CH12|| إنتقام الهيبة
كيم جون ميون (سوهو)
بَطل:
هَيبَتُها || الحَرب
حتّى يَنتصر حُبّي
"إنتقام الهيبَة"
"عُذرًا؛ الكاتب سوهو يَمُر بظرفٍ خاص أشغله عن كِتابة خاطِرته اليوميّة؛ نعتذر لمُعجبينه...
مكتب المدير اوه سيهون من دار هَيّبتُها للنشر"
.....
كان تشانيول يقرأ هذا الإعلان على صَفحة الكاتب سوهو.
مَسح دموعه العالقة بين رموشه الكثيفة ونبس.
"ولِمَ أهتم لأمره الآن؟!"
فلقد شَهِد في الأيام الخوالي أحداثًا مُفجِعة، تَكتُل مُذهل للصحافين خارج أبواب المُستشفى، عائلة جونميون، التي تَعيش في الخارج، عادوا إلى البلاد حينما أدركتهم الأخبار المؤسفة، كما أن صديقه سيهون لا يُفارقه.
وعلى عكس هذه الصورة تمامًا؛ هو وحده من يَقف إلى جَنب روزماري، والدتِها ووالدها يأتيان كل مَساء بعد محاولات جَمّة وعاجزة لتسريح لوكاس، يأتون لفرع العَتب فقط.
أما أسوء ما يحدث هو أن روزماري تنام في فراش المُستشفى مُذُّ ثلاثةِ أيام على إثر إرتجاج في الدماغ.
وأما جونميون فهو في حالة حَرِجة جدًا في غُرف الإنعاش، والأطباء لا يَعطون أيُ أملٍ بشأن حالتهُ الصّحيّة؛ كما أنه يملك ساق مكسورة.
هكذا كان يجلس تشانيول في رُدهة الإنتظار مع ثُلّة من الغرباء، يعرف سيهون معرفة سطحيّة، وعائلة جون ميون مجهولين بالنسبةِ له.
لكنه يرى أُمهُ تَبكي بحرارة، وأبوه يُحاول مواساتها رغم أنه يحتاج من يواسيه، أُخت سوهو الصبيّة تبكي بين ذراعيّ سيهون.
ورغم أنه ليس الوقت المُناسب لِمثل هذه الأمور؛ لكنه يرى مَشاعل حُب بين الإثنين، لقد ظنّهُ شاذ سابقًا.
"أين وَصيّ كيم روزماري؟"
سُرعان ما وقف تشانيول واقترب من الطبيب يقول.
"أنا هو، أمن جديد بشأنها؟"
إبتسم الطبيب وأومئ قائلًا.
"نعم، لقد أستيقظت"
بخليط من الدهشةِ والفرح هَتف تشانيول.
"حقًا؟!"
أومئ الطبيب.
"نعم، علينا أن نُجري لها بعض الفحوص لنتأكد من سلامتها، وإن كانت بخير سنقوم بتخريجها غدًا"
إنحنى تشانيول للطبيب فرحًا.
"شكرًا لكَ حضرة الطبيب!"
أومئ له الطبيب بعدما ربّت على كتفه ثم غادر، وتشانيول إلتفت حوله تعج ملامحه بالفرح، يود أن يحتفل بهذا الخبر العظيم مع أحد، لكن لا أحد هنا لأجلها سِواه.
لكن سيهون الذي ظهر من العدم وعانقه أشعرهُ بالعون، خصوصًا عندنا ربّت على ظهره وابتسمت نواجذه.
"من الجيد أنها بخير، أرجو لها السلامة!"
"شُكرًا لك!"
أومئ له سيهون وقال.
"اعلمني عن حالها عندما تزورها، لا أود أن أفعل بنفسي كي لا تسألني عن جون"
أومئ تشانيول مُتفهِّمًا وقد غامت ملامحه من جديد بغضون لحظة، إذ هو يخشى رد فعلها حينما تسمع بتلك الأخبار المؤسفة، ثم إستأذنه الرحيل، إذ حان الوقت لهُ لأن يلتقيها أخيرًا.
وَلج غرفتها ملهوفًا؛ فإذ بها تتمدد على سريرها كحالها مُذُّ أيام، لكن الفَرق الوحيد أن بصرها شاخص نحو السقف، وملامحها جامدة بائسة.
"روز، أنتِ بخير؟!"
لم تَجبه، بل لم تُحرِك إنشًا.
تنهد وجلس بجوارها، ثم أخذ بيدها بين يديه، وربّت عليها برِقَّة قبل أن يسترسل بنبرة صوته المُفعَمة بالحنان.
"لا تحزني بهذه الطريقة، افعلي كما كنتِ سابقًا، ابكِ ففي البُكاء راحة، اصرخي، وثوري، وانتفضي حتى ينزول الألم.
لكن لا تصمتي هكذا، ولا تجرؤي أن تَمسّي حياتكِ بسوء مُجددًا، لا تُجرّبي أن تُنهيها إطلاقًا.
لأنكِ تستحقي أن تعيشي، ولكِ أشخاص يستحقون وجودكِ في حياتهم، ولن يبالوا بإزهاق أرواحهم لحماية روحكِ.
أنتِ لستِ هكذا، لستِ ضعيفة، لا تُعاقبي نفسكِ على أخطاء الآخرين معكِ، عاقبيهم هُم، لأنكِ على هذا القدر من القوّة يا روز!"
حرّكت شفتاها لتنبس بصوتٍ مُرهَق وقد تآكلت قوّته، ولا يدري تشانيول إن كان كلامهُ قد أثَّرَ بها أم لا.
"ما حال جون؟!"
تنهد تشانيول، فقد سألته السؤال الذي يخاف عليها من أجابته، لكنه قرر أن يكون معها صريح.
"ليس بخير، إنه بالعناية الحثيثة مُذُّ الحادثة ولا إشارات تَحسُّن تظهر عليه"
تَبسَّمت سُخرية من نفسها قبل مَصيرها المُر، مُر أكثر من العَلقم، والحَنظل، والزَّقوم.
فبيدها هذه المرة سَلبت الفُرصة لتعيش حياةً سعيدة، الأمل الصغير الذي أنار روحها أطفأته بيدها.
تندم بشدة لأنها صعدت ذاك السطح، وهي لا تدري أنها تملك رَجُل يُفديها بروحه الطاهِرة.
"هل سيموت؟"
"أرجو ألا يَصل به الأمر للموت"
"أُريد أن أراه!"
نَبست فيما تَعقد على السرير وتُزيل تلك الإبر من يدها، لم تهتم لكم هي مؤلمة وموجعة، تُريد أن تشحن نفسها برؤيته بتلك الحالة؛ لتعلم ما عليها فِعله.
"روزماري إهدأي! لن تتمكني من رؤيته، الأطباء يمنعونا!"
لم تهتم لما يقوله، وخرجت بثوب المُستشفى حافية القدمين إلى قسم العناية الحثيثة، كانت تتبعها المُمرِّضة المسؤولة عن حالتها، كذلك تشانيول وقد لفتت إنتباه عائلة سوهو، فتبعها الجميع.
إقتحمت أبواب العناية الحثيثة، وبحثت عن سريره رغم محاولات المسؤولين الحثيثة لمنعها، لكن أحد لم يقدر عليها.
فلا يقدر أحد عليها في الظروف الطبيعيّة، كيف سيقدرون عليها وهي ثائرة كما الآن؟!
رأته على هذا السرير، تتراكم على جسده الضعيف والمُنهَك كومة من الأجهزة الثقيلة، لم تستطع أن ترى وجهه جيدًا بسبب قناع الأُكسجين.
لكنها رأت بوضوح خدوش مُتفرِّقة على وجهه، يَلف صدره ضماد ثقيل، في ذراعيه إبرٌ كثيرة وعلى سبابته مِلقط، كذلك ساقه مُجبّرة ومُعلَّقة.
رؤيته على هذه الحالة أشعلت جحيمًا في قلبها، جحيمًا لن تُصيبه التُخمة مهما إبتلع من الخطّائين.
قررت أن تملئ هذه الجحيم، تَضعهم كُلَّهُم فيها ولو إحتاج الأمر أن تُصبح وحشًا مِثلهم، ستتوحش، لا يَهُم.
خرجت بخطوات مُتهالكة إلى خارج الغرفة، كان تشانيول يقف بإنتظارها، كذلك سيهون، وعائلة جون.
لم تَكُ لتُمييز أحد، فقط نبست بنرة هادئة لكنها قاطعة، فلا مجال للمُناقشة الآن أبدًا.
"اخرجني من المُستشفى حالًا!"
لكنه بحماقة أراد ان يعترض رغم معرفته أنها لن تُفاوضه بشأن رغبتها هذه.
"لكن يا روز..."
نظرت إلى تشانيول بحدقتين تُقطر غضبًا ونبست.
"قُلتُ لكَ حالًا يا تشانيول!"
تنهد وأومئ لها.
"حسنًا، سأذهب لأُتمم الأوراق اللازمة"
غادر تشانيول بعدما رَبّت سيهون على ظهره؛ أنه هنا لو طرأ شيء.
سارت روزماري لكن يد تَمسّكت بعضدها، ثم صوت إمرأة كَهل باكية وصلها.
"رأيت طِفلي جون ميون، أليس كذلك؟!
اخبريني كيف يبدو!"
قبضت روزماري يدها ثم إلتفتت للسيدة، ونبست بنبرة ثابتة.
"سيكون بخير، الأطباء فقط جاهلون، هُم لا يعرفونهُ كفايّة.
أنه جاري جون المجنون، لا يستسلم بسهولة!
أعلم جيدًا أنه سيحس عليّ عندما أخرج، وسيعود لملاحقتي كما العادة، فهو مهووس بإمرأة بائسة مثلي!"
أرادت أن تَنسحب لولا أن السيدة قررت أن تقول ما في جُعبتها، فجعلت روزماري تلتفت إليها من جديد، ثم السيدة تمسّكت بوجنتي الصبيّة ذات عينيّ البحر الهائج تقول.
"إذًا؛ أنتِ روزماري...!
أنا لم أتدخل في مشاعر ابني يومًا، ولم أمنعه عن حُبكِ، ولن أفعل.
أنا أثق في إختياره، لكنّي أردتُ أن أُخبركِ أنكِ حُب أنبَتَ في قلب ابني مُذُّ خمس سنوات؛
لذا يا ابنتي رجاءً؛ لا تتركي ابني، وصدّقيه حينما يخبركِ أنه يُحبك، فإنني لم أرى أحد يُحِب بمثل هذا الجنون!"
أومأت روزماري للسيدة وانسحبت بهدوء، بدت رد فعلها عاديّة، لكن كلمات والدته تنَقَّشت داخل صدرها؛ كما لو أنها وِسام غضب يدفعها للجنون أكثر، للغضب أكثر.
لم تبكي، وعيناها لم تَدمع، فقط غضبٌ كالسرطان ينتشر بجسدها، يكاد يأكلها ويُفقدها نُتَف المنطق الباقية لديها.
والحُب الذي رأته في عينيه وفي كلام أمه ما زادها سوى تمسّكًا بالغضب وجنونًا... ستنتقم بأكثر الطُرق بشاعة.
هذا ما أقسمت عليه بينها وبينها؛ سِرًّا.
هذا الإنتقام لأجله قبل أن يكون لأجلها، بل لأجله وحده لا لأجلها، لأجل الرجل الذي دفع ثمن حُبه لها روحه.
......
روزماري كانت في السيارة؛ تَجلس في الخلف بينما تشانيول في المقعد الأمامي بجانب السائق.
لقد كان صعبًا عليها تجاوز تَجمهُر الصحافة دون الإدلاء بأي تصريح، والأصعب أن تَخرج من المُستشفى رُغمًا عن الأطباء.
"إلى أين نَذهب سيدتي؟!"
تسآل تشانيول فأجابته فيما تضع نظّاراتها الشمسيّة.
"إلى الشِّقة، عليَّ أن أكون في قِمة أناقتي كما العادة"
أومئ مُتنهدًا، إذ باتَ واضحًا أن سيدتهُ لا تَنوي على خيرٍ أبدًا.
"حسنًا"
وصلت شِقّتها، إستحمّت، بدّلت ثيابها، تعطّرت، تزيّنت، وأرتدت ثيابًا فاخرة من أفخم الماركات العالمية.
بلا تَكلُّف؛ أرادت ألا يظهر عليها شيء مما يُعتمَل داخلها، تلك الأناقة التي على آخر طِراز ما هي إلا قِناع لامع يُحيط روحها المُهترئة.
حملت حقيبتها الصغيرة، ثم وضعت نظّاراتها الشمسيّة تُخفي البَحرين الهائجين، وخرجت تَنتعل حِذاء بكعبٍ عالي.
ذُهِل تشانيول عندما رآها، فهي لم تَنكسِر، أو أنها تعافت من إنكسارها بسرعة، أو أنها هذه المرة تنوي أن تكسر من كسروها كي تَنجبر.
"أين آخذكِ؟!"
"إلى مركز الشُرطة"
صعدت في السيارة، ثم صعد تشانيول في مقعده الأمامي، لكنه قال يُحدثها من خلفه.
"روز، ماذا ستفعلي؟!"
لم تجبه وذلك ما زاد إلا أعباءه، تنهد وأشار إلى السائق أن ينطلق، فما هو إلا خادم لمُناها، تفعل ما تريد، لا يمكنهُ منعها.
وَصلت مركز الشُرطة، ثم طلبت أن ترى لوكاس وجونغداي معًا في مكتب مُدير المركز.
لذا أحضروهما لأجلها، كانت ترفع الساق فوق الساق، تُهيمن على المكان بعِزتها وشموخ رأسها، إذ لحضورها هَيبة لا يُمكن إلا أن تتجلى معها أينما حَلَّت.
أجلسوهما أمامها، تشانيول يقف خلفها، وبالكاد يتمساك كي لا يضرب السافلين أمامه، المُدير المسؤول يجلس خلف طاولته، ويراقب ما يحدث بصمت.
تَبسَّمت روزماري ثم خلعت عن عينيها نظّراتها، لتكشف تلك العينين الحادتين، اللتان هُنّ يعكس روحها الثائرة والغضب الذي يعتمل داخلها.
"لا أكون في هذا الكَرم عادةً، ولكنّي قررتُ أن أتنازل عن حقّي عنكما"
تناظر الرجلين بلا فهم، وتشانيول إعترض.
"سيدتي، لا تفعلي!"
إتسعت إبتسامتها؛ مُذُّ أنهم لا يدركون ما الذي تنوي عليه، بل لا يُمكنهم التَّخيُّل حتى.
جلست مُقيمة ظهرها، وراحت تنظر في كليهما بعين حادّة عن قُرب.
"لذا دعوني آخذ أخي الحبيب الآن، سأوصله بنفسي إلى المنزل"
ثم تركّزت نظراتها على جونغداي، وأمالت رأسها فيما إبتسامتها تَتَّسِع.
"أما زوجي السابق؛ ما رأيكَ أن آتي لأسهر عِندك الليلة ونستعيد أيامنا الخوالي؟!"
قبض حاجبيه مُذُّ أنه لم يتوقّع رد فعل بارد كهذا، نهضت تضع نظّاراتها ثم أشارت لتشانيول.
"أحضرهُ معك"
تنهد تشانيول فيما ينظر إلى أخيها، الذي يزدرئ رَمقه، والخوف يأكله.
"اتبعني"
حينما خرج تشانيول بلوكاس كانت روزماري تَجلِس بسيارتها بالفعل، أخفضت زُجاج النافذة وأشارت لتشانيول أن يقترب، وهمست له بشيء.
صعد تشانيول بجانب روزماري، وإما لوكاس فصعد بالأمام بجانب السائق، ثم أمرت أن تتوجه السيارة إلى المنزل الذي إبتاعتهُ لعائلتها.
حينما أحسّوا عائلتها بولوج سيارتها إلى رُدهة المنزل خرجوا ليطمئنوا، ليس عليها بل على لوكاس، إذ ركضت والدتها كذا والدها والبقيّة إلى لوكاس يطمئنون عليه.
ذلك ما جعل روزماري تضحك، هي من خاضت الأمر باسم الضحية، وهي من كانت بالمُستشفى بسببه، هي الضحيّة وهُم يتخافتون عليه.
أشارت إلى تشانيول كي يتبعها ودخلت المنزل تتجنب هذا المشهد المُقزز، جلست على الأريكة ترفع الساق فوق الأُخرى، ثم أنزلت نظّارتها لتقول لجميع الجالسين بعدما حضروا.
والديها، لوكاس وشقيقتها، كذلك عائلة لوكاس، الكُل.
"تشانيول اسمع هذا الكلام الهام، هذا البيت قُم بعرضه للبيع، وأخبر أهل هذا البيت أنهم يملكون فُرصة حتى الغد ليخرجوا منه، جَمِّد حِساباتهم المصرفيّة جميعها!"
"روزماري ما الذي تفعلينه يا ابنتي؟!"
أُمها تسآلت والدمع يملئ عينيها، تِلك المرأة مهما فعلت بها وأساءت لها؛ لكنَّ لا تُطيق روزماري أن ترى دموعًا بعينيها.
أُمها تقف أمامها وتلك الدموع بالفعل ألانت قلبها، لذا روزماري قالت فيما تنظر بوجه أمها.
"تشانيول، أخبر أمي وأبي أنهما بإمكانهما الإستعانة بي متى ما أراد أيُ منهما، إن لجئ كلاهما لي سأقدم لهما ما أقدمهُ عادة، ولكنّي لن أفعل شيء لأجل البقيّة"
وضعت نظّاراتها، ثم سارت تقصد باب الخروج لولا أن لوكاس صرخ.
"أين أذهب بهؤلاء الأطفال؟!
أرجوكِ عاقبيني وحدي"
نبست دون أن تنظر إليه.
"كان عليك أن تُفكر بهم قبل أن تفعل ما فعلته معي، لقد وهبتكَ فُرَص أكثر من اللازم، الآن عِش بالشارع لتعلم أن لا أحد لك غيري"
إلتفتت له وبحقدٍ نبست تُشير له بسبابتها.
"لن أسمح لسقفٍ السجن أن يأويك أو أن تأكل طعام لم تكدح للحصول عليه، السجن عقاب بسيط أمام التشرد؛ عقابي لك"
خرجت يتبعها تشانيول، كانت تسمع لوكاس يصرخ ويوَّلول، لكن لا مزيد من الفُرص، هذه الضربة القاضيّة، فما فعله بها لم يَكُ أمرًا بسيطًا يُمكنها أن تغض الطرف عنه كما تفعل كل مرة.
لم تَنتهي بعد، ما زال إنتقامها الأكبر لم يَجيء.
........
فُستان أحمر طويل -لَونهُ المُفضَّل-، لَهُ فُتحة صدر واسعة تجعل خَط صدرها واضحًا، ثم فُتحة تطول حتى مُنتصف فخذها، هو يُحِب هذا النوع من الفساتين، فاضحة بطريقة كلاسيكيّة.
سرَّحت شعرها بأناقة، ثم وضعت مساحيق تجميل حادّة وأحمر شفاه بارز جدًا، وضعت قِرطي الألماس في أُذنيها، ثم عُقد من ألماسة صغيرة في عُنقها.
إرتدت كعبها الأسود العالي، وخرجت تحمل بين يديها حقيبة يد سوداء وصغيرة.
أرسلت تشانيول إلى شِقّته، وضعت بعض الأوراق اللازمة على بار المطبخ في شِقتها، ثم أخذت مفاتيح السيارة وخرجت.
وجدت نفسها تقف أمام باب المُستشفى، تنهدت وأغمضت عيناها فيما تسند رأسها على الكُرسي، لِمَ من بين كل الأماكن أتت هُنا؟!
شعرت بأن الإحساس الذي قادها إلى هُنا عليها أن تَتَّبعه، اصطفت أمام بوابة المُستشفى وصعدت إليه.
وقفت أمام العازل الزُجاجي الذي يفصلها عنه، ما زال كما هو، كما تركته، يا تُرى... أسيأتي هذه المرّة ويُنقذها، أم سيبقى ساكنًا ساكتًا كالأموات في هذا الفراش المريع وبين كل تلك الأجهزة التي تزحف على جسده كما لو أنها عاهرات تتلهف للمسة منه؟
وضعت حد لكل الثورات في داخلها، تَجنّبت الهفوات في مشاعرها وزلّات الخوف، وخرجت عازمة أن اليلة ستكون ناريّة لا محالة؛ بها الكثير من ألهبة الإنتقام.
صعدت سيارتها مُجددًا، وقادت بلهفة إلى تِلك اللذّة، لَذّة الإنتقام.
صعدت إلى شقته، لم تتحاشى الكاميرات، ولم تخشاها، ما تُقدم عليه تعلم عواقبه جيدًا.
طرقت بابه، سُرعان ما فتح، وما إن رآها إبتسم، ثم بلا مُقدمات إجتذبها من عِضدها إلى قَعرِ شِقّته، أغلق الباب وألصقها به.
يرتدي قميص أبيض مشدود على عضلات جِذعه وبِنطال قُماشي أسود، يرفع شعره البُني عن جبهته، فتتهلَّل الوسامة في وجهه، بيده كأس خمر، وعلى شفتيه إبتسامة مائلة، مُجازفة، ونوعًا ما قذرة.
تَحسس بظاهر بَنانه صِدغها حتى وجنتها ثم خط فكّها وعُنقها فيما يهمس لها بصوته اللذيذ للأُذن.
"يبدو أنني لستُ الوحيد المُشتاق لأيامنا الخوالي، أنتِ اشتقتِ لي أيضًا!"
أمسكت بيده التي تَتحسس وجهها وأنزلتها عنها، لكنها إبتسمت له، إبتسامة تُشبهها لكنها إبتسامة لا يعرفها، وحاجبها قد صَعد أدراجه، إذ كانت ترمقه بثبات والغرور يفوح من طَلائعها.
"بيني وبينكَ أعمال لم تَتِم بعد!"
ضحك برنات خفيفة وبكفّيه تمسَّك بوجنتيها.
"أعلم، لذا دعينا نُتِمُّها الآن"
أمال رأسه إلى الزاوية الأفضل لإقتناص شفتيها النابضة بالإثارة، وسمحت له أن يفعل ويُقبلها، بل بادلته أيضًا، ولم تَكُ تلك الرقيقة الجاهلة في تبادل القُبل التي يعرفها، لقد كانت من تأخذه في جولة سيطرة.
أحاطت عُنقه بين ذراعيها وجعلته هو من يقف إلى الحائط، يده تطاولت على ساقها، فأخذ يتحسسها ويتلذذ، ويستنشق عِطرها الذي يَفوح في أرجاءها كُلها.
كان مغموسًا بهذا الجمال، الذي لا ينضب، ولا يُستهلَك، ولا ينقص مهما تناول منه، جعل يُقبِّل عُنقها، ويديه تَشد على خصريها يُلصقها به.
لذلك لم يَشعر بحركتها الطفيفة والحذِرة، فهي تعرفه نبيهًا، لكنها عندما تكون بين يديه -كما الآن- لا يحس إلا بها.
"آه!"
تعبّأت ملامحه بالوجع ثم سَقط على الأرض، تنهدت، وعَبرت من فوقه؛ لتخرج من حقيبتها منديل، وتمسح بها مَحل قُبلاته فيما يعلو ملامحها شعورها بالقرف.
وقفت أمام المرآة وأخذت تمسح أثره.
"ما زِلتَ كما أعرفك، شَهوانيّ قَذِر!"
إلتفتت له، ثم تقدمت منه وأخذت تبتسم، جلست القُرفصاء أمامه تقول.
"ما رأيكَ بما تحِس به الآن؟!
تَشعر بالعجز، أليس كذلك؟!
خائف مِما قد أفعله بك دون أن تقدر أن تُدافع عن نفسك"
تمسّكت بين أصابعها بخُصلاته البُنّية المُصففة بعناية؛ وشدّتها بقوّة، ثم بان الغضب في صوتها وعيناها تنضخان حِقد.
"هذا تمامًا ما جعلتني أشعر به!"
كشعورها من ذلك اليوم تمامًا، يشعر بجسده ويعجز عن تحريكه، ما يملكه فقط أن يراها تنتقم منه كما تشاء حتى يُشفى غليلها.
رَفعته ثم قيَّدته على كُرسيّ أحضرته من عند بار المطبخ.
أتت بقنينة مَشروب، سكبت لنفسها كأس فيما قد جلست تضع الساق فوق الأُخرى قِبالته، تَبسَّمت.
"ماذا تَظن أني فاعلة بك؟"
الجزع في عينيه واضح، جونغداي لا يعرف هذه المرأة التي تجلس أمامه أبدًا، ليست المرأة التي تزوجها يومًا، بل هي إمرأة مُختلِفة تمامًا.
إمرأة لم يعرفها أبدًا.
نهضت، وسكبت حوله قنينة الخمر، ثم أتت بأُخرى وسكبتها فوق رأسه، ثم أخذت تضحك تسخر منه.
"مُتأكدة أنكَ تود أن تتوسلني الآن!"
إقتربت منه، إنحنت نحوه ثم سلبته عُلبة السجائر والولّاعة، وضعت سيجارة بين شفتيها، أشعلتها ثم جلست قِبالته تُدخنها بكل هدوء.
"ما رأيكَ أن تموت محروقًا؟!
تلك الميتة ستؤهلك لدخول الجحيم مع خِبرة مُسبَقة، ما رأيك؟!"
كَمشَ جِفنيه وكأنه يتوسلها ألا تفعل، لكنها ضحكت بخفة ثم وقفت تحمل السيجارة.
أخذت تؤرجحها من حوله وأخذ جونغداي يبكي.
"أتعلم؟!
لا أُحب أنني أفعل بكَ ذلك، فأنا مُخلصّة، أُقدر وأحترم مشاعري التي كانت مُتأججة لصالحك يومًا ما؛ كالنار التي ستحرقك الآن.
لكنك للأسف لا تستحق أن أمنحك فرصة، فلقد ظننتَ نفسكَ الوحيد القادر أن يلعب بقذارة"
تمسّكت بكتفه واتبعت.
"حتى أنا أستطيع أن ألعب بقذارة معك، ها أنا أستعرض مهاراتي عليك، أتمنى أن تكون أعجبتك، طَليقي العزيز!"
أشعلت الولّاعة، وكانت تبتسم كما لو أن الجنون قد مسَّها، جونغداي مُنهار على آخره، يبكي بشدة ويَكاد قلبه أن يتوقف.
رَمت بالولاعة أرضًا، وسُرعان ما هَلَّ اللهب هُنا وهُناك، كانت ترى النار تَزحف إليه وهو يتوسلها بعينيه، لكنها لن ترأف به.
........
صوت جهاز نبضات القلب يملك وتيرة مُتماثلة، نَبضة نَبضة... نَبضة نَبضة.
كذلك المحلول الغذائي يُقطِّر داخل الأنبوب على وتيرة مُتماثلة، قَطرة قَطرة... قَطرة قَطرة.
يتناغم صوت القطرات مع صوت النبضات؛ إذ كان هذان الصوتان كل ما يُشكِّل حياة في هذه الغُرفة اللّامؤنسة، نَبضة قَطرة... نَبضة قَطرة.
جونميون هُناك؛ معزول عن الحياة، أو أنه يأخذ راحة منها لبعض الوقت، يتراخى جسده على ذات السرير مُذُّ أيام.
في ذات الغُرفة الموحِشة يقطن مُذُّ البداية، وخلف ذات الباب ينامون ناسه ويصحون على أمل سماع خبر مُفرِح يتعلَّق به.
أُمه، أبوه، أُخته، وصديقه الوحيد... هُم كانوا كُل أشخاصه، لكنها هي شَخصهُ المُفضِّل، شخصه الذي يكاد يخسره.
جون على هذا السرير لم يدري أنه غالٍ عليها إلى هذا الحد، متى وَلج قلبها وتربع فيه كي تنتقم لأجله هذا الإنتقام الجليل؟!
يُحبها مُذُّ دَهر؛ لكنها لم تحبه إلا من أويقات، كيف تمكّن من قلبها المُحصَّن وتجاوز قِلاعها وجلس على العرش الذي لطالما حَلُم به؟!
أيضًا لا يدري... لكنه ليس سعيد.
ربما عليه أن يفرح أنه نال مُبتغاه أخيرًا وحصل على قلبها، لكنها لبؤة جامحة، لا تنام ولها عِند أحد حَق.
جونميون فتح عينيه أخيرًا وأبصرَ السقف أولًا، للوهلة الأولى ظنّ أنه مات ولربما هو في الجنّة.
لكنه عندما استرجع ذاكرته أدمعت عيناه، أوجعها ذلك السافل حتى تدفع بحياتها إلى لقاءٍ مع الموت.
كم كانت رؤيتها بتلك الحالة السقيمة مؤلمة بالنسبة له!
الآن يعود ليُشدد أزرها به، ويسندها، يربت عليها ويطبطب على أوجاعها.
يُعافيها رويدًا رويدًا، فيكون الضمّادة لها، والعُكّاز، والجبيرة، وكل ما تحتاج.
كانت الممرضة تقوم بتقويم المُعدات الطبيّة، حينما لحظت أنه فتح عينيه خرجت مُسرعة؛ لإستدعاء الطبيب، الذي سُرعان ما أتى، وفحص مؤشراته الحيويّة.
قاموا بنقله إلى غُرفة عاديّة وأهله دخلوا عليه ليطمأنّوا، أُخته تبكي، كذلك أمه، إستقبل بُكائهن ولهفتهنّ بتفهم، وحينما أصبح قادرًا أن يتكلّم سأل عنها أولًا.
"ما الذي حدث مع روزماري؟"
سيهون أجابه.
"لا تقلق، إنها بخير حتى أنها سبقتكَ بالخروج من المُستشفى، لذا رَكِّز على عافيتكَ الآن، كي تعود وتتبعها كمُطارد مهووس كما العادة"
لكن جون ما كان يشعر بشعورٍ جيّد رغم ذلك.
"ماذا عن جونغداي ولوكاس، ما الذي حدث بشأنهم؟!"
حرَّكَ سيهون كتفيه بجهل ثم قال.
"سمعتُ أنها أسقطت حقّها عنهما، لستُ أفهم ما الذي تُريده وعلاما تنوي"
جون استهلك غضون دقيقة ليُفكّر ثم سرعان ما قال.
"إتصل بتشانيول حالًا!"
والدته إعترضت من باب القلق.
"جون ركز على صحتك الآن، ستفعل ما تريد فعله لاحقًا!"
لم يَستجِب لوالدته، بل أصرَّ على تحقيق ما أراده.
تنهد سيهون، واتصل بتشانيول، ثم وضع جون على السمّاعة.
"أين روز؟!"
وصله صوت تشانيول المُنبهر.
"جون! استيقظت؟! كيف حالك؟!"
لكن جونميون صرخ، وقد فقد صبره كذلك سيطرته على قلقه وغضبه.
"أين روز؟!"
إرتبك تشانيول إزاء نبرة جون الذي أشعرته بالقلق.
"لا تقلق بشأنها! إنني أُراقبها"
"وأين هي الآن؟"
أجاب تشانيول فيما ينظر إلى مدخل العِمارة.
"في شِقة جونغداي، ها أنا أقف أمام العمارة"
جون صاح به.
"أخرجها سريعًا يا أحمق!"
جون الوحيد الذي يدري ما الذي قد تفعله روزماري من جنون عندما تغضب.
.........................
يُتبَع...
الفصل الثاني عَشر "إنتقام الهيبة"
الجُزء الثالث "حتّى يَنتصر حُبّي"
ضمن الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها||الحرب"
...............................
سلاااااااام
بارت ملهلِب😂😂😂
روز بنتي مش زي باقي بناتي، تبكي وتحزن وبس، بنتي ما تسكت عن حقها، وتنتقم بيدها.
المهم جون الوحيد الي عارف دواها، مشان هيك هُما كوبل قمر😌
طبعًا بعد ما خلصت الدرك الأسفل هيبتها تستولي على كل إهتمامي بما أنها الرواية الوحيدة النشطة حاليًا حتى ترى العنقاء النور قريبًا.
التحديثات ح تكون سريعة، في المقابل التفاعل لازم يكون حلو😁
الفصل القادم بعد 90 فوت و90 كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟
إنتقامها من لوكاس؟
إنتقامها من جونغداي؟
مشاعرها نحو جون؟
2.رأيكم بجون؟
ما الذي سيفعله لإستدراك الموقف؟
3.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطل:
هَيبَتُها || الحَرب
حتّى يَنتصر حُبّي
"إنتقام الهيبَة"
"عُذرًا؛ الكاتب سوهو يَمُر بظرفٍ خاص أشغله عن كِتابة خاطِرته اليوميّة؛ نعتذر لمُعجبينه...
مكتب المدير اوه سيهون من دار هَيّبتُها للنشر"
.....
كان تشانيول يقرأ هذا الإعلان على صَفحة الكاتب سوهو.
مَسح دموعه العالقة بين رموشه الكثيفة ونبس.
"ولِمَ أهتم لأمره الآن؟!"
فلقد شَهِد في الأيام الخوالي أحداثًا مُفجِعة، تَكتُل مُذهل للصحافين خارج أبواب المُستشفى، عائلة جونميون، التي تَعيش في الخارج، عادوا إلى البلاد حينما أدركتهم الأخبار المؤسفة، كما أن صديقه سيهون لا يُفارقه.
وعلى عكس هذه الصورة تمامًا؛ هو وحده من يَقف إلى جَنب روزماري، والدتِها ووالدها يأتيان كل مَساء بعد محاولات جَمّة وعاجزة لتسريح لوكاس، يأتون لفرع العَتب فقط.
أما أسوء ما يحدث هو أن روزماري تنام في فراش المُستشفى مُذُّ ثلاثةِ أيام على إثر إرتجاج في الدماغ.
وأما جونميون فهو في حالة حَرِجة جدًا في غُرف الإنعاش، والأطباء لا يَعطون أيُ أملٍ بشأن حالتهُ الصّحيّة؛ كما أنه يملك ساق مكسورة.
هكذا كان يجلس تشانيول في رُدهة الإنتظار مع ثُلّة من الغرباء، يعرف سيهون معرفة سطحيّة، وعائلة جون ميون مجهولين بالنسبةِ له.
لكنه يرى أُمهُ تَبكي بحرارة، وأبوه يُحاول مواساتها رغم أنه يحتاج من يواسيه، أُخت سوهو الصبيّة تبكي بين ذراعيّ سيهون.
ورغم أنه ليس الوقت المُناسب لِمثل هذه الأمور؛ لكنه يرى مَشاعل حُب بين الإثنين، لقد ظنّهُ شاذ سابقًا.
"أين وَصيّ كيم روزماري؟"
سُرعان ما وقف تشانيول واقترب من الطبيب يقول.
"أنا هو، أمن جديد بشأنها؟"
إبتسم الطبيب وأومئ قائلًا.
"نعم، لقد أستيقظت"
بخليط من الدهشةِ والفرح هَتف تشانيول.
"حقًا؟!"
أومئ الطبيب.
"نعم، علينا أن نُجري لها بعض الفحوص لنتأكد من سلامتها، وإن كانت بخير سنقوم بتخريجها غدًا"
إنحنى تشانيول للطبيب فرحًا.
"شكرًا لكَ حضرة الطبيب!"
أومئ له الطبيب بعدما ربّت على كتفه ثم غادر، وتشانيول إلتفت حوله تعج ملامحه بالفرح، يود أن يحتفل بهذا الخبر العظيم مع أحد، لكن لا أحد هنا لأجلها سِواه.
لكن سيهون الذي ظهر من العدم وعانقه أشعرهُ بالعون، خصوصًا عندنا ربّت على ظهره وابتسمت نواجذه.
"من الجيد أنها بخير، أرجو لها السلامة!"
"شُكرًا لك!"
أومئ له سيهون وقال.
"اعلمني عن حالها عندما تزورها، لا أود أن أفعل بنفسي كي لا تسألني عن جون"
أومئ تشانيول مُتفهِّمًا وقد غامت ملامحه من جديد بغضون لحظة، إذ هو يخشى رد فعلها حينما تسمع بتلك الأخبار المؤسفة، ثم إستأذنه الرحيل، إذ حان الوقت لهُ لأن يلتقيها أخيرًا.
وَلج غرفتها ملهوفًا؛ فإذ بها تتمدد على سريرها كحالها مُذُّ أيام، لكن الفَرق الوحيد أن بصرها شاخص نحو السقف، وملامحها جامدة بائسة.
"روز، أنتِ بخير؟!"
لم تَجبه، بل لم تُحرِك إنشًا.
تنهد وجلس بجوارها، ثم أخذ بيدها بين يديه، وربّت عليها برِقَّة قبل أن يسترسل بنبرة صوته المُفعَمة بالحنان.
"لا تحزني بهذه الطريقة، افعلي كما كنتِ سابقًا، ابكِ ففي البُكاء راحة، اصرخي، وثوري، وانتفضي حتى ينزول الألم.
لكن لا تصمتي هكذا، ولا تجرؤي أن تَمسّي حياتكِ بسوء مُجددًا، لا تُجرّبي أن تُنهيها إطلاقًا.
لأنكِ تستحقي أن تعيشي، ولكِ أشخاص يستحقون وجودكِ في حياتهم، ولن يبالوا بإزهاق أرواحهم لحماية روحكِ.
أنتِ لستِ هكذا، لستِ ضعيفة، لا تُعاقبي نفسكِ على أخطاء الآخرين معكِ، عاقبيهم هُم، لأنكِ على هذا القدر من القوّة يا روز!"
حرّكت شفتاها لتنبس بصوتٍ مُرهَق وقد تآكلت قوّته، ولا يدري تشانيول إن كان كلامهُ قد أثَّرَ بها أم لا.
"ما حال جون؟!"
تنهد تشانيول، فقد سألته السؤال الذي يخاف عليها من أجابته، لكنه قرر أن يكون معها صريح.
"ليس بخير، إنه بالعناية الحثيثة مُذُّ الحادثة ولا إشارات تَحسُّن تظهر عليه"
تَبسَّمت سُخرية من نفسها قبل مَصيرها المُر، مُر أكثر من العَلقم، والحَنظل، والزَّقوم.
فبيدها هذه المرة سَلبت الفُرصة لتعيش حياةً سعيدة، الأمل الصغير الذي أنار روحها أطفأته بيدها.
تندم بشدة لأنها صعدت ذاك السطح، وهي لا تدري أنها تملك رَجُل يُفديها بروحه الطاهِرة.
"هل سيموت؟"
"أرجو ألا يَصل به الأمر للموت"
"أُريد أن أراه!"
نَبست فيما تَعقد على السرير وتُزيل تلك الإبر من يدها، لم تهتم لكم هي مؤلمة وموجعة، تُريد أن تشحن نفسها برؤيته بتلك الحالة؛ لتعلم ما عليها فِعله.
"روزماري إهدأي! لن تتمكني من رؤيته، الأطباء يمنعونا!"
لم تهتم لما يقوله، وخرجت بثوب المُستشفى حافية القدمين إلى قسم العناية الحثيثة، كانت تتبعها المُمرِّضة المسؤولة عن حالتها، كذلك تشانيول وقد لفتت إنتباه عائلة سوهو، فتبعها الجميع.
إقتحمت أبواب العناية الحثيثة، وبحثت عن سريره رغم محاولات المسؤولين الحثيثة لمنعها، لكن أحد لم يقدر عليها.
فلا يقدر أحد عليها في الظروف الطبيعيّة، كيف سيقدرون عليها وهي ثائرة كما الآن؟!
رأته على هذا السرير، تتراكم على جسده الضعيف والمُنهَك كومة من الأجهزة الثقيلة، لم تستطع أن ترى وجهه جيدًا بسبب قناع الأُكسجين.
لكنها رأت بوضوح خدوش مُتفرِّقة على وجهه، يَلف صدره ضماد ثقيل، في ذراعيه إبرٌ كثيرة وعلى سبابته مِلقط، كذلك ساقه مُجبّرة ومُعلَّقة.
رؤيته على هذه الحالة أشعلت جحيمًا في قلبها، جحيمًا لن تُصيبه التُخمة مهما إبتلع من الخطّائين.
قررت أن تملئ هذه الجحيم، تَضعهم كُلَّهُم فيها ولو إحتاج الأمر أن تُصبح وحشًا مِثلهم، ستتوحش، لا يَهُم.
خرجت بخطوات مُتهالكة إلى خارج الغرفة، كان تشانيول يقف بإنتظارها، كذلك سيهون، وعائلة جون.
لم تَكُ لتُمييز أحد، فقط نبست بنرة هادئة لكنها قاطعة، فلا مجال للمُناقشة الآن أبدًا.
"اخرجني من المُستشفى حالًا!"
لكنه بحماقة أراد ان يعترض رغم معرفته أنها لن تُفاوضه بشأن رغبتها هذه.
"لكن يا روز..."
نظرت إلى تشانيول بحدقتين تُقطر غضبًا ونبست.
"قُلتُ لكَ حالًا يا تشانيول!"
تنهد وأومئ لها.
"حسنًا، سأذهب لأُتمم الأوراق اللازمة"
غادر تشانيول بعدما رَبّت سيهون على ظهره؛ أنه هنا لو طرأ شيء.
سارت روزماري لكن يد تَمسّكت بعضدها، ثم صوت إمرأة كَهل باكية وصلها.
"رأيت طِفلي جون ميون، أليس كذلك؟!
اخبريني كيف يبدو!"
قبضت روزماري يدها ثم إلتفتت للسيدة، ونبست بنبرة ثابتة.
"سيكون بخير، الأطباء فقط جاهلون، هُم لا يعرفونهُ كفايّة.
أنه جاري جون المجنون، لا يستسلم بسهولة!
أعلم جيدًا أنه سيحس عليّ عندما أخرج، وسيعود لملاحقتي كما العادة، فهو مهووس بإمرأة بائسة مثلي!"
أرادت أن تَنسحب لولا أن السيدة قررت أن تقول ما في جُعبتها، فجعلت روزماري تلتفت إليها من جديد، ثم السيدة تمسّكت بوجنتي الصبيّة ذات عينيّ البحر الهائج تقول.
"إذًا؛ أنتِ روزماري...!
أنا لم أتدخل في مشاعر ابني يومًا، ولم أمنعه عن حُبكِ، ولن أفعل.
أنا أثق في إختياره، لكنّي أردتُ أن أُخبركِ أنكِ حُب أنبَتَ في قلب ابني مُذُّ خمس سنوات؛
لذا يا ابنتي رجاءً؛ لا تتركي ابني، وصدّقيه حينما يخبركِ أنه يُحبك، فإنني لم أرى أحد يُحِب بمثل هذا الجنون!"
أومأت روزماري للسيدة وانسحبت بهدوء، بدت رد فعلها عاديّة، لكن كلمات والدته تنَقَّشت داخل صدرها؛ كما لو أنها وِسام غضب يدفعها للجنون أكثر، للغضب أكثر.
لم تبكي، وعيناها لم تَدمع، فقط غضبٌ كالسرطان ينتشر بجسدها، يكاد يأكلها ويُفقدها نُتَف المنطق الباقية لديها.
والحُب الذي رأته في عينيه وفي كلام أمه ما زادها سوى تمسّكًا بالغضب وجنونًا... ستنتقم بأكثر الطُرق بشاعة.
هذا ما أقسمت عليه بينها وبينها؛ سِرًّا.
هذا الإنتقام لأجله قبل أن يكون لأجلها، بل لأجله وحده لا لأجلها، لأجل الرجل الذي دفع ثمن حُبه لها روحه.
......
روزماري كانت في السيارة؛ تَجلس في الخلف بينما تشانيول في المقعد الأمامي بجانب السائق.
لقد كان صعبًا عليها تجاوز تَجمهُر الصحافة دون الإدلاء بأي تصريح، والأصعب أن تَخرج من المُستشفى رُغمًا عن الأطباء.
"إلى أين نَذهب سيدتي؟!"
تسآل تشانيول فأجابته فيما تضع نظّاراتها الشمسيّة.
"إلى الشِّقة، عليَّ أن أكون في قِمة أناقتي كما العادة"
أومئ مُتنهدًا، إذ باتَ واضحًا أن سيدتهُ لا تَنوي على خيرٍ أبدًا.
"حسنًا"
وصلت شِقّتها، إستحمّت، بدّلت ثيابها، تعطّرت، تزيّنت، وأرتدت ثيابًا فاخرة من أفخم الماركات العالمية.
بلا تَكلُّف؛ أرادت ألا يظهر عليها شيء مما يُعتمَل داخلها، تلك الأناقة التي على آخر طِراز ما هي إلا قِناع لامع يُحيط روحها المُهترئة.
حملت حقيبتها الصغيرة، ثم وضعت نظّاراتها الشمسيّة تُخفي البَحرين الهائجين، وخرجت تَنتعل حِذاء بكعبٍ عالي.
ذُهِل تشانيول عندما رآها، فهي لم تَنكسِر، أو أنها تعافت من إنكسارها بسرعة، أو أنها هذه المرة تنوي أن تكسر من كسروها كي تَنجبر.
"أين آخذكِ؟!"
"إلى مركز الشُرطة"
صعدت في السيارة، ثم صعد تشانيول في مقعده الأمامي، لكنه قال يُحدثها من خلفه.
"روز، ماذا ستفعلي؟!"
لم تجبه وذلك ما زاد إلا أعباءه، تنهد وأشار إلى السائق أن ينطلق، فما هو إلا خادم لمُناها، تفعل ما تريد، لا يمكنهُ منعها.
وَصلت مركز الشُرطة، ثم طلبت أن ترى لوكاس وجونغداي معًا في مكتب مُدير المركز.
لذا أحضروهما لأجلها، كانت ترفع الساق فوق الساق، تُهيمن على المكان بعِزتها وشموخ رأسها، إذ لحضورها هَيبة لا يُمكن إلا أن تتجلى معها أينما حَلَّت.
أجلسوهما أمامها، تشانيول يقف خلفها، وبالكاد يتمساك كي لا يضرب السافلين أمامه، المُدير المسؤول يجلس خلف طاولته، ويراقب ما يحدث بصمت.
تَبسَّمت روزماري ثم خلعت عن عينيها نظّراتها، لتكشف تلك العينين الحادتين، اللتان هُنّ يعكس روحها الثائرة والغضب الذي يعتمل داخلها.
"لا أكون في هذا الكَرم عادةً، ولكنّي قررتُ أن أتنازل عن حقّي عنكما"
تناظر الرجلين بلا فهم، وتشانيول إعترض.
"سيدتي، لا تفعلي!"
إتسعت إبتسامتها؛ مُذُّ أنهم لا يدركون ما الذي تنوي عليه، بل لا يُمكنهم التَّخيُّل حتى.
جلست مُقيمة ظهرها، وراحت تنظر في كليهما بعين حادّة عن قُرب.
"لذا دعوني آخذ أخي الحبيب الآن، سأوصله بنفسي إلى المنزل"
ثم تركّزت نظراتها على جونغداي، وأمالت رأسها فيما إبتسامتها تَتَّسِع.
"أما زوجي السابق؛ ما رأيكَ أن آتي لأسهر عِندك الليلة ونستعيد أيامنا الخوالي؟!"
قبض حاجبيه مُذُّ أنه لم يتوقّع رد فعل بارد كهذا، نهضت تضع نظّاراتها ثم أشارت لتشانيول.
"أحضرهُ معك"
تنهد تشانيول فيما ينظر إلى أخيها، الذي يزدرئ رَمقه، والخوف يأكله.
"اتبعني"
حينما خرج تشانيول بلوكاس كانت روزماري تَجلِس بسيارتها بالفعل، أخفضت زُجاج النافذة وأشارت لتشانيول أن يقترب، وهمست له بشيء.
صعد تشانيول بجانب روزماري، وإما لوكاس فصعد بالأمام بجانب السائق، ثم أمرت أن تتوجه السيارة إلى المنزل الذي إبتاعتهُ لعائلتها.
حينما أحسّوا عائلتها بولوج سيارتها إلى رُدهة المنزل خرجوا ليطمئنوا، ليس عليها بل على لوكاس، إذ ركضت والدتها كذا والدها والبقيّة إلى لوكاس يطمئنون عليه.
ذلك ما جعل روزماري تضحك، هي من خاضت الأمر باسم الضحية، وهي من كانت بالمُستشفى بسببه، هي الضحيّة وهُم يتخافتون عليه.
أشارت إلى تشانيول كي يتبعها ودخلت المنزل تتجنب هذا المشهد المُقزز، جلست على الأريكة ترفع الساق فوق الأُخرى، ثم أنزلت نظّارتها لتقول لجميع الجالسين بعدما حضروا.
والديها، لوكاس وشقيقتها، كذلك عائلة لوكاس، الكُل.
"تشانيول اسمع هذا الكلام الهام، هذا البيت قُم بعرضه للبيع، وأخبر أهل هذا البيت أنهم يملكون فُرصة حتى الغد ليخرجوا منه، جَمِّد حِساباتهم المصرفيّة جميعها!"
"روزماري ما الذي تفعلينه يا ابنتي؟!"
أُمها تسآلت والدمع يملئ عينيها، تِلك المرأة مهما فعلت بها وأساءت لها؛ لكنَّ لا تُطيق روزماري أن ترى دموعًا بعينيها.
أُمها تقف أمامها وتلك الدموع بالفعل ألانت قلبها، لذا روزماري قالت فيما تنظر بوجه أمها.
"تشانيول، أخبر أمي وأبي أنهما بإمكانهما الإستعانة بي متى ما أراد أيُ منهما، إن لجئ كلاهما لي سأقدم لهما ما أقدمهُ عادة، ولكنّي لن أفعل شيء لأجل البقيّة"
وضعت نظّاراتها، ثم سارت تقصد باب الخروج لولا أن لوكاس صرخ.
"أين أذهب بهؤلاء الأطفال؟!
أرجوكِ عاقبيني وحدي"
نبست دون أن تنظر إليه.
"كان عليك أن تُفكر بهم قبل أن تفعل ما فعلته معي، لقد وهبتكَ فُرَص أكثر من اللازم، الآن عِش بالشارع لتعلم أن لا أحد لك غيري"
إلتفتت له وبحقدٍ نبست تُشير له بسبابتها.
"لن أسمح لسقفٍ السجن أن يأويك أو أن تأكل طعام لم تكدح للحصول عليه، السجن عقاب بسيط أمام التشرد؛ عقابي لك"
خرجت يتبعها تشانيول، كانت تسمع لوكاس يصرخ ويوَّلول، لكن لا مزيد من الفُرص، هذه الضربة القاضيّة، فما فعله بها لم يَكُ أمرًا بسيطًا يُمكنها أن تغض الطرف عنه كما تفعل كل مرة.
لم تَنتهي بعد، ما زال إنتقامها الأكبر لم يَجيء.
........
فُستان أحمر طويل -لَونهُ المُفضَّل-، لَهُ فُتحة صدر واسعة تجعل خَط صدرها واضحًا، ثم فُتحة تطول حتى مُنتصف فخذها، هو يُحِب هذا النوع من الفساتين، فاضحة بطريقة كلاسيكيّة.
سرَّحت شعرها بأناقة، ثم وضعت مساحيق تجميل حادّة وأحمر شفاه بارز جدًا، وضعت قِرطي الألماس في أُذنيها، ثم عُقد من ألماسة صغيرة في عُنقها.
إرتدت كعبها الأسود العالي، وخرجت تحمل بين يديها حقيبة يد سوداء وصغيرة.
أرسلت تشانيول إلى شِقّته، وضعت بعض الأوراق اللازمة على بار المطبخ في شِقتها، ثم أخذت مفاتيح السيارة وخرجت.
وجدت نفسها تقف أمام باب المُستشفى، تنهدت وأغمضت عيناها فيما تسند رأسها على الكُرسي، لِمَ من بين كل الأماكن أتت هُنا؟!
شعرت بأن الإحساس الذي قادها إلى هُنا عليها أن تَتَّبعه، اصطفت أمام بوابة المُستشفى وصعدت إليه.
وقفت أمام العازل الزُجاجي الذي يفصلها عنه، ما زال كما هو، كما تركته، يا تُرى... أسيأتي هذه المرّة ويُنقذها، أم سيبقى ساكنًا ساكتًا كالأموات في هذا الفراش المريع وبين كل تلك الأجهزة التي تزحف على جسده كما لو أنها عاهرات تتلهف للمسة منه؟
وضعت حد لكل الثورات في داخلها، تَجنّبت الهفوات في مشاعرها وزلّات الخوف، وخرجت عازمة أن اليلة ستكون ناريّة لا محالة؛ بها الكثير من ألهبة الإنتقام.
صعدت سيارتها مُجددًا، وقادت بلهفة إلى تِلك اللذّة، لَذّة الإنتقام.
صعدت إلى شقته، لم تتحاشى الكاميرات، ولم تخشاها، ما تُقدم عليه تعلم عواقبه جيدًا.
طرقت بابه، سُرعان ما فتح، وما إن رآها إبتسم، ثم بلا مُقدمات إجتذبها من عِضدها إلى قَعرِ شِقّته، أغلق الباب وألصقها به.
يرتدي قميص أبيض مشدود على عضلات جِذعه وبِنطال قُماشي أسود، يرفع شعره البُني عن جبهته، فتتهلَّل الوسامة في وجهه، بيده كأس خمر، وعلى شفتيه إبتسامة مائلة، مُجازفة، ونوعًا ما قذرة.
تَحسس بظاهر بَنانه صِدغها حتى وجنتها ثم خط فكّها وعُنقها فيما يهمس لها بصوته اللذيذ للأُذن.
"يبدو أنني لستُ الوحيد المُشتاق لأيامنا الخوالي، أنتِ اشتقتِ لي أيضًا!"
أمسكت بيده التي تَتحسس وجهها وأنزلتها عنها، لكنها إبتسمت له، إبتسامة تُشبهها لكنها إبتسامة لا يعرفها، وحاجبها قد صَعد أدراجه، إذ كانت ترمقه بثبات والغرور يفوح من طَلائعها.
"بيني وبينكَ أعمال لم تَتِم بعد!"
ضحك برنات خفيفة وبكفّيه تمسَّك بوجنتيها.
"أعلم، لذا دعينا نُتِمُّها الآن"
أمال رأسه إلى الزاوية الأفضل لإقتناص شفتيها النابضة بالإثارة، وسمحت له أن يفعل ويُقبلها، بل بادلته أيضًا، ولم تَكُ تلك الرقيقة الجاهلة في تبادل القُبل التي يعرفها، لقد كانت من تأخذه في جولة سيطرة.
أحاطت عُنقه بين ذراعيها وجعلته هو من يقف إلى الحائط، يده تطاولت على ساقها، فأخذ يتحسسها ويتلذذ، ويستنشق عِطرها الذي يَفوح في أرجاءها كُلها.
كان مغموسًا بهذا الجمال، الذي لا ينضب، ولا يُستهلَك، ولا ينقص مهما تناول منه، جعل يُقبِّل عُنقها، ويديه تَشد على خصريها يُلصقها به.
لذلك لم يَشعر بحركتها الطفيفة والحذِرة، فهي تعرفه نبيهًا، لكنها عندما تكون بين يديه -كما الآن- لا يحس إلا بها.
"آه!"
تعبّأت ملامحه بالوجع ثم سَقط على الأرض، تنهدت، وعَبرت من فوقه؛ لتخرج من حقيبتها منديل، وتمسح بها مَحل قُبلاته فيما يعلو ملامحها شعورها بالقرف.
وقفت أمام المرآة وأخذت تمسح أثره.
"ما زِلتَ كما أعرفك، شَهوانيّ قَذِر!"
إلتفتت له، ثم تقدمت منه وأخذت تبتسم، جلست القُرفصاء أمامه تقول.
"ما رأيكَ بما تحِس به الآن؟!
تَشعر بالعجز، أليس كذلك؟!
خائف مِما قد أفعله بك دون أن تقدر أن تُدافع عن نفسك"
تمسّكت بين أصابعها بخُصلاته البُنّية المُصففة بعناية؛ وشدّتها بقوّة، ثم بان الغضب في صوتها وعيناها تنضخان حِقد.
"هذا تمامًا ما جعلتني أشعر به!"
كشعورها من ذلك اليوم تمامًا، يشعر بجسده ويعجز عن تحريكه، ما يملكه فقط أن يراها تنتقم منه كما تشاء حتى يُشفى غليلها.
رَفعته ثم قيَّدته على كُرسيّ أحضرته من عند بار المطبخ.
أتت بقنينة مَشروب، سكبت لنفسها كأس فيما قد جلست تضع الساق فوق الأُخرى قِبالته، تَبسَّمت.
"ماذا تَظن أني فاعلة بك؟"
الجزع في عينيه واضح، جونغداي لا يعرف هذه المرأة التي تجلس أمامه أبدًا، ليست المرأة التي تزوجها يومًا، بل هي إمرأة مُختلِفة تمامًا.
إمرأة لم يعرفها أبدًا.
نهضت، وسكبت حوله قنينة الخمر، ثم أتت بأُخرى وسكبتها فوق رأسه، ثم أخذت تضحك تسخر منه.
"مُتأكدة أنكَ تود أن تتوسلني الآن!"
إقتربت منه، إنحنت نحوه ثم سلبته عُلبة السجائر والولّاعة، وضعت سيجارة بين شفتيها، أشعلتها ثم جلست قِبالته تُدخنها بكل هدوء.
"ما رأيكَ أن تموت محروقًا؟!
تلك الميتة ستؤهلك لدخول الجحيم مع خِبرة مُسبَقة، ما رأيك؟!"
كَمشَ جِفنيه وكأنه يتوسلها ألا تفعل، لكنها ضحكت بخفة ثم وقفت تحمل السيجارة.
أخذت تؤرجحها من حوله وأخذ جونغداي يبكي.
"أتعلم؟!
لا أُحب أنني أفعل بكَ ذلك، فأنا مُخلصّة، أُقدر وأحترم مشاعري التي كانت مُتأججة لصالحك يومًا ما؛ كالنار التي ستحرقك الآن.
لكنك للأسف لا تستحق أن أمنحك فرصة، فلقد ظننتَ نفسكَ الوحيد القادر أن يلعب بقذارة"
تمسّكت بكتفه واتبعت.
"حتى أنا أستطيع أن ألعب بقذارة معك، ها أنا أستعرض مهاراتي عليك، أتمنى أن تكون أعجبتك، طَليقي العزيز!"
أشعلت الولّاعة، وكانت تبتسم كما لو أن الجنون قد مسَّها، جونغداي مُنهار على آخره، يبكي بشدة ويَكاد قلبه أن يتوقف.
رَمت بالولاعة أرضًا، وسُرعان ما هَلَّ اللهب هُنا وهُناك، كانت ترى النار تَزحف إليه وهو يتوسلها بعينيه، لكنها لن ترأف به.
........
صوت جهاز نبضات القلب يملك وتيرة مُتماثلة، نَبضة نَبضة... نَبضة نَبضة.
كذلك المحلول الغذائي يُقطِّر داخل الأنبوب على وتيرة مُتماثلة، قَطرة قَطرة... قَطرة قَطرة.
يتناغم صوت القطرات مع صوت النبضات؛ إذ كان هذان الصوتان كل ما يُشكِّل حياة في هذه الغُرفة اللّامؤنسة، نَبضة قَطرة... نَبضة قَطرة.
جونميون هُناك؛ معزول عن الحياة، أو أنه يأخذ راحة منها لبعض الوقت، يتراخى جسده على ذات السرير مُذُّ أيام.
في ذات الغُرفة الموحِشة يقطن مُذُّ البداية، وخلف ذات الباب ينامون ناسه ويصحون على أمل سماع خبر مُفرِح يتعلَّق به.
أُمه، أبوه، أُخته، وصديقه الوحيد... هُم كانوا كُل أشخاصه، لكنها هي شَخصهُ المُفضِّل، شخصه الذي يكاد يخسره.
جون على هذا السرير لم يدري أنه غالٍ عليها إلى هذا الحد، متى وَلج قلبها وتربع فيه كي تنتقم لأجله هذا الإنتقام الجليل؟!
يُحبها مُذُّ دَهر؛ لكنها لم تحبه إلا من أويقات، كيف تمكّن من قلبها المُحصَّن وتجاوز قِلاعها وجلس على العرش الذي لطالما حَلُم به؟!
أيضًا لا يدري... لكنه ليس سعيد.
ربما عليه أن يفرح أنه نال مُبتغاه أخيرًا وحصل على قلبها، لكنها لبؤة جامحة، لا تنام ولها عِند أحد حَق.
جونميون فتح عينيه أخيرًا وأبصرَ السقف أولًا، للوهلة الأولى ظنّ أنه مات ولربما هو في الجنّة.
لكنه عندما استرجع ذاكرته أدمعت عيناه، أوجعها ذلك السافل حتى تدفع بحياتها إلى لقاءٍ مع الموت.
كم كانت رؤيتها بتلك الحالة السقيمة مؤلمة بالنسبة له!
الآن يعود ليُشدد أزرها به، ويسندها، يربت عليها ويطبطب على أوجاعها.
يُعافيها رويدًا رويدًا، فيكون الضمّادة لها، والعُكّاز، والجبيرة، وكل ما تحتاج.
كانت الممرضة تقوم بتقويم المُعدات الطبيّة، حينما لحظت أنه فتح عينيه خرجت مُسرعة؛ لإستدعاء الطبيب، الذي سُرعان ما أتى، وفحص مؤشراته الحيويّة.
قاموا بنقله إلى غُرفة عاديّة وأهله دخلوا عليه ليطمأنّوا، أُخته تبكي، كذلك أمه، إستقبل بُكائهن ولهفتهنّ بتفهم، وحينما أصبح قادرًا أن يتكلّم سأل عنها أولًا.
"ما الذي حدث مع روزماري؟"
سيهون أجابه.
"لا تقلق، إنها بخير حتى أنها سبقتكَ بالخروج من المُستشفى، لذا رَكِّز على عافيتكَ الآن، كي تعود وتتبعها كمُطارد مهووس كما العادة"
لكن جون ما كان يشعر بشعورٍ جيّد رغم ذلك.
"ماذا عن جونغداي ولوكاس، ما الذي حدث بشأنهم؟!"
حرَّكَ سيهون كتفيه بجهل ثم قال.
"سمعتُ أنها أسقطت حقّها عنهما، لستُ أفهم ما الذي تُريده وعلاما تنوي"
جون استهلك غضون دقيقة ليُفكّر ثم سرعان ما قال.
"إتصل بتشانيول حالًا!"
والدته إعترضت من باب القلق.
"جون ركز على صحتك الآن، ستفعل ما تريد فعله لاحقًا!"
لم يَستجِب لوالدته، بل أصرَّ على تحقيق ما أراده.
تنهد سيهون، واتصل بتشانيول، ثم وضع جون على السمّاعة.
"أين روز؟!"
وصله صوت تشانيول المُنبهر.
"جون! استيقظت؟! كيف حالك؟!"
لكن جونميون صرخ، وقد فقد صبره كذلك سيطرته على قلقه وغضبه.
"أين روز؟!"
إرتبك تشانيول إزاء نبرة جون الذي أشعرته بالقلق.
"لا تقلق بشأنها! إنني أُراقبها"
"وأين هي الآن؟"
أجاب تشانيول فيما ينظر إلى مدخل العِمارة.
"في شِقة جونغداي، ها أنا أقف أمام العمارة"
جون صاح به.
"أخرجها سريعًا يا أحمق!"
جون الوحيد الذي يدري ما الذي قد تفعله روزماري من جنون عندما تغضب.
.........................
يُتبَع...
الفصل الثاني عَشر "إنتقام الهيبة"
الجُزء الثالث "حتّى يَنتصر حُبّي"
ضمن الرواية العاطفيّة "هَيبَتُها||الحرب"
...............................
سلاااااااام
بارت ملهلِب😂😂😂
روز بنتي مش زي باقي بناتي، تبكي وتحزن وبس، بنتي ما تسكت عن حقها، وتنتقم بيدها.
المهم جون الوحيد الي عارف دواها، مشان هيك هُما كوبل قمر😌
طبعًا بعد ما خلصت الدرك الأسفل هيبتها تستولي على كل إهتمامي بما أنها الرواية الوحيدة النشطة حاليًا حتى ترى العنقاء النور قريبًا.
التحديثات ح تكون سريعة، في المقابل التفاعل لازم يكون حلو😁
الفصل القادم بعد 90 فوت و90 كومنت.
1.رأيكم بروزماري؟
إنتقامها من لوكاس؟
إنتقامها من جونغداي؟
مشاعرها نحو جون؟
2.رأيكم بجون؟
ما الذي سيفعله لإستدراك الموقف؟
3.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі