CH24||حُضنه الدافئ
كيم جون ميون (سوهو)
بَطل:
هَيبتُها||Her Savage love
(لا تؤلميني بكِ)
"حُضنُه الدافئ"
"خائف... وأخشى عليَّ منكِ
لو ضاق بنا الزمن؛ هل ستترُكيني؟
أنا لا يُمكن أن أتخلّى عنكِ، لأنكِ ما عُدتِ حُبًا متأصلًا بي، أوحُلمًا جميلًا أعيشه بين أحضان فراشي وحسب.
أنتِ قد أصبحتِ واقعي، أنتِ أجمل واقع أعيشه في حياتي.
وأنا...؟!
أنا لا يمكنني التَّخلّي عنكِ وأنتِ واقع هكذا مِثلما لم أتمكَّن من التَّخلّي عنكِ وأنتِ مُجرَّد حُلم أُخبئهُ بين نفسي ونفسي
إلى زَهرتي
الكاتب سوهو"
...
وَقفَت روزماري صباحًا تَستَتِر بِروبِها الأبيض على شُرفةِ غُرفةِ النَّوم، التي أصبحت تُشارِكها مع رَجُل حياتها، كانت تتنفس الهواء العَليل بِعُمق، وتشعر بنسيم الصباح يُدغدِغ بَشرِتها ويُداعِب خُصل شعرها، أغمضت عيناها، واستنشقت نفسًا نظيفًا من فَمِّ الصباح.
رفعت بُنصرها أمام بَصرها، ونَظرت في الخاتم الذي يُعانقه، لا يَخنقه.
ضَمَّت يدها وابتسمت، لم تَدري أنها ستُحب أن تتزوج ثانيةً، رُبما لم تُحب فكرة الزواج بحد ذاتها؛ لكنها أَحبَّت أن تكون مع جون للأبد.
فجأة؛ شعرت بذراعين دافئين يلتفّان حول خَصريها، جسدًا دافئًا يُعانِقها، ورأسًا خامِلًا يستند على كتفها، همس بصوتٍ واسِن.
"صباحُ الخير هَيبَتي"
تبسَّمت، ورفعت يدها لِتتحسَّس وجنتهُ الدافئة، ونَبست.
"صباح الخير حبيبي"
شعرت بهِ يبتسم على كتفها، ثم مَسَّ عُنقها بشفتيه؛ يترُك أثرَ قُبلة رقيقة.
"أحلى صباح في حياتي كُلَّها، أتمنّى أنَّهُ كذلك بالنِّسبةِ لكِ"
همهمت روز.
"إنَّهُ كذلك"
"دعينا نَستحم ثم نتناول الإفطار معًا، سيكون حينذاك علينا أن نخرج"
"حسنًا"
فَكَّ يديه عن حول خصرها ثم عانق يدها، وسار بها إلى دورة المياه، لكنها حذَّرتهُ قبل أن تدخل معه؛ ترفع سبَّابتها كذا حاجبها.
"سندخل ونخرج بأدب، حسنًا؟!"
ضحك بخفة ثم أومئ.
"حسنًا"
ثم جون إنشغل بتحضير الإفطار بينما روز تُحضِّر حقيبتين لأجلهما، إجتمعا على طاولة الإفطار يتناولانه بهدوء، لكن مع الكثير من البسمات الرقيقة والنظرات الخفيّة.
ما إن إنتهيا تجهيز نفسيهما وإلا بأحدهم يطرق الباب، وذلك بالتأكيد تشانيول لأنه من سيصطحبهم إلى المطار.
فتحت له الباب، بَدَت ملامحه مُرهقة، لكنه ما إن رآها ابتسم لها، ولوَّح بيده في مَرحِه المُعتاد.
"صباح الخير يا أجمل عروس في مَجرّة دَرب التبّانة والمجرّات المجاوِرة"
تبسَّمت في وجهه، إنَّهُ يُكابِر على وجعه، ما عاد يسعه أن يلومها بعد نِزاعمها الأخير، وروز لم تُفكِّر بمواساتِه بالكلام، كأنّه سيجد إمرأة أفضل منها عليه، إمرأة تستحقه، تُحبه بجنون، إمرأة جميلة، نَقية، وبِلا نُدوب.
رَفعت ذراعيها له تَبغي أن تُعانقه، فأخفض جِذعه حتى أصبح في مجالِها، أحاطت عُنقه بذراعيها، وهو أحاط خصرها بذراعيه، يُعانقها بشدّة، ويغمس وجهه في كتفها، يشتمَّها بِعُمق؛ هكذا فَكَّرت في مواساتِه.
جون وقف بعيدًا مُستندًا على الحائط، ينظر لهما ويبتسم.
رَبَّتت روز على كتف تشانيول وهمست.
"شُكرًا لأنكَ حميتَني طيلة السنين الفائتة، وشُكرًا لأنكَ ستستمِر بحمايتي رُغم أنّي ما عدتُ أسفل جناحكَ أحتمي"
تنهد، ثم ابتسم يُربّت على ظهرها قائلًا.
"دومًا سأكون هُنا لأجلِك، متى ما احتجتِني، تَذكَّري أنّي مُتَوفِّر"
أومأت وأنزاحت عنه، حينها رَبَّت على شعرها، وحمل حقيبتها التي تضعها قُرب الباب، ثم إلتفت إلى جون وقال له.
"احمل حقيبتك، لستُ خادِمك"
روز أخذت تضحك وجون احتجَّ سريعًا بإنزعاج.
"وأنا متى أخبرتُكَ أن تحملها؟!
سأحملها بنفسي!"
صعدت روز بالخلف بينما جون بجانب تشانيول في الأمام، وما لم يَكُ متوقَّع هو تواجد الصحفيين بكثرة أمام بوابة المطار الرئيسة.
تنهدت روز بأستياء ونبست فأضحكت كلا الرجُلان بالإمام.
"يا إلهي! أشعر أنّي عضوة في بلاك بينك، ما هذا الهُراء؟!"
وضع جون نظّاراته الشمسيّة، وخرج ليفتح لأجلها الباب، أمسك بيدها وترجَّلت بعونِه، عانقت يده يدها، وكِلاهُما تحاشى الكاميرات، ولم يجيبوا على أي من الأسئلة المطروحة.
وَدَّعَ كِلاهُما تشانيول قبل الولوج إلى بوابة المُغادرين، وقفت روز لِتودِّع تشانيول، وأخبرتهُ فيما تتمسَّك بيده.
"كُن بخير حتى أعود، أهتم بجاي، ولا تَصُد أوريل، حسنًا؟!"
أومئ لها ونبس.
"لا تقلقي بشأني، وكوني بخير"
"هيا يا روز"
لوَّحت لتشانيول وهي تبتسم، ثم لحقت بجون الذي يمد يده لها لتتمسَّك بِه، راقبهما تشانيول حتى أختفيا خلف البوابة بإبتسامته المُشرقة كما العادة.
ثم عاد أدراجه، وقد زالت إبتسامته، وترهَّلا كتفيه، ظنَّ أنه سيكون بخير، لكنه لم يكُ بخير أبدًا.
قاد السيارة إلى نهرِ الهان، وهُناكَ وقف على ضِفَّتِه، أرخى رأسه على المقعد وأغلق عينيه، ثم تنفَّس الصُعداء.
الأمس لم تَكُ ليلة سهلة عليه أبدًا، الحُب، الذي يترعرع في قلبه مُذُّ أزيد من عشر سنوات، ينام في حُضن سِواه.
لقد كان مُخلِصًا وبُكلِّ صِدق حينما تمنّى لها السعادة مع الرجل الذي إختارته عنه، لأن سعادتها تهمه أكثر من مشاعره، لأنه يُحبُّها بصدق.
لكنه عاش ليلة من الضَّنك، والسَّهر، والأرق، يبكي، ثم يوبِّخ نفسه لأنه يبكي، ثم يبكي مُجددًا، لكن لا بأس بمُعاناته طالما هي سعيدة مع الرجل الذي إختارته بإرادتها.
رافقه الأمس النبيذ على الأريكة السوداء الجلديّة في صالة الجلوس... وأوريل.
إذ إتصلت به بعد إنتهاء الحفل بقرابة الساعتين، لم يسألها من أين حصلت على رقمه، لم يَكُ ليهتم بذلك الوقت لأي شيء، لكنه إحتاج مواساة أحد، مهما كان هذا الأحد.
"هل أنتَ بخير؟!"
تنهد ومسح دموعه يقول.
"لا، لستُ بخير"
ثم لَعن عندما وجد نفسه يبكي رُغمًا عنه لأجل إمرأة أحبَّها على سمعِ فتاة مُعجبة به، لكنّها تفهَّمته وواسته.
"لا بأس، ابكي واخرج ما في نفسِكَ من حُزن، ستكون أفضل لو فعلت"
"لا يَصِح أن يبكوا الرِّجال"
"الرِّجال بشر أيضًا، يحزنون، يفرحون، يضحكون، ويبكون... لا يُعيب الرَّجل بُكاءه"
كان يسمع بصمت ولا يرد، كانت تسمع أنفاسه الثقيلة فقط، فنادته.
"تشانيول؟"
"هممم؟"
"ابكي لترتاح، ابكي حتى تغفو، ستصبح أقل إجهادًا"
ثم بكى على سمعها دون أن يتحدثا بشيء أكثر، فقط هو يبكي حتى يفرغ صدره من الهَم، وهي تواسيه في صمتها حتى أصبحت تسمع صوت أنفاسه الثقيلة، فعلمت أنه نام... في تمام الخامسة فجرًا
رفع رأسه وأجاب هاتفه، إنها أوريل مُجددًا، أجابها، كانت الوحيدة من فكَّرت بحالته ليلًا، يُدين لها بعُرفان.
"مرحبًا، أيُمكن أن نَلتقي؟!
أرغب في التَّحدُّث معكَ"
كان صوتها مُشرقًا عكس الهدوء الذي تلبَّسها فجرًا.
"حسنًا، لِنَلتقي في المقهى على ضِفافِ الهان"
وَلجَ تشانيول إلى المقهى، الذي اتفقا أن يلتقيا به، وجلس بإنتظارها مع كوب قهوة، إنه يشعر بالفراغ الشديد، وما سبق له أن أحسَّ بهِ هكذا -إلى هذا الحد-؛ لذا إحتاج من يملئ له الوقت، وإن كانت أوريل، الفتاة الغريبة والمجنونة، لكنًّه لم يُرِد أن يستغلها في تعبئة فراغه، ومِلئ يومه.
وصلت أخيرًا، جلست قِبالته، وحيَّتهُ بإشراق؛ وكأنها لم تشهد على إنتكاستِه أمس، بل تناستها؛ كي يتعامل معها بحُريّة لا بحرج.
طلبت كوب قهوة ثم حان الوقت للحديث معه.
"بلا مُقدِّمات، أتيتُ لأعرض عليكَ عرض"
كانت تتحدث بإبتسامة واسِعة؛ لذا إستعاد شخصيَّته السيئة أمامها، إذ قال وقد رفع ساق فوق الأخرى، وعقد ساعديه إلى صدره.
"وما هو؟!"
"أن تصبح رجلي لمائة يوم... أي حبيبي"
رفع حاجبًا وقال يوكز صدغه بسبّابتِه.
"أتملكين هنا عقلًا أم حشائش؟!"
ضربت الطاولة بكفّيها وبرَّرت مُتذمِّرة.
"ولِمَ لا؟!
أنا مُعجبة بك، وأنت لا تملك مرأة في حياتك على آيةِ حال"
نفى برأسه ونبس.
"ما زِلتِ تتفوَّهين بالهُراء"
إنتحبت تتوسَّلُه.
"أرجوك.. أرجوك! دعني أكون فتاتك لمائة يوم فقط، إن لم تُحبني بحلولها سأستسلِم، لكن امنحنا الفرصة، همم؟"
تنهد تشانيول فيما يرمقها بصمت، "امنحنا" قالت، هو يحتاج لتلك الفرصة، لينسى ويستمر أكثر مما هي تحتاجها حتى.
"هيا، قُل أنَّكَ موافق!"
هذه إمرأة مجنونة قدمت له عرضًا مجنون، لكن ما الحياة إلا حلبة جنون، ولا يأتي النجاح المجنون إلا بعد مُغامرة مجنونة، لذا لا بأس ببعضِ الجنون.
"حسنًا، اليوم هو رقم واحد"
أخذت تُصفِّق بسعادة، وجَلَبت أنظار الجميع لهم بإحتفالها هذا، حتى أنه شعر بالخجل وتمسّك بكفّيها يحاول إسكاتها.
"توقفي إيتها المجنونة!"
لم تَكُ تسع الدنيا فرحتها آنذاك، وكل ما كان بإستطاعتها أن تقوله له وعيناها تلمع حُبًّا وفرحًا.
"شكرًا لك"
أشاح بطلائعه عنها مُحرجًا ونبس.
"حسنًا... أيًّا كان!"
استرق النظر إليها بعد حين، نواجذها ظاهرة لِسِعةِ إبتسامتها وعيناها تلمع، لم يشئ أن يكسِر قلبها برفضه، لأنه لا يود لأحد أن يختبر مرارة شعور الرفض، الحُب من طرف واحد صعب، ولن يُحِب أن تعيشهُ أبدًا.
لكنها ستتألم أكثر بعد مائة يوم، لو انقضت هذهِ المُهلة ولم يُحبُّها، ستتألم أكثر مما ستتألم الآن لو ردَّها، وذلك ما يخشاه.
لن يتمكن أن يخدعها بحبٍ زائف، ولا أن يرتبط بها وهو لا يستحقها، لن يورِّطها في حُب مغشوش آنذاك.
لكن الآن... سيبني معها حُبًا، إن صَلُحَ سَكَنه، وإن فَسُدَ نَقَضه... سيكون سعيدًا لو أحبها، وسيكون آسفًا وهو يُبعدها عنه.
لكنَّهُ الآن... سيعيش اللحظة معها فقط.
............
اعتمت السماء بعد أن قضى تشانيول يومه مع أوريل، لقد ساعدتهُ بالفعل أن ينسى قليلًا، لكنه ما إن إنفتحت دَفتي المِصعد في الطابق، الذي يعيش فيه، ورأى هذا الوجه إستَنفَر، إذ اقترب منهُ غاضبًا، وأجهز على تلابيب قميصه بقبضتيه يقول.
"ماذا تفعل أنتَ هُنا؟!"
تَبسَّم جونغداي، وأزاح قبضتي تشانيول عنه يقول.
"أتيتُ لأُناقش معك أن أشتكي عنك للشُرطة بتُهمة التَّلاعُب بالتحاليل أو لا أشتكي، ما رأيك؟!"
" لن تلوي ذراعي بشيء، افعل ما تريد، لا أهتم"
ضحك جونغداي بسخرية من جراءة تشانيول ولامُبالاته.
"لكنك ستهتم لو أصبحتَ خلف القُضبان، وأُفتُضِحَت بسببكَ روزماري"
لَقَّمهُ تشانيول لَكمة؛ نال بها من فكِّه، ثم قبض على قميصه يقول بعصبيّة مُفرطة.
"أخبرتُكَ أن تفعل، لكن تأكد أنّي لن أقف ساكنًا انتظرك أن تؤذينا... لا أدري هذه المرّة حقًا ما الذي سيحترق مِنك"
أزاحهُ جونغداي بغضبٍ عنه، ثم رفع سبَّابته يتوعَّد بعصبية، والحقد يبزغ في حدقتيه القاتمة.
"سأُعلِّمُكُم جميعًا من أنا، بدءًا منكَ أنتَ وإنتهاءً بها، أنتم لن تتمكنوا من إيذائي أو الإستهزاء بي مجددًا. في المُقابِل؛ أنا هُنا لأنتقم منكم جميعًا، وأضع كل شخص منكم عند حدَّه... أُناسٌ حُثالى!"
مسح تشانيول على وجهه بعصبيّة بعدما غادر جونغداي وقد نفث السُّم من شَفتيه، تنهد تشانيول ولم يدري ما الذي سيفعله، فقط اتصل بجون ليُبلِّغُهُ عن الأمر.
................
وَصل إتصال تشانيول لجون في وقتٍ مُتأخِّر من الليل، وذلك ما جعل النوم يُجافيه، والتفكير المُجهِد يُلازمه طيلة الليل.
لقد وصل إلى منزله الصيفيّ في تايلاند مُتأخرًا، وبالكاد تناول الطعام، ولبثَ نائمًا، وروز بجانبه بسبب إجهاد السفر.
لكن إتصال تشانيول روَّح التعب عنه، وتسبب في مُجافاة النوم له، فهُناك ما هو أقوى من الإرهاق الجسدي الذي يشعر به؛ الخوف.
خوفه من أن يفقد روز في نوبةِ غضب، أن تتخلّى عنهُ بسببِ شعور بالنَّقص والإزدراء للذاَّت، يخشى كثيرًا هذهِ المُنعطفات في علاقتهُما.
نظر لها؛ تنام بجانبهِ بعُمق؛ مُكتفيّة بقميصِ نَوم خفيف، وشعرها حُر على الوسائد، تنام على بطنها، ويُغطِّي وجهها شعرها.
رفع بأطراف بَنانه شعرها عن وجهها، وراح يتمعَّن في آية الحُسن هذه، تبسّم بينما يفعل، رغم الشعور السيء الذي يُراوده.
سيصُر أن يُبقيها سعيدة، وألا تعلم أبدًا أن لديها مُشكلة، سيقول أن المُشكلة منه لو استلزمه الأمر أن يفعل ذلك، وإن اضطرَّه الزمن سيتبنّى لهما طفل.
وجود روز بحياته أهم بكثير من أن يكون أبًا؛ ولو بطفلها... بأسوء الأحوال سيكون سعيد جدًا بأنه زوجها وحسب، وبأحسنها سيكون سعيد لو تشاركا طفل يجمع دمائهما معًا.
في الصباح؛ حَضَّر الفطور لكليهما؛ بما أنَّهُ لا يملك شيئًا ليفعله سوى كتابة مخاوفه في فصول روايته الجديدة التي يعمل عليها "هَيبَتُها" طوال الليل.
وضع الإفطار على الطاولة الخشبية المُضَلَّلة في حديقة المنزل، ثم ذهب لها ليوقظها، جلس على حافة السرير، أراد أن يوقظها ولكنَّهُ تَردَّد، لا يملك قلبًا ليفعل ذلك.
فلتنام... فلتنام... ردد في نفسه ذلك، ولم ينبس بشيء أو يتحرك؛ كي لا يُزعجها، وفقط ضَلَّ جالسًا يُراقبها.
في البداية؛ فكَّر أن يأخذها برحلة طيلة شهر كامل حول العالم، لكنها من رفضت واقترحت تايلاند، لأنه يملك منزلًا جميلًا هُناك، وهو لم يعترض ما دامت رغبتها.
لكنَّه بأي ثمن، ولأي مكان؛ أراد أن تذهب معه إلى خارج كوريا، لأنه يخشى من نَقمِ جونغداي وحقده، يخشى أن يتعرَّض لها، ويُخبرها عن الأمر.
لكن الشهر سينقضي حتمًا، ولن يستطيع أن يهرُب للأبد مما قُدِّر له أن يحدث مهما كان، لكن لو علمت رُغمًا عن إرادته الآن يُمكنه أن يتشبَّث بها، فهو ما عاد صديقها الحميم أو خطيبها وحسب.
زوجها... ولا يمكن للوِثاق بينهما أن يُحَل بسبب لحظة عابرة، قد يصير رجلًا سيء ليحتفظ بها، أي شيء مهما كان سيفعله لتبقى معه، وأي ثمن سيدفعه ولا تُفارقه، فهذا الزواج ورقته الرابحة وعليهِ يستند.
تحرّكت روزماري أخيرًا وفتحت عيناها، وما إن رأت وجهه أمامها يبتسم إبتسمت، وخبّأت وجهها أسفل الوسادة تقول.
"لا تنظر لي الآن، وجهي بالتأكيد مُنتفخ!"
حصل على الوسادة من بين يديها، ونبس مُبتسمًا.
"لا يهم حبيبتي، أُحبكِ بكُلِّ حالاتِك"
نهض عن الفراش واستقام.
"رُبما الطَّعام يكون قد بَرد الآن، أتمّي أموركِ وتعالي لنفطر معًا"
همهمت، ثم نهضت إلى دورة المياه بينما هو خرج ليوفِّر لها بعض الخصوصيّة.
خرجت بعد وقت، كانت قد استحمّت، بدَّلت ثيابها وسرَّحت شعرها، وأتمَّت كل أمورها، جلست على الطاولة، ورفعت الغطاء عن الطعام تتناوله، فكشّر عن نابيه بإنزعاج ونبس.
"ولِمَ لا تُقبليني قُبلة الصباح أولًا؟"
أجابته بعدما ابتلعت تُشير إلى الطعام بشوكتها.
"الأولى فأولى... الطعام أولًا ثم أنتَ ثانيًا"
عقد ساعديه، وأشاح عنها يُتمتِم.
"إمرأة قاسيّة"
رفعت حاجبًا ترمقهُ بغضب.
"تشتمني؟"
سُرعان ما تذمَّر.
"لم أفعل، قُلتُ أنَّكِ إمرأة قاسية فَحسب"
نهضت بعدما أنهت طعامها، وألقت في حِجرِهِ هاتفه، الذي إلتقطه بصعوبة تقول.
"لقد كنتُ أجلس عليه وأنا لا ادري"
تذمَّر مُجددًا.
"أرأيتِ أنكِ إمرأة قاسيّة!
من يُعامل هاتف غلاكسي زِد فولد تو بهذه الخشونة سواكِ؟"
عقدت ساعديها إلى صدرها، ورمقتهُ ترفع حاجبًا.
"جون، أتُريد رَكلة؟"
سُرعان ما نفى برأسه وطأطئ رأسه، لكنه تفاجى منها حينما أمسكت بذقنه، ورفعت مخائله إليها، ثم قبَّلت شفتيه قُبلة الصباح التي يُريدُها.
ثم نبست وهي تتحسَّس خط فكّه بشفتيها.
"صباحُ الخير جون"
ابتعدت عنه، وراح يتحسَّس قلبه بإضطراب، فيما يراها تُغادر ساحته، وكأنَّها لم تفتعل صخبًا في قلبه المجنون بها.
إلتفتت إليه عندما أصبحت قُربَ الباب الزُجاجي، الذي يصل المنزل بحديقته وقالت.
"ألن نَخرُج اليوم؟"
إزدرئ جوفه، واستجمع نفسه، ثم لملم كلماته وقال.
"بلى سنخرُج!"
....
إصطفّ جون بسيارته قريبًا من السّوق، نظر إلى روز التي تجلس بجانبه، قد حصل لأجلهما مُسبقًا على قُبَّعتين من القَشِّ لأجلهما.
أخذ إحداهما ووضعها على رأسها يقول.
"ما رأيكِ أن نتسوَّق؟"
"نتسوَّق؟"
أومئ لها، فأومأت ضاحكة، لا تدري أي المُفاجأت يُخبّئها لها.
تَرجَّلت معه، ويده تُمسِك بيدها، وسارت معه إلى حيثُ يُسيّرُها.
لكنها تفاجئت عندما رأت السوق، الذي آتى بها إليه، إنَّهُ بضائع على قوارب في منتصفِ نهر ماء ضيّق.
"ما هذا؟!"
"سترين"
إقترب من إحدى الرِّجال الذي يؤجِّر قاربه، إستأجره، ثم تمسَّك بخصريها يُساعدها على الركوب، وهي تلقائيًّا تمسَّكَت بكتفيه.
جلست وجون يجلس خلفها، ويُجدِّف بالمجاديف؛ ليحرك القارب بين القوارب الأخرى التي تحمل البضائع.
كانت تشعر بصدره يُلامس ظهرها كلما تحرَّك مُجدِّفًا، شغلتها بعض الافكار الوِجدانيّة وهي معه هكذا، هو صدرًا تستند عليه وظهرًا يحميها، تبسَّمت وودت لو تكافئه الآن على ما يشغلهُ فيها من حُب، لكنها لا تستطيع، فعموميّة المكان لا تُناسِب أفكارها الرومانسيّة.
نَبست فيما تنظر أمامها، وجرّبَت أن تُشغِل نفسها بغيرِه، رغم أنَّهُ الأولى لأنَّهُ الأروع.
"هذا رائع!"
ضحك جون بخفّة وهمس.
"سأتأكد أن أكون مُرشدًا سياحيًّا رائع لأجلِك"
إلتفتت برأسها إليه ونبست تبتسم، فمع سِواه لم تذق طعم الفرح أبدًا، تشعر أنها ولِدَت من جديد، ولِدَت على يديه.
"شُكرًا لك!"
ربَّت على شعرِها ينثُره بلُطف ورُغم أنها تكره أن يُنثَر شعرها لكنها لم تعترض، ثم تحرَّك جون نحو إحدى القوارب وقال لها.
"لِمَ لا تُجرِّبي أكل المأكولات البحريّة؟"
سُرعان ما إشمأزَّت ملامحها وقالت.
"لا، الطعام الذي يأتي من البحر يثير إشمئزازي، لا يُمكِن أن آكُلَه"
أومئ لها، واقترب من إحدى الباعة يقول.
"أدري أنه من الغريب أن نَطلُب الدجاج في مكانٍ كهذا، لكن نُريد قِطع الدجاج المشويّة مع الخضراوات"
"اللغة التايلانديّة صعبة!"
علَّقت روزماري بعدما جون أنهى طلبه باللغة التايلانديّة، أومئ لها وقال.
"نعم، إنها في غاية الصعوبة، رغم أنّي أزور تايلاند مُذُّ سنين لكنّي لم أُتقِنها بعد، ولا أظنني سأتقنها حتى"
قهقهت روزماري وقالت له تُثير سخطه عن عمد، فرؤيته ساخطًا منها هو أجمل شيء بعد رؤيته عاشقًا يذوب بين تلافيفها.
"لقد تيبَّس دماغكَ بما فيه الكفاية الآن، لا يُمكن أن تتقن لغة بعد هذا العمر، لقد أصبحتَ عجوزًا!"
برم شفتيه بإنزعاج ونبس.
"تُشعريني أنّي عجوز، ما زِلتُ شابًا!"
نقرت ذقنه وهو مُستاء تُراضيه، فابتسم لأنَّهُ سُرعان ما يرضى عليها فلا ينقم ولا يكنَّ الضغينة، لأنَّهُ رجلًا طيّب من طينٍ نظيفة، ثم كلاهما انخرط في تناول الدجاج حينما نَضج.
بعدها؛ أخذ كلاهما يجولان بقاربهما بين القوارب المُتفارِبة الأُخرى، ويأكلان الطعام التايلاندي التقليدي، الذي يقدمونه الباعة ويطبخونه أمامهم.
ودون أن تعلم روزماري؛ قام جون بإطعامها عِدة مرات طعامًا بَحريّ دون أن تدري أنه طعام بحري بالفعل، لم يفعل ذلك نِكالًا بها، بل لأنها لم تُجرِّب قط أن تتناول طعامًا بحريًا، وقد حكمت عليه مُسبقًا حُكمًا قد يكون ظالمًا؛ فقط لأنه يأتي من أعماق البحر، عُمق البحر الدَنِس مثل نفوس البشر على حسب مُسلَّماتها السابقة،التي داهمها بحملتِهِ التبشيريّة سابقًا، ونجح في دحضِها عندما نجح في جعلها تخوض البحر لأول مرّة، ولا تتوقف عند حدود الشاطئ.
كان يضحك عليها بالخفاء حينما تجد الطعام لذيذًا، وتطلب المزيد منه رغم أنها تمتنع عنه عادةً، وبالتأكيد جون لن يٌخبرها الآن بالحقيقة، فلا يود أن يُضرَب في السوق وأمام الناس.
أعاد جون القارب إلى صاحبه، وسار بحبيبته إلى إحدى الأكشاك يقول.
"لنذهب إلى هُناك ونَحصُل على تدليك تقليدي"
أومأت له، وسارت معه إلى الكُشك، جلس كلاهما متجاورين على مقعدين مُنبسطي الظهر، وإمرأتين أخذن يُدلِّكن أقدامهما بالزيوت التايلانديّة التقليديّة.
لكن روز شعرت بالإنزعاج، ولو علمت من البداية أن إمرأة التي ستخدم جون؛ لحصلت لنفسها فقط على تدليك.
ضربت كتفه حينما رأته مُنسجمًا ومُستجمًّا بالتدليك، تألم يتحسس محل الضربة وتذمَّر بحاجبين منعقدين، لكنه بدى ظريف.
"لِمَ تضربيني؟!"
رفعت سبّابتِها بعصبيّة بينهما ونبست تُهدِّده.
"أياكَ أن تشعر بالمُتعة بينما إمرأة تُدلِّك لكَ قدميك!"
ضحك، حبيبته غيور، وأومئ لها يقول.
"حسنًا، لن أشعر بالمُتعة"
أمرته.
"كَشِّر بملامحك!"
أومئ، ثم عرّج حاجبيه وبرم شفتيه ليبدو مُستاءً، حينها عادت لمُتعة التدليك، وارتخت على المقعد تشعر بالرّاحة، تحصل على تدليك ممتع، وزوجها بجانبها مجبور أن يطيع رغبتها وإلا ثارت عليه بغيرتها، وهو لا يُحِب أن يتعرَّض للعُنف.
ما إن إنتهت جلسة التدليك أخيرًا خرج كلاهما من الكُشِك، لقد قضى وقتًا عصيبًا في الداخل بينما زوجته أراحت قدميها، وأرخت أعصابها، بينما هو اشتدت أعصابه وحسب... لكنَّهُ سعيد.
إبتعد كلاهما عن المياه، وأخذ جون يسير مُحتضنًا يد ماري بيده حريصًا ألا يُفلتها فتضيع، والسوق كبير وهي لا تُجيد لُغتهم وهم لا يجيدون لُغتها كذلك.
كانت تنظر ماري على أيديهما المُتشابكة بين الحين والآخر وتبتسم... تشعر بالأمان والإهتمام.
"حبيبتي، انظري هناك"
نظرت إلى حيثُ يُشير؛ وإذ ببعضِ الرِجال يرتدون أقنِعة قَبليّة، ويصطحبون معهم القرود؛ لتأدية بعض العروض التقليدية في مُنتصفِ ساحة السوق.
"أتودين الرؤية عن قُرب؟"
أومأت له، فسيَّرها بحماسة بين الحشود حتى توقف بها قريبًا من موضع العرض، وبينما العرض يسير كان رجلًا ما يطوف عليهم بقُبَّعته لجمعِ المال من المُتفرِّجين، وأما جون وماري فكانا مُنغمسين بالعرض، يهتفان مع الناس بحماسة، مع الكثير من الصور ومقاطع الفيديو التِذكاريّة.
"نَسير؟"
أومأت روزماري، وسارت مع جون حتى أطراف السوق الخلفيّة، وهُناك يستقر سوق الخيزران والمشغولات اليدويّة، توقفت روز أمام إحدى البسطات، التي تعرض المشغولات اليدوية المصنوعة من الخيزران.
أشارت إلى مجموعة من الصحون، التي من خيزران، إذ أنها ستة صحون بأحجامٍ مُختلفة، ترتفع فوق إحداها تهاذيب من الخيزران؛ لتكون على شاكلة سَلّة صغيرة مُغلقة بِعُقدة.
"اشتري لي هذا"
جون نظر إلى تلك الصحون ودفع ثمنها، وبعدما استلمها من البائع، وسار مع روز بعيدًا قال.
"أواني من خيزران! لم أظنكِ تُحبي الأشياء التقليديّة!"
أومأت له وقالت.
"أنتَ مُحِق، إنها ليست لي"
"لِمن؟!"
"لأجل تشانيول؛ بما أنَّهُ يكره المشغولات اليدويّة؛ قررتُ أن أشتري له بعضًا منها"
ضحك جون مِلئ صدره بينما روز إكتفت بإبتسامة.
"تُغيضين الرجل حتى هنا!"
أومأت.
"هذه ستكون هديته، لأنَّهُ لن يُحبها"
"أنتِ غير معقولة أبدًا"
توقفت روزماري أمام بَسطة تبيع الصَّدف البَحري، حملت واحدة وقرّبتها إلى أُذنها، لتسمع عبرها صوت البحر.
إنها مُعجبة مُخلِصة للبحر، ولا يُمكن ألا تُحب مُقتنياته، أخرجت من حقيبتها المال؛ لتدفع لقاء الصَّدف، فلقد إختارت مجموعة لا واحدة، لكن يد جون إعترضت يدها، ودفع المال منه، ثم حمل الصَّدف، وسار يحتضن يدها.
"أنتِ زوجتي، أي أنا أُنفق عليكِ، لا يُمكن أن تستعملي مالكِ الخاص وأنا معكِ"
بدى مُنزعجًا بعض الشيء بينما يُنبهها؛ فسألته.
"هل إنزعجت مني؟!"
أومئ واتبع.
"يُمكنكِ أن تقولي اشتري لي فقط كما فعلتِ قبل قليل، أُحب أن أصرف المال عليكِ، وهذا جُزء من واجبي إتجاهكِ"
"لقد طلبت منكَ أن تشتري لي صحون الخيزران، لأني لا أُحب إهدار المال"
نظر لها لا يفهم مقصدها فاتبعت.
"تعلم... لن أهدر مالي على هدية لن يُحبها تشانيول"
وما إستطاع إلا أن ينخرط في الضحك مُجددًا، لا يمكن أن يطول إنزعاجه منها إطلاقًا.
"ولكن أهدرتِ مالي!"
"حسنًا... بما أنه مالك أنت، فلا بأس بإهداره"
زوجته إمرأة نادرة... لا يُنكِر ذلك!
وفي نهاية الجولة في السوق؛ قصد جون بهيبتِه جسر الحب حيث المكان الأمثل للمُحبّين أمثاله.
صعد معها الجسر، وتمشيا عليه معًا يتشابكا الأيدي، الشمس مالت للغروب، والهواء أصبح عليل، تشعر روزماري بالحُرية والإسترخاء كلما تطايرت خُصلات شعرها مع الرياح هكذا.
توقف جون أمام إحدى السيدات، التي تبيع الأقفال، نظرت السيدة إلى روز، وتحدثت بلُغتها الأُم.
"أهذهِ الصبيّة الجميلة حبيبتك؟"
أومئ جون.
"وزوجتي أيضًا"
تبسَّمت السيدة، واختارت لأجلهما القُفل، فوقع إختيارها على قُفل باللون الأزرق السماويّ، نظر جون وماري في بعضهما بتفاجئ، دائمًا ما يجمعهما هذا اللون، والسيدة قالت فيما تمد يدها لجون بالقُفل ومُفتاحه.
"عيناها زرقاوتان مِثل البَحر، كُن سماءها وانعكس عليها باللون الأزرق الجميل، كُن دومًا لها نهارًا، ولا تجعل في كبدها أي ظُلمة"
نظر إلى السيدة وربّت على يدها، لطالما ربطتهما هذه العلاقة، أن تكون هي البحر، وهو السماء الذي يلونها، وقد أقسم سابقًا ألا يُظلِم أبدًا فلا ينعكس الظلام عليها وتُظلم، فهما مجددًا سماء وبحر.
أخذ جون القُفل، وعقدهُ على البُرج المَعدني، يشرح لماري.
"حسب المُعتقدات؛ إن قُمنا بقفلِ قُفل على جسر الحب، ورمينا المُفتاح في الجسر أسفله؛ هذا يعني دوام الحب وخلوده بيننا"
أخذت روز المفتاح من يده بعدما أقفل به القفل حول سياج الجسر المعدني، وألقته في الماء أسفل الجسر تقول.
"أتمنى أن تكون هذهِ المُعتقدات صحيحة، وأن يُتمَّم الحُب الذي بيننا بالخلود"
تبسَّم جون، وجعل يديها بين يديه، ثم اقترب ليُقبِّل جبينها، ثم نظر في بَحريها الوضّائين يقول.
"حُبي لكِ خالد، لا يموت حتى لو مُتُّ أنا"
............
مَرَّت عِدة أيام في رَخاء بعد ذلك، قام العروسين بزيارة عِدة أماكن في تايلاند، حتى أنهم سافروا للمُدن الأخرى كذلك.
وفي يومٍ ما بعدما قضيا جون وروز وقتًا مُمتِعًا في ضواحي المدينة، عادا إلى المَنزل الصيفيّ الذي يقطُنانِه هُنا.
لكن المُفاجئ أن جون لَحِظ حركة غريبة في المنزل فورما دخله، لذا سُرعان ما اجتذب روز من ذراعها لتقف في ظهره.
"ما بِك؟!"
"ششش!"
حَمل سكين من على البار، وذلك ما جعل الخوف يتسلل إلى نفس روز، ليست تخاف من اللصوص لو اقتحموا المنزل بقدر ما تخاف أن تلحق الأذيّة جون.
كمشت بأظافرها على كتفه وهمست.
"جون، كُن حذرًا، أنا على آية حال لا أسمع شيء"
شَدد على يدها التي يمسكها منها وكأنه يحثها أن تطمئن، ثم سار بحذر إلى الرِواق الذي يجمع عِدة غُرف منها مكتبه.
فتحه بحذر وهُناك لم يجد أحد، فتوجه إلى دُرج المكتب، وسحب منه سلاحًا ناريًا جعل روز تشهق.
"لا يُمكن أن تستخدم هذا جون!"
وضعها في ظهره، وبعدما ملأ بيت الرصاص سار يُفتِّش الغُرف، هُناك حيث رأى رَجُلان مُلثمان ينهبان بعض الأغراض الثمينة.
سدد جون ناحيتهم السلاح وقال يُحذِّرهم.
"ضعوا ما في أيديكم واخرجوا بهدوء قبل أن أُطلِق النار عليكما، وصدِّقوني لن أتردد بفعلِ ذلك لو عصيتُم!"
أخرج إحدى الرجلين سكينه والآخر تحدث بلُغته شيئًا لم تفهمه روز التي تقف بظهر زوجها، ولكن ما قاله جعل جون يستنفر غاضبًا بشدة، ويُطلِق سراح الزِناد برصاصة استهدفت النافذة.
جعلت روزماري تصرخ بشدّة، وتنحني سريعًا تُغلق أُذنيها بكفِّيها.
إحمرَّت عينا جون يرى الرجلان يهربان من النّافِذة، ويتركان خلفهما ما حاولا سرقته، رمى جون بالسلاح، والتفت إلى ماري التي جلست أرضًا تبكي بشدّة.
لدى روز ماضٍ سيء مع صوت الرصاص، تكرهه بشدة وتخافه بشدة، لذا من السهل أن تدخل بنوبةِ هَلَع بسبب ذلك.
إحتضن جون بكفّيه وجنتيها، وحاول أن يرفع رأسها، الذي أخفضته وتحيطه بكفّيها.
"ماري... حبيبتي... أنا آسف، ما كان عليَّ أن أُطلِق مهما استفزّوني، أنا آسف حبيبتي، أرجوكِ لا تنهاري!"
لكنه بينما يتحدث معها توقفت عن البُكاء، وأخذت تتنفس بصعوبة حتى سقطت بين يديه مُغشى عليها.
صاح يحملها على ذراعيه، وركض بها خارج المنزل بأقصى سُرعته.
"ماري أرجوكِ! لا تُخفيني أرجوكِ!"
وضعها في سيارته في الكُرسي الخلفيّ، ولا يدري كيف تجاوز الطُرقات الطويلة إلى قلب المدينة حيث تقع أقرب مُستشفى.
"طبيب رجاءً بسُرعة!"
أرشدته المُمرضة أن تضعها على سرير الطوارئ، ثم طلبت منه الخروج، فأخذت تأكله نيران القلق أمام بوابة الطوارئ ينتظر خبرًا عنها.
مرَّت دقائق طويلة تكاد تكون عُمرًا بالنسبةِ له، وقد كان قلبه قد إحترق بالفعل؛ لطول إنتظاره في الخارج.
وما إن أراد أن يخترق المكان حتى فُتِحَت البوابة، وظهر من خلفها الطبيب يرتدي مئزَره.
"لقد تعرَّضت لنوبةِ هلع كما يتبيَّن، لكنها الآن بخير، يُمكن أن تُعيدها إلى المنزل عندما تستيقظ"
أومئ جون إلى الطبيب، وولج إلى الغرفة، حيث وجدها تنام على إحدى الأسرّة فيما يلتف حول سريرها سِتار.
ركع أرضًا قُرب السرير وحمل يدها بين يديه، طبع عليها عِدّة قُبل، ثم وضعها على وجنته يهمس لها.
"أنا آسف، أنا رَجُل حقير، ما كان علي أن أُطلِق النار وأنا أعلم أنكِ تملكين رَهبة ضدَّه، أنا آسف يا حبيبتي، أرجوكِ استيقظي!"
كاد أن يبكي لولا أنَّه عوَّد نفسه على القوّة، وأن يتحمَّل رهف قلبه لأجلها، مَضت ساعة أُخرى وهي نائمة بينما هو يُراقبها، وما إن فتحت عيناها نَبس.
"أنتِ بخير؟"
لم تُجيبه في البداية، فهي تستجمع حواسها كذلك ذاكرتها وما حدث، وعندما ضاق صدرها مُجددًا؛ هرع يرفعها عن الفِراش، ليدسّها بين زِنديه.
"أنا آسف، لا تهلعي، أنتِ بأمان وبخير!"
بقت تختبئ من مخاوفها في صدره لبعض الوقت، وتذكرت اليوم الذي آتى لها بهذا الرِهاب، يوم حاولت أن تقتل جونغداي برصاصة؛ لتنجو منه ومن زواجها منه.
تمسَّكت بقميصه، وخبّأت وجهها في عُنقه تقول.
"جون، لا يُمكن أن أبقى في ذلك المنزل، دعنا نعود أرجوك!"
"حسنًا، سنعود إلى سيؤل غدًا، سأتدبر أول طائرة غدًا إلى سيؤل، أعدكِ أنكِ ستكوني بخير، لذا توقفي عن شعوركِ بالهلع هذا!"
أومأت، واندسَّت في حُضنه لبعض الوقت تحظى بأوقات آمنة بين يديه.
أخرجها جون بعد ذلك من المُستشفى، وتولّى جمع أغراضهم من المنزل، وقد بعث من يصلح النوافذ وينظفه، بينما روز في الفُندق الذي ناما فيه الأمس.
لم يعلم أحد أنهم عائدون من سفرهم سريعًا، فلقد كانت الخُطَّة أن يمضوا شهرًا بأكمله في تايلاند، ولكن ها هُم يعودون في بداية الأسبوع الثاني إلى سيؤل.
كان تشانيول بإنتظارهم في المطار، فلقد سبق أن أتصل به جون، وأخبره أنهم عائدون، لذا عليه أن يأتي بالسيّارة؛ فماري ليست بخير.
كانت ماري تسير بينما جون يتمسَّك بها، ما زالت شاحبة بسبب ما تعرَّضت له من خوف، وتبدو هزيلة.
ما إن رآهما تشانيول من بعيد، هرع لهما ليطمأن عليها.
"روز، أنتِ بخير؟!"
أومأت له، حينها جون سلمها لتشانيول يقول.
"اصطحبها من فضلِك إلى السيّارة، وابقِها قريبة منك كي لا تخاف، أنا سأتم بعض الوثائق واحصل على أغراضنا"
أومئ له تشانيول، وأمسك بيد روز، وبيده الأُخرى أحاط كتفيّها وسيَّرها معه، جعلها تصعد في الخلف، وعندما تمسَّكت بكتفه ترفض أن يبتعد عنها صعد ليجلس بجانبها، وجعل رأسها إلى كتفه يقول.
"هل تعرضتِ لنوبةِ هلع؟"
أومأت فتنهد.
"ذلك لم يحدث مُذُّ وقت طويل، ظننتُكِ تجاوزتِ رِهابكِ!"
نفت برأسها ثم أخذت تبكي، فجعل تشانيول يضمها إليه فيما يتنهد بأستياء شديد، يكره أن يراها هزيلة وضعيفة كما الآن، لأنها تُذكِّره بروزماري ابنة الماضي.
ربَّت على كتفها وحاول تهدِأتِها.
"لا بأس عليكِ، يُمكنِك أن تتجاوزي عتبة الماضي والإستمرار"
آتى جون بعد وقت، وتولّى القيادة يترك تشانيول مع روز في الخلف، تناظر الرجُلان يتبادلان حديثًا بلا كلام.
ترك جون روزماري في السرير، وعاد إلى تشانيول الذي يجلس في صالةِ الجلوس، جلس على الأريكة بيمينه، حينها تسآل تشانيول.
"ما الذي حدث؟"
"أطلقتُ النار على بعض اللصوص الذين داهموا منزلي"
اتسعت عينا تشانيول، فاتبع جون يُطمأنه.
"لم يُصَب أحد بأذى سوى روز"
تنهد تشانيول ثم جعل رأسه بين كفيه يهمس.
"ظننتها تجاوزت هذا الرِّهاب، اللعنة على جونغداي!
لم يترك لها منه سِوى هذا الرِّهاب"
تنهد مُجددًا، ووضع كفّيه يعقدهما أمامه فيما يغفر بين ساقيه ونظره منخفض.
"في بداية إنفصالهما؛ كانت تَمُر بأزمات ونوبات كثيرة، قضيتُ الكثير من الليالي وأنا أنام أرضًا قُرب سريرها كي لا تخاف.
كانت تحلم بالليلة التي أطلقت النار بها على جونغداي كثيرًا، تستيقظ في منتصف الليل، تبكي وتصرخ بهلع شديد!
لقد كانت مُنهكة ومُتعبة ومُستهلكة، لقد عاشت الكثير من الأيام الصعبة حتى أصبحت المرأة القوية التي هي عليها اليوم"
الكلام على لِسان تشانيول أرهق قلب جون، يدري بشأن رِهابِها، فلقد أرشى طبيبتها النفسيّة سابقًا؛ ليعلم ما عِلَّتِها، لكن أن يسمع الكلام من فاه تشانيول يشعره بالعجز.
ليته كان حاضرًا في لحظات ضعفها كما في لحظات قوِّتها، لربما حينها وجدت صدرًا تتكئ عليه دون حواجز، حتى لو كان تشانيول كافيًا آنذاك، لكان هو أكثر من كافٍ لأجلها.
"هل ظهر المدعو جونغداي بعد ذلك اليوم؟"
نفى تشانيول.
"أظنُّه بإنتظار عودة روز ليُفجِّر القُنبِلة في وجهها"
تنهد جون مُستاءً ونبس.
"إن إعترض طريقها وضايقها لن أتردد هذه المرّة من قتله حقًا!"
"لن يستطيع، لقد عرَّفتُ جاي عليه عبر الصور، سأجعله مُرافِقها الخاص دومًا، ولقد جعلته يسكن معي عندي بالفعل، ليستطيع حِراستِها عن قُرب"
"هل سيكون جاي كافيًا لحمايتها؟"
"نعم، ثِق به، الرَّجُل على إستعداد أن يفعل أي شي ليَرُد الجَميل لها"
أومئ جون مُتنهدًا، فنهض تشانيول.
"عليَّ أن أُغادر، ودعنا لا نُخبر أحد أنكما عُدتُما حتى ينقضي الشهر، روز ستحتاج وقتًا لتتعافى نفسيًا"
"حسنًا"
غادر تشانيول، وجون عاد أدراجه إلى روز، التي وجدها تتعرَّق على السرير، تهذي، تتنفس بثقل، وتُعرِّج حاجبيها.
هرع ليصعد السرير بجانبها، رفع جسدها بين ذراعيه، وجعلها على صدره، ثم أخذ يُربِّت على وجنتها حتى تستيقظ.
"روز استيقظي حبيبتي!"
شعر بوجنتيها دافئة، وأنفاسها حارّة، فقرَّب شفتيه إلى جبهتها يتحسس حرارتها، إنها ساخنة.
هرع إلى صندوق الإسعافات الأوليّة، ليرى درجة حرارتها، وإذ بها مُرتفعة تصل الأربعين.
لم يتردد ولو لثانية بأن يحملها كما هي ويضعها في حوض المياه ليُخفض درجة حرارتها، شهقت عندما لمستها المياه واستيقظت، لتهمس بصوت ضعيف.
"ما الذي تفعله بي جون؟!"
"أنتِ مريضة، لديكِ حُمّى، وينبغي علي أن أُخفض لأجلك درجة حرارتكِ"
أخذت روزماري تتنفس بصعوبة وتدافعت الدموع من عينيها ترجوه.
"الماء بارد، وأنا مُتعبة، اخرجني رجاءً!"
نفى.
"لا، سأحممك، ثم أجعلك تنامين، سأعتني بك"
تمسّكّت بقميصه ترفض نافية برأسها، لكنه أمسك بثوبها لينزعه، وما استطاعت أن تمنعه عمّا يُريد فعله رغم أنها لا تريد ذلك.
جرّدها من ثوبها، وكي لا تخجل منه جعل على ظهر المياه رغوة كثيفة، غَسَّل لها شعرها ثم تولَّت أمر جسدها، خرجت تُحيط جسدها بِمَنشفة، أجلسها على السرير، وآتى لها بثوب آخر يُلبسها أياه، ثم جلس خلفها يُسرِّح لها شعرها.
وما إن إنتهى منها حتى دَسَّها في الفراش وبين ذراعيه، إتكأت على صدره برأسها، وأحاطت خصره بذراعها وأغمضت عيناها.
"جون؟"
"هَيبتَه؟"
"شُكرًا لك"
قَبَّل رأسها، وأحاطها بذراعيه، وضع على جبهتِها حقيبة الثلج، ونبس.
"لا شُكر بيننا، أنتِ زوجتي، ومسؤوليتي، وحبيبتي!"
تبسّمت وعلى صدره الآمن، لم تجرؤ أي من الكوابيس المُزعجة أن تُضايقها تلك الليلة.
استغرقت روزماري في النوم على صدرِ جون في اليوم الموالي؛ وذلك لأنَّها لم تَنَل كفايتها من النوم في الليلتين الماضيتين.
وجون لم يتركها ولو لحظة، بل ظل لها فراشًا وثيرًا، آمنا ودافئًا لأجلها.
..................
يُتبع...
الفصل الرابع والعشرون "حُضنُه الدّافئ"
الجُزء الخامس " لا تؤلميني بِكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
.............
سلاااااااام
طبعًا هذا الفصل هو الفصل الأول من الجُزء الخامس والما قبل الأخير.
طبعًا لهذا الجُزء صِراعه الخاص، وهو أكثر جُزء أنا متحمسة له، ورجوني حماسكم.
الفصل القادم بعد 100 فوت و100 كومنت.
1.رأيكم بروز؟ في شهر العسل؟ رهابها؟
2.رأيكم بجون؟ في شهر العسل؟ مشادته مع اللصوص؟ إهتمامه بروز؟
3.رأيكم بتشانيول؟ حالته النفسية؟
4.رأيكم بأوريل؟ مواساتها لتشانيول وتفهمها له؟
5.رأيكم بجونغداي؟ تهديده؟
6.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطل:
هَيبتُها||Her Savage love
(لا تؤلميني بكِ)
"حُضنُه الدافئ"
"خائف... وأخشى عليَّ منكِ
لو ضاق بنا الزمن؛ هل ستترُكيني؟
أنا لا يُمكن أن أتخلّى عنكِ، لأنكِ ما عُدتِ حُبًا متأصلًا بي، أوحُلمًا جميلًا أعيشه بين أحضان فراشي وحسب.
أنتِ قد أصبحتِ واقعي، أنتِ أجمل واقع أعيشه في حياتي.
وأنا...؟!
أنا لا يمكنني التَّخلّي عنكِ وأنتِ واقع هكذا مِثلما لم أتمكَّن من التَّخلّي عنكِ وأنتِ مُجرَّد حُلم أُخبئهُ بين نفسي ونفسي
إلى زَهرتي
الكاتب سوهو"
...
وَقفَت روزماري صباحًا تَستَتِر بِروبِها الأبيض على شُرفةِ غُرفةِ النَّوم، التي أصبحت تُشارِكها مع رَجُل حياتها، كانت تتنفس الهواء العَليل بِعُمق، وتشعر بنسيم الصباح يُدغدِغ بَشرِتها ويُداعِب خُصل شعرها، أغمضت عيناها، واستنشقت نفسًا نظيفًا من فَمِّ الصباح.
رفعت بُنصرها أمام بَصرها، ونَظرت في الخاتم الذي يُعانقه، لا يَخنقه.
ضَمَّت يدها وابتسمت، لم تَدري أنها ستُحب أن تتزوج ثانيةً، رُبما لم تُحب فكرة الزواج بحد ذاتها؛ لكنها أَحبَّت أن تكون مع جون للأبد.
فجأة؛ شعرت بذراعين دافئين يلتفّان حول خَصريها، جسدًا دافئًا يُعانِقها، ورأسًا خامِلًا يستند على كتفها، همس بصوتٍ واسِن.
"صباحُ الخير هَيبَتي"
تبسَّمت، ورفعت يدها لِتتحسَّس وجنتهُ الدافئة، ونَبست.
"صباح الخير حبيبي"
شعرت بهِ يبتسم على كتفها، ثم مَسَّ عُنقها بشفتيه؛ يترُك أثرَ قُبلة رقيقة.
"أحلى صباح في حياتي كُلَّها، أتمنّى أنَّهُ كذلك بالنِّسبةِ لكِ"
همهمت روز.
"إنَّهُ كذلك"
"دعينا نَستحم ثم نتناول الإفطار معًا، سيكون حينذاك علينا أن نخرج"
"حسنًا"
فَكَّ يديه عن حول خصرها ثم عانق يدها، وسار بها إلى دورة المياه، لكنها حذَّرتهُ قبل أن تدخل معه؛ ترفع سبَّابتها كذا حاجبها.
"سندخل ونخرج بأدب، حسنًا؟!"
ضحك بخفة ثم أومئ.
"حسنًا"
ثم جون إنشغل بتحضير الإفطار بينما روز تُحضِّر حقيبتين لأجلهما، إجتمعا على طاولة الإفطار يتناولانه بهدوء، لكن مع الكثير من البسمات الرقيقة والنظرات الخفيّة.
ما إن إنتهيا تجهيز نفسيهما وإلا بأحدهم يطرق الباب، وذلك بالتأكيد تشانيول لأنه من سيصطحبهم إلى المطار.
فتحت له الباب، بَدَت ملامحه مُرهقة، لكنه ما إن رآها ابتسم لها، ولوَّح بيده في مَرحِه المُعتاد.
"صباح الخير يا أجمل عروس في مَجرّة دَرب التبّانة والمجرّات المجاوِرة"
تبسَّمت في وجهه، إنَّهُ يُكابِر على وجعه، ما عاد يسعه أن يلومها بعد نِزاعمها الأخير، وروز لم تُفكِّر بمواساتِه بالكلام، كأنّه سيجد إمرأة أفضل منها عليه، إمرأة تستحقه، تُحبه بجنون، إمرأة جميلة، نَقية، وبِلا نُدوب.
رَفعت ذراعيها له تَبغي أن تُعانقه، فأخفض جِذعه حتى أصبح في مجالِها، أحاطت عُنقه بذراعيها، وهو أحاط خصرها بذراعيه، يُعانقها بشدّة، ويغمس وجهه في كتفها، يشتمَّها بِعُمق؛ هكذا فَكَّرت في مواساتِه.
جون وقف بعيدًا مُستندًا على الحائط، ينظر لهما ويبتسم.
رَبَّتت روز على كتف تشانيول وهمست.
"شُكرًا لأنكَ حميتَني طيلة السنين الفائتة، وشُكرًا لأنكَ ستستمِر بحمايتي رُغم أنّي ما عدتُ أسفل جناحكَ أحتمي"
تنهد، ثم ابتسم يُربّت على ظهرها قائلًا.
"دومًا سأكون هُنا لأجلِك، متى ما احتجتِني، تَذكَّري أنّي مُتَوفِّر"
أومأت وأنزاحت عنه، حينها رَبَّت على شعرها، وحمل حقيبتها التي تضعها قُرب الباب، ثم إلتفت إلى جون وقال له.
"احمل حقيبتك، لستُ خادِمك"
روز أخذت تضحك وجون احتجَّ سريعًا بإنزعاج.
"وأنا متى أخبرتُكَ أن تحملها؟!
سأحملها بنفسي!"
صعدت روز بالخلف بينما جون بجانب تشانيول في الأمام، وما لم يَكُ متوقَّع هو تواجد الصحفيين بكثرة أمام بوابة المطار الرئيسة.
تنهدت روز بأستياء ونبست فأضحكت كلا الرجُلان بالإمام.
"يا إلهي! أشعر أنّي عضوة في بلاك بينك، ما هذا الهُراء؟!"
وضع جون نظّاراته الشمسيّة، وخرج ليفتح لأجلها الباب، أمسك بيدها وترجَّلت بعونِه، عانقت يده يدها، وكِلاهُما تحاشى الكاميرات، ولم يجيبوا على أي من الأسئلة المطروحة.
وَدَّعَ كِلاهُما تشانيول قبل الولوج إلى بوابة المُغادرين، وقفت روز لِتودِّع تشانيول، وأخبرتهُ فيما تتمسَّك بيده.
"كُن بخير حتى أعود، أهتم بجاي، ولا تَصُد أوريل، حسنًا؟!"
أومئ لها ونبس.
"لا تقلقي بشأني، وكوني بخير"
"هيا يا روز"
لوَّحت لتشانيول وهي تبتسم، ثم لحقت بجون الذي يمد يده لها لتتمسَّك بِه، راقبهما تشانيول حتى أختفيا خلف البوابة بإبتسامته المُشرقة كما العادة.
ثم عاد أدراجه، وقد زالت إبتسامته، وترهَّلا كتفيه، ظنَّ أنه سيكون بخير، لكنه لم يكُ بخير أبدًا.
قاد السيارة إلى نهرِ الهان، وهُناكَ وقف على ضِفَّتِه، أرخى رأسه على المقعد وأغلق عينيه، ثم تنفَّس الصُعداء.
الأمس لم تَكُ ليلة سهلة عليه أبدًا، الحُب، الذي يترعرع في قلبه مُذُّ أزيد من عشر سنوات، ينام في حُضن سِواه.
لقد كان مُخلِصًا وبُكلِّ صِدق حينما تمنّى لها السعادة مع الرجل الذي إختارته عنه، لأن سعادتها تهمه أكثر من مشاعره، لأنه يُحبُّها بصدق.
لكنه عاش ليلة من الضَّنك، والسَّهر، والأرق، يبكي، ثم يوبِّخ نفسه لأنه يبكي، ثم يبكي مُجددًا، لكن لا بأس بمُعاناته طالما هي سعيدة مع الرجل الذي إختارته بإرادتها.
رافقه الأمس النبيذ على الأريكة السوداء الجلديّة في صالة الجلوس... وأوريل.
إذ إتصلت به بعد إنتهاء الحفل بقرابة الساعتين، لم يسألها من أين حصلت على رقمه، لم يَكُ ليهتم بذلك الوقت لأي شيء، لكنه إحتاج مواساة أحد، مهما كان هذا الأحد.
"هل أنتَ بخير؟!"
تنهد ومسح دموعه يقول.
"لا، لستُ بخير"
ثم لَعن عندما وجد نفسه يبكي رُغمًا عنه لأجل إمرأة أحبَّها على سمعِ فتاة مُعجبة به، لكنّها تفهَّمته وواسته.
"لا بأس، ابكي واخرج ما في نفسِكَ من حُزن، ستكون أفضل لو فعلت"
"لا يَصِح أن يبكوا الرِّجال"
"الرِّجال بشر أيضًا، يحزنون، يفرحون، يضحكون، ويبكون... لا يُعيب الرَّجل بُكاءه"
كان يسمع بصمت ولا يرد، كانت تسمع أنفاسه الثقيلة فقط، فنادته.
"تشانيول؟"
"هممم؟"
"ابكي لترتاح، ابكي حتى تغفو، ستصبح أقل إجهادًا"
ثم بكى على سمعها دون أن يتحدثا بشيء أكثر، فقط هو يبكي حتى يفرغ صدره من الهَم، وهي تواسيه في صمتها حتى أصبحت تسمع صوت أنفاسه الثقيلة، فعلمت أنه نام... في تمام الخامسة فجرًا
رفع رأسه وأجاب هاتفه، إنها أوريل مُجددًا، أجابها، كانت الوحيدة من فكَّرت بحالته ليلًا، يُدين لها بعُرفان.
"مرحبًا، أيُمكن أن نَلتقي؟!
أرغب في التَّحدُّث معكَ"
كان صوتها مُشرقًا عكس الهدوء الذي تلبَّسها فجرًا.
"حسنًا، لِنَلتقي في المقهى على ضِفافِ الهان"
وَلجَ تشانيول إلى المقهى، الذي اتفقا أن يلتقيا به، وجلس بإنتظارها مع كوب قهوة، إنه يشعر بالفراغ الشديد، وما سبق له أن أحسَّ بهِ هكذا -إلى هذا الحد-؛ لذا إحتاج من يملئ له الوقت، وإن كانت أوريل، الفتاة الغريبة والمجنونة، لكنًّه لم يُرِد أن يستغلها في تعبئة فراغه، ومِلئ يومه.
وصلت أخيرًا، جلست قِبالته، وحيَّتهُ بإشراق؛ وكأنها لم تشهد على إنتكاستِه أمس، بل تناستها؛ كي يتعامل معها بحُريّة لا بحرج.
طلبت كوب قهوة ثم حان الوقت للحديث معه.
"بلا مُقدِّمات، أتيتُ لأعرض عليكَ عرض"
كانت تتحدث بإبتسامة واسِعة؛ لذا إستعاد شخصيَّته السيئة أمامها، إذ قال وقد رفع ساق فوق الأخرى، وعقد ساعديه إلى صدره.
"وما هو؟!"
"أن تصبح رجلي لمائة يوم... أي حبيبي"
رفع حاجبًا وقال يوكز صدغه بسبّابتِه.
"أتملكين هنا عقلًا أم حشائش؟!"
ضربت الطاولة بكفّيها وبرَّرت مُتذمِّرة.
"ولِمَ لا؟!
أنا مُعجبة بك، وأنت لا تملك مرأة في حياتك على آيةِ حال"
نفى برأسه ونبس.
"ما زِلتِ تتفوَّهين بالهُراء"
إنتحبت تتوسَّلُه.
"أرجوك.. أرجوك! دعني أكون فتاتك لمائة يوم فقط، إن لم تُحبني بحلولها سأستسلِم، لكن امنحنا الفرصة، همم؟"
تنهد تشانيول فيما يرمقها بصمت، "امنحنا" قالت، هو يحتاج لتلك الفرصة، لينسى ويستمر أكثر مما هي تحتاجها حتى.
"هيا، قُل أنَّكَ موافق!"
هذه إمرأة مجنونة قدمت له عرضًا مجنون، لكن ما الحياة إلا حلبة جنون، ولا يأتي النجاح المجنون إلا بعد مُغامرة مجنونة، لذا لا بأس ببعضِ الجنون.
"حسنًا، اليوم هو رقم واحد"
أخذت تُصفِّق بسعادة، وجَلَبت أنظار الجميع لهم بإحتفالها هذا، حتى أنه شعر بالخجل وتمسّك بكفّيها يحاول إسكاتها.
"توقفي إيتها المجنونة!"
لم تَكُ تسع الدنيا فرحتها آنذاك، وكل ما كان بإستطاعتها أن تقوله له وعيناها تلمع حُبًّا وفرحًا.
"شكرًا لك"
أشاح بطلائعه عنها مُحرجًا ونبس.
"حسنًا... أيًّا كان!"
استرق النظر إليها بعد حين، نواجذها ظاهرة لِسِعةِ إبتسامتها وعيناها تلمع، لم يشئ أن يكسِر قلبها برفضه، لأنه لا يود لأحد أن يختبر مرارة شعور الرفض، الحُب من طرف واحد صعب، ولن يُحِب أن تعيشهُ أبدًا.
لكنها ستتألم أكثر بعد مائة يوم، لو انقضت هذهِ المُهلة ولم يُحبُّها، ستتألم أكثر مما ستتألم الآن لو ردَّها، وذلك ما يخشاه.
لن يتمكن أن يخدعها بحبٍ زائف، ولا أن يرتبط بها وهو لا يستحقها، لن يورِّطها في حُب مغشوش آنذاك.
لكن الآن... سيبني معها حُبًا، إن صَلُحَ سَكَنه، وإن فَسُدَ نَقَضه... سيكون سعيدًا لو أحبها، وسيكون آسفًا وهو يُبعدها عنه.
لكنَّهُ الآن... سيعيش اللحظة معها فقط.
............
اعتمت السماء بعد أن قضى تشانيول يومه مع أوريل، لقد ساعدتهُ بالفعل أن ينسى قليلًا، لكنه ما إن إنفتحت دَفتي المِصعد في الطابق، الذي يعيش فيه، ورأى هذا الوجه إستَنفَر، إذ اقترب منهُ غاضبًا، وأجهز على تلابيب قميصه بقبضتيه يقول.
"ماذا تفعل أنتَ هُنا؟!"
تَبسَّم جونغداي، وأزاح قبضتي تشانيول عنه يقول.
"أتيتُ لأُناقش معك أن أشتكي عنك للشُرطة بتُهمة التَّلاعُب بالتحاليل أو لا أشتكي، ما رأيك؟!"
" لن تلوي ذراعي بشيء، افعل ما تريد، لا أهتم"
ضحك جونغداي بسخرية من جراءة تشانيول ولامُبالاته.
"لكنك ستهتم لو أصبحتَ خلف القُضبان، وأُفتُضِحَت بسببكَ روزماري"
لَقَّمهُ تشانيول لَكمة؛ نال بها من فكِّه، ثم قبض على قميصه يقول بعصبيّة مُفرطة.
"أخبرتُكَ أن تفعل، لكن تأكد أنّي لن أقف ساكنًا انتظرك أن تؤذينا... لا أدري هذه المرّة حقًا ما الذي سيحترق مِنك"
أزاحهُ جونغداي بغضبٍ عنه، ثم رفع سبَّابته يتوعَّد بعصبية، والحقد يبزغ في حدقتيه القاتمة.
"سأُعلِّمُكُم جميعًا من أنا، بدءًا منكَ أنتَ وإنتهاءً بها، أنتم لن تتمكنوا من إيذائي أو الإستهزاء بي مجددًا. في المُقابِل؛ أنا هُنا لأنتقم منكم جميعًا، وأضع كل شخص منكم عند حدَّه... أُناسٌ حُثالى!"
مسح تشانيول على وجهه بعصبيّة بعدما غادر جونغداي وقد نفث السُّم من شَفتيه، تنهد تشانيول ولم يدري ما الذي سيفعله، فقط اتصل بجون ليُبلِّغُهُ عن الأمر.
................
وَصل إتصال تشانيول لجون في وقتٍ مُتأخِّر من الليل، وذلك ما جعل النوم يُجافيه، والتفكير المُجهِد يُلازمه طيلة الليل.
لقد وصل إلى منزله الصيفيّ في تايلاند مُتأخرًا، وبالكاد تناول الطعام، ولبثَ نائمًا، وروز بجانبه بسبب إجهاد السفر.
لكن إتصال تشانيول روَّح التعب عنه، وتسبب في مُجافاة النوم له، فهُناك ما هو أقوى من الإرهاق الجسدي الذي يشعر به؛ الخوف.
خوفه من أن يفقد روز في نوبةِ غضب، أن تتخلّى عنهُ بسببِ شعور بالنَّقص والإزدراء للذاَّت، يخشى كثيرًا هذهِ المُنعطفات في علاقتهُما.
نظر لها؛ تنام بجانبهِ بعُمق؛ مُكتفيّة بقميصِ نَوم خفيف، وشعرها حُر على الوسائد، تنام على بطنها، ويُغطِّي وجهها شعرها.
رفع بأطراف بَنانه شعرها عن وجهها، وراح يتمعَّن في آية الحُسن هذه، تبسّم بينما يفعل، رغم الشعور السيء الذي يُراوده.
سيصُر أن يُبقيها سعيدة، وألا تعلم أبدًا أن لديها مُشكلة، سيقول أن المُشكلة منه لو استلزمه الأمر أن يفعل ذلك، وإن اضطرَّه الزمن سيتبنّى لهما طفل.
وجود روز بحياته أهم بكثير من أن يكون أبًا؛ ولو بطفلها... بأسوء الأحوال سيكون سعيد جدًا بأنه زوجها وحسب، وبأحسنها سيكون سعيد لو تشاركا طفل يجمع دمائهما معًا.
في الصباح؛ حَضَّر الفطور لكليهما؛ بما أنَّهُ لا يملك شيئًا ليفعله سوى كتابة مخاوفه في فصول روايته الجديدة التي يعمل عليها "هَيبَتُها" طوال الليل.
وضع الإفطار على الطاولة الخشبية المُضَلَّلة في حديقة المنزل، ثم ذهب لها ليوقظها، جلس على حافة السرير، أراد أن يوقظها ولكنَّهُ تَردَّد، لا يملك قلبًا ليفعل ذلك.
فلتنام... فلتنام... ردد في نفسه ذلك، ولم ينبس بشيء أو يتحرك؛ كي لا يُزعجها، وفقط ضَلَّ جالسًا يُراقبها.
في البداية؛ فكَّر أن يأخذها برحلة طيلة شهر كامل حول العالم، لكنها من رفضت واقترحت تايلاند، لأنه يملك منزلًا جميلًا هُناك، وهو لم يعترض ما دامت رغبتها.
لكنَّه بأي ثمن، ولأي مكان؛ أراد أن تذهب معه إلى خارج كوريا، لأنه يخشى من نَقمِ جونغداي وحقده، يخشى أن يتعرَّض لها، ويُخبرها عن الأمر.
لكن الشهر سينقضي حتمًا، ولن يستطيع أن يهرُب للأبد مما قُدِّر له أن يحدث مهما كان، لكن لو علمت رُغمًا عن إرادته الآن يُمكنه أن يتشبَّث بها، فهو ما عاد صديقها الحميم أو خطيبها وحسب.
زوجها... ولا يمكن للوِثاق بينهما أن يُحَل بسبب لحظة عابرة، قد يصير رجلًا سيء ليحتفظ بها، أي شيء مهما كان سيفعله لتبقى معه، وأي ثمن سيدفعه ولا تُفارقه، فهذا الزواج ورقته الرابحة وعليهِ يستند.
تحرّكت روزماري أخيرًا وفتحت عيناها، وما إن رأت وجهه أمامها يبتسم إبتسمت، وخبّأت وجهها أسفل الوسادة تقول.
"لا تنظر لي الآن، وجهي بالتأكيد مُنتفخ!"
حصل على الوسادة من بين يديها، ونبس مُبتسمًا.
"لا يهم حبيبتي، أُحبكِ بكُلِّ حالاتِك"
نهض عن الفراش واستقام.
"رُبما الطَّعام يكون قد بَرد الآن، أتمّي أموركِ وتعالي لنفطر معًا"
همهمت، ثم نهضت إلى دورة المياه بينما هو خرج ليوفِّر لها بعض الخصوصيّة.
خرجت بعد وقت، كانت قد استحمّت، بدَّلت ثيابها وسرَّحت شعرها، وأتمَّت كل أمورها، جلست على الطاولة، ورفعت الغطاء عن الطعام تتناوله، فكشّر عن نابيه بإنزعاج ونبس.
"ولِمَ لا تُقبليني قُبلة الصباح أولًا؟"
أجابته بعدما ابتلعت تُشير إلى الطعام بشوكتها.
"الأولى فأولى... الطعام أولًا ثم أنتَ ثانيًا"
عقد ساعديه، وأشاح عنها يُتمتِم.
"إمرأة قاسيّة"
رفعت حاجبًا ترمقهُ بغضب.
"تشتمني؟"
سُرعان ما تذمَّر.
"لم أفعل، قُلتُ أنَّكِ إمرأة قاسية فَحسب"
نهضت بعدما أنهت طعامها، وألقت في حِجرِهِ هاتفه، الذي إلتقطه بصعوبة تقول.
"لقد كنتُ أجلس عليه وأنا لا ادري"
تذمَّر مُجددًا.
"أرأيتِ أنكِ إمرأة قاسيّة!
من يُعامل هاتف غلاكسي زِد فولد تو بهذه الخشونة سواكِ؟"
عقدت ساعديها إلى صدرها، ورمقتهُ ترفع حاجبًا.
"جون، أتُريد رَكلة؟"
سُرعان ما نفى برأسه وطأطئ رأسه، لكنه تفاجى منها حينما أمسكت بذقنه، ورفعت مخائله إليها، ثم قبَّلت شفتيه قُبلة الصباح التي يُريدُها.
ثم نبست وهي تتحسَّس خط فكّه بشفتيها.
"صباحُ الخير جون"
ابتعدت عنه، وراح يتحسَّس قلبه بإضطراب، فيما يراها تُغادر ساحته، وكأنَّها لم تفتعل صخبًا في قلبه المجنون بها.
إلتفتت إليه عندما أصبحت قُربَ الباب الزُجاجي، الذي يصل المنزل بحديقته وقالت.
"ألن نَخرُج اليوم؟"
إزدرئ جوفه، واستجمع نفسه، ثم لملم كلماته وقال.
"بلى سنخرُج!"
....
إصطفّ جون بسيارته قريبًا من السّوق، نظر إلى روز التي تجلس بجانبه، قد حصل لأجلهما مُسبقًا على قُبَّعتين من القَشِّ لأجلهما.
أخذ إحداهما ووضعها على رأسها يقول.
"ما رأيكِ أن نتسوَّق؟"
"نتسوَّق؟"
أومئ لها، فأومأت ضاحكة، لا تدري أي المُفاجأت يُخبّئها لها.
تَرجَّلت معه، ويده تُمسِك بيدها، وسارت معه إلى حيثُ يُسيّرُها.
لكنها تفاجئت عندما رأت السوق، الذي آتى بها إليه، إنَّهُ بضائع على قوارب في منتصفِ نهر ماء ضيّق.
"ما هذا؟!"
"سترين"
إقترب من إحدى الرِّجال الذي يؤجِّر قاربه، إستأجره، ثم تمسَّك بخصريها يُساعدها على الركوب، وهي تلقائيًّا تمسَّكَت بكتفيه.
جلست وجون يجلس خلفها، ويُجدِّف بالمجاديف؛ ليحرك القارب بين القوارب الأخرى التي تحمل البضائع.
كانت تشعر بصدره يُلامس ظهرها كلما تحرَّك مُجدِّفًا، شغلتها بعض الافكار الوِجدانيّة وهي معه هكذا، هو صدرًا تستند عليه وظهرًا يحميها، تبسَّمت وودت لو تكافئه الآن على ما يشغلهُ فيها من حُب، لكنها لا تستطيع، فعموميّة المكان لا تُناسِب أفكارها الرومانسيّة.
نَبست فيما تنظر أمامها، وجرّبَت أن تُشغِل نفسها بغيرِه، رغم أنَّهُ الأولى لأنَّهُ الأروع.
"هذا رائع!"
ضحك جون بخفّة وهمس.
"سأتأكد أن أكون مُرشدًا سياحيًّا رائع لأجلِك"
إلتفتت برأسها إليه ونبست تبتسم، فمع سِواه لم تذق طعم الفرح أبدًا، تشعر أنها ولِدَت من جديد، ولِدَت على يديه.
"شُكرًا لك!"
ربَّت على شعرِها ينثُره بلُطف ورُغم أنها تكره أن يُنثَر شعرها لكنها لم تعترض، ثم تحرَّك جون نحو إحدى القوارب وقال لها.
"لِمَ لا تُجرِّبي أكل المأكولات البحريّة؟"
سُرعان ما إشمأزَّت ملامحها وقالت.
"لا، الطعام الذي يأتي من البحر يثير إشمئزازي، لا يُمكِن أن آكُلَه"
أومئ لها، واقترب من إحدى الباعة يقول.
"أدري أنه من الغريب أن نَطلُب الدجاج في مكانٍ كهذا، لكن نُريد قِطع الدجاج المشويّة مع الخضراوات"
"اللغة التايلانديّة صعبة!"
علَّقت روزماري بعدما جون أنهى طلبه باللغة التايلانديّة، أومئ لها وقال.
"نعم، إنها في غاية الصعوبة، رغم أنّي أزور تايلاند مُذُّ سنين لكنّي لم أُتقِنها بعد، ولا أظنني سأتقنها حتى"
قهقهت روزماري وقالت له تُثير سخطه عن عمد، فرؤيته ساخطًا منها هو أجمل شيء بعد رؤيته عاشقًا يذوب بين تلافيفها.
"لقد تيبَّس دماغكَ بما فيه الكفاية الآن، لا يُمكن أن تتقن لغة بعد هذا العمر، لقد أصبحتَ عجوزًا!"
برم شفتيه بإنزعاج ونبس.
"تُشعريني أنّي عجوز، ما زِلتُ شابًا!"
نقرت ذقنه وهو مُستاء تُراضيه، فابتسم لأنَّهُ سُرعان ما يرضى عليها فلا ينقم ولا يكنَّ الضغينة، لأنَّهُ رجلًا طيّب من طينٍ نظيفة، ثم كلاهما انخرط في تناول الدجاج حينما نَضج.
بعدها؛ أخذ كلاهما يجولان بقاربهما بين القوارب المُتفارِبة الأُخرى، ويأكلان الطعام التايلاندي التقليدي، الذي يقدمونه الباعة ويطبخونه أمامهم.
ودون أن تعلم روزماري؛ قام جون بإطعامها عِدة مرات طعامًا بَحريّ دون أن تدري أنه طعام بحري بالفعل، لم يفعل ذلك نِكالًا بها، بل لأنها لم تُجرِّب قط أن تتناول طعامًا بحريًا، وقد حكمت عليه مُسبقًا حُكمًا قد يكون ظالمًا؛ فقط لأنه يأتي من أعماق البحر، عُمق البحر الدَنِس مثل نفوس البشر على حسب مُسلَّماتها السابقة،التي داهمها بحملتِهِ التبشيريّة سابقًا، ونجح في دحضِها عندما نجح في جعلها تخوض البحر لأول مرّة، ولا تتوقف عند حدود الشاطئ.
كان يضحك عليها بالخفاء حينما تجد الطعام لذيذًا، وتطلب المزيد منه رغم أنها تمتنع عنه عادةً، وبالتأكيد جون لن يٌخبرها الآن بالحقيقة، فلا يود أن يُضرَب في السوق وأمام الناس.
أعاد جون القارب إلى صاحبه، وسار بحبيبته إلى إحدى الأكشاك يقول.
"لنذهب إلى هُناك ونَحصُل على تدليك تقليدي"
أومأت له، وسارت معه إلى الكُشك، جلس كلاهما متجاورين على مقعدين مُنبسطي الظهر، وإمرأتين أخذن يُدلِّكن أقدامهما بالزيوت التايلانديّة التقليديّة.
لكن روز شعرت بالإنزعاج، ولو علمت من البداية أن إمرأة التي ستخدم جون؛ لحصلت لنفسها فقط على تدليك.
ضربت كتفه حينما رأته مُنسجمًا ومُستجمًّا بالتدليك، تألم يتحسس محل الضربة وتذمَّر بحاجبين منعقدين، لكنه بدى ظريف.
"لِمَ تضربيني؟!"
رفعت سبّابتِها بعصبيّة بينهما ونبست تُهدِّده.
"أياكَ أن تشعر بالمُتعة بينما إمرأة تُدلِّك لكَ قدميك!"
ضحك، حبيبته غيور، وأومئ لها يقول.
"حسنًا، لن أشعر بالمُتعة"
أمرته.
"كَشِّر بملامحك!"
أومئ، ثم عرّج حاجبيه وبرم شفتيه ليبدو مُستاءً، حينها عادت لمُتعة التدليك، وارتخت على المقعد تشعر بالرّاحة، تحصل على تدليك ممتع، وزوجها بجانبها مجبور أن يطيع رغبتها وإلا ثارت عليه بغيرتها، وهو لا يُحِب أن يتعرَّض للعُنف.
ما إن إنتهت جلسة التدليك أخيرًا خرج كلاهما من الكُشِك، لقد قضى وقتًا عصيبًا في الداخل بينما زوجته أراحت قدميها، وأرخت أعصابها، بينما هو اشتدت أعصابه وحسب... لكنَّهُ سعيد.
إبتعد كلاهما عن المياه، وأخذ جون يسير مُحتضنًا يد ماري بيده حريصًا ألا يُفلتها فتضيع، والسوق كبير وهي لا تُجيد لُغتهم وهم لا يجيدون لُغتها كذلك.
كانت تنظر ماري على أيديهما المُتشابكة بين الحين والآخر وتبتسم... تشعر بالأمان والإهتمام.
"حبيبتي، انظري هناك"
نظرت إلى حيثُ يُشير؛ وإذ ببعضِ الرِجال يرتدون أقنِعة قَبليّة، ويصطحبون معهم القرود؛ لتأدية بعض العروض التقليدية في مُنتصفِ ساحة السوق.
"أتودين الرؤية عن قُرب؟"
أومأت له، فسيَّرها بحماسة بين الحشود حتى توقف بها قريبًا من موضع العرض، وبينما العرض يسير كان رجلًا ما يطوف عليهم بقُبَّعته لجمعِ المال من المُتفرِّجين، وأما جون وماري فكانا مُنغمسين بالعرض، يهتفان مع الناس بحماسة، مع الكثير من الصور ومقاطع الفيديو التِذكاريّة.
"نَسير؟"
أومأت روزماري، وسارت مع جون حتى أطراف السوق الخلفيّة، وهُناك يستقر سوق الخيزران والمشغولات اليدويّة، توقفت روز أمام إحدى البسطات، التي تعرض المشغولات اليدوية المصنوعة من الخيزران.
أشارت إلى مجموعة من الصحون، التي من خيزران، إذ أنها ستة صحون بأحجامٍ مُختلفة، ترتفع فوق إحداها تهاذيب من الخيزران؛ لتكون على شاكلة سَلّة صغيرة مُغلقة بِعُقدة.
"اشتري لي هذا"
جون نظر إلى تلك الصحون ودفع ثمنها، وبعدما استلمها من البائع، وسار مع روز بعيدًا قال.
"أواني من خيزران! لم أظنكِ تُحبي الأشياء التقليديّة!"
أومأت له وقالت.
"أنتَ مُحِق، إنها ليست لي"
"لِمن؟!"
"لأجل تشانيول؛ بما أنَّهُ يكره المشغولات اليدويّة؛ قررتُ أن أشتري له بعضًا منها"
ضحك جون مِلئ صدره بينما روز إكتفت بإبتسامة.
"تُغيضين الرجل حتى هنا!"
أومأت.
"هذه ستكون هديته، لأنَّهُ لن يُحبها"
"أنتِ غير معقولة أبدًا"
توقفت روزماري أمام بَسطة تبيع الصَّدف البَحري، حملت واحدة وقرّبتها إلى أُذنها، لتسمع عبرها صوت البحر.
إنها مُعجبة مُخلِصة للبحر، ولا يُمكن ألا تُحب مُقتنياته، أخرجت من حقيبتها المال؛ لتدفع لقاء الصَّدف، فلقد إختارت مجموعة لا واحدة، لكن يد جون إعترضت يدها، ودفع المال منه، ثم حمل الصَّدف، وسار يحتضن يدها.
"أنتِ زوجتي، أي أنا أُنفق عليكِ، لا يُمكن أن تستعملي مالكِ الخاص وأنا معكِ"
بدى مُنزعجًا بعض الشيء بينما يُنبهها؛ فسألته.
"هل إنزعجت مني؟!"
أومئ واتبع.
"يُمكنكِ أن تقولي اشتري لي فقط كما فعلتِ قبل قليل، أُحب أن أصرف المال عليكِ، وهذا جُزء من واجبي إتجاهكِ"
"لقد طلبت منكَ أن تشتري لي صحون الخيزران، لأني لا أُحب إهدار المال"
نظر لها لا يفهم مقصدها فاتبعت.
"تعلم... لن أهدر مالي على هدية لن يُحبها تشانيول"
وما إستطاع إلا أن ينخرط في الضحك مُجددًا، لا يمكن أن يطول إنزعاجه منها إطلاقًا.
"ولكن أهدرتِ مالي!"
"حسنًا... بما أنه مالك أنت، فلا بأس بإهداره"
زوجته إمرأة نادرة... لا يُنكِر ذلك!
وفي نهاية الجولة في السوق؛ قصد جون بهيبتِه جسر الحب حيث المكان الأمثل للمُحبّين أمثاله.
صعد معها الجسر، وتمشيا عليه معًا يتشابكا الأيدي، الشمس مالت للغروب، والهواء أصبح عليل، تشعر روزماري بالحُرية والإسترخاء كلما تطايرت خُصلات شعرها مع الرياح هكذا.
توقف جون أمام إحدى السيدات، التي تبيع الأقفال، نظرت السيدة إلى روز، وتحدثت بلُغتها الأُم.
"أهذهِ الصبيّة الجميلة حبيبتك؟"
أومئ جون.
"وزوجتي أيضًا"
تبسَّمت السيدة، واختارت لأجلهما القُفل، فوقع إختيارها على قُفل باللون الأزرق السماويّ، نظر جون وماري في بعضهما بتفاجئ، دائمًا ما يجمعهما هذا اللون، والسيدة قالت فيما تمد يدها لجون بالقُفل ومُفتاحه.
"عيناها زرقاوتان مِثل البَحر، كُن سماءها وانعكس عليها باللون الأزرق الجميل، كُن دومًا لها نهارًا، ولا تجعل في كبدها أي ظُلمة"
نظر إلى السيدة وربّت على يدها، لطالما ربطتهما هذه العلاقة، أن تكون هي البحر، وهو السماء الذي يلونها، وقد أقسم سابقًا ألا يُظلِم أبدًا فلا ينعكس الظلام عليها وتُظلم، فهما مجددًا سماء وبحر.
أخذ جون القُفل، وعقدهُ على البُرج المَعدني، يشرح لماري.
"حسب المُعتقدات؛ إن قُمنا بقفلِ قُفل على جسر الحب، ورمينا المُفتاح في الجسر أسفله؛ هذا يعني دوام الحب وخلوده بيننا"
أخذت روز المفتاح من يده بعدما أقفل به القفل حول سياج الجسر المعدني، وألقته في الماء أسفل الجسر تقول.
"أتمنى أن تكون هذهِ المُعتقدات صحيحة، وأن يُتمَّم الحُب الذي بيننا بالخلود"
تبسَّم جون، وجعل يديها بين يديه، ثم اقترب ليُقبِّل جبينها، ثم نظر في بَحريها الوضّائين يقول.
"حُبي لكِ خالد، لا يموت حتى لو مُتُّ أنا"
............
مَرَّت عِدة أيام في رَخاء بعد ذلك، قام العروسين بزيارة عِدة أماكن في تايلاند، حتى أنهم سافروا للمُدن الأخرى كذلك.
وفي يومٍ ما بعدما قضيا جون وروز وقتًا مُمتِعًا في ضواحي المدينة، عادا إلى المَنزل الصيفيّ الذي يقطُنانِه هُنا.
لكن المُفاجئ أن جون لَحِظ حركة غريبة في المنزل فورما دخله، لذا سُرعان ما اجتذب روز من ذراعها لتقف في ظهره.
"ما بِك؟!"
"ششش!"
حَمل سكين من على البار، وذلك ما جعل الخوف يتسلل إلى نفس روز، ليست تخاف من اللصوص لو اقتحموا المنزل بقدر ما تخاف أن تلحق الأذيّة جون.
كمشت بأظافرها على كتفه وهمست.
"جون، كُن حذرًا، أنا على آية حال لا أسمع شيء"
شَدد على يدها التي يمسكها منها وكأنه يحثها أن تطمئن، ثم سار بحذر إلى الرِواق الذي يجمع عِدة غُرف منها مكتبه.
فتحه بحذر وهُناك لم يجد أحد، فتوجه إلى دُرج المكتب، وسحب منه سلاحًا ناريًا جعل روز تشهق.
"لا يُمكن أن تستخدم هذا جون!"
وضعها في ظهره، وبعدما ملأ بيت الرصاص سار يُفتِّش الغُرف، هُناك حيث رأى رَجُلان مُلثمان ينهبان بعض الأغراض الثمينة.
سدد جون ناحيتهم السلاح وقال يُحذِّرهم.
"ضعوا ما في أيديكم واخرجوا بهدوء قبل أن أُطلِق النار عليكما، وصدِّقوني لن أتردد بفعلِ ذلك لو عصيتُم!"
أخرج إحدى الرجلين سكينه والآخر تحدث بلُغته شيئًا لم تفهمه روز التي تقف بظهر زوجها، ولكن ما قاله جعل جون يستنفر غاضبًا بشدة، ويُطلِق سراح الزِناد برصاصة استهدفت النافذة.
جعلت روزماري تصرخ بشدّة، وتنحني سريعًا تُغلق أُذنيها بكفِّيها.
إحمرَّت عينا جون يرى الرجلان يهربان من النّافِذة، ويتركان خلفهما ما حاولا سرقته، رمى جون بالسلاح، والتفت إلى ماري التي جلست أرضًا تبكي بشدّة.
لدى روز ماضٍ سيء مع صوت الرصاص، تكرهه بشدة وتخافه بشدة، لذا من السهل أن تدخل بنوبةِ هَلَع بسبب ذلك.
إحتضن جون بكفّيه وجنتيها، وحاول أن يرفع رأسها، الذي أخفضته وتحيطه بكفّيها.
"ماري... حبيبتي... أنا آسف، ما كان عليَّ أن أُطلِق مهما استفزّوني، أنا آسف حبيبتي، أرجوكِ لا تنهاري!"
لكنه بينما يتحدث معها توقفت عن البُكاء، وأخذت تتنفس بصعوبة حتى سقطت بين يديه مُغشى عليها.
صاح يحملها على ذراعيه، وركض بها خارج المنزل بأقصى سُرعته.
"ماري أرجوكِ! لا تُخفيني أرجوكِ!"
وضعها في سيارته في الكُرسي الخلفيّ، ولا يدري كيف تجاوز الطُرقات الطويلة إلى قلب المدينة حيث تقع أقرب مُستشفى.
"طبيب رجاءً بسُرعة!"
أرشدته المُمرضة أن تضعها على سرير الطوارئ، ثم طلبت منه الخروج، فأخذت تأكله نيران القلق أمام بوابة الطوارئ ينتظر خبرًا عنها.
مرَّت دقائق طويلة تكاد تكون عُمرًا بالنسبةِ له، وقد كان قلبه قد إحترق بالفعل؛ لطول إنتظاره في الخارج.
وما إن أراد أن يخترق المكان حتى فُتِحَت البوابة، وظهر من خلفها الطبيب يرتدي مئزَره.
"لقد تعرَّضت لنوبةِ هلع كما يتبيَّن، لكنها الآن بخير، يُمكن أن تُعيدها إلى المنزل عندما تستيقظ"
أومئ جون إلى الطبيب، وولج إلى الغرفة، حيث وجدها تنام على إحدى الأسرّة فيما يلتف حول سريرها سِتار.
ركع أرضًا قُرب السرير وحمل يدها بين يديه، طبع عليها عِدّة قُبل، ثم وضعها على وجنته يهمس لها.
"أنا آسف، أنا رَجُل حقير، ما كان علي أن أُطلِق النار وأنا أعلم أنكِ تملكين رَهبة ضدَّه، أنا آسف يا حبيبتي، أرجوكِ استيقظي!"
كاد أن يبكي لولا أنَّه عوَّد نفسه على القوّة، وأن يتحمَّل رهف قلبه لأجلها، مَضت ساعة أُخرى وهي نائمة بينما هو يُراقبها، وما إن فتحت عيناها نَبس.
"أنتِ بخير؟"
لم تُجيبه في البداية، فهي تستجمع حواسها كذلك ذاكرتها وما حدث، وعندما ضاق صدرها مُجددًا؛ هرع يرفعها عن الفِراش، ليدسّها بين زِنديه.
"أنا آسف، لا تهلعي، أنتِ بأمان وبخير!"
بقت تختبئ من مخاوفها في صدره لبعض الوقت، وتذكرت اليوم الذي آتى لها بهذا الرِهاب، يوم حاولت أن تقتل جونغداي برصاصة؛ لتنجو منه ومن زواجها منه.
تمسَّكت بقميصه، وخبّأت وجهها في عُنقه تقول.
"جون، لا يُمكن أن أبقى في ذلك المنزل، دعنا نعود أرجوك!"
"حسنًا، سنعود إلى سيؤل غدًا، سأتدبر أول طائرة غدًا إلى سيؤل، أعدكِ أنكِ ستكوني بخير، لذا توقفي عن شعوركِ بالهلع هذا!"
أومأت، واندسَّت في حُضنه لبعض الوقت تحظى بأوقات آمنة بين يديه.
أخرجها جون بعد ذلك من المُستشفى، وتولّى جمع أغراضهم من المنزل، وقد بعث من يصلح النوافذ وينظفه، بينما روز في الفُندق الذي ناما فيه الأمس.
لم يعلم أحد أنهم عائدون من سفرهم سريعًا، فلقد كانت الخُطَّة أن يمضوا شهرًا بأكمله في تايلاند، ولكن ها هُم يعودون في بداية الأسبوع الثاني إلى سيؤل.
كان تشانيول بإنتظارهم في المطار، فلقد سبق أن أتصل به جون، وأخبره أنهم عائدون، لذا عليه أن يأتي بالسيّارة؛ فماري ليست بخير.
كانت ماري تسير بينما جون يتمسَّك بها، ما زالت شاحبة بسبب ما تعرَّضت له من خوف، وتبدو هزيلة.
ما إن رآهما تشانيول من بعيد، هرع لهما ليطمأن عليها.
"روز، أنتِ بخير؟!"
أومأت له، حينها جون سلمها لتشانيول يقول.
"اصطحبها من فضلِك إلى السيّارة، وابقِها قريبة منك كي لا تخاف، أنا سأتم بعض الوثائق واحصل على أغراضنا"
أومئ له تشانيول، وأمسك بيد روز، وبيده الأُخرى أحاط كتفيّها وسيَّرها معه، جعلها تصعد في الخلف، وعندما تمسَّكت بكتفه ترفض أن يبتعد عنها صعد ليجلس بجانبها، وجعل رأسها إلى كتفه يقول.
"هل تعرضتِ لنوبةِ هلع؟"
أومأت فتنهد.
"ذلك لم يحدث مُذُّ وقت طويل، ظننتُكِ تجاوزتِ رِهابكِ!"
نفت برأسها ثم أخذت تبكي، فجعل تشانيول يضمها إليه فيما يتنهد بأستياء شديد، يكره أن يراها هزيلة وضعيفة كما الآن، لأنها تُذكِّره بروزماري ابنة الماضي.
ربَّت على كتفها وحاول تهدِأتِها.
"لا بأس عليكِ، يُمكنِك أن تتجاوزي عتبة الماضي والإستمرار"
آتى جون بعد وقت، وتولّى القيادة يترك تشانيول مع روز في الخلف، تناظر الرجُلان يتبادلان حديثًا بلا كلام.
ترك جون روزماري في السرير، وعاد إلى تشانيول الذي يجلس في صالةِ الجلوس، جلس على الأريكة بيمينه، حينها تسآل تشانيول.
"ما الذي حدث؟"
"أطلقتُ النار على بعض اللصوص الذين داهموا منزلي"
اتسعت عينا تشانيول، فاتبع جون يُطمأنه.
"لم يُصَب أحد بأذى سوى روز"
تنهد تشانيول ثم جعل رأسه بين كفيه يهمس.
"ظننتها تجاوزت هذا الرِّهاب، اللعنة على جونغداي!
لم يترك لها منه سِوى هذا الرِّهاب"
تنهد مُجددًا، ووضع كفّيه يعقدهما أمامه فيما يغفر بين ساقيه ونظره منخفض.
"في بداية إنفصالهما؛ كانت تَمُر بأزمات ونوبات كثيرة، قضيتُ الكثير من الليالي وأنا أنام أرضًا قُرب سريرها كي لا تخاف.
كانت تحلم بالليلة التي أطلقت النار بها على جونغداي كثيرًا، تستيقظ في منتصف الليل، تبكي وتصرخ بهلع شديد!
لقد كانت مُنهكة ومُتعبة ومُستهلكة، لقد عاشت الكثير من الأيام الصعبة حتى أصبحت المرأة القوية التي هي عليها اليوم"
الكلام على لِسان تشانيول أرهق قلب جون، يدري بشأن رِهابِها، فلقد أرشى طبيبتها النفسيّة سابقًا؛ ليعلم ما عِلَّتِها، لكن أن يسمع الكلام من فاه تشانيول يشعره بالعجز.
ليته كان حاضرًا في لحظات ضعفها كما في لحظات قوِّتها، لربما حينها وجدت صدرًا تتكئ عليه دون حواجز، حتى لو كان تشانيول كافيًا آنذاك، لكان هو أكثر من كافٍ لأجلها.
"هل ظهر المدعو جونغداي بعد ذلك اليوم؟"
نفى تشانيول.
"أظنُّه بإنتظار عودة روز ليُفجِّر القُنبِلة في وجهها"
تنهد جون مُستاءً ونبس.
"إن إعترض طريقها وضايقها لن أتردد هذه المرّة من قتله حقًا!"
"لن يستطيع، لقد عرَّفتُ جاي عليه عبر الصور، سأجعله مُرافِقها الخاص دومًا، ولقد جعلته يسكن معي عندي بالفعل، ليستطيع حِراستِها عن قُرب"
"هل سيكون جاي كافيًا لحمايتها؟"
"نعم، ثِق به، الرَّجُل على إستعداد أن يفعل أي شي ليَرُد الجَميل لها"
أومئ جون مُتنهدًا، فنهض تشانيول.
"عليَّ أن أُغادر، ودعنا لا نُخبر أحد أنكما عُدتُما حتى ينقضي الشهر، روز ستحتاج وقتًا لتتعافى نفسيًا"
"حسنًا"
غادر تشانيول، وجون عاد أدراجه إلى روز، التي وجدها تتعرَّق على السرير، تهذي، تتنفس بثقل، وتُعرِّج حاجبيها.
هرع ليصعد السرير بجانبها، رفع جسدها بين ذراعيه، وجعلها على صدره، ثم أخذ يُربِّت على وجنتها حتى تستيقظ.
"روز استيقظي حبيبتي!"
شعر بوجنتيها دافئة، وأنفاسها حارّة، فقرَّب شفتيه إلى جبهتها يتحسس حرارتها، إنها ساخنة.
هرع إلى صندوق الإسعافات الأوليّة، ليرى درجة حرارتها، وإذ بها مُرتفعة تصل الأربعين.
لم يتردد ولو لثانية بأن يحملها كما هي ويضعها في حوض المياه ليُخفض درجة حرارتها، شهقت عندما لمستها المياه واستيقظت، لتهمس بصوت ضعيف.
"ما الذي تفعله بي جون؟!"
"أنتِ مريضة، لديكِ حُمّى، وينبغي علي أن أُخفض لأجلك درجة حرارتكِ"
أخذت روزماري تتنفس بصعوبة وتدافعت الدموع من عينيها ترجوه.
"الماء بارد، وأنا مُتعبة، اخرجني رجاءً!"
نفى.
"لا، سأحممك، ثم أجعلك تنامين، سأعتني بك"
تمسّكّت بقميصه ترفض نافية برأسها، لكنه أمسك بثوبها لينزعه، وما استطاعت أن تمنعه عمّا يُريد فعله رغم أنها لا تريد ذلك.
جرّدها من ثوبها، وكي لا تخجل منه جعل على ظهر المياه رغوة كثيفة، غَسَّل لها شعرها ثم تولَّت أمر جسدها، خرجت تُحيط جسدها بِمَنشفة، أجلسها على السرير، وآتى لها بثوب آخر يُلبسها أياه، ثم جلس خلفها يُسرِّح لها شعرها.
وما إن إنتهى منها حتى دَسَّها في الفراش وبين ذراعيه، إتكأت على صدره برأسها، وأحاطت خصره بذراعها وأغمضت عيناها.
"جون؟"
"هَيبتَه؟"
"شُكرًا لك"
قَبَّل رأسها، وأحاطها بذراعيه، وضع على جبهتِها حقيبة الثلج، ونبس.
"لا شُكر بيننا، أنتِ زوجتي، ومسؤوليتي، وحبيبتي!"
تبسّمت وعلى صدره الآمن، لم تجرؤ أي من الكوابيس المُزعجة أن تُضايقها تلك الليلة.
استغرقت روزماري في النوم على صدرِ جون في اليوم الموالي؛ وذلك لأنَّها لم تَنَل كفايتها من النوم في الليلتين الماضيتين.
وجون لم يتركها ولو لحظة، بل ظل لها فراشًا وثيرًا، آمنا ودافئًا لأجلها.
..................
يُتبع...
الفصل الرابع والعشرون "حُضنُه الدّافئ"
الجُزء الخامس " لا تؤلميني بِكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها"
.............
سلاااااااام
طبعًا هذا الفصل هو الفصل الأول من الجُزء الخامس والما قبل الأخير.
طبعًا لهذا الجُزء صِراعه الخاص، وهو أكثر جُزء أنا متحمسة له، ورجوني حماسكم.
الفصل القادم بعد 100 فوت و100 كومنت.
1.رأيكم بروز؟ في شهر العسل؟ رهابها؟
2.رأيكم بجون؟ في شهر العسل؟ مشادته مع اللصوص؟ إهتمامه بروز؟
3.رأيكم بتشانيول؟ حالته النفسية؟
4.رأيكم بأوريل؟ مواساتها لتشانيول وتفهمها له؟
5.رأيكم بجونغداي؟ تهديده؟
6.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі