توطئة|| Introduction
CH1|| إبنة الزمن
CH2|| حُب الدهور
CH3|| إمرأة من بحر
CH4||سماء ونجوم
CH5|| أزرق سماويّ
CH6|| لِمَ أُحبّك
CH7|| بُنٌ وبَحر
CH8|| سماءٌ وبَحر
CH9|| رسول الحُب
CH10||حياة بين الضلوع
CH11|| أزمة الهَيْبَة
CH12|| إنتقام الهيبة
CH13||عُكّاز وجَبيرة
CH14|| غاطس بالحُب
CH15||كَرز وسيجارة
CH16||حُبّي المُشيَّد
CH17|| نور البدر
CH18||بَهاء وإمتلاك
CH19||مَطَر ضِمنَ العاصِفة
CH20|| مخائل حُب
CH21||أُحبُك بمزاجٍ شَتويّ
CH22||قاع البحر
CH23||الزهرة وصاحب البستان
CH24||حُضنه الدافئ
CH25||دموع جميلة
CH26||أغرق في بحرِك
CH27||بَحرٌ هائج وسماءٌ دهماء
CH28||إنتكاس الهَيبة
CH29||زهرة مائلة الجِذع
CH30||جون وهَيبتُه
CH31||ظِلالٌ رماديّة
CH32||أكره الحُب
هَيبتُها|| The End
CH32||أكره الحُب
كيم جون ميون (الكاتب سوهو)

في:

هيبَتُها|| Her Prestige

《لا تؤذيني بكِ》

"أكره الحُب"

إمرأةٌ مجنونة... مجنونة للغاية!

أنتِ لا تُحبّيني... لم تُحبّيني حتى!

لطالما أحببتُ حُبي لكِ، لكنّي اليوم أكره الحُب، وأكرهُكِ!

لأنني شعرتُ بأنني لا شيء بالنِّسبةِ لكِ، كيف يُمكنكِ أن تُضحّي بي؟!

ما عدتُ أُريد أن أُحبك ولا أُريد أن أراكِ حتى!

إلى تلك الزَّهرة

الكاتب سوهو"

....

عادت روز إلى الشِّقة ومارست عاداتِها الطبيعيّة رُغمَ أنَّها تنتظِر جون على أحر من الجمر.

إستهلكها إقناع السيدة كيم النَّهار بطولِه، لم تقتنع ولكنّها رضيت أخيرًا بأن تُخبِر جون بما تُريده روز، وبما أن روز ألحَّت عليها أن تستدعيه اليوم، الآن قد يكون جون في منزلِ والدته، وعلم ما الذي دار بين أُمِّه وزوجته.

الشِّقة نظيفة جدًا، لا يُمكن أن تجد في أي زواية أي ذرَّة غُبار حتى، لكنّها إنخرطت في أعمال المنزل ولأولِ مرة بعدما إنفصلت عن جونغداي، لعلَّ أعمال المنزل تُشغلها قليلًا وتجعلها تنسى بشأنِ جون قليلًا.

وكيف تنسى؟!
لا يُمكنها، وقد رأت كيف عيناه لمعت حينما سمع أنَّ أخته حامل، وكلما يراها ببطنِها في الجِوار، تلمع عينيه بحسرة لكنّه لم ينبس بحرف، لم يشتكي أبدًا، لم يقل أبدًا أنَّهُ يُريد أن يكون أبًا.

تتفهَّم روز ولا يمكنها أن تتجاهل لذلك، ولولا أنَّها تُحبه بجنون لما أقدمت على مثل هذهِ الخطوة المجنونة، التي من شأنها أن تنهي علاقتهما بشكل نهائي لوما هي إقترحتها.

إنتهت من التنظيف هُنا وهُناك، ولم تجد ما تفعله بعدها سوى أن تسير ذهابًا وأيابًا في صالة الجلوس، وتنظُر نحو ساعتِها كُلَّ فينة.

تأخَّر الوقت كثيرًا وبدأت تقلق عليه، لقد تجاوز الوقت مُنتصف الليل وهو لم يَعُد بعد إلى الشِّقة، أيُعقل أنَّهُ غضب غضبًا شديدًا لدرجةِ أنَّهُ لا يريد أن يعود إلى المنزل؟!

نفضت روز رأسها من هذهِ الأفكار المتوقَّعة وبشدّة، ستنتظر ساعة إضافية وإن لم يأتي ستخرج لتبحث عنه بنفسها.

إنقضت نصف ساعة بعد ذلك وهي ما زالت تنتظره، ثم أخيرًا سمعت صوت الباب يُفتَح، وقفت في منتصف صالة الجلوس فيما تنظر نحو الباب بشوق وقلق، تنتظر أن تراه بخير ولو كان غاضبًا منها... لا بأس، المُهِم أنَّهُ بخير.

أخيرًا أطلَّ عليها، ولم يبدو بخير على الإطلاق من إطلالته، قميصه الأسود مُتفتِّقة أزراره إلى مُنتصف صدرِه، شعره الأسود مُبعثر بفوضوية على جبهته، يحمل سُترته على كتفه فيما يسير بترنُّح، رائحته وهالته... كل شيء يدل على أنَّهُ ثمل على آخره.

لكنَّهُ ما إن رآها رمى بسترته بعصبيّة عليها، فجعلت تشهق ونشزا كتفيها حينما ضربها بالسُّترة، كان تصرُّفًا مُفاجئًا من جون، تُصرُّفًا يتحدَّث من تِلقاء نفسه عن غضبه منها، أبعدت روزماري السُّترة عن وجهها، ونظرت إليه بتوتُّر، لطالما كانت قويّة أمامه، لِمَ هي خائفة منه الآن وترتجف؟

أشار لها بسبّابته وهمس ثملًا وغاضبًا.

"أنتِ حقًّا أكرهك!"

لم تتوقَّع أن ينبس بمثلِ هذا الكلام أبدًا، شعرت بفؤادها ينجرح.

"جون!"

صرخ بها بخشونة وبغضب شديد.

"أخرسي!"

قضمت على شفتيها وأمتلأت عيناها بالدموع بعدما نشزا كتفيها مُجدَّدًا فيما هو يُتبع بغضب.

"لقد ذهبتُ إلى الملهى، ثملتُ حتى فقدتُ رُشدي، لكن أيًّا من النِّساء لم تنجح بجذبِ إنتباهي، لم أرى إمرأة واحدة حتى رغم أنَّهُ مكان مُكتظ بالنِّساء، أنتِ ماذا تُريديني أن أفعل؟!"

إقتربت منه تحاول أن تُبرر موقفها الضعيف، لكنَّها لم تُفلح، إذ فورما نبست باسمه مُجدَّدًا أمسك بعضديها بقسوة وأجتذبها إليه بخشونة، فأنَّت لخشونة قبضته.

"جون أنا..."

"أنتِ لا تستحقي كل الحُب الذي منحتَهُ لكِ، أنتِ معك حق، أنا مٌجرَّد رَجُل مجنون ومهووس بإمرأة لا تستحق أن تتلقّى الحُب!"

تدافعت المآقي خارج جفونها المُسبّلة بالبؤس والخوف، وهمست بنبرةٍ باكيّة.

"جون أنا أفعل ذلك لأنني أحبك!"

"فقط أخرسي"

دفع بها بقسوة إلى الكنبة فسقطت عليها وأفرجت عن صرخة، لكنَّهُ سُرعان ما إعتلاها وقيّدَ يداها فوق رأسها، لأنها لو قاومته الآن سيكون أكثر قسوة مما هو عليه الآن.

أخذت تبكي أسفله ولأولِ مرة بضعف، لم يسبق لها أن رأته بمثل هذا الغضب الأشوس والمجنون، لم يسبق لعينيه أن رمقتها بكل هذا الغضب والنفور، تلك كانت أَحَدْ عينين رأتهُما في حياتها له.

"أنتِ لم تُحبّيني أبدًا، لو أحببتِني حقًا كما تَدَّعي لم قررتِ أن تتخلّي عنّي هكذا بمثلِ هذه الطريقة المُقرِفة!"

وضع يده على فمها يكتم كلماتها حينما أوشكت على الخروج، واتبع يهسهس بنبرةٍ ساخطة.

"تَظُنّي لو حدث ما برأسك سأعود لكِ؟!

لن أعود ولكنّي لن أتخلّى عنكِ... أنتِ ستبقي إمرأتي إلى الأبد، أنتِ لي أنا شئتِ أم أبيتِ، ورُغمًا عنك ستعيشي معي إلى الأبد، ولن تتخلَّصي مني، لكن..."

أبعد يده عن فاهها قبل أن ينبس.

"لن أُحبُّكِ بعد الآن!"

نهض عنها وهي قعدت على الأريكة تبكي.

"جون، أنتَ لا تفهمني رجاءً!"

صرخ بها.

"ولا أريد أن أفهمك، لذا احتفظي بمُبرِّراتك السَّخيفة لنفسِك أيّتُها المرأة المجنونة!"

أخفضت روز رأسها وبكت في صمت، لكن كتفيها نشزا بخوف من جديد حينما إقترب منها بغتةً مُجددًا، رفع سبّابتُه بوجهها وهسهس بغضبٍ بعدما أخفض جذعه إلى مستواها وهي جالسة تتحاشاه خوفًا منه.

"لو ذكرتِ هذا الموضوع مرّةً أُخرى لن أتردد في قطعِ لسانك!"

إبتعد عنها بعدما تلى تحذيره الأول من نوعه وهي تنفَّست بعُمق، تكاد سكتة قلبيّة أن تُصيبها، لم يُسبق له أن كان في مثلِ هذا الغضب أبدًا، لم يهاجمها طيلة علاقتهُما قط، تلك كانت المرّة الأولى حقًا، وترجو أن تكون الأخيرة.

بزغ الفجر وما زالت في مكانها على الأريكة تبكي، وهو في الدّاخل لم يظهر أبدًا، ولم تجرؤ روز أن تذهب إليه أولًا، لأولِ مرة تشعر بالخوف منه.

وفيما هي تجلس في قلب العتمة هكذا تذكَّرت ما دار بينها وبين السيّدة كيم، إذ بعدما أشعرتها روز بالقلق صارحتها بنواياها.

لقد أخبرت السيدة كيم بأنها تُريد من جون أن يُقيم علاقة لليلة واحدة فقط مع إمرأة ما؛ لِتُنجِب له طفلًا، وروزماري ستُربّيه كما لو أنَّهُ إبنها من دمها.

وبما أنَّ روز لم تجرؤ أن تقترح عليه بنفسها هذا الحل؛ طلبت من أُمه أن تفعل وتُحدِّثَهُ على إنفراد، لكن السيدة رفضت رفضًا قاطعًا أن تحاول أن تقنعه بِما تُريد، ورضيت بأن تخبره فقط عن أفكار روز المجنونة بعد توسلات روز الكثيرة، فروز توسلتها كثيرًا أن تُحقِّق لها هذا المطلب رغم تحذيرات السيدة الكثيرة من غضبِ جنون، والذي يبدو أن روز لم تَكُ تعلم عنه شيء.

وهذه هي النتيجة؛ غضب مجنون وأشوس من طرف جون وحسب.

في الصَّباح؛ أستيقظت روز ولا تدري كيف غَفت على الأريكة، قعدت عليها ومسحت على وجهها بكفيها قبل أن تنهض إلى دورة المياه، وفيما تمُر بغرفة النوم لم تجد جون، بل أن السرير مُرتَّب كما تُرتِّبهُ هي، أي أنَّهُ لم ينام حتى.

إستحمَّت وبدَّلت ثيابها قبل أن تجول في الشِّقة بحثًا عنه، وحينما فتحت باب مكتبه، رأته في الداخل، يرتدي بدلة رياضيّة ويجلس خلف حاسوبه.

وقفت على إطار الباب بتوتُّر، وهو نظر لها وخلع النظّارات الطبيّة عن عينيه، لينظر لها وينبس بجفاء.

"لدي الكثير من العمل المُتراكم، لذا اخرجي ودعيني أُتمِمه"

قضمت شفتاها بحرج، فلقد تعرَّضت للطرد للتو، لكنها قالت.

"هل تود أن أُحضِّر لكَ كوب من القهوة؟"

وضع نظّاراته على عينيه، ونظر إلى حاسبِه فيما ينقر مفاتيحه.

"اخرجي وحسب"

تنهدت روز وأومأت بصمت، أغلقت الباب عليه، وخرجت لِتُحضِّر له كوبًا من القهوة كما يُحبُّها حتى لو صدِّها عن خدمته.

أخذت الكوب على صينيّة، ووضعت قطع الشوكولاتة المُفضَّلة لديه بجوار الكوب، ثم ذهبت إلى مكتبه، طرقت بابه مرَّتين قبل أن تَلِج دون أن يأذن لها.

إقتربت منه فيما هو كُليًّا مشغول بعمله، ولا يلتفت لها... وفيما تضع الصّينيّة على طاولته تلصَّصت ببصرِها على شاشة حاسِبه، وإذ به يكتب سطورًا جديدة لروايته "هَيبتُها" التي تتحدَّث عنها.

"لا تكتب شيء سيء عنّي لأنَّكَ غاضب منّي"

أغلق دفَّتي الحاسوب، ثم نزع نظّاراتُه الطبيّة مُتنهِّدًا يقول.

"أخبرتُكِ أنّي لا أُريد شيء، وفقط أُخرُجي من هُنا!"

تنهَّدت ثم تركت الصّينيّة على الطاولة وخرجت، ومضى اليوم دون أن يبزُغ لجون قمر، إذ لم يظهر من مكتبه قط، وحتى عندما دخلت لتُناديه على الغداء رفض، وعلى العشاء رفض أيضًا.

في قاعِ الليل ولجت إلى مكتبه مُجددًا، ما زال مُستنهكًا بالكتابة، تنهَّدت روز ونبست.

"هل أنتَ تُعاقبني الآن أم أنَّك تُعاقب نفسك؟!
عليكَ أن تأكل رجاءً!"

"اخرجي!"

هذا كُل ما نبس فيه وبنبرةِ جافّة وباردة، لكن هذهِ المرّة لم تأبه ببروده وجفائه نحوها، بل إقتربت منه تبغي أن تجعله يأكل مهما كلَّفها هذا التصرُّف من ثمن.

إذ إقتربت وأمسكت بعِضده تقول.

"أنا لن أصاع لكَ هذهِ المرة، إنهض وتناول الطعام ثم افعل ما تشاء"

نظر لها بعينيه الحادّتين ونبس.

"ومُذُّ متى أنتِ تنصاعي لي؟!"

دفع بها عنه، وبلا قصد أوقعها أرضًا، بلا أن يتدبَّر كاد أن ينهض ليساعدها على النهوض ويعتذر، لكن ما إن تذكَّر الأمس تراجع، وبدلًا من مُساعدتها عبر من فوقها بينما يلعن، لأولِ مرّة تسمعه يلعن.

قعدت روز على الأرض، ثم ضمَّت ساقيها إلى صدرِها، وأخذت تبكي، من بداية اليوم وهي صامِدة أمام جفائه، ولا تَظُن أنَّهُ بإمكانِها أن تصمُد أكثر، لقد تعبت، كما أنَّها لا تظن أنَّ حالها معه سيتحسَّن قريبًا، لذا أخذت تبكي كما يجب، بكت كل ما في قلبها من عجز ووجع.

سمعت صوت رنين على الجرس، فمسحت دموعها قبل أن تنهض لترى من في الباب، ووضعت إبتسامة مُزيّفة على شفتيها، لن تُظهر أنَّ بينها وبين زوجها شيء ولو أظهر هو.

كان جون في الشُّرفة يحتسي كوبًا من القهوة حينما توجَّهت لفتحِ الباب، لكن إبتسامتِها إنحسرت حينما رأت رجال الشرطة، الذين إنشقوا ليظهر المُحقق بيون بيكهيون من خلفهم حتى أصبح في مُقدِّمتهم.

أظهر شارته لها ثم قال.

"سيدتي؛ أين زوجك؟!"

أشارت إلى الداخل قبل أن تُنادي عليه، فإلتفت لها وآتى.

"جون رجال الشُّرطة هنا يريدونك!"

آتى جون مُسرِعًا، وأمسك بمعصم روز ليضعها بظهره وقال.

"المُحقِّق بيون؟! ما الخطب؟!"

"لستُ هنا من أجلِ حرمك، أن هُنا لأجلك"

تمسَّكت روز بكتفيّ جون ونبست من خلفه.

"ما الذي تُريده حضرة المُحقق بجون؟!"

أخرج المُحقِّق بيون أصفاده، وأمسك بمعصم جون يُكبِّلُه وهو يقول.

"السيّد كيم جون ميون؛ أنتَ رهن الإعتقال للإشتباه بك في جريمة قتل المغدور كيم جونغداي"

"ماذا؟!"

صاحت روز بلا تصديق وجون تجمَّد لوهلة لقوّة الصدمة على سمعه.

"جونغداي قُتِل وأنا المُتَّهَم؟! لِمَ؟!"

كبَّل المُحقِّق بيون معصمي جون ونبس فيما يسحبه إلى ناحيته.

"ستعلم التفاصيل في مركز الشُّرطة، الآن رافقنا رجاءً!"

إستوقفه جون يقول بإلحاح.

"دقيقة فقط، دعني أتحدَّث مع زوجتي"

أذِنَ له المُحقِّق بإشارة من يدِه وتراجع عنه، فإلتفت جون إلى روز التي أخذت تبكي بالفعل فيما تُنكِر.

"أنتَ لم تَقتُل جونغداي، أنا أعلم أنَّ هذا إتِّهام باطل، أليس كذلك جون؟"

أومئ لها برأسه ثم أدخلها في سِوار ذراعيه المُكبّلة يُعانِقها.

"لا تقلقي بشأني ولا تأتي خلفي، فقط إتَّصلي بتشانيول، وأخبريه أن يأتي بالمُحامي جونغ إن إلى مركز الشُّرطة، حسنًا؟!"

"لكن.."

"لا لكن، فقط افعلي ما أقوله"

بدى حازمًا وحاسمًا فيما يقوله، لذا إستسلمت لرغبته أومأت برأسِها له.

"سأفعل... اهتم بنفسك"

رفع ذراعيه عنها وتنهد بِعُمق قبل أن يستجيب إلى يد المُحقِّق بيون التي تجتذبه، وحتى آخر رمق ضَلَّ جون ينظر نحو روز المُعلَّقة برغبتِه خلف الباب، تراه يُغادر هكذا؛ يُسلَب منها؛ ولا تقدر أن تفعل شيء لأجلِه.

ما إن إختفى مُكبَّلًا ومُحاصرًا برِجال الشُّرطة هرعت إلى هاتفها، وبأنامل ترتجف وصوتٌ باكٍ -يَصعُب فهمه- إتصلت بتشانيول تطلب مُساعدته.

مَرَّ بها جاي ليأخذها من الشَّقّة إلى مركزِ الشُّرطة كما ألحَّت، وقد سبقها تشانيول بالذَّهاب إلى مركزِ الشُّرطة بِرِفقة المُحامي جونغ إن، الذي إستدعاهُ على عجلة.

كان جون في إحدى الزِّنزانات، والمُحقِّق بيون يرتدي سُترته يتجهَّز للرحيل، لكن المُحامي جونغ إن وتشانيول يُعطِّلانِه.

تنهَّد بيكهيون بإستياء، وقلَّب عيناه بِضجر قبل أن يرمق الإثنين.

"كم مرّة علي القول بإنَّهُ مُتَّهم في جريمةِ قتل، وأنا لا يُمكنني أن أفعل أي شيء الآن، عودوا الليلة إلى منازلكم وتعالوا غدًا!"

إستوقفه تشانيول للمرة المليون، لكن هذه المرّة أزاحه جونغ إن عن طريق المُحقِّق فيما يقول.

"المُحقِّق على حق، لقد تأخَّر الوقت الليلة، ولا يُمكننا أن نفعل شيء، دعنا ننتظر حتى الصباح، بالغد سيحققون معه ونعلم ما حدث"

تنهَّد تشانيول بأستياء وأومئ، ثم نظر ناحية بوابة الدخول، حيث تستوقف روز المُحقِّق بيون، وتطلب منه بإلحاح أن يسمح لها بمُقابلةِ زوجها.

تنهَّد بيكهيون ونبس.

"عنيدة جدًا أنتِ، أترغبين أن تضربيني كي أسمح لكِ بالدخول إليه؟!"

نفت روز برأسها وهمست.

"لا، فقط اسمح لي أن أراه ولو لدقيقة أرجوك أيُّها المُحقِّق!"

تنهَّد بيكهيون وأومئ يقول.

"حسنًا، اذهبي إليه، معكِ خمسُ دقائق فقط!"

تبسَّمت رغم غفر الدموع في عينيها ونبست شاكرة.

"شُكرًا لك سيد بيكهيون!"

أشار بيكهيون إلى إحدى أفراد الشُّرطة أن يوصلها إلى زِنزانةِ جون، وها هي أمام زِنزانتِه، لكنَّهُ فورما رآها أشاح بوجهه عنها فيما يجلس على المقعد الموضوع في نهاية الزِّنزانة.

"ماذا تُريدين؟!"

تمسَّكت روز بالقُضبان الحديديّة واقتربت.

"أنا خائفة عليك"

نظر لها فيما يرفع حاجبًا ونبس.

"لا تخافي علي بل خافي مني لو خرجت، اعتبري فترة حبسي هنا نقاهة لكِ وإستراحة منّي"

نفت برأسها تنفي هذه التُّهم الموجَّهة إليها منه.

"جون أنا حقًا...."

لكنَّهُ قاطعها مُجدَّدًا ونبس.

"لا تأتي إلى هنا مُجددًا، المرّة القادمة لن أسمح لكِ أن تَريني... غادري"

"جون أرجوك افهمني!"

إلتفت يمنحها ظهره، يُخبرها بلا كلام أنَّهُ لا يُريد أن يستمع لها حتّى، أسندت روز جبهتها على القُضبان، وأخذت تبكي على أسماعه دون أن يسترسل أي منهما بأي شيء حتى إستعجلها الشُّرطي على الرحيل، لكنَّها همست بشيء واحد قبل أن تُغادِر.

"أنا آسفة، لم أكُ أدري أنّي جرحتُكَ إلى هذا الحد!"

غادرت روزماري، وبقيَ جون وحده في أسرِ هذهِ الجُدران وهذهِ القُضبان، تنهَّد بِعُمق مُستاءً، بغضِّ الطرف عن الحِنق اللامُسبق الذي يشعر به ناحية روز، لكن... كيف إنتهى الحال به مُتَّهم بقتلِ جونغداي؟!

جونغداي قُتِل؟!
إنَّ هذا لعجبِ العُجاب!

بالتّأكيد رَجُلًا لعوب مثل جونغداي قد حطَّم العديد من القلوب بعد قلب ماري، ورُبَّما إنتهى بإحداهن أن تقتله ثأرًا لِقلبِها المكسور... يتوقَّع سيناريو كهذا.

أو أنّهُ مُتواطئ بجريمة ضمن مجال العمل، وحينما إنشقَّ عن جماعته أرادوا قتله... هذا سيناريو متوقَّع أيضًا.

هناك الكثير من التحليلات القصصية برأسه تودي بجونغداي إلى هذا المصير المُنفِر، لكن ما لا يفهمه جون؛ كيف أصبح هو المُتَّهم الرئيس والوحيد بهذه الجريمة؟!

لا يخشى على نفسِه بقدرِ ما يخشى على من هم حوله... والدته ما زالت لم تتعافى من فُقدان والده، أُختُه حُبلى وليست بوضع جسدي أو نفسي جيد كفاية لتتحمَّل قسوة هذا الخبر، وروز... لا يدري بشأنها، لن يقلق عليها بعد الآن ولن يهتم.

إلى هذه الدَّرجة جون ناقم عليها ونافر منها...!

في الصَّباح الباكر؛ آتى تشانيول بِصُحبةِ المُحامي كيم جونغ إن إلى مركز الشُّرطة، وأما جون فَنُقل إلى غُرفة التحقيق.

إذ كان يجلس في غُرفة ضيّقة، جُدرانها مُظلمة، وإضاءتِها مُعتمة، فيما تُحدَّد زواياها الأربع بكاميرات المُراقبة، يجلس مُكبّلًا إلى طاولة خشبيّة في منتصفها يوجد مُكبِّر صوت، تستوعب أربعة مقاعد أو سِت، وأمامه نافذة زُجاجية مُعتِمة، لا توشي له عمّا يكون خلفها، لكنّها توشي به لهم.

كان جون يجلس فيما يُطأطئ رأسه، لقد أكل الإرهاق والأرق شيئًا من قوّة بدنه، والآن يقتات على بقايا القوّة، التي قد تنفذ في أي وقت منه.

وهو على هذهِ الحال؛ دخل المُحقِّق بيون خلفه المُحامي جونغ إن، كُل من الرَّجُلين فتح ملفاته إلا أن جونغ إن همس له.

"كُن صادقًا وأجِب على أسئلة المُحقِّق بثقة، لا تظهر خوفك ولو كنتَ خائفًا"

تنهَّد جون وأومئ إلى المُحامي، ثم إستمع إلى المُحقِّق الذي بدأ تحقيقه.

"متى كانت آخر مرّة رأيتُ المجني عليه بها؟"

"مرَّ وقت طويل على ذلك، قبل ثلاث شهور"

"وكيف رأيته؟"

"لقد ذهبتُ إلى شِقَّته"

تنهَّد جونغ إن، فعلم جون أنَّه بسبب تلك الزيارة تورَّط في هذهِ التُّهمة، المُحقِّق بيون أومئ مُهمهِمًا، واتبع فيما يُشابك أصابعه أمامه.

"ولِمَ ذهبتَ إليه؟!"

"لقد تسبَّب بمُشكلة بيني وبين زوجتي، وذهبتُ لأتكلَّم معه"

"وهل كلامكَ معه تضمَّن تهديدًا أو تحذيرًا؟!"

نفى جون برأسه وقال.

"رُبَّما نعم ورُبَّما لا... لا أذكُر تفاصيل اللقاء"

همهم المُحقِّق واتبع.

"هل رأيته بعدها؟!"

نفى جون.

"إطلاقًا، لقد ظننتهُ سافر"

أخرج المُحقِّق جون بعض الصور، وفردها على الطاولة، لكن جون سُرعان ما نفر منها وأبعد وجهه، حينها قال المُحقِّق.

"هذهِ الصور من مسرح الجريمة، لقد أُصيب بثلاث طلقات ناريّة في الصَّدر وحالته الآن حرِجة في المُستشفى"

إندفع جون بسؤاله.

"أي أنَّهُ لم يمت بعد؟!"

أومئ بيكهيون وقال.

"ادعوا أن يبقى حيًا، طالما هو حي أنت مُدان بتهمة محاولة قتل لكن لو مات ستصبح جريمة قتل"

تحدَّثَ جونغ إن.

"لكن لِمَ موكلي مُتَّهم بهذهِ الجريمة حضرة المُحقِّق بيون؟!"

"لقد هدَّد كيم جون ميون كيم جونغداي أنَّهُ لو إقترب من كيم روزماري فلن يُمررها له مُجددًا، ونحن نملك تسجيل صوتي بصوت كيم جون ميون من تلك الليلة يُثبِت ذلك، لكن كيم جونغداي إلتقى بروزماري قبل فترة بسيطة، وكيم جونغداي تعرَّض للطَّلقِ النّاري هكذا فجأة!"

"ولا يوجد مُتَّهم غيري؟!"

نفى المُحقِّق فيما يقف.

"ليس بعد، إن أستيقظ كيم جونغداي سنستجوبه، ولو ما أستفاق ستكون في مشكلة، لكنكَ لن تُعاني كثيرًا، لا نملك أدلة كافيّة تُدينُك"

أومئ جون للمُحقق، الذي خرج، ثم نظر إلى مُحاميه، الذي ربَّتَ على كتفه يُطمئنه.

"ليس عليكَ أن تقلق سيد كيم، مسألتُكَ مسألة وقت، في النِّهاية ستخرج"

أومئ له جون وهمس.

"لستُ قلِقًا على نفسي، فقط أطلب من تشانيول أن يعتني بزوجتي، ومن سيهون أن يعتني بأمي وأختي حتى أخرج"

أومئ له جونغ إن.

"سأحرص أن أوصل لهم رسالتك، لا تقلق!"

دخل الشُّرطي ليأخذ جون وجونغ إن خرج من غُرفة التحقيق، والتقى بتشانيول وسيهون وجاي في الخارج، جميعهم أمام مكتب المُحقِّق يستفسرون منه عن حالة جون القانونيّة، وبيكهيون شرح لهم ما يعرفه بشأنِ حالته.

خرج المُحامي كيم والثلاثة رجال من مركز الشُّرطة، وبعدما طمأنهم المُحامي على جون غادر الثلاثة، فالمُحقِّق لا يسمح لهم برؤيته، وهم لا يقدرون على فعل شيء هنا.

سيهون ذهب إلى منزل السيدة كيم -والدته بالقانون- وأحضرها معه إلى شِقته؛ لتقضي الوقت مع آيرين وليستطيع أن يهتم بالمرأتين على أكمل وجه في ظِل هذه الأزمة.

وأما روزماري... فمُنذُ أن عادت إلى الشِّقة من زيارتها الأخيرة والأولى لجون في زِنزانتِه وهي تحبس نفسها في شقتها، ولا تخرج منها أبدًا.

فقط تشانيول يمكنه أن يدخل ويخرج بحُرية بما أن جون طلب منه أن يراعاها.

في المساء؛ كانت روز تجلس على الأريكة الجلديّة السوداء، وهي تطوي ساقيها إلى صدرها وتنظر بشرود إلى الفراغ.

وأما تشانيول؛ فكان داخل الشقة يحاول إعداد وجبة العشاء لأجلها، هو جيد في الطبخ وكثيرًا أطعمها في أيام عُزوبيَّتهُما المُشتركة، لكن الأجواء العامّة تؤثِّر على جودة طعامه، وهذا أسوء جَو قد مرَّ عليه إطلاقًا.

نظر تشانيول عبر بار المطبخ إلى روز، التي هي مشغولة بفعل لا شيء والإستمرار في الكبتِ والحُزن، عبر بار المطبخ، ثم تنهد مُستاءً.

رتَّب الأطباق على الطاولة، ثم نادى عليها مرة واحدة، فأتت وجلست في مكانها، وبلا مُقدِّمات باشرت بتناول طعامها.

نظر لها يتحرّى عن رد فعلها فأومأت برأسها أنَّهُ جيد، حينها إنخرط في تناول الطعام معها، كانت روزماري تتناول طعامها بهدوء وصمت كما تفعل حينما تمر بذائقة نفسيّة.

بعد الطعام؛ كانت روز تجلس على الشُرفة بينما تشانيول في المطبخ يُرتِّب من خلفه، فلقد رفض أن تُساعده وطلب منها أن ترتاح فقط.

تذكَّرت تلك الليلة حينما غضب منها جون غضبًا مجنونًا وأهوجًا لم تَكُ له سابقة قط، لطالما قال لها أنَّهُ ليّن معها لأنّه يُريد، وإنَّ هذا لا يعني أنَّهُ لا يغضب.

حينما تذكرت كيف عاملها بجفاء حينما ذهبت إليه في مركز الشرطة لأجلِ الإطمئنان عليه؛ شعرت بقلبها يتمزَّق آنذاك، فهو لم يسبق له أن كان حانقًا إلى هذا الحد، لدرجة تجعله لا يطيق النظر إليها حتى.

آتى تشانيول فيما يحمل على يديه صينية القهوة كما أنَّه يضيف قِطَع الشوكولاتة المُفضَّلة لديها.

فورما شعرت بصديقها يأتي قامت بمسح دموعها على عجلة، فهي تُخطِّط ألا تسمح لأحد أن يعلم ما الحاصل بينها وبين جون، لكن تشانيول دومًا إستثناء عن كل قاعدة.

"هل كنتِ تبكي للتو؟"

نفت روز برأسها ولكنَّهُ أصر عليها أن تخبره فهبَّ واقفًا يقول بنبرة لوّامة.

"لا تقولي لاشيء بينما هناك شيء كبير واقع بين كليكما"

نظرت له بعين ضيّقة ونبست بنبرةٍ مُتملمِلة.

"لِمَ وقفت؟!... إجلس"

تحمحم تشانيول بحرج ثم عاود الجلوس، رفعت روز كوب القهوة إلى شفتيها، وأرتشفت منه قبل أن تُعيده فيما تهمس.

"يبدو أن هذهِ المرّة المُشكِلة بيني وبين جون صعبة جدًا"

"تشاجرتُم إذًا؟!"

أومأت له فيما تتنهَّد ثم اتبعت.

"الذَّنبُ ذنبي، لقد إرتبكتُ خطأً جسيمًا بحق مشاعره، لم أُفكِّر بكيف سيشعر حينما أعرض عليه هذا العرض"

"وما هو هذا العرض؟!"

نظرت روز إلى تشانيول الفضوليّ وأجابته بتردُّد.

"لقد طلبتُ منه أن يُعاشِر أُخرى ويحصُل على طفل"

إرتخى تشانيول بظهرهِ على الكُرسي وهمس باسِمًا.

"مزحتُكِ تافهة لو تدرين، ليست مُضحِكة أبدًا"

نظرت له بصمت دون أن تقول شيء حتى فهم أنَّها لا تمزح بل هي فعلًا عرضت على زوجها مثل هذا العرض المجنون، حينها رمقها بلا تصديق وقال.

"أيُّ إمرأة تعرض على زوجها أن يخونها؟!
أنتِ حقًا إمرأة مجنونة!"

تنهدت روز مِلئ صدرها ثم أومأت.

"أعلم أنّي مجنونة"

"وهو الآن غاضب منكِ كثيرًا؟"

أومأت برأسها فنبس ضاحِكًا.

"تستحقي إذًا"

نظرت إلى تشانيول بغضب.

"إن كنتَ ستزيدني همًّا أخرج ولا تدعني أراك!"

رفع يديه يُشير بالسلام وهمس.

"إهدأي عزيزتي... أنا واقعي الآن!"

شزرت إليه بسخط قبل أن تعود بِبصرِها إلى أمامها حيثُ الأُفق ونبست.

"الآن ماذا أفعل ليُسامحني؟!
إنَّهُ يرفض أن يتحدَّث معي حتى!
لم أراه غاضبًا إلى هذا الحد مني قط!

حينما عرضتُ عليه هذا العرض فكرتُ فيه فحسب وبرغبته بأن يصبح أبًا، لقد كنتُ مُستاءة من نفسي لأنني لا أستطيع أن أجعله أبًا... هذا فقط كل ما فكرتُ فيه حينما عرضتُ عليه هذا العرض.

لكنَُّه فكَّر بطريقة مُختلفة، يظنني أريد أن أتخلَّص منه، وهذه ليست الحقيقية.

أنا أُحبُّه جدًا لدرجةِ أنني أسمح له أن يكون مع إمرأة أُخرى لليلة فقط ليُحقِّق رغبته بأن يكون أبًا... أنا لن أستطيع أن أجعله أبًا"

تنهد تشانيول، ثم إقترب مُتكِّزًا على الطاولة بمِرفقيه، وأمسك بكفّيها بين راحتيه.

"عزيزتي؛ أنتِ لا تُفكِّري بالشكل الصحيح هكذا، هو لن يُفكِّر بهذه الطريقة وخصوصًا أنَّهُ يُحبُكِ بجنون، ألا يُمكنكِ أن تتفهَّميه أيضًا"

أخذت تبكي أمام تشانيول.

"لكنني حاولت، حاولت أن أكون أُمًا ولكنني لم أنجح، قلبي يتألم لأجله كلما رمق بطن أخته بعينٍ غابطة، تعلم أنني لا أحب الأطفال، لكنني سأفعل أي شيء لأجله"

تنهَّد تشانيول واجتذبها إلى ما بين ذراعيه يُعانقها، فيما هي تبكي على كتفه، لقد سمح لها أن تبكي بقدرِ ما تشاء ولن يعترض، إنَّهُ يتفهمها ولكن المُشكلة أنَّها لا تفهم جون، وجون ما عاد يُريد أن يفهمها.

مسح تشانيول براحته على وجنتها ونبس.

"لا تقلقي، جون سيعود لكِ قريبًا، سيلين الطرف لأجلك ويسامحك، أنتِ فقط ابقي قوية"

"أتمنى هذا فعلًا"

طبع تشانيول قُبلة على رأسها واسترسل في مواساتِها حتى تهدأ.



........................


مرَّت عِدَّة أيام على تِلكَ الحادِثة ولا جديد في قضيةِ جون، فما زال محبوسًا وهو المُتَّهَم الوحيد، وجونغداي لم يستفق بعد، والأطبّاء لا يضعون أمالًا عاليّة عليه.

وأما روز؛ فجون يرفض أن تزوره أو تراه، إذ ها هي تذهب كل يوم إلى مركزِ الشُّرطة على أمل أن يسمح لها بالدخول إليه، لكن عبثًا، ما زال يرفض.

إذ خرج لها المُحقِّق بيون من عنده ونفى برأسِه تحمل معالمه الأسف لروز، فأخفضت رأسها وكمشت على حقيبتها بيديها، إنَّهُ لا يسمح لها أن تراه حتى.

تقدَّم منها المُحقِّق بيون؛ إذ راودته الشفقة عليها، تأتي كل يوم لأجلِ أن تراه وتعود خالية الوِفاض.

"أترغبين في كوب قهوة؟"

رفعت روزماري رأسها نحو بيكهيون وقد مسحت الدموع من عينيها فابتسم وأومئ.

"جيّد... على حدِّ تعبير زوجكِ صاحب رأس الثور عليكِ أن تبقي هَيبة... تفضَّلي معي"

قول بيكهيون جعلها تضحك رُغمًا عنها، ثم هي نهضت معه إلى الخارج، توقف ليشتري لها القهوة، ثم سار كلاهما معًا في الضواحي القريبة من المركز.

"لا أُصدِّق أنَّ الرجل الذي كان يفتعل معي مشاكل لأسجنه مع زوجته هو الذي يرفض رؤيتها الآن!"

تبسَّمت روز ثم تنهَّدت بِعُمق.

"في الحقيقة أنا أستحق، لقد أخطأتُ بِحقِّه خطأً فادِحًا هذهِ المرة، ولا أظنه سيسامحني أبدًا"

"سيفعل، هو يحتاج إلى الوقت فقط"

توقفت روز لتنظر إلى بيكهيون، الذي اتبع.

"الرَّجُل مِنّا إن أحبَّ من قلبه يَسهُل جرحه، كلمة لا مقصودة، سلوك لا تفهمين إنعكاسه عليه، برودة في المشاعر، والكثير... قد يُسبِّب مشاكل كثيرة."

وبعفويّة تسآلت روز.

"وهل سبق لكَ أن كُنتَ في الحُب؟!"

حزُنت معالمه وتبسَّم بإنكسار قبل أن يومئ مُتنهِّدًا.

"لقد أحببتُ إمرأة حُبًّا جمًّا لكننا لم نستمر"

توقَّفت روز عن المسير وأستدارت إليه تستنكر بسرعة.

"لا تقول أنَّهُ بسببي!"

ضحك فيما يُنفي برأسه واستمرَّ بالسير.

"لا، لقد توفيت"

"اووه! أنا آسفة!"

همست روز بنبرةٍ مُتأسِّفة لكن بيكهيون إبتسم إبتسامته المُشرقة وهمس.

"لا عليكِ"

قضمت روز شِفاهها فيما تسير معه، ما كان عليها أن تسأله هذا السؤال الشخصي بتاتًا، لكن بيكهيون إستطرد في حديثه.

"بدلًا من ذلك، فكِّري بما أنَّ كلاكما ما زال فوق الأرض فيُمكِن حل أي مشكلة مهما بدت عصيبة... لا تقلقي روز"

ربَّت بيكهيون على كتفها مُبتسِمًا وروز تحدَّثت تبتسم.

"شكرًا لأنَّك خصصت لي بعض الوقت لمواساتي، أشعر أنني أفضل"

غمز لها بدافع الوِد والصداقة فضحكت بخفّة.

"على الرُّحب سيدتي!"

أكملا سيرهما حتى أدرك كلاهما سيارة روز، فتوقَّفت روز لتودع المُحقِّق قبل أن تعود إلى شِقَّتِها.

"شُكرًا لك بيكهيون، لقد خفَّفتَ عنّي فعلًا!"

غمز لها مُجددًا ثم نبس بجديّة.

"غدًا أول جلسة لمُحاكمة جون، هل ستكوني حاضرة"

سُرعان ما أومأت.

"بالطَّبع سآتي!"

فتح لها بيكهيون باب سيارتها لتصعد وهمس.

"إذًا ألتقي بكِ غدًا"

أومأت له ثم جلست في مقعد السائق قبل أن تُلوِّح له.

"إلى اللقاء"

"إلى اللقاء"

غادرت روز وبيكهيون بعدما تنهَّد بِعُمق عاد أدراجه إلى مركز الشرطة، وقصد تحديدًا الزِّنزانة التي يقطن بها جون، توقَّف بيكهيون أمام القُضبان ونبس يلوم جون، الذي يجلس بينما يرفع الساق فوق الأُخرى، يسند رأسه إلى الحائط ولا يفعل شيئًا آخر.

"لِمَ ترفض رؤية زوجتك يا صاحب رأس الثور؟!"

همس جون مُجيبًا دون أن يُحرِّك من نفسه إنشًا.

"هل هذا جُزء من التحقيق؟!"

سمع بيكهيون يتنهد بغضب فاتبع.

"إذًا لا شأن لكَ"

............................



عادت روز إلى شِقَّتِها بعد طول مشوار قد ذهب فناءً وعناءً لم يُسمن بنتيجة، بدَّلت ثيابها إلى أخرى أكثر راحة، ثم خرجت من شِقتها؛ لِتُشارك عائلتها في القانون وجبة الغداء في بيتِ سيهون.

ما زالت السيدة كيم تقطُن في بيتِ سيهون، وسيهون لا يتركها تعود إلى المنزل؛ إذ يخشى أن تُرهِقُها الوِحدة، ويُتعبها التفكير بمعضلةِ جون، كذلك آيرين بحاجةِ والدتها؛ فهي حامل وتحتاج الدعم النفسيّ، كما أنَّ سيهون يقضي أغلب الوقت خارجًا بين دارِ النشر، ومكتب المُحاماة، ومركز الشرطة.

الخبر تسرَّب للإعلام عبر أحد العُمّال في دارِ النشر، وأقاويل مثل أن الكاتب سوهو مهووس بزوجته المُذيعة المُعتزِلة كيم روزماري لدرجة أنَّهُ أقدم على قتل طليقها، الذي تسبَّب لها في مشكلة نفسيّة في مرحلة ما من حياتها، تنتشر في الصُّحف، والمجلات، ومقالات الإنترنت، كما أنَّ لها مكانًا في شريط الأخبار على التلفاز، ويشكل موضوعًا ساخنًا لثرثرة مُستخدمي الإنترنت على مُحرِّكات البحث الكوريّة.

والصحافة مُذُّ عِدّةِ أيام تراكموا على بوابة العِمارة السكينة، ولولا تحذير الشرطة لأقاموا مُستعمرة أمام باب المنزل إلا أنَّ الصحافة الصفراء ما زالت تتعقبهم، وتنشر مقالات يومية مثل أن كيم روزماري تتودَّد للمُحقِّق المسؤول عن القضية ليُحسن معاملة زوجها، وهي لم تُدلي بأي تصريحات مُضادة أو داعمة لمقالاتهم، فالصحافة آخر همَّها الآن.

كانت السيدة كيم تطهي طعام الغداء وآيرين تُساعدها حينما وصلت روز، وما إن رأتها السيدة توقفت عمّا تفعله واقتربت من روز تسألها بلهفة.

"هل جون بخير؟!"

أومأت روز تُجيبها فيما تبتسم.

"إنَّهُ بخير وقوي، لا تقلقي أُمي"

تنهَّدت السيدة براحة وهمست.

"أرحتِ قلبي... أرجو أن تمُر هذهِ الأزمة سريعًا"

وكما تُريد روز؛ فلا أحد سِواها وجون يعلم عن الخِلاف الدّائر بينهما، ولا حتى أقرب الناس إليهما؛ فقط تشانيول.

فروز لا تكف عن الذهاب كل يوم إلى مركز الشُّرطة، على أمل أن يسمح لها جون برؤيته، ورغم أنه يرفض أن يراها في كل مرة لكنها حينما تعود إلى المنزل وتسألها والدته هذا السؤال دومًا ما تُجيبها روز بأنَّهُ بخير.

إقتربت روز من السيدة حتى أبصرت الورم حول عينيها، إنها إمرأة ذات قلب ليّن، تبكي طيلة الليل على جون بعيدًا عن الأنظار، وفي النهار تحاول أن تُبهِج الجميع، كما أنها لا تذهب لرؤية جون، تكتفي بسماع أخباره مِمَّن يزورونه، كي لا تنهار لو أقدمت على رؤيته.

عانقتها روز من خِلاف، ووضعت ذقنها على كتفها ثم نبست.

"بسببي جون في هذه الورطة لكنكِ لم تلوميني أبدًا، لا تدري كم أنتِ تملكين قلبًا طيّبًا، لكن أعدكِ أن جون سيخرج قريبًا، هو لن يبقى في السجن كثيرًا... أعدكِ سيدتي"

إنسابت دمعة على وجه السيدة، لكنها سارعت بمسحها، وطبطبت على يد روز التي تُعانقها، وهمست.

"أنا أثق بوعدك"

إبتعدت عنها روز، ثم إنخرطت في مُساعدتهن على تحضير وجبة الغداء لستة اشخاص بإحتساب تشانيول وجاي، اللذان لا يتوقفان عن الركض هنا وهناك لأجل جون.

على الغداء إنضمَّ الرجال الثلاث إليهن، وبعد الغداء إجتمعوا في صالةِ الجلوس يتحدَّثون عن وضع جون.

"أمن جديد؟!"

تسآلت آيرين فسيهون تنهد واتبع.

"المُستثمرين في دار النشر يسحبون إستثماراتهم، نحنُ في أزمة"

أخفضت آيرين رأسها بأسف بينما روز سألت تشانيول.

"وهل من جديد معك تشانيول؟"

"لقد كنتُ اليوم بالمُستشفى ونقلنا جونغداي إلى أفضل مُستشفى في البلاد، نعالجه على نفقةِ جون، وأحضرنا لأجله طبيبًا مُحترفًا من اليابان... نرجو أن يُظهر بوادر تحسُّن على يد هذا الطبيب"

"ماذا عن جون؟"

تسآلت روز ثم اتبعت.

"غدًا أول جلسة في محكامته، هل سألت المُحامي جونغ إن عن توقعاته؟"

اتبع تشانيول.

"لقد قال أنَّهُ على الأغلب سيحوَّل إلى السِّجن غدًا، إذ سيمكث لفترة قد تكون طويلة لأجل التحقيق، لكن إن ما إكتشفوا أدلة كافية لتُدينه سيفرجوا عنه في النهاية"

تسآلت السيدة كيم.

"وكم من الوقت قد يأخذ كل هذا؟!"

"لفترة قد تصل إلى ستة شهور سيدتي"

لم تَكُ إجابة تشانيول سارّة أبدًا، إذ روز نهضت وعادت إلى شِقَّتِها دون أن تتفوَّه بحرف، لأنّها على حافةِ الإنهيار، ولا تود أن يشهد أي أحد على إنهيارها أبدًا.

وأما السيدة فأنهارت بالبُكاء لأولِ مرة أمام الآخرين، وبكت قلبها على مُهجته المُكبّل بالأصفاد والمحبوس خلف القُضبان ظُلمًا.


.....


في اليوم التالي؛ إنها مُحاكمة جون الأولى، إذ كانوا أفراد عائلته جميعًا حاضرون، وعلى الطرف الآخر يجلسوا عائلة جونغداي، الذين لم يتوقفوا عن شتم روز وزوجها وقذفهم أبدًا، لكن السيدة كيم منعت أي أحد من الرَّد عليهم، فكُلٌّ يتعامل بأخلاقه مع الناس.

وأخيرًا أدخلوا جون، يرتدي زي السُجناء، وأجلسوه إلى جانب المُحامي كيم جونغ إن في حيز الدِّفاع، وجون لم يُلقي ولو نظرة واحدة عليها رغم أنَّهُ أستقبل أحضان أمه الوفيرة عند الباب ومسح دموع أخته، لكن ما إن حان دورها عليه تجاوزها وكأنه لا يراها.

"بدأت الجلسة الأولى"

أعلن القاضي ثم أشار إلى المُدَّعي العام أن يتحدَّث.

"حضرة القاضي؛ كما ترى فإن المُتَّهم كيم جون ميون قد أقدم على قتل كيم جونغداي، وهو طليق زوجته حاليًّا، إذ سبق أن أقدم كيم جون ميون على تهديد كيم جونغداي لو إقترب من زوجته المدعوة كيم روزماري، ولأن كيم جونغداي نكث التحذير، وألتقى بها بحديقة نهر الهان قبل  يوم من وقوع الجريمة؛ أقدم كيم جون ميون على قتله.

المجني عليه السيد كيم جونغداي في وضع حرج في المُستشفى بين الحياة والموت، لذلك نطالب بأقصى العقوبات بحق كيم جون ميون، بعقوبة سجن سبعة سنوات."

تراجع المُدَّعي العام إلى مكانه، ثم أذن القاضي للدفاع أن يتكلَّم فوقف المُحامي جونغ إن، وتقدَّم من القاضي ثم قال.

"سيدي القاضي؛ لقد سبق للمدعو كيم جونغداي بالتَّهجُّم على حرم السيد كيم جون ميون عدة مرات، وأي شخص طبيعي سيلجأ للتحذير لردع المؤذي وأذيته، وهذا ما فعله السيد كيم جون ميون ببساطة.

محض تهديد أثناء مُشادة كلامية في ساعة غضب بلا أي تخطيط مُسبق لا يُعتبر دليل كافي لإدانة موكلي بجريمة قتل أو بجريمة محاولة قتل.

نحن ننكر التُّهم الموكَّلة إلينا، ونُطالب بالإفراج عن موكلي السيد كيم جون ميون لنقصِ الأدلة"

توقف القُضاة للتشاور، وفي هذهِ الأثناء كانت السيدة كيم تبكي وآيرين تحاول مواساتها، فيما روزماري لم ترفع عينها عن جون ميون إطلاقًا، ولو ما نظر إليها أبدًا ستنظر إليه على الدوام.

لم يبدو هزيلًا، بل بدى بخير كما لو أنَّهُ يعيش حياة جيّدة خلف قُضبان السِّجن، أخفضت روزماري رأسها عنه، من المُسِر أن يكون بخير ولو كان بعيدًا، ولو كان في هذا الوضع.

عاد القُضاة بعدما تشاوروا فيما بينهم، وأعلن كبيرهم.

"يؤجَّل البَت في هذهِ القضيّة إلى الجلسة القادِمة"

إنفضَّ المجلس، واقتربوا رجال الشُّرطة من جون لأخذه، وهو سار معهم طوعًا يتحاشى أي تمّاس أو إلتباس أو حتى إشتباك بصري، لقد بدى باردًا وقاسيًّا بطريقة غريبة،،بطريقة لا مسبوقة.




............................

الفصل الثاني والثلاثون "أكره الحُب"
الجُزء الخامس والأخير "لا تؤذيني بكِ"
الرواية العاطفيّة "هَيبتُها|| Her Prestige"

13/Apr/2021

....................

سلاااااااااااااااام

الفصل القادم بعد 100 فوت و كومنت.

1.رأيكم بروز؟!

العرض الذي عرضته على جون؟!

ردة فعلها على حبس جون وحالتها النفسيّة المُترديّة حيال الخِصام؟

2.رأيكم بجون؟

ردة فعله على عرض روز وغضبه الشديد منها؟!

3.من الذي حاول قتل جونغداي؟! وما مصيره؟!

رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «هَيّبَتُها|| Her Prestige».
هَيبتُها|| The End
Коментарі