن النظرة الأولى تكون على الشكل الخارجي وهيئة الجسد
عزيزتي؛ إن كنتِ جميلة وأنيقة فكل الرجال سيقعون بحبك من أول نظرة، ليس بالنوع النادر من الحب ولا الفريد"
مالت برأسها قليلًا وهمست.
" أوفيكنّ بعد الفاصل"
...
تنهد جونميون حيث يقطن في شقته أمام التلفاز يشاهد حلقة برنامج محبوبته ذات الهيّبة، ثم نهض يتمتم مُستاءً.
" أحببتك من النظرة الأولى،لكن الحب الذي أحبكِ أياه مُتفرّد، ليس فريد وحسب!"
ولج إلى الغرفة التي تتكدس بها الصناديق المتماثلة، سحب إحدى الصناديق وفتحه، وإذ به فستان أزرق صيفي، قصير ومريح، ترافقه حقيية بيضاء صغيرة، وحذاء بكعب متوسط الإرتفاع بنفس اللون.
تنهد وأغلقه، إعتاد جونميون منذ أن بدأ برنامجها التلفزيوني أن يبعث لها الهدايا على أساس أنه معجب سريّ بها.
يبعث صندوق باللون الأزرق، عليه بطاقة كتب فيها "إلى زهرتي العذراء" يحوي بداخله هديّة.
هداياه عبارة عن مُقتنيات، كلما ذهب خارجًا للسياحة أو للعمل أو لأي شأن كان إشترى لها هديّة، وكلما ذهب إلى مركز التسوق يشتري لها، حتى أنه كلما رأى شيء فطاب له لأجلها إشتراه.
جونميون لم يحبها ببساطة، أحبها بجنون، بما يفوق المعتاد، بمتانة وبما يفوق سعته على الحب.
كما يقول دومًا؛ حبها أعظم من أن يتسعه، يحبها أكثر مما يحمل لها من حب حتى...
لا يمكن فهمه، لكنه هكذا يحبها.
............................
يُتبع...
الفصل الخامس "أزرق سماويّ"
ضمن الجزء الأول (سأُريك نفسكِ بي)
ضمن الرواية العاطفيّة "هيّبتُها"
.......................
سلاااااااااام
ميرسي يعود بفصل جديد👏👏🙈
هاي الرواية واقعة لقاع قاعي بحبها☹
الفصل الجاي ح تكون أحداثه حماسيّة، ترقبوه.
التحديث الجاي ل...
حكاية الألحان أخيييييرًا👏👏👏👏👏
الفصل القادم بعد 70 فوت و 70 كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟ تصديها لجونغداي؟ وإكتشافها إحدى أسرار جونميون؟ كلامها مع تشانيول؟
2.رأيكم بجونميون؟ تأييده لها بما فعلته؟ حبه الغريب لها؟ شجاره مع تشانيول؟
3.رأيكم بتشانيول؟ مشاعره لروز وكلامه معها؟ شجاره مع جون؟
4.رأيكم بجونغداي؟ قصة زواجه وروز؟ ماذا سيفعل لقاء ما فعلته رةز ضده؟
5.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі