توطئة|| Introduction
CH1|| إبنة الزمن
CH2|| حُب الدهور
CH3|| إمرأة من بحر
CH4||سماء ونجوم
CH5|| أزرق سماويّ
CH6|| لِمَ أُحبّك
CH7|| بُنٌ وبَحر
CH8|| سماءٌ وبَحر
CH9|| رسول الحُب
CH10||حياة بين الضلوع
CH11|| أزمة الهَيْبَة
CH12|| إنتقام الهيبة
CH13||عُكّاز وجَبيرة
CH14|| غاطس بالحُب
CH15||كَرز وسيجارة
CH16||حُبّي المُشيَّد
CH17|| نور البدر
CH18||بَهاء وإمتلاك
CH19||مَطَر ضِمنَ العاصِفة
CH20|| مخائل حُب
CH21||أُحبُك بمزاجٍ شَتويّ
CH22||قاع البحر
CH23||الزهرة وصاحب البستان
CH24||حُضنه الدافئ
CH25||دموع جميلة
CH26||أغرق في بحرِك
CH27||بَحرٌ هائج وسماءٌ دهماء
CH28||إنتكاس الهَيبة
CH29||زهرة مائلة الجِذع
CH30||جون وهَيبتُه
CH31||ظِلالٌ رماديّة
CH32||أكره الحُب
هَيبتُها|| The End
CH25||دموع جميلة
كيم جون ميون (سوهو)

بَطل:

هَيبتُها|| Her Savage Love

(لا تؤذيني بكِ)


"دموع جميلة"




"أنتِ مُعجزتي الصغيرة...

أنتِ فَجِر شَقَّ للضياء عَتبة من شَفق في حياتي.

أنتِ مِثل زهرة تعيشُ الأربعة فصول... تعيشين دومًا بأرضِ فؤادي.

لن تذبلي، ولن تُظلِم سماءك، وستبقين معجزتي الخالدة إلى ما بعد أبدي!

إلى زهرتي

الكاتب سوهو"









أفاقَ جون على صوتِ رَنينِ هاتفِه، الذي تَركهُ على المِنضَدة بجِوار جِهتِه من السرير، نَظَر جون إلى ماري المُستغرِقة بالنوم على صدرِهِ وابتسم، ثم تحرَّك بِخفَّة ليلتقِط الهاتف دون أن يُزعِج راحتها.

عَقَد حاحبيه؛ إذ كان المُتَّصِل أُمُّه، أجابها واحتفظ بشعورهِ بالغرابة لنفسِه، فهو لا يعتقد أنَّ أُمُّه تعلم أنَّهُ عاد إلى كوريا بعد.

"أهلًا أُمّي!"

"صغيري، كيف تقضي وقتك؟
هل أنتَ وزوجتُكَ بخير؟!"

"نعم أُمّي، ولِمَ لا نكون؟!"

سمعها تتنهد قبل أن تُجيبه.

"اعذرني يا صغيري، قلبي من الأمس في ضيق، وأردتُ أن أطمئن!"

"سلامة قلبكِ حبيبتي من الضيق، أنا وماري بخير لا تقلقي"

سمعها تتنهد براحة ثم نبست.

"من الجيد سماع ذلك... بُني حينما تعود أود أن أُنظِّم عَشاء عائليّ، وأدعو عائلة روزماري إليه"

نظر إلى روزماري التي ما زالت تنام على صدره، وخَلخَل أصابعه في خُصل شعرها بينما يُجيب والدته.

"حسنًا أُمّي"

أنهى المُكالمة مع والدته، ثم شعر بروزماري تتحرك على صدره، ثم نَبسَت بِوَسن.

"كِدتُ أن أقتُلُكَ لولا أنَّها أُمُك"

ضحك جون بِخفّة، ثم رَبَّتَ على شعرِها يقول.

"صباح الخير يا حُبّي"

تبسَّمت، وعانقت خصره بذراعها تهمس.

"صباحُ الخير"

وضع يده على جبينها؛ ليتفقَّد درجة حرارتِها، ثم همس بعدما رأى أن حرارتِها مُعتدِلة.

"كيف تشعُرينَ الآن؟! هل أنتِ بِخير؟!"

أومأت روزماري تقول.

"نعم بخير، أنا لا أمرض كثيرًا، ولا يُطيل مرضي إن مرضت، لذا لا تقلق!"

تنهد براحة، واحتضنها بذراعيه يقول.

"حمدًا للرّب أنَّكِ بخير"

رفع بعض الخُصل عن وجهها بأطراف أنامله، واستطرد.

"هل أنتِ جائعة؟"

همهمت فقال.

"حسنًا إذًا، ابقي في السرير هنا حتى آتِ لكِ بالإفطار"

أومأت له، وهو نهض من أسفلها، ليُسيّر أموره أولًا، ثم يُحضِّر لأجلهما الإفطار، وأما روز فلم تنهض إلا لقضاء بعض الأمور داخل حيز الغُرفة، ثم عادت إلى السرير وقد فتحت التلفاز، تُقلِّب بين القنوات بملل.

آتى جون يحمل صينيّة، وضعها على طاولة قصيرة الأرجل، ثم وضعها فوق ساقيها يقول.

"افطري الآن ريثما استحم وآتيكِ"

تمسَّكت بمعصمه قبل أن يُدبِر ونبست.

"افطر معي أولًا وإلا لن آكل"

أومئ لها وجلس بجوارها يقول.

"حسنًا حبيبتي، لا تستائي!"

وبينما هُم يتناولان الإفطار روز نبست.

"جون؟"

"هَيبَتُه؟"

تنهدت تضع كأس العصير ونبست.

"بسببي قطعنا شهر العسل، أنا آسفة!"

سُرعان ما نفى برأسه، وتحسس وجنتها بقِفا أصابعه.

"لا تعتذري، بل كنتُ أنا السبب، لو تحكَّمتُ بغضبي حينها لما أطلقت، لكنّي كنتُ أنانيّ"

نفت برأسها، وربتت على وجنته أن لا بأس، لكنها تسآلت.

"ماذا قالوا لك لتغضب؟!"

تجهَّمت ملامحه ونبس بضيق.

"لا تهتمي، فقط تناولي طعامِك، واعتني بصحَّتِك!"

لم ترغب أن تَلِح عليه، لذا فقط إنصاعت له، وأستئنافت تناول الطعام معه.

وهكذا انقضى الوقت حتى المساء آتى، وآتى تشانيول يحمل بعض أغراض البقّالة، وغادر على مَضص دون أن يستضيفانِه، وذلك ما جعل الشَّك يُساوِر نفسَ روزماري؛ إذ بعد مُغادرة تشانيول سريعًا هكذا -دون أن يُلقي عليها نظرة حتى-؛ قررت أن تفهم ما الذي يحدث من دون علمها.

إذ كانت تجلس في الصالة على الأريكة قِبالة التلفاز تُشاهد فيلمًا مع جون، لكن الفارق الوحيد أن جون قد وضعها في قلبِ غطاء ثقيل، وهو اكتفى بقميصه الخفيف.

"جون؟"

"هَيبَتُه؟"

"ما الذي يحدث بينكَ وبين تشانيول؟"

علقت حبّة الفُستُق بين أضراسِه، ونظر لها يقول.

"ما الذي سيحدث؟!
لا شيء بيننا!"

نبست باسمه بنبرة يعرفها، إنها تحذِّره من الكذب بينما هو يتظاهر بالحماقة هكذا.

"جون؟!"

"ماذا؟!"

صفعت ذراعه بيدها الواهنة، فوضع صحن الفُستق جانبًا، ونظر لها يقول.

"لا يحق للمرأة أن تضرب زوجها أم أن حقَّ الزوج مهضوم لديكِ دومًا؟!"

وحينما تفوَّه بذلك الكلام؛ نال صفعة على كتفه عن إستحقاق، جعلته يتذمر عاليًا فيما يُمسِّد حيثُ ضُرِب.

"أنتِ حقًا إمرأة سيئة، لا تضرُبيني!"

وضعت صحن الفُستُق الخاص بها على الطاولة الخشبيّة أمامهما، وحَرَفت وِجهة جسدها إليه؛ ففهم أنَّ الأمر جَدّي، وأنَّهُ عليه أن يتكلَّم.

"ما الذي يحدث بينك وبين تشانيول؟ أنا أشعر أن هُناكَ أمر مُريب تُحاولون إخفاءه عنّي"

نفى برأسه، ثم اجتذب رأسها إلى ما بين كَفّيه يقول.

"اسمعي، الأمر حقًا لا يستدعي القلق، فقط لأنَّكِ مشهورة؛ يقول تشانيول أنَّه يجب ألا يعلم أحد عن عودتنا الباكِرة هذه، فيسيئ الناس الظن بنا، ويظنون أن مُشكلة ما قد وقعت بيننا، أو أنّ زواجكِ قد تعرَّض لمُشكِلة."

أومأت روزماري رُغمَ أنها لم تقتنع تمامًا بما قاله جون، لكن رُبما يكون الأمر حقيقيّ؛ لذا لن تشغل بالها مَليًّا في الأمر.

"هل سنبقى بقيَّة الشَّهر مُحتجزين هُنا؟"

نفى برأسه يقول.

"لو أردتِ أن نُسافِر مُجددًا فلنفعل"

استغرق روزماري بالتفكير دقائق، ثم أراحت رأسها على كتفه وقالت.

"لا، دعنا نبقى هُنا، أعدك سنعود لاحقًا إلى تايلاند، لكنني لا أملك الرَّغبة في الذهاب إلى أي مكان في الوقت الحالي"

أومئ لها موافقًا.

"حسنًا، أهم ما لدي راحتِك، سأفعل ما تشائين"

تبسَّمت، وضمَّت خصره بذراعيها تقول.

"شُكرًا لكَ جون، أنتَ رائع حقًا فيما أنا هُنا أتصرَّف بأنانيّة"

نفى عن نفسِها التُّهمة حينما نفى برأسه وقال.

"لستِ كذلك، أنا أفهمك!"

وهكذا إنقضت الأيام الباقيّة في الشهر، بهدوء وسلام، وذلك لأن أحد لم يعلم أن جون وروز عادا مُذُّ وقت؛ كي لا يصل الخبر إلى جونغداي، ويُسارع في تدمير سعادتهم اليافِعة.

اليوم أخيرًا في المساء؛ تُحضِّر عائلة جون عشاء يجمع بين العائلتين كيم، عائلة روز وجون، بمُناسبةِ عودة جون وروز من السَّفَر، وإنضمام فرد جديد إلى العائلة.

روزماري كانت تقف أمام تسريحتها، تضع لمساتها الأخيرة على مظهرها، إختارت فُستان خَمري اللون من قُماش ناعم، يضيق عليها فيبرز فيها علامات النُضجِ والجمال.

وسرَّحَت شعرها ذي الأمواج على كتف يتيم، ثم إكتفت بقِلادة في عُنقها، ساعة في مِعصمها، وخاتم الزواج ذا الحجر الألماسي.

لكنها تنفَّسَت بثقل، هذا سيكون أول إجتماع بينها وبين عائلتها مُذُّ آخر نِزاع تسبب به لوكاس بتعاونه مع جونغداي، والأسوء أنَّهُ أمام عائلة جون، وهي لا يُمكِن أن تتظاهر بالوِد تِجاههم ولو أرادت، لطالما كانت صريحة وعلى طبيعتها، لا يُمكنها تزييف إنفعلاتها أو كبتُها.

آتى جون من خلفها، وعانق خصرها ثم استند على كتفها بذقنه، وأخذ ينظر لها عبر المرآة فابتسمت.

لقد إرتدى جون قميص أبيض رسمي، وبِنطال أسود ولم يضع السُّترة، وترك بعض الأزرار من قميصه مُفتَّقة، رفع شعره الأسود عن ناصيته بفاصلة جانبية، واكتفى بساعة فضيّة وخاتم الزواج.

"تبدين جميلة"

تبسَّمت ونَبست.

"أنتَ وسيم أيضًا"

وضع سبابته بِلُطف أسفل ذقنها وجعلها تنظر إليه، ليطبع قُبلة خاملة قُرب شفتيها، ثم علَّق مشحونًا بأنفاسٍ ضائعة.

"لا أدري كيف يحدث هذا معي، لكنّي أشتاق لكِ حتى وأنتِ بين يديّ وأمامي هكذا"

تبسَّمت، وإلتفتت له؛ تُعانق عُنقه بساعديها وقالت.

"لأنَّك ما زِلت جون المجنون والمُعجب المهووس، الذي يتبعني في كُلِّ مكان اذهب إليه"

ضحك بخفّة وأومئ يقول.

"لكنّي أصبحتُ مُطارِد شرعيّ لكِ، لا يُمكنكِ أن تُبعيدني عنكِ أبدًا"

نظرت في عينيه ذوات البُّن، وهمست بنغمةٍ يُحبها.

"لن أُبعدُكَ ولن أبتعد عنك أبدًا!"

قاد جون بسيارته الطريق إلى منزلِ عائلتِهِ الفارِهة، الذي يقطُن في إحدى أرقى الأحياء، وأكثرها رفاهيّة في العاصمة سيؤل؛ حيُّ القُصور المَدعوّ أبوجانغ.

كانت روزماري تجلس بجانب جون، وتنظر عبر النافذة إلى الشوارع الراقيّة، التي تُعمِّرُها حياة الرفاهيّة.

كانت تشعرُ بالقلق والخوف، لاسيما وأن العَشيّة هذهِ الليلة مُتاحة لتوزيع التقييمات، وفرض السُلطة، والإستعراض.

لا تخشى من عائلة جون؛ فهي تدري أنَّ لا أذيّة قد تلحق بها مُنهم، فسواء كانوا يُحبونها حقًا أم أن تقبُّلهم لها لإرضاء ابنهم الوحيد؛ هُم لن يضرّوها بشيء.

إنما هي تخشى من عائلتها وتصرفاتهم، هي الأدرى بهم...

والدها من النوع الذي ينفخ ريشه مثل طاووس رغم أنَّه بعيد عمّا يدعو للمُفاخرة كُلَّ البُعد، وبخيل أيضًا لذا تتوقع أن يأتي بيد خاليّة أو بهديّة باخِسة؛ رُغم أن المال الذي يصرفه مالها.

وأما أمها؛ فهي من النوع الذي ينتقد الناس بوجوههم دون أن تُراعي مشاعرهم أو أهمّية توطيد علاقتها بهم؛ وكأن ما لديها لا يملك أحد أفضل منه، أو أن لديها الحق لتنتقد الناس، أو أنها لا تحتاج أحد ليقف بصفها في نهاية المطاف؛ فهي تنتقِد ولا تتحمل أن ينتقدها أحد، تدَّعي أنها تقول الحق بينما هي تقول ما يَدُرُّ في صالحها فقط.

أما البقيّة فلا تخشاهم، فأُختُها سيلينا تُجيد التَّملُّق وقلب الأقنعة ببراعة، يُمكنها أن تَدَّعي أنها ملاكًا مُنزَّلًا أمام الناس فيحبونها، وتلدغهم ما إن يعطوها الأمان في ظهورهم.

عِلَّتها الوحيدة التي قد تؤذي شخصًا بات حذرًا من وجهها الحقيقي كماري أنها كثيرة الكلام، تنقل الكلام وتختلق بعضه.

وأما أخوها لوكاس؛ فلطالما يأخذ المال من جيبتها سيسير كما تُريد ولن يجرؤ أن يعصيها، لأنَّهُ تعلَّم درسه أخيرًا.

وزوجته تحذو حذوه؛ فلطالما المال يملئ فمها ستُبقيه مُغلقًا.

هي من كل العائلة هذه لا تُحِب سوى الأطفال الصِّغار، لأنهم ما زالوا صِغارًا ولم تلوثهم الدُّنيا بِخُبثِها ومكرِها.

شعرت روز بربتة من يد جون على يدها دون أن يقول شيء، فقط يقود، يخبرها ألا تقلق دون الكلمات بل عبر اللّمسات.

وصل أخيرًا جون وروز، إلى منزل العائلة، كانت بإستقبالها مُربيَّة جون، إذ عانقت جون عِناقًا حارًا ثم عانقت روز.

"أطفالي الجميلون! هل قضيتُم وقتًا مُمتِعًا"
روز أخفضت رأسها بحرج، وجون بالخفاء أمسك بيدها، وشدد عليها فيما يُجيب مُربيتُه.

"بالطبع أُمي!"

أومأت السيدة ضاحكًا سِنَّها، ثم أشارت لجون وزوجته أن يدخُلا.

"العائلة بإنتظاركم في حديقة المنزل، تفضّلا!"

ربَّت جون على كتفِ مُربّيته، وسحب روزماري معه إلى حيثُ أفراد عائلته مُجتمِعة.

كانا السيد والسيدة كيم وآيرين يجلسوا؛ مُتشاركين النسيم العليل والطلّة البهيّة للحديقة، التي لا تبهت مهما قدم المكان.

وقفوا لتَّرحيب بالعروسين، ثم جلس الجميع على الآرائك في الحديقة بإنتظار العشاء عبر تبادل الأحاديث، إذ تكلَّم السيد كيم.

"بُني؛ هل استمتعتُم بشهرِ العسل؟"

أجاب جون بعد إيماءة فيما روز تجلس بجانبه، تشاركه الأريكة، ويدها بيده.

"نعم أبي، لقد قضينا مُعظم الوقت في منزلنا، وذهبنا لزيارة بعض المناطق السياحيّة"

أومى السيد مُبتسمًا.

"من المُريح سماع ذلك!"

ثم السيد نظر إلى روزماري وقصدها بحديثه.

"ابنتي، لقد إعتاد جونميون أن يذهب إلى تايلاند في كُلِّ عُطلة وكلما اقترب موعد إصدار كتاب، لقد كتب أول رواية رومانسيّة هُناك، يقول أنَّه يشعر بالإلهام بين أحضان الطبيعة"

ضحكت السيدة بخفّة وقالت.

"هكذا مزاج الكُتّاب!"

اتبع السيد.

"ستذهبين لها معه مُجددًا لو أردتِ؛ بما أنَّهُ يذهب إلى هُناك كثيرًا"

أومأت روزماري بصمت وإبتسامة خفيفة على شفتيها، حينها أتت إحدى العاملات في القصر تُعلمهم.

"سادتي؛ عائلة السيّد كيم جوزيف أصبحت هنا!"

وقف الجميع حتى روز، لكنها وقفت بإرتباك، تريد فقط ألا يحرجونها.

ولجت عائلتها، أولها والدها الكَهِل وكما توقَّعت يده فارغة، ثم والدتها على شفتيها إبتسامة خافتة قد أخفتها التجاعيد، ثم لوكاس يحمل على يده صندوق، تنهدت براحة، إنها هديّة، ثم زوجته تمسك بطفليها، وأختها أخيرًا تمسك بطفلتيها.

كانت روز آخر من يصافحهم في الصف، وكان لقائها فيهم غير حار على عكس توقعات عائلة جون، بل كان بارد وأزيد.

جلس الجميع على طاولة الطعام حينما تمَّ إستدعائهم، وبينما الجميع يأكل بصمت السيد كيم تحدَّث إلى السيد جوزيف.

"سيد جوزيف؛ لم يتوفر لنا من قبل أن نتحدث على وجه الخصوص، دعنا نكن مُقرَّبين"

والدها أومئ وابتسم.

"من دواعي سروري"

"بماذا تعمل سيد جوزيف؟"

ضحك السيد بخفّة وقال.

"لقد أصبحتُ عجوزًا بالسَّبعين، لا أُطيق العمل كما ترى"

أومى السيد وقال.

"إذًا كيف تُعيل عائلتك؟"

أشار جوزيف نحو روزماري قائلًا.

"ابنتي تُعلينا، لقد كبَّرتُها وربيتُها وصرفتُ عليها حتى إشتَّد عودها، ألا أملك الحق أن تُجازيني في كِبَري؟!"

ثم قهقه، وروز شددت على يدها أسفل الطاولة، لكن جون أمسد بيدها وفسَّر.

"بالطبع عمّي، بما أن روز مُقتدرة ماديًّا لا بأس لو عاونتكَ بالمصروف"

أرادت السيدة كيم أن تُبدِّل السيرة المُحرِجة، وتحدثت تبتسم بلباقة.

"اوه سيدة ميلاني، كيف ترين الطعام، هل أعجبك؟"

أومأت والدة روز رغم أن شفتيها المُبرَمة لا تتوافق وإيماءاتِها.

"لا بأس به... يؤكل!"

نظرت روز إلى والدتها مشحونة بالغضب، وكادت أن تنفجر الآن وهنا لولا أن سيلينا قهقهت وقالت.

"اعذري أمي سيدتي، إنها مريضة ولا تشعر بطعم الطعام في فمها، آسفة بالنيابة عنها"

ثم إلتفتت إلى زوجة أخيها، التي تأكل كما لو أنها ترى الطعام لأول مرة في حياتها.

"زوجة أخي تأكل بشهيّة، وهذا خير دليل أن الطعام لذيذ، أليس كذلك يونمي؟"

يونمي أومأت وفمها مملؤ بالطعام تحدَّثت.

"نعم، إنَّه بالفعل لذيذ!"

نظرت روزماري إلى الجميع بإمتعاض، لا أحد منهم يأكل بأدب حتى، فقط شقيقها لوكاس بما أن جونغداي علَّمه آداب الطاولة مُسبقًا، وأختها سيلينا بما أنها تحب التظاهر بالرُّقي.

والدها يمسح بقطعةِ الخبر شفتيه بعد الصَّحن ويلقط بيده ما يقع ليضعه بفمه، أمها تأكل بيدها حالها حال بقيّة أفراد العائلة، يونمي تأكل وكأنها جائعة منذ أعوام، والأطفال يأكلون بأيديهم،  ويلعبون بالطعام، ويبسقونه على الملئ، ويلعقون أيديهم.

مسحت روزماري شفتيها بالمنديل، ثم نهضت عن الطاولة تتعذر.

"سأذهب إلى دورة المياه"

سارت إلى دورة المياه وهناك غسلت يداها، ثم نظرت إلى نفسها بالمرآة، تكاد لفرط الغيظ أن تضرب نفسها، أو تلكم هذه المرآة التي تريها كم أن نسبها وضيع يفتقر للباقة.

لكمت بيدها حوض المغسلة عدة مرات بعصبية.

"اللعنة اللعنة اللعنة!"

لم تَكُ لتشعر بالسّوء أكثر من هذا، تكاد لفرط الحرج ألا تخرج أبدًا من هنا.

بعد مُضي الدقائق؛ سمعت صوت طرق خفيف على الباب، ثم صوت جون من خلفه.

"حبيبتي، هل تخرجي الآن؟!"

تنهدت روز، ثم خرجت لتراه يقف أمام باب دورة المياه، أمسك بيدها دون أن يقول شيء، وسحبها لغرفته.

أدخلها ثم أغلق عليهما الباب، وإلتفت لها يقول.

"أنتِ بخير؟"

وجدت نفسها تصيح بشكوى والدمع يملأ المآقي.

"هل تراني بخير؟!.

وكيف أكون بخير وأنا مُحرَجة من أهلي ونَسبي، أخبرني رجاءً؛ كيف أكون بخير؟"

تمسَّك بكتفيها وبنبرةٍ حنون نبس.

"هَوِّني عليكِ، الأمر لا يستحق، حسنًا؟!"

نزلت دموعها دون أن تقدر أن تمنعها أكثر، فإلتفتت عنه تمنحه ظهرها، فلا تُريه هذه الدموع ونبست.

"كيف لا يستحق؟ كيف سأنظر بعينِ عائلتك من اليوم؟

هُم حتى لو ما قالوا شيء؛ يعلمون أنكَ أفضل مني ألف مرة، وأنني لا أستحقك، أنتَ كثير علي!"

أمسك بعِضدها وجعلها تلتفت إليه، مسح دموعها بخشونة جعلتها تتألم فأنَّت وابتعدت عنه تقول.

"أنت تؤلمني!"

تنهد سوهو ولحف خصريها بكفّيه.

"ألا ترين أنَّكِ تُبالغين كثيرًا؟
كيف لكِ أن تخجلي من أهلِك؟!
هُم أهلك مهما فعلتِ، واسمكِ لن يتجرَّد منهم مهما فعلتِ، لذا كوني مُحترمة معهم أكثر ومع نفسِك، ألا يُمكنك؟"

"جون!"

"وأنتِ لِمَ تهتمي بما يفكرون به أهلي، أنتِ زوجتي أنا، لستِ زوجة عائلتي، وأنا زوجكِ أنتِ، لستُ زوج عائلتك، لِمَ تهتمي بالآخرين إذًا؟!"

كادت أن تتكلم لتبرر موقفها لولا أنه رفع سبابته يشير لها بالصمت وبنبرة ما زالت محفوفة بالغضب قال.

"لا تكوني ابنة سيئة لأبويكِ، مهما كانوا سيئين معكِ لا يحق لكِ أن ترديها لهم، أنتِ ابنتهم ولستِ عدوَّتهم"

إقترب منها خطوة هي كل ما يفصلهم،  واتبع يحذر بسبابّة مرفوعة وحاجب مرفوع.

"أياكِ يا روز أن تُقللي من شأنكِ مُجددًا وشأن من هم يخصّونك أمامي أو أمام غيري"

إلتفت عنها؛ ينوي أن يغادر الغرفة؛ ليوفر لها وقتًا مستقطع قصير؛ لتفكر به بينها وبينها فيما تفعله بنفسها وبه، لكنها لم تسنح للفرصة أن تأتي، إذ إلتحفها الأستياء وقالت.

"أنا الآن أرى لك وجه لأول مرة أراه! أنتَ لم تَكُ هكذا معي، ما الذي تغيَّر جون؟!"

إلتفت وأشار لها بسبَّابته.

"أنتِ من تغيرتِ ولستُ أنا، أنا وقعتُ في حب إمرأة شامخة مثاليّة ذات غرور وهيبة، أما أنتِ فلستِ سوى إمرأة تحتقر ذاتها وتخجل من عائلتها، أنا لم أُحبُّكِ هكذا!"

نظر في ساعته ثم نبس يتحدث لها.

"سأُمهلكِ خمس دقائق حتى ننزل معًا للأسفل مجددًا، ها أنا أقف قُرب الباب بإنتظاركِ"

جلست روزماري على سريره بعدما إختفى جسده خلف الباب، وتنشَّقت نفسًا مُستنكرِة معاملته الآن.

لطالما آواها بين ذراعيه، الآن يهاجمها...!

هل سيُمارس عليها الآن دور الزوج الذي يفرض عليها القيود الزوجيّة؟!

لا، هذا مُبالغ فيه.

نهضت تقف على مرآته وضبطت أحمرِ شِفاهها، ثم خرجت، مدَّ يده لها وقال.

"لا تفهمي غضبي منكِ كذكوريّة أُمارسها عليكِ، أنا فقط أُريدكِ سيدتي المهيوبة التي أفخر بها دومًا."

تَبسَّم مُجددًا وأخذ يدها بيده، بما أنها لم تضع يدها بيده طواعيّة، ثم رفعها إلى شفتيه يطبع قُبلة على ظاهِرها.

"هيا ننزل!"

تنهدت ترمقه بأستياء، ثم سارت معه.

عادت أدراجها إلى مجلس العائلتين، حيث يجلسوا جميعًا بإنتظار أن يحصلوا على القهوة، جلست تبتسم بجانب جون، ويدها بيده.

مَضت السهرة على ما يُرام، وألتقمت روز الإحراج بالصَّبر حتى إنتهت أخيرًا، وغادرت عائلتها.

لكن لوكاس توقف قُرب الباب يقول.

"روز، دعيني أُكلمك لدقيقة"

نظرت لجون الذي أومئ لها، فخرجت مع أخيها، فقط لأنه طلب منها دقيقة أمام عائلة جون.

وقفت بعيدًا عن الأنظار معه وتكتَّفت.

"ماذا تُريد منّي؟"

نظر حوله ثم قال لها بصوت منخفض.

"روز، وددتُ أن أخبرك كي لا تظنّي أنّي أفعل شيئًا بالخفاء عنكِ"

عقدت حاجبيها كذا ساعديها إلى صدرها ونبست.

"ماذا؟!"

"جونغداي يحاول التواصل معي، لديه شيء جديد كما فهمت، لكنّي رفضتُ التعاون معه"

أومأت له وقالت مُحذِّرة.

"أياكَ أن تخونني مُجددًا، تفهم تبعات ذلك، صحيح؟!"

أومئ لها.

"أعلم، اقسم أنّي لن أتحالف ضدكِ أبدًا!"

"يمكنكَ أن تُغادِر الآن"

أومئ ثم غادر، تنهدت روزماري تقطب ملامحها، فلا تدري بأي أمر يُفكِّر إطلاقًا جونغداي، ما الجديد الذي يملكه ضدها؟!

إلتفتت تشعر بالقلق حينما ناداها جون، فذهبت ناحيته، حينها والدته قالت بإبتسامة.

"أود لو نقضي بعض الوقت معًا ابنتي، إن أمكنكِ أن تقضي عدة أيام هُنا قبل أن تعودي للعمل"

نظرت إلى جون فقال.

"إن كنتِ موافقة لنبقى"

أومات.

"حسنًا، لنبقى"

أحاط كتفيها بذراعيه، ودخل بها إلى المنزل، تَفرَّق الجميع إلى مضاجعهم، واستخدم جون غرفته الخاصة له ولزوجته، التي ما إن دخلتها بادرت بإستكشافها.

إنها غُرفة واسعة تقضي حاجة طالب جامعي، مكتب، ومكتبة، وكُتب.

"لا يبدو أنكَ قضيت وقتًا طويلًا في المنزل هنا"

أومئ لها فيما يقف أمام مرآته، ويفك أزرار قميصه يقول.

"بالتأكيد، لقد انفصلت عن أهلي حينما إزدهرت كتاباتي، كنتُ أتنقل كثيرًا بين تايلاند وسيؤل"

أومأت بتفهم، ثم إلتفتت ناحيته لترى هذه الغوايّة.

إنَّه بصدرٍ عارٍ الآن، يقف أمام مرآته، ويضع كريم على وجهه.

إقتربت منه من خلاف وعانقت خصره، ثم طبعت على ظهره قُبلة، وتلك الرَّعشة التي سارت ببدنه لم تغفى عيناها عنها.

"جون حبيبي، لا تغضب مني كما غضبت اليوم، بدوتَ مُخيفًا"

أمسك بيديها التي تحيط خصره، وإلتفت لها، طبع قُبلة على ناصيتها، واحتضنها.

"أنا آسف لأني أخفتُكِ!"

أحاطت خصره بذراعيها وإلتجأت إلى زِنديه، وإرتاحت على صدره برأسها، ثم أغلقت عينيها، لكنه فجأة شعرت به يحملها ويضعها على سريره فاعترضت.

"جون، لكنّي بفُستاني، ألن أجد لي ثياب هنا؟"

أومئ.

"للأسف لا، لدي أقمصة واسعة، أكتفي بها الليلة، وغدًا آتي لكِ بثياب من الشِّقة"

وضعت يداها على صدره ودفعت به عنها بلُطف.

"حسًنا، كُن مؤدَّب وابتعد عنّي الآن"

نفى برأسه، ونقر ذقنها بسبّابتِه يهمس.

"لا أريد، إمرأتي ومن حقّي أن أكون شقيًّا معها"

ضحكت بخفة، واستقبلت قُبَله التي تناثرت على وجهها وعُنقها عن حُب، وعانقت عنقه ترد له الحُب بالحُب.

..............

كانت تسير أوريل إلى حيث يجب أن تلتقي مع تشانيول في موعد، لقد انقضى على مواعدتها قرابة الشهر، وهو أصبح يتحدث معها بطريقة ألطف وأفضل، هذا الإنجاز الوحيد الذي وصلت له معها.

اليوم تواعدا أن يلتقيا في ايتيوان، بين حاناتها الشهيرة ومرافقها الذاخرة بالمُتعة.

كان يقف قِبالة حانة شهيرة في المنطقة بإنتظارها، وما إن رأته لوحت له بحماسة كي يلاحظها، ثم هرولت إليه تبتسم بل تضحك.

"تشانيول هنا!"

نظر لها وأومئ أنَّهُ يراها، تأبَّطت يده، ودخلت معه إلى الحانة، طلب لأجلهما الطعام والكحول.

"سمعتُ أن جون وزوجته قد عادوا!"

أومئ لها تشانيول يقول.

"نعم، مُذُّ يومين"

أومأت أوريل بتفهم، ثم عاد كلاهما للصمت، نظرت له تبعث عن سيرة أخرى تتحدث بها، لكنها لا تجد، وهو بالتأكيد لن يُبادِر بالحديث أبدًا؛ لذا عادت لتتناول الطعام بصمت.

لكن رجلًا ما بصحبته الماجنة ما فتئ يغمز لها من ظهر تشانيول، تجاهلته أوريل قدر إستطاعتها، لكن عندما نهض تشانيول لغسل يديه شعرت بالأرتباك، إذ استغلوا الفرصة وجالسوها بغياب تشانيول.

أحدهم أحاط كتفها، والآخر تلمّس وجنتها.

"لِمَ فتاة جميلة تجلس مع رجل ذا قلب بارد لا يُشبع عاطفتها بالحب؟"

دفعت بيده عنها ونبست.

"اهتم بشؤونك!"

حاولت أن تنهض لكن الشاب ذا الإبتسامة الماجنة اجتذبها من كتفها لتبقى جالسة وهمس قرب أذنها.

"أنتِ شؤوني الآن فقط!"

تَلفَّتت أوريل تنظر حولها بحثًا عن تشانيول، لكنه لم يأتي بعد، ولن يتطوَّع أحد داخل الحانة أن يُساعِدها للتخلص من هؤلاء الرِّجال.

شعرت بالخوف الشديد حتى أن ذقنِها أخذ يرتجف، لكنه ما إن مَسَّ أحدهم وجهها مُجددًا ضاحكًا يسخر منها مع رِفاقِه، أبعدت يدهُ بخشونة عنها.

"انظروا إلى الصغيرة! تكاد أن تبكي من الخوف"

نبسَ بعدما أبعدته ضاحكًا.

"لا تكوني فتاة سيئة أيتُها الجميلة!"

تجرَّأت يده أن تلمس خصرِها، فما كان منها إلا أن تقف وتلطم وجهه بكل ما تحمل من قوّة، إستاقمت تبغي الفِرار، لكنَّ المصفوع أمسك بمعصمها فيما يتحسس حيث صفعته وقد أخشوشنت ملامحه وتعبّأت بالغضب.

رَصَّ بقبضتِه على معصمها كثيرًا، فانحنت تتألم فيما تحاول سحب يدها منه.

"اتركني أيها الوغد!"

أجلسها بالقوّة حيث كانت، وما إن رفعت وجهها كادت أن تهوي يده عليها بصفعة، لكن قبضة صلِدة نالت منه وأوقعته من فوق الكُرسي أرضًا.

ظهر بطلها أخيرًا وقاتلهم جميعًا، كانوا كُثُر لكن جميعهم صعاليك، وتشانيول ضخم الجُثّة قويّ القبضة؛ لذا قَدِر عليهم دون أن ييذل جهودًا مُكثَّفة لِمُقاتلتهم.

إلتفت لها أخيرًا، وكان يلهث أنفاسه بقسوة، صدره يعلو ويهبط، وملامحه تكاد لفرط غيظه أن تنفجِر.

أمسك بكتفيها بين كفّيه ونبس لاهثًا.

"أنتِ بخير؟!"

أومأت له، فقرّبها إليه حتى أصبحت بين ذراعيه يضمُّها.

"لا بأس، لا تخافي، أنا هُنا"

تنهدت تُريح رأسها على صدره، وأحاطت خصره بذراعيها تقول.

"شكرًا لكَ تشانيول!"

أومئ لها ثم أمسك بيدها، وسحبها معه خارِجًا، كانت تسير معه في الشوارع الصّاخِبة، وكلاهما لا يقول شيء.

"هل أشتري لكِ شيئًا تأكلينه؟"

نفت برأسها وقالت.

"لا، أنا بخير"

اتبعا السير بين الطُرقات دون أن يتبادلا حديثًا، فتشانيول كالعادة لن يُبادِر، وأوريل لا تُطيق فعل شيء اليوم.

توقفت عن السير معه فجأة فإلتفت لها، حينها قالت.

"أشعرُ بالتَّوعك، سأعود إلى المنزل"

"حسنًا، سأوصلك"

رفضت نافية.

"لا، أريد أن أسير"

ولم تناقشه أكثر، فقط غادرت بصمت.

تنهد تشانيول فيما يراها تُدبِر وهي توليه ظهرها، لكنه لم يستطع أن يمضي ويتركها فقط، تبعها دون أن تحس به حتى صعدت بسيارةِ أُجرة إلى منزلها.

توقف تشانيول عن تتبعها وعاد أدراجه لأجل سيّارتِه، لكنه لم يذهب، بل تنهد وأوعز جبينه إلى المِقوَد يُفكِّر في حيرة.

أوريل من تشغل باله هذهِ الفترة، لقد كانت معه عندما لم يَكُ هناك أحد يواسيه سِواها، الوحيدة التي أشعرته أنَّهُ مرغوب ويصلُح للحب، إنها المرأة الوحيدة التي لاحقته بجراءة تفضح له أنَّها تحبه.

المواعيد معها كشفت له أنها ليست مجرَّد طفلة غبيّة ومجنونة، بل إكتشف منها جوانبًا ناضجة.

فهي المرأة التي واسته عندما إحتاج، هي مُنتِجة رائعة في مجال العمل، هي فتاة لطيفة لو أرادت، وامرأة قويّة لو أرادت.

لا تشبه روزماري، هو لا يريد إمرأة تشبهها؛ كي لا يخدع نفسه ولا يخدعها معه، هو يريد أن يتخلَّص من حُبِّ روز الذي ترعرعَ داخله لِعدَّةِ سنين.

هو يُريد أن يجد سعادته الحقيقيّة مع إمرأة مٌختلفة، تحبه ويحبها، وطالما هو يفكر عبر هذا المنهج لا يمكنه أن يُفكِّر سوى بأوريل.

لذا وجد نفسه دون أن يتردد يقود إلى الحي، الذي تسكن فيه أوريل، تريَّث أمام بابها ينتظر أن تفتح له الباب.

وحينما فتحت الباب تفاجئت برؤية ضيفها الغير متوقَّع هذا، لكنها ما كادت أن تقول كلمة حتى فاجئها به يُقبِّلُها، يتمسَّك بوجنتيها، ويدخل بها إلى قعرِ شِقَّتِها.

تبسَّمت أثناء القُبلة، لكنها انخرطت معه سريعًا بها، لم تشأ أن تفكر بشيء سوى هذه اللحظة الثمينة.

أبعدت السُترة عن حدود كتفيه، وهو فتَّق أزرار قميصها، ثم ترك شفتيها لتنخفض قُبلاته صوب عُنقها البَّض.

أوريل تمسَّكت بكتفيه وأغلقت عيناها تستند عليه... لا نحتاج أن نُفكِّر كثيرًا إن وقعنا في الحُب.

.......................

تشعر روزماري بالرّاحة أكثر الآن، فلقد مضت عدة أيام مُذُّ تواجدها هنا في قصر العائلة، أهله إعتادوا عليها، وهي إعتادت عليهم، حتى أنَّها تقرَّبت من آيرين ووالدتها.

كانت تجلس مع أعضاء العائلة في الحديقة الخلفيّة للقصر، إذ بعد الإفطار؛ اجتمعوا على كوب قهوة؛ لكن روزماري إكتفت بكوب شاي بالليمون.

كانت روزماري تجلس بجوار جون، وتستند برأسها على كتفه؛ وعلى حين غرَّة؛ أعلنت إحدى العاملات أنَّ اوه سيهون هُنا.

دخل الشاب سريعًا، وألقى التحيّة ليجلس بجوار آيرين قائلًا للسيد كيم.

"عمّي، أنا لا يمكنني أن أصبر أكثر من ذلك، لقد تزوَّج جون أخيرًا، والآن قد حان دوري!"

جلس السيد كيم بجديّة ينظر للشاب الصغير الثائر هُنا يقول.

"ما الذي تقصده؟"

فجأة أمسك سيهون بيد آيرين، التي تجلس بتوتر، ورفع يدها المنعقدة بيده يقول.

"أنا أحب آيرين سيدي، ولا يمكنني أن أعيش دونها، لذا رجاءً آذِن لنا بالأرتباط"

إلتفت السيّد إلى زوجته وقال.

"ما الذي يقوله هذا الصبيّ؟!"

السيّدة أشارت أنّها لا تعلم وعلامات المُفاجأة تعلو وجهها.

جون تنهد، فلا ينسى كيف أخبره أنه يحب أخته، وروز ضحكت بخفّة أسفل يدها، ثم وكزت جون ليتدخل.

"أبي؛ سيهون شاب أحمق كما ترى، لكنَّهُ يؤتمن على قلب آيرين، هُما يُحبّان بعضهما مُذُّ وقت طويل، وأنا ما استعجلتُ بزواجي إلا لأجلهما، لذا من بعدِ إذنِكَ يا أبي؛ اسمح لسيهون أن يتقدَّم لآيرين بشكلٍ رَسمي!"

"ما هذا الهُراء!"

ما إستطاعت روزماري أن تكتم ضحكتها أكثر من ذلك، فأخذ جسدها يهتَّز بخفّة، وصوت قهقهاتِها التي مهما حاولت إخفائها، تجدها تنبلج رُغمًا عنها.

...

وقفت روزماري خلف آيرين التي تجلس على الكُرسي أمام المرآة تضبط لها شعرها، فاليوم سيأتي سيهون بعائلته لأجل وضع خُطط الزواج الرسميّة.

كانت قد إرتدت آيرين فُستانًا تخمَّرت حُمرته على جسدها كما النبيذ تمامًا، وجعلت شعرها الأدهم على كتفيها مُرتاحًا، صقلت شفتيها بلون النبيذ كجسدها، ووضعت الكُحل في عينيها، وانتهت هكذا.

وأما روزماري؛ فكانت ترتدي بِنطال من الجينز الأسود وقميص أبيض، كما أنَّها رفعت شعرها على هيئةِ ذيلِ حصان، وهكذا أتممت مظهرها، فاليوم ليس لها، لعروسٍ جديدة.

تمسَّكت آيرين بيد روز على كتفها، ونبست تنظر إلى إنعكاسها في المرآة.

"روز، سمعتُ أنَّكِ ستعودين إلى الشِّقَّة غدًا، لِمَ لا تبقين لعدةِ أيام أُخَر"

نفت روزماري برأسها وأجابت بأسف.

"لا يُمكنني، لقد إنتهت إجازتي بالفعل وغدًا لديَّ عمل، لكن أنا سآتي للزيارة في كل أسبوع، وباب منزلي مفتوح لأي فرد من عائلة جون بأي وقت بالتأكيد عزيزتي!"

تبسَّمت آيرين وقالت.

"إذًا؛ أُيمكنني إعتباركِ بِمقامِ أُختي؛ فألجئ إليكِ كُلما ضاقت الدُّنيا بي؟"

أومأت لها روز.

"بالطَّبع أيتُها الحمقاء! أوتحتاجينَ إذن؟!"

ربَّتت آيرين على يدها باسمة ونبست بإمتنان.

"شُكرًا لكِ روز، أُقدِّر لكِ هذا!"

أقامتها روز من كتفيها، وأخذت تدفعها برفق إلى الخارج تقول.

"إذًا هيا الآن هيا، لاحقًا نُكمل أحاديثنا العاطفيّة، دعينا نختبر العريس"

نبست آيرين بدهشة بينما تدلف بها روزماري إلى المطبخ.

"لِمَ ماذا سنفعل به؟"

حملت روز بكفّتيها عُلبتي السُّكَّر والمِلح ونبست بخُبث.

"قولي ماذا لن نفعل به!"

حملت آيرين صينيّة القهوة التي رُصَّت عليها فناجين القهوة وقِطع الشوكولاتة الفاخرة، أعطت الضيافة أولًا لسيهون قبل الجميع، وأشارت له بعينيها أيَ فُنجان يلتقط، ثم ضيَّفت البقيّة.

أتت لتجلس قُرب روزماري، ومن الطريقة التي تنظر روزماري بها إلى سيهون؛ فهم جون أن سيهون سيكون بحالة سيئة قريبًا.

إذ ما إن إرتشف من قهوته أخذ يسعل بقوّة كما لو أنَّه تناول العلقم، لكن آيرين أشارت له أن يصمت ويتناول ما قدَّمت له، فسيهون تناول قطعة الشوكولاتة لعلّ حلاوتها غيَّرت طعم القهوة المالحة بفمه، هو فقط تمنّى ذلك ببراءة، ولم يَكُ يدري أنهنَّ قُمنَ برشِّ قطعته بالفُلفُل الأسود؛ والمسكين أخذ يسعل مجددًا، والفتاتان يضحكن بتكتُّم.

تنهد جون من هذه الشقاوة، وتحمَّد ربَّه أن إجراءات زواجه سارت بِسُرعة وإلا لذاق العلقم كما يحدث لسيهون المسكين الآن.

جون أشار لروز أن تنهض معه، ثم سار متوجهًا نحو المطبخ، وهي لحقته، وما إن ولجت المطبخ حتى إنفجرت ضاحكة.

"هل رأيتَ سيهون؟!... يا لهُ من مسكين!"

ضحكت حتى نزل الدمع من عيناها، كان ينظر لها أثناء ذلك،  ونسى أنه آتى ليحاسبها عمّا تفعله بصديقه، إقترب منها ومسح دموعها بإبهاميه فيما هي ما تزال تضحك رغم أنَّها استُهلِكت.

"لأولِ مرة أرى دموعًا جميلة!"

توقفت عن الضحك أخيرًا، ورمقته بإبتسامة واسعة وعينان ضاحكة فاتبع.

"من أين تأتي بكل هذه الشقاوة؟!

أنا حقًا لا أدري!"

رفعت كتفها وبرمت شفتيها تقول.

"ربما لدي بعض الجوانب التي لم تكتشفها مني بعد"

رَصَّ خصريها بين ذراعيه وألصقها به قائلًا.

"سيسُرّني إكتشافها عزيزتي"

إنحرفت نظراته إلى شفتيها، وهي طاوعته في نواياه الحميميّة، فاقتربت الشفاه وتلاقت لقاءً قصير بحكم الزمان والمكان، ثم بادرت روز بالإبتعاد قليلًا وجون تسآل فيما ما زال ينظر إلى شفتيها.

"هل يمكن أن أعلم ماذا فعلت سيدتي المهيوبة بصديقي المسكين؟"

رفعت كتفيها تنفي التُّهمة عنها وكأنها باطلة ونبست.

"لا شيء مهم، أنا فقط أخبرتُ آيرين أن تختبر حُبَّهُ لها على حسب العادات الشرقيّة، وأضفتُ عليها لمساتي المميزة"

"هكذا إذًا! الشُّكر للرّب أنّي نفذت منكِ"

أحاطت عنقه بذراعيها وهمست باسمة.

"حُبُّكَ لي ليس بحاجة لإختبار ركيك كهذا، لطالما وضعتك في إختبارات دون قصد، ونجحت فيها دون أن تدري"

إجتذب رأسها وطبع على ناصيتها العلياء قُبلة، فخور بها، وبحبها، وبأنها الآن زوجته، وعلى اسمه.

"أُحبُكِ!"

"وأنا أحبُكَ!"

......................


"واحد، إثنان، ثلاثة... أدِر الكاميرا!"

ابتسمت روزماري للكاميرات المتوجِّهة نحوها وكأنها ترى جمهورها خلالها، اليوم أمام الكاميرات ترتدي فُستان أزرق بلون السماء، وتركت شعرها حُرًّا على كتفيها، وبأصبعها خاتم الزواج؛ فهذا ظهورها الأول بعدما أصبحت حرم الكاتب سوهو رسميًا.

"مسائكُنَّ قوّة، هذهِ السنّة إنقطعتُ عنكنَّ كثيرًا بفعل الظروف، فاضطررتن أن تشاهدن حلقات مُعادة كثيرًا، لكن ظرفي الأخير كان ظرفًا سارًّا بلا شك.

لقد تزوجت... نعم؛ عدوّة الرِّجال والرومانس تزوجت بملك الرومانس؛ الكاتب سوهو.

أدري أن بعضكم يراني بخيبةِ أمل، وآخرون يستحقرونني، وآخرون يظنون أن آرائهم إنتصرت عليّ في النهاية.

لربما هذا الرَّجُل غيّرني كثيرًا، لكنَّه غيرني للأفضل، أصبحتُ أحكم من منظور موضوعيّ، وأُفكِّر أن الرَّجُل قد يكون الضحيّة أيضًا أو بطل القِصّة.

من اليوم أُعلِن أن لهذا البرنامج إزدهار فكري وكل ذلك بفضلِ الكاتب سوهو الذي أصبح مُعلِّمي، وأمسى زوجي.

بعد الفاصل؛ دعونا نلتقي في فقرتنا الأولى."

"Cut!"

تبسَّمت روزماري والمخرج أثنى عليها، كذلك تشانيول رفع إبهامه لها راضيًا، وأوريل خلف إحدى الأجهزة تبتسم برضا، لا تسعى لإرضاء أحد ولكن تسعى للتغيير إلى الأفضل.

سارت حلقة البرنامج على خير، وبُشِّرَت روز بنِسب المشاهدة التي ما تنفك ترتفع وترتفع حتى تكاد تصل إلى اعتاب الخمسون بالمائة؛ وهذا إنجاز عظيم يُسجَّل لها، وللطاقم، وللمحطّة.

في طريق عودتها إلى المنزل؛ كانت تجلس في الخلف بينما جاي يقود السيّارة وبجواره تشانيول يجلس.

"جاي، كيف تسير تدريباتكَ بالمحطّة؟"

تبسَّم وأجاب.

"أجني المال، وأحصد العلم، وأُضفي على سيرتي الذّاتيّة الخِبرة العملية، ماذا سأُريد أكثر من هذا سيدتي؟"

أومأت تنظر عبر النافذة.

"يَسُرَّني سماعُ ذلك، لا تخجل بطلب العون لو احتجته، أنا وتشانيول سنُساعدك"

"شكرًا لكِ سيدتي"

والآن تشانيول تحدَّث.

"روز، الكارهين يلاحقونكِ وأخشى عليكِ من المعجبين المهووسين، لذا رجاءً لا تخرجي وحدك، اصطحبي معك جاي أينما ذهبتِ إن لم أكن أنا أو جون برفقتِك"

لم تجادله، فقط أومأت، فلروز كارهين من الرِّجال لا يُستهان بهم، كما الآن تملك الكثير من الكارهات بسبب حياتها الخاصّة.

"لا تقلق بشأني، سأطلب من جاي رفقتي أينما ذهبت؛ راضٍ؟"

أومئ لها، واتبعوا الطريق بأحاديث عاديّة جانبيّة، حقيقة خوف تشانيول وجون ليست من المعجبين المهووسين أو الكارهين، لطالما إمتلكت روز الفئتين مُذُّ أن بُثَّت الحلقة الأولى من برنامجها.

حقيقة خوفهما هي من جونغداي، فهو في سيؤل من قبل حفل زفاف روز وجون،  ولا ينفك يُهدِّد طيلة هذه الفترة بأنه سيخبر روز بكل شيء ويدمِّر سعادتهم.

وما يفعلونه تشانيول وجون الآن ما هو إلا منعًا لجونغداي من رؤيتها، فإن رآها سيتكلَّم، وإن تكلَّم لا يدري أحد ما وقع الخبر على روز وكم ستكون عنيفة بالرَّد.

لكن السُّفن قد تجري بما لا تشتهي السُّفن، فلقد زارت روز ضيفتها المُعتادة وروز لا تملك اللوازم لهذا الشهر، لكنها خجلت أن تسأل جاي أن يخرج معها، تشانيول في موعد مع أوريل، وجون قد أخبرها أنه ذاهب لإقتناء بدلة لأجل حفل خطوبة سيهون، ولو كانا متوفّرين لن تسألهم القدوم لأجل هذه المسائل النسويّة الحرجة؛ لذا لم تملك خيارًا سوى أن تصطحب نفسها وتخرج.

كانت عائدة من البَّقالة القريبة تحمل حقيبتها، وقُربَ العِمارة السكنيّة رأت رَجُلًا يقف وينظر ناحيتها كما لو أنَّه بإنتظارها لأن تصله.

أرادت أن تعبره بلا توتر، لكنها كلما اقتربت واستدركت عيناها ملامحه شعرت بالتوتر والغضب كذلك، إنَّهُ جونغداي.

رغم ذلك أرادت أن تعبره كما لو أنها لم تراه وفعلت، لكنَّه أخذ يلحق بها حتى وصلت إلى المصعد الذي يصل بها إلى شِقَّتها، لكنه ما إن تبعها بالدخول أرادت أن تخرج لولا قبضته على عِضدها حتى أقفل الباب.

سحبت يدها منه بقوّة وقالت.

"اتركني!"

تبسَّم في وجهها، ثم اقترب منها حتى حاصرها بين ذراعيه إلى إحدى جُدرانِ المصعَد.

"تعلمين، بعد مغادرتي لكوريا ذهبتُ لليابان، وهناك قابلتُ فتاة جميلة قررتُ أن ألهو معها، ثم احزري ماذا؟"

عقدت حاجبيها فنقر أرنبة أنفها يقول ضاحكًا بإستنكار.

"الفتاة حامل منّي!"

"ماذا تقول أنت؟!"

صاحت روزماري متفاجئة، لكن جونغداي اتبع على نفس الوتيرة الهادئة.

"ماذا إكتشفت؟!"

إقترب منها كثيرًا، وبالغ في القرب حتى أدرك أنفه أنفها، ونبس بنبرة غاوية فيما ينظر إلى شفتيها.

"إكتشفت أن تحاليل الخصوبة التي أجريناها قبل بضعة سنين قد تلاعب بها تشانيول"

إبتعد عنها ونظر في عينيها بتشفٍّ يقول.

"أنتِ العقيم، لستُ أنا!"

فتح المصعد أبوابه فلوَّح لها بينما يخرج.

"وداعًا يا من لن تصبحي أُمًا أبدًا!"





........................


يُتبَع...

الفصل الخامس والعشرون "دموع جميلة"
الجُزء الخامس "لا تؤذيني بكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"



.....................


سلاااااااام


أخيرًا المشهد المنتظر وصل وروز عرفت الحقيقة👏👏👏 لكن بأسوء طريقة ممكنة💔💔💔 ايم سوري بيب😁😁

بقولكم الفصول الجايّة حتى آخر فصل بالرواية كلهم ساخنين، لهيك ادعموا الرواية وعبروا عن حبكم وحماسكم لتنزل الفصول بسرعة.

الفصل القادم بعد 100فوت و100كومنت.

1.رأيكم بِ:

روزماري؟
خجلها من عائلتها؟
شقاوتها مع سيهون؟

ماذا ستكون ردة فعلها عن الخبر الجديد؟

جون؟
غضبه من ماري لتحقيرها نفسها؟

ما الذي سيفعله بسبب جونغداي؟

تشانيول؟
تطور علاقته مع اوريل؟
خوفه على روز؟

سيهون وآيرين؟

عائلة روز وعائلة جون؟

2.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️








© Mercy Ariana Park,
книга «هَيّبَتُها|| Her Prestige».
CH26||أغرق في بحرِك
Коментарі