Report
Chapter One
Chapter Two
Chapter Three
Chapter Four
Chapter Five
Chapter six
Chapter Seven
Chapter Eight
Chapter Nine
Chapter Ten
Chapter Eleven
Chapter Twelve
Chapter Thirteen
Ch14|| حواء
Ch 15|| خليل الهان
CH 16|| أحكام
Ch17|| الحب و أشباهه
CH18|| فوضى مشاعر
CH19|| رعشة البتول
CH20||فرائس الحب
CH21|| فقدان الفردوس
CH22||حقوق ليست بمحلها
CH23|| تفرِقة
Ch24|| في قاع الحب
CH25|| إلى الهاوية
CH26||حب و جريمة
CH27||خالل الهان
CH28||أساس ركيك
CH29||مُبهم
CH30||صراع القلوب
CH31||الأعزب ليلاً
CH32||إنجلاء قِناع
CH33|| مذلة و نذالة
CH34||في الصفح و الحقد
CH35|| لا يتعظ
CH36|| عصيٌ على الطُهر
CH37|| هوّة
CH38|| حُب الرُّهبان
CH39|| إمرأة للبيع
CH40|| المرأة الثمينة
CH41|| من ضلع الكرامة
CH42|| ابن الهان
CH43||تَمسّ السماء بأناملها
CH44|| أزمة عاطفيّة
CH45|| بداية النهاية
CH46|| اللوتس
CH47|| قلبي يحبها
CH48|| عُقد النقص
CH49|| وعد
CH50|| أزمة ثقة
CH51|| إعتذارات ومعاذير
The End|| تُفّاح مُحرّم
CH47|| قلبي يحبها
" قلبي يُحبها"








سنينٌ حملتُها على أكتافي، خمسُ سنين قضيتُها بين الجُدران مُحاصر.

ما كانت المقاومة في المصحّة يسيرة علي، لكنني كنتُ أرغب في التغيير، لذا لجأتُ لتّشبث بإرادتي في وجه رغبتي المُلحة لإستعادة كاي في حياتي.

أولهم... عامان من العُزلة بين أربعة جُدران بيضاء، يرفعني عن الأرض سرير، وتحوي غرفتي سواي دولاب ثيابي الضيّق.

هكذا فحسب لعامين...

كانا أعسر عامين في حياتي، أصعبهما عليّ، وأشدهما ألمًا، إذ أنني رضيتُ بأنّي أُكبّل بالسرير لمدة ستة أشهر، لا أنهض إلا إن قضيتُ الحاجة.

كنتُ أُجن ليلًا، أصرخ من شدة الألم، إذ جسدي ينهشني وأظافري مُقيدة، حتى لو حككتُ جلدي لما شُفيت، رغبتي للكوكائين هي من كانت تنهش جلدي كذا كل أعضائي.

ما كنتُ أقدر أن أنام إلا إن وخزتني المُهدئات، كنتُ أتناول الكثير من العقاقير، أشتكي آلام تقرحات جسدي كطفل صغير.

كنتُ أتألم، وما كان أحد بجواري، كنتُ وحيد فالجميع تخلّوا عني، لكنني كنتُ أدرك أنني أستحق أن يرميني الجميع على قارعة الطريق ويمضوا دوني.

لأنني من بارحتهم أولًا، هم لم يبارحوني...

رغم ذلك؛ تمسّكتُ بصلابة في هدفي، أردتُ أن أستعيد نفسي، أن أملك نفسي، بعدما مَلكني الهوى و المجون.

ما حاولت أن أهرب من المصحّة قط، ولا حدث أن لجأت الفرق العلاجيّة لتطبيبي رغمًا عني أو تثبيتي كما يحدث مع المرضى الآخرين، كرفيقي سيهون مثلًا.

قاومت إلى أن أوهن جسدي الإستلقاء الدائم وحطّم قواي، فكنتُ أشعر بأنني عجوز مضى بي العمر، رغم أنني ما زلتُ في عاصفة الشباب عالق.

تحررتُ من قيد الأصفاد بعد ستة أشهر من تلقي العلاج، ثم كنتُ حُرًّا في التجول بأنحاء الغرفة فحسب.

كنتُ إن نظرت من النافذة استطابني منظر الحديقة، واشتهيت أن أمشي بها مثل بقية المرضى، فأنني محبوس بين هذه الجدران لدرجة أني حفظتُ تفاصيلها الدقيقة، لكنني ما اعترضت وما طلبت شيئًا أبدًا.

لزمتُ الصمت، وخضعتُ للعلاج حتى تعافيت، وتلك العُزلة استهلكت مني عامين.

لكن وجب علي فعل ذلك وإلا ما استعدتُ نفسي، إنه ليس دورًا أتّكل به على أحد، وحدي وجب علي أن أقاوم.

ثم بعدها حولوني إلى السجن، ولكي لا يضرّوني السُجناء، إستفدتُ من واسطة أبي، إذ وضعوني في زنزانة بها رجال ذا جرائم صغيرة، كالقيادة تحت تأثير الكحول، التدخين في أماكن عامة وهكذا أمور، لذا لم تدم صحبتي مع أيًا منهم إلا لفترات قصيرة، فتنقضي عقوبتهم وما أزال أنا محبوسًا.

تلك الثلاث سنين كانت عليَّ أفضل، فالسجن مرارته أحلى من علقم المصحّة، في السجن استطعت أن أفكر بالمستقبل وأراجع الماضي، فبعدما تخليتُ عن كاي قررت أن أُهذّب ما بقي مني وأن أستعيد حياتي.

لكن البُعد كان خير مُعلِّم، والزمن كان أفضل فرصة، فلقد تعلمت الكثير في ذاك المنفى، قرأت كتبًا كثيرة في تنمية الذات وتطوير العلاقات، سعيتُ خلف نفسي كثيرًا، ركضت خلف أحلامي.

لكن نوبات شوق كانت تصيبني فجأة، فتحرمني النوم طيلة الليل، وحينًا تصيبني نوبات حزن شديد، فتجعلني أبكي طيلة الليل.

كلما تذكرتُ لارا بكيت، كل إهانة وجهتها لها بتُ أذكرها، أكره نفسي لأنني جعلتها تحتاج غيري، أكرهني لأنني من سحب منها الحياة رغم أنها بغباء أحبتني.

وكلما تذكرت أوكتافيا إنتابني الشوق، أدركتُ أن البُعد كشف عن مشاعري السِّتار، إذ وجدتُ نفسي أودّها، لا أدري متى بدأتُ أُحبها، ولكن بالتأكيد ليس عندما بِعتُها.

لم أُريّح ضميري بالأعذار، لم أحاول أن أتعذّر لنفسي عمّا اقترفته يداي، بل قصدتُ أن أُعذب نفسي لأنها تستحق، فهي آمّارة بالسوء وأنا كنتُ مجرد عبد لشهواتي.

اليوم أنا غير قابل للطي، غير قابل للرجوع إلى الماضي، فلقد درستُهُ وتذوقتُ عَلقمه، وأريد المُضي قُدمًا، فالندم لن ينفعني، وأنني أحتاج لبدايات جديدة تُكلل شخصي الجديد.

أنا فقط أحتاج إثبات نفسي، إن أثبتُّ نفسي عملتُ لأكسب قلب أوكتافيا من جديد، وأستعيدها وابنتي، عائلتي الصغيرة.

كنتُ قد لَزمتُ الطبيب نفسيّ الذي أشرف على علاجي في المستشفى، الطبيب لي دونغهي، منذ أنني حريص على صِحة خطواتي، كي لا أرتكب خطأ بتهور أو بدافع الغيرة، لكنني فعلت الأمس، واليوم عندما ذهبت إليه أخبرني أن ما فعلته أمرًا جيد.

فقد قال لي أن قُدرتي على نشب شجار مع رجل متكافئ القوة معي يعني أن شيء في شخصيتي تبدل، ليس فعلًا يُثنى عليه، ولكنه يثبت أنني تغيرت.

فأنا السابق ما كنتُ أجرؤ أن أفرغ غضبي برجل، إن غضبت من رجل يعادلني في القوة أو يفوقني أُهاجم إمرأتي، وكثيرًا ما فعلتها.

في كل مرة ضربت بها لارا لأن أخواي يعتنيان بها، كنت أغضب منهما وهي تدفع الثمن بما أنها أضعف من أن ترد لي اللكمة.

كذا عندما دخلت حياتي أوكتافيا، كلما شعرت بأن الطبيب يسلبها مني هاجمتها وكففت عنه أذاي؛ لأنني أجبن من أن أواجهه بقبضتي.

لكنني فعلت اليوم، غِرتُ عليها، خفتُ أن يسلبها رجلًا آخر مني، فوجهت غضبي ناحية منبعه، لا لها لكونها صيد أسهل وأكثر أمانًا.

لكن حينما أخبرت طبيبي عن خطتي التابعة قال أن آخر الدواء الكيّ، لذا لن أستعين بها حتى أعجز، وأخبرني أن أتابع حياتي كما لو أنني لم أهفو وأمضي، فلا ضير ببعض الأخطاء.

لكن لا مجال للخطأ معي، منذ أنني واقع في شَرَكِ إمرأة عنيدة يحركها الإنتقام ضدي، إمرأة تكرهني وأوج فرحتها تكون في قهري وتقهقهري.

بعد أن غادرت الحفل البارحة بعد نوبة غضب وإفشاء بعض الخطط بغباء، اليوم قررتُ أن أصلح ما أفسدته معها، وتوجهت إلى مكتبها أحمل إعتذارًا.

لو أن الأمر لم يحصل ضمن مشاغل العمل لما كنت معها بهذه الرسمية، لكن العلاقة التي تجمعنا الآن هي علاقة رئيسة ومرؤوسها.

لا تراني أوسع من هذا القدر، وإن رأيتُها في قدري أوسع، إلا أنني مجبور أن أتصرف وِفق القدر الذي تراني هي فيه.

طرقت الباب فيما أملك من الوقت عشر دقائق فحسب لمحادثتها قبل بدء الدرس الأول.

كانت تجلس خلف مكتبها بخيلاء، تتكز بمرفقيها على الطاولة وتشبك أصابعها أسفل ذقنها، شعرها مفروش حولها كأطياف حرير ناعمة، وجسدها مستورة جنّاته ببدلة خمريّة يسفلها قميص أبيض.

فيما رَجُل المساعدات لوكاس يقف على يمين مكتبها ويمد لها ببعض المستندات، دخلتُ حينما أذنت لي وتحولت الأبصار علي.

ومنذ أن علاقتي بها كُشِفت البارحة؛ لم استغرب أن مساعدها فارقنا محرجًا يترك لنا خصوصية في الحديث، أنا شاكر لتفهمه.

هي فقط عدّلت رقبتها حتى إصطادتني عيناها، ونظرت إليّ بجفاء، بعدما ألقت نظرة خاطفة على ساعة معصمها.

" في غضون عشر دقائق سيبتدأ درسك الأول، أليس عليك أن تستعد له بدل أن تضيع وقتي؟"

دخلت قعر المكتب حتى قابلت طاولتها، فحلق حاجبها بإستهجان لما رأته مني من وقاحة أو جسارة ليست في محلها.

وقفتُ يفصلني عن طاولتها مترين، إنحيتُ بقامتي لها، ثم استقمت أقول.

" سيدتي، آسف لما بدر مني الأمس، لقد أعماني الغضب وتصرفت بتهور، أرجو أن تصفحي عني زلتي هذه"

رأيتُ شدقها يرتفع حتى شكّل إبتسامة مُعادية تستهجن، ثم وقفت بقامتها الممشوقة، وسارت نحوي تُعاضد ذراعيها إلى صدرها حتى صارت أمامي.

" بالأمس قلت أنني لن أقف في طريقك لإستعادتي، ما الذي تغير الآن؟"

" كنتُ متهورًا"

مالت برأسها يملئ وجهها التحدي.

" والآن؟"

رفعت بصري حتى لمَّ وجهها الحسن، أردتُ إحتضان وجنتيها برحتاي، وطبع قبلة على ناصيتها العلياء التي تتزين بشموخ، لكنني لزمت رغباتي الصمت، وقلتُ أُلثّم الحقائق.

" أكثر حذرًا"

تطلعت إليّ لبضع ثوانٍ قبل أن تُدبر عني، وتلزم كرسيها القيادي، ثم بلهجة آمرة حدثتني.

" إعتذارك مقبول، اذهب إلى عملك"

وهذا ما فعلته، إنحنيتُ لها مجددًا، أعتذرت للمرة الأخيرة، ثم أدبرت أتولى زمام عملي، سعيد لأنها لم تفصلني.

الجدول اليوم لدي مُكتض، فاليوم أملك سبعة حصص متوالية، واستراحة الغداء تقدر بنصف ساعة، ثم أنني آتي قبل العمل بساعة لتنظيم أنشطة الأسبوع، وأغادر بعد وقت العمل بساعتين؛ لأنني مُساعد مُدرب اللياقة البدنية.

هذا مُهلك، ولكنني لا أملك سوى أن أتحمل الضغط، فكل هذا نابع من حقدها علي، ولو أطفئتُ كرهها ناحيتي أكون منتصرًا، لا مُعذَّبًا.

فيما أنا اليوم أمنح الوقت للطلبة، لنقل الملاحظات إلى دفاترهم كنتُ أقف إلى النافذة، وهي تطل على المدرسة الإبتدائية ورياض الأطفال.

ابنتي هذه السنة دخلت المدرسة، وفي تقديري هي في رياض الأطفال، مُشتاق لها جدًا، بعثتُ بطلب الأمس للمعلمة المسؤولة عن شُعب رياض الأطفال، ومنحتها اسمها كي تدلني إليها.

اليوم وأنا أمتلك العنوان إليها أتشوق لرؤيتها، انتظر استراحة الغداء.

وقتما حانت غادرت إليها، لكنني لم أجرؤ أن أقترب منها، راقبتها من بعيد تلعب وتركض مع أقرانها، أنها جميلة جدًا تشبه أمها كثيرًا، لا أجد شيئًا مني فيها، هي بالفعل لارا صغيرة كما تمنيت.

جلستُ أرضًا واسترسلتُ في النظر إليها، أرغب في ضمها إلي، في معانقتها ونثر القُبلات على وجهها اللطيف، لكنني لم أكتسب الجراءة التي تخوّلني للوقوف أمامها.

ماذا أقول؟!
مرحبًا أنا بابا الذي قتل أمك وتخلى عنكِ، لن أبني علاقة على الكذب مجددًا، ولا حتى مع ابنتي، لا أجرؤ.

أتت أوكتافيا إليها، سمعتها تصرخ ب " ماما" فيما تهب لمعانقتها، أرى كم أحسنت أوكتافيا إليها، فابنتي تتلهف إليها ومُتعلّقة بها.

أنا بالفعل ما كنت خائف على ابنتي وهي بحوزة أوكتافيا، لأنها بيد أكثر من آمن عليها.

سمعتُ رنين الأجراس في المدرسة، وانطلقت صغيرتي تحمل على كتفيها حقيبتها إلى الداخل، لا أرغب بشيء أكثر من ضمها إلى صدري الآن.

كدتُ أغادر لولا أن أوكتافيا رأتني، أو بالأحرى هي رأتني بوقت سابق، وخافت مني على ابنتي، لذا أراها تقطع المسافة إليّ متجهمة.

" أنت ما الذي تفعله هنا؟! سأذكرك بأنه لا حق لك بها، فأنت لم تفعل لها شيئًا سوى أنك أنجبتها ساخطًا"

أومأت أزفر أنفاسي منهزمًا، صحيح، هي مُحقة، أنا لصغيرتي هذه لم أفعل شيء، سوى أنني منحتها حياة رغمًا عن إرادتي.

لولا أن لارا حمتها مني لما كانت اليوم موجودة.

أخرجتُ من جيبي عُلبة صغيرة، كانت قد إقتنتها أمها وهي تحملها في أحشائها، قدمتها لأوكتافيا.

" هذه من والدتها، أرادت أن تضعها في عنقها ما إن تبلغ سن الدخول إلى المدرسة، وجدتها بين أغراضها، أعطِها أياها، إنها قلادة من أمها"

لاحظت أنها ارتبكت، وبصمت أخذت العُلبة من يدي وأومأت، حينها تنهدت وبررت موقفي.

" أدري أن لا حق لي بابنتي، فأنا لم أفعل شيء لأجلها، لكنني لا استطيع منع قلبي عنها، أنني أختبر الحُب لأول مرة معها"

تركتها خلفي وغادرت، لا أود فرض نفسي عليها، ولا أن تفعل هي المثل بشأني، أنها ابنتي مهما حدث، قلبي يُحبها.




.......................





أهي خُدعة جديدة، أم هو صادق؟!
ليس بوسعي أن أصدقه مُجددًا ولا أُلام.

أخشى أن أصدقه فأقع في شَرك فِخاخه مجددًا، أنا أخشى منه على نفسي أكثر مما أفعل على لارا، لأنها ابنته في النهاية، لا يسعه أن يؤذيها وهي من دمه.

أما أنا، فلقد فرّط بي عدة مرات، لن أستغرب إن فعل مجددًا، علي ألا أصدق مسرحيته الهزلية هذه من جديد.

بعد المدرسة؛ أعدتُ لارا معي إلى المنزل، كنت في حالة فوضى فكرية، لا أدري ماذا علي أن أفعل بالضبط.

أود أن أُخبرها بالحقيقة، لكنني أخشى من رد فعلها.

ما إن وصلنا المنزل حتى استحممتُ وبدلتُ ثيابي، كذا فعلتُ لأجلها، وبينما أنا أجفف شعرها بمنشفتها الخاصة حدثتُها.

" لارا"

إلتفتت إلي بلطافة وقالت.

" نعم ماما"

قهقهت بخفة وطبعت على وجنتها الناعمة قُبلة، ما زالت كلمة ماما تُدغدغ مشاعري كلما سمعتها من ثغرها، لارا لدي أثمن من نفسي، أُحبها كثيرًا.

" صغيرتي أصبحت كبيرة ترتاد المدرسة الآن، وإن حدثتُها بأحاديث الكِبار ستفهمني، أليس كذلك؟!"

أومأت، وها يظهر فيها عِرق عمها حينما يتفاخر مازحًا، إنها تذكرني بجيمين كثيرًا.

" بالطبع أمي، يمكنكِ الإعتماد علي"

ضحكت أرفعها إلى حضني، ثم أحطتها بذراعيّ وقُلت.

" سأخبركِ أمرًا مُهمًا الآن"

أومأت، فاتبعت بعدما ضبطتُ خوفي.

" لارا فتاة محظوظة، لديها أُمّين، أُم ترعاكِ وهي أنا، وأُم من السماء تراكِ"

عقدت حاجبيها الظريفين ورمقتني بجهل، ثم تحسست جبهتي.

" ماما حرارتكِ طبيعية، لستِ تهذين!"

أمسكت بيدها وطبعت فيها قُبلة، ولا أدري كيف تشاحنت المشاعر بي، وجعلتني أمامها أبكي فبرمت شفتيها.

" أنا أقول الحقيقة، سأخبركِ قِصة"

ضممتها إليّ، إذ وضعت رأسها فوق قلبي وأخذت أمسح على شعرها، لا يسعني أن أكذب عليها بينما انظر في عينيها.

" قبل سنين طويلة، كانت هناك عائلة صغيرة وجميلة، من أب وأم وطفلة صغيرة تختبئ في بطن أمها"

" كانت الأم سعيدة بطفلتها كثيرًا، ترعاها وتتحدث إليها وهي ما زالت في بطنها جنينًا، كانت تُحبها كثيرًا"

الغصّة تكونت في حلقي، ولكنني آسفة يا صغيرتي، لا يسعني أن أخسرك.

" لكن حدث في يوم للأم هذه حادث، إذ سقطت من أعلى السُلم وماتت، لكن طفلتها الصغيرة نجت"

نظرت إلي لارا وأخذت تبكي فمسحت دموعها واسترسلت، ابنتي تفهم كفاية لتدرك أنني أقصدها بالطفلة في هذه القصة.

" الطفلة الجميلة أصبحت يتيمة، وكان أبوها حزينًا جدًا، فزوجته ماتت وابنته أصبحت يتيمة، لكنه يعرف صديقة قريبة لأم هذه الطفلة"

" فعرض عليها أن تتزوجه وتُربي طفلته، وهي وافقت، لأنها تحب هذه الطفلة الصغيرة، وتشعر بالأسف على أمها المتوفاة"

" مرّ الزمن وما اتفقا الزوجان، ثم انفصلا، وأعطت المحكمة حق حضانة الطفلة لأمها الجديدة، وسافرت بها إلى بلد أجنبية فيما والدها بقيّ في بلادهم حزينًا لفراق ابنته"

إلتفتت إلي لارا وقالت.

" كنتُ أعلم دومًا أن العم يشينغ ليس أبي، ولكنكِ لم تخبريني أن لدي أم اخرى، لِمَ لم تخبريني، وأين أبي الحقيقي يا أمي؟!"

مسحت دموعي ثم ابتسمت امسح لها دموعها.

" لأنكِ الآن أصبحتِ قادرة أن تفهميني إن تكلمت بهذا الشأن، كنتُ أخشى عليكِ أن تنصدمي لو علمتِ، الآن أنتِ فتاة كبيرة، ستفهميني"

أومأت ووضعت رأسها على صدري، حينها تنهدت وضممتها بقوة، يا إلهي كم كنت خائفة!
أشعر بأن حمل ثقيل زال عن كتفي.

ولا، أنا لا أستطيع أن أخبرها بالحقيقة كاملة، لا يسعني أن أخسرها حتى لو كان الأمر أنانية مني، انا لا أقدر.

" وأبي، ألا يريدني؟!"

ضممتها أكثر ونفيت.

" بلى صغيرتي، يريدك، هو يحبكِ أيضًا وأتى اليوم ليراكِ من بعيد"

تكلمت لصالحه، لكن ليس لأجله، بل لأجلها هي، لا يسعني أن أحرمها من والدها أكثر، هي تحتاجه أيضًا.

" أريد أن أراه يا ماما!"

أومأت أكظم تنهداتي، سأفعل لأجلها فحسب.

مسحتُ دموعي وأخرجتُ من جيبي العُلبة التي أعطاني أياها اليوم، فتحتها لترى القِلادة والتي تتمثل علّاقتها براقصة بالية ترقص على حلقة.

" اليوم رأيتُ والدك، أعطاني هذه لأجلك، قال أنها من أمك اشترتها لكِ وهي تحملكِ في بطنك"

تناولتها من يدي وتأملتها بعينين مُترقرقة ثم رفعت بصرها إلي وقالت.

" ألبسيني أياها في عُنقي يا أمي، لن أخلعها مُطلقًا"

وضعتها حول عُنقها ثم ضممتها إليّ مُجددًا.




......................




إنه صباح يوم الأحد، وهو نهاية الأسبوع بالفعل، لذا كان لا بأس على إيزابيلا وبيكهيون أن يستغرقا في النوم حتى بعد العاشرة.

أستيقظت إيزابيلا مُتأخرة ساعتين عن موعد إستيقاظها المُعتاد، لوهلة كانت عاجزة أن تتذكر ما الذي حدث.

لكن الذراع التي تحيط وِسطها، كذا الدِفئ الذي ينبعث من خلفها، جعلها تسترجع أحداث الأمس رويدًا رويدًا.

حينها إزدرئت جوفها ورفعت عنها حواف الغطاء، وهي بالفعل كما صوّرتها ذاكرتها؛ مُجرّدة من ثيابها؛ ضمّت الغطاء إلى صدرها تكتم شهقة، ثم أغلقت فاهها بيدها تبكي بصمت؛ منذ أنها تذكرت بأنها من سلمته نفسها، لم تقاومه بل بادلته شغف الحُب.

رفعت ذراعه عن خصرها وقعدت تريد مغادرة السرير، لكنها شعرت بأصابعه تلتف حول معصمها تستوقفها.

هو أيضًا نهض، وعانق كتفيها من خِلاف ولكز بذقنه كتفها.

" كابرنا كثيرًا، أنتِ ما منحتني فرصة طيلة هذه السنين، وأنا لم أحاول أن أختلق واحدة، بعد الأمس فهمتُ أن الذي يفصلنا ليس الماضي إنما الكبرياء"

جعلها تلتفت إليه، وما إن رأى دموعها مسحها ينفي برأسه، ثم إحتضن وجنتيها بين كفيه.

" لا تبكي، أجسادنا الأمس تحدثت حتى وإن كانت أفواهنا صامتة طيلة السنوات، أنتِ تفهمين الآن أنني أحبكِ، وأنا أفهم أنكِ تحبيني"

وضع يده على فمها ما إن فتحته لتنكر.

" لا تقولي لا، أدري أنها ليست الحقيقة، فكري بسعادتنا، فكري بابننا، هو يستحق أن يحظى بعائلة سويّة، أرجوكِ يا إيزابيلا"

أمسكت بيده التي على فمها وأنزلتها تومئ.

" فكّر بما تشاء، وافعل ما تشاء، لن أقاومك بعد اليوم"

تبسّم وأومئ، لم يكن كلامها مُرضيًّا كفاية، لكنها لن تقاومه على الأقل، سرق من جبينها قُبلة قبل أن ينهض عن الفراش، ويتركها وحدها تفكر بكلامه.

لربما هو لم يفهم كلامها على النحو الصحيح، هي لا تهتم بالرباط العاطفي، الذي يجمعهما لذا لن تقاومه بعد الآن، لن ترفض، ستمشي معه فحسب.

حتى إختلت بنفسها إستطاعت الصمود بثبات أمامه، وبمجرد أن ولج دورة المياه بكت لأنها تبكي سنين ضائعة، لا ليلة واحدة إستسلمت بها.

ماذا عن حبه؟
لِمَ دومًا شيئًا في داخلها يرفضه؟

لا تستطيع أن تنسى رغم أن السنين مرّت الأسى الذي حملته طيلتها، كان حمل ثقيل، وما زال ينغص عليها عيشتها، وتجعلها تبتعد عنه ألف خطوة لو إقتربت واحدة.

كيف؟
كيف تنسى المهانة التي تعرّضت إليها بسببه؟
كيف تنسى أنه من وضع في كل طريق تسلكه عَقبة فتوقعها؟

لطالما كان مختالًا فخورًا، له نزعة كبرياء حامية لو تأذت ظهر فيه شيطان يدافع عنها بشراسة، بعداء.

اليوم وبعد كل هذه السنين؛ أما تستطيع أن تغفر؟
كلما فكّرت بشأنه وجدت نفسها عاجزة أمام الإجابة، تود لو تغفر له وتمضي، لكنها لا تقدر.

تراه يحاول منذ سنين أن يستعيد قلبها، لكن طرقه سطحيّة لا تمسّها، المال لن يجعلها تسلمه قلبها.

الهدايا، سُفرة عشاء فاخرة، أن يحجز مطعم لأجلها وحدها، المجوهرات، الفساتين الفاخرة، وهَلُمَّ جرّ... هي لا تحتاج منه أياً من ذلك، هي فقط تريد أن تلمس فيه التغيير.

أشياء بسيطة تُرضيها، مثل أحبكِ كلما حنّ لها وحنّت له، آسف إن أخطئ، تريد منه سلوك لا مال وهدايا.

خرجت إلى غرفة ابنها حالما انتهت من نفسها، لإيقاظه ولجعله مستعدًا ليومه.

جلست على حافّة سريره وأرادت أن توقظه، لكنه في نومه غارق، وذلك ما منعها أن توقظه، تحسست خُصلاته السوداء، إنه من والده، يشبه بيكهيون كثيرًا.

تمسّكت بيده الصغيرة وقبّلتها، فهو طفلها وكل حياتها، لأجله مُستعدة أن تفعل أي شيء، هو ما بقي لها في نهاية المطاف.

" جيمين، صغيري!"

أستيقظ الصغير على صوت والدته يناديه بنعومة فتحرك منزعجًا ثم نظر لها قائلًا.

" ماما صباح الخير"

تبسّمت ترد تحيته ثم انهضته لتغسيله، تركته في غرفته يرتدي ثيابه ونزلت إلى المطبخ مُستعجلة، لقد تأخرت عن تحضير الإفطار وبيكهيون صارم في مواعيده، حتى لو تعلق الأمر بوجبة.

لكنها تفاجئت به يقف في المطبخ يحيط خصره مأزر المطبخ، تقدمت منه منذهلة، فهي للمرة الأولى تراه يطهو.

" ماذا تفعل؟!"

قهقه بخفة ونظر لها باسمة شفتيه، بدى كتُحفة بشرية في غاية الجمال حينما غمز لها.

" أردتُ أن أستعرض عليكِ مهاراتي في المطبخ سيدتي، لذا من فضلك استريحي حتى انتهي"

كادت أن تعترض لولا أنه أشار لها بعينيه أن تُغادر ففعلت بإستسلام، لا تثق بمهاراته التي يتحدث عنها، والأدهى لا تريد أن تعاني في تنظيف المطبخ لاحقًا.

جلست على طاولة السُفرة وبدافع الملل أخذت تقلب محطات التلفاز حتى نزل جيمين يرتدي ثيابه المريحة.

جلس بجانبها بعدما ألقى نظرة في المطبخ فقال.

" هل أبي يطبخ الآن؟!"

أومأت إيزابيلا بملامح مُبتأسة، فهز جيمين رأسه يمينًا يسارًا ثم قال.

" إذن سنأكل طعامًا غير صالح للأكل، وبأسوء الأحوال سوف نتسمم"

ضحكت إيزابيلا مِلئ شدقيها حتى أن بيكهيون سمعها فصاح من مكانه.

" أنتما! لا تهزآ بي، ستران أنيّ طاهي ماهر"

أومئ جيمين فقط ليساير والده، وإيزابيلا كممت ضحكتها كي لا يسمعها بيكهيون، ثم قالت لابنها يرفع وجهها التعجب.

" منذ متى أنت تتحدث بهذه الطريقة يا ولد!"

قهقه جيمين ولزم الصمت بعدها مُستسلمًا لمصيره مهما كان.

آتى بيكهيون بالأطباق أخيرًا ووضعها على الطاولة برتابة، وأخيرًا جلس يقول.

" تفضلا!"

تناظرت الأم وطفلها قبل أن يزفرا بإستسلام ويتذوقا طعامه، ثم كلاهما شهق ونظرا إليه.

" أبي! منذ متى تتطبخ بهذه المهارة؟!"

ضحك بيكهيون بخفة قبل أن يباشر طعامه، ثم سأل إيزابيلا.

" ما رأيك؟ لذيذ؟"

أومأت ثم قالت.

" ما كنت أدري أنك تجيد الطهي!"

حينها استذكر قائلًا.

" عشتُ سنين مليّة وحيدًا في الولايات المتحدة، لذا كان علي التعلم لإطعام نفسي"

بعد الإفطار قام بيكهيون بتحضير القهوة فيما إيزابيلا تُنظم المطبخ، وعلى عكس توقعاتها، لم يحدث فوضى.

جيمين كان يلعب ألعاب الفيديو، فيما والديه في الشرفة يشربان القهوة، وضع بيكهيون كوبه بعدما أرتشف منه وقال.

" إيزابيلا، أنا أريد حياة طبيعية معكِ وابني، أريدكِ لي زوجة في كل المعاني، لا مجرد لقب أمام الناس"

وضعت إيزابيلا كوبها على الطاولة بينهما بحرج، فأمسك بيدها سريعًا قبل أن تخبئها في حِجرها، حينها شهقت ونظرت إليه، فتبسّم قائلًا.

" أردتُ منكِ فرصة فقط، وأنا اعتبر أن ما يحدث بيننا الآن فرصة لكسب قلبك من جديد"

" صدقيني أنني أستحق فرصة منكِ، هذه المرة أنا عازم على الحصول على قلبك، أظن أنني دللتُ الطريق بالفعل"

إلتزمت إيزابيلا الصمت فيما هو عاد ليشرب قهوته، وكل حين يرمقها وعيناه تضحك.

.............

مرّت السنين عليّ وغضبي لا ينقشع، لقد تغيرتُ كثيرًا عمّا كنتُ عليه سابقًا، أحيانًا أشتاق لفتى الجامعة الشغوف الذي كنت عليه قبل بضعة سنين ودهور من الخيبات.

كنتُ شخصًا أفضل آنذاك...

كنتُ أطبع بعض الأوراق بنفسي بما أنني لا أجد أحد الموظفين بالجوار، وعلى عكس توقعاتي؛ ضربني تيار الكهرباء.

أشعر بالسوء حيال نفسي، أصبحت أظن في الناس السوء ولا أضمر لهم الخير، جيمين ما كانت تحاول جذب إنتباهي وتلفيق مشهد إصابة.

هي إنصابت بالفعل وأنا كذّبتها، أنا ألوم نفسي على فعل ذلك، لكن هي لا يحق لها أن تلومني، هي من وضعت صورة المطاردة لها في رأسي.

في حين من الأحيان كرهتها كثيرًا، خصوصًا عندما تقلدتُ منصب مدير،  وأنا لطالما عزفت عن هذه المناصب، بسببها خسرت رغبتي بأن أكون معلم.

كانوا المتدربين - وهي من بينهم- يصطفّون متجاورين أمامي لأجل تقييمهم الأسبوعي، بعضهم كان آدائهم جيد وبعضهم دون المستوى وهذا طبيعي.

الغير طبيعي أن تكون هي من بين المتدربين منخفضي الدرجة رغم أنها من الأوائل الثلاثة، ولا شك أنها تدرك تحصيلها المنخفض لهذا الاسبوع، ففورما عرفت نتيجتها من الاوراق بين يدي نظرت إليها ولا أدري لأي سبب أبالغ في غضبي فأخفضت رأسها تحاشيًا للنظر إليّ.

" جميعًا انصرفوا ولتبقى الآنسة بارك جيمين هنا"

لاحظتها تعض يديها ببعضها ربما ندمًا عما اقترفت يداها، أو خوفًا مما ستقترف موجة غضبي، خرج الجميع وبقيت هي، ولم أرى ضير بأن أرميها بنتائجها الباخسة، فشهقت تتراجع سريعًا، ونشزا كتفيها حينما صحت بها.

" ماذا تظني نفسكِ فاعلة؟!"

لزمت الصمت وإزداد إرتعاشها، فأخذت منها اقترب، وعني هي تبتعد، لكنني في النهاية اجتذبتها من يدها إنهاءً للكر والفرّ الذي نمارسه، فيما تنبس شفتاي بنبرة جارحة.

" إن كان عودكِ هيّن ليّن منذ البداية، لكان عليكِ الإبتعاد عن إدارة الأعمال منذ البداية، هذا المجال لا يتحمل طفلة باكية فيه، إما أن تصمدي وإما أن تخرجي منه"

رفعت رأسها إليّ، وفتحت فاهها بصدد أن تدافع عن نفسها، لكنني منعتها، وبقسوة ألجمت فاهها عن الحديث.

" إن كان مجرد توبيخ أسقط معنوياتكِ وعزائمك، فنحن هنا لا نحتاجك، ولا أي مكان سيحتاجك، الضعيف عالة على غيره، وإن أردتِ ألا تكوني حِمل ثقيل على أحد أثبتي قدرتكِ وأريني"

أفلتُها وسرت عنها مبتعدًا، أعطيتها ظهري.

" أنتظر نتائج الأسبوع القادم، إن كانت منخفضة سأخفض منصبكِ كمتدربة، وأجعلك تعملي بمستودعاتنا، الآن انصرفي!"

سمعتُ صوت كعب حذاءها يدق الأرض ثم خرجت، أدري أنني كنت قاسيًا عليها ولكن هذا لمصلحتها.

.................


وقفت أوكتافيا في غرفتها تتنهد فيما تضرب الهاتف بيدها بقعر كفها الآخر.

تتصل أو لا تتصل... تخبره أو تصمت...

لكن لارا تريده، وهي لا تستطيع أن تحرمها والدها، مجددًا إن الأمر لأجلها هي، هو لا يستحق أن يرى ابنته.

جمعت أنفاسها للمرة الأخيرة ثم زفرت بعمق قبل أن تنقر فوق زر الإتصال، لقد أخذت رقمه من شؤون الموظفين، أنها مهمة سهلة على لوكاس حتى لو كان اليوم عطلة.

نظرت في الساعة بينما تنتظر إجابته، إنها العاشرة مساءً، أيعقل أنه الآن مشغول بالخمر والنساء؟!
لقد قال أنه تغيّر!

" مرحبًا"

أتاها صوته نَعِسًا فإزدرئت جوفها تقول.

" ماذا تفعل؟!"

" نائم... أوكتافيا؟!"

صاح باسمها متفاجئًا يغزو صوته الفرح فهمهمت.

" لم أقاطع إحدى بطولاتك؟!"

تبسّم، تغار أم تهتم أم هي قلقة، كل هذه لها معانٍ جيدة بالنسبة له، لكنه لن يرفع سقف آماله كثيرًا.

" قطعتِ عليّ أهم بطولاتي، أنا دُب نوم كما تعلمين، قطعتِ علي غفوتي"

مسحت على صدرها بأرتياح وتنهدت، ذلك طمأنها، هو لا يفعل شيئًا خسيسًا الآن.

" اوه حسنًا، اتصلتُ بك لأمر لا يتعلق بالعمل، لارا تريد رؤيتك، لقد علمت بشأنك"

سرعان ما أتاها صوته فيه قلق وخوف.

" ماذا تقصدين؟! ماذا علمت بشأني؟!"

" لا تقلق، لم أخبرها شيئًا قد يجعلها تكرهك أو تكرهني، لكنها الآن تعلم أنها تملك أب وتعلم أنني أمها التي لم تنجبها"

نهض عن سريره وأخذ يسير بقلق هو الآخر في مساحة غرفته وتسآل.

" وكيف أراها؟! أقصد أنا لستُ ودودًا مع الأطفال، أخشى ألا تحبني!"

تنهدت، ربما هو بعقله الثخين سيسبب لها الصداع، ليست الطفلة التي خافت سوء فهمها.

" كُن على طبيعتك معها فحسب، أرِها أن كنتَ تحبها، وإن كنت لا تريد رؤيتها اخبرني سآتي لها بأبٍ آخر"

هتف بنبرٍ غاضب عمّا قالت، فلا أب بديل وهو موجود.

" الطبيب زانغ، أليس كذلك؟!
لن أسمح بهذا، أنا والدها، حُريٌ بها أن تعرفني أنا!"

قلّبت عيناها بضجر ثم قالت.

" حسنًا إذن، سأبعث لك العنوان، أراك غدًا هُناك"

أغلقت الخط وجونغ إن إرتمى على سريره ينتظر الغد كي يحلّ سريعًا، نام وشفتيه تبتسم.

...

في اليوم التالي؛ بعثت أوكتافيا إلى جونغ إن موعدها معه في المكان والزمان، إذ إختارت حديقة ترتادها العائلات عادة، وتكون في ايام العُطل كاليوم مفتوحة الإستقبال.

ولأن جونغ إن مُتحمّس لِلُقيا ابنته وصل سابقًا الموعد بساعة كاملة، حضّر لجلسة عائلية مع عائلته الصغيرة زوجته التي لن تبقى سابقة وابنته التي ستتعرف عليه اليوم.

سبق وإن إشترى وجبات خفيفة يحبها الأطفال، واشترى فطائر والعصير الطازج، ولأنه يعرف بأن اوكتافيا تحب الشوكولاتة الساخنة، اشترى لأجلهما كوبين، ينتظران التذويب فقط.

ترك شعره البُندقي حُرًا على جبهته وارتدى قميص واسع وبنطال داكن، بدى أشبّ مما يكون عادة، لطيف جدًا.

وبالتأكيد هذا المظهر الذي لم يسبق لأوكتافيا أن رأته فيه سيصدمها، يترقب ردة فعلها، كان يعد الدقائق المتبقية حتى الموعد، تمر الدقيقة وكأنها ساعة.

ولأنها كما يعرفها دقيقة في مواعدها، حين دقّت الساعة العاشرة صباحًا؛ كانت بالحديقة تمسك بيد صغيرة، ترتدي قميصًا أبيض وجينز أزرق، فيما لارا ترتدي فستانًا أزرق يعكس لون بشرتها البظّة، وذاك عزز في نفس كاي الحنين فهي بالفعل لارا صغيرة، أمها على نسخة طفلة.

جلس القرفصاء جونغ إن أرضًا، وشرع ذراعيه للطفلة التي صارت قِبالته، والطفلة ميّزت أن هذه الذراعين شاغرة لأجلها، فأفلتت يد أوكتافيا، وركضت إلى الرجل الذي لا تعرفه كفاية، ثم غرقت بين ذراعيه.

إحتضنها جونغ إن بكلتا ذراعيه واشتم رائحتها اللطيفة، يكاد قلبه أن ينفجر، أو أن يركض خارج صدره ويرقص، يكاد أن يختنق، هذا الشعور الذي لم يسبق له أن عاشه، معها يشعر انه ولد من جديد.

وقف يحملها وإستنئنف العناق، مرت دقيقة... دقيقتان وقلبه ما زال مُهتاج، يرغب أن تبقى بين يديه هكذا إلى أبد الآبدين، حتى يفنى.

إرتفعت الصغيرة عن صدر أبيها لأنها ترغب بأن ترى وجهه كيف يكون، وكان والدها بالفعل يبكي، فابتسمت الأميرة الصغيرة ومسحت دموع والدها بأناملها الصغيرة تقول.

" لا تبكي!"

أومئ وأخذ يمسح دموعه.

" لن أبكي"

رفعت لارا أناملها وتحسست بها ملامح وجهه وفيما تفعل ثغرها كان يبتسم.

" كما تخيلتُك دومًا، أبي وسيم جدًا"

أمسك بأصابعها الصغيرة وقبّلها أصبعًا أصبعا، ثم فرّق قبلاته على وجهها قبل أن يحتضنها مجددًا إلى صدره.

رفعت لارا ذراعيها لتحيط بها عنقه وضحكت بدلال طفلة قائلة.

" أبي يحبني كثيرًا!"

خبأ وجهه في كتفها حتى جلس بها أرضًا ووضعها على قدمه، فرأته يبكي مجددًا فكشّرت بلطف وقال.

" بابا لا تبكي، تجعلني حزينة!"

نفى برأسه وأخذ يصفف شعرها بأصابعه فيما هي تمسح له دموعه.

" لقد كنتُ أطوق لأراكِ، لا أصدق أنكِ الآن معي"

أمسكت بيده تربت عليها ثم وضعت رأسها على صدره تقول.

" بابا أنا هنا الآن، سأبقى معك"

أغمض عينيه لحلاوة كلمة " بابا" ما إن تخرج من فمها، يشعر بأن صدره ممتلئ على آخره، يكاد أن ينفجر، وضع قُبلة على رأسها، ثم نظر إلى أوكتافيا فإلتفتت عنه، وأخذت تمسح دموعها.

وما إن إلتفت إليه حتى ابتسم لها وقال.

" تفضلي اجلسي هنا، لقد حضرتُ المكان لتواجدكما"

أومأت وعلى حرج أتته، جلست إلى يمينه تفصلهما مسافة قصيرة، جونغ إن إحترمها وما فكر بقطعها.

نظر جونغ إن إلى ابنته على صدره وقال.

" صغيرتي، ألستِ جائعة؟"

أومأت برأسها تقول.

" لا بأس بإفطار ثاني"

قهقه بخفة قبل أن يخرج لها سلة الفطائر التي أحضرها، وحينما رأتها لارا جلست على ساق أبيها معتدلة وشهقت.

" هذه مفضلتي، أحبها كثيرًا"

قهقه بخفة وأومئ يقول.

" منها محشو بمربى التوت، ومنها محشو بالشوكولاتة، تلك نكهات والدتك لارا"

نظرت لارا الصغيرة إلى أبيها وقالت.

" هل اسم أمي لارا أيضًا؟!"

همهم فقالت.

" ومن أسماني لارا؟!"

تبسّم يمسح على شعرها قائلًا.

" أنا أسميتكِ لارا"

أنكست الصغيرة برأسها وبرمت شفتيها بأستياء تقول.

" هل ماتت بسببي؟!"

سُرعان ما رفع جونغ إن وجهها إليه ينفي برأسه قائلًا.

" الأمر ليس صحيح، ليس بسببك، أنتِ لا شأن لكِ، الأمر كان حادثًا، أنتِ لا شأن لكِ، لا تفكري هكذا، حسنًا؟!"

أومأت الصغيرة ثم قالت.

" إذن أنا سأحب كل ما تحبه أمي الملاك، ستخبرني عنها الكثير، أليس كذلك؟!"

أومئ جونغ إن لها وقدم لها إحدى الفطائر كذا علبة عصير لأجلها، سرعان ما إنجلت سحابة الكآبة عن لارا إلا أن الكِبار توترت الأجواء بينهما.

بعدما أكلت لارا نهضت لتلعب مع بقية الأطفال على مرأى من جونغ إن وأوكتافيا، نظر جونغ إن إلى اوكتافيا فوجدها تخفض رأسها وتتنهد كثيرًا، ثم وجدها تمسح وجنتيها فقبض حاجبيه يتسآل.

" تبكي؟!"

نفت برأسها ورفعت بصرها أمامها تقول.

" لا أملك الحق في أن أبكي، في النهاية؛ نحن شركاء جريمة أنهت حياة أم هذه الطفلة"

تنهد جونغ إن وأسند ظهره على جذع الشجرة خلفه يقول.

" ليس ذنبكِ ما حدث لها، أنا من دفعتُها من أعلى السُلم ومن خدعكِ باسم الحب، لم تكوني أنتِ بل أنا، أنا بالفعل لم أقصد أن أؤذيها إلى هذا الحد، ما دفعتها عن عمد لكنني خنتها عن عمد، أنا وحدي المجرم، أنتِ لا شأن لكِ بالأمر"

تنهدت اوكتافيا وقالت.

" لكنها كانت صديقتي، كانت تشكوك لي، وكنت أستغلها لأعرف عنك أكثر، وبالنهاية خنتها وخنت أخيك معها، أنا لا أستحق نهاية طيبة"

جلس جونغ إن مُعتدلاً ونظر لها عن قرب يقول.

" أنتِ لستِ ملاك في نهاية المطاف، نحن بشر، طبيعي أن نخطئ، حتى المثاليون أمثالك قد يرتكبوا أخطاء كبيرة بلحظات ضعف، وهذا ما حدث معكِ، أنا استغللتُ مشاعركِ لي"

تنهد ونظر في السماء قائلًا.

" لكل إنسان مهما بلغت عظمة أخطاءه الحق في التوبة، الحق بفرصة جديدة يثبت نفسه عبرها، أنتِ علمتِ بخطأك، ندمتِ وحاولتِ تصحيحه، فعلتِ ما تقدري على فعله، رغم ذلك نِلتِ عقابكِ عبري، عقابكِ كان أقسى من عقابي حتى"

" كما غُسّلنا أطفالًا في الكنائس من الخطايا، الآن نحن أيضًا مُغسّلين، غسّلنا العقاب الوخيم الذي نُلناه، والآن ورقنا أبيض، ينتظر أن نكتب عليه قصص جديدة، قصة لا خطايا فيها ولا ظلم"

نظرت إليه فابتسم وقال.

" إن كنتُ بطل القصّة الجديدة أرجو أن تكوني أنتِ بطلتي"

نفت برأسها تقول.

" لا يمكن لشيء بُني على أساس خاطئ أن يصمد"

أومئ مُقرًا.

" وهذا البُنيان ذا الأساسات الخاطئة سقط وتهدم."

وضع يده فوق يدها فجعلت تنظر إليه مشدوهة فقال.

" اليوم أنا أضع أول حَجر لبناء جديد... فكري بنا معًا مجددًا، هذه المرة سأحرص ألا تندمي!"

إزدرئت جوفها وأخذت تحك قفا عنقها بإرتباك، فيما جونغ إن نهض ليلاعب لارا على الأرجوحة.

" بابا تعال إلى هنا!"

" قادم أميرتي!"

وبعد أن إستنفذت لارا قدراتها على اللعب؛ غفت في حضن جونغ إن فجلس بها تحت ظل الشجرة، وصبّ لأجل أوكتافيا الشوكولاتة الساخنة، قدمه لها فتناولته بإحراج من يده، منذ أن كلامه الأخير ترك في نفسها إنطباع يسبب لها الحرج والخجل.

" أعلم أنكِ تحبي الشوكولاتة الساخنة، لذا أحضرتها لأجلك"

أومأت تقول.

" شكرًا لك"

وقفت أوكتافيا بعد هُنيهة وقالت.

" الآن علي أن أغادر، لم أقم بتدريسها بعد، علي أن أقوم ببعض الأشياء لأجلها."

أومئ جونغ إن وقال.

" حسنًا، دعيني أضعها في سيارتك كي لا تستيقظ"

اومأت أوكتافيا وسارت معه إلى مصفّ السيارات، لكنها شهقت مستاءة حينما رأت عجلات سيارتها قد استنفذ هوائها.

" لا بأس، دعيني أوصلك بنفسي، وسآتي لكِ بسيارتك لاحقًا"

ساورتها المخاوف، ماذا لو كان كل هذا فخ؟
ماذا لو أتاها في يوم ما مخمورًا ولم تستطع ردعه؟!

بالنسبة لجونغ إن، فهذه الأفكار ليست بغريبة عليه، ولا يتوقع منها أن تحسن الظن به فقالت.

" لكِ الحق ألا تثقي بي، حدثي الحارس ألا يسمح لي بالدخول دون علمك، وحينما تفتحي بابك، سأدير ظهري او اغادر، كما تريدين"

تنهدت تنظر إليه فيما تفكر ثم أومأت تقول.

" رغم أنني أعده غباءً أن أثق بكَ مجددًا لكنني سأفعل الآن لأن لارا معنا"

تبسّم ووضع لارا في المقعد الخلفي، ثم فتح لأجل أوكتافيا الباب بجانبه، وقال.

" سأجمع ما تركناه خلفنا وآتي، لن أتأخر!"

ثم غادر ليفعل ما قال، وهي كانت تراقبه من بعيد، يبدو اليوم لطيفًا على غير العادة، لا تقصد شخصه بل مظهره، ما كان لها علم بأنه يرتدي لباس كهذا، لطالما كان أنيقًا على أعلى طراز، الآن يبدو بسيطًا.

أتى أخيرًا، وبحسب إرشاداتها قاد إلى حيث دلّته حتى وصل بها العمارة السكنية التي تقطنها، دخل خلفها يحمل لارا على ذراعيها وحينما أرادت أن تفتح الباب أدار ظهره ولم ينظر إلى رمز المرور.

" تفضل بالدخول"

دخل وحيث أشارت له وضع لارا في غرفتها الخاصّة، خرج ليقف أمام الباب وقال.

" شكرًا لأنكِ سمحتِ لي برؤيتها، لا تدري كم أن رؤيتها اسرّتني"

همهمت اوكتافيا.

" لأكون صريحة معك، فعلت هذا لأجلها لا لأجلك، أنت لم تثبت إستحقاقها لها بعد"

أومئ جونغ إن يقرّ فيما قالت وقال.

" أتفهمك، وأنا في طريقي لأثبت إستحقاقي بها وبكِ"

" أنت لن تثبت إستحقاقك بأحد!"

إلتفت جونغ إن ناحية الصوت الخشن بالغضب الذي أتاه من خلفه وإذ به الطبيب زانغ، حينها وقف جونغ إن قِبالته وقال متحديًا.

" ومن سيمنعني؟ أنت؟"

تدخلت أوكتافيا لتقف بين الرجلين وقالت.

" ابنتي نائمة في الداخل لذا لا تنشبا شِجارًا يتسبب لها بالذعر!"

تناظرا الرجلان بغضب، ثم اقتطع ذلك جونغ إن حينما نظر إلى أوكتافيا وقال.

" أراكِ غدًا"

أومأت أوكتافيا فغادر جونغ إن، ولم ينسى أن يضرب كتف يشينغ بكتفه وهو مارّ، تمسّكت أوكتافيا بعضد يشينغ تحثه ألا يرد الضربة، والأخير تنهد يكظم غيظه غصبًا.

" من فضلك لا تحدث فوضى، دعه يمضي وحسب!"

سيدعه يمضي الآن فقط، لاحقًا لن يصمت، سيبقى عائقًا في طريقه، شوكة في حلقه للأبد، لن يسترد اوكتافيا أبدًا مهما فعل.



.................................


سلاااااااااااام


كيفكم؟! ميرسي اشتاقت لكم، المفروض الفصل ينزل من مبارح بس تكاسلت أعدل🙈

المهم؛ ما عندي كلام كثير😂 أتمنى الفصل عجبكم وعرفكم على جونغ ان الجديد، ما كان في فرصة لإستعراض التغيير بشخصيته بطريقة مفصلة لأنو الأحداث رح تتعطل كثير، لهيك رؤية الشخصية كافية إلى حد ما.

الفصل القادم بعد 100فوت و400 كومنت.

1.رأيكم بجونغ إن؟! إستعراض تغيرات شخصيته؟ شخصيته الجديدة؟! علاقته الجديدة مع ابنته؟ وعلاقته بأوكتافيا؟

2.رأيكم بأوكتافيا؟! القصة التي سردتها على الطفلة فيما هي أخفت بعض التفاصيل المهلكة؟ علاقتها مع جونغ إن؟ وتذبذب رأيها بشأنه؟

3.رأيكم بلارا الصغيرة؟ تقبلها للأمور؟ ماذا لو اكتشفت الحقيقة؟!

4.رأيكم ببيكهيون وإيزابيلا؟ هل لهما فرصة معا؟

5.رأيكم ب كيم / بارك جيمين؟

6.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️




© Mercy Ariana Park,
книга «تفاح محرم».
CH48|| عُقد النقص
Коментарі