CH41|| من ضلع الكرامة
" من ضِلع الصبر"
في ساعاتٍ تسبق الفجر، تكون الأزِقّة في بعض الأحياء تعُج بالسكّيرين والمُشردين، جونغ إن كغيره من المُشردين الفارّين عن وجه العدالة يختبئ في هذه الزِقاق.
لقد نفذ ماله، وما عاد يملك قوت يومه حتى، ولكن الأهم بالنسبة إليه أن نفاذ المال يعني إنقطاعه عن هذه الحبوب، وذلك ما لا يطيق عليه صبراً.
جونغ إن تكلم مع عِدة من زملائه في العمل، أصحابه من الملاهي، وحتى رفيقيه، لاي وسيهون، ولكنهما ليسا بحال أفضل منه، فكلاهما فارًّا بجلده من الشرطة، ولاي يواجه صعوبة خاصّة بسبب أخيه الطبيب، الذي يُنقب عنه تنقيباً.
وكما يحدث عادة؛ الجميع صدّ جونغ إن ورفض تقديم المساعدة له، حتى أن بعضهم هدده بالشُرطة لو عاود التواصل معهم.
وهكذا إنتهى به الحال في إحدى الزِقاق المُظلمة والمعزولة ضمن أحياء سيؤل المُعدمة، تعجّ الزِقاق هُنا بالرائحة الكريهة التي أصلها النُفايات، كما تعجّ بالأفرشة القذرة والمهترئة، التي هي أكثر ما يحتاجه كل متشرد في هذا الزقاق.
لكن جونغ إن يرتجف، ولو تغطى بألف فِراش مخملي فلن يتدفئ، جسده هزيل، وجهه مُرهق، تتكون تحت عينيه ظِلال مُظلمة، وفي بياض عينيه تستشري خطوط حمراء، أظافره مُصفرّة، وهو بحالة يكون فيها عالق على حافة الحياة.
خرج من هذا الزقاق بعد أن قضى فيه عِدة ليال، ما عاد يستطيع أن يتحمل أكثر، الجوع نهشه، والعطش سيقتله.
جلده مُثار من الحكّة بسبب القذارة التي إلتصقت به، ورأسه ثقيل جداً فلم يغفو طيلة الليالي السابقة سوى لبضع ساعات لا تُسمد حوائج جسده.
خرج من الزِقاق في تلك الساعة المُتأخرة، وقرر أن يتوجه إلى قصر أبيه، فهو لو مهما فعل به بالتأكيد سيطعمه ويسقيه.
إستقل سيارة أُجرة لا يملك إيجارها، وحالما وصل بوابة القصر تولّى الحرس الدفع، وهو دخل على قدميه الهزيلة إلى الداخل يتأرجح، كذا يتعثر كل فينة فالعثرات تكمن في قدميه لا بطريقه.
إستبشر وابتسم حينما لحظ أضواء القصر الداخلية مُشغّلة، لذا هرول إلى الداخل، وطرق الأبواب يثير ضجيجاً.
" أمي أبي، أفتحوا لي الباب!"
نهضت السيدة كيم التي كانت تجلس ضمن مجلس عائلتها، وتبعها كل الأفراد الرجال إلى الباب، وما إن رأته بهذه الحالة الهزيلة شهقت وأنسابت دموعها.
ولم تدم الإبتسامة على وجه جونغ إن لملاقة أمه، لأن لكمة سقطت على وجهه من حيث لا يدري، وأسقطته بسهولة أرضاً، ثم بالذي أوقعه صعده، وتولّى لكمه يخرج به كل حَرّته.
" تيمين توقف عن ضرب أخيك!"
الكل مفجوع من هول الموقف، فأكثر ما يُفجع الحالة التي وصل إليها جونغ إن، وهنا حين نايون وقفت وخبأت طفلها بظهرها، ولكنها ما كانت قادرة أن تُبعد زوجها، هي بكت تنظر في المشهد عن بُعد آمن.
وتيمين كان قد إنفجر غُلّه، وما عاد يستطيع أن يكبح غيظه، فكم مرة عليه أن يُسجَن بسبب أخيه هذا؟!
وكم بسببه على كل العائلة أن تُعاني؟!
ولأي حد عليه أن يصل في إيذاء نفسه؛ كي يعقل أنه لا يقدم لنفسه ولا لمن هم حوله سوى الأذية؟!
على جونغ إن أن يستفيق ويستيقم وإلا فالموت راحة لهم منه وراحة له من نفسه، تيمين ليس كارهاً لأخيه إنما غضبان وآسفاً.
فهذا الهزيل أخاه الشقيق، ابن أمه وأبيه، ونبت في نفس بُستانه، فكيف لا يغضب وهو يرى أخيه يبطش بنفسه وبمن هم من حوله؟!
أفلته وأنهار أعلاه، دعك وجهه بقسوة في راحتيه، ثم نهض عنه يبكي مقهوراً لما وصل إليه، فقد وصل إلى نهاية مسدودة، وأن تقويمه ضمن العائلة بات مستحيلاً، فلا حلّ إلا أن تمتد يد القانون.
وهنا صرخ، صرخ لأنه متعب، متعب من أن يكون الأخ الأكبر، الذي وجب عليه أن يتفهم دوماً، وأن يخلق حلاً لوما وجده، صرخ تيمين لأنه يحب أخاه، ويخشى عليه من المستقبل المجهول.
" انظر إلى ما استوينا إليه بسببك! هل أنت سعيد؟! هل هكذا أنت حُر بلا قيود؟! أهذه الحياة التي طمحت لها؟!"
وعندما قهقه جونغ إن الذي يرتمي أرضاً بلا حول ولا قوة، صعده أخوه مجدداً، ومن فرط غيظه سدد على وجهه لكمة قُبيل أن يرفعه من قماش قميصه القذر وصاح في وجهه مُجدداً.
" أوتضحك؟! أنت لستَ بعقلك، أنت مجنون بالفعل، وما عاد يصلح معك سوى مستشفى الأمراض العقلية أيها المريض!"
وجونغ إن لم يرد، هو فقط على نُتف من وعيه يفتح عينيه إلى النصف، تقدم السيد كيم ورفع نجله البِكر من أكتافه عن أخيه الأصغر، ثم جعل ينظر إلى ابنه أرضاً وقال.
" ما الذي جاء بك إلى هنا؟! ألستَ فاراً من الشرطة بعدما أقدمت على بيع زوجتك لقاء السُم الذي أدمنت عليه"
جونغ إن بدا هزيلاً جداً حينما همس بضعف شديد، حتى أنه جعل من قلبه حجراً عليه رَقّ كتيمين الذي رق عليه، لعنه بنبرة غاضبة ثم خرج يبكي.
" أبي، أنا لا أريد الشيء الكثير، فقط أجعلوني أنظف جسدي وأملئ معدتي، فقط هذا ما أريد، أنا جائع ومتعب"
أذن السيد لزوجته بإشارة من يده، فجعلته يرتكز على كاهلها، وأنهضته عن أرضه، ثم صعدت به إلى غرفته الخاصّة بالقصر تُعينه وتعتني به.
نايون مسحت دموعها إثر ما شهدت حينما شدّ جونغهيون ثوبها وقال.
" أمي، لِمَ عمي يبدو كالمشردين؟!"
إعوجّت نايون بجسدها حتى تصل قامته القصيرة، ثم تمسّكت بكتفيه، وأجازت تفهيمه بنبرة مُتراخية.
" صغيري، عمكَ يمُر بوقتٍ صعب الآن، لذا علينا أن نساعده في ظرفه هذا، أليس كذلك؟!"
أومئ الطفل فاقتربت لتهمس بأذنه.
" إذن اذهب واتصل بالشرطة، واخبرهم أن عمّك هنا ليأتوا لحمايته، وأياك أن تُفصح عن اسمك أو تعترف لأحد بأنك من بلّغت عنه"
الطفل إهتز بجسده الصغير إثر رجفات خوف واستفسر.
" أمي، لِمَ علي أن أبلغ الشرطة؟!"
مسحت على شعره تمُدّه بالقوة كذا تُطمئنه.
" عليك أن تفعل وإلا عمك سيبقى على هذه الحال للأبد، ألا تريد مساعدته؟!"
أومئ فابتسمت تُربت عليه برضى.
" إذن افعل ما طلبت منك فعله"
أومئ الصغير وركض للأعلى حيث غرفته الخاصة ليجري مكالمته، نايون بعدما راقبت طفلها بنظرها ساقت قدميها إلى المطبخ، سكبت لجونغ إن مما حُضِّر من طعام، وصعدت تحمل صينية إليه.
طرقت الباب قبل أن تأذن لها السيدة بالدخول، إنشرحت طلائعها عندما وجدته يجلس على السرير نظيفاً ومرتباً، وأمه تداوي جروح جلده التي أسفر عنها التشرد وتعنيف تيمين منذ قليل.
وضعت له الصينية أمامه، وجونغ إن إلتهم كل ما فيها تعويضاً عن جوع أيام، كانت تُراقبه بعين مُشفِقة.
فجونغ إن منذُ أن شبّ وهو كثير الذنوب، لكن أول ذنوبه كانت الصُحبة الفاسدة، تلك التي أودت به إلى مُعاقرة الخمر وُمعاشرة النساء على هذا النحو من الإسراف، حتى تسبب بجريمة هو كان أكبر ضحاياها.
تصرفت نايون على نحو طبيعي لا يُثير الريبة، واكتفت بالنظر إليه وتفقُد أحواله كل حين، فهي من كل قلبها ترجو أن يقدر على أن يملئ معدته الهزيلة قُبيل إعتقاله.
لكن والداته ما كانت تنوي أن تلبث صامتة، إذ أنها فوراً ما تسآلت بعد أن وضع ملعقته في صحنه الذي فرغ.
" هل أحضر لك المزيد؟!"
نفى فاتبعت، وقد نظرت لنايون بنظرة تطلب منها أن تجعلها تنفرد بابنها، ولكن نايون أدرى بحماتها وأفكارها الخبيثة، لذا فقط ثبتت بمكانها وتجاهلت طلبها.
فأزفرت السيدة عن إنزعاجها بزفرة، ثم رست بعينيها على ابنها.
" بُني، أنت تعلم أن زوجتك أقدمت على الإنتحار ويقولون أنك السبب، هل فعلاً أقدمت على بيعها لقاء حبوب مُخدرة يا بُني؟! أنت لم تفعل صحيح؟!"
نظر جونغ إن إلى أمه وكوّن عِداء في حدقتيه.
" في أي مستشفى هي؟!"
سُرعان ما نفت نايون تحاول منع المرأة الكهلة من البوح، ولكنها زفرت بأستياء شديد عندما أباحت السيدة.
" في مستشفى هانسول الجامعي"
جونغ إن أومئ، ولم تخفى على نايون إيمائه هذا الذي ضمن توعداً، وربما تهديداً أو خطراً يُحدق بأوكتافيا.
ولكن صوت سيارات الشُرطة قد أخرجه من جُل أفكاره ونهض على استعجال، نظر عبر النافذة نحو الأسفل، الشرطة تجمَّعوا أمام الباب بالفعل.
لعن بغضب ثم ولج يُفكر فيما سيفعل، وذلك لم يمنعه أن يصرخ بغضب، ويضرب المرآة التي تقابله بقبضته فانجرح وكسرها.
" من أبلغ الشرطة يا خَونة؟!"
إرتعدت نايون إثر صرخته، وارتجفت تحاول الإنسحاب بلا أن تجذب إنتباهه، لكنه لحِظها إذ نظر لها متوجساً، وعيّن رجفتها لذا تأكد أنها هي.
" اللعنة عليكِ!"
نبس بتلك غاضباً يدحجها، وحينما أدركت أنه يقصدها تراجعت عنه تبغي الفرار، لكنه سبقها، إذ أخذ قطعة من زُجاج المرآة، وتقدم منها سريعاً يضع القطعة ضد عُنقها، وعقاباً لفعلتها به جرحها بالفعل فأغمضت عيناها تتألم، حاصرها من خلفها وجعلها تسير معه خارجاً قُبيل أن يهمس بأذنها.
" سأحوّل جُرحكِ السطحيّ هذا إلى قَطع يُسفر عن موتك لوما أطعتِ حركتي ومشيتِ معي الآن"
دفع بظهرها بخفة، وسار خلفها بيد تُثبت الزجاج الجارح قُرب جِلدها، خرج إلى جَمعِ رجال الشرطة وأهله، وفورما رأوه الشرطة أشهروا بأسلحتهم عليه، لذا هدد بصوت جهور.
" اتركوني أخرج وإلا قتلتُها!"
السيد كيم رفع بيديه إلى الشرطة ينفي وقال.
" إنه فقط يحاول الهروب، هو لن يستطيع قتلها، إنها زوجة أخيه!"
ضحك جونغ إن مِلئ ثغره ثم إستهزئ بقوله.
" لقد أقدمت على بيع زوجتي لقاء بعض الدولارات، ألا تظن أنني أستطيع قتل زوجة أخي الغالية لقاء حُريتي؟!"
تيمين تقدم من أخيه بحذر يرفع يديه، وقال بينما يرمق زوجته بقلق.
" لا تؤذي زوجتي، أتركها وفقط دعنا نتفاهم يا جونغ إن، ما تفعله يورطك أكثر"
وخز الزجاجة بعنق نايون كإثبات حيّ على أنه قادر على سفك دمها، دموع نايون تحررت من جفونها وتكتمت على صوتها، وهي ترمق زوجها بنظرات تكاد فيها أن تتوسله إنقاذها.
تيمين صرخ به، وكاد أن ينقضّ عليه لولا أن جونغ إن أجهز بزُجاجته لقطع حُنجرة نايون فوراً، فضبط نفسه.
ورغم أن يديه ترتجف ووجهه قد إحمرّ فعلاً، فهو يمر بوقت عصيب وحياة زوجته على المحك إلا أنه قال لأخيه بصوتٍ فاتر.
" أتركها واهرب، دعها واذهب، لا تؤذي إمرأتي!"
ارتفع شِدق جونغ إن بإبتسامة ساخرة، ثم سار إلى الوراء نحو باب المطبخ حيث يكون مخرج العاملين.
فورما أستطاع الخروج، دفع نايون على الأرضية وهرب راكضاً، ركض تيمين إليها يتفقدها بقلق، وطفلها كذا ركض إليها يحتضنها وهو يبكي بهلع.
رفع تيمين وجهها إليه ونبس.
" أنتِ بخير؟!"
أومأت رغم ذلك عيناها تدمع، مسح دموعها واحتضن رأسها إلى صدره يُربت عليها، وبكلماته يُطمئنها.
" لا تخافي، كل شيء سيكون بخير"
عضّت نايون بأظافرها على كتفيه، وإختبأت في كُنفه، بكت ضمن المساحة في جوف رقبته، وأفشت عما يخالجها من خوف.
" لقد أخبرته أمك بأي مستشفى أوكتافيا تمكث، وأنا أخشى عليها من شره لوما الشرطة قبضت عليه"
نظر إلى أمه التي إزدرئت جوفها بحرج وخوف، أما رجال الشرطة فعاد قائدهم بعد وهلة يُبلّغ.
" لقد فقدنا أثره"
لعن تيمين بغضب عالياً، واحتضن زوجته وطفله إليه، لكنه خائف، خائف مما قد يفعله جونغ إن على هذا النحو من الجنون والتهور.
يخشى أن يتسبب بجريمة لا يرى من بعدها ضوء الشمس طيلة حياته، وأن يعلق معصميه في أصفاد العدالة إلى الأبد.
...................
قلبه كالطبل وربما أشد صخبًا رغم مُضيّ الوقت، تيمين اليوم إختبر مشاعراً ما عاشها من قبل، ولا يريد أن يعيشها من بعد.
تيمين اليوم شعر بالخطر، الذي لم يشعر به من قبل على هذا النحو، للحظة فكّر ماذا لو خسر المرأة التي إحتضن، المرأة التي تُحبه.
إنهما قِصة إحتضان وحُب لم يكتشفاها بعد، قصة لم تَمُر بكل أزماتها بعد، فما زالت المشاعر، في طور الإكتشاف رغم أن السنين تركض من أعمارهما ركضاً، والزواج يعد عليهما السنين، بحُكمًا يقول فيه أن ما بينهما من عِشرة كافية ليكتشفا كُل المشاعر التي تربط بينهما، لكن قلباهما يقول العكس، ما زالا في طور الإكتشاف.
مرّ جونغهيون بأزمة نفسيّة بعدما عاش رُعباً إثر ما حصل مع أُمه، وكيف رأى أن عمّه أصبح رجُلاً لا يشبهه، أو بالأحرى أنه إكتشف وجهًا جديدًا لعمه لم يره من قبل.
لذا كانت نايون في غرفته بعدما عادوا إلى شقتهما الخاصّة، فالطفل قضى نحباً في البُكاء، وما رضيّ أن يُفارق أمه حتى غفى بين يديها.
وها هي تفرغ من صغيرها بعدما نام، أطفأت أضواءه، وأغلقت باب غرفته بعدما تفقدته آخر مرة، بعدها خرجت إلى غُرفتها، أخذت حِماماً تُزيل فيه إرهاق اليوم ومتاعبه.
خرجت، وارتدت ثوب نوم، وسترت نفسها بروب حريري أعلاه، ثم خرجت تنظر في المنزل بحثاً عن تيمين، فهي لم تراه مُذُّ أن دخلا المنزل معًا.
وجدته يجلس في الشُرفة على الأرجوحة الثُنائية، يغمض عينيه ويريح رأسه إلى ظهر الأرجوحة، يعقد ساعديه إلى صدره، ويرفع قدماً فوق الأخرى، بدى مُرتاحاً، لكن تقلبات وجهه تبوح عن حقيقة أزمات شعوره الآن.
إقتربت منه بهوادة، ثم جلست بجانبه، وحينما ظنّت بأنه لم يلحظ وجودها؛ وضعت يدها على كتفه ونادته بهدوء، ففتح عينيه ولم يرد.
" تيمين، أنت بخير؟"
زفر أنفاسه بعد صمتٍ استغلّه في جولة ضمن خاطره، ماذا يخطر له في هذا الحين؟
" حينما جرح عنقك بالزجاجة، أردتُ أن أهجم عليه واقتله بها، لأنني ظننت بأن مخاوفي منه ستتحقق عبرك، أنا كنتُ خائفاً يا نايون"
نظر لها، ثم بأنامله رفع ذقنها لينظر في جُرحها الصغير، تنهد ثم اتبع.
" بفعلته هذه إكتشفتُ جزءً جديدًا مني، أنتِ لستِ بالنسبة لي زوجتي وأم إبني وحسب"
نايون أخفضت رأسها لأن كلماته بالفعل قد هزّتها، وهي تعلم بأن رواسيها ليست منيعة أمام زلازل تيمين وأعاصيره.
" أنتِ أعمق من هذا المفهوم التقليدي بكثير بالنسبة لي، حينما وضع الزجاجة على عنقك تألمت وكأنها تمزق أديمي لا أديمك، أردتُ الإنتقام لنفسي قبل الإنتقام لأجلك، لأنني..."
رفعت وجهها إليه عندما سدّ ثغره في منتصف كلامه، وتركه منقوصاً لذا رمقته بفضول، تود أن تعلم ما في جوفه من كلامه، لعل هذا الكلام يُرضي مشاعرها النامية هذه المرة.
تلمّس وجنتها بأناملها، واتبع ينظر في عينيها العطوفتين.
" لأنني لوهلة فكّرت ماذا لو خسرتكِ فعلاً؟! ماذا لو فقدتك؟! ستكون حياتي غير قابلة للعيش، لن أعيش دونك، لقد إكتشفتُ أنكِ لستِ جُزء من حياتي، أنتِ حياتي كُلها."
تبسّمت نايون وتشافّت طبقة في عينيها، طبقة ثخينة من الدموع، ثم تحسست بإبهامها يده، التي ترتاح على وجنتها، كلامه هذا فاق توقعاتها، وأسرّ خاطرها، كذا جبر كسوره.
لكن السكينة التي غلبت الجو لم تُناسب مشاعر تيمين المُتأججة، لذا إجتذبها من قفا عُنقها وصرّح عن حُبه عبر قُبلة تضمّنت إعتراف.
فلقد مضت سنين مُذُ أن تلاقت الشِفاه، سنين تُقدر بعمر جونغهيون تتضمن حياته في بطن أمه، فهو ما مسّها إلا مرّات قليلة، من باب الفرض وحسب.
لكن الآن القُبلة تقول أنها أتت من باب الحُب، وما عاد الجامع بينهما مصالح متبادلة، فهو يحتاج عائلة يملكها أمام المجتمع، وهي تحتاج إلى بيت يحفظها وابنها.
لكنه الآن يحتاجها بقلبه وتحتاجه بقلبها، فمضى بها ومضت معه، بعدما حلّ القُبلة حلّ الروب وحلّت قميصه، ثم تحللت كل القيود، كل العقبات، وذاك بفضل جونغ إن حتى لوما كان مقصده حميداً، فالنتائج محمودة.
وهذان الرأسان إجتمعا أخيراً على وِسادة واحدة، كان بحُضنها وكانت بحُضنه، لأول مرة منذ سنين.
.....................
بيكهيون كان لحماية أخته موجود ومستيقظ رغم أن الفجر سيحين قريباً، إتصل به تيمين وحذّره، قال له أن جونغ إن ربما يضمر نوايا خبيثة لأوكتافيا، وطالما هو حُر من قبضة الشرطة عليهم أن يكونوا في حيطة وحذر منه.
بلغه من الطبيب زانغ الذي يُعانيها كل حين أنها إستيقظت بالفعل ولكنها ترفض رؤية أحد حتى طبيبها خرج من عندها في المرة الأخيرة غاضباً وبات يبعث ممرضة عنه.
وكل هذا الرفض الذي يتلقاه الجميع من اوكتافيا، جعله يدرك بأنها لن ترضى أن تسير على ما مضى وتقبل الإصلاح معهم فكما تركوها ستتركهم.
إلى أوكتافيا في الداخل، كانت قد إستيقظت بينما الطبيب زانغ فوق رأسها يُعاين سير المحاليل الطبيّة إليها.
حينما حرّكت أصابعها لم يلحظها، ولكنه سمع صوت آه خفيضة إنبلجت من شفتيها فإلتفت لها يتفحصها سريعاً.
رفع جفنها النائم بإبهامه وسلط على حدقتها ضوء خافت يقول.
" أوكتافيا، أتسمعيني؟!"
لكنها لم تُجبه، فقط أشاحت بوجهها عنه وزفرت أنفاسها.
" أنا بخير"
أومئ ثم أشار لطاقمه أن ينسحبوا ويتركوه معها ففعلوا وانفرد بها، جلب كرسي وجلس عليه، ثم عقد ساعديه إلى صدره وتحدث للتي تشيح عنه.
" هل حياتكِ رخيصة لهذا الحد بالنسبة لكِ؟!"
لم يرى الدمع يكلل حزنها لكنه سمع نبرها الهازئ بوضوح.
" أولم تشتري حياتي ببعض الدولارات؟!"
تريث، ثم تنهد ووقف، وضع كفيه في جيوب رداءه وقال.
" ليست كذلك، ليس عليكِ أن تستسلمي لمجرد أنكِ تواجهين المصاعب"
تنهدت ثم أوجزت الفرق بينهما.
" الذي يستدفئ بالنار ليس مثل الذي يحترق بها"
أتبعتها زفرة ثم اوكتافيا وجّهت واجهتها إلى السقف واتبعت.
" أنت لا تعلم ما عشته، ولستَ مُلماً بكل ظروفي، أنا لا أحاول تبرير فعلتي، ولكنك لا تستطيع أن تقول أنني مررت بمجرد صعوبات"
تقدم الطبيب وارتكز على دعامة السرير الجانبية حيث يكون على يمينها.
" أنا لستُ أقول أنكِ لم تمري بشيء، ولكنكِ ضحيت بنفسكِ للموت هكذا"
نظرت إليه، واجهته بعَبرتها، بعِبارتها، بملامحها القانطة، وبسيمائها المحزونة.
" أتظنني أستطيع الصمود بعدما رأيتك بأم عيني تضع دولارات في جيبه وتأخذني بيد قوية وكانك ملكتني بهذه الدولارات!"
أشارت إليه بسبابتها وإتهمته.
" حتى أنت قمتَ بإهانتي، أنت لستَ أفضل منه"
إرتفعا حاجبيه بلا تصديق، وركضت يديه إليها، لكنها نهضت عن السرير رغم ضعف كاهلها وصرخت به عن بُعد.
" أتدري ما كان إحساسي حينما وضعتني في سيارتك وأخذتني إلى شقتك؟! لقد شعرت بنفسي إمرأة هوى، معاملتك كانت حقيرة لا تليق سوى بإمرأة إشتريتها، أنا أكرهك بقدره!"
إقترب منها يود التبرير لكنها تراجعت وصرخت بإنهيار.
" أخرج من حياتي أنت أيضاً!"
تحرك لوهلة بضياع في دائرته، ثم خرح من لديها يحمل ملامح آسفة وغاضبة، تلك التي رآها بيكهيون عليها.
توجّه إلى مكتبه وجلس خلف طاولته ثم أسفر عن إنفعاله غضب جسماني أودى بطاولته وجعلها حُطام.
وقتئذ كان غاضباً بجنون، لأنها دوماً ما صدته، لأنها دوما ما أوفت عقد الزواج الذي يربطها بزوجها الماجن حقه، لقد أحب فيها عقلانيتها وصبرها، كذا شخصيتها الراكزة وكلامها المُدعّم برجاحة عقلها على الدوام.
لكن ذاك اليوم كرهها بلا اسباب معينة، بل بسبب شعوره الشديد بالإهانة، فكيف بإمرأة قلبه أن تُعرض للبيع، كيف للمرأة الوحيدة الذي دخلت قلبه أن تقبل بالإهانة وتصبر تنتظر تغييراً.
كان ذلك تحليله الخاص، الذي ثبت له أنه ليس على وجه حق حينما بلغه إتصال من رجل الأمن الذي يحرس العمارة بأن المرأة التي أتت معه نقلت إلى المستشفى.
لكنه ليس بعد الآن يكرهها، هو يحبها أضعاف ما حبّها قبل الحادثة، ذلك لأنه شعر بنفسه على حافة فقدانه، لذا قرر، قرر أنه سيخوض حرباً، معها، مع زواجها الباطل، مع عائلتها، مع المجتمع، ومع العالم، كي يظفر بها.
فهي حربه، ومن يُحارب، ولأجلها يحارب...
أوكتافيا حيث كانت رفضت تلقي المُهدئات، التي ستسرق منها وعيها في نهاية المطاف وتعيدها إلى سُباتها.
وكان بيكهيون عندما صرخت بطبيبها، الذي ما عاد مجرد طبيب كما يتضح، واقفاً أمام الباب، فبعث عبر ممرضة أنه يود مقابلتها، لكنها وبشكل قطعي أجابت الممرضة.
" لا تتدخليه، لا هو ولا غيره، إنني أرفض الزيارات، وفقط دعوني وشأني حتى يحلّ الصباح"
إستقبل بيكهيون خبر رفضها لرؤيته بملامح مُبتئسة، ولكنه لم يقدم على فعل شيء، سيبقى هنا ولأجلها باقياً حتى تخرج.
وحينما حلّ الفجر؛ ولا زال بيكهيون يجلس خارجاً بيده كوب قهوة يُعينه على السهر، وأكواب القهوة نفعته حتى حلول الفجر، ثم مع أول تغريدة صُبح غفى.
جونغ إن قد سبق وفرّ من الشرطة بنجاح، وأتى إلى المستشفى يحمل نوايا تكميلية، أن يُكمّل ما بدأته أوكتافيا، ويقتل ما بقي فيها من حياة، فهذا مُرادها ومُراده.
لكنه ما إستطاع الولوج إليها، وضل في وضع الرقابة في آخر الرواق ينتظر أن يغفى بيكهيون الذي يحرسها، وحينما غفت العين التي تحرسها، قرر أن لا فرصة ستكون أَخيَر له من هذه، لذا إغتنمها.
سار بهدوء شديد بينما يضع كمامة على وجهه وقُبعة على رأسها، فلقد كان في جيب زوجة أخيه مبلغ جيد من المال، سيتدبر به شؤونه للأيام التالية.
وصل إلى حيث يجلس بيكهيون ويغفى، ثم تقدم بخفة شديدة حتى فتح الباب ودخل بهدوء شديد.
لفحهُ النسيم اللطيف فورما دخل فابتسم يُحالف حظّه، خصوصاً أنها بفراش المستشفى نائمة، أو أن هذا ما خُيّل له.
فلقد كانت أسفل الغطاء تضم قبضتها، خصوصاً أن العِطر الذي فاح بدخول أحدهم يخص الأخوة الثلاثة.
تيمين خيارٌ مُستبعَد، فلا يجمعهما ما يجعله يتسلل لها في مثل هذه الساعة، وجيمين إحتمال معقول؛ لذا ستُمثل النوم ولن تتلقى المزيد من شماتته، وجونغ إن إحتمال شاسع؛ لذا هي تحفظ سكين بقبضتها أسفل الغطاء، لتشن بها عليه لو تثبتت أنه هو.
شعرت بالفراش بجانبها ينضغط إثر جلوس أحدهم عليه، ثم شعرت بأصابع أحدهم تتخلل شعرها، وتسرح خُصلها الأمامية.
" زوجتي العزيزة"
وضحك، ثم شهق فجأة وضحك مجدداً حينما أصبحت سكينها ضد عنقه.
" ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أتبغي مالاً؟ أم تريد أن تبيعني مجدداً؟!"
نفى برأسه، واستشعر قُرب السكين من نحره قبل أن يقول.
" أتيتُ أُسدي لكِ خدمة"
وقبل أن تعي مقصده فجأة أصبحت سكينتها على عنقها هي، فصرخت صرخة أيقظت بها بيكهيون في الخارج، وجعلت الممرضين المناوبين يركضون لها.
رمقها جونغ إن بغضب شديد، وجرح أديم عُنقها بالسكين يقول.
" سأعود قريباً واجتز عنقك!"
نهض سريعاً عنها، وبدخول بيكهيون كاد جونغ إن أن يقفز لوما بيكهيون قبض عليه، أسقطه أرضاً وركل معدته.
" سأقتلك أيها السافل! لقد وقعت بين يديّ أخيراً!"
لكن جونغ إن ما كان قد استغنى عن سكينه بعد، لذا غرزها في بطن بيكهيون و فورما تراخى المجروح رمى نفسه عبر النافذة.
ولحسن حظه؛ فإن سقوطه ما كان مباشراً إلى الأرض، فلقد سقط على سقف بوابة المستشفى، الذي يسفُله بطابقين، ثم سقط أرضاً وهرب بقدمٍ مكسورة.
أوكتافيا ما إن رأت أخيها ينزف الدماء بوفرة حتى تناست عن كل ما بينهما من فوارق وحواجز، وهرعت إليه تضمه إلى صدرها، وترفعه إلى حِجرها.
" بيكهيون، أنت بخير؟! أجبني!"
كانت تتلمسه بقلق وتبكي عليه، لذا تبسّم بيكهيون بما بقي فيه من وعي، وقال لها.
" هذه أختي، التي هي أفضل مني دوماً، لا تفلت يدي إن أنا أفلتُّها"
ورغم أنها تبكي خوفاً عليه تحدثت.
" اصمت فقط ووفر طاقتك لمقاومة إصابتك، أنا لم أسامحك فلا تكن سعيد كثيراً"
نقلوه الأطباء إلى الخارج فوق سرير غسله دمائه، وأرادت أن تتبعه لولا ان الطبيب زانغ قد ظهر من اللامكان، وسدَّ بجسده الباب يمنعها من الخروج.
حاولت دفعه من صدره لكنه أبى الإبتعاد وقال.
" لا تستطيعي أن تذهبي إليه، ابقي هنا وأعدك أنني سأنقل أخباره لكِ فوراً"
تحدثت بنبرة باردة وحاولت دفعه مجدداً.
" لا أحتاج تعليماتك، فقط إبتعد عن طريقي!"
حينها كبَّل كِلا معصميها بقبضتيه وقال يغزو نبره إنزعاجاً.
" أخبرتكِ أن تبقي هنا لذا ابقي هنا، وفري طاقتكِ في صدي كي تبذليها في مكان يُثمر، لا تهدريها علي لأنها ستضيع هباءً!"
رمقته بغضب، ثم تفلتت منه ودخلت، حينها طالعها مُزفراً أنفاسه، ثم غادر بعدما أشدد عليها الحراسة.
................................
كما لحظت إيزابيلا، فجيمين أمضى الأيام السالفة بكَمَد، فوجهه مُكتئب، وملامحه محزونة، كلامه قليل وتعبيراته مقبوضة، حتى أنه كان في مزاج صعب مع طُلابه، وكيّ لا يتفاقم الوضع سوءً معهم؛ قرر أخذ إجازة والمكوث في المنزل حتى تتحسن نفسيته وتزول عصبيته.
إيزابيلا لم تكن غاشية عينيها عن معاناته الصامتة، وما كانت تغمض عينيها عن سبب أوجاعه، تدري أن ما حلّ بأوكتافيا السبب، وبمقامها هذا منه لم تنال منها الغيرة الأنثوية، فكلاهما يفهم مشاعر الآخر.
لذا تفهّمت، وواسته بصمتها، وهدوءها، والقليل القليل من كلامها، وعلى هذا الحال مضى يومان، ودخل الثالث، إذ لاح الصباح وقرر العودة إلى عمله، لكن الظروف رفضت.
إذ إتصل به تيمين في الصباح الباكر، وبلّغه عمّا أحدثه جونغ إن من فوضى في المستشفى، وما تسبب به من كوارث جمّة تسببت في ملاحقات قضائية إضافيّة.
وبعدما أنهى مكالمته عاد إلى إيزابيلا بملامح عادية يلبسها عادة، لكنه ما أستطاع أن يمنع نفسه عن كتم الخبر بخصوص بيكهيون، لذا رمقها بملامح يلوحها مواساة وهمس.
" بيكهيون تأذى"
سُرعان ما شهقت إيزابيلا تسد فغر ثغرها براحتها، وحينما لحظت أن إنفعالها غير جائز في عُرف العلاقة القائمة بينها وبين جيمين؛ حاولت ضبط إنفعالها، إذ قبضت يديها واستلّت نفساً، ثم حاولت أن تستفسر بثبات، رغم ذلك؛ صوتها كان يهتز.
" كيف تأذى؟! هل هو بخير الآن؟!"
وعلى عكس ما توقعت جيمين لم يُبدي إنزعاجاً، هو فقط زفر أنفاسه، ثم أومئ يجيبها.
" هو بخير، جونغ إن طعنه، لكنها كانت في فراغ بطنه، لم تتأذى أعضاءه الداخليّة"
أومأت تزدرئ جوفها لعلها إستطاعت أن تزدرئ الغصّة العالقة في جوفها أيضاً، لكنها لم تستطع، وإنفعالها هذا كان واضحًا في عين جيمين، لذا ربّت على كتفها وقال.
" لا تقلقي بشأنه، هو بخير"
أومأت وقد سيطر الشرود عليها، لذا حمل حقيبة أوراقه وخرج، يوفر لها المساحة لأن تبكي، تحزن، وتنفعل بقدر ما تشاء، رغم أن هذا يخلاف الإتفاق بينهما، لكنه حاول أن يكون ليناً، لأنه يعلم بأن قلبها ليس معه، وقلبه ليس معها، هكذا هي علاقتهما، بهذا القدر من الوضوح.
قاد بسكون إلى المدرسة ولا يُنكر أنه أيضًا يراوده القلق، فلا يدري ما التهديد القادم الذي يواجه أوكتافيا.
هل سيهاجمها جونغ إن مجدداً قبل تكبيله؟! تكمن مخاوفه ضمن إجابة السؤال هذا.
وصل المدرسة في بالٍ مشغول، لكنه اليوم قرر ضبط إنفعاله وألا يُهاجم طلبته، فوظيفته هذه مصدر رِزقه الخاص وعليه أن يُحافظ عليها بصبره وعرقه.
لكن جيمين المُشاكسة تملك سلوك صاخب لا يوازي هدوء جيمين مُعلمها، كما أنها تملك وجهًا بريئًا يمنعه عنها إن غضب، فيتجاوز عن أخطاءها دون الكُل، وذلك ما شكّل لها فهماً خاطئًا بشأنه فلقد ظنّت أنه معجب بها، وأنها نالت قلبه.
لذا اليوم تجرأت أن تحمل معها كاميرتها الخاصّة، لتلتقط له بعض الصور، وتضمنها في حبل الذكريات الخاص بها في غُرفتها.
لكنه سمع صوت الكاميرا وشعر بفلاشها عندما أضاء ناحيته، فنظر إلى حيث تطفلت عليه وتنهد، نظر في ساعته ينظر كم يملك من وقت لتوبيخها قُبيل حلول الصف، دقائق وجيزة لكن ستكون كافية.
" بارك جيمين تعالي إلى هنا!"
الفتاة تخفّت خلف الشجرة، تظن أنها تخدعه بتخفّيها المُغفّل هذا، لكنها ما نجحت فقد زفر، وقد إسترجع مزاجه الأسود ذاك، لقد حاول كبته بقوة قبل وصوله، لكن بفضلها سيطر عليه، وعليها تحمل التبعات.
" سأبدأ بالعد، وحتى العدد الذي تخرجين بعده ستخسرين بقدره علامات"
قبضت يديها وضربت بقدمها الأرض تتذمر، لكنه بدى خشناً لن يقبل التفاوض، لذا خرجت حينما وصل الرقم خمسة.
رمقته بنظراتها اللينة تلك، واعتذرت بصوت لين ضغيف أثار شفقته وإستعطافه.
" أنا آسفة أستاذ!"
مَلأ صدره بالهواء وزفر بقوة يرمقها بإنزعاج فانكست برأسها، يده الحُرة من حقيبته كانت بجيب بنطاله الجينز.
تقدم منها يحمل هالة هيبة وعُرفان رجوليّ، مال برأسه إلى مطلعها، أخفض نبرته بغرض التوبيخ كذا الوعيد وبدد.
" بيد أنكِ تحملين ذات اسمي، وتملكين ملامح لطيفة تستعطفيني بها، ظننتِ أنكِ حُرة، تعبثين بلا حساب، أنتِ مخطئة هذه المرة!"
الفتاة أنكست برأسها وقد أصابها الصمّ للحظات، قضتها تبتدع كذبة وتفكر بجد وإجتهاد، حتى رفعت رأسها إليه تسآلت.
" هل ممنوع أن أحمل معي كاميرة وأوثق يومي؟! كل الطُلاب يحملون أغراضهم الإلكترونية، من الجائر أن أُعاقب وحدي إذن"
تلك الفتاة لا بد لها أن تستهلك حيزاً من إنتباهه الآن، لذا كتّف ذراعيه وشرع يسأل.
" تُعاقبين عندما تنتهكي خصوصية الآخرين، وتقومي بتصويرهم دون إذنهم يا آنسة بارك"
كتّفت ذراعيها كما يفعل تتحلى بالجُرأة، وتسآلت.
" وكيف حكمت أنني أصورك يا أستاذ؟! إن كنتُ أصور بإتجاهك لا يعني أنني أصورك"
إرتفع حاجبه بإذبهلال ونُكران، ثم مدّ يده لها يطالب.
" اعطني الكاميرا إذن لأرى إن كنتِ تصورين بإتجاهي أم تصوريني"
ضمّت الكاميرا إلى صدرها ورفضت.
" هذا إنتهاك لخصوصية الآخرين أستاذ كيم"
تضاحك مُستهزءً ثم جلب منها الكاميرا ليُقلِّب محتواها، عشرات الصور، كلها له، رمقها بجانبه إذ هي شرعت تفضح إرتباكها، وترمقه بنظرات لينة مُستعطِفة.
لولا أنها هاوية تصوير، كما يتضح له، وتمتلك موهبة قابلة للنمو في هذا المجال لقام بحذفهم، لكنه لن يُدمر طموح طفلة، أعاد لها الكاميرا، ثم رفع سبابته إلى وجهها يُبدد.
" المرة القادمة لن تستعيديها آنسة بارك"
سحب سبابته بحرج إذ سيطرت على نظرها وانتباهها، ضم أصابعه على شكل قبضة ثم غادر يلعن من أسفل أنفاسه حجم يده، الذي دوماً ما يُبدد جدية موقفه.
وحيث الطالبة جيمين تقف؛ إنتحبت تضم يديها إلى صدرها وضحكت.
" يدٌ لطيفة!"
......................
أتى الصُبح مُتباطئًا وأوكتافيا ما زالت تحفظ ذات القدر من القلق في نفسها على أخيها الوحيد، فعلى خلاف وعد الطبيب زانغ، فهو لم يظهر رغم أن الصُبح لاح، وهو على دراية بأن عينها لن تنام قبل أن يطمئن قلبها.
ورغم أنه تأخر حتى الظهيرة لكنه ظهر في النهاية، إذ أتى غُرفتها على عجلة من أمره، فوجدها قُرب النافذة تقف بينما تضم كفيها وتدعو الله.
تنهد ينظر لها، وتباطئ بإندفاعه ناحيتها، فما ظن أنه سيجدها تقف على هذا الحال وتدعو لأخيها، الذي حرمها حقها منه، وذلك إحدى الأسباب التي تجعله مُعجب بها، شخصيتها السَمِحة.
حالما فرغت من صلاتها وأخفضت كفيها، فتحت عيناها ونظرت عبر النافذة تزفر أنفاسها، نادها فإلتفتت إليه، ثم سريعاً ما تقدمت منه يحُف وجهها القلق وقالت.
" أخبرني كيف حال أخي؟!"
ربّت على كتفها، ثم أجابها بإبتسامة حَشت صدرها طمأنينة.
" هو بخير، قد طلب رؤيتك بالفعل لو تودين..."
وانطلقت إلى أخيها قبل أن ينتهي قوله حتى، أنزل يده، التي تعلقت بالهواء إثر إنسحابها من فوق كتفها وهمس.
" ما كان داعي لجملة لو الغبية هذه، بالتأكيد ستركض إلى ذلك الوغد"
وبالفعل ركضت، وبعد أن دلّتها إحدى الممرضات عليه إقتحمت غرفته، فوجدته يتمدد على سريره بصدرٍ مكشوف إلا أن خصره مُضمّد بعناية.
تبسّم حالما رآها، وأشار لها أن تجلس جواره على طرف السرير، وذلك ما طمأنها وأوحى لها أنه بخير، لذا تلبست قِناع البرود، وجلبت كرسي شاغر في الغرفة، وجلست عليه ضمن مساحة تبعُد عن السرير.
جلست تعقد ساعديها إلى صدرها وساقها وضعتها فوق الأخرى.
" لم آتي لأطمن عليك، أتيتُ لأتحدث بأمر آخر"
إبتلع بيكهيون غصّته بعد ثوانٍ قضاها يتجرع الصمت والندم، ثم أومئ لها فقالت.
" أنا أريد حقي من مال العائلة ومما أملك من أسهم الشركة وغيرها من العقارات والممتلكات"
وذلك لم يَسُرّ بيكهيون، أن تُطالب بأموالها المُوكلة إليه، ليس لأن المال قد ينقُص، أو أنه لا يود مقاسمته مع أحد، لكنه يخشى مما سيلي تنصيب الحقوق وأخذها حقها، لذا افشى عن مخاوفه لها.
" إفترضي أنني أعطيتكِ حصصكِ كُلها، ماذا ستفعلي بها؟!"
رفعت شِدقها بإبتسامة ضئيلة، ورفعت حاجبها بإستفزاز تقول.
" هذا ليس من شأنك، أوكلتك مالي ولكنك لا تملكه، إما أن تُسلميني إياه بالتراضي، أو للأسف ستنشب فضيحة بأن الأخ وأخته يترافعان في المحكمة لأجل المال"
ولأنها ما بدت كما تبدو عادةً، لقد تبدلت شخصيتها، أو أنه لم يكتشف كل جوانبها مُذُّ أن البُعد قد فرّق بينهما لسنين، قرر أنه بحاجة لفهمها أكثر، لخلق نِقاش معها لو أستطاع، لعله يصل إلى مُرادها.
لذا جلس مُستنداً على طرف السرير، عرّج حاجبيه وتحدث.
" أنا أتفهم غضبك أوكتافيا، ولا أملك نيّة في سلبكِ حقوقك، لكنني كمدير تنفيذي في الشركة؛ أحتاج أن أفهم فيما تُريدي صرف هذه الأموال."
بعد أن زفرت حركت رأسها نافية ورمقته ببرود من فوق أهدابها.
" لم أقل أنني سأصرفها، سأنميها، لكنني أريد مالاً أقبضه بيدي فأنا بحاجة لتكوين نفسي من جديد"
حرّك عنقه مُتسآلاً.
" وكيف ذلك؟!"
حينها أوكتافيا أقامت عودها، وتقدمت حتى وقفت أمام السرير ثم قالت.
" أريد أن أتحرر وابتعد، أنا سأطلب الطلاق من جونغ إن وسأطلب حضانة ابنتي ثم سآخذها وأغادر، أترك لكم البلاد بما رحُبت، فاهنئوا بها"
سُرعان ما نفى بيكهيون ونهض بصعوبة ليتقدم منها قائلاً.
" لكِ ما تريدين، تطلقي وخذي الطفلة لو استطعتِ، لكن أن تسافري فلا، أنا لن أسمح لكِ بهذا"
يده قد مسّت ذراعها، فأبعدته تقبض حاجبيها وقالت بنبرٍ متهجم.
" ومن تظن نفسك كي تسمح أو لا تسمح؟! أنت ما عدت تملك مكانة خاصّة بالنسبة لي، أتيتُ لأحدثك فقط لأنك مسؤول إداري، لا تفهم على نحو خاطئ، أنت لا شيء حقاً مُذُّ أن أصبحت أنا بالنسبة لك لا شيء، ولا يُمكن لنا أن نعود كما كنا"
بيكهيون أخفض رأسه، وقبض يديه إثر قسوة الكلام على مسامعه، وكيف أن كلماتها انصبّت في جوفه كحميم أو أحمى، وأوكتافيا اتبعت.
" لذا سيد بيون، أخبرني الآن، هل ألجئ إلى القضاء أم نتصافى بالتراضي؟!"
تنهد ثم أومئ لها وقال، إذ أنه لم يجد من مفر من غضبها عليه إلا بمُراضاتها.
" سأجلب المحامي المسؤول ليتصرف"
حينها فقط زفرت راضية وقالت.
" لن أُطيل البقاء في كوريا، لذا شاوره اليوم، وخلال يومين أريد مالي بأكمله"
أومئ فانصرفت، تراجع ليجلس على سريره تلوح فوقه غمامة مُظلمة تَصُب عليه ندم وحزن، كذا لوم وبُغض، فلولا أنه قص يدها، التي امتدت تطلب مساعدته، لما كان الآن في مثل هذا الموقف الموجِع معها.
عادت أوكتافيا إلى غُرفتها، وحينما انفردت بنفسها بكت، بكت بهدوء يناسب أوجاعها التي لا تصرخ، وأحزانها الصمّاء التي لا تشتكي.
إنها إمرأة من ضِلع الصبر، لكنها إمرأة بكرامة، لا تتجاوز عن الإهانة، واليوم الذي تسترد فيه حقها قد آتى، لن تُقصّر، ولن تأخذها الرحمة بأحد.
تناولت هاتفها بعدما فرغت بكاءً وحللت، أوجاعها عبر هذه الدموع، إتصلت بالطبيب زانغ، ثم توجهت إلى دورة المياه، لتغسل وجهها، وترتب مظهرها لعلها أخفت آثار البكاء عنه.
دخل الطبيب ووجدها تجلس على السرير، تقدم وجلس على الكرسي المجاور ثم تحدث.
" ظننتُ أنكِ لن تطلبي رؤيتي بعد صياحكِ الأخير بي"
نظرت إليه شزرة وأكدت.
" لستُ أسامحك، ولكنني أدلك على طريقة تعوضني بها لو تريد ذلك"
إمرأة صعبة المراس، هي بالفعل كذلك، لذا أومئ، فرغم كل الظروف هو لا يريد أن يخسرها.
" إذن أيها الطبيب، ساعدني كي أعفو عنك"
رفع حاجبه وتحسس شفتيه بسبابته.
" وكيف أساعدك بيون أوكتافيا؟!"
أشارت إليه بسبابتها وقالت.
" ساعدني لأعود بيون أوكتافيا، أنا أريد الطلاق"
قبض على شفته بقواطعه كي يكبح إبتسامته، ثم تحمحم وهمس.
" قولي ما تريدين أن أفعل وسأفعله"
بحماسة أوكتافيا جلست إلى السرير مُتربعة، ثم قالت.
" احضر محامي واجعله يرفع دعوة طلاق وحضانة ضد جونغ إن، واستخدم قضيته الأخيرة لإثبات عدم كفائته لتربية لارا، واطلب تنازلاً من عائلته عن حضانتها، جدّاها وأعمامها، سأفكر في مسامحتك لو فعلت"
.............................
سلاااااااااام
كم لبثنا؟! واو ما بتتخيلو كما أنو ولادة هذا الفصل كانت عسيرة، لثقل المشاهد والتخطيط المكثف، والأهم لأنو حاقد عاشق كانت سارقة كل إهتمامي.
ولكن بما أنه حاقد عاشق إكتملت أخيراً، الإهتمام الي كان موجه لها رح يتوجه لهاي الرواية، مثل ما لاحظتوا، الفصل اطول من العادة، خمس آلالاف كلمة والتحديث حيكون أسرع بمعدل فصل كل خمس أيام في حال توفرت ظروف مثالية تخليني متفرغة للكتابة، يعني لو تأخرت فبكون بسبب ظروف.
لهيك بدي أشوف حماسكم وحبكم، لأن جمهوري هنا صار أولويتي الأولى نفس الشي هاي الرواية، الأحداث الجاية حماسيّة وفي مفاجآت كثيرة، بس رح اعترف أنو الرواية مش رح تكون طويلة جداً، نحنا تقريباً ح نفوت بالثُلث الأخير من الرواية.
اظن الرواية حسب حساباتي توصل 60 فصل، أقل أو أكثر بشوي.
لهيك ادعموا الرواية لانها بتستاهل وأشوفكم قريباً إن شاء الله.
الفصل القادم بعد 200فوت و 500 كومنت.
(مش كثير، بعرف بتحققوه)
1.رأيكم بأوكتافيا؟!
٢.رأيكم بجونغ إن؟!
٣.رأيكم بتيمين ونايون؟!
٤.رأيكم بجيمين علاقته بإيزابيلا وعلاقته بطالبته جيمين؟!
٥.رأيكم ببيكهيون؟!
٦.رأيكن بمسار الرواية والأحداث بشكل عام وتوقعاتكم للفصل الجاي؟!
لا تبخلوا علي بآرائكم.♥️
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
في ساعاتٍ تسبق الفجر، تكون الأزِقّة في بعض الأحياء تعُج بالسكّيرين والمُشردين، جونغ إن كغيره من المُشردين الفارّين عن وجه العدالة يختبئ في هذه الزِقاق.
لقد نفذ ماله، وما عاد يملك قوت يومه حتى، ولكن الأهم بالنسبة إليه أن نفاذ المال يعني إنقطاعه عن هذه الحبوب، وذلك ما لا يطيق عليه صبراً.
جونغ إن تكلم مع عِدة من زملائه في العمل، أصحابه من الملاهي، وحتى رفيقيه، لاي وسيهون، ولكنهما ليسا بحال أفضل منه، فكلاهما فارًّا بجلده من الشرطة، ولاي يواجه صعوبة خاصّة بسبب أخيه الطبيب، الذي يُنقب عنه تنقيباً.
وكما يحدث عادة؛ الجميع صدّ جونغ إن ورفض تقديم المساعدة له، حتى أن بعضهم هدده بالشُرطة لو عاود التواصل معهم.
وهكذا إنتهى به الحال في إحدى الزِقاق المُظلمة والمعزولة ضمن أحياء سيؤل المُعدمة، تعجّ الزِقاق هُنا بالرائحة الكريهة التي أصلها النُفايات، كما تعجّ بالأفرشة القذرة والمهترئة، التي هي أكثر ما يحتاجه كل متشرد في هذا الزقاق.
لكن جونغ إن يرتجف، ولو تغطى بألف فِراش مخملي فلن يتدفئ، جسده هزيل، وجهه مُرهق، تتكون تحت عينيه ظِلال مُظلمة، وفي بياض عينيه تستشري خطوط حمراء، أظافره مُصفرّة، وهو بحالة يكون فيها عالق على حافة الحياة.
خرج من هذا الزقاق بعد أن قضى فيه عِدة ليال، ما عاد يستطيع أن يتحمل أكثر، الجوع نهشه، والعطش سيقتله.
جلده مُثار من الحكّة بسبب القذارة التي إلتصقت به، ورأسه ثقيل جداً فلم يغفو طيلة الليالي السابقة سوى لبضع ساعات لا تُسمد حوائج جسده.
خرج من الزِقاق في تلك الساعة المُتأخرة، وقرر أن يتوجه إلى قصر أبيه، فهو لو مهما فعل به بالتأكيد سيطعمه ويسقيه.
إستقل سيارة أُجرة لا يملك إيجارها، وحالما وصل بوابة القصر تولّى الحرس الدفع، وهو دخل على قدميه الهزيلة إلى الداخل يتأرجح، كذا يتعثر كل فينة فالعثرات تكمن في قدميه لا بطريقه.
إستبشر وابتسم حينما لحظ أضواء القصر الداخلية مُشغّلة، لذا هرول إلى الداخل، وطرق الأبواب يثير ضجيجاً.
" أمي أبي، أفتحوا لي الباب!"
نهضت السيدة كيم التي كانت تجلس ضمن مجلس عائلتها، وتبعها كل الأفراد الرجال إلى الباب، وما إن رأته بهذه الحالة الهزيلة شهقت وأنسابت دموعها.
ولم تدم الإبتسامة على وجه جونغ إن لملاقة أمه، لأن لكمة سقطت على وجهه من حيث لا يدري، وأسقطته بسهولة أرضاً، ثم بالذي أوقعه صعده، وتولّى لكمه يخرج به كل حَرّته.
" تيمين توقف عن ضرب أخيك!"
الكل مفجوع من هول الموقف، فأكثر ما يُفجع الحالة التي وصل إليها جونغ إن، وهنا حين نايون وقفت وخبأت طفلها بظهرها، ولكنها ما كانت قادرة أن تُبعد زوجها، هي بكت تنظر في المشهد عن بُعد آمن.
وتيمين كان قد إنفجر غُلّه، وما عاد يستطيع أن يكبح غيظه، فكم مرة عليه أن يُسجَن بسبب أخيه هذا؟!
وكم بسببه على كل العائلة أن تُعاني؟!
ولأي حد عليه أن يصل في إيذاء نفسه؛ كي يعقل أنه لا يقدم لنفسه ولا لمن هم حوله سوى الأذية؟!
على جونغ إن أن يستفيق ويستيقم وإلا فالموت راحة لهم منه وراحة له من نفسه، تيمين ليس كارهاً لأخيه إنما غضبان وآسفاً.
فهذا الهزيل أخاه الشقيق، ابن أمه وأبيه، ونبت في نفس بُستانه، فكيف لا يغضب وهو يرى أخيه يبطش بنفسه وبمن هم من حوله؟!
أفلته وأنهار أعلاه، دعك وجهه بقسوة في راحتيه، ثم نهض عنه يبكي مقهوراً لما وصل إليه، فقد وصل إلى نهاية مسدودة، وأن تقويمه ضمن العائلة بات مستحيلاً، فلا حلّ إلا أن تمتد يد القانون.
وهنا صرخ، صرخ لأنه متعب، متعب من أن يكون الأخ الأكبر، الذي وجب عليه أن يتفهم دوماً، وأن يخلق حلاً لوما وجده، صرخ تيمين لأنه يحب أخاه، ويخشى عليه من المستقبل المجهول.
" انظر إلى ما استوينا إليه بسببك! هل أنت سعيد؟! هل هكذا أنت حُر بلا قيود؟! أهذه الحياة التي طمحت لها؟!"
وعندما قهقه جونغ إن الذي يرتمي أرضاً بلا حول ولا قوة، صعده أخوه مجدداً، ومن فرط غيظه سدد على وجهه لكمة قُبيل أن يرفعه من قماش قميصه القذر وصاح في وجهه مُجدداً.
" أوتضحك؟! أنت لستَ بعقلك، أنت مجنون بالفعل، وما عاد يصلح معك سوى مستشفى الأمراض العقلية أيها المريض!"
وجونغ إن لم يرد، هو فقط على نُتف من وعيه يفتح عينيه إلى النصف، تقدم السيد كيم ورفع نجله البِكر من أكتافه عن أخيه الأصغر، ثم جعل ينظر إلى ابنه أرضاً وقال.
" ما الذي جاء بك إلى هنا؟! ألستَ فاراً من الشرطة بعدما أقدمت على بيع زوجتك لقاء السُم الذي أدمنت عليه"
جونغ إن بدا هزيلاً جداً حينما همس بضعف شديد، حتى أنه جعل من قلبه حجراً عليه رَقّ كتيمين الذي رق عليه، لعنه بنبرة غاضبة ثم خرج يبكي.
" أبي، أنا لا أريد الشيء الكثير، فقط أجعلوني أنظف جسدي وأملئ معدتي، فقط هذا ما أريد، أنا جائع ومتعب"
أذن السيد لزوجته بإشارة من يده، فجعلته يرتكز على كاهلها، وأنهضته عن أرضه، ثم صعدت به إلى غرفته الخاصّة بالقصر تُعينه وتعتني به.
نايون مسحت دموعها إثر ما شهدت حينما شدّ جونغهيون ثوبها وقال.
" أمي، لِمَ عمي يبدو كالمشردين؟!"
إعوجّت نايون بجسدها حتى تصل قامته القصيرة، ثم تمسّكت بكتفيه، وأجازت تفهيمه بنبرة مُتراخية.
" صغيري، عمكَ يمُر بوقتٍ صعب الآن، لذا علينا أن نساعده في ظرفه هذا، أليس كذلك؟!"
أومئ الطفل فاقتربت لتهمس بأذنه.
" إذن اذهب واتصل بالشرطة، واخبرهم أن عمّك هنا ليأتوا لحمايته، وأياك أن تُفصح عن اسمك أو تعترف لأحد بأنك من بلّغت عنه"
الطفل إهتز بجسده الصغير إثر رجفات خوف واستفسر.
" أمي، لِمَ علي أن أبلغ الشرطة؟!"
مسحت على شعره تمُدّه بالقوة كذا تُطمئنه.
" عليك أن تفعل وإلا عمك سيبقى على هذه الحال للأبد، ألا تريد مساعدته؟!"
أومئ فابتسمت تُربت عليه برضى.
" إذن افعل ما طلبت منك فعله"
أومئ الصغير وركض للأعلى حيث غرفته الخاصة ليجري مكالمته، نايون بعدما راقبت طفلها بنظرها ساقت قدميها إلى المطبخ، سكبت لجونغ إن مما حُضِّر من طعام، وصعدت تحمل صينية إليه.
طرقت الباب قبل أن تأذن لها السيدة بالدخول، إنشرحت طلائعها عندما وجدته يجلس على السرير نظيفاً ومرتباً، وأمه تداوي جروح جلده التي أسفر عنها التشرد وتعنيف تيمين منذ قليل.
وضعت له الصينية أمامه، وجونغ إن إلتهم كل ما فيها تعويضاً عن جوع أيام، كانت تُراقبه بعين مُشفِقة.
فجونغ إن منذُ أن شبّ وهو كثير الذنوب، لكن أول ذنوبه كانت الصُحبة الفاسدة، تلك التي أودت به إلى مُعاقرة الخمر وُمعاشرة النساء على هذا النحو من الإسراف، حتى تسبب بجريمة هو كان أكبر ضحاياها.
تصرفت نايون على نحو طبيعي لا يُثير الريبة، واكتفت بالنظر إليه وتفقُد أحواله كل حين، فهي من كل قلبها ترجو أن يقدر على أن يملئ معدته الهزيلة قُبيل إعتقاله.
لكن والداته ما كانت تنوي أن تلبث صامتة، إذ أنها فوراً ما تسآلت بعد أن وضع ملعقته في صحنه الذي فرغ.
" هل أحضر لك المزيد؟!"
نفى فاتبعت، وقد نظرت لنايون بنظرة تطلب منها أن تجعلها تنفرد بابنها، ولكن نايون أدرى بحماتها وأفكارها الخبيثة، لذا فقط ثبتت بمكانها وتجاهلت طلبها.
فأزفرت السيدة عن إنزعاجها بزفرة، ثم رست بعينيها على ابنها.
" بُني، أنت تعلم أن زوجتك أقدمت على الإنتحار ويقولون أنك السبب، هل فعلاً أقدمت على بيعها لقاء حبوب مُخدرة يا بُني؟! أنت لم تفعل صحيح؟!"
نظر جونغ إن إلى أمه وكوّن عِداء في حدقتيه.
" في أي مستشفى هي؟!"
سُرعان ما نفت نايون تحاول منع المرأة الكهلة من البوح، ولكنها زفرت بأستياء شديد عندما أباحت السيدة.
" في مستشفى هانسول الجامعي"
جونغ إن أومئ، ولم تخفى على نايون إيمائه هذا الذي ضمن توعداً، وربما تهديداً أو خطراً يُحدق بأوكتافيا.
ولكن صوت سيارات الشُرطة قد أخرجه من جُل أفكاره ونهض على استعجال، نظر عبر النافذة نحو الأسفل، الشرطة تجمَّعوا أمام الباب بالفعل.
لعن بغضب ثم ولج يُفكر فيما سيفعل، وذلك لم يمنعه أن يصرخ بغضب، ويضرب المرآة التي تقابله بقبضته فانجرح وكسرها.
" من أبلغ الشرطة يا خَونة؟!"
إرتعدت نايون إثر صرخته، وارتجفت تحاول الإنسحاب بلا أن تجذب إنتباهه، لكنه لحِظها إذ نظر لها متوجساً، وعيّن رجفتها لذا تأكد أنها هي.
" اللعنة عليكِ!"
نبس بتلك غاضباً يدحجها، وحينما أدركت أنه يقصدها تراجعت عنه تبغي الفرار، لكنه سبقها، إذ أخذ قطعة من زُجاج المرآة، وتقدم منها سريعاً يضع القطعة ضد عُنقها، وعقاباً لفعلتها به جرحها بالفعل فأغمضت عيناها تتألم، حاصرها من خلفها وجعلها تسير معه خارجاً قُبيل أن يهمس بأذنها.
" سأحوّل جُرحكِ السطحيّ هذا إلى قَطع يُسفر عن موتك لوما أطعتِ حركتي ومشيتِ معي الآن"
دفع بظهرها بخفة، وسار خلفها بيد تُثبت الزجاج الجارح قُرب جِلدها، خرج إلى جَمعِ رجال الشرطة وأهله، وفورما رأوه الشرطة أشهروا بأسلحتهم عليه، لذا هدد بصوت جهور.
" اتركوني أخرج وإلا قتلتُها!"
السيد كيم رفع بيديه إلى الشرطة ينفي وقال.
" إنه فقط يحاول الهروب، هو لن يستطيع قتلها، إنها زوجة أخيه!"
ضحك جونغ إن مِلئ ثغره ثم إستهزئ بقوله.
" لقد أقدمت على بيع زوجتي لقاء بعض الدولارات، ألا تظن أنني أستطيع قتل زوجة أخي الغالية لقاء حُريتي؟!"
تيمين تقدم من أخيه بحذر يرفع يديه، وقال بينما يرمق زوجته بقلق.
" لا تؤذي زوجتي، أتركها وفقط دعنا نتفاهم يا جونغ إن، ما تفعله يورطك أكثر"
وخز الزجاجة بعنق نايون كإثبات حيّ على أنه قادر على سفك دمها، دموع نايون تحررت من جفونها وتكتمت على صوتها، وهي ترمق زوجها بنظرات تكاد فيها أن تتوسله إنقاذها.
تيمين صرخ به، وكاد أن ينقضّ عليه لولا أن جونغ إن أجهز بزُجاجته لقطع حُنجرة نايون فوراً، فضبط نفسه.
ورغم أن يديه ترتجف ووجهه قد إحمرّ فعلاً، فهو يمر بوقت عصيب وحياة زوجته على المحك إلا أنه قال لأخيه بصوتٍ فاتر.
" أتركها واهرب، دعها واذهب، لا تؤذي إمرأتي!"
ارتفع شِدق جونغ إن بإبتسامة ساخرة، ثم سار إلى الوراء نحو باب المطبخ حيث يكون مخرج العاملين.
فورما أستطاع الخروج، دفع نايون على الأرضية وهرب راكضاً، ركض تيمين إليها يتفقدها بقلق، وطفلها كذا ركض إليها يحتضنها وهو يبكي بهلع.
رفع تيمين وجهها إليه ونبس.
" أنتِ بخير؟!"
أومأت رغم ذلك عيناها تدمع، مسح دموعها واحتضن رأسها إلى صدره يُربت عليها، وبكلماته يُطمئنها.
" لا تخافي، كل شيء سيكون بخير"
عضّت نايون بأظافرها على كتفيه، وإختبأت في كُنفه، بكت ضمن المساحة في جوف رقبته، وأفشت عما يخالجها من خوف.
" لقد أخبرته أمك بأي مستشفى أوكتافيا تمكث، وأنا أخشى عليها من شره لوما الشرطة قبضت عليه"
نظر إلى أمه التي إزدرئت جوفها بحرج وخوف، أما رجال الشرطة فعاد قائدهم بعد وهلة يُبلّغ.
" لقد فقدنا أثره"
لعن تيمين بغضب عالياً، واحتضن زوجته وطفله إليه، لكنه خائف، خائف مما قد يفعله جونغ إن على هذا النحو من الجنون والتهور.
يخشى أن يتسبب بجريمة لا يرى من بعدها ضوء الشمس طيلة حياته، وأن يعلق معصميه في أصفاد العدالة إلى الأبد.
...................
قلبه كالطبل وربما أشد صخبًا رغم مُضيّ الوقت، تيمين اليوم إختبر مشاعراً ما عاشها من قبل، ولا يريد أن يعيشها من بعد.
تيمين اليوم شعر بالخطر، الذي لم يشعر به من قبل على هذا النحو، للحظة فكّر ماذا لو خسر المرأة التي إحتضن، المرأة التي تُحبه.
إنهما قِصة إحتضان وحُب لم يكتشفاها بعد، قصة لم تَمُر بكل أزماتها بعد، فما زالت المشاعر، في طور الإكتشاف رغم أن السنين تركض من أعمارهما ركضاً، والزواج يعد عليهما السنين، بحُكمًا يقول فيه أن ما بينهما من عِشرة كافية ليكتشفا كُل المشاعر التي تربط بينهما، لكن قلباهما يقول العكس، ما زالا في طور الإكتشاف.
مرّ جونغهيون بأزمة نفسيّة بعدما عاش رُعباً إثر ما حصل مع أُمه، وكيف رأى أن عمّه أصبح رجُلاً لا يشبهه، أو بالأحرى أنه إكتشف وجهًا جديدًا لعمه لم يره من قبل.
لذا كانت نايون في غرفته بعدما عادوا إلى شقتهما الخاصّة، فالطفل قضى نحباً في البُكاء، وما رضيّ أن يُفارق أمه حتى غفى بين يديها.
وها هي تفرغ من صغيرها بعدما نام، أطفأت أضواءه، وأغلقت باب غرفته بعدما تفقدته آخر مرة، بعدها خرجت إلى غُرفتها، أخذت حِماماً تُزيل فيه إرهاق اليوم ومتاعبه.
خرجت، وارتدت ثوب نوم، وسترت نفسها بروب حريري أعلاه، ثم خرجت تنظر في المنزل بحثاً عن تيمين، فهي لم تراه مُذُّ أن دخلا المنزل معًا.
وجدته يجلس في الشُرفة على الأرجوحة الثُنائية، يغمض عينيه ويريح رأسه إلى ظهر الأرجوحة، يعقد ساعديه إلى صدره، ويرفع قدماً فوق الأخرى، بدى مُرتاحاً، لكن تقلبات وجهه تبوح عن حقيقة أزمات شعوره الآن.
إقتربت منه بهوادة، ثم جلست بجانبه، وحينما ظنّت بأنه لم يلحظ وجودها؛ وضعت يدها على كتفه ونادته بهدوء، ففتح عينيه ولم يرد.
" تيمين، أنت بخير؟"
زفر أنفاسه بعد صمتٍ استغلّه في جولة ضمن خاطره، ماذا يخطر له في هذا الحين؟
" حينما جرح عنقك بالزجاجة، أردتُ أن أهجم عليه واقتله بها، لأنني ظننت بأن مخاوفي منه ستتحقق عبرك، أنا كنتُ خائفاً يا نايون"
نظر لها، ثم بأنامله رفع ذقنها لينظر في جُرحها الصغير، تنهد ثم اتبع.
" بفعلته هذه إكتشفتُ جزءً جديدًا مني، أنتِ لستِ بالنسبة لي زوجتي وأم إبني وحسب"
نايون أخفضت رأسها لأن كلماته بالفعل قد هزّتها، وهي تعلم بأن رواسيها ليست منيعة أمام زلازل تيمين وأعاصيره.
" أنتِ أعمق من هذا المفهوم التقليدي بكثير بالنسبة لي، حينما وضع الزجاجة على عنقك تألمت وكأنها تمزق أديمي لا أديمك، أردتُ الإنتقام لنفسي قبل الإنتقام لأجلك، لأنني..."
رفعت وجهها إليه عندما سدّ ثغره في منتصف كلامه، وتركه منقوصاً لذا رمقته بفضول، تود أن تعلم ما في جوفه من كلامه، لعل هذا الكلام يُرضي مشاعرها النامية هذه المرة.
تلمّس وجنتها بأناملها، واتبع ينظر في عينيها العطوفتين.
" لأنني لوهلة فكّرت ماذا لو خسرتكِ فعلاً؟! ماذا لو فقدتك؟! ستكون حياتي غير قابلة للعيش، لن أعيش دونك، لقد إكتشفتُ أنكِ لستِ جُزء من حياتي، أنتِ حياتي كُلها."
تبسّمت نايون وتشافّت طبقة في عينيها، طبقة ثخينة من الدموع، ثم تحسست بإبهامها يده، التي ترتاح على وجنتها، كلامه هذا فاق توقعاتها، وأسرّ خاطرها، كذا جبر كسوره.
لكن السكينة التي غلبت الجو لم تُناسب مشاعر تيمين المُتأججة، لذا إجتذبها من قفا عُنقها وصرّح عن حُبه عبر قُبلة تضمّنت إعتراف.
فلقد مضت سنين مُذُ أن تلاقت الشِفاه، سنين تُقدر بعمر جونغهيون تتضمن حياته في بطن أمه، فهو ما مسّها إلا مرّات قليلة، من باب الفرض وحسب.
لكن الآن القُبلة تقول أنها أتت من باب الحُب، وما عاد الجامع بينهما مصالح متبادلة، فهو يحتاج عائلة يملكها أمام المجتمع، وهي تحتاج إلى بيت يحفظها وابنها.
لكنه الآن يحتاجها بقلبه وتحتاجه بقلبها، فمضى بها ومضت معه، بعدما حلّ القُبلة حلّ الروب وحلّت قميصه، ثم تحللت كل القيود، كل العقبات، وذاك بفضل جونغ إن حتى لوما كان مقصده حميداً، فالنتائج محمودة.
وهذان الرأسان إجتمعا أخيراً على وِسادة واحدة، كان بحُضنها وكانت بحُضنه، لأول مرة منذ سنين.
.....................
بيكهيون كان لحماية أخته موجود ومستيقظ رغم أن الفجر سيحين قريباً، إتصل به تيمين وحذّره، قال له أن جونغ إن ربما يضمر نوايا خبيثة لأوكتافيا، وطالما هو حُر من قبضة الشرطة عليهم أن يكونوا في حيطة وحذر منه.
بلغه من الطبيب زانغ الذي يُعانيها كل حين أنها إستيقظت بالفعل ولكنها ترفض رؤية أحد حتى طبيبها خرج من عندها في المرة الأخيرة غاضباً وبات يبعث ممرضة عنه.
وكل هذا الرفض الذي يتلقاه الجميع من اوكتافيا، جعله يدرك بأنها لن ترضى أن تسير على ما مضى وتقبل الإصلاح معهم فكما تركوها ستتركهم.
إلى أوكتافيا في الداخل، كانت قد إستيقظت بينما الطبيب زانغ فوق رأسها يُعاين سير المحاليل الطبيّة إليها.
حينما حرّكت أصابعها لم يلحظها، ولكنه سمع صوت آه خفيضة إنبلجت من شفتيها فإلتفت لها يتفحصها سريعاً.
رفع جفنها النائم بإبهامه وسلط على حدقتها ضوء خافت يقول.
" أوكتافيا، أتسمعيني؟!"
لكنها لم تُجبه، فقط أشاحت بوجهها عنه وزفرت أنفاسها.
" أنا بخير"
أومئ ثم أشار لطاقمه أن ينسحبوا ويتركوه معها ففعلوا وانفرد بها، جلب كرسي وجلس عليه، ثم عقد ساعديه إلى صدره وتحدث للتي تشيح عنه.
" هل حياتكِ رخيصة لهذا الحد بالنسبة لكِ؟!"
لم يرى الدمع يكلل حزنها لكنه سمع نبرها الهازئ بوضوح.
" أولم تشتري حياتي ببعض الدولارات؟!"
تريث، ثم تنهد ووقف، وضع كفيه في جيوب رداءه وقال.
" ليست كذلك، ليس عليكِ أن تستسلمي لمجرد أنكِ تواجهين المصاعب"
تنهدت ثم أوجزت الفرق بينهما.
" الذي يستدفئ بالنار ليس مثل الذي يحترق بها"
أتبعتها زفرة ثم اوكتافيا وجّهت واجهتها إلى السقف واتبعت.
" أنت لا تعلم ما عشته، ولستَ مُلماً بكل ظروفي، أنا لا أحاول تبرير فعلتي، ولكنك لا تستطيع أن تقول أنني مررت بمجرد صعوبات"
تقدم الطبيب وارتكز على دعامة السرير الجانبية حيث يكون على يمينها.
" أنا لستُ أقول أنكِ لم تمري بشيء، ولكنكِ ضحيت بنفسكِ للموت هكذا"
نظرت إليه، واجهته بعَبرتها، بعِبارتها، بملامحها القانطة، وبسيمائها المحزونة.
" أتظنني أستطيع الصمود بعدما رأيتك بأم عيني تضع دولارات في جيبه وتأخذني بيد قوية وكانك ملكتني بهذه الدولارات!"
أشارت إليه بسبابتها وإتهمته.
" حتى أنت قمتَ بإهانتي، أنت لستَ أفضل منه"
إرتفعا حاجبيه بلا تصديق، وركضت يديه إليها، لكنها نهضت عن السرير رغم ضعف كاهلها وصرخت به عن بُعد.
" أتدري ما كان إحساسي حينما وضعتني في سيارتك وأخذتني إلى شقتك؟! لقد شعرت بنفسي إمرأة هوى، معاملتك كانت حقيرة لا تليق سوى بإمرأة إشتريتها، أنا أكرهك بقدره!"
إقترب منها يود التبرير لكنها تراجعت وصرخت بإنهيار.
" أخرج من حياتي أنت أيضاً!"
تحرك لوهلة بضياع في دائرته، ثم خرح من لديها يحمل ملامح آسفة وغاضبة، تلك التي رآها بيكهيون عليها.
توجّه إلى مكتبه وجلس خلف طاولته ثم أسفر عن إنفعاله غضب جسماني أودى بطاولته وجعلها حُطام.
وقتئذ كان غاضباً بجنون، لأنها دوماً ما صدته، لأنها دوما ما أوفت عقد الزواج الذي يربطها بزوجها الماجن حقه، لقد أحب فيها عقلانيتها وصبرها، كذا شخصيتها الراكزة وكلامها المُدعّم برجاحة عقلها على الدوام.
لكن ذاك اليوم كرهها بلا اسباب معينة، بل بسبب شعوره الشديد بالإهانة، فكيف بإمرأة قلبه أن تُعرض للبيع، كيف للمرأة الوحيدة الذي دخلت قلبه أن تقبل بالإهانة وتصبر تنتظر تغييراً.
كان ذلك تحليله الخاص، الذي ثبت له أنه ليس على وجه حق حينما بلغه إتصال من رجل الأمن الذي يحرس العمارة بأن المرأة التي أتت معه نقلت إلى المستشفى.
لكنه ليس بعد الآن يكرهها، هو يحبها أضعاف ما حبّها قبل الحادثة، ذلك لأنه شعر بنفسه على حافة فقدانه، لذا قرر، قرر أنه سيخوض حرباً، معها، مع زواجها الباطل، مع عائلتها، مع المجتمع، ومع العالم، كي يظفر بها.
فهي حربه، ومن يُحارب، ولأجلها يحارب...
أوكتافيا حيث كانت رفضت تلقي المُهدئات، التي ستسرق منها وعيها في نهاية المطاف وتعيدها إلى سُباتها.
وكان بيكهيون عندما صرخت بطبيبها، الذي ما عاد مجرد طبيب كما يتضح، واقفاً أمام الباب، فبعث عبر ممرضة أنه يود مقابلتها، لكنها وبشكل قطعي أجابت الممرضة.
" لا تتدخليه، لا هو ولا غيره، إنني أرفض الزيارات، وفقط دعوني وشأني حتى يحلّ الصباح"
إستقبل بيكهيون خبر رفضها لرؤيته بملامح مُبتئسة، ولكنه لم يقدم على فعل شيء، سيبقى هنا ولأجلها باقياً حتى تخرج.
وحينما حلّ الفجر؛ ولا زال بيكهيون يجلس خارجاً بيده كوب قهوة يُعينه على السهر، وأكواب القهوة نفعته حتى حلول الفجر، ثم مع أول تغريدة صُبح غفى.
جونغ إن قد سبق وفرّ من الشرطة بنجاح، وأتى إلى المستشفى يحمل نوايا تكميلية، أن يُكمّل ما بدأته أوكتافيا، ويقتل ما بقي فيها من حياة، فهذا مُرادها ومُراده.
لكنه ما إستطاع الولوج إليها، وضل في وضع الرقابة في آخر الرواق ينتظر أن يغفى بيكهيون الذي يحرسها، وحينما غفت العين التي تحرسها، قرر أن لا فرصة ستكون أَخيَر له من هذه، لذا إغتنمها.
سار بهدوء شديد بينما يضع كمامة على وجهه وقُبعة على رأسها، فلقد كان في جيب زوجة أخيه مبلغ جيد من المال، سيتدبر به شؤونه للأيام التالية.
وصل إلى حيث يجلس بيكهيون ويغفى، ثم تقدم بخفة شديدة حتى فتح الباب ودخل بهدوء شديد.
لفحهُ النسيم اللطيف فورما دخل فابتسم يُحالف حظّه، خصوصاً أنها بفراش المستشفى نائمة، أو أن هذا ما خُيّل له.
فلقد كانت أسفل الغطاء تضم قبضتها، خصوصاً أن العِطر الذي فاح بدخول أحدهم يخص الأخوة الثلاثة.
تيمين خيارٌ مُستبعَد، فلا يجمعهما ما يجعله يتسلل لها في مثل هذه الساعة، وجيمين إحتمال معقول؛ لذا ستُمثل النوم ولن تتلقى المزيد من شماتته، وجونغ إن إحتمال شاسع؛ لذا هي تحفظ سكين بقبضتها أسفل الغطاء، لتشن بها عليه لو تثبتت أنه هو.
شعرت بالفراش بجانبها ينضغط إثر جلوس أحدهم عليه، ثم شعرت بأصابع أحدهم تتخلل شعرها، وتسرح خُصلها الأمامية.
" زوجتي العزيزة"
وضحك، ثم شهق فجأة وضحك مجدداً حينما أصبحت سكينها ضد عنقه.
" ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أتبغي مالاً؟ أم تريد أن تبيعني مجدداً؟!"
نفى برأسه، واستشعر قُرب السكين من نحره قبل أن يقول.
" أتيتُ أُسدي لكِ خدمة"
وقبل أن تعي مقصده فجأة أصبحت سكينتها على عنقها هي، فصرخت صرخة أيقظت بها بيكهيون في الخارج، وجعلت الممرضين المناوبين يركضون لها.
رمقها جونغ إن بغضب شديد، وجرح أديم عُنقها بالسكين يقول.
" سأعود قريباً واجتز عنقك!"
نهض سريعاً عنها، وبدخول بيكهيون كاد جونغ إن أن يقفز لوما بيكهيون قبض عليه، أسقطه أرضاً وركل معدته.
" سأقتلك أيها السافل! لقد وقعت بين يديّ أخيراً!"
لكن جونغ إن ما كان قد استغنى عن سكينه بعد، لذا غرزها في بطن بيكهيون و فورما تراخى المجروح رمى نفسه عبر النافذة.
ولحسن حظه؛ فإن سقوطه ما كان مباشراً إلى الأرض، فلقد سقط على سقف بوابة المستشفى، الذي يسفُله بطابقين، ثم سقط أرضاً وهرب بقدمٍ مكسورة.
أوكتافيا ما إن رأت أخيها ينزف الدماء بوفرة حتى تناست عن كل ما بينهما من فوارق وحواجز، وهرعت إليه تضمه إلى صدرها، وترفعه إلى حِجرها.
" بيكهيون، أنت بخير؟! أجبني!"
كانت تتلمسه بقلق وتبكي عليه، لذا تبسّم بيكهيون بما بقي فيه من وعي، وقال لها.
" هذه أختي، التي هي أفضل مني دوماً، لا تفلت يدي إن أنا أفلتُّها"
ورغم أنها تبكي خوفاً عليه تحدثت.
" اصمت فقط ووفر طاقتك لمقاومة إصابتك، أنا لم أسامحك فلا تكن سعيد كثيراً"
نقلوه الأطباء إلى الخارج فوق سرير غسله دمائه، وأرادت أن تتبعه لولا ان الطبيب زانغ قد ظهر من اللامكان، وسدَّ بجسده الباب يمنعها من الخروج.
حاولت دفعه من صدره لكنه أبى الإبتعاد وقال.
" لا تستطيعي أن تذهبي إليه، ابقي هنا وأعدك أنني سأنقل أخباره لكِ فوراً"
تحدثت بنبرة باردة وحاولت دفعه مجدداً.
" لا أحتاج تعليماتك، فقط إبتعد عن طريقي!"
حينها كبَّل كِلا معصميها بقبضتيه وقال يغزو نبره إنزعاجاً.
" أخبرتكِ أن تبقي هنا لذا ابقي هنا، وفري طاقتكِ في صدي كي تبذليها في مكان يُثمر، لا تهدريها علي لأنها ستضيع هباءً!"
رمقته بغضب، ثم تفلتت منه ودخلت، حينها طالعها مُزفراً أنفاسه، ثم غادر بعدما أشدد عليها الحراسة.
................................
كما لحظت إيزابيلا، فجيمين أمضى الأيام السالفة بكَمَد، فوجهه مُكتئب، وملامحه محزونة، كلامه قليل وتعبيراته مقبوضة، حتى أنه كان في مزاج صعب مع طُلابه، وكيّ لا يتفاقم الوضع سوءً معهم؛ قرر أخذ إجازة والمكوث في المنزل حتى تتحسن نفسيته وتزول عصبيته.
إيزابيلا لم تكن غاشية عينيها عن معاناته الصامتة، وما كانت تغمض عينيها عن سبب أوجاعه، تدري أن ما حلّ بأوكتافيا السبب، وبمقامها هذا منه لم تنال منها الغيرة الأنثوية، فكلاهما يفهم مشاعر الآخر.
لذا تفهّمت، وواسته بصمتها، وهدوءها، والقليل القليل من كلامها، وعلى هذا الحال مضى يومان، ودخل الثالث، إذ لاح الصباح وقرر العودة إلى عمله، لكن الظروف رفضت.
إذ إتصل به تيمين في الصباح الباكر، وبلّغه عمّا أحدثه جونغ إن من فوضى في المستشفى، وما تسبب به من كوارث جمّة تسببت في ملاحقات قضائية إضافيّة.
وبعدما أنهى مكالمته عاد إلى إيزابيلا بملامح عادية يلبسها عادة، لكنه ما أستطاع أن يمنع نفسه عن كتم الخبر بخصوص بيكهيون، لذا رمقها بملامح يلوحها مواساة وهمس.
" بيكهيون تأذى"
سُرعان ما شهقت إيزابيلا تسد فغر ثغرها براحتها، وحينما لحظت أن إنفعالها غير جائز في عُرف العلاقة القائمة بينها وبين جيمين؛ حاولت ضبط إنفعالها، إذ قبضت يديها واستلّت نفساً، ثم حاولت أن تستفسر بثبات، رغم ذلك؛ صوتها كان يهتز.
" كيف تأذى؟! هل هو بخير الآن؟!"
وعلى عكس ما توقعت جيمين لم يُبدي إنزعاجاً، هو فقط زفر أنفاسه، ثم أومئ يجيبها.
" هو بخير، جونغ إن طعنه، لكنها كانت في فراغ بطنه، لم تتأذى أعضاءه الداخليّة"
أومأت تزدرئ جوفها لعلها إستطاعت أن تزدرئ الغصّة العالقة في جوفها أيضاً، لكنها لم تستطع، وإنفعالها هذا كان واضحًا في عين جيمين، لذا ربّت على كتفها وقال.
" لا تقلقي بشأنه، هو بخير"
أومأت وقد سيطر الشرود عليها، لذا حمل حقيبة أوراقه وخرج، يوفر لها المساحة لأن تبكي، تحزن، وتنفعل بقدر ما تشاء، رغم أن هذا يخلاف الإتفاق بينهما، لكنه حاول أن يكون ليناً، لأنه يعلم بأن قلبها ليس معه، وقلبه ليس معها، هكذا هي علاقتهما، بهذا القدر من الوضوح.
قاد بسكون إلى المدرسة ولا يُنكر أنه أيضًا يراوده القلق، فلا يدري ما التهديد القادم الذي يواجه أوكتافيا.
هل سيهاجمها جونغ إن مجدداً قبل تكبيله؟! تكمن مخاوفه ضمن إجابة السؤال هذا.
وصل المدرسة في بالٍ مشغول، لكنه اليوم قرر ضبط إنفعاله وألا يُهاجم طلبته، فوظيفته هذه مصدر رِزقه الخاص وعليه أن يُحافظ عليها بصبره وعرقه.
لكن جيمين المُشاكسة تملك سلوك صاخب لا يوازي هدوء جيمين مُعلمها، كما أنها تملك وجهًا بريئًا يمنعه عنها إن غضب، فيتجاوز عن أخطاءها دون الكُل، وذلك ما شكّل لها فهماً خاطئًا بشأنه فلقد ظنّت أنه معجب بها، وأنها نالت قلبه.
لذا اليوم تجرأت أن تحمل معها كاميرتها الخاصّة، لتلتقط له بعض الصور، وتضمنها في حبل الذكريات الخاص بها في غُرفتها.
لكنه سمع صوت الكاميرا وشعر بفلاشها عندما أضاء ناحيته، فنظر إلى حيث تطفلت عليه وتنهد، نظر في ساعته ينظر كم يملك من وقت لتوبيخها قُبيل حلول الصف، دقائق وجيزة لكن ستكون كافية.
" بارك جيمين تعالي إلى هنا!"
الفتاة تخفّت خلف الشجرة، تظن أنها تخدعه بتخفّيها المُغفّل هذا، لكنها ما نجحت فقد زفر، وقد إسترجع مزاجه الأسود ذاك، لقد حاول كبته بقوة قبل وصوله، لكن بفضلها سيطر عليه، وعليها تحمل التبعات.
" سأبدأ بالعد، وحتى العدد الذي تخرجين بعده ستخسرين بقدره علامات"
قبضت يديها وضربت بقدمها الأرض تتذمر، لكنه بدى خشناً لن يقبل التفاوض، لذا خرجت حينما وصل الرقم خمسة.
رمقته بنظراتها اللينة تلك، واعتذرت بصوت لين ضغيف أثار شفقته وإستعطافه.
" أنا آسفة أستاذ!"
مَلأ صدره بالهواء وزفر بقوة يرمقها بإنزعاج فانكست برأسها، يده الحُرة من حقيبته كانت بجيب بنطاله الجينز.
تقدم منها يحمل هالة هيبة وعُرفان رجوليّ، مال برأسه إلى مطلعها، أخفض نبرته بغرض التوبيخ كذا الوعيد وبدد.
" بيد أنكِ تحملين ذات اسمي، وتملكين ملامح لطيفة تستعطفيني بها، ظننتِ أنكِ حُرة، تعبثين بلا حساب، أنتِ مخطئة هذه المرة!"
الفتاة أنكست برأسها وقد أصابها الصمّ للحظات، قضتها تبتدع كذبة وتفكر بجد وإجتهاد، حتى رفعت رأسها إليه تسآلت.
" هل ممنوع أن أحمل معي كاميرة وأوثق يومي؟! كل الطُلاب يحملون أغراضهم الإلكترونية، من الجائر أن أُعاقب وحدي إذن"
تلك الفتاة لا بد لها أن تستهلك حيزاً من إنتباهه الآن، لذا كتّف ذراعيه وشرع يسأل.
" تُعاقبين عندما تنتهكي خصوصية الآخرين، وتقومي بتصويرهم دون إذنهم يا آنسة بارك"
كتّفت ذراعيها كما يفعل تتحلى بالجُرأة، وتسآلت.
" وكيف حكمت أنني أصورك يا أستاذ؟! إن كنتُ أصور بإتجاهك لا يعني أنني أصورك"
إرتفع حاجبه بإذبهلال ونُكران، ثم مدّ يده لها يطالب.
" اعطني الكاميرا إذن لأرى إن كنتِ تصورين بإتجاهي أم تصوريني"
ضمّت الكاميرا إلى صدرها ورفضت.
" هذا إنتهاك لخصوصية الآخرين أستاذ كيم"
تضاحك مُستهزءً ثم جلب منها الكاميرا ليُقلِّب محتواها، عشرات الصور، كلها له، رمقها بجانبه إذ هي شرعت تفضح إرتباكها، وترمقه بنظرات لينة مُستعطِفة.
لولا أنها هاوية تصوير، كما يتضح له، وتمتلك موهبة قابلة للنمو في هذا المجال لقام بحذفهم، لكنه لن يُدمر طموح طفلة، أعاد لها الكاميرا، ثم رفع سبابته إلى وجهها يُبدد.
" المرة القادمة لن تستعيديها آنسة بارك"
سحب سبابته بحرج إذ سيطرت على نظرها وانتباهها، ضم أصابعه على شكل قبضة ثم غادر يلعن من أسفل أنفاسه حجم يده، الذي دوماً ما يُبدد جدية موقفه.
وحيث الطالبة جيمين تقف؛ إنتحبت تضم يديها إلى صدرها وضحكت.
" يدٌ لطيفة!"
......................
أتى الصُبح مُتباطئًا وأوكتافيا ما زالت تحفظ ذات القدر من القلق في نفسها على أخيها الوحيد، فعلى خلاف وعد الطبيب زانغ، فهو لم يظهر رغم أن الصُبح لاح، وهو على دراية بأن عينها لن تنام قبل أن يطمئن قلبها.
ورغم أنه تأخر حتى الظهيرة لكنه ظهر في النهاية، إذ أتى غُرفتها على عجلة من أمره، فوجدها قُرب النافذة تقف بينما تضم كفيها وتدعو الله.
تنهد ينظر لها، وتباطئ بإندفاعه ناحيتها، فما ظن أنه سيجدها تقف على هذا الحال وتدعو لأخيها، الذي حرمها حقها منه، وذلك إحدى الأسباب التي تجعله مُعجب بها، شخصيتها السَمِحة.
حالما فرغت من صلاتها وأخفضت كفيها، فتحت عيناها ونظرت عبر النافذة تزفر أنفاسها، نادها فإلتفتت إليه، ثم سريعاً ما تقدمت منه يحُف وجهها القلق وقالت.
" أخبرني كيف حال أخي؟!"
ربّت على كتفها، ثم أجابها بإبتسامة حَشت صدرها طمأنينة.
" هو بخير، قد طلب رؤيتك بالفعل لو تودين..."
وانطلقت إلى أخيها قبل أن ينتهي قوله حتى، أنزل يده، التي تعلقت بالهواء إثر إنسحابها من فوق كتفها وهمس.
" ما كان داعي لجملة لو الغبية هذه، بالتأكيد ستركض إلى ذلك الوغد"
وبالفعل ركضت، وبعد أن دلّتها إحدى الممرضات عليه إقتحمت غرفته، فوجدته يتمدد على سريره بصدرٍ مكشوف إلا أن خصره مُضمّد بعناية.
تبسّم حالما رآها، وأشار لها أن تجلس جواره على طرف السرير، وذلك ما طمأنها وأوحى لها أنه بخير، لذا تلبست قِناع البرود، وجلبت كرسي شاغر في الغرفة، وجلست عليه ضمن مساحة تبعُد عن السرير.
جلست تعقد ساعديها إلى صدرها وساقها وضعتها فوق الأخرى.
" لم آتي لأطمن عليك، أتيتُ لأتحدث بأمر آخر"
إبتلع بيكهيون غصّته بعد ثوانٍ قضاها يتجرع الصمت والندم، ثم أومئ لها فقالت.
" أنا أريد حقي من مال العائلة ومما أملك من أسهم الشركة وغيرها من العقارات والممتلكات"
وذلك لم يَسُرّ بيكهيون، أن تُطالب بأموالها المُوكلة إليه، ليس لأن المال قد ينقُص، أو أنه لا يود مقاسمته مع أحد، لكنه يخشى مما سيلي تنصيب الحقوق وأخذها حقها، لذا افشى عن مخاوفه لها.
" إفترضي أنني أعطيتكِ حصصكِ كُلها، ماذا ستفعلي بها؟!"
رفعت شِدقها بإبتسامة ضئيلة، ورفعت حاجبها بإستفزاز تقول.
" هذا ليس من شأنك، أوكلتك مالي ولكنك لا تملكه، إما أن تُسلميني إياه بالتراضي، أو للأسف ستنشب فضيحة بأن الأخ وأخته يترافعان في المحكمة لأجل المال"
ولأنها ما بدت كما تبدو عادةً، لقد تبدلت شخصيتها، أو أنه لم يكتشف كل جوانبها مُذُّ أن البُعد قد فرّق بينهما لسنين، قرر أنه بحاجة لفهمها أكثر، لخلق نِقاش معها لو أستطاع، لعله يصل إلى مُرادها.
لذا جلس مُستنداً على طرف السرير، عرّج حاجبيه وتحدث.
" أنا أتفهم غضبك أوكتافيا، ولا أملك نيّة في سلبكِ حقوقك، لكنني كمدير تنفيذي في الشركة؛ أحتاج أن أفهم فيما تُريدي صرف هذه الأموال."
بعد أن زفرت حركت رأسها نافية ورمقته ببرود من فوق أهدابها.
" لم أقل أنني سأصرفها، سأنميها، لكنني أريد مالاً أقبضه بيدي فأنا بحاجة لتكوين نفسي من جديد"
حرّك عنقه مُتسآلاً.
" وكيف ذلك؟!"
حينها أوكتافيا أقامت عودها، وتقدمت حتى وقفت أمام السرير ثم قالت.
" أريد أن أتحرر وابتعد، أنا سأطلب الطلاق من جونغ إن وسأطلب حضانة ابنتي ثم سآخذها وأغادر، أترك لكم البلاد بما رحُبت، فاهنئوا بها"
سُرعان ما نفى بيكهيون ونهض بصعوبة ليتقدم منها قائلاً.
" لكِ ما تريدين، تطلقي وخذي الطفلة لو استطعتِ، لكن أن تسافري فلا، أنا لن أسمح لكِ بهذا"
يده قد مسّت ذراعها، فأبعدته تقبض حاجبيها وقالت بنبرٍ متهجم.
" ومن تظن نفسك كي تسمح أو لا تسمح؟! أنت ما عدت تملك مكانة خاصّة بالنسبة لي، أتيتُ لأحدثك فقط لأنك مسؤول إداري، لا تفهم على نحو خاطئ، أنت لا شيء حقاً مُذُّ أن أصبحت أنا بالنسبة لك لا شيء، ولا يُمكن لنا أن نعود كما كنا"
بيكهيون أخفض رأسه، وقبض يديه إثر قسوة الكلام على مسامعه، وكيف أن كلماتها انصبّت في جوفه كحميم أو أحمى، وأوكتافيا اتبعت.
" لذا سيد بيون، أخبرني الآن، هل ألجئ إلى القضاء أم نتصافى بالتراضي؟!"
تنهد ثم أومئ لها وقال، إذ أنه لم يجد من مفر من غضبها عليه إلا بمُراضاتها.
" سأجلب المحامي المسؤول ليتصرف"
حينها فقط زفرت راضية وقالت.
" لن أُطيل البقاء في كوريا، لذا شاوره اليوم، وخلال يومين أريد مالي بأكمله"
أومئ فانصرفت، تراجع ليجلس على سريره تلوح فوقه غمامة مُظلمة تَصُب عليه ندم وحزن، كذا لوم وبُغض، فلولا أنه قص يدها، التي امتدت تطلب مساعدته، لما كان الآن في مثل هذا الموقف الموجِع معها.
عادت أوكتافيا إلى غُرفتها، وحينما انفردت بنفسها بكت، بكت بهدوء يناسب أوجاعها التي لا تصرخ، وأحزانها الصمّاء التي لا تشتكي.
إنها إمرأة من ضِلع الصبر، لكنها إمرأة بكرامة، لا تتجاوز عن الإهانة، واليوم الذي تسترد فيه حقها قد آتى، لن تُقصّر، ولن تأخذها الرحمة بأحد.
تناولت هاتفها بعدما فرغت بكاءً وحللت، أوجاعها عبر هذه الدموع، إتصلت بالطبيب زانغ، ثم توجهت إلى دورة المياه، لتغسل وجهها، وترتب مظهرها لعلها أخفت آثار البكاء عنه.
دخل الطبيب ووجدها تجلس على السرير، تقدم وجلس على الكرسي المجاور ثم تحدث.
" ظننتُ أنكِ لن تطلبي رؤيتي بعد صياحكِ الأخير بي"
نظرت إليه شزرة وأكدت.
" لستُ أسامحك، ولكنني أدلك على طريقة تعوضني بها لو تريد ذلك"
إمرأة صعبة المراس، هي بالفعل كذلك، لذا أومئ، فرغم كل الظروف هو لا يريد أن يخسرها.
" إذن أيها الطبيب، ساعدني كي أعفو عنك"
رفع حاجبه وتحسس شفتيه بسبابته.
" وكيف أساعدك بيون أوكتافيا؟!"
أشارت إليه بسبابتها وقالت.
" ساعدني لأعود بيون أوكتافيا، أنا أريد الطلاق"
قبض على شفته بقواطعه كي يكبح إبتسامته، ثم تحمحم وهمس.
" قولي ما تريدين أن أفعل وسأفعله"
بحماسة أوكتافيا جلست إلى السرير مُتربعة، ثم قالت.
" احضر محامي واجعله يرفع دعوة طلاق وحضانة ضد جونغ إن، واستخدم قضيته الأخيرة لإثبات عدم كفائته لتربية لارا، واطلب تنازلاً من عائلته عن حضانتها، جدّاها وأعمامها، سأفكر في مسامحتك لو فعلت"
.............................
سلاااااااااام
كم لبثنا؟! واو ما بتتخيلو كما أنو ولادة هذا الفصل كانت عسيرة، لثقل المشاهد والتخطيط المكثف، والأهم لأنو حاقد عاشق كانت سارقة كل إهتمامي.
ولكن بما أنه حاقد عاشق إكتملت أخيراً، الإهتمام الي كان موجه لها رح يتوجه لهاي الرواية، مثل ما لاحظتوا، الفصل اطول من العادة، خمس آلالاف كلمة والتحديث حيكون أسرع بمعدل فصل كل خمس أيام في حال توفرت ظروف مثالية تخليني متفرغة للكتابة، يعني لو تأخرت فبكون بسبب ظروف.
لهيك بدي أشوف حماسكم وحبكم، لأن جمهوري هنا صار أولويتي الأولى نفس الشي هاي الرواية، الأحداث الجاية حماسيّة وفي مفاجآت كثيرة، بس رح اعترف أنو الرواية مش رح تكون طويلة جداً، نحنا تقريباً ح نفوت بالثُلث الأخير من الرواية.
اظن الرواية حسب حساباتي توصل 60 فصل، أقل أو أكثر بشوي.
لهيك ادعموا الرواية لانها بتستاهل وأشوفكم قريباً إن شاء الله.
الفصل القادم بعد 200فوت و 500 كومنت.
(مش كثير، بعرف بتحققوه)
1.رأيكم بأوكتافيا؟!
٢.رأيكم بجونغ إن؟!
٣.رأيكم بتيمين ونايون؟!
٤.رأيكم بجيمين علاقته بإيزابيلا وعلاقته بطالبته جيمين؟!
٥.رأيكم ببيكهيون؟!
٦.رأيكن بمسار الرواية والأحداث بشكل عام وتوقعاتكم للفصل الجاي؟!
لا تبخلوا علي بآرائكم.♥️
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі