CH22||قاع البحر
كيم جون ميون (سوهو)
بَطل:
"هَيبَتُها||Her Savage Love"
"أحبّيني كما تشتَهين"
"قاع البَحر"
"عيناكِ... هُنَّ حبيباتي، صافيات كالسماء، عميقات كالبَحر...!
أرى إنعاكسًا صافيًّا نقيًّا في عينيكِ لروحكِ، روحكِ النَّظيفة مِثل روح ملاكٍ طاهِر.
وأرى في عينيكِ عُمقٌ بعيد، عُمق مِثلَ قاعِ البَحر، تَعمرُهُ حياةً داكِنة، لكنَّها جُزءً منكِ، لذا هي جميلة، مثلِك...!
إلى زهرتي
الكاتب سوهو"
كانت روزماري تَجلس في السيارة؛ في طريقِ عَودتها إلى المَنزِل، بينما تشانيول يجلس في الأمام وبجِواره السّائق المُخصَّص لها من المحطّة؛ كانت روزماري تتحمحم كل فينة بالخلف؛ تقصد إستفزاز تشانيول، الذي تنهد للمرة الألف.
"هلّا توقَّفتِ رجاءً؟!"
شَهرت كفّيها تتذمَّر.
"ماذا فعلت؟!"
تنهد تشانيول ونظر أمامه، وأخذ يُبرر بعصبيّة.
"أنا حقًا حقًا حقًا لا أعرف عمّا يدور هذا الأمر، ولا أفهم هذا الرِهان، هل أنا غرض لِكلتاكنّ كي تتبادلاني؟!"
ضحكت روزماري تقول.
"أنتَ مِلكي بالفعل، وسأُسلمها أياكَ إن رأيتُها تستحقك"
زفر تشانيول ضاحكًا بسُخرية ونبس مُستاءً.
"بأحلامكِ أنتِ وهي"
عضَّت روزماري على شفتيها؛ كي تمنع قهقهاتِها من الإنبلاج، فلا يسمعها ويستاء أكثر.
وَصلت روزماري إلى العِمارة السكنيّة التي يقطناها، ترجلت وتبعها تشانيول بعدما صرف السائق.
صعد كلاهما إلى الطابق، الذي تَقطُن به شِقَّتيهما، وفي جوِّ من المُضايقات والضِحكات بين الأثنين وصلا إلى الطابق.
وما إن إنبَلَجَ المِصعد تراءى لها لوكاس يجلِس أرضًا قُرب باب شِقَّتِها.
"ماذا تَفعل أنتَ هُنا؟!"
أمسك تشانيول بمعصم ماري، التي فارت غضبًا ما إن رأت شقيقها، وجعلها تقف بظهره، ونبس بنبرة قاسية يُحدِّث لوكاس.
"انصرف من هنا قبل أن أشوِّه لكَ معالم وجهكَ هذا!"
وقف لوكاس عن الأرض ينفض ثيابه، واقترب من ماري ليقول.
"سمعتُ أنكِ تُقدمين على الزواج، ألا يجب على عائلتِك أن تتكفل ببعض الأمور؟!"
"بلى"
أجابته ماري، وأمسكت بعضد تشانيول تقول.
"تشانيول عائلتي وشخصي الوحيد، وأنا أستند عليه وحده، فهو من سيقدمني في زفافي، ومنه سَتُطلَب يدي، أنا لستُ بحاجة لكَ أو لأي فردٍ من عائلتك!"
نظر لها تشانيول مُمتنًّا، فلتوِّها وضعته في منزلة لديها هي الأعلى، أعلى من جون حتّى، وكم هو راضٍ وفخور!
أحاط كتفيها بذراعه ونبس بخشونة لأخيها ذا الطَلّة المُهانة المُذلَّة.
"أنا عائلة روزماري، ولا يُمكنكَ إستغلال أمر زواجها لصالحك، أنا من بنيت روزماري وحدي، وأنا من سيزوجها، ويُقدِّمها لزوجها بنفسي"
سحب روزماري وسط خيبة لوكاس وإنعقاد لسانه، فلم يقدر أن يستغل الوضع لصالحه، روزماري مُذُّ أن إنفصلت عن جونغداي لم تَكُ بِحاجتِهم قَط، لطالما هم من كانوا بحاجتِها وحدِها.
ولجت إلى شِقَّتِها، وفيما تخلع عنها مِعطفها تحدَّثت إلى تشانيول.
"تشانيول، اليوم لنا فقط، دعنا نقضي الليلة معًا"
تبسَّم تشانيول وقال.
"ظننتُ أن جون سرقكِ مني"
نَفَت روزماري برأسها تقول.
"لا يجرؤ أحد أن يسرقني منكَ إطلاقًا!"
إقترب منها، وطبع قُبلة على رأسها، ثم أخذ يُربِّت على شعرها قائلًا بإبتسامة ودودة.
"سأذهب لأستحم وأُبدِّل ثيابي، ثم سآتيكِ مُجددًا"
أومأت له روزماري وتشانيول انصرف، وبينما يخرج رأى جون يقترب من باب ماري، فسدَّ المدخل بذراعه وقال.
"تراجع لو سمحت، هذه الليلة لي!"
عقد جون حاجبيه وتخصَّر مُستاءً تنبضُ فيه الغيرة.
"ما الذي تقوله أنت؟!"
حرك تشانيول كتفيه فيما إبتسامة شقيّة تعلو شفتيه.
"هكذا قالت روزماري"
إقترب جون من تشانيول ونبس بغضب، فالغيرة بدأت تعتمل في صدره، وتفور في رأسه.
"ماذا قالت؟!"
عقد تشانيول ساعديه إلى صدره ونبس.
"قالت أن الليلة لنا، وأننا سنسهر معًا، وسنتناول العشاء معًا"
"هكذا قالت؟!"
أومئ تشانيول فإلتفت جون مغادرًا فيما يقطع خطوات مُستاءة.
"حسنًا"
ضحك تشانيول فيما يراقب جون يُغادِر، لم يتوقع أن يُغادِر بصمت هكذا رغم سخطه وغيرته الواضحة.
أدّى أموره، ثم عاد إلى روزماري، ولج الشقة بما أنه يعرف كلمة السر، فوجدها قد إستحمَّت وبدَّلث ثيابها، وتقف في المطبخ بشعرها الرَّطِب.
"ماذا تفعلين؟!"
إقترب تشانيول حتى وقف أمام البار فقالت.
"أَعُد العشاء لنا"
أومئ يرفع حاجبًا وابتسم.
"لأولِ مَرَّة أراكِ تعدّين الطعام، ما الجديد؟!"
حرَّكت كتفيها وأجابته.
"لا شيء مُهم، رأيتُ جون يَطبخ هذا الطبق بطريقة مُعينة، وأنا أُحاول تقليده الآن"
ضحك تشانيول بخفّة ثم قال.
"حسنًا، أفهم هذا، لكن لطالما كرهتِ أن تَطبُخي الطعام لأي أحد"
توقفت عن تحريك الطعام في الوعاء وأومأت، ثم نظرت إلى تشانيول فيما تستند بيدها على البار تقول.
"لقد تغيرت، أليس كذلك؟!"
تشانيول نبس.
"نعم بالفعل!"
عادت لتحضير الطعام وقالت.
"إنَّهُ جون، جون من غيَّرَني"
.................
سارت الأمور كما أراد لها جون وروزماري أن تَسير، اليوم هو خِطبة جون وروز أخيرًا بشكلٍ رسمي وعَلني.
لكن روز كانت تشعر بالحرج الشديد، إذ أن الخِطبة ستتم في منزل عائلة جون، والأدهى أنه المنزل يملؤه المُباركين من أهل جون، ومن أهل ماري لا يوجد أحد؛ سوى تشانيول وبعض أفراد من عائلته.
كانت روزماري في غُرفة آيرين يحضِّرونها للحفل، إذ إرتدت فُستان باللون الأزرق السماويّ -لأنه مُفضَّل جون- وضعت على رأسها تاجًا صغيرًا، ثم يترامى شعرها بأناقة على كتفيها.
كانت آيرين هُنا لتشجعها، كذلك أوريل التي إختفت ضغينتها ضدها، كانت تشعر بالإمتنان لوجود هذه الرِّفقة معها على الأقل.
سمعنَّ الفتيات طرقًا خفيفًا على الباب، وعندما أذنت آيرين للطارق أن يَدخُل أطلَّ تشانيول برأسه من الباب، وحينما وقع بصره على روزماري قال مُبتسمًا.
"تبدين رائعة!"
لم تجبه، فقط أخفضت رأسها وأخذت تنظر في حِجرها، أنه يفهم ما مُصابها.
وَلجَ الغُرفة التي تَحويها، واقترب منها حتى إنحنى على عقبيه قُربها، واحتضن كفّيها بيديه يقول.
"لا تقلقي وأنا هنا، إن كان جون زوجكِ المستقبلي، فأنا أخوكِ وأبوكِ وكل عائلتك"
تبسّمت روزماري ونقرت على ذقنه تقول.
"بل أنت عائلتي الوحيدة... شُكرًا لك!"
فغرت ذراعيها لتشغرهما به، فاستقبل عناقها برحابة صدر وضمّها إلى صدرِهِ بلُطف ورِقّة، جعلها تقف وأمسك بيديها يقول.
"هيا بنا!"
أومأت وتحرَّكَت معه إلى الخارج، كان جون وسيهون يقفان بالخارج بإنتظارها أن تظهر بينما يعطونها ظهورهم.
رَبَّتَ سيهون على ظهر جون وأشار عليها يخبره.
"ها هي!"
تحمحم جون، ثم إلتفت لها فيما كفّيه في جيوب بنطاله، وما إن رآها زفر أنفاسه من عُمق عُمق صدره، وتقدم منها يفتح ذراعيه، فجعلت تبتسم وهي تندَس بين ذراعيه الحنون.
استنشق رائحتها العطِرة، وخلخل أصابعه في خُصلاتها يحس بها بين يديه، وفي قلبه تتربع.
وضع قُبلة على جبهتها، ثم أخرى على ظاهر يدها، أمسك بذراعها، وجعلها تتعلق به، ثم سار بها إلى الأسفل.
أخذ الجميع يُصفِّقون فيما العروسين ينزلان السُلَّم معًا، وقفا معًا على المنصة، ثم حمل جون من على الصينية التي تحملها له مُربيته خاتم الخُطبة، وضع لها الخاتم في أصبعها، ثم روزماري حملت خاتمه ووضعته له في أصبعه، وبينما الجميع يُصفِّق قَبَّل رأسها مُجددًا.
أحسَّت روزماري بالحرج والكاميرات تلتقطهم، بالتأكيد سيُكتَب كلام كثير عن الحفل، مثل أن لا أهل لروزماري، وفقط مدير أعمالها -الذي سبق إتهامها به- من حضر.
كانت تنظر إلى تشانيول وكأنها ترجوه، فأومئ لها وصرف الصحافة دون أن يمنح أي معلومات لأي منهم.
شعرت روزماري بالراحة أخيرًا بعدما غادروا وأستطاعت أن تنخرط أخيرًا في جوِّ الحفل، إذ دعاها جون إلى رقصة وهي لم ترفض.
وها هي بُقعة ضوء مُسلَّطة عليها فيما يرقصان معًا بتناغم، ذراعيه تحيط خصرها تُقرِّبانها منه، وذراعيها تحيط كتفيه تُخفض جِذعه لها.
كان يُراقِصها بِكُلِّ سلاسةِ وهدوء؛ فيما عينا البُن بعيني البحر تنظران، الحُب بينهما يَشع ويتلألئ، وكأن الناس ما شهدت حُبًا أكبر منهم.
وأما جون؛ فلقد حلُم بهذه اللحظةِ كثيرًا، وظنَّها في يومٍ من الأيام مُستحيلة، لكن لا مُستحيل على ما كُتِب في صفحات القدر، وأن هذا اليوم أتى مهما كان وصوله غريبًا.
الآن هو ينظر في عينيها ويُعانِق خصرها، وهذا ليس حُلمًا بل حقيقة متينة حتّى، لطالما أحبَّ جون هذا الحُلم تحديدًا دون بقية الأحلام، لأنه حُلم قد وَثّق حُبه فيه وأعلنه بين الناس.
"تبدين في غاية الرّوعة"
تبسَّمت إثر مُجاملته ونبست.
"لطالما بدوتُ رائعة يا عزيزي جون"
ضحك بخفّة وأومئ، مغرورة لكن يَحقُّ لها أن تغترّ، فلا هي أيُ إمرأة، ولا مثيل لها، إنها القِطعة الوحيدة ضمن القالب.
"هل أنتِ سعيدة؟"
شابكت أصابعها خلف عُنقه وأشاحت بوجهها عنه تقول.
"لا أدري"
"لأن أهلكِ لم يحضروا؟"
تنهدت ماري ونبست.
"لستُ أدري، في نهاية المطاف أنا لم أُرِد أن يحضروا، فلا أنا أعتبرهم عائلتي ولا هم يعتبروني ابنتهم"
ربَّت جون على خصرها يواسيها.
"هوِّني عليكِ يا هَيبة، للأمرِ حلًا يُرضيكِ بلا شك"
تنهدت ماري وأومأت، ستثق بكلمة جون وتتوقع وجود حل يُرضيها، فلطالما إحتضنت كلماته الصَّواب.
سيهون وآيرين أخذا يرقصان معًا بعيدًا عن بُقعة الضوء فلا يراهما أحد لو تبادلا القُبَل، فسيهون هُنا يبدو سعيدًا جدًا بل وربما يفوق جون سعادة، فأرتباط جون أخيرًا يعني إرتباطه من حبيبةِ قلبه قريبًا.
وأما تشانيول؛ فقد كان يقف إلى إحدى الطاولات القريبة وجيدًا، ينظر إلى روزماري فيما يحتسي كأس نبيذ.
أوريل التي لم ترفع عينها عنه مُذُّ بدء الحفل ترى كيف ينظر إلى روزماري الآن، في عينيه حُب وحزن، يرغب من خالص قلبه أن تكون سعيدة، والرجل الذي إختارته عنه أن يكون أفضل منه عليها.
لكن مشاعره لا تنتهي هنا بعد، فهو يشعر بالوحدة، كذلك بالبؤس والظلم، لأن السعادة التي لطالما إختارتها لا تكون معه أبدًا.
تبسّم تشانيول، ورفع كأسه نخب سعادتها مع الرجل الذي إختارته.
"بالتوفيق يا ماري! لو بيدي لتوقفت عن حُبّك مُذُّ سنين طويلة!"
إقتربت أوريل من موضع وقوفه وحيدًا، ثم وضعت كأسها الفارغ قُرب كأسه وهمست.
"تقبل رقصة معي؟"
"دعيني وشأني أيتها الطفلة!"
ضحكت بخفة وأمسكت بيده تسحبه معها رُغمًا عن إرادته وأخبرته.
"أنا بعمر عزيزتك روزماري، كيف أكون طفلة إذًا؟!"
جعلته يحيط خصرها وهي أحاطت كتفيه العاليين، حينها قال تشانيول.
"شتّان ما بينكِ وبين روزماري!
هي إمرأة ناضجة وعاقلة، وأنتِ تتصرفي بحماقة مثل طفلة جاهلة"
رفعت حاجبًا ونبست بأستياء.
"وما الذي يجعلكَ تقول عنّي شيئًا كهذا؟"
"كيف تُقايضيني وكأنّي غرض، لا إنسان بكرامته؟!"
لم تجد ردًا على ما يقوله، لذا إختارت أسهل طرق الرد وأكثرها استفزازًا.
"اننننننننن"
أشاح تشانيول عنها، وأبعد يديها بقوة عنها، واستدار ليمشي بعيدًا، لكنّها استوقفته بينما تتبعه عندما تمسَّكت بذراعه.
"آسفة آسفة! كنتُ أمزح معك!"
نفض يدها عنه لكنها كانت مُصرّة أن تتبعه كظلّه أينما ذهب وتسترسل في إزعاجه، لحقت به إلى بوابة المنزل.
"أخبرتكَ أنّي آسفة، لمِ لا تتوقف؟!"
إلتفت لها مُستاءً وتحدث بنبرة عالية.
"لا تتبعيني، لِمَ تتبعيني؟! دعيني وشأني!"
إنتفضت وتراجعت خطوتين رهبة من عينيه القادحتين، وصوته المُرهب، لكنها أجابت سؤاله رغم ذلك بينما تخفض رأسها.
"اتبعك لأنّي معجبة بك، أتحتاج للجواب حتى؟!"
تنهد تشانيول يتخصر بينما رأسه عالي الذقن وعيناه مغلقة.
"يا إلهي الصبر الصبر!"
ملامحه رغم أقتضابها في غضب إلا أنها شهيّة لعينيها، لكنه عندما فتح عينيه ونظر لها تحمحت، لكنها لم تزحزح بصرها عنه، فارتفع حاجبه إزاءً لإنخفاض منسوب الحياء لديها.
"لم تنظرين لي هكذا؟"
"لأنك وسيم!"
تنهد ونظر إلى السماء يجمع كفّيه برجاء وتوسل.
"يا إلهي أرجوك!"
لكنها استمرّت أن ترمقه بهذه النظرات المُفعمة بالحب، وعلى شفتيها إبتسامة لإمرأة غاطسة في الحُب من رواسيها لنواصيها.
.....
أردتُ أن أكون إمرأتك المُميَّزة، أن تراني في عين لا ترى فيها غيري، أردتُ أن أملأك بي فخرًا، وحُبًّا، ورِضا... لكنّي أشعرُ بالسَّخَط.
لأنّي استبحتُ لي مكانًا في حياتك عن لا إستحقاق، ربما أنت بالفعل تستحقَّني، لكنّي لا أرى نفسي أستحقك.
أنتَ تُحبُني، تُحبُني حُبًا جمّا، وتُرضيني، وتُدللني، وتُكرمني، وتهيب بي، لكنّي لا أُحبكَ بمتانة بل بأنانية، ولا أظنني أفديكَ بروحي رغم أنَّكَ تفعل.
أنا إمرأة سيئة...حبيبتُكَ السيّئة!
لأول مرة؛ أرى نفسي لا أستحق، وأنا ما املكه كثيرًا علي، لطالما شعرتُ أنّي الضحيّة، الآن أشعر أنّي الجاني.
هكذا شعرت بعدما أصبح خاتمه يحتضن أصبعي أو يَخنُقه... لا أدري!
كان سعيدًا، تقفز السعادة في عينيه، وصوته يغمرُه الفرح، وكأن إرتباطنا أكَّد له أن لا حَلَّ لي من وِثاقه أبدًا.
لن أحله... لا أفكر بالأستغناء عنه طالما هو سعيد بي إلى هذه الدرجة، وطالما أنا مُعلَّقة بحِباله هكذا، أتشبث به مثل مأواي الوحيد، حبل نجاتي الذي يتدلى من فوق الهاوية.
لقد أصرَّ بعدما إنتهى الحفل أن نحظى بحفلنا الخاص على اليخت الذي كُنا فيه سابقًا.
"غريب! كُلما حجزت هذا اليخت شُغِرَ لك!"
تبسَّمت شفتيه حتى ضمّ خديه ونبس.
"في الحقيقة، أنا أملك هذا اليخت"
اتسعت عيناها ونَبست.
"حقًا؟!"
أومئ ضاحكًا وابتسم.
"نعم، حقًا"
"وااو!"
ضربت الطاولة بيدها ونبست.
"خطيبي رَجُلًا غَنيّ أم فتى مُدلَّل؟!"
سُرعان ما نَفى بيديه وقال.
"لا، إنه من مالي الخاص"
أومأت تبرم شفتيها إثر تلك الصدمة الصغيرة.
"لم أَكُ أدري أن الكُتب تَدُر كل هذه الأموال"
"أنها ليست كتب ورقية فقط، بل إلكترونية أيضًا، كما أن دار النشر هي مِلك لي"
أومأت له روزماري، وراحت تنظر إلى البحر بصمت بعدما أفرجت عن تنهيدة، حينها أمسك بيدها من على الطاولة ونبس.
"لا تُفكّري بالطريقة التي تفكرين بها الآن"
نظرت إليه تعقد حاجبيها ونبست.
"كيفَ أُفكِّر؟!"
"أنّي كثير عليكِ، ولا تستحقيني"
تراخت على مقعدها، وضحكت تتهكم فيما تعقد ساعديها إلى صدرها.
"ما عِدتَ تصدمني أبدًا!"
احتضن كفّها بين يديه ونبس.
"أيُزعجكِ أنّي أعرفكِ كثيرًا"
نظرت في وجهه المليح ونبست.
"لستُ أدري، إن كان الأمر يزعجني أم لا، أنا لا أدري ما بي حتّى!"
نهض وجعلها تنهض معه، ثم أحاط خصريها بكفّيه، وطبع قُبلة على ناصيتها العلياء، ثم أطبق ناصيته إلى ناصيتها وهمس لها.
"أنتِ هَيبة مُهيبة مهيوبة، إمرأة رائعة، وملكة قديرة، أنا أراني لا أستحقك، أنا لم أبذل جهدًا كفاية لأستحقك، أنتِ أثمن من روحي!"
تَبسَّمت فرفع ذقنها وطبع قُبلة على شفتيها، قُبلة شغوفة بالحُب لكنها لطيفة خفيفة.
حَمل لهما كأسيّ شراب، لها عصير وله نبيذ، وبينما روزماري تقف إلى سيّاج اليَخت أحاط خصرها بذراعه وأركن ذقنه على كتفها ونبس.
"نحن جون وروز، أفضل ثُنائي في العالم، أجمل من جاك وروز!"
"تايتنك؟!"
ضحكت بخفّة وأومأت، ليطبع قُبلة خفيفة على كتفها، ثم زفرت روز أنفاسها تنظر على البحر وتراخت بين ذراعيه، هذا الشعور الذي يراودها الآن أفضل شعور أحسَّت به أبدًا.
شعور الآمان، الإحتواء، الحب، التقدير... لم تشعر به سوى مع جون.
لأن جون السبب الواحد والوحيد لسعادتها مُنقطِعة النَّظير.
................
"واحد، إثنان، ثلاثة... أدِر الكاميرا!"
بدأ برنامج "مسائكُنَّ قوّة" الخاص بروزماري بينما هي تستولي على إهتمام الكاميرات، أما خلف الكاميرات فلا يستولي على إنتباه أوريل، التي تُعاين الإنتاج بدورها الوظيفي، سوى تشانيول الذي لطالما إحتلَّ المقعد الذي يجاور المُخرِج.
كانت تنظر إليه بلا إنقطاع فيما هو دؤوب في عمله، ومشغول فيه أتمَّ الإنشغال، أحبَّت النظر إليه هكذا بصمت.
كان يجلس فيما يُفرِّق بين ساقيه ويتَّكِز بمِرفقيه على فخذيه، يشابك أنامله أمامه وملامحه مُقطَبة، كذلك بصره مُسلَّط على روزماري عبر الكاميرا.
ورغم أن هذا أول يومٍ بشكلٍ رسميّ لأوريل بالأستديو إلا أن الجميع قد لَحِظ نظراتها الثابتة على تشانيول، كما أن الشائعات تنتشر مثل النار في الهشيم، فلقد قايضته أوريل وروزماري أمام إحدى المدراء المسؤولين.
"عجبًا له! كيف يبدو وسيمًا بهذا الإفراط دون أن يتكلَّف أي جُهد!"
توقف البرنامج في استراحة قصيرة أثناء فاصل إعلاني، وما إن ذاعت إشارة البرنامج روزماري هتفت تقصد أوريل.
"أنتِ! أكلتِه بعينيكِ!"
"وما شأنكِ أنتِ؟ ليس طبقكِ على أيةِ حال"
تشانيول كان يرمق المرأتين بإنزعاج، ثم نهض على عقبيه يُتمتِم بالشتائم وسط ضحكات الجميع.
"الآن أصبحتُ وجبة طعام، وغدتين!"
بينما يُشارِف البرنامج على الإنتهاء تركت أوريل موقعها الوظيفي، وراحت تبحث عن رَجُلها الشَهيّ، هكذا هي، من النوع الشقيّ.
كان تشانيول يقف في إحدى الغُرف خلف الكواليس، يحضر البرنامج عبر الشاشة بينما يحمل دفتر مُلاحظاته وقلمًا، لكنه عندما رأها تقف عند الباب، وضع القلم في قلب الدفتر وأغلقه بخشونة.
"ماذا تريدين؟"
"لِمَ أنتَ عَصبيٌّ هكذا؟!"
تنهد، ووقف ينوي الرحيل لولا أنها تصدَّت له عندما وضعت عينها بعينه وراحتيها على صدره.
"لا أحب أن أكون مصدر إزعاج لك، لكن ماذا عسايَ أن أفعل؟!
أنا مُعجبة بك، لا بل غاطسة في قاعِ حُبك حتى قِمَّتي"
أخذ ينظر في عينيها المُسبلتين، ثم شفتاها التي تُقطر كلامًا أحمقًا، ثم سائر ملامحها، كيف لإمرأة مثلها أن تضعف جوفه، وتُشعره بمشاعر لا يدري ماهيتها هكذا؟!
أنه في حيرة من أمره بسببها؛ مُذُّ أنه لا يدري كيف يشعر إتجاهها، لكنَّهُ يُدرِك أنها تشعره بالأُلفة والأُنس، وأنه لا يدفعها عنه لأنه منزعجًا، هو لا يدري لِمَ يفعل ذلك.
أمسك بعضدها ونحّاها عن طريقه، لكنّها قاطعته بتودئة ووقفت أمامه مُجددًا، ثم لم تُمهله حتى أطبقت شفتيها على شفتيه، ولم تُمهله أن يستوعب ما الذي جرى، فلقد فرَّت منه سريعًا.
مسح على شفتيه بذهول ونبس مُلتاعًا.
"إنّها إمرأة مجنونة بلا شك!"
"ماذا فعلت بِكَ؟"
ثم سرعان ما انتفض بدنه حينما سمع روزماري ولا يدري متى وقفت وِقفة سابقتِها على إطار الباب هكذا فيما تستند عليه، وتعقد ساعديها إلى صدرها.
أخذ يمسح على قلبه براحته ونبس بعدما نفث أنفاسه بعُمق.
"لا شيء مهم!"
همهمت روزماري رُغم أنها لا تصدقه، فحالته المزرية تقول أنه يكذب، في أقل تقدير قَدَّرت روزماري أن تلك الشقيّة قَبّلته.
"هل نَذهب؟"
لم تُلِح روزماري عليه في الأسئلة، وهذا أمرٌ جيّد، أومئ لها، عدَّل ياقته وخرج يتبعها بخطوات خاملة فيما عيناه تترقَّب أثرًا لِتلكَ المرأة الشقيّة لكنها لم تَرصُدانِها.
بَشَّرت روزماري السائق الخاص بها أن بقيَّة اليوم إجازة ويمكنه أن يغادر، ثم رَمت بمفاتيح السيارة على تشانيول، وجعلته من يتولى أمر القيادة فيما رَبضت في المقعد الأمامي بجوارِه.
كانت تَنظر إلى شوارع المدينة التي لا تنام بأُلفة شاردة الذهن، شاردة الذهن بأمر عُقدة النَّقص التي تُعاني منها، ولأن لا مَلجئ لها إلّاه فاجئت صديقها وعائلتها الوحيد بسؤالها، فتشانيول هو الشخص الوحيد الذي يُمكِن أن يرى الجانب الضعيف من شخصيتها، لا بأس ألا تبدو رائعة ومُهيبة أمامه.
"تشانيول، أليس جون كثيرًا علي؟!"
عكف تشانيول طريق السيارة، وسار بها إلى الطريق المؤدّي إلى ضِفاف نهر الهان المؤنِسة، وقال.
"علمتُ أن بِكِ خطب مُذُّ أنَّكِ صرفتِ السّائق"
تنهدت روزماري، ونظرت في حِجرها حتى شعرت بأن عيناها تلمع وجفونها تَحرُّها، فرفعت مخائلها، وأخذت تلوح بيدها قُرب وجهها؛ كي لا تبكي.
تنهد تشانيول، وأمسك بيدها التي تحوي خاتم جون وهمس.
"دعينا نتوقّف على ضِفّةِ النهر ونتحدث، حسنًا؟!"
أومأت له، وسُرعان ما عاقبت دمعة عَصتها، وخَرَجت من حدود زِنزانتِها بمسحها فورًا؛ وكأنها بثرة ضعف أو وصمة عار على إمرأة مثلها.
إصطف تشانيول في مكانٍ قريب وترجَّل معها، ثم اقترب من رُكن القهوة المصفوف جنبًا، واشترى لكلاهما القهوة.
جلسا على مقعد خشبي واحد قِبالة النهر فيما يشربان القهوة بتناغم مع هدوء هذه الليلة المُريحة.
"أخبريني عزيزتي، ما الخطب؟!"
راحت روز تتحسَّس فاه الكأس الكرتونيّ بأصبعها، ونبست تنظر في الكأس تهرُّبًا من أن يصطاد تشانيول عُمق النقص، الذي تشعر به وتتحدث عنه عينيها.
"تعلم تشانيول... حفل الخطوبة كان عظيمًا، جون أخبرني أن من حضروا الحفل هم المُقرَّبون المُقرَّبون من معارِفه فقط.
لقد إعتذر لي مُسبقًا؛ لكن والده يُخطط أن يُقيم زفافًا أسطوري، سيحضره الكثير من الناس؛ بما أن جون الأبن الوحيد لعائلته.
كما أن عائلته غنيّة وميسورة الحال، ذات سيط واسع، سُمعة طيّبة... هم جيدون معي، ولم أسمع منهم كلمة تضرَّني؛ لكنني أشعر بالعِبئ حيالهم، وجون والزواج، والزفاف، وكل شيء!"
رفعت بصرها إلى تشانيول ونبست.
"أنا لا أتزوج لأني أريد أن أتزوج يا تشانيول، أنا لا أُطيق أن يبتعد جون عني، أعلم أن هذا سيء لكن ما باليد حيلة!"
اجتذبها تشانيول من عِضدها، وجعلها تُريح رأسها على كتفه، وأحاطها بذراعه يُربِّت عليها، فيما هي تابعت شكواها.
"أنه رائع، لديه عائلة رائعة، يحبني بجنون رغم عِلَلي الكثيرة، وعائلته يتقبَّلوني دون أي شروط وسعيدين لأجلنا، لكن يا تشانيول أنا لستُ سعيدة.
تعلم ما أشعر به!
أشعرُ بالنقص الشديد بداخلي، أن القوة والهيبة، التي أملكها، ما هي إلا غِطاء ألِفُّ بهِ نفسي ونفسيَّتي الناقِصة.
أنا ماذا لديّ في المُقابل لأقدمه له؟!
لا شيء، ولا حتى حُب... فأنا لا أُحبهُ كما يُحبني هو... أُحبه كثيرًا لكنني أدري أنّي أحبه؛ لأنه يشعرني بالكامل، يعاملني وكأنّي تاج مملكته التي يخدمها بتفاني وإخلاص، أشعر بأنّي أنانية ولئيمة لأني أُحبُّهُ بهذهِ الطريقة.
أنا لا أملك شيئًا اعتزَّ به...
أهل؟! لا أملك، لم يكونوا أهلي أبدًا، لكنني كنتُ أشعر أفضل وهم أسفل جناحي، الآن أشعر أني حقًا لا أملك أحد أبدًا سواك، وأن لا أحد يحبني ويريدني سواك وجون.
تفهمني يا تشانيول؟!"
رفعت عيناها الدامعة إليه فأومئ، ومسح لها دموعها بإبهاميه.
"أفهمك"
طبع قُبلة على جبهتها وأرجعها إلى كُنفه، تنهَّد من عُمق قلبه ونبس.
"الأهل يبقون أهل سواء كرهناهم أو أحببناهم، إعتززنا بهم أم خجلنا، هذا كله لا يهم، ما دام وجودهم أسفل جناح رعايتك كان يشعرك بالراحة فاستعيديهم، هم يريدون العودة أيضًا"
رفعت رأسها تنظر إليه ونبست.
"حقًا؟! أيُمكنني؟!"
همهم فيما يبتسم، ثم مسح على شعرها بيد حنون وقال.
"بالغد سأُعيدهم إلى المنزل، وسأُعيد لهم حياتهم السابقة كما كانت وأنتِ ترعيهم، أما بشأن لوكاس؛ فلا تقلقي، سأُخيفُه قليلًا، فلا يجرؤ أن يخونكِ مرة ثانية، وسأجعل حدود عمله بعيدة ضمانة على ذلك، سأمنحه أجرًا جيدًا كي لا يطمع بالمزيد، جيّد؟!"
همهمت تبتسم ثم رفعت نفسها لتُعانقه ونبست.
"شُكرًا لكَ تشانيول، لطالما كنتَ السند الذي يشدَّ ظهري"
خلخل أصابعه في شعرها وداعبه يقول.
"هل نعود الآن؟!"
أومأت، فنهض ومد راحته لها، أمسكت بيده وسارت معه، كانا يسيران على ضفّة النهر فيما يُتبعان شُرب القهوة.
"لا أستطيع أن أقول لكِ أنه لا يجب عليكِ أن تشعري بالنقص، ولكن تعلَّمي أن تحبي نفسك، إن أحببتِها ستقدرينها ولن تشعري بالنقص، متأكد أن جون سيمحي شعوركِ هذا مع الوقت دون أن يدري حتى"
"سأحاول"
همهم تشانيول ثم أشار إلى إحدى الباعة المتجولين يقول.
"هل أشتري لكِ نقانق الذُّرة والجُبن؟!"
أومأت له ونبست تتمسَّك بِسُترَتِه.
"سأُحب ذلك بكُلِّ تأكيد!"
ضحك وسار إلى العَربة، حصل على واحدة لأجله واثنتين لها، لأنها تحب هذه الوجبة كثيرًا.
"تفضَّلي"
تناولتها من يده وقضمتها، ثم همهمت تستمتع بالطعم اللذيذ، ثم تشانيول ضحك واتبعا السير، وفيما يفعلان تشانيول قال.
"همم... كخُطة أوَّلية لتُحبي نفسك؛ ما رأيك نذهب لحفل BTS؟!
إنهم يروجون لهذه الفكرة منذ زمن طويل"
ضحكت روزماري ولكنها أومأت تقول.
"فلنذهب إذًا، لكن اختر لي مقعد قريب من المسرح، أريد أن أراهم يرقصون عن قُرب"
"نواياكِ سيئة"
وقفت فجأة وإلتفتت له تقول.
"سأحب أن تأخذني إلى حفل EXO أيضًا"
"لِمَ؟!"
دون أن تبالي نبست فيما تأكل المزيد من النقانق.
"لسبب مهم جدًا"
"وما هو؟!"
"في كل حفل لهم يتجرد عضو واحد على الأقل من قميصه، جميعهم تعرّوا إلا تشين ودي او"
توقف تشانيول وأمال برأسه ناحيتها يقول.
"ألهذا السبب تُحبين هؤلاء الصبيّة؟!"
"هذا واحد من الأسباب الرئيسة، بغض النظر عن مواهبهم، هم وسيمون بشكل مفرط"
رفع حاجبه بغيظ، لا يدري لِمَ هو مُغتاظ ويشعر بالغيرة الآن.
"هل أخبر جون عنكِ؟!"
حرَّكت كتفيها بلامبالاة ونبست.
"لا أُبالي، أخبره، لقد رأى ألبوماتهم في شِقَّتي على آيةِ حال"
"يا له من رجل! ألا يغار؟!"
ضحكت روزماري وقالت.
"يغار عليّ من الدجاج، والقهوة الصباحيّة، والشاي بالليمون، والشوكولاتة الساخنة فقط"
أومئ تشانيول يبرم شفتيه.
"إنَّه رَجُل فَريد، لا أُنكِر!"
............
في الصّباح الباكر كانت الفوضى مُزعِجة جدًا في الخارج، فلقد تأخرت روزماري بالعودة إلى المنزل بعدما تسكَّعت مع تشانيول على ضِفاف الهان، ولم يتسنى لها أن تنام كفايّة أبدًا، رغم أن الجُدران عازلة للصوت، لكن النافذة تُسرِّب لها صوت النقر والدّق في الجوار.
وضعت رأسها أسفل الوِسادة، وأبت إلا أن تغرق في النوم رُغمًا عن الإزعاج الدائر في العِمارة.
استيقظت بعد الظهيرة، لم يتسنى لها الأمس أن تفعل شيئًا لخدمة نفسها، لذا ولجت حمامها، وفي الجاكوزي حصلت على جُزءًا آخر من الرّاحة والرَّخاء.
الشموع العِطريّة حول حواف الحوض، وبتلات ورودٍ حمراء تغطي سطح المياه الدافئة، ألبوم الكَون لِExo يدور في مُشغل الأقراص المُدمَجة، وأخيرًا في يدها كأس كبير يحوي حليب البُندق والشوكولاتة.
كانت تُرخي رأسها على الحوض فيما تحمل كتاب جون بيدها تقرأه للمرّة الثانية، لكن بنظرة أخرى، بلا عِداء تجاه الرومانسيّة التي يتضمنها الكِتاب.
مِما يقوله في إحدى الصفحات.
"اليوم كنتُ مُتحمِّسًا جدًا لأجلِ الحدث الكبير الذي ينطوي عليه اليوم، أنه أول يوم للعمل لها على التلفاز.
ولأجلِ هذه المُناسبة؛ تجهزتُ سابقًا واحتفيتُ لأراها تجلس بعلياء وشموخ أمام عدسات التصوير.
عطَّرتُ منزلي وأقمتُ فيه حملة تنظيف، حتى أنا؛ استحممت قبل موعدِ العرض، تهندَّمت، تعطَّرت، وسرَّحتُ شعري؛ وكأني من سيخرج على الشاشة لا هي.
بل هذا لأني شعرت بالمسؤولية، وكأنها عبر هذه الشاشة أُضيفها في بيتي، فأبيتُ إلا أن تكون ضيافتي كاملة.
حملتُ نفسي أمام التلفاز، وشاهدتُ بلا إنقطاع حبيبتي تتحدَّث بهيبة ووقار، باركت زوايا منزلي بصوتها العذب، إذ رفعت الصوت إلى أقصى درجة، وراقبتُها بكل حُبّي وإهتمامي.
بعدما إنتهى البرنامج نهضت إلى غرفة الصناديق، ونظرت إلى هذه الصناديق المُتكدِّسة هُنا، الآن يمكنني أن أبعث لها منها مُتخفٍّ بهويّة مُعجَب سِرّي.
أردت أن ابعث لها أول صندوق شيدتهُ بطوق الهدايا لكنّي لم أفعل، فإن هذا الفستان الأسود داخل الصندوق ليس فاتحة خير لأجلها، لقد رأيتها تلبس شبيهًا له يوم إنفصلت عن زوجها السابق.
هي بالتأكيد لا تحب هذه الذكرى كما أحبها أنا، لذا إخترت الصندوق التالي، يحتوي على زجاجة عطر وساعة، بعثتهم لها"
أغلقت روزماري دفَّتي الكتاب تكتفي بهذا الحد اليوم، فهي لا تريد أن تنهي الكتاب سريعًا، تريد أن يقطع معها أطول أمدٍ ممكن، وتختبر معه مشاعر جديدة لم تشعر بها حينما قرأته أول مرة.
شعور أن تعلم أن ضمير المؤنَّث الغائب يعود عليها، وإيمانها بهذا الحُب يمنح شعورًا مُختلِفًا عمّا كان عليه سابقًا، الآن تشعر بالإهتمام وأهميَّتُها بحياته.
إنتهت من إستحمامها وخرجت تلبس ثيابها، بِنطال جينز وقميص أبيض فضفاض وثقيل، رفعت شعرها على شكل كعكة، وتركت بعض الخُصل الشاردة عند صدغيها.
إكتفت بكريم مُرطب على بشرتها وخرجت تنتعل خُفّيها، حضَّرت لأجلها إفطار بسيط، وحملته إلى الشرفة فيما تقرأ تعليقات مستخدمي الإنترنت عنها مؤخرًا، فالأمس ظهرت لأول مرة بخاتم الخطبة.
"لا أصدق أن روزماري التي لطالما نفرت الرجال تخنق نفسها بخاتم رجل!"
"هل كانت صادقة بينما تعِضنا على التلفاز؟!
انظروا إلى ما تفعله الآن! ستتزوج بالفعل!"
"كونوا موضوعين يا رِفاق، هي لم تهاجم رجلًا جيدًا قط! جميع الحالات التي استعرضتها كانوا لرجال سيئين"
"وصفت الكاتب سوهو بالمُبتذل صاحب الحب المبتدع، ولكنها عندما علمت أنها المقصودة وقعت في حبه!
أكان هذا كل ما يحتاجه الأمر؟!"
"حسنًا، هي ليست الوحيدة التي وصفت كتابات الكاتب سوهو بالمُبتذلة؛ لكنها الوحيدة التي إعترفت به بعدما نبذته... هذه شجاعة منها!"
"هي غالت في مواقفها ضد الرجال في بعض الأحيان، لكنها لم تكُ يومًا مخطئة بالحُكم على رجل بعينه ضمن إطار البرنامج!"
"هذهِ قُدرة الكاتب سوهو على سحر الإناث، حتى أقوى أُنثى في كوريا كلها سحرها بحبه، كم هي محظوظة!"
أحدهم رد على هذا التعليق.
"وهو محظوظ أيضًا، بل محظوظ أكثر منها!"
أغلقت الهاتف ووضعته جانبًا، هكذا آراء الناس في تفاوت وفوضى، وهي لن تغتاظ بعد الآن بصفتها محترفة وشخصية نافقة في المجتمع.
أنهت فطيرة مربى الفراولة بيدها، ونهضت تحمل خيارة قد قشّرتها، فتحت باب شِقَّتها، وفيما تستند على إطار الباب وتقضم من الخيارة حاولت التقصّي عن سبب الفوضى.
وحينما رأت شابًا صغيرًا تعلوه غبرة المَشقّة استوقفته تسأله.
"أيُها الشاب، ماذا يجري هنا؟!"
شهق الشاب ما إن رآها وركض إليها، فأقامت عودها وتراجعت عن الإطار تقول.
"ما بكَ أيها الرجل المجنون؟!"
إزدرئ الشاب جوفه فيما ينظر لها بعينيه اللتين تقطر حُبًا.
"أنا مُعجَب بكِ، هل لي بتوقيع؟"
لوهلة شعرت بالخوف ظنًّا أنه إحدى الرجال المكلومين بنسائهم بسببها، لكنه لم يَكُ كذلك، لذا تنهدت براحة ونبست.
"حسنًا، سأعطيكَ أياه، ولكن أخبرني أولًا ما الذي يحدث هنا"
أشار إلى شقة جون واتبع.
"السيد هنا يقوم بتبديل أثاث بيته"
برمت روزماري شفتيها ونبست.
"حقًا؟!"
لأي سبب يا ترى!
أومئ لها الشاب، حينها قالت له تبتسم.
"انتظر هنا من فضلك حتى احضر ورقة وقلم"
استوقفها يقول.
"لا عَوز، وقِّعي لي هنا من فضلك"
أخرج من محفظته صورة لها، نظرت إليه بغرابة ثم أومأت، هي مُذيعة ليست نجمة بوب، لكن ربما هناك بالفعل لها من هذه الفئة مُعجبين.
قلبت الصورة وحملت قلمًا تقول.
"ما اسمك؟!"
" جاي هيون"
أومأت له.
"حسنًا جاي، عملًا موفقًا وشكرًا لك على دعمي"
إنحنى لها شاكرًا، وقبل أن تأذن له بالرحيل تناولت عن بار المطبخ عُبوّة من حليب البُندُق والشوكولاتة رفقة عُبوة بسكويت، ثم عادت له سريعًا تقول.
"بدوتَ مُنهكًا بينما تعمل، لذا خُذ هذه وشد عودك، الحياة مليئة بالمشقة بالفعل!"
نظر في عينيها البحريتين؛ كما يصفها الكاتب سوهو وابتسم شاكرًا يقول.
"كلّفتِ نفسك، شكرًا لكِ سيدتي!"
أومأت له فغادر فيما يسير إلى الخلف، وإلى آخر ثانية كان ينظر لها.
ولجت إلى شقّتها، وتابعت تناول الخيارة، وضعت مرطب شفاه، وعاودت الخروج لمُعاينة أمر جون.
ولجت إلى شقته، ورأت قطع الأثاث التي ما زالت بحقائبها تتناثر هنا وهناك، وعندما رآها بينما يخرج من الرِواق قال.
"اوه! أنتِ هُنا! ما رأيك بهذا الأثاث؟! هل أبدله ثانيةً؟!"
"ولِمَ تُبدِّله؟!"
سمعت صوت سيهون من خلفها فإلتفتت إليه.
"لأجل زواجكم، لقد قرر تغيير ديكور الشِّقة الذي ما زال جديدًا، وتبديل أثاثها الذي لم يُستخدم حتّى!"
قاطعت روزماري ساعديها فوق صدرها، واتَّكزت على ساق دون الأُخرى تقول.
"ولِمَ لم تُخبرني سيد كيم جونميون؟!"
اسمه الكامل وليس جون، أضف إلى ذلك وضيعة الهجوم التي تتخذها، ونبرة ما قبل اللكم في المعدة... يبدو أنه إرتكب خطأً فادحًا.
راح يبتسم ببلاهة، ويحك رأسه بأظافره بسبب التوتر الذي لطمه على حينِ غَرَّة.
"أردتُ أن تدخلي المنزل وهو بحُلّة جديدة"
إرتفع حاجبها ونبست.
"نحنُ لم نقرر أين سنعيش بعد"
إقترب منها وفكّ ذراعيها عن صدرها، ثم شابك أصابعهما معًا يقول بإبتسامة خافتة.
"لكن ما بين الخطبة وحفل الزفاف شهر واحد فقط، تعلمين أنه علينا التحضير لكل شيء خلال هذا الوقت"
أومأت، ثم وكزت صدره بسبابتها ونبست.
"عزيزي جون، أنتَ ستنتقل، لا أنا، أنتَ من سيأتي ليعيش معي، أنا أُحِب شقتي وسنبقى فيها"
"لكن..."
"لا إعتراض!"
أشار إلى الأثاث الذي إبتاعه جديدًا ونبس.
"ماذا عن هذا الأثاث وشقَّتي؟!"
"الأثاث الذي نحتاج له سنأخذه، وما لا نحتاجه أتركه هنا، أما شقتك فأعطِها لسيهون بما أنَّه سيتزوج قريبًا، أنتَ ثريًّا كفايّة لتمنحه مثل هذه الهدية"
سيهون انشرحت أساريره ونبس.
"لسانكِ يُقطِّر عسلًا، أتعلمين؟!"
ضرب كفّها بكفه، وأما جون المسكين مغلوب على إمره، ولكن روزماري اتبعت.
"تخيل كم سيكون جميل أن نعيش أنا، وأنت، وسيهون، وآيرين، وتشانيول، وزوجته المستقبليّة جيران!"
ما زال جون منزعجًا، فوكزته بمرفقها وقالت.
"شِقّتي لها إطلالة أجمل من هذه الشِّقة، إنها تطل على جسر الهان، والأهم أنها أكبر مساحة من هذه، وتصميمها الداخلي الأفضل"
حسنًا، روزماري مُحقّة من هذه الناحية، وهي أسهبت بسرد ميزات شقتها حتى تُغري جون بالموافقة.
"اسمع، بها ثلاث غرف نوم، وأربع حِمامات، مطبخي أجمل من مطبخك وأوسع، يسعكَ أن تطبخ فيه بقدر ما تشاء، هناك غرفة فارغة تفوق مساحة غرفة مكتبك سنجعلها مكتب لك، عندي بدل الشُّرفة اثنتين، ولدي شاشة سينمائية بتقنية 3D، ماذا تريد أكثر؟!"
أومئ جون وتنهد.
"حسنًا اقنعتِني!"
أخذت تُصفِّق وتقفِز في مكانها، وذلك ما جعل جون يضحك بخفّة وتضرب كفها مجددًا بكف سيهون.
جون مُستَعِد أن يَتَخلّى عن كل شيء يملكه -ليس مُجرَّد شِقّة وحسب- لأجلِ أن يرى الفرح يغمر ماري هكذا، والإبتسامة تُزيّن ملامحها الجميلة والحادّة.
.................
مُذُّ وقتٍ طويل، وبعدما هجرَ جونغداي سيؤل، ولبث في اوساكو اليابان بعيدًا عن مَعقِل المشاكل في سيؤل؛ حياته لم تتغير كثيرًا.
حروقه شُفيَّت وعادت ملامحه تضُخ وسامة كما السابق، إلا أن بقايا حرق ما زالت عالقة على جِلدِ رقبته، تجعله كلما ينظر في المرآة يتذكر تلك المرأة، التي ظنّ أنه عاشرها كفايّة؛ ليحفظ أن فعلًا مجنونًا؛ كالذي فعلته، لا يُمكن أن تقوم به ضده.
عمل في فِرع المحطّة الموجود في اوساكو، واشترى شقّة له هناك، مُترفة كالذي كانت بسيؤل.
ولأن فنون وثقافة الموجة الكوريّة قد إنتشرت حتى أطراف العالم، فاليابان جارة كوريا تَبُثُّ الكثير من المحتوى الكوري، منها برنامج "مسائكنّ قوَّة" الذي يخص طليقته.
وعبر البرنامج علم أنها تُقدِم على الزواج من آخر، لكنه قرر ألا يفعل شيئًا لها هذه المرّة، لكنَّه وبكل تأكيد لا يتمنى لها حياة هنيئة مع الرجل الذي إختارته من بعده.
ليس لأنه يستسلم بشأنها بل لأنها ما عاد يملك شيئًا يُضايقها به، حتى لوكاس الذي كان يضمّه تحت جناحه بماله؛ قد هرب منه؛ ورفض أن يعود؛ قائلًا أن روزماري إستعادته، وهو لا ينوي أن يتشرَّد ثانيةً.
كان جونغداي يجلس أمام التلفاز بعدما إنتهى عرض برنامجها المترجم إلى اليابانية حينما سمع طرقًا قويّ على باب شقّته، وأحدهم يَصُرّ على أن يفتح له الباب.
نهض ليفتح الباب، وإذ بها ساكورا حبيبته الحالية- كما تظن- تقف خلف الباب فيما تبكي، وولجت إلى شقّتِه تقول.
"هل كنتَ تخدعني جونغداي؟!"
ولج من بعدها يغلق الباب، وفيما يقطب حاجبيه تسآل.
"ما الذي تقصديه بأنّي كنتُ أخدعك؟"
إلتفتت إليه وهمست باكية.
"أتذكر ما الذي قلته لي في أول علاقة لنا معًا؟!"
برم جونغداي شفتيه لا يتذكر تحديدًا ما الذي تقصده، فلقد قال كلامًا كثيرًا بالفعل.
"ماذا؟!"
"أخبرتني أنكَ لا تُنجِب فلا داعي لأخذ أي إحتياطات، ألم تقل لي ذلك؟!"
أشار إلى نفسه وقال يرفع حاجبًا.
"أوتظنيني أكذب؟!"
رمت عليه جهاز إختبار الحمل، الذي يحمل إشارة زائد في شاشته الصغيرة، وقالت.
"ما هذا إذًا؟!"
حمل الجهاز ينظر له بحيرة ونبس.
"ما هذا؟!"
"إنه جهاز فحص حمل، يُظهر إشارة زائد، والتي تعني أنّي حامل!"
"ماذا؟!"
قلَّب الجهاز بيده بلا تصديق، ثم رمى به أرضًا، وسار إليها حتى كمش على كتفيها بقبضتيه يقول.
"تكذبين عليّ؟! حملتِ من رَجُلًا آخر، وتقولين أنه طفلي!"
صرخت ملئ صوتها ودفعت به عنها.
"جُننتَ أنت؟!"
جونغداي بعصبيّة قبض على خصل شعرها؛ فصرخت تحت وطأة يده، لكنه ما اهتم واجتذبها إليه بخشونة ليُتمتِم في أُذنِها.
"سأتأكد بنفسي أنَّ ما تقولينه صحيح، وإن اكتشفت أنكِ تكذبي علي سيكون ذلك اليوم آخر يوم لكِ في حياتك، أتفهمين حبيبتي؟!"
...........................
يُتبَع...
الفصل الثاني والعشرون "قاع البحر"
الجزء الرابع " أحبّيني كما تشتهين"
الرواية العاطفيّة "هَيبتُها"
..........................
سلاااااااااام
كيف حالكم؟! أتمنى تكونوا بخير.
طبعًا هذا الفصل مكون من خمس آلاف كلمة والفصول القادمة ح تكون بنفس الطول، لهيك ادعموا الرواية كتثمين لجهودي.
الفصل القادم بعد100 فوت و كومنت
١.رأيكم بجون؟
روزماري؟
تشانيول؟
أوريل؟
جونغداي؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم بخير ♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطل:
"هَيبَتُها||Her Savage Love"
"أحبّيني كما تشتَهين"
"قاع البَحر"
"عيناكِ... هُنَّ حبيباتي، صافيات كالسماء، عميقات كالبَحر...!
أرى إنعاكسًا صافيًّا نقيًّا في عينيكِ لروحكِ، روحكِ النَّظيفة مِثل روح ملاكٍ طاهِر.
وأرى في عينيكِ عُمقٌ بعيد، عُمق مِثلَ قاعِ البَحر، تَعمرُهُ حياةً داكِنة، لكنَّها جُزءً منكِ، لذا هي جميلة، مثلِك...!
إلى زهرتي
الكاتب سوهو"
كانت روزماري تَجلس في السيارة؛ في طريقِ عَودتها إلى المَنزِل، بينما تشانيول يجلس في الأمام وبجِواره السّائق المُخصَّص لها من المحطّة؛ كانت روزماري تتحمحم كل فينة بالخلف؛ تقصد إستفزاز تشانيول، الذي تنهد للمرة الألف.
"هلّا توقَّفتِ رجاءً؟!"
شَهرت كفّيها تتذمَّر.
"ماذا فعلت؟!"
تنهد تشانيول ونظر أمامه، وأخذ يُبرر بعصبيّة.
"أنا حقًا حقًا حقًا لا أعرف عمّا يدور هذا الأمر، ولا أفهم هذا الرِهان، هل أنا غرض لِكلتاكنّ كي تتبادلاني؟!"
ضحكت روزماري تقول.
"أنتَ مِلكي بالفعل، وسأُسلمها أياكَ إن رأيتُها تستحقك"
زفر تشانيول ضاحكًا بسُخرية ونبس مُستاءً.
"بأحلامكِ أنتِ وهي"
عضَّت روزماري على شفتيها؛ كي تمنع قهقهاتِها من الإنبلاج، فلا يسمعها ويستاء أكثر.
وَصلت روزماري إلى العِمارة السكنيّة التي يقطناها، ترجلت وتبعها تشانيول بعدما صرف السائق.
صعد كلاهما إلى الطابق، الذي تَقطُن به شِقَّتيهما، وفي جوِّ من المُضايقات والضِحكات بين الأثنين وصلا إلى الطابق.
وما إن إنبَلَجَ المِصعد تراءى لها لوكاس يجلِس أرضًا قُرب باب شِقَّتِها.
"ماذا تَفعل أنتَ هُنا؟!"
أمسك تشانيول بمعصم ماري، التي فارت غضبًا ما إن رأت شقيقها، وجعلها تقف بظهره، ونبس بنبرة قاسية يُحدِّث لوكاس.
"انصرف من هنا قبل أن أشوِّه لكَ معالم وجهكَ هذا!"
وقف لوكاس عن الأرض ينفض ثيابه، واقترب من ماري ليقول.
"سمعتُ أنكِ تُقدمين على الزواج، ألا يجب على عائلتِك أن تتكفل ببعض الأمور؟!"
"بلى"
أجابته ماري، وأمسكت بعضد تشانيول تقول.
"تشانيول عائلتي وشخصي الوحيد، وأنا أستند عليه وحده، فهو من سيقدمني في زفافي، ومنه سَتُطلَب يدي، أنا لستُ بحاجة لكَ أو لأي فردٍ من عائلتك!"
نظر لها تشانيول مُمتنًّا، فلتوِّها وضعته في منزلة لديها هي الأعلى، أعلى من جون حتّى، وكم هو راضٍ وفخور!
أحاط كتفيها بذراعه ونبس بخشونة لأخيها ذا الطَلّة المُهانة المُذلَّة.
"أنا عائلة روزماري، ولا يُمكنكَ إستغلال أمر زواجها لصالحك، أنا من بنيت روزماري وحدي، وأنا من سيزوجها، ويُقدِّمها لزوجها بنفسي"
سحب روزماري وسط خيبة لوكاس وإنعقاد لسانه، فلم يقدر أن يستغل الوضع لصالحه، روزماري مُذُّ أن إنفصلت عن جونغداي لم تَكُ بِحاجتِهم قَط، لطالما هم من كانوا بحاجتِها وحدِها.
ولجت إلى شِقَّتِها، وفيما تخلع عنها مِعطفها تحدَّثت إلى تشانيول.
"تشانيول، اليوم لنا فقط، دعنا نقضي الليلة معًا"
تبسَّم تشانيول وقال.
"ظننتُ أن جون سرقكِ مني"
نَفَت روزماري برأسها تقول.
"لا يجرؤ أحد أن يسرقني منكَ إطلاقًا!"
إقترب منها، وطبع قُبلة على رأسها، ثم أخذ يُربِّت على شعرها قائلًا بإبتسامة ودودة.
"سأذهب لأستحم وأُبدِّل ثيابي، ثم سآتيكِ مُجددًا"
أومأت له روزماري وتشانيول انصرف، وبينما يخرج رأى جون يقترب من باب ماري، فسدَّ المدخل بذراعه وقال.
"تراجع لو سمحت، هذه الليلة لي!"
عقد جون حاجبيه وتخصَّر مُستاءً تنبضُ فيه الغيرة.
"ما الذي تقوله أنت؟!"
حرك تشانيول كتفيه فيما إبتسامة شقيّة تعلو شفتيه.
"هكذا قالت روزماري"
إقترب جون من تشانيول ونبس بغضب، فالغيرة بدأت تعتمل في صدره، وتفور في رأسه.
"ماذا قالت؟!"
عقد تشانيول ساعديه إلى صدره ونبس.
"قالت أن الليلة لنا، وأننا سنسهر معًا، وسنتناول العشاء معًا"
"هكذا قالت؟!"
أومئ تشانيول فإلتفت جون مغادرًا فيما يقطع خطوات مُستاءة.
"حسنًا"
ضحك تشانيول فيما يراقب جون يُغادِر، لم يتوقع أن يُغادِر بصمت هكذا رغم سخطه وغيرته الواضحة.
أدّى أموره، ثم عاد إلى روزماري، ولج الشقة بما أنه يعرف كلمة السر، فوجدها قد إستحمَّت وبدَّلث ثيابها، وتقف في المطبخ بشعرها الرَّطِب.
"ماذا تفعلين؟!"
إقترب تشانيول حتى وقف أمام البار فقالت.
"أَعُد العشاء لنا"
أومئ يرفع حاجبًا وابتسم.
"لأولِ مَرَّة أراكِ تعدّين الطعام، ما الجديد؟!"
حرَّكت كتفيها وأجابته.
"لا شيء مُهم، رأيتُ جون يَطبخ هذا الطبق بطريقة مُعينة، وأنا أُحاول تقليده الآن"
ضحك تشانيول بخفّة ثم قال.
"حسنًا، أفهم هذا، لكن لطالما كرهتِ أن تَطبُخي الطعام لأي أحد"
توقفت عن تحريك الطعام في الوعاء وأومأت، ثم نظرت إلى تشانيول فيما تستند بيدها على البار تقول.
"لقد تغيرت، أليس كذلك؟!"
تشانيول نبس.
"نعم بالفعل!"
عادت لتحضير الطعام وقالت.
"إنَّهُ جون، جون من غيَّرَني"
.................
سارت الأمور كما أراد لها جون وروزماري أن تَسير، اليوم هو خِطبة جون وروز أخيرًا بشكلٍ رسمي وعَلني.
لكن روز كانت تشعر بالحرج الشديد، إذ أن الخِطبة ستتم في منزل عائلة جون، والأدهى أنه المنزل يملؤه المُباركين من أهل جون، ومن أهل ماري لا يوجد أحد؛ سوى تشانيول وبعض أفراد من عائلته.
كانت روزماري في غُرفة آيرين يحضِّرونها للحفل، إذ إرتدت فُستان باللون الأزرق السماويّ -لأنه مُفضَّل جون- وضعت على رأسها تاجًا صغيرًا، ثم يترامى شعرها بأناقة على كتفيها.
كانت آيرين هُنا لتشجعها، كذلك أوريل التي إختفت ضغينتها ضدها، كانت تشعر بالإمتنان لوجود هذه الرِّفقة معها على الأقل.
سمعنَّ الفتيات طرقًا خفيفًا على الباب، وعندما أذنت آيرين للطارق أن يَدخُل أطلَّ تشانيول برأسه من الباب، وحينما وقع بصره على روزماري قال مُبتسمًا.
"تبدين رائعة!"
لم تجبه، فقط أخفضت رأسها وأخذت تنظر في حِجرها، أنه يفهم ما مُصابها.
وَلجَ الغُرفة التي تَحويها، واقترب منها حتى إنحنى على عقبيه قُربها، واحتضن كفّيها بيديه يقول.
"لا تقلقي وأنا هنا، إن كان جون زوجكِ المستقبلي، فأنا أخوكِ وأبوكِ وكل عائلتك"
تبسّمت روزماري ونقرت على ذقنه تقول.
"بل أنت عائلتي الوحيدة... شُكرًا لك!"
فغرت ذراعيها لتشغرهما به، فاستقبل عناقها برحابة صدر وضمّها إلى صدرِهِ بلُطف ورِقّة، جعلها تقف وأمسك بيديها يقول.
"هيا بنا!"
أومأت وتحرَّكَت معه إلى الخارج، كان جون وسيهون يقفان بالخارج بإنتظارها أن تظهر بينما يعطونها ظهورهم.
رَبَّتَ سيهون على ظهر جون وأشار عليها يخبره.
"ها هي!"
تحمحم جون، ثم إلتفت لها فيما كفّيه في جيوب بنطاله، وما إن رآها زفر أنفاسه من عُمق عُمق صدره، وتقدم منها يفتح ذراعيه، فجعلت تبتسم وهي تندَس بين ذراعيه الحنون.
استنشق رائحتها العطِرة، وخلخل أصابعه في خُصلاتها يحس بها بين يديه، وفي قلبه تتربع.
وضع قُبلة على جبهتها، ثم أخرى على ظاهر يدها، أمسك بذراعها، وجعلها تتعلق به، ثم سار بها إلى الأسفل.
أخذ الجميع يُصفِّقون فيما العروسين ينزلان السُلَّم معًا، وقفا معًا على المنصة، ثم حمل جون من على الصينية التي تحملها له مُربيته خاتم الخُطبة، وضع لها الخاتم في أصبعها، ثم روزماري حملت خاتمه ووضعته له في أصبعه، وبينما الجميع يُصفِّق قَبَّل رأسها مُجددًا.
أحسَّت روزماري بالحرج والكاميرات تلتقطهم، بالتأكيد سيُكتَب كلام كثير عن الحفل، مثل أن لا أهل لروزماري، وفقط مدير أعمالها -الذي سبق إتهامها به- من حضر.
كانت تنظر إلى تشانيول وكأنها ترجوه، فأومئ لها وصرف الصحافة دون أن يمنح أي معلومات لأي منهم.
شعرت روزماري بالراحة أخيرًا بعدما غادروا وأستطاعت أن تنخرط أخيرًا في جوِّ الحفل، إذ دعاها جون إلى رقصة وهي لم ترفض.
وها هي بُقعة ضوء مُسلَّطة عليها فيما يرقصان معًا بتناغم، ذراعيه تحيط خصرها تُقرِّبانها منه، وذراعيها تحيط كتفيه تُخفض جِذعه لها.
كان يُراقِصها بِكُلِّ سلاسةِ وهدوء؛ فيما عينا البُن بعيني البحر تنظران، الحُب بينهما يَشع ويتلألئ، وكأن الناس ما شهدت حُبًا أكبر منهم.
وأما جون؛ فلقد حلُم بهذه اللحظةِ كثيرًا، وظنَّها في يومٍ من الأيام مُستحيلة، لكن لا مُستحيل على ما كُتِب في صفحات القدر، وأن هذا اليوم أتى مهما كان وصوله غريبًا.
الآن هو ينظر في عينيها ويُعانِق خصرها، وهذا ليس حُلمًا بل حقيقة متينة حتّى، لطالما أحبَّ جون هذا الحُلم تحديدًا دون بقية الأحلام، لأنه حُلم قد وَثّق حُبه فيه وأعلنه بين الناس.
"تبدين في غاية الرّوعة"
تبسَّمت إثر مُجاملته ونبست.
"لطالما بدوتُ رائعة يا عزيزي جون"
ضحك بخفّة وأومئ، مغرورة لكن يَحقُّ لها أن تغترّ، فلا هي أيُ إمرأة، ولا مثيل لها، إنها القِطعة الوحيدة ضمن القالب.
"هل أنتِ سعيدة؟"
شابكت أصابعها خلف عُنقه وأشاحت بوجهها عنه تقول.
"لا أدري"
"لأن أهلكِ لم يحضروا؟"
تنهدت ماري ونبست.
"لستُ أدري، في نهاية المطاف أنا لم أُرِد أن يحضروا، فلا أنا أعتبرهم عائلتي ولا هم يعتبروني ابنتهم"
ربَّت جون على خصرها يواسيها.
"هوِّني عليكِ يا هَيبة، للأمرِ حلًا يُرضيكِ بلا شك"
تنهدت ماري وأومأت، ستثق بكلمة جون وتتوقع وجود حل يُرضيها، فلطالما إحتضنت كلماته الصَّواب.
سيهون وآيرين أخذا يرقصان معًا بعيدًا عن بُقعة الضوء فلا يراهما أحد لو تبادلا القُبَل، فسيهون هُنا يبدو سعيدًا جدًا بل وربما يفوق جون سعادة، فأرتباط جون أخيرًا يعني إرتباطه من حبيبةِ قلبه قريبًا.
وأما تشانيول؛ فقد كان يقف إلى إحدى الطاولات القريبة وجيدًا، ينظر إلى روزماري فيما يحتسي كأس نبيذ.
أوريل التي لم ترفع عينها عنه مُذُّ بدء الحفل ترى كيف ينظر إلى روزماري الآن، في عينيه حُب وحزن، يرغب من خالص قلبه أن تكون سعيدة، والرجل الذي إختارته عنه أن يكون أفضل منه عليها.
لكن مشاعره لا تنتهي هنا بعد، فهو يشعر بالوحدة، كذلك بالبؤس والظلم، لأن السعادة التي لطالما إختارتها لا تكون معه أبدًا.
تبسّم تشانيول، ورفع كأسه نخب سعادتها مع الرجل الذي إختارته.
"بالتوفيق يا ماري! لو بيدي لتوقفت عن حُبّك مُذُّ سنين طويلة!"
إقتربت أوريل من موضع وقوفه وحيدًا، ثم وضعت كأسها الفارغ قُرب كأسه وهمست.
"تقبل رقصة معي؟"
"دعيني وشأني أيتها الطفلة!"
ضحكت بخفة وأمسكت بيده تسحبه معها رُغمًا عن إرادته وأخبرته.
"أنا بعمر عزيزتك روزماري، كيف أكون طفلة إذًا؟!"
جعلته يحيط خصرها وهي أحاطت كتفيه العاليين، حينها قال تشانيول.
"شتّان ما بينكِ وبين روزماري!
هي إمرأة ناضجة وعاقلة، وأنتِ تتصرفي بحماقة مثل طفلة جاهلة"
رفعت حاجبًا ونبست بأستياء.
"وما الذي يجعلكَ تقول عنّي شيئًا كهذا؟"
"كيف تُقايضيني وكأنّي غرض، لا إنسان بكرامته؟!"
لم تجد ردًا على ما يقوله، لذا إختارت أسهل طرق الرد وأكثرها استفزازًا.
"اننننننننن"
أشاح تشانيول عنها، وأبعد يديها بقوة عنها، واستدار ليمشي بعيدًا، لكنّها استوقفته بينما تتبعه عندما تمسَّكت بذراعه.
"آسفة آسفة! كنتُ أمزح معك!"
نفض يدها عنه لكنها كانت مُصرّة أن تتبعه كظلّه أينما ذهب وتسترسل في إزعاجه، لحقت به إلى بوابة المنزل.
"أخبرتكَ أنّي آسفة، لمِ لا تتوقف؟!"
إلتفت لها مُستاءً وتحدث بنبرة عالية.
"لا تتبعيني، لِمَ تتبعيني؟! دعيني وشأني!"
إنتفضت وتراجعت خطوتين رهبة من عينيه القادحتين، وصوته المُرهب، لكنها أجابت سؤاله رغم ذلك بينما تخفض رأسها.
"اتبعك لأنّي معجبة بك، أتحتاج للجواب حتى؟!"
تنهد تشانيول يتخصر بينما رأسه عالي الذقن وعيناه مغلقة.
"يا إلهي الصبر الصبر!"
ملامحه رغم أقتضابها في غضب إلا أنها شهيّة لعينيها، لكنه عندما فتح عينيه ونظر لها تحمحت، لكنها لم تزحزح بصرها عنه، فارتفع حاجبه إزاءً لإنخفاض منسوب الحياء لديها.
"لم تنظرين لي هكذا؟"
"لأنك وسيم!"
تنهد ونظر إلى السماء يجمع كفّيه برجاء وتوسل.
"يا إلهي أرجوك!"
لكنها استمرّت أن ترمقه بهذه النظرات المُفعمة بالحب، وعلى شفتيها إبتسامة لإمرأة غاطسة في الحُب من رواسيها لنواصيها.
.....
أردتُ أن أكون إمرأتك المُميَّزة، أن تراني في عين لا ترى فيها غيري، أردتُ أن أملأك بي فخرًا، وحُبًّا، ورِضا... لكنّي أشعرُ بالسَّخَط.
لأنّي استبحتُ لي مكانًا في حياتك عن لا إستحقاق، ربما أنت بالفعل تستحقَّني، لكنّي لا أرى نفسي أستحقك.
أنتَ تُحبُني، تُحبُني حُبًا جمّا، وتُرضيني، وتُدللني، وتُكرمني، وتهيب بي، لكنّي لا أُحبكَ بمتانة بل بأنانية، ولا أظنني أفديكَ بروحي رغم أنَّكَ تفعل.
أنا إمرأة سيئة...حبيبتُكَ السيّئة!
لأول مرة؛ أرى نفسي لا أستحق، وأنا ما املكه كثيرًا علي، لطالما شعرتُ أنّي الضحيّة، الآن أشعر أنّي الجاني.
هكذا شعرت بعدما أصبح خاتمه يحتضن أصبعي أو يَخنُقه... لا أدري!
كان سعيدًا، تقفز السعادة في عينيه، وصوته يغمرُه الفرح، وكأن إرتباطنا أكَّد له أن لا حَلَّ لي من وِثاقه أبدًا.
لن أحله... لا أفكر بالأستغناء عنه طالما هو سعيد بي إلى هذه الدرجة، وطالما أنا مُعلَّقة بحِباله هكذا، أتشبث به مثل مأواي الوحيد، حبل نجاتي الذي يتدلى من فوق الهاوية.
لقد أصرَّ بعدما إنتهى الحفل أن نحظى بحفلنا الخاص على اليخت الذي كُنا فيه سابقًا.
"غريب! كُلما حجزت هذا اليخت شُغِرَ لك!"
تبسَّمت شفتيه حتى ضمّ خديه ونبس.
"في الحقيقة، أنا أملك هذا اليخت"
اتسعت عيناها ونَبست.
"حقًا؟!"
أومئ ضاحكًا وابتسم.
"نعم، حقًا"
"وااو!"
ضربت الطاولة بيدها ونبست.
"خطيبي رَجُلًا غَنيّ أم فتى مُدلَّل؟!"
سُرعان ما نَفى بيديه وقال.
"لا، إنه من مالي الخاص"
أومأت تبرم شفتيها إثر تلك الصدمة الصغيرة.
"لم أَكُ أدري أن الكُتب تَدُر كل هذه الأموال"
"أنها ليست كتب ورقية فقط، بل إلكترونية أيضًا، كما أن دار النشر هي مِلك لي"
أومأت له روزماري، وراحت تنظر إلى البحر بصمت بعدما أفرجت عن تنهيدة، حينها أمسك بيدها من على الطاولة ونبس.
"لا تُفكّري بالطريقة التي تفكرين بها الآن"
نظرت إليه تعقد حاجبيها ونبست.
"كيفَ أُفكِّر؟!"
"أنّي كثير عليكِ، ولا تستحقيني"
تراخت على مقعدها، وضحكت تتهكم فيما تعقد ساعديها إلى صدرها.
"ما عِدتَ تصدمني أبدًا!"
احتضن كفّها بين يديه ونبس.
"أيُزعجكِ أنّي أعرفكِ كثيرًا"
نظرت في وجهه المليح ونبست.
"لستُ أدري، إن كان الأمر يزعجني أم لا، أنا لا أدري ما بي حتّى!"
نهض وجعلها تنهض معه، ثم أحاط خصريها بكفّيه، وطبع قُبلة على ناصيتها العلياء، ثم أطبق ناصيته إلى ناصيتها وهمس لها.
"أنتِ هَيبة مُهيبة مهيوبة، إمرأة رائعة، وملكة قديرة، أنا أراني لا أستحقك، أنا لم أبذل جهدًا كفاية لأستحقك، أنتِ أثمن من روحي!"
تَبسَّمت فرفع ذقنها وطبع قُبلة على شفتيها، قُبلة شغوفة بالحُب لكنها لطيفة خفيفة.
حَمل لهما كأسيّ شراب، لها عصير وله نبيذ، وبينما روزماري تقف إلى سيّاج اليَخت أحاط خصرها بذراعه وأركن ذقنه على كتفها ونبس.
"نحن جون وروز، أفضل ثُنائي في العالم، أجمل من جاك وروز!"
"تايتنك؟!"
ضحكت بخفّة وأومأت، ليطبع قُبلة خفيفة على كتفها، ثم زفرت روز أنفاسها تنظر على البحر وتراخت بين ذراعيه، هذا الشعور الذي يراودها الآن أفضل شعور أحسَّت به أبدًا.
شعور الآمان، الإحتواء، الحب، التقدير... لم تشعر به سوى مع جون.
لأن جون السبب الواحد والوحيد لسعادتها مُنقطِعة النَّظير.
................
"واحد، إثنان، ثلاثة... أدِر الكاميرا!"
بدأ برنامج "مسائكُنَّ قوّة" الخاص بروزماري بينما هي تستولي على إهتمام الكاميرات، أما خلف الكاميرات فلا يستولي على إنتباه أوريل، التي تُعاين الإنتاج بدورها الوظيفي، سوى تشانيول الذي لطالما إحتلَّ المقعد الذي يجاور المُخرِج.
كانت تنظر إليه بلا إنقطاع فيما هو دؤوب في عمله، ومشغول فيه أتمَّ الإنشغال، أحبَّت النظر إليه هكذا بصمت.
كان يجلس فيما يُفرِّق بين ساقيه ويتَّكِز بمِرفقيه على فخذيه، يشابك أنامله أمامه وملامحه مُقطَبة، كذلك بصره مُسلَّط على روزماري عبر الكاميرا.
ورغم أن هذا أول يومٍ بشكلٍ رسميّ لأوريل بالأستديو إلا أن الجميع قد لَحِظ نظراتها الثابتة على تشانيول، كما أن الشائعات تنتشر مثل النار في الهشيم، فلقد قايضته أوريل وروزماري أمام إحدى المدراء المسؤولين.
"عجبًا له! كيف يبدو وسيمًا بهذا الإفراط دون أن يتكلَّف أي جُهد!"
توقف البرنامج في استراحة قصيرة أثناء فاصل إعلاني، وما إن ذاعت إشارة البرنامج روزماري هتفت تقصد أوريل.
"أنتِ! أكلتِه بعينيكِ!"
"وما شأنكِ أنتِ؟ ليس طبقكِ على أيةِ حال"
تشانيول كان يرمق المرأتين بإنزعاج، ثم نهض على عقبيه يُتمتِم بالشتائم وسط ضحكات الجميع.
"الآن أصبحتُ وجبة طعام، وغدتين!"
بينما يُشارِف البرنامج على الإنتهاء تركت أوريل موقعها الوظيفي، وراحت تبحث عن رَجُلها الشَهيّ، هكذا هي، من النوع الشقيّ.
كان تشانيول يقف في إحدى الغُرف خلف الكواليس، يحضر البرنامج عبر الشاشة بينما يحمل دفتر مُلاحظاته وقلمًا، لكنه عندما رأها تقف عند الباب، وضع القلم في قلب الدفتر وأغلقه بخشونة.
"ماذا تريدين؟"
"لِمَ أنتَ عَصبيٌّ هكذا؟!"
تنهد، ووقف ينوي الرحيل لولا أنها تصدَّت له عندما وضعت عينها بعينه وراحتيها على صدره.
"لا أحب أن أكون مصدر إزعاج لك، لكن ماذا عسايَ أن أفعل؟!
أنا مُعجبة بك، لا بل غاطسة في قاعِ حُبك حتى قِمَّتي"
أخذ ينظر في عينيها المُسبلتين، ثم شفتاها التي تُقطر كلامًا أحمقًا، ثم سائر ملامحها، كيف لإمرأة مثلها أن تضعف جوفه، وتُشعره بمشاعر لا يدري ماهيتها هكذا؟!
أنه في حيرة من أمره بسببها؛ مُذُّ أنه لا يدري كيف يشعر إتجاهها، لكنَّهُ يُدرِك أنها تشعره بالأُلفة والأُنس، وأنه لا يدفعها عنه لأنه منزعجًا، هو لا يدري لِمَ يفعل ذلك.
أمسك بعضدها ونحّاها عن طريقه، لكنّها قاطعته بتودئة ووقفت أمامه مُجددًا، ثم لم تُمهله حتى أطبقت شفتيها على شفتيه، ولم تُمهله أن يستوعب ما الذي جرى، فلقد فرَّت منه سريعًا.
مسح على شفتيه بذهول ونبس مُلتاعًا.
"إنّها إمرأة مجنونة بلا شك!"
"ماذا فعلت بِكَ؟"
ثم سرعان ما انتفض بدنه حينما سمع روزماري ولا يدري متى وقفت وِقفة سابقتِها على إطار الباب هكذا فيما تستند عليه، وتعقد ساعديها إلى صدرها.
أخذ يمسح على قلبه براحته ونبس بعدما نفث أنفاسه بعُمق.
"لا شيء مهم!"
همهمت روزماري رُغم أنها لا تصدقه، فحالته المزرية تقول أنه يكذب، في أقل تقدير قَدَّرت روزماري أن تلك الشقيّة قَبّلته.
"هل نَذهب؟"
لم تُلِح روزماري عليه في الأسئلة، وهذا أمرٌ جيّد، أومئ لها، عدَّل ياقته وخرج يتبعها بخطوات خاملة فيما عيناه تترقَّب أثرًا لِتلكَ المرأة الشقيّة لكنها لم تَرصُدانِها.
بَشَّرت روزماري السائق الخاص بها أن بقيَّة اليوم إجازة ويمكنه أن يغادر، ثم رَمت بمفاتيح السيارة على تشانيول، وجعلته من يتولى أمر القيادة فيما رَبضت في المقعد الأمامي بجوارِه.
كانت تَنظر إلى شوارع المدينة التي لا تنام بأُلفة شاردة الذهن، شاردة الذهن بأمر عُقدة النَّقص التي تُعاني منها، ولأن لا مَلجئ لها إلّاه فاجئت صديقها وعائلتها الوحيد بسؤالها، فتشانيول هو الشخص الوحيد الذي يُمكِن أن يرى الجانب الضعيف من شخصيتها، لا بأس ألا تبدو رائعة ومُهيبة أمامه.
"تشانيول، أليس جون كثيرًا علي؟!"
عكف تشانيول طريق السيارة، وسار بها إلى الطريق المؤدّي إلى ضِفاف نهر الهان المؤنِسة، وقال.
"علمتُ أن بِكِ خطب مُذُّ أنَّكِ صرفتِ السّائق"
تنهدت روزماري، ونظرت في حِجرها حتى شعرت بأن عيناها تلمع وجفونها تَحرُّها، فرفعت مخائلها، وأخذت تلوح بيدها قُرب وجهها؛ كي لا تبكي.
تنهد تشانيول، وأمسك بيدها التي تحوي خاتم جون وهمس.
"دعينا نتوقّف على ضِفّةِ النهر ونتحدث، حسنًا؟!"
أومأت له، وسُرعان ما عاقبت دمعة عَصتها، وخَرَجت من حدود زِنزانتِها بمسحها فورًا؛ وكأنها بثرة ضعف أو وصمة عار على إمرأة مثلها.
إصطف تشانيول في مكانٍ قريب وترجَّل معها، ثم اقترب من رُكن القهوة المصفوف جنبًا، واشترى لكلاهما القهوة.
جلسا على مقعد خشبي واحد قِبالة النهر فيما يشربان القهوة بتناغم مع هدوء هذه الليلة المُريحة.
"أخبريني عزيزتي، ما الخطب؟!"
راحت روز تتحسَّس فاه الكأس الكرتونيّ بأصبعها، ونبست تنظر في الكأس تهرُّبًا من أن يصطاد تشانيول عُمق النقص، الذي تشعر به وتتحدث عنه عينيها.
"تعلم تشانيول... حفل الخطوبة كان عظيمًا، جون أخبرني أن من حضروا الحفل هم المُقرَّبون المُقرَّبون من معارِفه فقط.
لقد إعتذر لي مُسبقًا؛ لكن والده يُخطط أن يُقيم زفافًا أسطوري، سيحضره الكثير من الناس؛ بما أن جون الأبن الوحيد لعائلته.
كما أن عائلته غنيّة وميسورة الحال، ذات سيط واسع، سُمعة طيّبة... هم جيدون معي، ولم أسمع منهم كلمة تضرَّني؛ لكنني أشعر بالعِبئ حيالهم، وجون والزواج، والزفاف، وكل شيء!"
رفعت بصرها إلى تشانيول ونبست.
"أنا لا أتزوج لأني أريد أن أتزوج يا تشانيول، أنا لا أُطيق أن يبتعد جون عني، أعلم أن هذا سيء لكن ما باليد حيلة!"
اجتذبها تشانيول من عِضدها، وجعلها تُريح رأسها على كتفه، وأحاطها بذراعه يُربِّت عليها، فيما هي تابعت شكواها.
"أنه رائع، لديه عائلة رائعة، يحبني بجنون رغم عِلَلي الكثيرة، وعائلته يتقبَّلوني دون أي شروط وسعيدين لأجلنا، لكن يا تشانيول أنا لستُ سعيدة.
تعلم ما أشعر به!
أشعرُ بالنقص الشديد بداخلي، أن القوة والهيبة، التي أملكها، ما هي إلا غِطاء ألِفُّ بهِ نفسي ونفسيَّتي الناقِصة.
أنا ماذا لديّ في المُقابل لأقدمه له؟!
لا شيء، ولا حتى حُب... فأنا لا أُحبهُ كما يُحبني هو... أُحبه كثيرًا لكنني أدري أنّي أحبه؛ لأنه يشعرني بالكامل، يعاملني وكأنّي تاج مملكته التي يخدمها بتفاني وإخلاص، أشعر بأنّي أنانية ولئيمة لأني أُحبُّهُ بهذهِ الطريقة.
أنا لا أملك شيئًا اعتزَّ به...
أهل؟! لا أملك، لم يكونوا أهلي أبدًا، لكنني كنتُ أشعر أفضل وهم أسفل جناحي، الآن أشعر أني حقًا لا أملك أحد أبدًا سواك، وأن لا أحد يحبني ويريدني سواك وجون.
تفهمني يا تشانيول؟!"
رفعت عيناها الدامعة إليه فأومئ، ومسح لها دموعها بإبهاميه.
"أفهمك"
طبع قُبلة على جبهتها وأرجعها إلى كُنفه، تنهَّد من عُمق قلبه ونبس.
"الأهل يبقون أهل سواء كرهناهم أو أحببناهم، إعتززنا بهم أم خجلنا، هذا كله لا يهم، ما دام وجودهم أسفل جناح رعايتك كان يشعرك بالراحة فاستعيديهم، هم يريدون العودة أيضًا"
رفعت رأسها تنظر إليه ونبست.
"حقًا؟! أيُمكنني؟!"
همهم فيما يبتسم، ثم مسح على شعرها بيد حنون وقال.
"بالغد سأُعيدهم إلى المنزل، وسأُعيد لهم حياتهم السابقة كما كانت وأنتِ ترعيهم، أما بشأن لوكاس؛ فلا تقلقي، سأُخيفُه قليلًا، فلا يجرؤ أن يخونكِ مرة ثانية، وسأجعل حدود عمله بعيدة ضمانة على ذلك، سأمنحه أجرًا جيدًا كي لا يطمع بالمزيد، جيّد؟!"
همهمت تبتسم ثم رفعت نفسها لتُعانقه ونبست.
"شُكرًا لكَ تشانيول، لطالما كنتَ السند الذي يشدَّ ظهري"
خلخل أصابعه في شعرها وداعبه يقول.
"هل نعود الآن؟!"
أومأت، فنهض ومد راحته لها، أمسكت بيده وسارت معه، كانا يسيران على ضفّة النهر فيما يُتبعان شُرب القهوة.
"لا أستطيع أن أقول لكِ أنه لا يجب عليكِ أن تشعري بالنقص، ولكن تعلَّمي أن تحبي نفسك، إن أحببتِها ستقدرينها ولن تشعري بالنقص، متأكد أن جون سيمحي شعوركِ هذا مع الوقت دون أن يدري حتى"
"سأحاول"
همهم تشانيول ثم أشار إلى إحدى الباعة المتجولين يقول.
"هل أشتري لكِ نقانق الذُّرة والجُبن؟!"
أومأت له ونبست تتمسَّك بِسُترَتِه.
"سأُحب ذلك بكُلِّ تأكيد!"
ضحك وسار إلى العَربة، حصل على واحدة لأجله واثنتين لها، لأنها تحب هذه الوجبة كثيرًا.
"تفضَّلي"
تناولتها من يده وقضمتها، ثم همهمت تستمتع بالطعم اللذيذ، ثم تشانيول ضحك واتبعا السير، وفيما يفعلان تشانيول قال.
"همم... كخُطة أوَّلية لتُحبي نفسك؛ ما رأيك نذهب لحفل BTS؟!
إنهم يروجون لهذه الفكرة منذ زمن طويل"
ضحكت روزماري ولكنها أومأت تقول.
"فلنذهب إذًا، لكن اختر لي مقعد قريب من المسرح، أريد أن أراهم يرقصون عن قُرب"
"نواياكِ سيئة"
وقفت فجأة وإلتفتت له تقول.
"سأحب أن تأخذني إلى حفل EXO أيضًا"
"لِمَ؟!"
دون أن تبالي نبست فيما تأكل المزيد من النقانق.
"لسبب مهم جدًا"
"وما هو؟!"
"في كل حفل لهم يتجرد عضو واحد على الأقل من قميصه، جميعهم تعرّوا إلا تشين ودي او"
توقف تشانيول وأمال برأسه ناحيتها يقول.
"ألهذا السبب تُحبين هؤلاء الصبيّة؟!"
"هذا واحد من الأسباب الرئيسة، بغض النظر عن مواهبهم، هم وسيمون بشكل مفرط"
رفع حاجبه بغيظ، لا يدري لِمَ هو مُغتاظ ويشعر بالغيرة الآن.
"هل أخبر جون عنكِ؟!"
حرَّكت كتفيها بلامبالاة ونبست.
"لا أُبالي، أخبره، لقد رأى ألبوماتهم في شِقَّتي على آيةِ حال"
"يا له من رجل! ألا يغار؟!"
ضحكت روزماري وقالت.
"يغار عليّ من الدجاج، والقهوة الصباحيّة، والشاي بالليمون، والشوكولاتة الساخنة فقط"
أومئ تشانيول يبرم شفتيه.
"إنَّه رَجُل فَريد، لا أُنكِر!"
............
في الصّباح الباكر كانت الفوضى مُزعِجة جدًا في الخارج، فلقد تأخرت روزماري بالعودة إلى المنزل بعدما تسكَّعت مع تشانيول على ضِفاف الهان، ولم يتسنى لها أن تنام كفايّة أبدًا، رغم أن الجُدران عازلة للصوت، لكن النافذة تُسرِّب لها صوت النقر والدّق في الجوار.
وضعت رأسها أسفل الوِسادة، وأبت إلا أن تغرق في النوم رُغمًا عن الإزعاج الدائر في العِمارة.
استيقظت بعد الظهيرة، لم يتسنى لها الأمس أن تفعل شيئًا لخدمة نفسها، لذا ولجت حمامها، وفي الجاكوزي حصلت على جُزءًا آخر من الرّاحة والرَّخاء.
الشموع العِطريّة حول حواف الحوض، وبتلات ورودٍ حمراء تغطي سطح المياه الدافئة، ألبوم الكَون لِExo يدور في مُشغل الأقراص المُدمَجة، وأخيرًا في يدها كأس كبير يحوي حليب البُندق والشوكولاتة.
كانت تُرخي رأسها على الحوض فيما تحمل كتاب جون بيدها تقرأه للمرّة الثانية، لكن بنظرة أخرى، بلا عِداء تجاه الرومانسيّة التي يتضمنها الكِتاب.
مِما يقوله في إحدى الصفحات.
"اليوم كنتُ مُتحمِّسًا جدًا لأجلِ الحدث الكبير الذي ينطوي عليه اليوم، أنه أول يوم للعمل لها على التلفاز.
ولأجلِ هذه المُناسبة؛ تجهزتُ سابقًا واحتفيتُ لأراها تجلس بعلياء وشموخ أمام عدسات التصوير.
عطَّرتُ منزلي وأقمتُ فيه حملة تنظيف، حتى أنا؛ استحممت قبل موعدِ العرض، تهندَّمت، تعطَّرت، وسرَّحتُ شعري؛ وكأني من سيخرج على الشاشة لا هي.
بل هذا لأني شعرت بالمسؤولية، وكأنها عبر هذه الشاشة أُضيفها في بيتي، فأبيتُ إلا أن تكون ضيافتي كاملة.
حملتُ نفسي أمام التلفاز، وشاهدتُ بلا إنقطاع حبيبتي تتحدَّث بهيبة ووقار، باركت زوايا منزلي بصوتها العذب، إذ رفعت الصوت إلى أقصى درجة، وراقبتُها بكل حُبّي وإهتمامي.
بعدما إنتهى البرنامج نهضت إلى غرفة الصناديق، ونظرت إلى هذه الصناديق المُتكدِّسة هُنا، الآن يمكنني أن أبعث لها منها مُتخفٍّ بهويّة مُعجَب سِرّي.
أردت أن ابعث لها أول صندوق شيدتهُ بطوق الهدايا لكنّي لم أفعل، فإن هذا الفستان الأسود داخل الصندوق ليس فاتحة خير لأجلها، لقد رأيتها تلبس شبيهًا له يوم إنفصلت عن زوجها السابق.
هي بالتأكيد لا تحب هذه الذكرى كما أحبها أنا، لذا إخترت الصندوق التالي، يحتوي على زجاجة عطر وساعة، بعثتهم لها"
أغلقت روزماري دفَّتي الكتاب تكتفي بهذا الحد اليوم، فهي لا تريد أن تنهي الكتاب سريعًا، تريد أن يقطع معها أطول أمدٍ ممكن، وتختبر معه مشاعر جديدة لم تشعر بها حينما قرأته أول مرة.
شعور أن تعلم أن ضمير المؤنَّث الغائب يعود عليها، وإيمانها بهذا الحُب يمنح شعورًا مُختلِفًا عمّا كان عليه سابقًا، الآن تشعر بالإهتمام وأهميَّتُها بحياته.
إنتهت من إستحمامها وخرجت تلبس ثيابها، بِنطال جينز وقميص أبيض فضفاض وثقيل، رفعت شعرها على شكل كعكة، وتركت بعض الخُصل الشاردة عند صدغيها.
إكتفت بكريم مُرطب على بشرتها وخرجت تنتعل خُفّيها، حضَّرت لأجلها إفطار بسيط، وحملته إلى الشرفة فيما تقرأ تعليقات مستخدمي الإنترنت عنها مؤخرًا، فالأمس ظهرت لأول مرة بخاتم الخطبة.
"لا أصدق أن روزماري التي لطالما نفرت الرجال تخنق نفسها بخاتم رجل!"
"هل كانت صادقة بينما تعِضنا على التلفاز؟!
انظروا إلى ما تفعله الآن! ستتزوج بالفعل!"
"كونوا موضوعين يا رِفاق، هي لم تهاجم رجلًا جيدًا قط! جميع الحالات التي استعرضتها كانوا لرجال سيئين"
"وصفت الكاتب سوهو بالمُبتذل صاحب الحب المبتدع، ولكنها عندما علمت أنها المقصودة وقعت في حبه!
أكان هذا كل ما يحتاجه الأمر؟!"
"حسنًا، هي ليست الوحيدة التي وصفت كتابات الكاتب سوهو بالمُبتذلة؛ لكنها الوحيدة التي إعترفت به بعدما نبذته... هذه شجاعة منها!"
"هي غالت في مواقفها ضد الرجال في بعض الأحيان، لكنها لم تكُ يومًا مخطئة بالحُكم على رجل بعينه ضمن إطار البرنامج!"
"هذهِ قُدرة الكاتب سوهو على سحر الإناث، حتى أقوى أُنثى في كوريا كلها سحرها بحبه، كم هي محظوظة!"
أحدهم رد على هذا التعليق.
"وهو محظوظ أيضًا، بل محظوظ أكثر منها!"
أغلقت الهاتف ووضعته جانبًا، هكذا آراء الناس في تفاوت وفوضى، وهي لن تغتاظ بعد الآن بصفتها محترفة وشخصية نافقة في المجتمع.
أنهت فطيرة مربى الفراولة بيدها، ونهضت تحمل خيارة قد قشّرتها، فتحت باب شِقَّتها، وفيما تستند على إطار الباب وتقضم من الخيارة حاولت التقصّي عن سبب الفوضى.
وحينما رأت شابًا صغيرًا تعلوه غبرة المَشقّة استوقفته تسأله.
"أيُها الشاب، ماذا يجري هنا؟!"
شهق الشاب ما إن رآها وركض إليها، فأقامت عودها وتراجعت عن الإطار تقول.
"ما بكَ أيها الرجل المجنون؟!"
إزدرئ الشاب جوفه فيما ينظر لها بعينيه اللتين تقطر حُبًا.
"أنا مُعجَب بكِ، هل لي بتوقيع؟"
لوهلة شعرت بالخوف ظنًّا أنه إحدى الرجال المكلومين بنسائهم بسببها، لكنه لم يَكُ كذلك، لذا تنهدت براحة ونبست.
"حسنًا، سأعطيكَ أياه، ولكن أخبرني أولًا ما الذي يحدث هنا"
أشار إلى شقة جون واتبع.
"السيد هنا يقوم بتبديل أثاث بيته"
برمت روزماري شفتيها ونبست.
"حقًا؟!"
لأي سبب يا ترى!
أومئ لها الشاب، حينها قالت له تبتسم.
"انتظر هنا من فضلك حتى احضر ورقة وقلم"
استوقفها يقول.
"لا عَوز، وقِّعي لي هنا من فضلك"
أخرج من محفظته صورة لها، نظرت إليه بغرابة ثم أومأت، هي مُذيعة ليست نجمة بوب، لكن ربما هناك بالفعل لها من هذه الفئة مُعجبين.
قلبت الصورة وحملت قلمًا تقول.
"ما اسمك؟!"
" جاي هيون"
أومأت له.
"حسنًا جاي، عملًا موفقًا وشكرًا لك على دعمي"
إنحنى لها شاكرًا، وقبل أن تأذن له بالرحيل تناولت عن بار المطبخ عُبوّة من حليب البُندُق والشوكولاتة رفقة عُبوة بسكويت، ثم عادت له سريعًا تقول.
"بدوتَ مُنهكًا بينما تعمل، لذا خُذ هذه وشد عودك، الحياة مليئة بالمشقة بالفعل!"
نظر في عينيها البحريتين؛ كما يصفها الكاتب سوهو وابتسم شاكرًا يقول.
"كلّفتِ نفسك، شكرًا لكِ سيدتي!"
أومأت له فغادر فيما يسير إلى الخلف، وإلى آخر ثانية كان ينظر لها.
ولجت إلى شقّتها، وتابعت تناول الخيارة، وضعت مرطب شفاه، وعاودت الخروج لمُعاينة أمر جون.
ولجت إلى شقته، ورأت قطع الأثاث التي ما زالت بحقائبها تتناثر هنا وهناك، وعندما رآها بينما يخرج من الرِواق قال.
"اوه! أنتِ هُنا! ما رأيك بهذا الأثاث؟! هل أبدله ثانيةً؟!"
"ولِمَ تُبدِّله؟!"
سمعت صوت سيهون من خلفها فإلتفتت إليه.
"لأجل زواجكم، لقد قرر تغيير ديكور الشِّقة الذي ما زال جديدًا، وتبديل أثاثها الذي لم يُستخدم حتّى!"
قاطعت روزماري ساعديها فوق صدرها، واتَّكزت على ساق دون الأُخرى تقول.
"ولِمَ لم تُخبرني سيد كيم جونميون؟!"
اسمه الكامل وليس جون، أضف إلى ذلك وضيعة الهجوم التي تتخذها، ونبرة ما قبل اللكم في المعدة... يبدو أنه إرتكب خطأً فادحًا.
راح يبتسم ببلاهة، ويحك رأسه بأظافره بسبب التوتر الذي لطمه على حينِ غَرَّة.
"أردتُ أن تدخلي المنزل وهو بحُلّة جديدة"
إرتفع حاجبها ونبست.
"نحنُ لم نقرر أين سنعيش بعد"
إقترب منها وفكّ ذراعيها عن صدرها، ثم شابك أصابعهما معًا يقول بإبتسامة خافتة.
"لكن ما بين الخطبة وحفل الزفاف شهر واحد فقط، تعلمين أنه علينا التحضير لكل شيء خلال هذا الوقت"
أومأت، ثم وكزت صدره بسبابتها ونبست.
"عزيزي جون، أنتَ ستنتقل، لا أنا، أنتَ من سيأتي ليعيش معي، أنا أُحِب شقتي وسنبقى فيها"
"لكن..."
"لا إعتراض!"
أشار إلى الأثاث الذي إبتاعه جديدًا ونبس.
"ماذا عن هذا الأثاث وشقَّتي؟!"
"الأثاث الذي نحتاج له سنأخذه، وما لا نحتاجه أتركه هنا، أما شقتك فأعطِها لسيهون بما أنَّه سيتزوج قريبًا، أنتَ ثريًّا كفايّة لتمنحه مثل هذه الهدية"
سيهون انشرحت أساريره ونبس.
"لسانكِ يُقطِّر عسلًا، أتعلمين؟!"
ضرب كفّها بكفه، وأما جون المسكين مغلوب على إمره، ولكن روزماري اتبعت.
"تخيل كم سيكون جميل أن نعيش أنا، وأنت، وسيهون، وآيرين، وتشانيول، وزوجته المستقبليّة جيران!"
ما زال جون منزعجًا، فوكزته بمرفقها وقالت.
"شِقّتي لها إطلالة أجمل من هذه الشِّقة، إنها تطل على جسر الهان، والأهم أنها أكبر مساحة من هذه، وتصميمها الداخلي الأفضل"
حسنًا، روزماري مُحقّة من هذه الناحية، وهي أسهبت بسرد ميزات شقتها حتى تُغري جون بالموافقة.
"اسمع، بها ثلاث غرف نوم، وأربع حِمامات، مطبخي أجمل من مطبخك وأوسع، يسعكَ أن تطبخ فيه بقدر ما تشاء، هناك غرفة فارغة تفوق مساحة غرفة مكتبك سنجعلها مكتب لك، عندي بدل الشُّرفة اثنتين، ولدي شاشة سينمائية بتقنية 3D، ماذا تريد أكثر؟!"
أومئ جون وتنهد.
"حسنًا اقنعتِني!"
أخذت تُصفِّق وتقفِز في مكانها، وذلك ما جعل جون يضحك بخفّة وتضرب كفها مجددًا بكف سيهون.
جون مُستَعِد أن يَتَخلّى عن كل شيء يملكه -ليس مُجرَّد شِقّة وحسب- لأجلِ أن يرى الفرح يغمر ماري هكذا، والإبتسامة تُزيّن ملامحها الجميلة والحادّة.
.................
مُذُّ وقتٍ طويل، وبعدما هجرَ جونغداي سيؤل، ولبث في اوساكو اليابان بعيدًا عن مَعقِل المشاكل في سيؤل؛ حياته لم تتغير كثيرًا.
حروقه شُفيَّت وعادت ملامحه تضُخ وسامة كما السابق، إلا أن بقايا حرق ما زالت عالقة على جِلدِ رقبته، تجعله كلما ينظر في المرآة يتذكر تلك المرأة، التي ظنّ أنه عاشرها كفايّة؛ ليحفظ أن فعلًا مجنونًا؛ كالذي فعلته، لا يُمكن أن تقوم به ضده.
عمل في فِرع المحطّة الموجود في اوساكو، واشترى شقّة له هناك، مُترفة كالذي كانت بسيؤل.
ولأن فنون وثقافة الموجة الكوريّة قد إنتشرت حتى أطراف العالم، فاليابان جارة كوريا تَبُثُّ الكثير من المحتوى الكوري، منها برنامج "مسائكنّ قوَّة" الذي يخص طليقته.
وعبر البرنامج علم أنها تُقدِم على الزواج من آخر، لكنه قرر ألا يفعل شيئًا لها هذه المرّة، لكنَّه وبكل تأكيد لا يتمنى لها حياة هنيئة مع الرجل الذي إختارته من بعده.
ليس لأنه يستسلم بشأنها بل لأنها ما عاد يملك شيئًا يُضايقها به، حتى لوكاس الذي كان يضمّه تحت جناحه بماله؛ قد هرب منه؛ ورفض أن يعود؛ قائلًا أن روزماري إستعادته، وهو لا ينوي أن يتشرَّد ثانيةً.
كان جونغداي يجلس أمام التلفاز بعدما إنتهى عرض برنامجها المترجم إلى اليابانية حينما سمع طرقًا قويّ على باب شقّته، وأحدهم يَصُرّ على أن يفتح له الباب.
نهض ليفتح الباب، وإذ بها ساكورا حبيبته الحالية- كما تظن- تقف خلف الباب فيما تبكي، وولجت إلى شقّتِه تقول.
"هل كنتَ تخدعني جونغداي؟!"
ولج من بعدها يغلق الباب، وفيما يقطب حاجبيه تسآل.
"ما الذي تقصديه بأنّي كنتُ أخدعك؟"
إلتفتت إليه وهمست باكية.
"أتذكر ما الذي قلته لي في أول علاقة لنا معًا؟!"
برم جونغداي شفتيه لا يتذكر تحديدًا ما الذي تقصده، فلقد قال كلامًا كثيرًا بالفعل.
"ماذا؟!"
"أخبرتني أنكَ لا تُنجِب فلا داعي لأخذ أي إحتياطات، ألم تقل لي ذلك؟!"
أشار إلى نفسه وقال يرفع حاجبًا.
"أوتظنيني أكذب؟!"
رمت عليه جهاز إختبار الحمل، الذي يحمل إشارة زائد في شاشته الصغيرة، وقالت.
"ما هذا إذًا؟!"
حمل الجهاز ينظر له بحيرة ونبس.
"ما هذا؟!"
"إنه جهاز فحص حمل، يُظهر إشارة زائد، والتي تعني أنّي حامل!"
"ماذا؟!"
قلَّب الجهاز بيده بلا تصديق، ثم رمى به أرضًا، وسار إليها حتى كمش على كتفيها بقبضتيه يقول.
"تكذبين عليّ؟! حملتِ من رَجُلًا آخر، وتقولين أنه طفلي!"
صرخت ملئ صوتها ودفعت به عنها.
"جُننتَ أنت؟!"
جونغداي بعصبيّة قبض على خصل شعرها؛ فصرخت تحت وطأة يده، لكنه ما اهتم واجتذبها إليه بخشونة ليُتمتِم في أُذنِها.
"سأتأكد بنفسي أنَّ ما تقولينه صحيح، وإن اكتشفت أنكِ تكذبي علي سيكون ذلك اليوم آخر يوم لكِ في حياتك، أتفهمين حبيبتي؟!"
...........................
يُتبَع...
الفصل الثاني والعشرون "قاع البحر"
الجزء الرابع " أحبّيني كما تشتهين"
الرواية العاطفيّة "هَيبتُها"
..........................
سلاااااااااام
كيف حالكم؟! أتمنى تكونوا بخير.
طبعًا هذا الفصل مكون من خمس آلاف كلمة والفصول القادمة ح تكون بنفس الطول، لهيك ادعموا الرواية كتثمين لجهودي.
الفصل القادم بعد100 فوت و كومنت
١.رأيكم بجون؟
روزماري؟
تشانيول؟
أوريل؟
جونغداي؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم بخير ♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі