CH40|| المرأة الثمينة
" المرأة الثمينة: أوكتافيا"
الآن أنا أعلم قدر نفسي جيداً، وأُقدّرها حق التقدير...
حقيقةً، أنا لا شيء...
أنا كثيرة على هذه الحياة، أنا فقط عالة عليهم، وللأسف هذا هو الواقع.
لا أحد يُريدني بحياته، لا أحد يحتاجني، لا أحد يحبني، لا أحد يهتم بي، والحياة تلفُظ الوحيدين منها إلى مرافئ الموت، ولقد لفظتني.
إنني أُقاتل بلا هدف، أعيش للا أحد، و لا حتى لنفسي، أنا فقط عالة عليهم جميعاً، وإن وجدوا بي النفع باعوني.
كما باعني الأمس كاي...
أنا فقط سأريّحهم مني وسأُريحني مني، أنا ما عُدتُ قادرة أن أعيش على هذا المنوال، أنا فقط ما عدتُ أريد أن أعيش على أي منوالٍ كان.
لقد إستسلمت...!
حياتي ما عادت قابلة للعيش أو التعايش، وما من أحد يتمسك بي على آية حال، فموتي لن يسبب لأي أحد مشكلة، بل ربما يقومون على مأدبة إحتفالاً بجُثتي.
سأدعكم تحتفلون وتفرحون وأُغادر، أنا آتية يا لارا إليكِ، وها قد أخذتُ جزاء أفعالي ضدكِ، إنتقم لكِ الإله مني بأفضل الطُرق، بدفعي للموت.
غادر الطبيب زانغ اليوم مُتأخراً بعدما أخذني سريعاً للمنزل لجلب بعضاً من حاجيّاتي، وكما توقعت لم يكن كاي هناك.
غادر وتركني في شِقته يؤمِّن عليَّ نفسي، وكأنني بعدما اشتراني بالأمس أستطيع أن أعيش وكأن شيئاً لم يكُن، أنا لستُ قوية إلى هذا الحد.
أكره الجميع... أكره نفسي.
نهضتُ استحم عن لمسة كاي الأخيرة، عن حضوري في مكان تُباع فيه النسوة مُقابل المخدرات، عن منزله، عن كل شيء.
أنا ما عدت قادرة أن أتحمل الظروف المُزرية هذه، الحياة ما عادت تُطاق فعلاً.
كنتُ طوال الفترة الماضية صابرة لأجل الطفلة لارا فقط، الآن لارا بالمستشفى، وأنا مُتأكدة أن الطبيب زانغ كان حاضراً للرعاية بها، لرُبما قام بالعملية، ودفع المال المُترتب عليها أيضاً.
لذا أنا ماذا أنتظر؟
علاما أصبر؟ ولماذا؟
ما عدتُ أملك دافعاً لأعيش ولا قُدرة.
بعناية نظفّتُ نفسي بلا أن أُسرف ولو دمعة واحدة حتى، لقد أصبح قلبي جامداً، فارغاً، خاوياً على عروشه، والمآقي قد نفذت بالفعل.
أحضرتُ من المنزل السقيم ذاك بعض الأغراض التي ستلزمني الآن لأكون عروس الموت، منها فُستاناً زيتيّ اللون، كنتُ قد إشتريتُه بكل حبي ورغبتي في الحياة، إرتديته، و جففتُ شعري.
ليتني أعود لأوكتافيا تلك، أوكتافيا الثمينة، العاقلة، المحبوبة... لكنني لا أستحق.
انتعلتُ في قدمي حذاء رياضي جديد باللون الأبيض، لم يُسبق لي إن إنتعلته، كحّلتُ عينيّ، ووضعتُ أحمره شفاه بلون خفيف أُحبه.
ولم أنسى أن أضع في عُنقي قِلادة أهداني أياها جيمين في آخر عيد ميلاد لي جمعنا معاً.
وضعتُ من عِطري الذي مدحه بيكهون، وأهداني منه عِدة زُجاجات؛ كي أسمح له دون أن يرى دموعي أن يسافر للولايات المتحدة؛ لأجل درجته العلميّة.
الآن، لقد بقيَّت في نفسي رغبة أخيرة، وسأكون جاهزة لأُسلم نفسي.
نزلتُ السُلم بهدوء وتوّجهتُ إلى المطبخ، بحثتُ في رفوف المطبخ العلوية عن مسحوق الشوكولاتة الساخنة- مشروبي المُفضّل- حتى وجدته، فلقد أخبرني الطبيب أنه يملكه بأحد الرفوف حينما طلبته، لقد إستهجن طلبي هذا، لكنه لم يوسوس له دماغه عن الحقيقة خلفه.
حملته بين يديّ، حضّرتُ لأجلي كوباً، ثم خرجتُ لأجلس على حافة النافذة.
لكن لا...
لا طعم لمشروبي الثمين هذا، كما لو أنني وضعتُ في الكوب طين، ومزجتُه بالماء لأشربه.
ثم أنا أُحب الشتاء، والمساء، وشُرفتي في شقتي، لا أُحب هذه الأجواء هذه الأجواء الصيفيّة، النهارية، كثيرة الشغب.
أحب أنني بعدما أقضي ما ترتب عليّ من فروض لازمة، أن أُقدم لنفسي مُكافئة بنكهة هذا المشروب المقدسة بالنسبة لي.
كأن أتم قراءة كتابي، أن أنهي أعمال المنزل وتوضيبه مع جيمين، ثم في الشُرفة وأسفل ضوء القمر؛ نحتسي هذا المشروب.
لكنني الآن أحمل كوباً لا طعم للمشروب، الذي فيه، أستند على نافذة مُغلقة الإحكام؛ تقبض على أنفاسي، الجوّ حار والحياة تدُب في الشارع بضجيج مزعج، لا مكان لهدوء الليل وسكينتُه إطلاقاً.
رميتُ بالكوب في المطبخ، ثم خرجت إلى غرفة الطبيب؛ أنظر إلى نفسي بالمرآة.
ما الذي أُريده؟
مُذُ متى أتزيّن بهذه الطريقة المُبهِجة؟ ولماذا؟
إستقبالاً للموت...
لمن سأعيش؟ وكيف سأعيش؟ ولِمَ؟
أي دافع أمتلكه كي أستمر؟
لقد خسرتُ نفسي؛ الفتاة التي كانت تضج بالحياة في جنباتي، خسرتُ أخي، صديق عمري، مستقبلي، و حتى جمالي.
لقد سخّرتُ حياتي لأجل طفلة ما هي بطفلتي؛ ذرعاً للذنب، وتحصيلاً للمغفرة، لكن لا مغفرة تطولني، ولا سعادة تتفشى في أيامي.
حتى الطفلة التي سخّرتُ حياتي لأجلها خسرتُها، وإن ما خسرتُها الآن سأخسرها بعد بِضع سنين، إذن لِمَ سأعيش؟ لِمن؟
على الأقل الطفلة تملك عماً سيُحبها ويحميها بكل ما يقدر عليه، وأنا أثق به، لكن أنا ما عدتُ أملك شيئاً.
ما دمتُ فقط أتلقف العِقاب نتيجة خطأي، لِمَ لا أغوي الموت إلى حِجري كي يكون عقابيَّ الأكبر، وتتساوى الجريمة بالعقاب على قدر الإمكان.
تلك ستكون نهاية عادلة بقدر ما هي مأساوية، أن أقتل نفسي الآن، وأقضي على بقايا عُمري، أما كاي؛ فستقضي عليه المخدرات عاجلاً أو آجلاً، وسينال مصيراً أسوء من مصيري.
نزلتُ إلى المطبخ ببقايا قوة أصرُفها على لقاء الموت، إخترتُ من سكاكين الطبيب زانغ أكثرها حِدة، حملتُها، وسرتُ خارج المطبخ.
سِرتُ على مهل حتى جلست أمام النافذة مجدداً، لم تدمع عيني تمسكاً بالحياة، لم ينبض قلبي بقوة، ولم ترتجف يدي، أنا لهذه الدرجة لا أُريد أن أعيش.
لأول مرة في حياتي أكون مُتيقنة من صحة إختياري لهذا الحد، ما إستهلك مني قطع العروق في معصميّ سوى جهد بسيط، حركته به السكين على جلدي.
إبتسمتُ عندما وخزني الألم، إنحدرتُ بجسدي لأجلس أسفل النافذة، نظرتُ إلى الدماء يركض مني إلى حُريّته خارج جسدي، حتى جسدي يريد أن يتخلص مني.
شعرتُ بنبضات قلبي تتسارع، وأنفاسي تضيق، بدأت رؤيتي تتشوش، وبدأ رأسي يدور، ما زلتُ ابتسم.
أهلاً بكَ يا موت... خُذ روحي بما أن رائحة دمي أغرتك، أرحني من الحياة، خذني معك، لا تسمح لهم بإنقاذي.
...............
بيكهيون حطَّ بقدميه على أرض الوطن أخيراً، ما كون بوسعه أن يسمع الرسالة، التي على لسان والده له، بأن عليه التوجه إلى العمل فوراً، أو القصر، أو أياً يكُن، هو فقط أخذ سيارته، وانطلق من المطار إلى منزل أخته.
لقد تأخر كثيراً، بيكهيون يعلم، لكن أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل أبداً، سينقذها من هذا الوحش الذي تركها في وِكره، وسيفعل لأجلها ما يلزم وما تشاء.
وصل إلى المنزل، ركن السيارة في منتصف الشارع، وركض إلى باب المنزل يلكمه، ويركله، ويصرخ.
" جونغ إن! أيها المريض! اخرج! أرني قدراتك أيها اللعين، أم قدراتك على النساء فقط؟! سأقتلك على ما فعلته بأختي!!!"
صوت صياحه ملئ الحي بأكمله، والكثير من الجيران خرجوا إلى شُرفاتهم ينظرون إلى ذلك الرجل الثائر.
زفر بيكهيون أنفاسه من جُب صدره، وإلتفت ينظر إلى الحديقة، يبحث عن شيئ يعوله على كسر الباب، لكن صوت سيارات الشُرطة سبقه، فما إن تحرك حتى حاصروه الشُرطة يشهرون بأسلحتهم عليه.
" أنت كيم جونغ إن؟!"
سُرعان ما نفى يخرج بطاقته المدنية إليهم وقال.
" لستُ هو، أنا هنا أبحث عنه، أنه يعذّب أختي!"
الشرطي آشار له بالإبتعاد عن الباب، ثم قاموا بكسره، دخل بيكهيون قبلهم، ونبش عن أخته في المنزل، وهم نبشوا عن جونغ إن.
لَفَتَ نظر بيكهيون ربطة عنق معقودة إلى قدم الأريكة، ثم رأى بُقع دماء على الأريكة، إعتصر قبضتيه بينما يتذكر صوت صراخها عبر الهاتف، هذه دماءها بالتأكيد.
أبعدوه الشرطة عن الموقع ما إن رأو الدماء، بيكهيون قام على أعقابه، ثم خرج من المنزل؛ يحمل معه غضبه وندمه.
قاد سيارته بجنون إلى قصر عائلة كيم، وفورما وصل؛ اقتحم البوابة بسيارته مُدمراً الواجهة كاملة والبوابة، خرج يصرخ ويهمّ بإقتحام القصر.
" أين أنت يا جونغ إن؟! أخرج! أقسم سأقتلك!"
خرج تيمين وخلفه والديه، تقدم تيمين سريعاً من بيكهيون، الذي ينتفض بغضب، وحاول محادثته.
" ما الذي يحدث معك؟ لِمَ تصرخ؟"
قبض بيكهيون على قميص تيمين، وصاح به.
" أين أخيكَ الماجن الداعر؟! أين ذهب بأختي؟!"
تيمين قبض حاجبيه بلا فهم، وفكّ نفسه من قبضة بيكهيون يقول.
" إهدأ قليلاً، سأتصل به"
تنهد بيكهيون بغضب شديد، ووقف مُتخصراً بغُل أمام تيمين يقول.
" أخبره أنني أريد أختي أينما وضعها، سأقتله حقاً لو تأذّت!"
تنهد تيمين، واتصل بجونغ إن، الذي أجابه بسرعة يقول.
" اووه! تيميني! كيف حالك أيها الشقيّ؟! أعطني مالاً"
نظر تيمين إلى بيكهيون قابضاً حاجبيه، ثم حاول الإبتعاد قليلاً، فيبدو أن أخيه المُريب يقوم بفعل أكثر شُبهة من السهر، و السمر مع النساء، و السُكر، لكن بيكهيون تمسّك بكتفه، وأشار له أن يبقى واقفاً محله، تنهد تيمين قبل أن يتسآل.
" أين أخذت أوكتافيا؟!"
همهم كاي على الخط؛ يحاول أن يتذكر ما الذي فعله بها، ثم ضحك يقول عندما أسعفته ذاكرته أخيراً.
" لقد بعتُها الأمس لِقاء المال، لكنها لم تقدر بثمن يكفيني، لذا أعطني مالاً"
الدهشة جمّدت عقل تيمين، فوراً استنكر.
" أبعقلك عطب؟! تقول أنك بِعتَ زوجتك!"
ضحك كاي، وبيكهيون أخذ الهاتف منه يتحدث.
" من اشتراها منك أيها المريض؟!"
ضحك كاي مجدداً يهمهم بينما يستذكر.
" اوه! لقد كان عشيقها من اشتراها، دفع لي بعض الدولارات فحسب، لقد نفذت، أتملك مالاً؟!"
بيكهيون أنزل الهاتف عن أذنه بيدٍ ترتجف، وجهه قد إستشرى غضباً، وبهسهسة قال.
" يقول أن عشيقها اشتراها؟ من يقصد؟"
لعن تيمين عالياً، وكانت المرة الأولى أن يفعل وينفعل إلى هذا الحد، ثم بأنامل مرتجفة إتصل بالطبيب زانغ، وبينما ينتظر أن يرد الطبيب عليه قال بعصبية لبيكهيون.
" هو ليس عشيقها، هو فقط ساعدها في ظِل غياب الجميع عنها، أخي مجنون مريض، لا تأخذ بكلامه!"
وبيكهيون ما كان يملك الإدراك الكافي ليُشكك بها حالياً، هو فقط يريدها حيّة، سليمة، مُعافى، وفقط هذا.
أجاب الطبيب زانغ في النهاية، وتيمين تحدث.
" أين أوكتافيا؟!"
رد الطبيب بالصمت لبضع لحظات، ثم إندفع الكلام من جوفه بسخط وغضب.
" ما الذي جعلكم تتذكرون أن في أسرتكم إمرأة تدعى أوكتافيا؟ هل علمتم أن زوجها باعها الأمس لِقاء المُخدرات؟ أم أنكم سمعتم حسيس صراخها إثر التعذيب السادي الذي مارسه عليها؟! أم أنكم لاحظتم أخيراً أنكم جميعاً تخليتوا عنها، وتركتوها لهذا الوحش يفعل بها ما يشاء؟!"
الخزي قيّد لسان تيمين عن الرد، هو فقط تنهد وكمش جفونه بأسف، وطبيب قد قرر مُسبقاً ماذا عليه أن يفعل.
" إنها في مكاني، ولكن لا تحلموا بلقائها مجدداً، هي ما عادت بحاجتكم!"
بيكهيون أخذ الهاتف من يد تيمين، وتحدث بنبرة صوت مُهتزّة ومُرتجفة؛ كما يديه و حدقتيه الدامعة.
" تأكد من أنها بخير أرجوك! أوكتافيا لا تقبل المهانة، تُفضل الموت على أن تتعرض للإهانة، تفقدها إن كانت بخير سريعاً من فضلك، أخبرني أين هي، أنا أخوها، أخبرني فقط!"
من باب الخوف فقط أفشى الطبيب عن موقع شقته لشقيقها، فالمستشفى بعيدة عن الشقة التي إستأجرها، وهم سيكونوا لها أقرب لتفقدها.
كيف لم يأخذ بالحُسبان أنها قد تؤذي نفسها؟!
لهذا الحد كان عقله غافلاً.
بيكهيون وتيمين توجها للعنوان معاً، والسيد كيم بدأ بتحرياته للتقصي عن جونغ إن، مكانه، و المصائب التي إقترفها.
بيكهيون وتيمين وصلا العِمارة، التي تتواجد بها شقة الطبيب زانغ، أخذا بطاقة الدخول من أمين العمارة بأذن من الطبيب، ثم ولجا إلى الشِقة.
إنها هادئة بلا انفاس حيّة، هادئة بشكلٍ يبعث الريبة و إحساس الغُربة في نفس، وما كان منظر الدماء الذي يسبق جسدها النائم أسفل النافذة إلا توكيداً لحقيقة هذا الشعور، هرع إليها بيكهيون، وتيمين اتصل بالإسعاف سريعاً.
رفعها بيكهيون إلى صدره وأخذ يُربت على وجنتها بكفٍ مُرتجف، والهلع قد تمكّن من حيله وقوته.
" فيا! أوكتافيا! صغيرتي، أرجوكِ استيقظي! انظري الي!"
لقد نالت بشرتها من المرض صفاره، فهي فقدت كمية دم ليست بهيّنة، ليس أكيداً أنها ما زالت حيّة، فلربما هي ما زالت تملك نبضاً خفيفاً، أو أنها وسوسة أمل فحسب.
مزّق تيمين أكمام سترته، وضغط بها على جروحها حتى تصل الإسعاف، بينما بيكهيون يحتضنها إلى صدره ويبكي، فلا ينفع بموقفٍ كهذا أن ينهار كلاهما، أحدهما عليه أن يبقى واعياً، وهذا كان تيمين الذي إحتفظ برابطة جأشه مُقابل بيكهيون الذي إنهار بالفعل.
وصلت سيارة الإسعاف أخيراً، ونُقِلت أوكتافيا إلى المستشفى لتلقي العلاج، دخلت غرفة العمليات، ولم يعلم أحد بعد ما ظروفها، فقط أن بها نبض ضعيف، وأن نجاتها قد تكون بعيدة المنال.
بيكهيون جلس أرضاً يبكي بأنهيار، يضم رأسه بين كفيه، و يضرب وجهه كل حين بعدما رأى بأم عينيه نتيجة تقصيره معها، والتخلي عنها.
تيمين لم يحاول أن يخفف عنه، فجميعهم يستحقون هذا الإنهيار، وليكيل بالمزيد، ليروا ما نتج عن التخلي عنها، اتصل بوالديها وأخبرهم أن ابنتهم إنتحرت بنبرة باردة لا مواساة فيها، واتصل بوالديه يخبرهم أن ابنهم تسبب في مقتل زوجته وصّب جام لومه عليهما، فأمه ساعية خلف الطبقات الإجتماعية، و أبوه ساعٍ خلف أرباح الشركة وإرتفاع سعر الأسهم، وأخيراً توقف عند اسم جيمين.
سيتصل به، لا ليلومه كما فعل بالجميع، بل ليرى أن أفكاره حيال أوكتافيا وحياتها مع جونغ إن خاطئة تماماً، لعله بعد هذا تجاوزها وصفح عنها أخيراً.
" جيمين، أين أنت؟!"
أجابه جيمين، واستطاع تيمين أن يميز صوت أبواق السيارت من حوله، وبحّة الإرهاق في صوته.
" متوجهاً للمنزل، أتريد شيئاً؟!"
همهم تيمين، ثم همس بنبرة بائسة.
" أوكتافيا إنتحرت"
سمع صوت زعيق العجلات، ثم أبواق السيارت بقوة، فهرع تيمين يتسآل برعبة أن أخيه قد وقع في حادث؛ لهول الصدمة على مسامعه.
" جيمين! أنت بخير؟! اجبني!"
أجابه بنبرة ساكنة.
" ماتت؟!"
تنهد تيمين يمسح على قلبه بيده وأجاب.
" هي بغرفة العمليات الآن، لكنها في حالة صعبة جداً، قد لا تنجو!"
سمع تنهيدة جيمين.
" بأي مستشفى أنتم؟!"
وفورما أخذ جيمين العنوان أغلق الخط، وقاد بسرعة إلى المستشفى المقصود.
وصل المستشفى بعد صِراع مرير مع أزمة الطرق وضجيج المدينة، جيمين بدى غاضباً، حزيناً، وشيئاً ما نادماً ومتألماً.
عرج إلى قاعة الإنتظار أمام غرفة العمليات، وهناك وجد تجمّع يشمل العائلتين، بيون و كيم، جميعهم وجوههم مُصفرّة، وحالتهم تنذر بإنهيار قادم لو خرج الطبيب بخبر مُفجع.
نبس جيمين بنظرة غليظة، تنُم عن غضب قد إعتمر ونصب في نفسه كفاية، ليقدم على فعل مجنون، كالقتل مثلاً
" أين كاي؟!"
إقترب منه تيمين، ثم جعل ذراعه تحيط كتفي شقيقه قائلاً، وجعله يسير به أبعد عن أسماع العائلتين.
" لا ندري أين هو بعد، لكن ما أعلمه أنه هارب من الشرطة"
قبض جيمين حاجبيه يقول.
" لماذا؟ ماذا فعل؟!"
تنهد تيمين ببؤس قبل أن يجيبه.
" يبدو أنه يتعاطى المخدرات"
تبسّم جبمين بسخرية، فحدوث أمر كهذا مع أخيه لم يكن بعيد عن توقعاته، الهلاك مصير كل ماجن في النهاية.
" وما الذي فعله لها كي تقدم على الإنتحار؟ أدركت أن خيارها خاطئ أخيراً؟ أم شعرت بالذنب؟!"
تنهد تيمين بأستياء شديد من أفكار أخيه، وقرر أن يجعل أخاه مُطلعاً على ما يحدث.
" تعال معي"
سحبه تيمين إلى زاوية مُنعزلة نسبياً، بعيدة عن الإكتظاظ، قُرب النافذة، تمسك بكتفي أخيه ثم قال.
" استمع إليّ جيداً، أوكتافيا تُدرك منذ البداية أنها أخطأت، زواجها لم يكن نابع من إرادتها، والدها أجبرها أن تتزوج من جونغ إن، فزواج كهذا سيدُرّ بالمال على الطرفين كما تعلم"
راقب تيمين سكون أخيه واتبع.
" أوكتافيا تحمّلت ما تحملته لارا وأكثر، فهي قد وهبت حياتها كي تربي ابنة لارا، لعلها تخفف عن نفسها، لكن لا..."
" الطفلة إنتكست مرتين، ووحدها أوكتافيا من رعَتها، الطفلة الآن في المستشفى، وقد خضعت لعملية دفع تكاليفها الطبيب المسؤول عن حالتها، وبدل أن يشكره جونغ إن؛ هو إتهمها به قائلاً أنه عشيقها"
قبض جيمين يديه يُفرغ بهما سخطه وسمع أخيه، يريد أن يرى لها مبرر، أن يتلمس لها العذر، أن يمون قادراً على مسح الكره لها من قلبه.
" رغم ذلك، أوكتافيا تحمّلت كل جنونه، وعربدته، وساديته لأجل هذه الطفلة، لكنه بعدما أصبح مدمن مخدرات، أوكتافيا بدأت تفقد عزيمتها، واليأس قد تلبسها"
وقف جيمين برأسٍ منخفض يومئ، ثم رفع رأسه مُتسألاً.
" وهذا ما دفعها للإنتحار؟"
نفى تيمين قائلاً.
" لقد أقدم على بيعها لرجال الحانة لِقاء المخدرات بالأمس، والطبيب قام بإعطائه بعض المال وأخذها منه، وإلا لكانت مقتولة، ومُغتصبة في مكان ما"
بينما يتحدث تيمين، جيمين أغلق عينيه، وخبأ وجهه بكفيه لهول ما سمع.
" الشرطة اقتحمت المنزل، ووجدوا دماء، وربطة عنق استخدمها لربطها، وحِزام بنطال جلدها به، لقد تعرضت للتعذيب أيضاً"
رفع كفيه عن وجهه، وبغضب أعمى جيمين تحدث.
" سأقتله هذه المرة! سأضع السكين في قلبه!"
تمسّك به تيمين سريعاً يقول.
" لن أسمح لك أن تتورط بجريمة قتل أخيك، الشرطة ستُمسك به، أنت هنا من أجل أوكتافيا، لذا ابقى هنا لأجلها."
قاومه جيمين رافضاً عازماً على قتل أخيه، لكن في النهاية تيمين صاح به غاضباً يقول.
" كم تريد أن أبقى بالسجن هذه المرة؟! لمدى الحياة؟! فكّر بي على الأقل! أنا لن أسمح أن تدخل السجن، لا تجعلني أقدم تضحية كهذه يا جيمين!"
وقف جيمين عاجزاً عن فعل أي شيء سوى الإنتظار كما يحدث مع الجميع بعدها.
........
الطبيب زانغ قد وصل إلى المستشفى، وكان برفقته طبيب آخر، دخلا سريعاً إلى غرفة العمليات.
بعد مرور قرابة الساعة؛ خرج الطبيب زانغ وحده بوجه يعلوه الضيق.
" نحتاج إلى زمرة دم "O_"، أي منكم يحملها فليقدم للتبرع لها"
لم يترك جيمين فرصة لأي أحد كي يتقدمه، وقال سريعاً.
" أنا زُمرة دمي متطابقة، سأتبرع لها!"
أومئ الطبيب زانغ ثم أشار له أن يمضي معه، وجميعهم من خلف جيمين والطبيب بدا مذهولاً، أليس جيمين يكرهها؟!
لقد تمنى لها الموت دوماً، لكن الواقع يثبت أنها دعواته كانت مُجرَّدة من حقيقة مشاعره.
دخل الطبيب زانغ مع جيمين إلى غرفة ليسحب من دماءه، تمدد جيمين على السرير، والطبيب وصل المُعدات اللازمة في جسده.
وبينما الدماء تسير في الأنبوب الطبي؛ جلس الطبيب زانغ قُربه.
" كيف وضعها؟!"
تنهد الطبيب بخفّة قائلاً.
" نخشى أن نفقد السيطرة، لقد خسرت الكثير من الدماء"
أومئ جيمين ثم إحتفظ بصمته، يرجو من كل قلبه ألا يمسّها أي ضرر، ويعد لو أنها خرجت من هذه المستشفى على قدميها، فهو لن يكيل بها مجدداً، لن يهاجمها، لن يتعرض لها إطلاقاً.
" لم أراك مسبقاً، من أنت؟!"
سؤال الطبيب أخرج جيمين من أفكاره، فنظر إليه قائلاً.
" أنت الطبيب الذي كانت بشقته، صحيح؟!"
همهم فتنهد جيمين قبل أن يقول.
" أيهما أقرب أن أقول؟ أنني صديقها الوحيد منذ سنين طويلة وخطيبها السابق، أم أقول أنني أخوها في القانون؟"
عقد الطبيب حاجبيه و همس مذهولاً.
" يبدو أن القصة معقدة أكثر مما إعتقدت"
وقف الطبيب متنهداً ثم قال.
" سآخذ كيس الدم إليها، وأنت ابقى هنا، سأطلب من أخيك أن يأتي ليساعدك"
أومئ جيمين، ثم تحرك لينام على جنبه، ويكون ظهره ناحية الطبيب، وضع يده على وجهه، ثم قبضها يشدد على أسنانه بقوة، ولكن عبثاً.
لقد إنسابت دمعته، لقد بكى لأجلها وخوفاً عليها... وحدها من تُثير فيه هذه المعمعة.
أتى تيمين، ولكنه عندما سمع صوت بكاء جيمين رغم خفوته؛ تراجع وقرر البقاء خلف الباب حتى يهدأ أخيه، ويخرج ما فيه نفسه من وجع.
.....................
مرّ الوقت وخرج أخيراً الطبيب زانغ برِفقة الطبيب المسؤول عن حالة أوكتافيا، اجتمع من حولهما جميع أفراد العائلة قلقين ومُصفرّة وجوههم.
" لقد نَجَت بالفعل، سنقوم بنقلها إلى غرفتها قريباً، ويُرجى منكم ألا تضغطوا عليها"
غادر الطبيب المسؤول، وبقي الطبيب زانغ الذي تحدث بالعائلتين بصوت غاضب، وملامح متجهمة.
" قبل يومين، كانت آخر مرة رأيتُها بها، أتت تطمأن على ابنة زوجها، التي ترقد في المستشفى منذ أسابيع، و لم أرى أي وجه من هذه الوجوه سِواها هناك، عندما أخبرتها أن الطفلة أُصيبت بالصمم بسبب المرض؛ لم يكن أحد منكم معها لمواساتها، بل هي سقطت فاقدة وعيها لأجل هذه الطفلة، التي لا تمت لها بأي صِلة جينية، وأنتم ماذا فعلتم؟!"
" لا شيء... أخبرتُها إن لم تقدر على جمع المال المترتب على عملية زراعة القوقعة فأنني سأدفع التكاليف بنفسي، ليس لأنني عشيقها كما يدّعي زوجها."
" بل لأنني أعلم أنها لا تملك قرشاً واحداً حتى، زوجها الأستاذ الجامعي القدير يُنفق ماله على النوادي الليلة، وخدمات الدعارة، والخمر، وأخيراً المخدرات"
"زوجها القدير أقدم على بيعها الأمس بعدما نفذ جيبه لقاء الكوكائين، لولا أنني حضرتُ في الوقت المناسب لكان عِرضها قد اُنتهك على يد رجل داعر كزوجها، لقد قيَّموها كالبضاعة!! وأشاد زوجها الديوث بأنوثتها! أنه يبيع شرفه لأجل بعض القروش!"
تنهد يرمق الرؤوس المُنكسة و الوجوه المُعتمرة بالعار بسخط، ثم قال.
" قُمنا بفحصها لأجل التقرير الطبيّ، و ماذا كانت النتيجة؟!"
" كدمات و رضوض إثر الجَلد و الضرب المُبرح واسعة الإنتشار على جسدها، آثار ربط على معصميها سبب حبس الدماء في يديها"
رفع في وجههم التقرير و اتبع.
" هذا التقرير سنسلمه للشرطة، كي يتخذوا الإجراءات اللازمة بحق المُعتدي"
غادرهم، والسيدة كيم إنهارت أرضاً تبكي سلفاً على ابنها، السيد كيم جلس بضعف يقدّر حجم الخسارة التي سيتعرض لها بسبب هذه الفضيحة، أما تيمين فذهب إلى مركز الشرطة ليرى لأي حد أخيه قد تورّط.
وجيمين رافق عائلة بيون إلى غرفة أوكتافيا، إكتفى جيمين بالجلوس خارجاً، وإنتظار خبر أنها استيقظت.
دخل الطبيب زانغ لبضع دقائق مع طبيبة وممرضة، ثم خرج قبلهنّ ووقف على الباب يحرسه، حتى خرجت الطبيبة والممرضة معها.
" أتحتاج المزيد من الفحوصات؟!"
تسآل بيكهيون فعقد الطبيب زانغ ساعديه إلى صدره، وضل واقفاً على الباب يمنع دخول أحد.
" صهرك العزيز قد كان في علاقات حميمية كثيرة، و هذا ما يعرضه للأمراض المنقولة جنسياً، نريد أن نتأكد أنه لو كان يحمل مرضاً ما أنه لم يعدي أختك بعد"
تنهد بيكهيون بأستياء شديد، بينما يدلك صدغيه وقد داهمه الصُداع، تقدم من الباب يقول.
" ابتعد، أريد أن أرى أختي!"
إرتفع حاجب الطبيب زانغ بإستنكار شديد وقال.
" أختك؟! هل تذكرت أخيراً أنه لك أخت؟! لقد فات الأوان بالفعل يا صديقي، ممنوعة الزيارات"
تقدم بيكهيون بغضب إلى الطبيب، وضرب صدره بشيء من القوة، يدفعه كي يبتعد عن الباب.
" تنحّى عن الباب و لا تغتر كثيراً! أنت مجرد طبيب هنا!"
أبعد الطبيب يد بيكهيون عنه بهدوء و قال.
" و السُلطة هنا للأطباء، اخرج من هنا قبل أن استدعي لك الأمن، ليخروجك بطريقة لا تليق بمدلل مثلك أيها الصبيّ!"
تبسّم جيمين بشماتة، وأشاح بوجهه عن نقطة الشِجار الكلامية، وتنهد يفكر.
هل ستكون بخير؟
هل ستعود إلى كاي؟!
ماذا سيحدث بعد كل هذا؟!
لكن القرار وحده بيدها، فإما أن تفتح الباب للنورِ كي يلج حياتها، أو ترضى بالعتمة، التي هي محبوسة فيها وتبقى بها للأبد.
وعلى علمٍ مُسبق بصديقته -صديقة السنين-، فهي ليست مِمن يقدمون التضحيات دوماً، ويقبلون بالعتمة للأبد، لا يظنها ستغلق الباب في وجه النور.
........................
سلاااااااااام
أولاً؛ والله آسفة جداً على التأخير الي صار، كل ما أقرر أكتب تطلعلي قصة تمنعني😭😭💔
المهم، هذا البارت المأساوي الحزين السوداوي ليس نهاية السوداوية، لكن كل هذا السواد رح ينتهي قريباً.
نحتفل بوصول الرواية للفصل الأربعين😭 و ها أنا أرى النهاية من هنااااا
الفصل القادم بعد 100 فوت و كومنت.
1.رأيكم بأوكتافيا؟! إقدامها على الإنتحار؟! الطريقة التي تحضرت بها للموت؟!
2.رأيكم ببيكهيون؟ رد فعله على إنتحار أخته؟ ماذا سيفعل لإستعادتها؟ وهل ستقبل أن تسامحه؟
3.رأيكم بجيمين؟ رد فعله؟ مشاعره ناحية أوكتافيا؟ وما مستقبل علاقته مع أوكتافيا؟
4.رأيكم بتيمين؟ دوره كأخ عاقل بين وسط المجانين هذا؟!
5.رأيكم بالطبيب زانغ؟ لومه لأفراد أسرتها؟ وماذا سيفعل لأجل أوكتافيا؟!
6.ما مصير جونغ إن في ظل كل هذه الفوضى؟ و ما مستقبل أوكتافيا؟ النور أم العتمة؟
7.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
الآن أنا أعلم قدر نفسي جيداً، وأُقدّرها حق التقدير...
حقيقةً، أنا لا شيء...
أنا كثيرة على هذه الحياة، أنا فقط عالة عليهم، وللأسف هذا هو الواقع.
لا أحد يُريدني بحياته، لا أحد يحتاجني، لا أحد يحبني، لا أحد يهتم بي، والحياة تلفُظ الوحيدين منها إلى مرافئ الموت، ولقد لفظتني.
إنني أُقاتل بلا هدف، أعيش للا أحد، و لا حتى لنفسي، أنا فقط عالة عليهم جميعاً، وإن وجدوا بي النفع باعوني.
كما باعني الأمس كاي...
أنا فقط سأريّحهم مني وسأُريحني مني، أنا ما عُدتُ قادرة أن أعيش على هذا المنوال، أنا فقط ما عدتُ أريد أن أعيش على أي منوالٍ كان.
لقد إستسلمت...!
حياتي ما عادت قابلة للعيش أو التعايش، وما من أحد يتمسك بي على آية حال، فموتي لن يسبب لأي أحد مشكلة، بل ربما يقومون على مأدبة إحتفالاً بجُثتي.
سأدعكم تحتفلون وتفرحون وأُغادر، أنا آتية يا لارا إليكِ، وها قد أخذتُ جزاء أفعالي ضدكِ، إنتقم لكِ الإله مني بأفضل الطُرق، بدفعي للموت.
غادر الطبيب زانغ اليوم مُتأخراً بعدما أخذني سريعاً للمنزل لجلب بعضاً من حاجيّاتي، وكما توقعت لم يكن كاي هناك.
غادر وتركني في شِقته يؤمِّن عليَّ نفسي، وكأنني بعدما اشتراني بالأمس أستطيع أن أعيش وكأن شيئاً لم يكُن، أنا لستُ قوية إلى هذا الحد.
أكره الجميع... أكره نفسي.
نهضتُ استحم عن لمسة كاي الأخيرة، عن حضوري في مكان تُباع فيه النسوة مُقابل المخدرات، عن منزله، عن كل شيء.
أنا ما عدت قادرة أن أتحمل الظروف المُزرية هذه، الحياة ما عادت تُطاق فعلاً.
كنتُ طوال الفترة الماضية صابرة لأجل الطفلة لارا فقط، الآن لارا بالمستشفى، وأنا مُتأكدة أن الطبيب زانغ كان حاضراً للرعاية بها، لرُبما قام بالعملية، ودفع المال المُترتب عليها أيضاً.
لذا أنا ماذا أنتظر؟
علاما أصبر؟ ولماذا؟
ما عدتُ أملك دافعاً لأعيش ولا قُدرة.
بعناية نظفّتُ نفسي بلا أن أُسرف ولو دمعة واحدة حتى، لقد أصبح قلبي جامداً، فارغاً، خاوياً على عروشه، والمآقي قد نفذت بالفعل.
أحضرتُ من المنزل السقيم ذاك بعض الأغراض التي ستلزمني الآن لأكون عروس الموت، منها فُستاناً زيتيّ اللون، كنتُ قد إشتريتُه بكل حبي ورغبتي في الحياة، إرتديته، و جففتُ شعري.
ليتني أعود لأوكتافيا تلك، أوكتافيا الثمينة، العاقلة، المحبوبة... لكنني لا أستحق.
انتعلتُ في قدمي حذاء رياضي جديد باللون الأبيض، لم يُسبق لي إن إنتعلته، كحّلتُ عينيّ، ووضعتُ أحمره شفاه بلون خفيف أُحبه.
ولم أنسى أن أضع في عُنقي قِلادة أهداني أياها جيمين في آخر عيد ميلاد لي جمعنا معاً.
وضعتُ من عِطري الذي مدحه بيكهون، وأهداني منه عِدة زُجاجات؛ كي أسمح له دون أن يرى دموعي أن يسافر للولايات المتحدة؛ لأجل درجته العلميّة.
الآن، لقد بقيَّت في نفسي رغبة أخيرة، وسأكون جاهزة لأُسلم نفسي.
نزلتُ السُلم بهدوء وتوّجهتُ إلى المطبخ، بحثتُ في رفوف المطبخ العلوية عن مسحوق الشوكولاتة الساخنة- مشروبي المُفضّل- حتى وجدته، فلقد أخبرني الطبيب أنه يملكه بأحد الرفوف حينما طلبته، لقد إستهجن طلبي هذا، لكنه لم يوسوس له دماغه عن الحقيقة خلفه.
حملته بين يديّ، حضّرتُ لأجلي كوباً، ثم خرجتُ لأجلس على حافة النافذة.
لكن لا...
لا طعم لمشروبي الثمين هذا، كما لو أنني وضعتُ في الكوب طين، ومزجتُه بالماء لأشربه.
ثم أنا أُحب الشتاء، والمساء، وشُرفتي في شقتي، لا أُحب هذه الأجواء هذه الأجواء الصيفيّة، النهارية، كثيرة الشغب.
أحب أنني بعدما أقضي ما ترتب عليّ من فروض لازمة، أن أُقدم لنفسي مُكافئة بنكهة هذا المشروب المقدسة بالنسبة لي.
كأن أتم قراءة كتابي، أن أنهي أعمال المنزل وتوضيبه مع جيمين، ثم في الشُرفة وأسفل ضوء القمر؛ نحتسي هذا المشروب.
لكنني الآن أحمل كوباً لا طعم للمشروب، الذي فيه، أستند على نافذة مُغلقة الإحكام؛ تقبض على أنفاسي، الجوّ حار والحياة تدُب في الشارع بضجيج مزعج، لا مكان لهدوء الليل وسكينتُه إطلاقاً.
رميتُ بالكوب في المطبخ، ثم خرجت إلى غرفة الطبيب؛ أنظر إلى نفسي بالمرآة.
ما الذي أُريده؟
مُذُ متى أتزيّن بهذه الطريقة المُبهِجة؟ ولماذا؟
إستقبالاً للموت...
لمن سأعيش؟ وكيف سأعيش؟ ولِمَ؟
أي دافع أمتلكه كي أستمر؟
لقد خسرتُ نفسي؛ الفتاة التي كانت تضج بالحياة في جنباتي، خسرتُ أخي، صديق عمري، مستقبلي، و حتى جمالي.
لقد سخّرتُ حياتي لأجل طفلة ما هي بطفلتي؛ ذرعاً للذنب، وتحصيلاً للمغفرة، لكن لا مغفرة تطولني، ولا سعادة تتفشى في أيامي.
حتى الطفلة التي سخّرتُ حياتي لأجلها خسرتُها، وإن ما خسرتُها الآن سأخسرها بعد بِضع سنين، إذن لِمَ سأعيش؟ لِمن؟
على الأقل الطفلة تملك عماً سيُحبها ويحميها بكل ما يقدر عليه، وأنا أثق به، لكن أنا ما عدتُ أملك شيئاً.
ما دمتُ فقط أتلقف العِقاب نتيجة خطأي، لِمَ لا أغوي الموت إلى حِجري كي يكون عقابيَّ الأكبر، وتتساوى الجريمة بالعقاب على قدر الإمكان.
تلك ستكون نهاية عادلة بقدر ما هي مأساوية، أن أقتل نفسي الآن، وأقضي على بقايا عُمري، أما كاي؛ فستقضي عليه المخدرات عاجلاً أو آجلاً، وسينال مصيراً أسوء من مصيري.
نزلتُ إلى المطبخ ببقايا قوة أصرُفها على لقاء الموت، إخترتُ من سكاكين الطبيب زانغ أكثرها حِدة، حملتُها، وسرتُ خارج المطبخ.
سِرتُ على مهل حتى جلست أمام النافذة مجدداً، لم تدمع عيني تمسكاً بالحياة، لم ينبض قلبي بقوة، ولم ترتجف يدي، أنا لهذه الدرجة لا أُريد أن أعيش.
لأول مرة في حياتي أكون مُتيقنة من صحة إختياري لهذا الحد، ما إستهلك مني قطع العروق في معصميّ سوى جهد بسيط، حركته به السكين على جلدي.
إبتسمتُ عندما وخزني الألم، إنحدرتُ بجسدي لأجلس أسفل النافذة، نظرتُ إلى الدماء يركض مني إلى حُريّته خارج جسدي، حتى جسدي يريد أن يتخلص مني.
شعرتُ بنبضات قلبي تتسارع، وأنفاسي تضيق، بدأت رؤيتي تتشوش، وبدأ رأسي يدور، ما زلتُ ابتسم.
أهلاً بكَ يا موت... خُذ روحي بما أن رائحة دمي أغرتك، أرحني من الحياة، خذني معك، لا تسمح لهم بإنقاذي.
...............
بيكهيون حطَّ بقدميه على أرض الوطن أخيراً، ما كون بوسعه أن يسمع الرسالة، التي على لسان والده له، بأن عليه التوجه إلى العمل فوراً، أو القصر، أو أياً يكُن، هو فقط أخذ سيارته، وانطلق من المطار إلى منزل أخته.
لقد تأخر كثيراً، بيكهيون يعلم، لكن أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل أبداً، سينقذها من هذا الوحش الذي تركها في وِكره، وسيفعل لأجلها ما يلزم وما تشاء.
وصل إلى المنزل، ركن السيارة في منتصف الشارع، وركض إلى باب المنزل يلكمه، ويركله، ويصرخ.
" جونغ إن! أيها المريض! اخرج! أرني قدراتك أيها اللعين، أم قدراتك على النساء فقط؟! سأقتلك على ما فعلته بأختي!!!"
صوت صياحه ملئ الحي بأكمله، والكثير من الجيران خرجوا إلى شُرفاتهم ينظرون إلى ذلك الرجل الثائر.
زفر بيكهيون أنفاسه من جُب صدره، وإلتفت ينظر إلى الحديقة، يبحث عن شيئ يعوله على كسر الباب، لكن صوت سيارات الشُرطة سبقه، فما إن تحرك حتى حاصروه الشُرطة يشهرون بأسلحتهم عليه.
" أنت كيم جونغ إن؟!"
سُرعان ما نفى يخرج بطاقته المدنية إليهم وقال.
" لستُ هو، أنا هنا أبحث عنه، أنه يعذّب أختي!"
الشرطي آشار له بالإبتعاد عن الباب، ثم قاموا بكسره، دخل بيكهيون قبلهم، ونبش عن أخته في المنزل، وهم نبشوا عن جونغ إن.
لَفَتَ نظر بيكهيون ربطة عنق معقودة إلى قدم الأريكة، ثم رأى بُقع دماء على الأريكة، إعتصر قبضتيه بينما يتذكر صوت صراخها عبر الهاتف، هذه دماءها بالتأكيد.
أبعدوه الشرطة عن الموقع ما إن رأو الدماء، بيكهيون قام على أعقابه، ثم خرج من المنزل؛ يحمل معه غضبه وندمه.
قاد سيارته بجنون إلى قصر عائلة كيم، وفورما وصل؛ اقتحم البوابة بسيارته مُدمراً الواجهة كاملة والبوابة، خرج يصرخ ويهمّ بإقتحام القصر.
" أين أنت يا جونغ إن؟! أخرج! أقسم سأقتلك!"
خرج تيمين وخلفه والديه، تقدم تيمين سريعاً من بيكهيون، الذي ينتفض بغضب، وحاول محادثته.
" ما الذي يحدث معك؟ لِمَ تصرخ؟"
قبض بيكهيون على قميص تيمين، وصاح به.
" أين أخيكَ الماجن الداعر؟! أين ذهب بأختي؟!"
تيمين قبض حاجبيه بلا فهم، وفكّ نفسه من قبضة بيكهيون يقول.
" إهدأ قليلاً، سأتصل به"
تنهد بيكهيون بغضب شديد، ووقف مُتخصراً بغُل أمام تيمين يقول.
" أخبره أنني أريد أختي أينما وضعها، سأقتله حقاً لو تأذّت!"
تنهد تيمين، واتصل بجونغ إن، الذي أجابه بسرعة يقول.
" اووه! تيميني! كيف حالك أيها الشقيّ؟! أعطني مالاً"
نظر تيمين إلى بيكهيون قابضاً حاجبيه، ثم حاول الإبتعاد قليلاً، فيبدو أن أخيه المُريب يقوم بفعل أكثر شُبهة من السهر، و السمر مع النساء، و السُكر، لكن بيكهيون تمسّك بكتفه، وأشار له أن يبقى واقفاً محله، تنهد تيمين قبل أن يتسآل.
" أين أخذت أوكتافيا؟!"
همهم كاي على الخط؛ يحاول أن يتذكر ما الذي فعله بها، ثم ضحك يقول عندما أسعفته ذاكرته أخيراً.
" لقد بعتُها الأمس لِقاء المال، لكنها لم تقدر بثمن يكفيني، لذا أعطني مالاً"
الدهشة جمّدت عقل تيمين، فوراً استنكر.
" أبعقلك عطب؟! تقول أنك بِعتَ زوجتك!"
ضحك كاي، وبيكهيون أخذ الهاتف منه يتحدث.
" من اشتراها منك أيها المريض؟!"
ضحك كاي مجدداً يهمهم بينما يستذكر.
" اوه! لقد كان عشيقها من اشتراها، دفع لي بعض الدولارات فحسب، لقد نفذت، أتملك مالاً؟!"
بيكهيون أنزل الهاتف عن أذنه بيدٍ ترتجف، وجهه قد إستشرى غضباً، وبهسهسة قال.
" يقول أن عشيقها اشتراها؟ من يقصد؟"
لعن تيمين عالياً، وكانت المرة الأولى أن يفعل وينفعل إلى هذا الحد، ثم بأنامل مرتجفة إتصل بالطبيب زانغ، وبينما ينتظر أن يرد الطبيب عليه قال بعصبية لبيكهيون.
" هو ليس عشيقها، هو فقط ساعدها في ظِل غياب الجميع عنها، أخي مجنون مريض، لا تأخذ بكلامه!"
وبيكهيون ما كان يملك الإدراك الكافي ليُشكك بها حالياً، هو فقط يريدها حيّة، سليمة، مُعافى، وفقط هذا.
أجاب الطبيب زانغ في النهاية، وتيمين تحدث.
" أين أوكتافيا؟!"
رد الطبيب بالصمت لبضع لحظات، ثم إندفع الكلام من جوفه بسخط وغضب.
" ما الذي جعلكم تتذكرون أن في أسرتكم إمرأة تدعى أوكتافيا؟ هل علمتم أن زوجها باعها الأمس لِقاء المُخدرات؟ أم أنكم سمعتم حسيس صراخها إثر التعذيب السادي الذي مارسه عليها؟! أم أنكم لاحظتم أخيراً أنكم جميعاً تخليتوا عنها، وتركتوها لهذا الوحش يفعل بها ما يشاء؟!"
الخزي قيّد لسان تيمين عن الرد، هو فقط تنهد وكمش جفونه بأسف، وطبيب قد قرر مُسبقاً ماذا عليه أن يفعل.
" إنها في مكاني، ولكن لا تحلموا بلقائها مجدداً، هي ما عادت بحاجتكم!"
بيكهيون أخذ الهاتف من يد تيمين، وتحدث بنبرة صوت مُهتزّة ومُرتجفة؛ كما يديه و حدقتيه الدامعة.
" تأكد من أنها بخير أرجوك! أوكتافيا لا تقبل المهانة، تُفضل الموت على أن تتعرض للإهانة، تفقدها إن كانت بخير سريعاً من فضلك، أخبرني أين هي، أنا أخوها، أخبرني فقط!"
من باب الخوف فقط أفشى الطبيب عن موقع شقته لشقيقها، فالمستشفى بعيدة عن الشقة التي إستأجرها، وهم سيكونوا لها أقرب لتفقدها.
كيف لم يأخذ بالحُسبان أنها قد تؤذي نفسها؟!
لهذا الحد كان عقله غافلاً.
بيكهيون وتيمين توجها للعنوان معاً، والسيد كيم بدأ بتحرياته للتقصي عن جونغ إن، مكانه، و المصائب التي إقترفها.
بيكهيون وتيمين وصلا العِمارة، التي تتواجد بها شقة الطبيب زانغ، أخذا بطاقة الدخول من أمين العمارة بأذن من الطبيب، ثم ولجا إلى الشِقة.
إنها هادئة بلا انفاس حيّة، هادئة بشكلٍ يبعث الريبة و إحساس الغُربة في نفس، وما كان منظر الدماء الذي يسبق جسدها النائم أسفل النافذة إلا توكيداً لحقيقة هذا الشعور، هرع إليها بيكهيون، وتيمين اتصل بالإسعاف سريعاً.
رفعها بيكهيون إلى صدره وأخذ يُربت على وجنتها بكفٍ مُرتجف، والهلع قد تمكّن من حيله وقوته.
" فيا! أوكتافيا! صغيرتي، أرجوكِ استيقظي! انظري الي!"
لقد نالت بشرتها من المرض صفاره، فهي فقدت كمية دم ليست بهيّنة، ليس أكيداً أنها ما زالت حيّة، فلربما هي ما زالت تملك نبضاً خفيفاً، أو أنها وسوسة أمل فحسب.
مزّق تيمين أكمام سترته، وضغط بها على جروحها حتى تصل الإسعاف، بينما بيكهيون يحتضنها إلى صدره ويبكي، فلا ينفع بموقفٍ كهذا أن ينهار كلاهما، أحدهما عليه أن يبقى واعياً، وهذا كان تيمين الذي إحتفظ برابطة جأشه مُقابل بيكهيون الذي إنهار بالفعل.
وصلت سيارة الإسعاف أخيراً، ونُقِلت أوكتافيا إلى المستشفى لتلقي العلاج، دخلت غرفة العمليات، ولم يعلم أحد بعد ما ظروفها، فقط أن بها نبض ضعيف، وأن نجاتها قد تكون بعيدة المنال.
بيكهيون جلس أرضاً يبكي بأنهيار، يضم رأسه بين كفيه، و يضرب وجهه كل حين بعدما رأى بأم عينيه نتيجة تقصيره معها، والتخلي عنها.
تيمين لم يحاول أن يخفف عنه، فجميعهم يستحقون هذا الإنهيار، وليكيل بالمزيد، ليروا ما نتج عن التخلي عنها، اتصل بوالديها وأخبرهم أن ابنتهم إنتحرت بنبرة باردة لا مواساة فيها، واتصل بوالديه يخبرهم أن ابنهم تسبب في مقتل زوجته وصّب جام لومه عليهما، فأمه ساعية خلف الطبقات الإجتماعية، و أبوه ساعٍ خلف أرباح الشركة وإرتفاع سعر الأسهم، وأخيراً توقف عند اسم جيمين.
سيتصل به، لا ليلومه كما فعل بالجميع، بل ليرى أن أفكاره حيال أوكتافيا وحياتها مع جونغ إن خاطئة تماماً، لعله بعد هذا تجاوزها وصفح عنها أخيراً.
" جيمين، أين أنت؟!"
أجابه جيمين، واستطاع تيمين أن يميز صوت أبواق السيارت من حوله، وبحّة الإرهاق في صوته.
" متوجهاً للمنزل، أتريد شيئاً؟!"
همهم تيمين، ثم همس بنبرة بائسة.
" أوكتافيا إنتحرت"
سمع صوت زعيق العجلات، ثم أبواق السيارت بقوة، فهرع تيمين يتسآل برعبة أن أخيه قد وقع في حادث؛ لهول الصدمة على مسامعه.
" جيمين! أنت بخير؟! اجبني!"
أجابه بنبرة ساكنة.
" ماتت؟!"
تنهد تيمين يمسح على قلبه بيده وأجاب.
" هي بغرفة العمليات الآن، لكنها في حالة صعبة جداً، قد لا تنجو!"
سمع تنهيدة جيمين.
" بأي مستشفى أنتم؟!"
وفورما أخذ جيمين العنوان أغلق الخط، وقاد بسرعة إلى المستشفى المقصود.
وصل المستشفى بعد صِراع مرير مع أزمة الطرق وضجيج المدينة، جيمين بدى غاضباً، حزيناً، وشيئاً ما نادماً ومتألماً.
عرج إلى قاعة الإنتظار أمام غرفة العمليات، وهناك وجد تجمّع يشمل العائلتين، بيون و كيم، جميعهم وجوههم مُصفرّة، وحالتهم تنذر بإنهيار قادم لو خرج الطبيب بخبر مُفجع.
نبس جيمين بنظرة غليظة، تنُم عن غضب قد إعتمر ونصب في نفسه كفاية، ليقدم على فعل مجنون، كالقتل مثلاً
" أين كاي؟!"
إقترب منه تيمين، ثم جعل ذراعه تحيط كتفي شقيقه قائلاً، وجعله يسير به أبعد عن أسماع العائلتين.
" لا ندري أين هو بعد، لكن ما أعلمه أنه هارب من الشرطة"
قبض جيمين حاجبيه يقول.
" لماذا؟ ماذا فعل؟!"
تنهد تيمين ببؤس قبل أن يجيبه.
" يبدو أنه يتعاطى المخدرات"
تبسّم جبمين بسخرية، فحدوث أمر كهذا مع أخيه لم يكن بعيد عن توقعاته، الهلاك مصير كل ماجن في النهاية.
" وما الذي فعله لها كي تقدم على الإنتحار؟ أدركت أن خيارها خاطئ أخيراً؟ أم شعرت بالذنب؟!"
تنهد تيمين بأستياء شديد من أفكار أخيه، وقرر أن يجعل أخاه مُطلعاً على ما يحدث.
" تعال معي"
سحبه تيمين إلى زاوية مُنعزلة نسبياً، بعيدة عن الإكتظاظ، قُرب النافذة، تمسك بكتفي أخيه ثم قال.
" استمع إليّ جيداً، أوكتافيا تُدرك منذ البداية أنها أخطأت، زواجها لم يكن نابع من إرادتها، والدها أجبرها أن تتزوج من جونغ إن، فزواج كهذا سيدُرّ بالمال على الطرفين كما تعلم"
راقب تيمين سكون أخيه واتبع.
" أوكتافيا تحمّلت ما تحملته لارا وأكثر، فهي قد وهبت حياتها كي تربي ابنة لارا، لعلها تخفف عن نفسها، لكن لا..."
" الطفلة إنتكست مرتين، ووحدها أوكتافيا من رعَتها، الطفلة الآن في المستشفى، وقد خضعت لعملية دفع تكاليفها الطبيب المسؤول عن حالتها، وبدل أن يشكره جونغ إن؛ هو إتهمها به قائلاً أنه عشيقها"
قبض جيمين يديه يُفرغ بهما سخطه وسمع أخيه، يريد أن يرى لها مبرر، أن يتلمس لها العذر، أن يمون قادراً على مسح الكره لها من قلبه.
" رغم ذلك، أوكتافيا تحمّلت كل جنونه، وعربدته، وساديته لأجل هذه الطفلة، لكنه بعدما أصبح مدمن مخدرات، أوكتافيا بدأت تفقد عزيمتها، واليأس قد تلبسها"
وقف جيمين برأسٍ منخفض يومئ، ثم رفع رأسه مُتسألاً.
" وهذا ما دفعها للإنتحار؟"
نفى تيمين قائلاً.
" لقد أقدم على بيعها لرجال الحانة لِقاء المخدرات بالأمس، والطبيب قام بإعطائه بعض المال وأخذها منه، وإلا لكانت مقتولة، ومُغتصبة في مكان ما"
بينما يتحدث تيمين، جيمين أغلق عينيه، وخبأ وجهه بكفيه لهول ما سمع.
" الشرطة اقتحمت المنزل، ووجدوا دماء، وربطة عنق استخدمها لربطها، وحِزام بنطال جلدها به، لقد تعرضت للتعذيب أيضاً"
رفع كفيه عن وجهه، وبغضب أعمى جيمين تحدث.
" سأقتله هذه المرة! سأضع السكين في قلبه!"
تمسّك به تيمين سريعاً يقول.
" لن أسمح لك أن تتورط بجريمة قتل أخيك، الشرطة ستُمسك به، أنت هنا من أجل أوكتافيا، لذا ابقى هنا لأجلها."
قاومه جيمين رافضاً عازماً على قتل أخيه، لكن في النهاية تيمين صاح به غاضباً يقول.
" كم تريد أن أبقى بالسجن هذه المرة؟! لمدى الحياة؟! فكّر بي على الأقل! أنا لن أسمح أن تدخل السجن، لا تجعلني أقدم تضحية كهذه يا جيمين!"
وقف جيمين عاجزاً عن فعل أي شيء سوى الإنتظار كما يحدث مع الجميع بعدها.
........
الطبيب زانغ قد وصل إلى المستشفى، وكان برفقته طبيب آخر، دخلا سريعاً إلى غرفة العمليات.
بعد مرور قرابة الساعة؛ خرج الطبيب زانغ وحده بوجه يعلوه الضيق.
" نحتاج إلى زمرة دم "O_"، أي منكم يحملها فليقدم للتبرع لها"
لم يترك جيمين فرصة لأي أحد كي يتقدمه، وقال سريعاً.
" أنا زُمرة دمي متطابقة، سأتبرع لها!"
أومئ الطبيب زانغ ثم أشار له أن يمضي معه، وجميعهم من خلف جيمين والطبيب بدا مذهولاً، أليس جيمين يكرهها؟!
لقد تمنى لها الموت دوماً، لكن الواقع يثبت أنها دعواته كانت مُجرَّدة من حقيقة مشاعره.
دخل الطبيب زانغ مع جيمين إلى غرفة ليسحب من دماءه، تمدد جيمين على السرير، والطبيب وصل المُعدات اللازمة في جسده.
وبينما الدماء تسير في الأنبوب الطبي؛ جلس الطبيب زانغ قُربه.
" كيف وضعها؟!"
تنهد الطبيب بخفّة قائلاً.
" نخشى أن نفقد السيطرة، لقد خسرت الكثير من الدماء"
أومئ جيمين ثم إحتفظ بصمته، يرجو من كل قلبه ألا يمسّها أي ضرر، ويعد لو أنها خرجت من هذه المستشفى على قدميها، فهو لن يكيل بها مجدداً، لن يهاجمها، لن يتعرض لها إطلاقاً.
" لم أراك مسبقاً، من أنت؟!"
سؤال الطبيب أخرج جيمين من أفكاره، فنظر إليه قائلاً.
" أنت الطبيب الذي كانت بشقته، صحيح؟!"
همهم فتنهد جيمين قبل أن يقول.
" أيهما أقرب أن أقول؟ أنني صديقها الوحيد منذ سنين طويلة وخطيبها السابق، أم أقول أنني أخوها في القانون؟"
عقد الطبيب حاجبيه و همس مذهولاً.
" يبدو أن القصة معقدة أكثر مما إعتقدت"
وقف الطبيب متنهداً ثم قال.
" سآخذ كيس الدم إليها، وأنت ابقى هنا، سأطلب من أخيك أن يأتي ليساعدك"
أومئ جيمين، ثم تحرك لينام على جنبه، ويكون ظهره ناحية الطبيب، وضع يده على وجهه، ثم قبضها يشدد على أسنانه بقوة، ولكن عبثاً.
لقد إنسابت دمعته، لقد بكى لأجلها وخوفاً عليها... وحدها من تُثير فيه هذه المعمعة.
أتى تيمين، ولكنه عندما سمع صوت بكاء جيمين رغم خفوته؛ تراجع وقرر البقاء خلف الباب حتى يهدأ أخيه، ويخرج ما فيه نفسه من وجع.
.....................
مرّ الوقت وخرج أخيراً الطبيب زانغ برِفقة الطبيب المسؤول عن حالة أوكتافيا، اجتمع من حولهما جميع أفراد العائلة قلقين ومُصفرّة وجوههم.
" لقد نَجَت بالفعل، سنقوم بنقلها إلى غرفتها قريباً، ويُرجى منكم ألا تضغطوا عليها"
غادر الطبيب المسؤول، وبقي الطبيب زانغ الذي تحدث بالعائلتين بصوت غاضب، وملامح متجهمة.
" قبل يومين، كانت آخر مرة رأيتُها بها، أتت تطمأن على ابنة زوجها، التي ترقد في المستشفى منذ أسابيع، و لم أرى أي وجه من هذه الوجوه سِواها هناك، عندما أخبرتها أن الطفلة أُصيبت بالصمم بسبب المرض؛ لم يكن أحد منكم معها لمواساتها، بل هي سقطت فاقدة وعيها لأجل هذه الطفلة، التي لا تمت لها بأي صِلة جينية، وأنتم ماذا فعلتم؟!"
" لا شيء... أخبرتُها إن لم تقدر على جمع المال المترتب على عملية زراعة القوقعة فأنني سأدفع التكاليف بنفسي، ليس لأنني عشيقها كما يدّعي زوجها."
" بل لأنني أعلم أنها لا تملك قرشاً واحداً حتى، زوجها الأستاذ الجامعي القدير يُنفق ماله على النوادي الليلة، وخدمات الدعارة، والخمر، وأخيراً المخدرات"
"زوجها القدير أقدم على بيعها الأمس بعدما نفذ جيبه لقاء الكوكائين، لولا أنني حضرتُ في الوقت المناسب لكان عِرضها قد اُنتهك على يد رجل داعر كزوجها، لقد قيَّموها كالبضاعة!! وأشاد زوجها الديوث بأنوثتها! أنه يبيع شرفه لأجل بعض القروش!"
تنهد يرمق الرؤوس المُنكسة و الوجوه المُعتمرة بالعار بسخط، ثم قال.
" قُمنا بفحصها لأجل التقرير الطبيّ، و ماذا كانت النتيجة؟!"
" كدمات و رضوض إثر الجَلد و الضرب المُبرح واسعة الإنتشار على جسدها، آثار ربط على معصميها سبب حبس الدماء في يديها"
رفع في وجههم التقرير و اتبع.
" هذا التقرير سنسلمه للشرطة، كي يتخذوا الإجراءات اللازمة بحق المُعتدي"
غادرهم، والسيدة كيم إنهارت أرضاً تبكي سلفاً على ابنها، السيد كيم جلس بضعف يقدّر حجم الخسارة التي سيتعرض لها بسبب هذه الفضيحة، أما تيمين فذهب إلى مركز الشرطة ليرى لأي حد أخيه قد تورّط.
وجيمين رافق عائلة بيون إلى غرفة أوكتافيا، إكتفى جيمين بالجلوس خارجاً، وإنتظار خبر أنها استيقظت.
دخل الطبيب زانغ لبضع دقائق مع طبيبة وممرضة، ثم خرج قبلهنّ ووقف على الباب يحرسه، حتى خرجت الطبيبة والممرضة معها.
" أتحتاج المزيد من الفحوصات؟!"
تسآل بيكهيون فعقد الطبيب زانغ ساعديه إلى صدره، وضل واقفاً على الباب يمنع دخول أحد.
" صهرك العزيز قد كان في علاقات حميمية كثيرة، و هذا ما يعرضه للأمراض المنقولة جنسياً، نريد أن نتأكد أنه لو كان يحمل مرضاً ما أنه لم يعدي أختك بعد"
تنهد بيكهيون بأستياء شديد، بينما يدلك صدغيه وقد داهمه الصُداع، تقدم من الباب يقول.
" ابتعد، أريد أن أرى أختي!"
إرتفع حاجب الطبيب زانغ بإستنكار شديد وقال.
" أختك؟! هل تذكرت أخيراً أنه لك أخت؟! لقد فات الأوان بالفعل يا صديقي، ممنوعة الزيارات"
تقدم بيكهيون بغضب إلى الطبيب، وضرب صدره بشيء من القوة، يدفعه كي يبتعد عن الباب.
" تنحّى عن الباب و لا تغتر كثيراً! أنت مجرد طبيب هنا!"
أبعد الطبيب يد بيكهيون عنه بهدوء و قال.
" و السُلطة هنا للأطباء، اخرج من هنا قبل أن استدعي لك الأمن، ليخروجك بطريقة لا تليق بمدلل مثلك أيها الصبيّ!"
تبسّم جيمين بشماتة، وأشاح بوجهه عن نقطة الشِجار الكلامية، وتنهد يفكر.
هل ستكون بخير؟
هل ستعود إلى كاي؟!
ماذا سيحدث بعد كل هذا؟!
لكن القرار وحده بيدها، فإما أن تفتح الباب للنورِ كي يلج حياتها، أو ترضى بالعتمة، التي هي محبوسة فيها وتبقى بها للأبد.
وعلى علمٍ مُسبق بصديقته -صديقة السنين-، فهي ليست مِمن يقدمون التضحيات دوماً، ويقبلون بالعتمة للأبد، لا يظنها ستغلق الباب في وجه النور.
........................
سلاااااااااام
أولاً؛ والله آسفة جداً على التأخير الي صار، كل ما أقرر أكتب تطلعلي قصة تمنعني😭😭💔
المهم، هذا البارت المأساوي الحزين السوداوي ليس نهاية السوداوية، لكن كل هذا السواد رح ينتهي قريباً.
نحتفل بوصول الرواية للفصل الأربعين😭 و ها أنا أرى النهاية من هنااااا
الفصل القادم بعد 100 فوت و كومنت.
1.رأيكم بأوكتافيا؟! إقدامها على الإنتحار؟! الطريقة التي تحضرت بها للموت؟!
2.رأيكم ببيكهيون؟ رد فعله على إنتحار أخته؟ ماذا سيفعل لإستعادتها؟ وهل ستقبل أن تسامحه؟
3.رأيكم بجيمين؟ رد فعله؟ مشاعره ناحية أوكتافيا؟ وما مستقبل علاقته مع أوكتافيا؟
4.رأيكم بتيمين؟ دوره كأخ عاقل بين وسط المجانين هذا؟!
5.رأيكم بالطبيب زانغ؟ لومه لأفراد أسرتها؟ وماذا سيفعل لأجل أوكتافيا؟!
6.ما مصير جونغ إن في ظل كل هذه الفوضى؟ و ما مستقبل أوكتافيا؟ النور أم العتمة؟
7.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі