The End|| تُفّاح مُحرّم
تُفّاح مُحرّم
بطولة:
كيم جونغ إن (كاي)
ذلك الخجل الذي لاطف روحها حينما مدّت يدها إليه تطلبه هاتفه لأجل حملة تفتيشية تقيمها عليه أضحكته، فنبرة صوتها بدت مُهتزة، ويدها ترجف، وعيناها تزيغ عنه.
" أعطِني هاتفك أُفتّشه"
جونغ إن حاول على قِدر إستطاعته أن يمنع ضحكته عن الإنبلاج فلا يسبب لها الحرج، لكنه ما أستطاع، فضحك من جُب قلبه فيما يخرج هاتفه من جيب سترته ليقدمه لها، لقد بدت لطيقة وهي تطلبه، ولا ينكر أنه سعيد بأنها تمنحه فرصة أخيرًا لتوثيق مصداقيته.
تناولت الهاتف من يده فيما تقبض حاجبيها بسخط وأستياء منه، فلِمَ يهزأ منها بضحكاته هذه؟!
شزرت إليه وتمتمت بغضب.
" ما المُضحك سيد كيم؟"
قال فيما يبتسم لها، كان ينظر في عينيها اللتين تصقلانه بحدّة عميقًا؛ وكأنه يقرأ كلامًا مكتوبًا في حدقتيها، وكأنه يرى إنعكاسًا لروحها فيهما.
" أشعر كما لو أنكِ زوجتي بالفعل!"
"تشه!"
إرتخت على الكرسي الجلديّ الذي يحويها وتمتمت على مسامعه.
" أخشى أن تُحلّق عاليًا في سماء أحلامك ثم يكسر الواقع جناحيك، لذا تمهّل، لا تقفز للإستنتاجات عزيزي!"
همهم وارتخى على الكرسيّ الذي يجلس عليه هو الآخر زافرًا أنفاسه براحة ثم أشار لها.
" تفضّلي، فتّشيه كما تريدي"
قد كانت بدأت في تفتيشه بالفعل.
وهو بدى مُرتاحًا وروحه مُبتهجة، لأنها تمنحه الفرصة لتنظيف اسمه لديها، تصرفها هذا يكفيه ليفهم بأنها لم تتخلى عنه كليًا، ما زالت تريد أن تثق فيه، وتتأكد من نظافته.
كانت تفتش هاتفه بجديّة وهمست بما أنها لا تجيد شيئًا تمسكه عليه.
" لم تمسح شيء، أليس كذلك؟"
ضحك ونفى برأسه قائلًا.
" لا، هذا هاتف جديد، اشتراه تيمين لي حينما سُرّحت من السجن، تستطيعي أن تري السِجلات تبتدأ من تاريخ التسريح، السابع والعشرين من أغسطس"
همهمت تبحث عن ثغرة، تحدث مع تيمين بأحاديث كثيرة، هي من ضمنهم، يشكوها لتيمين بأنها لا تلين ولا تصدقه، وتيمين يصبّره ويمدّه بالعزم.
تمتمت.
" رجل بالغ يتصرف كطفل!"
أومئ يقول.
" تيمين يمنحني هذا الشعور، وكأنه أبي وليس أخي"
أومأت فيما تتبع حملتها التفتيشية.
" أرى أنه يهتم بك، ذلك واضح"
له محادثات سطحيّة مع نايون زوجة أخيه، كالسؤال عن تيمين، عن الأطفال، عن حالها، أشياء كهذه فحسب.
لا محادثات مع جيمين، هي كانت ستستغرب لو رأت بينهما محادثة، جيمين لا يُصفح بسهولة، وإن أصفح فهو لا ينسى ويضع حدود تعامل للآخرين معه.
محادثات طويلة جدًا مع طبيبه النفسيّ لي دونغهي، منها أحاديث تخص تلك الليلة التي ذهب بها إلى الحانة وما بعدها.
ذلك الطبيب البغيض يحثّ جونغ إن برسائله على تجاهلها في بعض الأحيان، قائلًا بأنه لم يُخطئ ولا يتوجب عليه الإعتذار منها على آية حال.
حسنًا... هو لم يُخطئ في شيء، لكن هذا الطبيب يحثّ جونغ إن على تجاهلها!
ماذا يظنّها!
نقرت شاشة الهاتف بعصبيّة تقول.
" طبيبك البغيض هذا، أريد أن ألتقيه!"
حلّق حاجبه وبرم شفتيه مُستعجبًا.
" لِمَ تلتقيه؟!"
وضعت هاتفه على الطاولة التي بينهما وقالت.
" ألست تريد أن أثق بك؟"
أومئ فاتبعت.
" إذن لا يمكن لأي أحد أن يعرفك أكثر من طبيبك"
حينها تبسّم وأومئ يقول.
" حسنًا، كما تريدين، سأرتب معه موعد"
نفت برأسها تقول فيما تنقر الطاولة بسبابتها.
" لا، الآن أريد أن ألتقيه سيد كيم جونغ إن"
شغر عينيه وفاهه يقول.
" الآن؟!"
همهمت فاتبع.
" ولكن ماذا عن عملك؟!"
عقدت ساعديها إلى صدرها ورفعت حاجبها، أهو يختلق حُجة الآن كي لا تلتقي بطبيبه؟!
ستكون إذن أكثر إصرارًا لمقابلته في الحال، اليوم، والآن.
" سيتولّاه تايونغ"
عقد جونغ إن حاجبيه يستفهم.
" من تايونغ؟!"
" مساعدي الجديد"
يحيطونها الكثير من الشباب، كان لوكاس والآن تايونغ هذا، لكنه لا يملك حقًا ليعترض؛ لذا فقط أومى ثم نهض يقول لها.
" حسنًا إذن، هيا بنا إلى عيادته، سأتصل به على الطريق، أتمنى أن يكون متفرّغ لنا"
لا شأن لها، لو كان لا يملك وقتًا لها فليختلقه، ليست مشكلتها.
حملت حقيبتها وسبقته إلى الخارج، توقفت إزاء شاب يافع، خمّن جونغ إن أنه مساعدها الجديد فتنهد مُبتأسًا، أتشترط بمساعديها أن يكونوا رجال يافعين في غاية الوسامة؟!
" تايونغ!"
لِمَ لا يكونوا فقط رجال في منتصف العمر، لهم كروش، قصيري القامة، ويتمتعون بصلعة لامعة، سيكونوا مثاليين -بالنسبة له-.
نظر لها الشاب وتقدم منها يحمل ملفّا بيده، يرتدي بدلة أنيقة، ويرفع شعره الأدهم عن وجهه المُشرق.
" تفضلي سيدتي"
" سأخرج لبعض الوقت، لذا تولّى مكاني حتى أعود"
نظر إلى جونغ إن الذي يقف على يمينها ويتأخرها بعدة خطوات، ثم عاد ببصره إلى سيدته وأومئ باسم الثغر.
" بالطبع سيدتي!"
تجاوزته أوكتافيا، وجونغ إن تمهل حتى يرمق الشاب بنظرات تتفحصه من قِمة رأسه حتى قاع أخمصه، الشاب أبدى إستغرابه قائلًا.
" أتحتاج شيء؟!"
ود لو يقول "إستقالتك" لكنه امتنع، فلو كان يغار عليها من الرجال، فهو لا يملك الحق أن يقول ذلك علنًا.
كانت تقف تنتظره بمصف السيارات لذا استعجل بخطواته وحينما ادركها قالت.
" لِمَ تأخرت؟!"
نفى برأسه ألا شيء ثم أشار لها نحو إحدى السيارات، كان سيارة حديثة طِراز مرسيدس بنز.
رفعت حاجبيها وفغرت فاهها تقول.
" اووه! ما عدتَ مُفلسًا؟"
ضحك فيما يتقدم ليفتح لأجلها الباب وقال.
" لا، طمرني المال بمجرد عودتي"
صعدت معه بسيارته بصمت، ثم أثناء قيادته بعد دقائق قالت.
" حتى لو أقنعني كلام الطبيب، لن أُعيّنكَ بالمدرسة لدي"
ضحك بخفّة قائلًا.
" لا بأس حقًا لو لم تُعينيني، أنا سأعمل مع إخوتي، مُقابلة العمل كانت حُجة لألقاكِ"
استنكرت أوكتافيا مُستعجِبة.
" إخوتك!"
همهم وبانت على شفتيه إبتسامة مرسومة بقلم السعادة، حينها أشارت إلى شفتيه وقالت.
" هذه الجروح والكدمات التي تملئ وجهك من جيمين، أليس كذلك؟!"
أومئ يتحسس وجهه قائلًا.
" نعم، لم أدري أن لهذا الصغير قبضة قاضية كتلك، تشتت وعيي للثوانٍ بسببه"
لكنها عقدت حاجبيها بإستغراب، وقالت منذ أنه لا يتوقف عن الإبتسام بينما يقول أنه تعرّض للضرب المُبرح.
" وما الذي يجعلك سعيد؟ هل ضرب جيمين أفقدك عقلك؟!"
ضحك مِلئ جوفه حتى إمتلأت عينيه بالدموع مما قالت، أيبدو كالمخبول؟
" أنا فقط سعيد، لأنه أخرج ما في قلبه أخيرًا، كنتُ أراه يختنق بغضبه، مُتأكد أنه الآن أفضل، أنا الآن أفضل حتى"
حرّكت كتفيها بجهل لا تفهم كيف يفكر الآن، ربما هو سعيد لأن علاقته بأخيه في طور الإصلاح كما علاقته معها.
حركة الإصلاح التي تخصه هذه تؤتي ثَمرها أخيرًا، ولو كانت بخطوات قِطط بطيئة وبسيطة، لكن لا بأس، طالما هو يتقدم سيحرص أن يضل يتقدم، ولو ببُطئ.
توقف بالسيارة أمام مُجمّع طبيّ وقال.
" عيادته هنا، هيا بنا"
نزل من السيارة ونزلت معه، ثم إنتظرها قليلًا حتى جاورته بالمسير، فورما وصل العيادة تحدث مع مساعدة الطبيب.
ضيّقت أوكتافيا عينيها تراقبه، فلقد كانت فُرصة سانحة لتقرأ لغة جسده، لم يبتسم لها إطلاقًا، لم يتحرك بطريقة مشبوهة، يتحدث معها بلهجة رسمية، وفقط سألها إن كان يستطيع الدخول الآن.
بعد ذلك آتى ليجلس بجانبها وقال.
" لديه مريض الآن، لقد منحنا إستراحة الغداء لأنها وقت فراغه الوحيد، سننتظر قليلًا حتى يتفرّغ لنا"
أومأت أوكتافيا، وعاضدت ساعديها إلى صدرها فيما ترفع الساق فوق الأخرى وتنظر حولها، أعجبها ديكور العيادة، جميل.
همست بنبرة لا تكترث وكأنها تهدف لتضييع الوقت ليس إلا؛ رغم أن هذا الإنطباع لا يعكس ما تشعر به حقًا.
" منذ متى تتعالج عند هذا الطبيب؟"
نظر إليها وابتسم، هي فعلًا تهتم، وإلا ما سألته من الأصل، ولها ضير عليها أن تُمثّل عليه قِلة الإهتمام، ما دامت تريد أن تحافظ على صورتها الغير مُكترثة لأمره أمامه.
" هو الطبيب الذي كان مسؤول عن حالتي في المستشفى النفسيّ الذي كنتُ أتعالج فيه، هو من عالجني من الإدمان على الكحول والمُخدرات، وللآن ألتزم معه بجلسات علاجيّة لتحسين حالتي النفسيّة"
همهمت ثم طرحت سؤالًا آخر.
" ماذا عن الفترة التي قضيتها في السجن؟ هل إنقطعت عن العلاج حينها"
نفى وأجاب.
" كان يأتي لزيارتي كل أسبوع مرتين، وكان يحمل بطاقة تسمح له أن يخضعني لجلسة علاجيّة في كل زيارة"
إنخفض بصره إلى الأرض حينما شعر بالغصّة تتراكم في حلقه، واتبع.
" لم يكن يزورني أحد سِواه وتيمين"
هزأت زافرة أنفاسها.
" بالتأكيد لن يقوم والديك بتشويه صورتهما المجتمعيّة بعبور مداخل السجن لرؤيتك، لا أظن أن أبنائهم أهم من صورهم أمام الناس"
قهقه يومئ.
" لأكون صادق، معكِ حق بالفعل!"
تقدمت منهما المساعدة تبتسم وقالت.
" يمكنكما الدخول إلى الطبيب، هو بإنتظاركما"
نهضا معًا، ثم جونغ إن إنتظر أوكتافيا لتسير بجواره، ولج بعدها إلى غرفة الطبيب، فيما هي تصافحه.
جلست أوكتافيا قِبالة الطبيب وجونغ إن قِبالتها.
" أنا بيون أوكتافيا، أظنّك تعرفني"
أومئ دونغهي يبتسم وقال.
" بالطبع أعرفكِ، لكن زيارتكِ هنا مُفاجئة قليلًا!"
نظرت إلى جونغ إن، وبإبتسامة خافتة قالت له.
" جونغ إن، اتركنا وحدنا لو سمحت"
سعل جونغ إن مُحرَجًا من طلبها المُفاجئ فيما ينظر إلى طبيبه الذي أذن له بالخروج بإيمائة ففعل.
بعدما غادر؛ أوكتافيا عدّلت جلستها لتُقابل الطبيب بطريقة أفضل، ثم قالت والجديّة تحفّها.
" طبيب لي، إنسى أن جونغ إن صديقك وحدّثني بأمانة بصفتك طبيبه، هل جونغ إن تغيَّر فعلًا؟ هل هو محل ثِقة؟"
تبسّم الطبيب فيما يعقد كفيه على الطاولة، لقد توقع أن تأتي لزيارته يومًا ما، وها هي أخيرًا أمامه، لطالما رغب برؤية المرأة التي تسببت بملحمة التُفّاح المُحرّم تلك، وها هي أمامه، شكلها يوحي بأنها تستحق أن تُثار لأجلها حرب.
" لا يمكن لحديث كهذا أن تتخله صداقتي به، سأتحدث معكِ بصفته مريضي فقط سيدتي"
أومأت.
" أرجو ذلك"
اتبع.
" سيدتي، أكبر مشكلة نفسيّة واجهها جونغ إن ليست الإدمان على الكحول والممنوعات، بل عُقدة النقص التي عانى منها كثيرًا دون أن يدري حتى، هذه العُقدة هي من جعلته يضع وجوهًا عِدة ليتمثّل بها، ويتصرف على نحو مجنون.
أصل مشكلته لم تكن لأن أخويه أفضل منه أو أسوء، بل المشكلة الرئيسة هي تفريق والديه بين الثلاثة منذ أن كانوا أطفال، الأخ الأكبر يتلقى أحمال اسم العائلة الثقيلة لذا فهو يتلقى إهتمام مُكثّف للرعاية به وبصحته العقليّة.
الصغير يبقى صغير، إذ هو ثائر على والديه، ولم يرضى أن يعيش كيفما أرادوا هم له، رغم ذلك يهتمون به ويحبونه لأنه الصغير ببساطة.
أما هو فقد كان منبوذ بين أخوته، أهله لا يستغلونه كأخيه الكبير، ولا يحبونه كالصغير، فما كان يحظى بذات الإهتمام الذي يحظى به الأخ الأكبر، أيضًا لم يكن حرًا كالأصغر.
لرؤيته إخوانه سُعداء كما خُطِطَ لهم وهو لا، ذلك ولّد شعورًا بالنقص لديه، شعر أنهم أفضل منه وأكثر سعادة منه، يملكون الغالي والنفيس، وهو لا يملك شيء، لذا ثار على نفسه وأراد أن يعيش بلا قيود سوى واحد، الحفاظّ على صورته نظيفة كابن لهذه العائلة.
تعالج من الإدمان لمدة سنتين ضد الكحول والمواد المُخدّرة والرغبات الجنسية، تم ضبط كل هذا، لكن بعد عامين من العلاج ضل يشعر بالنقص
خلال فترة سجنه، كنت أذهب لإخضاعه لجلسات علاجيّة، وشرحت وضعه لأخيه الأكبر بما أنه الوحيد الذي يهتم لشأنه.
الآن وبعد أن تحرر من السجن والمصحّة وعِلله النفسيّة، كان قد حان وقت إختباره بتعريضه إلى المجتمع والبيئة المُحيطة به.
حينما طلبتُ منه الذهاب إلى الحانة، اعتبرتُه إختبارًا لمدى صلاحه في الإنخراط في المجتمع، هو أثبت جدارته حقًا ذلك اليوم
عرضته لتنويم المغنطيسي، لا يمكنه أن يكذب في مثل هذه الحالة، لأن عقله الباطن الذي يتحدث، لو أردتِ سأريكِ إحدى الجلسات التي تتعلق بكِ"
تنهدت أوكتافيا مِلئ صدرها، الكلام كثير ويعمل على تليين قلبها ناحيته، لذا أومأت تقول.
" ليطمئن قلبي، أريد أن أرى كل شيء بعيني أيها الطبيب!"
أومئ لها الطبيب، ثم أشار لها أن تأتي لتنظر في شاشة الحاسوب.
" هذا التسجيل الذي تحدث به عنكِ، وقتها كان يتلقى العلاج بالمستشفى"
لزمت الصمت لتنظر إلى شاشة الكمبيوتر، ضغط الطبيب على أيقونة ما، فظهر جونغ إن ينام على سرير أبيض ذا رواسي حديديّة في غرفة بيضاء، يداه مُقيدة إلى السرير كذا قدميه.
وتستطيع أن ترى عبر هذه الشاشة كما كان هزيل ومتعب، نحيف جدًا وبشرته صفراء، تتراكم الهالات السوداء حول عينيه وعلى حواف شفتيه المتشققة.
" جونغ إن، أنت معي؟"
همهم فقال الطبيب.
" ما رأيك أن تحدثني عن أوكتافيا قليلًا؟"
تبسّم فورما ذُكِر اسمها، وتحدث.
" لقد كانت فتاة مُشرقة وطالبة في صفّي، كذلك صديقة أخي جيمين المُفضلة"
" وكيف شعرت ناحيتها في أول مرة رأيتها بها؟"
عقد جونغ إن حاجبيه بخفّة وأجاب.
" مشاعر مختلطة، كنت متشوق للخوض في معرفتها، بالنفس الوقت كنت غيور من أخي عليها، إنها مثاليّة!"
" أخبرني قِصة زواجكما"
إزداد حاجبيه إنقباضًا، وكأنه يرى خلف ستارة عينيه شريط من الماضي.
" أخي تقدم لخِطبتها، فتبدّلت نظرتي نحوها، لقد ظننتُ أنهما مجرد أصدقاء مقرّبين، لم أتوقع أن يقع الحب بينهما، وهذا أثار إستيائي."
" ولِمَ شعرت بالأستياء؟"
أخذت ملامحه تمتعض أيضًا بينما يجيب بنبرة بدت عصبيّة.
" لأنها جميلة، ومثقفة، ومن طبقة إجتماعية عالية، وثريّة... ببساطة لأنها أفضل من زوجتي، سيحبونها والداي ويكرهون زوجتي أكثر"
" ثم ماذا جرى؟"
إشتدّت قبضتيه.
" حاولت التلاعب بعقلها، خصيصًا أنها لا تحب أخي كما يفعل هو، نظرتها له مختلفة عن نظرته، كان سهلًا علي أن ألعب دور العاشق حتى أوقعتها بخطيئة بحق أخي وزوجتي وحقها قبل الجميع"
" هل ذلك أشعرك بالراحة؟"
برم شفتيه وأجاب.
" ربما قليلًا، فلقد نجحتُ في تدمير زواجها من أخي، لكنني أصبحتُ أريدها لي"
" ماذا عن زوجتك؟"
" زوجتي لم تكن تغار علي من النساء أو تهتم، كنت أريد أوكتافيا عشيقة، و لارا تبقى زوجتي"
" إذن لم تزوجتها؟"
أصبحت ملامحه مُمتعضة على آخرتها، قبضتيه مشدودة، وأخيرًا بكى.
" لأن زوجتي ماتت وأردتُ الإنتقام لروحها، حمّلت أوكتافيا ذنب وفاة لارا، رغم أنني من دفعها عن الدرج وأوكتافيا كانت تحثّني الا أؤذيها، ما كنت أرى مُذنب سواها، وهكذا إنقلب السحر علي"
" ولِمَ تطلقتما؟"
أخذ يبكي أكثر ويشهق بخفة.
" لأن زواجنا لم يكن زواج عن حُب ووِد، كُنّا نكره بعضنا، وكنتُ أؤذيها كثيرًا، حتى ذاقت ذرعًا مني ومن الحياة وقررت أن تنتحر حين أقدمتُ على بيعها لِقاء بعض الحبوب المخدرة"
" والآن، كيف تشعر حيالها؟"
تنهد.
" بالأسف الشديد، أود لو أعتذر منها، وأحاول أن أصلح ما دمرّته من حياتها"
" بعدما تخرج، ماذا ستفعل بشأنها؟"
إرتخت ملامحه وقال.
" أليس من الأنانية أن أقول أنني أريد إسترجاعها والزواج منها مجددًا؟"
" لِمَ تتزوج منها مجددًا؟"
تبسّم.
" لأنني أحبها..."
تنهدت أوكتافيا أمام ما ترى، وبتخاذل عادت لتجلس في مكانها، حينها الطبيب بكلماته حاول جمع شِتاتها يقول.
" يستحيل لقصتكما أن تنتهي بنهاية سعيدة مائة بالمائة سيدتي، لكن يمكن أن تحصلا على بعض السعادة في مكان ما"
نظرت إلى الطبيب واستفهمت.
" ماذا تقصد؟"
" أقصد أنه لا يمكنه أن يتزوج بإمرأة غيرك، لن تقبله به إمرأة سواكِ، كذلك الأمر بالنسبة لكِ، لن يقبل بكِ رجل سواه، حتى لو حدث، لا أظنك ستتحملين أن يُذكّرك رجل بخطاياكِ لاحقًا"
فجأة تذكرت يشينغ يوم عيَّرها بماضيها، الطبيب مُحق، لا يمكن أن تنتهي مع رجل آخر.
" أنتِ وهو خطاياكم مُشتركة، لكما نفس الماضي وذات العورات، لن ينظر إلى عوراتك ويهزأ منكِ بينما هو يحمل نفس العورات، أنتما لا ينفع أن تكونا مع أحد آخر، أنتِ وهو وجب أن تكونا معًا"
صحيح، معه لن تشعر بالنقص لأنه ناقص مثلها، لن تشعر بالخطيئة لأنه من جرّها إليها.
" لو أنكِ تفكرين بأنه عليكِ أن تُحبيه لتتزوجيه فأنتِ مُخطئة، الحب يتأجج لمرحلة معينة في بداية العلاقة، ثم مع تقدم العلاقة؛ يأتي الإعتياد على العلاقة، والخمول في المشاعر، لا أقول أن الحب يموت لكن يخمل"
" أشياء مضمونة بخلاف الحب هي التي تبقى، الوِد، الإهتمام، والإحترام، هؤلاء سيدتي هم من يبقوا أي بيت في سكينة ورخاء، ليس الحب، الحب وعِر، وليس كل قلب يمكنه أن يحب حقًا"
ترك الطبيب طاولته فيما تحفّ شفتيه إبتسامة لبقة، فيما أوكتافيا تُفكر فيما قال وقد شردت، جلس قِبالتها وهمس.
" باسمي طبيبه، أقول بأنه مؤهل للثقة، يمكنكِ أن تثقي به ولا تخافي من التقدم معه"
رفعت رأسها إلى الطبيب تزفر بعُمق وهمست.
" شكرًا لكَ أيها الطبيب"
" العفو"
صافحته للمرة الأخيرة ثم خرجت بخطوات مُتباطئة تخفض رأسها، وبلا كلام جونغ إن تبعها إلى الخارج، كلام هذا الطبيب أثّر في نفسها جدًا.
لا يكمن أن تعيش مع رجل بلا أن تشعر بالنقص سوى مع جونغ إن، كذلك هو...
لا يشترط في الزواج الحُب، هناك ما هو أهم، الوِد والإحترام...
هذه الأفكار إكتنزت عميقًا في نفس أوكتافيا، شعرت بأن كلام الطبيب ليّنها ناحية جونغ إن كثيرًا، لقد بدأت تشعر بأنه يمكنها أن تثق به، يمكنها أن تزيح بينهما المانع.
جونغ إن لم يدري ما حدث بالداخل، ولكن بالنظر إلى أوكتافيا، فهي تفكر بعمق وتمشي ببطئ، بالتأكيد كلام دونغهي قد أثّر فيها.
تحمحم ثم قال.
" ماذا قال الطبيب؟"
توقفت في مكانها فتقدم منها يعقد حاجبيه قائلًا.
" ما الذي يحدث معكِ؟"
نظرت أوكتافيا إليه ترفع ثلاثة أصابع في وجهه.
" بعد ثلاثة أيام دعنا نلتقي، حتى ذلك الحين لا تجعلني أراك، أريد أن أفكر بعُمق بشأنك دون أن تؤثر على قراري، حسنًا؟!"
أومئ، فتجاوزته لتوقف سيارة أجرة وتذهب بها، لم تسمح له أن يفهم أي شيء عمّا حدث بالداخل أو ما تفكر به، كما بها، ولِمَ هذه الثلاثة أيام.
لكنه على آية حال سار في طريقه بعد مُغادرتها، عليه أن يزور أحدهم.
لم يتحسن وجهه كفاية ليتعرض للكم من جديد، سيحاول ألا يحدث شيء.
توجّه إلى مبنى الشركة التي تنافس شركة عائلته، شكرة عائلة بيون.
نعم، عليه أن يلتقي ببيكهيون، يعتذر عمّا فات ويعده بأنه سيحفظ أخته، هي لن تكون محادثة ودودة بالتأكيد، لكن يرجو أن يخرج بأقل الخسائر.
وصل الشركة، ووجّهه مكتب الإستقبال إلى مكتب بيكهيون الخاص، كان يشغل منصب مساعدته إمرأة جميلة، تقدم منها جونغ إن وقال بنبرة رسمية.
" إن كان من الممكن، أرجو أن تُخبري المدير بيون بيكهيون أنني كيم جونغ إن أريد لقائه"
إتسعت عينا إيزابيلا -التي لا يعرفها جونغ إن- وقالت مدهوشة.
" أنت طليق أوكتافيا، أليس كذلك؟!"
عقد حاجبيه، لكنه أومئ فنهضت عن مكتبها سريعًا تحاول صرفه بدفعه خارجًا.
" لا، لا يمكنك! توعد لك بيكهيون بالموت لو رآك مجددًا، أنا زوجته ولا يمكنني أن أتركك تدخل إليه، لذا أرجوك إنصرف!"
فيما إيزابيلا تدفعه للخارج، وهو لا يفهم لِمَ كل هذا الخوف، كلاهما سمعاه من خلفها.
" إيزابيلا؟"
آتى صوته من خلفها فكمشت كفيها متخوفة مما قد يحدث الآن، وبيكهيون فورما رأى جونغ إن وميّزه، بخُطى عمياء تقدم من مكتب إيزابيلا، ليسحب من عليه قلمًا وسار إلى جونغ إن، ومن بين أسنانه المتراصّة هسهس.
" ظننتك جبانًا كفايّة كي لا أراك مجددًا، لكن جرائتك للقدوم إلى هنا أعجبتني، سأقتلك حالًا مُكافئة لك!"
حسنًا، جونغ إن لم يتوقع محاولة قتل، لذا سريعًا ما تحرك ليمسك بيد بيكهيون التي تتجه بالقلم إلى عُنقه، فيما إيزابيلا صرخت.
" بيكهيون لا!
سقط الإثنان أرضًا، بمحاولة من بيكهيون لرد الهجوم وجونغ إن لحفظ حياته، وجونغ إن بصعوبة إعتلى بيكهيون أخيرًا وسحب من يده القلم وصاح يلهث متعبًا من هذا الرجل.
" لستُ هنا لنتشاجر، بل لنتفاهم، لا تنسى أن لديك أطفال كما لدي، لا يمكننا أن نضيعهم بسبب معمعة غضب كهذه، أرجو أن تسيطر على نفسك"
دفع بيكهيون بجونغ إن من أعلاه، وقعد أرضًا يرمقه بحقد وغضب فيما يلهث ليتناول أنفاسه.
" أيها الفاسق، تتلون جيدًا كالحرباء!"
تنهد جونغ إن وهمس.
" دعنا نتحدث الآن بشأن أوكتافيا، فأنت عائلتها الوحيدة التي أعرفها"
وقف بيكهيون، ورفع سبابته يهدد بوجه الآخر.
" لا تجرؤ أن تقترب من أوكتافيا مُجددًا!"
رفع جونغ إن حاجبه بأستياء وقال.
" هل لك أن تسمعني أولًا قبل أن تطلق أحكامًا مُطلقة كهذه؟!"
هزأ بيكهيون ضاحكًا يقول.
" مُطلقة!"
ثم أشار برأسه إلى جونغ إن وسند كفيه على خصريه يقول.
" هات ما لديك!"
حينها تدخلت إيزابيلا التي ما زالت ترتجف بحرج وهمست.
" تحدثوا في المكتب، كي لا تتنصت عليكم الرادارت في الشركة"
شزر بيكهيون إليه، ثم ولج يترك بابه مفتوح حتى يدخل خلفه، جلس جونغ إن على الأريكة التي تقابل مكتب بيكهيون، فيما هو يجلس أمام مكتبه.
" لا يمكنك أن تقنعني أنك أصبحت فجأة شخص صالح، أدري أن لك ألاعيب من هذا النوع"
تنهد جونغ إن لكنه أومئ يقول، فبيكهيون لا يُساعد.
" أنا لم آتي لأثبت لك حُسن نواياي، أنا أتيت لأخبرك بأنني سأصون أختك، سأحبها وأحترمها حتى أموت، ولو شكتني لك يومًا سأجعلك تقتلني حينها ولن أقاوم، كما أنني أريد أن أقول أنني آسف لكل ما سببته لكم من ألم وشدّة"
تكبدت ملامح بيكهيون عناء إظهار غضبه.
" وهل تُريدك أوكتافيا لتأتي واثقًا إلى هذا الحد بأنك سترتبط بها مجددًا؟"
حرك جونغ إن كتفيه يقول.
" لم تقبل بعد، ولكنها تلين مع الوقت، وأنا بكل جهدي أحاول إقناعها كل يوم، أنا أخبرك بالأمر كي لا تجد سببًا تبعد فيه أختك عنك مجددًا أو تلومها على شيء هي لم تفعله، هي بحاجتك، كُن بقُربها دومًا!"
نهض جونغ إن من مكانه وإلتفت مغادرًا إلا أن بيكهيون استوقفه.
" لو حدث أن بكت أوكتافيا بسببك، صدقني لن يحولني عن قتلك أي سبب، كُن حذرًا مني، فأنا انتظرك أن تُخطئ!"
تبسّم جونغ إن وأومئ، لا بأس بأي شيء معه، ما يهم أن تعود أوكتافيا له، سيعوضها عن كل الألم الذي تسبب به لها، سيجعلها تبني منزلًا معه من جديد، وتكوّن عائلة سعيدة.
.......................
" لارا، ماذا تريدين على وجبة العشاء اليوم؟"
تحدثت أوكتافيا من المطبخ فيما تَهم بتحضير وجبة لها ولابنتها، فالصغيرة أجابت بينما تجلس أمام التلفاز تتابع إحدى برامج الكرتون.
" دعينا نكتفي بالمعكرونة سريعة التحضير، اشتهيها"
وجدت أوكتافيا أن هذا خيارًا مُريحًا، خصوصًا أن العمل في المدرسة اليوم كان مُهلك، فهي تهم بإفتتاحها بغضون أيامٍ قليلة.
لذا كادت أن تُحضّر أوكتافيا المعكرونة سريعة التحضير للعشاء اليوم، لكن طرقًا مُفاجئًا على الباب شتت إنتباهها، فذهبت لتُجيبه، عادة لا يزورها أحد، وإن حدث فيأتون بمواعيد مُتَفق عليها.
فتحت الباب وإذ به بيكهيون، رفع حقائب بلاستيكية يحملها بيديه وابتسم.
" أتيت ومعي العشاء، فلنتناول الطعام معًا"
أفسحت أوكتافيا له المجال ليدخل، فهي مهما كرهت موقفه معها لا يمكنها أن تطرده من لَدُن الباب، إحترامًا له، ثم بعدما دخل نادت لارا تقول.
" لارا، تعالي قابلي خالكِ بيكهيون"
بمجرد أن سمعت الطفلة اسم خالها ركضت إليه، كان يبعث لها الكثير من الهدايا إلى الصين، بما أن أوكتافيا ترفض كل شيء يقدمه، كان يقدم لابنتها كل ما يريد.
" خالي!"
صاحت لارا بحماسة فيما ترتمي في حُضن بيكهيون، قهقه بيكهيون يحملها على ذراعه، ثم قبّل وجنتها يقول.
" مرحبًا أيتها الآنسة الجميلة"
أمالت رأسها وبلطافة قالت.
" أهلًا خالي!"
سار بها إلى الداخل، وجلس على الأريكة وهي على قدمه يُلاعبها حتى تفرغ أوكتافيا من إعداد الطاولة.
أعلنت بعد بضع دقائق.
" الطاولة جاهزة"
نهض بيكهيون بلارا، ووضعها على مقعدها ثم جلس بجانبها فيما جلست أوكتافيا قِبالتهما، أخذت تأكل أوكتافيا بصمت، حينها نظر إليها بيكهيون وبحرج تحدث.
" كيف حالكِ أوكتافيا؟"
نظرت إليه تلزم الصمت، ثم نظرت إلى لارا التي تنتظرها أن تُجيب، فهي لا تدري أن العلاقة بين أمها وخالها مشحونة، لذا كان عليها ألا تُظهر اي شيء أمام الطفلة، فأجابته.
" كما ترى، بخير"
أومئ وتناول بعض اللُقم، حينما نهضت لارا لغسل يديها إستغلت أوكتافيا غياب ابنتها كي تصارح بيكهيون فيما يدور بخلدها لذا قالت.
" ما الذي أتى بك إليّ؟"
وضع عيدانه جانبًا، ثم أخذ ينظر لها بأعين ليّنة.
" أوكتافيا، أعلم أنني أخطأتُ معكِ خطأً فادحًا حينما تبرأت منكِ وتخليتِ عنك، وأهملتك، كل هذا صحيح، أنا أقرّ به، وأنا آسف على كل شيء بدر مني.
أوكتافيا أنا أخوكِ، نحن لا نملك سوى بعضنا، أرجوكِ لا تتخلي عني كما فعلت أنا سابقًا، أنتِ عائلتي وأنا عائلتك، لن أقبل بخسارتك إطلاقًا بعد الآن"
تنهدت أوكتافيا فيما تحرك عيدان الطعام بالصحن بلا هدف، بدى ضعيفًا بطريقة لم تعتد عليها وهو يتوسلها الغُفران، لم تشئ أن يضعف أكثر لذا فقط غيرت الموضوع دون أن تتقبل أعتذاره أو ترفضه، الحياة ستسير رغم كل الظروف.
" كيف حال أسرتك؟"
تبسّم، إذ إستجابت له ولانت، فقال.
" بخير، أنا وإيزابيلا اتفقنا أخيرًا، وابننا يحظى بحياة هادئة"
رفعت رأسها إليه وقالت.
" هل يدعى ابنك جيمين؟"
تبسّم وأومئ يقول.
" لأن كيم جيمين انقذ حياة ابني من الهلاك؛ أصرّت إيزابيلا أن يحصل ابننا على اسمه"
تنهدت أوكتافيا تهمس.
" لطالما كان جيمين يعطي ولا يأخذ"
حدث صمتًا مُحرِجًا بينهما، أثناء ذلك؛ بيكهيون كان مترددًا فيما يرغب قوله، لكنه استجمع شجاعته وعرض عليها.
" اليوم تناولتُ العشاء في بيتك، هل يمكن أن آتِ غدًا وآخذكِ إلى بيتي لطعام العشاء"
وضعت أعواد الطعام جانبًا وقالت.
" بيكهيون، أنا لا..."
تمسّك بيدها سريعًا ينفي برأسه وقال.
" لا تقولي لا، قولي نعم فقط، لا ترفضي قُربي، لا يمكنك أن تتجردي مني، انا بحاجتك وأنتِ بحاجتي"
سحبت يدها منها وزفرت تقول.
" حسنًا حسنًا، لا تتوسل، تبدو غريبًا!"
ضحك وأومئ، ثم أتت لارا إليهما.
الدم لا يمكن أن ينحلّ ليصبح ماءً، بيكهيون شقيقها وعائلتها الوحيدة، لم تقدر أن تقسو عليه أكثر، لأنها أخطأت بحقه حينما خانت ثقته بها.
كما أنها تذكرت يوم أتى جيمين إلى شِقتها وطلبت العفو منه، لقد لان معها رغم أن ذنبها في حقه كبير، كيف لا تلين مع بيكهيون الآن؟
ربما لن تنسى أيًا من شقاء الماضي، ستتذكره دومًا كدرسٍ قاسٍ لها، وستسامح الجميع لأجل نفسها قبل أي أحد، فهي تريد أن ترتاح وتريد عفو الذين أذنبت بحقهم.
...................
مرّت الفترة التي حددتها أوكتافيا كي تفكر بأمر العودة إلى جونغ إن من عدمها، وها هي الآن تتهرب منه.... الآن قد طفح الكيل معه.
كانت ليلة اليوم الرابع بعد الإتفاق وأوكتافيا لا تُجيب إتصلاته، ربما تحتاج المزيد من الوقت لتفكر لكنه ما عاد يتحمل أكثر.
يريد أن يعلم الجواب الآن مهما كان، نعم أم لا...
ذهب إلى شِقتها بعدما رتّب إتصالاته مع طبيبه لي دونغهي وأخيه تيمين يخبرهما بما ينوي فعله، وأولى مهمة إعلام بيكهيون وإقناعه لتيمين، فهو أفضل منه في الحديث.
فكما قال دونغهي سابقًا؛ أن آخر الدواء الكيّ.
كانت الساعة العاشرة مساءً، تكاد أوكتافيا ولارا أن يخلدنّ للنوم لأجل المدرسة غدًا.
صعد إلى شقتها وطرق بابها، سمعها تتحدث من خلف الباب للارا.
" اغتسلي واذهبي إلى فراشك"
فتحت له الباب وإذ به جونغ إن، تنهدت تستند على الباب وقالت.
" ألا يمكنك أن تصبر قليلًا بعد؟"
نفى برأسه.
" لا، لا يمكنني!"
ثم نادى لارا لتأتيه راكضة.
" بابا!"
تبسّم في وجهها وانحنى إلى قامتها يجلس على قدميه.
" بما أنكِ فتاة كبيرة الآن، أيمكنكِ أن تنتظري العم تيمين خمس دقائق فقط حتى يأتي لأخذك من هنا؟!"
عقدت الطفلة حاجبيها، لكنها أومأت على أية حال، فيبدو أن والدها عاقدًا عزمه لإستعادة أمها.
ربّت جونغ إن على رأسها فيمت يبتسم.
" فتاة جيدة"
حينها قاطعته أوكتافيا تقول فيما ترفع حاجبًا إستنكارًا لما يحدث هنا.
" ولم سيأتي تيمين ليأخذها؟!"
قال فيما يقترب منها.
" لأنكِ ستأتين معي"
ما كادت أن تستفسر عن أي شيء حتى صرخت وهو يحملها على كتفه ويخرج بها.
كانت تصرخ على كتفه وتضرب ظهره وتمتم بالشتائم المؤدبة والتهديدات الفارغة، وهو يتحدث إلى لارا.
" أغلقي الباب الآن، دقائق وسيأتي العم تيمين، احزمي بعض أغراضك لتبيتي عنده، حسنًا؟"
ضحكت لارا فيما تصفق قائلة.
" أبي لا تقلق بشأني، فقط تصالح أنت وأمي!"
" إلى اين تأخذني أيها المجنون؟! هذا يسمى إختطاف!"
أومئ فيما ينزل بها عبر المصعد.
" حسنًا، إذن أنا الآن أختطفكِ حبيبتي"
هتفت بغضب.
" حبيبتك! واضح أنك ثملت قبل أن تأتي، أليس كذلك؟"
تنهد فيما يسير إلى سيارته.
" ربما علي أن أضع على هذا الفم الجميل لاصق"
رأى تيمين في الخارج، فلوح له وتيمين عن بُعد صاح مُبتهجًا يضحك.
" اقضوا وقتًا سعيدًا معًا"
وضعها جونغ إن في سيارته وربطها بالحزام، ليصعد من الجهة الثانية، حينها قالت منزعجة.
" هل هو متحالف معك؟"
أومئ مبتسمًا يقول.
" الجميع يعلم أنني سآخذك، لذا هذا لا يعد إختطافًا"
صاحت بغضب فضحك.
" بحقك! لكنني لا أريد أن أذهب!"
تجاهل ما قالت واستطرد مُبتهجًا.
" لم نذهب بزواجنا الأول في شهر عسل، أخطط هذه المرة أن نقضي شهر العسل ثم نتزوج، ما رأيك؟"
شزرت إليه والشرار يتقاذف من عينيها.
" سأقتلك لو لمستني!"
ضحك بخفّة.
" هوّني عليكِ، يستحيل أن أرتكب معك خطأ كذاك مجددًا، أو أن أجبركِ على شيء لا تريدينه"
سُرعان ما صاحت بعصبيّة.
" لكنكَ الآن تُجبرني على الذهاب معك"
همهم يبرم شفتيه ثم نبس باسمًا.
" حسنًا، هذا أمر مختلف!"
تنهدت والتزمت الصمت تنظر من النافذة فقط، لكنه حينما خرج من سيؤل تسآلت.
" إلى أين تأخذني الآن؟"
" سنذهب إلى المَصيف تملكه العائلة، هو في بوسان، لذا نامي، في الصباح ستستيقظين على فِراش ناعم"
رفعت حاجبًا فتنهد.
" ستنامين عليه وحدك، أقسم!"
عاضدت ذراعيها إلى صدرها، وأخذت تنظر في الطريق، ليست خائفة منه، لكنها حذرة، الحذر واجب.
بعدما طال الطريق حاولت قدر الإمكان ألا تغفو عينيها، لكنها غفت بالنهاية، هي لا تشعر بالخوف منه بعد الآن لذا لا بأس لو نامت.
...
في الصباح الباكر؛ إستيقظت أوكتافيا بعد أن إكتفت من النوم لساعات طويلة لا تدري مُدتها تحديدًا، فتحت عينيها تمد أطرافها، فالنُعاس ما زال عالقًا بها، الفراش الذي تنام عليه بالفعل ناعم.
سُرعان ما تذكرت الأمس بكل أحداثه؛ فنهضت سريعًا تقعد على السرير وتنظر حولها، تنام في غرفة مُعتمة، لا يمكنها أن ترى بوضوح ما حولها.
نهضت تُزيح الستائر عن النوافذ.
" واااو!"
الستائر هذه تُخبئ خلفها شُرفة جميلة لها إطلالة ساحرة، تطل على مسبح حوله إستراحات في منتصف بيئة مُشجِرة.
رفعت رأسها ولم تدري أنها تبتسم حتى، إستنشقت الهواء النضيف إلى اعماق أعماقها، ثم رمقت البيئة المحيطة بأعين مرتاحة، تشعر بالراحة بمجرد النظر إلى ملامح الطبيعة من حولها.
نظرت إلى ما ترتديه، هي ذاتها ثيابها من الأمس لم تتغير، لم يعبث معها، هذا جيد.
دخلت إلى الغرفة مجددًا تنظر فيها، إنها غرفة مُرفهة وجميلة، ولجت إلى الحمام تنظر إلى وجهها بالمرآة، وجهها مرتاح بالفعل.
إغتسلت ثم بحثت لنفسها ثيابًا، وبالفعل وجدت بالدولاب ثيابًا كثيرة، لكنها شعرت بالخجل، هناك ثياب داخلية وأخرى تخص ساعات النوم، ترجو ألا يكون من حضّرها.
خرجت من الغرفة، هي على الطابق الثاني، نزلت السلم، فاشتمت رائحة الطعام قادمة من مكان ما، نظرت في الساعة المعلقة، إنها الحادية عشر صباحًا، لا تنام عادة إلى هذه الساعة المُتأخرة من اليوم.
خرج جونغ إن من المطبخ يحمل بيديه أطباقًا، وحالما رآها ابتسم يدعوها.
" اووه! أستيقظتِ؟! تعالي لنتناول الإفطار معًا"
أومأت تنزل إليه، أشار لها أن تجلس، ثم جلس قِبالتها يقول.
" تفضّلي، هذا ما استطعتُ إعداده"
تبسّمت بخفة وأومأت تقول.
" لقد أعجبتني الطاولة بالفعل، لم أكن أدري أنك تجيد الطهي"
قهقه بخفة.
" إستعنتُ بالإنترنت في الحقيقة"
تناولا الإفطار معًا، ثم بينما جونغ إن يوضّب الطاولة قامت أوكتافيا بتجهيز كوبيّ قهوة لأجلهما.
تناول من يدها كوبه وهمس.
" شكرًا لكِ، دعينا نخرج لشربها في الخارج، الهواء لطيف الآن خارجًا"
أومأت له ثم خرجا معًا، جلست قُرب المسبح ووضعت قدميها فيه، فأتى ليجلس بجانبها مبتسمًا.
" أحببتِ المكان؟"
أومأت.
" إنه جميل"
دار بينهما بعدها صمت، كانت أوكتافيا تستمتع بأجواء المكان اللطيفة وهو ينظر لها، كاتت تغلق عينيها وترفع رأسها، فيما تبتسم وتتنفس الهواء.
بدى مظهرها لعينيه من هذه الزواية ساحرًا للغاية، لذا لم يكن قادرًا ألا يبتسم، وجودها معه يشعره بالراحة، ينشر السلام في صدره، يجعل قلبه ينبض بحب، لا يدري متى أحبها إلى هذا الحد.
" أوكتافيا؟"
همهمت فقال.
" ألا يمكنكِ أن تثقي بي؟ ألا يمكن أن نبني عائلتنا من جديد؟"
فتحت اوكتافيا عينيها، ثم زفرت أنفاسها بعمق قبل أن تنظر إليه وقد ابتسمت، لقد فكّرت بالأمر كثيرًا، ووصلت لنتيجة هي مقتنعة بها.
" ما عُدت أملك حُجة لأشك بك، سأكون صريحة معك من الآن فصاعدًا..."
أومئ، شعر بنبضات قلبه تتسارع فأخذ يدعك كفيه ببعضهما، تحرّكت لتجلس قِبالته ثم قالت.
" لا يمكنني أن أنسى ما حدث بيننا، الأذى الذي سببناه للناس، والأذى الذي سببناه لأنفسنا، ولا يمكنني أن أنسى الأذى الذي سببته لي"
أخفض رأسه يشعر بالإحباط، لم تكن هذه المُقدمة مبشّرة على الإطلاق، لكنها اتبعت.
" لكن أنا وأنت نحمل ذات العيوب، الأخطاء من النوع ذاته، لا يمكن أن نحظى بعائلة لا تكون أنت فيها زوجي أو أنا زوجتك"
" أنا لن أتحمل أن يُمنن عليّ رجل أنه تقبّلني بعيوبي، أخشى أن يعيّرني بها، ويشعرني بالنقص، وأنه أفضل مني وكثير علي، هذا ما منعني عن الإرتباط بالطبيب يشينغ"
" معك لن أشعر بهذا النقص، لن تمنن علي تقبلك لي، لن تعيرني بعيوبي، لن تشعرني بالنقص، لن تشعرني بأنك أكثر مما استحق، لأننا متماثلين، عيوبنا واحدة"
رفع رأسه إليها فابتسمت.
" لأكون معك صادقة؛ أنا لا أحبك ولا أظنني قادرة أن أحب بعد الآن، لكنني سأمنحنا فرصة لأننا لا نملك سوى بعضنا، سأودك واحترمك واهتم بك لنعيش برخاء واستقرار، ستقدم لي ما أقدمه لك ونعيش هكذا"
شعر بعينيه تحرقانه فأشاح عنها لتقول.
" آسفة لتخييب آمالك"
سرعان ما نفى وعاد برأسه إليها يقول فيما يمسح دموعه.
" لستُ خائبًا، أنا راضي بأي شيء تقدمينه لي، يكفي بالنسبة لي أن نعود معًا"
تبسّمت وتمسّكت بيده تقول.
" كُن عند حُسن ظنّي بك، لا يمكنك أن تُخيّب أملي فيك، حسنًا؟"
سُرعان ما أومئ لها وابتسم، ثم حط يده برقة على مؤخرة رأسها ليجتذبها وطبّع على ناصيتها قُبلة.
وبعدما وضع بينهما مسافة تمكنّه النظر في ملامح وجهها عن قُرب قال، إذ أن توقعات جونغ إن من البداية لم تكن عالية، لم يطلب الحب، طلب عودتها فقط.
الآن وهي تتقبله وتقبله أخيرًا لا أحد يمكنه أن يكون أكثر سعادة منه، فخرجت الوعود من فاهه موثوقة، وعود لا يمكن تحطيمها، لا يمكن أن يكسرها، فهو لن يكسر ذلك القلب مجددًا.
" أعدك، سأكون أفضل من كل توقعاتك"
تمسّك بيدها واتبع.
" سأحبك، سأصونك، سأحميكِ، سأحترمكِ دومًا واعتز بكِ، سأهتم بكِ، وأعاملك بالوِد والرحمة على الدوام"
تبسّمت أوكتافيا تومئ برأسها وقد شعرت بالدمع يُعكّر عليها الرؤية.
" أعدك أنني سأكون خير الزوج لكِ، وخير الأب لابنتنا، سأكون كل شيء لكما وتكونا كل شيء بالنسبة لي، سأعيش لأحبكما وأرعاكما"
مسح دمعتها حينما إنسابت على وجنتها واتبع.
" أعدكِ أن عينيكِ لن تحمل دمعة بسببي بعد الآن، سأكون لكِ زوجًا تفتخرين به، وتتكلي عليه على الدوام، رجل تشعرين معه بالأمان"
تركت كلماته أثرًا عميقًا في نفسها، تَثق أنه سيلتزم بوعوده هذه، وفيما تنزل دموعها وهو يمسحها ربتت على يده التي تُمسك بيدها وتبسّمت تهمس.
" أثق بك الآن"
إجتذبها من يدها ووضعها في أحضانه، عانقها وشدد عليها العناق، عيناه تبكي، وكفّتيه تشد على فُستانها، ووجهه يخبئه في كتفها.
كانت تشعر بصدره يرتجف تحت كفّتيها وبدموعه تُبلل كتفها، تبسمت وأخذت تمسح على شعره بكفٍ حنون تقول.
" عاقب الرب آدم وحواء بالخروج من الفردوس حينما تناولا من التُفّاح المُحرّم، عاقبهم على الأرض، ولكن بعد توبتهما إستردّا مكانهما بالجنة"
" الجميع يملك فرصة ليصلح أخطاءه"
" نحنُ الآدميّان الذين نهشنا من تُفاح الفتنة المُحرم فنُفينا إلى قاع الحياة لنبنيها من جديد بصلاح*"
................
*مُقتبسة
..............
بعد مرور عامين...
الأخوة الثلاثة بعائلتهم مجتمعون في منزل جيمين، فاليوم عيد مولد جوري الأول، جوري أميرة جيمين الصغيرة وابنته الأولى.
قد مرّ على زواج جيمين من بارك جيمين عام ونصف، إذ مرّ الزفاف وتحضيراته على إستعجال لإخفاء حمل الآنسة بارك الذي حدث قبل الزواج.
لقد أثبت السيد جيمين أنه يمكنه أن يكون مُشاغبًا، فبعد فترة بسيطة من المواعدة حملت فتاته بطفل منه، نال توبيخ حار من والديه ومن تيمين، لكنه كان سعيد، سيصبح أب.
الآن ابنته الصغيرة يحملها على ذراعه ويراقصها فيما يغني لها أغنية الميلاد، وصغيرته تضحك وتردد.
" با... با"
داعب أنفها بأنفه ثم طبع قبلة على وجنتها، يكاد أن يشعّ الفرح منه، وذلك ما جعل زوجته التي تبتسم لرؤيته سعيدًا هكذا تقول.
" أشعر بالغيرة"
ضحك الجميع بما فيهم جيمين، فلف ذراعه حولها، وقرّبها إلى صدره يقول فيما ينظر إليها بعينين باسمتين.
" أنتِ السبب في سعادتي هذه، شكرًا لأنكِ منحتني أغلى ما أملك!"
تبسّمت فيما هو طبع قبلة على رأسها، حينها تحمحم جونغ إن وقال.
" نحن هنا!"
اخفت جيمين وجهها بكتفه حرجًا والجميع ضحك، حينها جونغ إن غمز الصغيرة جوري التي على ذراع والدها فاسترسلت بالضحك.
تمسّكت أوكتافيا بذراعه وهمست له.
" أنت! لا تحاول إغواء الصغيرة هكذا!"
ضحك جونغ إن وانحنى يجمع كفّيه قائلًا.
" لن أفعل حبيبتي!"
رفع يدها التي تحمل خاتم زواجه منها إلى شفتيه وطبع قُبلة، ثم تشتت إنتباههما بفعل لارا حينما ربتت على بطن أوكتافيا وقالت.
" ماما، متى يخرج أخي أنا أيضًا؟!"
حركت أوكتافيا كتفيها بجهل، ما زال حملها في بدايته، هي بالشهر الثالث لذا همست لابنتها.
" تبقت ستة أشهر ليأتي أخوكِ أو أختك"
أومأت لارا تقول.
" أرجو أن أحظى بأخت وأخ مرة واحدة"
رفع جونغ إن حاجبه مُعجبًا بكلام ابنته يقول.
" وااه! أنا أتمنى ذلك أيضًا"
رمقت كلاهما بسخط تقول.
" بأحلامكما!"
أخذ تيمين ينظر لأخوته بأعين سعيدة، هم أخيرًا وجدوا طُرقهم ليعيشوا بسويّة، وقد وجدوا سعادتهم أخيرًا.
جيمين سعيد جدًا بأسرته الصغيرة بعد مشقة طويلة خاضها مع الحياة وظروفها اللئيمة، زوجته كانت جديرة بقلبه، فلقد تحملت شخصيته الرعناء ومزاجه المتقلب، بل حسّنته، وأصبح بمقدور تيمين أن يرى جيمين القديم فيه، ذاك الفتى الطائش اللطيف.
أما جونغ إن؛ فهو أخيرًا إستقرّ بحياته، ما عاد يقلق بشأنه أبدًا، فلقد أثبت أنه يستحق فرصة ثانية، أغتنمها وربح عائلته واستقراره معهم.
علاقته مع أوكتافيا هادئة، ليست مثيرة للمتاعب كالزوجين جيمين، هم أوعى أكثر.
أما هو، فما زالت حياته تنعم بالهدوء والرخاء مع زوجته نايون وطفلاه.
لا ضير من المشاكل في بعض الأحيان، لا يمكن لكل يوم في الحياة أن يكون حلو، حتى الحلاوة تصبح مملة لو مسّها التعوّد.
ربما ضل بعض الموانع بين جيمين وجونغ إن، فإن لم يبتدأ جونغ إن حديث مع شقيقه الصغير لا يبدأ، ودائمًا تكون إجاباته مُقتضبة؛ وكأنه يفرّ من كل محادثة بينهما، لكنهما على الأقل انخرطا معًا في دائرة العائلة الكبيرة.
لكن والديهما يرفضان زوجة جيمين ويرفضان عودة أوكتافيا، كما هما رافضين لوجود نايون من البداية، لأسباب سخيفة.
مثل أن بارك جيمين لا يعجبهم شكلها، ووالدها ليس رجل أعمال من الصف الأول، وأما أوكتافيا فلا تصلح بالنسبة لهما زوجة لابنهما العزيز، هو بنظرهما يستحق فتاة من أعلى السُلم الإجتماعي -رغم أنها في أعلاه- وأن تكون بِكر بلا علاقات سابقة، رغم ان أوكتافيا لم تكن بعلاقة سابقة مع أحد.
هم يظنّا أنها تزوجت في الصين وعادت بعدما فشل زواجها، كما أنهما لا يتقبلا أحفادهما بأي شكل من الأشكال، وذلك ما جعل الأخوة الثلاثة يزورونهم كل حين بدون عوائلهم الصغيرة.
صدف أن والدي أوكتافيا وبيكهيون، السيد والسيدة بيون، ذهبا إلى تايلاند بذات الطائرة التي ذهبا بها السيد والسيدة كيم أيضًا إلى تايلاند بعُطلة صيفيّة.
لكن الأنباء السيئة أتت...
إذ أتصل تايونغ بأوكتافيا في هذا الوقت من الليل وهم بحفل مولد جوري الصغيرة، شعرت بالغرابة إزاء إتصاله بهذه الساعة، لكنها أجابته على آية حال.
بدى صوته هلوعًا حينما تحدث.
" سيدتي إن كنتِ بالمنزل فافتحي التلفاز على القناة الإخبارية الرئيسة بسرعة!"
لاأراديًا أخذت يدها ترتجف فيما تبحث عن جهاز التحكم لدرجة أن الجميع إلتفت لينظر ما بالها، فنبرة تايونغ الهلوعة أخافتها حقًا.
إقترب منها جونغ إن يُقيم كتفيها وبقلق تحدث.
" ما بكِ حبيبتي؟"
أجابته بصوت يرتجف.
" القناة الإخبارية سريعًا!"
تحركت جيمين لتضع التلفاز على المحطة المُرادة، فيما جونغ إن ساعد أوكتافيا على الجلوس فيما يمسك بيديها ويجلس القرفصاء أمامها، مسح على شعرها ونبس يطمأنها.
" لا داعي لكل هذا الخوف، إهدأي حسنًا؟!"
تمسكت بيديه تومئ، ثم إزدرئت جوفها فيما تنظر إلى الأخبار العاجلة.
" حلّقت اليوم في تمام الساعة الثانية مساءً طائرة مدنيّة إلى تايلاند تحمل ثلاثة مائة راكب، وفيما تحلق الطائرة فوق سطح المياه سقطت في المحيط"
" فرق الإنقاذ والتقصّي إنطلقت من تايلاند وكوريا لإخراج الناجين والقتلى، وإيجاد المفقودين منهم"
نزلت الأخبار على مسامعهم كالنار التي تُضرم بالهشيم، فلقد حرقت كل سعادتهم وبقي منها الرماد.
فيما جيمين وتيمين في حالة من الخدران وعدم التصديق؛ جونغ إن وضع رأسه في حِجر أوكتافيا وأخذ يبكي بلا أنين ولا نحيب.
أما أوكتافيا، فلقد ظنّت أن الأمر مزحة لذا ابتسمت، ثم أخذت تنفي الأمر برأسها تنكره، وفي لحظات من الأستيعاب أخذت تبكي كما يبكي جونغ إن بحجرها بلا صوت، وحينما فهمت أنها لم تراهما منذ سنين خرج نحيبها وأنينها وصارت تصرخ.
" لا لا لا!!"
نهض جونغ إن سريعًا وضمّها إلى صدره، كانت تختنق وتتمسك بقميصه تنكر والألم ينهشها، يبقيان والداها مهما فعلا بها.
" أريد أن أراهم ولو لمرة أخيرة! أخيرة يا جونغ إن أرجوك!"
جونغ إن كان يمسح دموعه ودموعها، جيمين كان يبكي بحضن زوجته، كذا تيمين.
وهما... كلٌ يبكي في حُضن الآخر...
....
فيما الجميع يرتدي ثيابًا سوداء، وضعت أوكتافيا باقة من الزهور على النصب التذكاري لوالديها.
لم يجدوا جثث لأي من العائلتين، لا كيم ولا بيون، مرّت فترة شهر على التنقيب وما عادت فرق التنقيب قادرة أن تبحث، فاعتبروهم من القتلى المفقودة جثثهم، وعلى هذا الأساس أقامت العائلتين بيوت العزاء.
مسحت أوكتافيا دموعها فيما تقف قُرب النصب، يخلفها جونغ إن بمسافة مترين، حتى تأخذ راحتها بالحديث مع والديها.
" أنا آسفة لأنني لم أكن ابنة صالحة لكما، آسفة لأنني خيّبت ظنونكما كثيرًا، آسفة لأنني لم أتشبث بكما كفاية!"
أخذت تبكي فيما تغطي وجهها بكفيها، الأسى ملأ قلب جونغ إن عليها فاقترب منها ليهدأها؛ لكن بيكهيون سبقه إليها وضمها إلى صدره، فبكت على كتفه كثيرًا، وعلى قدر إستطاعته حاول أن يبقى قويًا لأجلها، لكنه كان يبكي بلا إرادته.
" الآن حقًا نحن لا نملك سوى بعضنا"
نبس بهذه بيكهيون فيما يبكي بلا أنين عكس أخته التي تأنّ على صدره.
......................
والأيام تمضي، والجراح مع سير عجلة الحياة تندمل، فالحياة لا تتوقف على أحد، ستبقى تسير مهما فقدت من حمولتها.
كذلك حيوية هذه العائلة عادت مع مرور الوقت، والمرور في الأزمات آلف بين القلوب، قلبي جونغ إن وجيمين.
في صباح باكر خرج كل من الأخوة الثلاثة من منازلهم إلى مكاتبهم، تيمين أصبح رئيس مجلس الإدارة، جيمين نائبه، وجونغ إن مدير تنفيذي.
إصطفت ثلاثة سيارات سوداء فارهة خلف بعضها البعض أمام بوابة الشركة، ترجل السائقين لخدمة أرباب عملهم.
نزل من السيارة الأولى تيمين، من الثانية جونغ إن ومن الثالثة جيمين، ثلاثتهم مشرقين وأنيقين.
يتأنق تيمين ببدلة رمادية، شعره الكرميلي مرفوع عن ناصيته.
يتبعه جيمين، يرتدي بدلة سوداء، وشعره البُني مرفوع عن ناصيته.
ثم جونغ إن يرتدي بدلة زيتيّة اللون وشعره البني أيضًا مرفوع، إلا أنه يضع نظاراته الطبيّة.
تجاور الثلاثة في المسير، ودخلوا أبواب الشركة يتبادلون الأحاديث فيما تيمين يتوسطهم.
" لم أنام بسبب جوري، ضلّت تضع مؤخرتها على رأسي طيلة الليل"
ضحك تيمين من قول أخيه وعلّق.
" تايون كانت تغار من جونغهيون لذا لا ترضى إلا أن تنام في حضني عندما كانت بعمر جوري"
برم جيمين شفتيه واتبع.
" أحسد جونغ إن!"
جونغ إن ضحك قائلًا.
" أخبرتكما أن تضعا أطفالكما بغرف منفصلة، لكن لم تستمعا إلي!"
تيمين تحدث.
" سمعتُ أن لارا تملك حبيب"
توقف جونغ إن مندهشًا.
" ماذا؟! لكن هي ما زالت طفلة!"
وكزه تيمين قائلًا.
" بحقك! أطفال هذه الأيام قادرين على تكوين علاقات كالحب رغم طفولتهم"
ضحك جيمين وضرب كتف تيمين بلطف يقول.
" تتحدث هكذا لأنها تحب جيمين الصغير، أليس كذلك؟"
أومئ تيمين بسخط يقول.
" اه نعم، لأنها تحب بيون جيمين، ابنك البعيد ذاك، ثم أنني لا أدري لِمَ الجميع يتيمنوا بتسمية أطفالهم على اسمك!"
" إنه فقط طفل واحد!"
اعترض جيمين بأستياء.
...............
كانت لارا في منزل خالها بيكهيون، تلعب مع صديقها في الحقيقة، فيما الكِبار يشربون الشاي في رُدهة الحديقة.
وفيما يلعبون بين تضاريس الحديقة، الطفل جيمين قال.
" لارا، اليوم سمعت أمهاتنا يتحدثن"
تسآلت فيما تلعب.
" في ماذا؟"
همهم الصغير واتبع.
" عمتي قالت لأمي أنها السبب في موت والدتك، لولاها لما دفعها والدك عن السُلّم وماتت"
توقفت عن اللعب والتفتت له.
" ماذا تقول أنت؟ "
حرّك كتفيه بجهل ونبس.
" مما فهمته من حديثهم بأن والدك وعمّتي كانا يحبان بعضهما خلف ظهر والدتك، يخونانها، شيء كهذا"
لارا ذات الإثنا عشر عامًا ما عادت طفلة بعد الآن.
" النهاية"
........................
بدأت في تاريخ 30/8/2018
إنتهت في تاريخ 27/8/2020
ستتم هذه الرواية عامها الثاني يوم الأحد الموافق 30/8/2020
تُفّاح مُحرّم أنجبتها أفكاري في بداية عام 2018، لم أضع عليها توقعات عليها نظرًا لوعورة أحداثها، لكنني الآن وبكل رضى وفخر أضع لها نهاية.
كنتُ أتصفح رواية صديقتي كامي Mr.Park حينما خطرت لي الفكرة، وتورطت مع الزمن لتصبح كنا تعرفونها الآن.
ربما لا تكون بهذه الروعة، فأنا كاتبة مع مرور الزمن أزداد نُضجًا كتابيًا، وأبدأ برؤية أخطاء لم أكن أراها مُسبقًا، ولكنني راضية عنها وأحبها كما رواياتي حاقد عاشق ومجرم في الإخلاص.
وهنا دعوني أوضح آرائي ككاتبة حول النهاية:
جونغ إن وأوكتافيا: ما كان من الممكن أن يحدث أن أفرقهما بعد كل هذا، لا يمكن أن يرتبط أحدهما بشخص آخر.
لأن العالم ليس ورديًا في الواقع، لو افترضنا أن أوكتافيا ويشينغ انتهوا سويًّا، يشينغ سيحبها ولكنه لن ينسى أنها فعلت شيئًا مُشينًا في يوم من الأيام، وفي لحظة غضب سيعيرها ويمنن عليها حبه، وقد فعل أن عيّرها بماضيها.
جونغ إن تغير لأجل أوكتافيا وابنته، فلا نفع من تغييره لو انتهى مع أخرى، قد لا تتقبل ماضيه، وترى نفسها أفضل منه.
لذا، كلاهما لا ينفعا سوى لبعضهما، عيوبهما تتوافق، فلا مجال لأن يمنن أحدهم على الآخر.
كما أنهما لم ينتهيا بحب بعضهما البعض، بل بالزواج، ربما هذه الرواية الوحيدة في الواتباد التي لم يجمع البطلين فيها حب، ولم يحصل إعتراف حب.
جيمين:
جيمين علاقته تحسّنت مع أوكتافيا لكن لا يمكن أن يعود معها كسابق عهده، إنها إصلاحات بندب لا يمكن محوها.
أما جونغ إن فهو لم يكن يومًا أخيه كما تيمين ولن يكون، هو فقط تقبّله وصدّق توبته.
أما حياته الخاصة، فلا يمكن لمرأة أن تحتويه سوى جيمين، فهي على عكس سابقتيها أحبته بلا مصالح، فأولى بها أن تكسبه هي.
السيدان والسيدتان كيم وبيون:
الموت بهذه الطريقة كان عقابهما، لأنهما لم يكونوا نعم الأهل، وأن تربيتهم السيئة، والتفريق بين الأبناء، كذا تفضيل المال على أبنائهم، كل هذا صيّر ابنائهم إلى هذا المصير.
لارا:
حظت بنهاية مفتوحة تقريبًا، لكنها قُدِرَت لتكون عِقاب أوكتافيا وجونغ إن الأبدي على خسارة روح والدتها، فكما خسرت لارا الأم ابنتها، هما خسروها أيضًا.
في الخِتام؛ أود أن أشكر كل شخص منكم، كل من قرأ، كل من صوّت، كل من علّق، كل من أضافها لمكتبته، كل من روج لها دون علمي، لكل من قرأها إلى هنا.
شكرًا لكم واعتذر عن تزمتي في تحقيق الشرط، والتأخير الذي كان يحدث في التحديثات، شكرًا لأنكم دعمتموني حتى ولو بقراء صامتة.
وبما أنه مولد الرواية الثاني قد حان أود أن أشكركم على ال مائة ألف مشاهدة، أشكركم لأنكم أحببتوها و وثقتم بي.
لا تنسوا أن تدعموا عزيزنا كاي في ترسيمه المُنفرد، وفيما تستعدون لذلك لآخر مرة امنحوا تفاح محرم الحب.
رأيكم بشخصية البطل؟ من تقلباته الأولى حتى الأخير؟ تغييره لمصيره بتغييره من نفسه؟ وكسبه معركة الحياة مع الكثير من الخسارات من أماكن أخرى؟
رأيكم بشخصية أوكتافيا التي بدأت مثالية ثم انكسرت صورتها؟ وانتهت على هذه الحال، أم وإمرأة قوية وعاقلة لا تحكمها عاطفتها؟
رأيكم بشخصية جيمين -البطل الثاني-؟ صورته التي تبدلت مع كل خيبة خاضها في حياته؟ وبالنهاية ختامه السعيد؟
رأيكم بتيمين؟ الذي برز كأخ أقرب لأن يكون أب لأخوته وحاضن للعائلة بأكملها بلا صراع خاص متأجج؟
رأيكم ببيكهيون -البطل الثالث-؟ صراعه الخاص مع شخصيته ومشاعره قبل أن يكون مع فتاة؟ كذا دوره كأخ؟
رأيكم بإيزابيلا؟ الفتاة التي حكتها عاطفتها جدًا لدرجة جعلتها تتصرف بتهور شديد؟
رأيكم بجيمين؟ الفتاة التي بدأت مشاكسة؟ وانتهت بكسب قلب الرجل الذي تحبه؟
رأيكم بكل مصداقية بالرواية ككل؟ إنتقداتكم؟ و ما العِبر التي تقف خلفها؟
قيّموا الرواية من عشرة؟
وأخرًا، إن كان لي بكم لقاء بأعمال أخرى فإلى اللقاء، وإن انتهت علاقتكم بي إلى هنا فوداعًا.
أعزائي قُرّاء تُفاح مُحرّم
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بطولة:
كيم جونغ إن (كاي)
ذلك الخجل الذي لاطف روحها حينما مدّت يدها إليه تطلبه هاتفه لأجل حملة تفتيشية تقيمها عليه أضحكته، فنبرة صوتها بدت مُهتزة، ويدها ترجف، وعيناها تزيغ عنه.
" أعطِني هاتفك أُفتّشه"
جونغ إن حاول على قِدر إستطاعته أن يمنع ضحكته عن الإنبلاج فلا يسبب لها الحرج، لكنه ما أستطاع، فضحك من جُب قلبه فيما يخرج هاتفه من جيب سترته ليقدمه لها، لقد بدت لطيقة وهي تطلبه، ولا ينكر أنه سعيد بأنها تمنحه فرصة أخيرًا لتوثيق مصداقيته.
تناولت الهاتف من يده فيما تقبض حاجبيها بسخط وأستياء منه، فلِمَ يهزأ منها بضحكاته هذه؟!
شزرت إليه وتمتمت بغضب.
" ما المُضحك سيد كيم؟"
قال فيما يبتسم لها، كان ينظر في عينيها اللتين تصقلانه بحدّة عميقًا؛ وكأنه يقرأ كلامًا مكتوبًا في حدقتيها، وكأنه يرى إنعكاسًا لروحها فيهما.
" أشعر كما لو أنكِ زوجتي بالفعل!"
"تشه!"
إرتخت على الكرسي الجلديّ الذي يحويها وتمتمت على مسامعه.
" أخشى أن تُحلّق عاليًا في سماء أحلامك ثم يكسر الواقع جناحيك، لذا تمهّل، لا تقفز للإستنتاجات عزيزي!"
همهم وارتخى على الكرسيّ الذي يجلس عليه هو الآخر زافرًا أنفاسه براحة ثم أشار لها.
" تفضّلي، فتّشيه كما تريدي"
قد كانت بدأت في تفتيشه بالفعل.
وهو بدى مُرتاحًا وروحه مُبتهجة، لأنها تمنحه الفرصة لتنظيف اسمه لديها، تصرفها هذا يكفيه ليفهم بأنها لم تتخلى عنه كليًا، ما زالت تريد أن تثق فيه، وتتأكد من نظافته.
كانت تفتش هاتفه بجديّة وهمست بما أنها لا تجيد شيئًا تمسكه عليه.
" لم تمسح شيء، أليس كذلك؟"
ضحك ونفى برأسه قائلًا.
" لا، هذا هاتف جديد، اشتراه تيمين لي حينما سُرّحت من السجن، تستطيعي أن تري السِجلات تبتدأ من تاريخ التسريح، السابع والعشرين من أغسطس"
همهمت تبحث عن ثغرة، تحدث مع تيمين بأحاديث كثيرة، هي من ضمنهم، يشكوها لتيمين بأنها لا تلين ولا تصدقه، وتيمين يصبّره ويمدّه بالعزم.
تمتمت.
" رجل بالغ يتصرف كطفل!"
أومئ يقول.
" تيمين يمنحني هذا الشعور، وكأنه أبي وليس أخي"
أومأت فيما تتبع حملتها التفتيشية.
" أرى أنه يهتم بك، ذلك واضح"
له محادثات سطحيّة مع نايون زوجة أخيه، كالسؤال عن تيمين، عن الأطفال، عن حالها، أشياء كهذه فحسب.
لا محادثات مع جيمين، هي كانت ستستغرب لو رأت بينهما محادثة، جيمين لا يُصفح بسهولة، وإن أصفح فهو لا ينسى ويضع حدود تعامل للآخرين معه.
محادثات طويلة جدًا مع طبيبه النفسيّ لي دونغهي، منها أحاديث تخص تلك الليلة التي ذهب بها إلى الحانة وما بعدها.
ذلك الطبيب البغيض يحثّ جونغ إن برسائله على تجاهلها في بعض الأحيان، قائلًا بأنه لم يُخطئ ولا يتوجب عليه الإعتذار منها على آية حال.
حسنًا... هو لم يُخطئ في شيء، لكن هذا الطبيب يحثّ جونغ إن على تجاهلها!
ماذا يظنّها!
نقرت شاشة الهاتف بعصبيّة تقول.
" طبيبك البغيض هذا، أريد أن ألتقيه!"
حلّق حاجبه وبرم شفتيه مُستعجبًا.
" لِمَ تلتقيه؟!"
وضعت هاتفه على الطاولة التي بينهما وقالت.
" ألست تريد أن أثق بك؟"
أومئ فاتبعت.
" إذن لا يمكن لأي أحد أن يعرفك أكثر من طبيبك"
حينها تبسّم وأومئ يقول.
" حسنًا، كما تريدين، سأرتب معه موعد"
نفت برأسها تقول فيما تنقر الطاولة بسبابتها.
" لا، الآن أريد أن ألتقيه سيد كيم جونغ إن"
شغر عينيه وفاهه يقول.
" الآن؟!"
همهمت فاتبع.
" ولكن ماذا عن عملك؟!"
عقدت ساعديها إلى صدرها ورفعت حاجبها، أهو يختلق حُجة الآن كي لا تلتقي بطبيبه؟!
ستكون إذن أكثر إصرارًا لمقابلته في الحال، اليوم، والآن.
" سيتولّاه تايونغ"
عقد جونغ إن حاجبيه يستفهم.
" من تايونغ؟!"
" مساعدي الجديد"
يحيطونها الكثير من الشباب، كان لوكاس والآن تايونغ هذا، لكنه لا يملك حقًا ليعترض؛ لذا فقط أومى ثم نهض يقول لها.
" حسنًا إذن، هيا بنا إلى عيادته، سأتصل به على الطريق، أتمنى أن يكون متفرّغ لنا"
لا شأن لها، لو كان لا يملك وقتًا لها فليختلقه، ليست مشكلتها.
حملت حقيبتها وسبقته إلى الخارج، توقفت إزاء شاب يافع، خمّن جونغ إن أنه مساعدها الجديد فتنهد مُبتأسًا، أتشترط بمساعديها أن يكونوا رجال يافعين في غاية الوسامة؟!
" تايونغ!"
لِمَ لا يكونوا فقط رجال في منتصف العمر، لهم كروش، قصيري القامة، ويتمتعون بصلعة لامعة، سيكونوا مثاليين -بالنسبة له-.
نظر لها الشاب وتقدم منها يحمل ملفّا بيده، يرتدي بدلة أنيقة، ويرفع شعره الأدهم عن وجهه المُشرق.
" تفضلي سيدتي"
" سأخرج لبعض الوقت، لذا تولّى مكاني حتى أعود"
نظر إلى جونغ إن الذي يقف على يمينها ويتأخرها بعدة خطوات، ثم عاد ببصره إلى سيدته وأومئ باسم الثغر.
" بالطبع سيدتي!"
تجاوزته أوكتافيا، وجونغ إن تمهل حتى يرمق الشاب بنظرات تتفحصه من قِمة رأسه حتى قاع أخمصه، الشاب أبدى إستغرابه قائلًا.
" أتحتاج شيء؟!"
ود لو يقول "إستقالتك" لكنه امتنع، فلو كان يغار عليها من الرجال، فهو لا يملك الحق أن يقول ذلك علنًا.
كانت تقف تنتظره بمصف السيارات لذا استعجل بخطواته وحينما ادركها قالت.
" لِمَ تأخرت؟!"
نفى برأسه ألا شيء ثم أشار لها نحو إحدى السيارات، كان سيارة حديثة طِراز مرسيدس بنز.
رفعت حاجبيها وفغرت فاهها تقول.
" اووه! ما عدتَ مُفلسًا؟"
ضحك فيما يتقدم ليفتح لأجلها الباب وقال.
" لا، طمرني المال بمجرد عودتي"
صعدت معه بسيارته بصمت، ثم أثناء قيادته بعد دقائق قالت.
" حتى لو أقنعني كلام الطبيب، لن أُعيّنكَ بالمدرسة لدي"
ضحك بخفّة قائلًا.
" لا بأس حقًا لو لم تُعينيني، أنا سأعمل مع إخوتي، مُقابلة العمل كانت حُجة لألقاكِ"
استنكرت أوكتافيا مُستعجِبة.
" إخوتك!"
همهم وبانت على شفتيه إبتسامة مرسومة بقلم السعادة، حينها أشارت إلى شفتيه وقالت.
" هذه الجروح والكدمات التي تملئ وجهك من جيمين، أليس كذلك؟!"
أومئ يتحسس وجهه قائلًا.
" نعم، لم أدري أن لهذا الصغير قبضة قاضية كتلك، تشتت وعيي للثوانٍ بسببه"
لكنها عقدت حاجبيها بإستغراب، وقالت منذ أنه لا يتوقف عن الإبتسام بينما يقول أنه تعرّض للضرب المُبرح.
" وما الذي يجعلك سعيد؟ هل ضرب جيمين أفقدك عقلك؟!"
ضحك مِلئ جوفه حتى إمتلأت عينيه بالدموع مما قالت، أيبدو كالمخبول؟
" أنا فقط سعيد، لأنه أخرج ما في قلبه أخيرًا، كنتُ أراه يختنق بغضبه، مُتأكد أنه الآن أفضل، أنا الآن أفضل حتى"
حرّكت كتفيها بجهل لا تفهم كيف يفكر الآن، ربما هو سعيد لأن علاقته بأخيه في طور الإصلاح كما علاقته معها.
حركة الإصلاح التي تخصه هذه تؤتي ثَمرها أخيرًا، ولو كانت بخطوات قِطط بطيئة وبسيطة، لكن لا بأس، طالما هو يتقدم سيحرص أن يضل يتقدم، ولو ببُطئ.
توقف بالسيارة أمام مُجمّع طبيّ وقال.
" عيادته هنا، هيا بنا"
نزل من السيارة ونزلت معه، ثم إنتظرها قليلًا حتى جاورته بالمسير، فورما وصل العيادة تحدث مع مساعدة الطبيب.
ضيّقت أوكتافيا عينيها تراقبه، فلقد كانت فُرصة سانحة لتقرأ لغة جسده، لم يبتسم لها إطلاقًا، لم يتحرك بطريقة مشبوهة، يتحدث معها بلهجة رسمية، وفقط سألها إن كان يستطيع الدخول الآن.
بعد ذلك آتى ليجلس بجانبها وقال.
" لديه مريض الآن، لقد منحنا إستراحة الغداء لأنها وقت فراغه الوحيد، سننتظر قليلًا حتى يتفرّغ لنا"
أومأت أوكتافيا، وعاضدت ساعديها إلى صدرها فيما ترفع الساق فوق الأخرى وتنظر حولها، أعجبها ديكور العيادة، جميل.
همست بنبرة لا تكترث وكأنها تهدف لتضييع الوقت ليس إلا؛ رغم أن هذا الإنطباع لا يعكس ما تشعر به حقًا.
" منذ متى تتعالج عند هذا الطبيب؟"
نظر إليها وابتسم، هي فعلًا تهتم، وإلا ما سألته من الأصل، ولها ضير عليها أن تُمثّل عليه قِلة الإهتمام، ما دامت تريد أن تحافظ على صورتها الغير مُكترثة لأمره أمامه.
" هو الطبيب الذي كان مسؤول عن حالتي في المستشفى النفسيّ الذي كنتُ أتعالج فيه، هو من عالجني من الإدمان على الكحول والمُخدرات، وللآن ألتزم معه بجلسات علاجيّة لتحسين حالتي النفسيّة"
همهمت ثم طرحت سؤالًا آخر.
" ماذا عن الفترة التي قضيتها في السجن؟ هل إنقطعت عن العلاج حينها"
نفى وأجاب.
" كان يأتي لزيارتي كل أسبوع مرتين، وكان يحمل بطاقة تسمح له أن يخضعني لجلسة علاجيّة في كل زيارة"
إنخفض بصره إلى الأرض حينما شعر بالغصّة تتراكم في حلقه، واتبع.
" لم يكن يزورني أحد سِواه وتيمين"
هزأت زافرة أنفاسها.
" بالتأكيد لن يقوم والديك بتشويه صورتهما المجتمعيّة بعبور مداخل السجن لرؤيتك، لا أظن أن أبنائهم أهم من صورهم أمام الناس"
قهقه يومئ.
" لأكون صادق، معكِ حق بالفعل!"
تقدمت منهما المساعدة تبتسم وقالت.
" يمكنكما الدخول إلى الطبيب، هو بإنتظاركما"
نهضا معًا، ثم جونغ إن إنتظر أوكتافيا لتسير بجواره، ولج بعدها إلى غرفة الطبيب، فيما هي تصافحه.
جلست أوكتافيا قِبالة الطبيب وجونغ إن قِبالتها.
" أنا بيون أوكتافيا، أظنّك تعرفني"
أومئ دونغهي يبتسم وقال.
" بالطبع أعرفكِ، لكن زيارتكِ هنا مُفاجئة قليلًا!"
نظرت إلى جونغ إن، وبإبتسامة خافتة قالت له.
" جونغ إن، اتركنا وحدنا لو سمحت"
سعل جونغ إن مُحرَجًا من طلبها المُفاجئ فيما ينظر إلى طبيبه الذي أذن له بالخروج بإيمائة ففعل.
بعدما غادر؛ أوكتافيا عدّلت جلستها لتُقابل الطبيب بطريقة أفضل، ثم قالت والجديّة تحفّها.
" طبيب لي، إنسى أن جونغ إن صديقك وحدّثني بأمانة بصفتك طبيبه، هل جونغ إن تغيَّر فعلًا؟ هل هو محل ثِقة؟"
تبسّم الطبيب فيما يعقد كفيه على الطاولة، لقد توقع أن تأتي لزيارته يومًا ما، وها هي أخيرًا أمامه، لطالما رغب برؤية المرأة التي تسببت بملحمة التُفّاح المُحرّم تلك، وها هي أمامه، شكلها يوحي بأنها تستحق أن تُثار لأجلها حرب.
" لا يمكن لحديث كهذا أن تتخله صداقتي به، سأتحدث معكِ بصفته مريضي فقط سيدتي"
أومأت.
" أرجو ذلك"
اتبع.
" سيدتي، أكبر مشكلة نفسيّة واجهها جونغ إن ليست الإدمان على الكحول والممنوعات، بل عُقدة النقص التي عانى منها كثيرًا دون أن يدري حتى، هذه العُقدة هي من جعلته يضع وجوهًا عِدة ليتمثّل بها، ويتصرف على نحو مجنون.
أصل مشكلته لم تكن لأن أخويه أفضل منه أو أسوء، بل المشكلة الرئيسة هي تفريق والديه بين الثلاثة منذ أن كانوا أطفال، الأخ الأكبر يتلقى أحمال اسم العائلة الثقيلة لذا فهو يتلقى إهتمام مُكثّف للرعاية به وبصحته العقليّة.
الصغير يبقى صغير، إذ هو ثائر على والديه، ولم يرضى أن يعيش كيفما أرادوا هم له، رغم ذلك يهتمون به ويحبونه لأنه الصغير ببساطة.
أما هو فقد كان منبوذ بين أخوته، أهله لا يستغلونه كأخيه الكبير، ولا يحبونه كالصغير، فما كان يحظى بذات الإهتمام الذي يحظى به الأخ الأكبر، أيضًا لم يكن حرًا كالأصغر.
لرؤيته إخوانه سُعداء كما خُطِطَ لهم وهو لا، ذلك ولّد شعورًا بالنقص لديه، شعر أنهم أفضل منه وأكثر سعادة منه، يملكون الغالي والنفيس، وهو لا يملك شيء، لذا ثار على نفسه وأراد أن يعيش بلا قيود سوى واحد، الحفاظّ على صورته نظيفة كابن لهذه العائلة.
تعالج من الإدمان لمدة سنتين ضد الكحول والمواد المُخدّرة والرغبات الجنسية، تم ضبط كل هذا، لكن بعد عامين من العلاج ضل يشعر بالنقص
خلال فترة سجنه، كنت أذهب لإخضاعه لجلسات علاجيّة، وشرحت وضعه لأخيه الأكبر بما أنه الوحيد الذي يهتم لشأنه.
الآن وبعد أن تحرر من السجن والمصحّة وعِلله النفسيّة، كان قد حان وقت إختباره بتعريضه إلى المجتمع والبيئة المُحيطة به.
حينما طلبتُ منه الذهاب إلى الحانة، اعتبرتُه إختبارًا لمدى صلاحه في الإنخراط في المجتمع، هو أثبت جدارته حقًا ذلك اليوم
عرضته لتنويم المغنطيسي، لا يمكنه أن يكذب في مثل هذه الحالة، لأن عقله الباطن الذي يتحدث، لو أردتِ سأريكِ إحدى الجلسات التي تتعلق بكِ"
تنهدت أوكتافيا مِلئ صدرها، الكلام كثير ويعمل على تليين قلبها ناحيته، لذا أومأت تقول.
" ليطمئن قلبي، أريد أن أرى كل شيء بعيني أيها الطبيب!"
أومئ لها الطبيب، ثم أشار لها أن تأتي لتنظر في شاشة الحاسوب.
" هذا التسجيل الذي تحدث به عنكِ، وقتها كان يتلقى العلاج بالمستشفى"
لزمت الصمت لتنظر إلى شاشة الكمبيوتر، ضغط الطبيب على أيقونة ما، فظهر جونغ إن ينام على سرير أبيض ذا رواسي حديديّة في غرفة بيضاء، يداه مُقيدة إلى السرير كذا قدميه.
وتستطيع أن ترى عبر هذه الشاشة كما كان هزيل ومتعب، نحيف جدًا وبشرته صفراء، تتراكم الهالات السوداء حول عينيه وعلى حواف شفتيه المتشققة.
" جونغ إن، أنت معي؟"
همهم فقال الطبيب.
" ما رأيك أن تحدثني عن أوكتافيا قليلًا؟"
تبسّم فورما ذُكِر اسمها، وتحدث.
" لقد كانت فتاة مُشرقة وطالبة في صفّي، كذلك صديقة أخي جيمين المُفضلة"
" وكيف شعرت ناحيتها في أول مرة رأيتها بها؟"
عقد جونغ إن حاجبيه بخفّة وأجاب.
" مشاعر مختلطة، كنت متشوق للخوض في معرفتها، بالنفس الوقت كنت غيور من أخي عليها، إنها مثاليّة!"
" أخبرني قِصة زواجكما"
إزداد حاجبيه إنقباضًا، وكأنه يرى خلف ستارة عينيه شريط من الماضي.
" أخي تقدم لخِطبتها، فتبدّلت نظرتي نحوها، لقد ظننتُ أنهما مجرد أصدقاء مقرّبين، لم أتوقع أن يقع الحب بينهما، وهذا أثار إستيائي."
" ولِمَ شعرت بالأستياء؟"
أخذت ملامحه تمتعض أيضًا بينما يجيب بنبرة بدت عصبيّة.
" لأنها جميلة، ومثقفة، ومن طبقة إجتماعية عالية، وثريّة... ببساطة لأنها أفضل من زوجتي، سيحبونها والداي ويكرهون زوجتي أكثر"
" ثم ماذا جرى؟"
إشتدّت قبضتيه.
" حاولت التلاعب بعقلها، خصيصًا أنها لا تحب أخي كما يفعل هو، نظرتها له مختلفة عن نظرته، كان سهلًا علي أن ألعب دور العاشق حتى أوقعتها بخطيئة بحق أخي وزوجتي وحقها قبل الجميع"
" هل ذلك أشعرك بالراحة؟"
برم شفتيه وأجاب.
" ربما قليلًا، فلقد نجحتُ في تدمير زواجها من أخي، لكنني أصبحتُ أريدها لي"
" ماذا عن زوجتك؟"
" زوجتي لم تكن تغار علي من النساء أو تهتم، كنت أريد أوكتافيا عشيقة، و لارا تبقى زوجتي"
" إذن لم تزوجتها؟"
أصبحت ملامحه مُمتعضة على آخرتها، قبضتيه مشدودة، وأخيرًا بكى.
" لأن زوجتي ماتت وأردتُ الإنتقام لروحها، حمّلت أوكتافيا ذنب وفاة لارا، رغم أنني من دفعها عن الدرج وأوكتافيا كانت تحثّني الا أؤذيها، ما كنت أرى مُذنب سواها، وهكذا إنقلب السحر علي"
" ولِمَ تطلقتما؟"
أخذ يبكي أكثر ويشهق بخفة.
" لأن زواجنا لم يكن زواج عن حُب ووِد، كُنّا نكره بعضنا، وكنتُ أؤذيها كثيرًا، حتى ذاقت ذرعًا مني ومن الحياة وقررت أن تنتحر حين أقدمتُ على بيعها لِقاء بعض الحبوب المخدرة"
" والآن، كيف تشعر حيالها؟"
تنهد.
" بالأسف الشديد، أود لو أعتذر منها، وأحاول أن أصلح ما دمرّته من حياتها"
" بعدما تخرج، ماذا ستفعل بشأنها؟"
إرتخت ملامحه وقال.
" أليس من الأنانية أن أقول أنني أريد إسترجاعها والزواج منها مجددًا؟"
" لِمَ تتزوج منها مجددًا؟"
تبسّم.
" لأنني أحبها..."
تنهدت أوكتافيا أمام ما ترى، وبتخاذل عادت لتجلس في مكانها، حينها الطبيب بكلماته حاول جمع شِتاتها يقول.
" يستحيل لقصتكما أن تنتهي بنهاية سعيدة مائة بالمائة سيدتي، لكن يمكن أن تحصلا على بعض السعادة في مكان ما"
نظرت إلى الطبيب واستفهمت.
" ماذا تقصد؟"
" أقصد أنه لا يمكنه أن يتزوج بإمرأة غيرك، لن تقبله به إمرأة سواكِ، كذلك الأمر بالنسبة لكِ، لن يقبل بكِ رجل سواه، حتى لو حدث، لا أظنك ستتحملين أن يُذكّرك رجل بخطاياكِ لاحقًا"
فجأة تذكرت يشينغ يوم عيَّرها بماضيها، الطبيب مُحق، لا يمكن أن تنتهي مع رجل آخر.
" أنتِ وهو خطاياكم مُشتركة، لكما نفس الماضي وذات العورات، لن ينظر إلى عوراتك ويهزأ منكِ بينما هو يحمل نفس العورات، أنتما لا ينفع أن تكونا مع أحد آخر، أنتِ وهو وجب أن تكونا معًا"
صحيح، معه لن تشعر بالنقص لأنه ناقص مثلها، لن تشعر بالخطيئة لأنه من جرّها إليها.
" لو أنكِ تفكرين بأنه عليكِ أن تُحبيه لتتزوجيه فأنتِ مُخطئة، الحب يتأجج لمرحلة معينة في بداية العلاقة، ثم مع تقدم العلاقة؛ يأتي الإعتياد على العلاقة، والخمول في المشاعر، لا أقول أن الحب يموت لكن يخمل"
" أشياء مضمونة بخلاف الحب هي التي تبقى، الوِد، الإهتمام، والإحترام، هؤلاء سيدتي هم من يبقوا أي بيت في سكينة ورخاء، ليس الحب، الحب وعِر، وليس كل قلب يمكنه أن يحب حقًا"
ترك الطبيب طاولته فيما تحفّ شفتيه إبتسامة لبقة، فيما أوكتافيا تُفكر فيما قال وقد شردت، جلس قِبالتها وهمس.
" باسمي طبيبه، أقول بأنه مؤهل للثقة، يمكنكِ أن تثقي به ولا تخافي من التقدم معه"
رفعت رأسها إلى الطبيب تزفر بعُمق وهمست.
" شكرًا لكَ أيها الطبيب"
" العفو"
صافحته للمرة الأخيرة ثم خرجت بخطوات مُتباطئة تخفض رأسها، وبلا كلام جونغ إن تبعها إلى الخارج، كلام هذا الطبيب أثّر في نفسها جدًا.
لا يكمن أن تعيش مع رجل بلا أن تشعر بالنقص سوى مع جونغ إن، كذلك هو...
لا يشترط في الزواج الحُب، هناك ما هو أهم، الوِد والإحترام...
هذه الأفكار إكتنزت عميقًا في نفس أوكتافيا، شعرت بأن كلام الطبيب ليّنها ناحية جونغ إن كثيرًا، لقد بدأت تشعر بأنه يمكنها أن تثق به، يمكنها أن تزيح بينهما المانع.
جونغ إن لم يدري ما حدث بالداخل، ولكن بالنظر إلى أوكتافيا، فهي تفكر بعمق وتمشي ببطئ، بالتأكيد كلام دونغهي قد أثّر فيها.
تحمحم ثم قال.
" ماذا قال الطبيب؟"
توقفت في مكانها فتقدم منها يعقد حاجبيه قائلًا.
" ما الذي يحدث معكِ؟"
نظرت أوكتافيا إليه ترفع ثلاثة أصابع في وجهه.
" بعد ثلاثة أيام دعنا نلتقي، حتى ذلك الحين لا تجعلني أراك، أريد أن أفكر بعُمق بشأنك دون أن تؤثر على قراري، حسنًا؟!"
أومئ، فتجاوزته لتوقف سيارة أجرة وتذهب بها، لم تسمح له أن يفهم أي شيء عمّا حدث بالداخل أو ما تفكر به، كما بها، ولِمَ هذه الثلاثة أيام.
لكنه على آية حال سار في طريقه بعد مُغادرتها، عليه أن يزور أحدهم.
لم يتحسن وجهه كفاية ليتعرض للكم من جديد، سيحاول ألا يحدث شيء.
توجّه إلى مبنى الشركة التي تنافس شركة عائلته، شكرة عائلة بيون.
نعم، عليه أن يلتقي ببيكهيون، يعتذر عمّا فات ويعده بأنه سيحفظ أخته، هي لن تكون محادثة ودودة بالتأكيد، لكن يرجو أن يخرج بأقل الخسائر.
وصل الشركة، ووجّهه مكتب الإستقبال إلى مكتب بيكهيون الخاص، كان يشغل منصب مساعدته إمرأة جميلة، تقدم منها جونغ إن وقال بنبرة رسمية.
" إن كان من الممكن، أرجو أن تُخبري المدير بيون بيكهيون أنني كيم جونغ إن أريد لقائه"
إتسعت عينا إيزابيلا -التي لا يعرفها جونغ إن- وقالت مدهوشة.
" أنت طليق أوكتافيا، أليس كذلك؟!"
عقد حاجبيه، لكنه أومئ فنهضت عن مكتبها سريعًا تحاول صرفه بدفعه خارجًا.
" لا، لا يمكنك! توعد لك بيكهيون بالموت لو رآك مجددًا، أنا زوجته ولا يمكنني أن أتركك تدخل إليه، لذا أرجوك إنصرف!"
فيما إيزابيلا تدفعه للخارج، وهو لا يفهم لِمَ كل هذا الخوف، كلاهما سمعاه من خلفها.
" إيزابيلا؟"
آتى صوته من خلفها فكمشت كفيها متخوفة مما قد يحدث الآن، وبيكهيون فورما رأى جونغ إن وميّزه، بخُطى عمياء تقدم من مكتب إيزابيلا، ليسحب من عليه قلمًا وسار إلى جونغ إن، ومن بين أسنانه المتراصّة هسهس.
" ظننتك جبانًا كفايّة كي لا أراك مجددًا، لكن جرائتك للقدوم إلى هنا أعجبتني، سأقتلك حالًا مُكافئة لك!"
حسنًا، جونغ إن لم يتوقع محاولة قتل، لذا سريعًا ما تحرك ليمسك بيد بيكهيون التي تتجه بالقلم إلى عُنقه، فيما إيزابيلا صرخت.
" بيكهيون لا!
سقط الإثنان أرضًا، بمحاولة من بيكهيون لرد الهجوم وجونغ إن لحفظ حياته، وجونغ إن بصعوبة إعتلى بيكهيون أخيرًا وسحب من يده القلم وصاح يلهث متعبًا من هذا الرجل.
" لستُ هنا لنتشاجر، بل لنتفاهم، لا تنسى أن لديك أطفال كما لدي، لا يمكننا أن نضيعهم بسبب معمعة غضب كهذه، أرجو أن تسيطر على نفسك"
دفع بيكهيون بجونغ إن من أعلاه، وقعد أرضًا يرمقه بحقد وغضب فيما يلهث ليتناول أنفاسه.
" أيها الفاسق، تتلون جيدًا كالحرباء!"
تنهد جونغ إن وهمس.
" دعنا نتحدث الآن بشأن أوكتافيا، فأنت عائلتها الوحيدة التي أعرفها"
وقف بيكهيون، ورفع سبابته يهدد بوجه الآخر.
" لا تجرؤ أن تقترب من أوكتافيا مُجددًا!"
رفع جونغ إن حاجبه بأستياء وقال.
" هل لك أن تسمعني أولًا قبل أن تطلق أحكامًا مُطلقة كهذه؟!"
هزأ بيكهيون ضاحكًا يقول.
" مُطلقة!"
ثم أشار برأسه إلى جونغ إن وسند كفيه على خصريه يقول.
" هات ما لديك!"
حينها تدخلت إيزابيلا التي ما زالت ترتجف بحرج وهمست.
" تحدثوا في المكتب، كي لا تتنصت عليكم الرادارت في الشركة"
شزر بيكهيون إليه، ثم ولج يترك بابه مفتوح حتى يدخل خلفه، جلس جونغ إن على الأريكة التي تقابل مكتب بيكهيون، فيما هو يجلس أمام مكتبه.
" لا يمكنك أن تقنعني أنك أصبحت فجأة شخص صالح، أدري أن لك ألاعيب من هذا النوع"
تنهد جونغ إن لكنه أومئ يقول، فبيكهيون لا يُساعد.
" أنا لم آتي لأثبت لك حُسن نواياي، أنا أتيت لأخبرك بأنني سأصون أختك، سأحبها وأحترمها حتى أموت، ولو شكتني لك يومًا سأجعلك تقتلني حينها ولن أقاوم، كما أنني أريد أن أقول أنني آسف لكل ما سببته لكم من ألم وشدّة"
تكبدت ملامح بيكهيون عناء إظهار غضبه.
" وهل تُريدك أوكتافيا لتأتي واثقًا إلى هذا الحد بأنك سترتبط بها مجددًا؟"
حرك جونغ إن كتفيه يقول.
" لم تقبل بعد، ولكنها تلين مع الوقت، وأنا بكل جهدي أحاول إقناعها كل يوم، أنا أخبرك بالأمر كي لا تجد سببًا تبعد فيه أختك عنك مجددًا أو تلومها على شيء هي لم تفعله، هي بحاجتك، كُن بقُربها دومًا!"
نهض جونغ إن من مكانه وإلتفت مغادرًا إلا أن بيكهيون استوقفه.
" لو حدث أن بكت أوكتافيا بسببك، صدقني لن يحولني عن قتلك أي سبب، كُن حذرًا مني، فأنا انتظرك أن تُخطئ!"
تبسّم جونغ إن وأومئ، لا بأس بأي شيء معه، ما يهم أن تعود أوكتافيا له، سيعوضها عن كل الألم الذي تسبب به لها، سيجعلها تبني منزلًا معه من جديد، وتكوّن عائلة سعيدة.
.......................
" لارا، ماذا تريدين على وجبة العشاء اليوم؟"
تحدثت أوكتافيا من المطبخ فيما تَهم بتحضير وجبة لها ولابنتها، فالصغيرة أجابت بينما تجلس أمام التلفاز تتابع إحدى برامج الكرتون.
" دعينا نكتفي بالمعكرونة سريعة التحضير، اشتهيها"
وجدت أوكتافيا أن هذا خيارًا مُريحًا، خصوصًا أن العمل في المدرسة اليوم كان مُهلك، فهي تهم بإفتتاحها بغضون أيامٍ قليلة.
لذا كادت أن تُحضّر أوكتافيا المعكرونة سريعة التحضير للعشاء اليوم، لكن طرقًا مُفاجئًا على الباب شتت إنتباهها، فذهبت لتُجيبه، عادة لا يزورها أحد، وإن حدث فيأتون بمواعيد مُتَفق عليها.
فتحت الباب وإذ به بيكهيون، رفع حقائب بلاستيكية يحملها بيديه وابتسم.
" أتيت ومعي العشاء، فلنتناول الطعام معًا"
أفسحت أوكتافيا له المجال ليدخل، فهي مهما كرهت موقفه معها لا يمكنها أن تطرده من لَدُن الباب، إحترامًا له، ثم بعدما دخل نادت لارا تقول.
" لارا، تعالي قابلي خالكِ بيكهيون"
بمجرد أن سمعت الطفلة اسم خالها ركضت إليه، كان يبعث لها الكثير من الهدايا إلى الصين، بما أن أوكتافيا ترفض كل شيء يقدمه، كان يقدم لابنتها كل ما يريد.
" خالي!"
صاحت لارا بحماسة فيما ترتمي في حُضن بيكهيون، قهقه بيكهيون يحملها على ذراعه، ثم قبّل وجنتها يقول.
" مرحبًا أيتها الآنسة الجميلة"
أمالت رأسها وبلطافة قالت.
" أهلًا خالي!"
سار بها إلى الداخل، وجلس على الأريكة وهي على قدمه يُلاعبها حتى تفرغ أوكتافيا من إعداد الطاولة.
أعلنت بعد بضع دقائق.
" الطاولة جاهزة"
نهض بيكهيون بلارا، ووضعها على مقعدها ثم جلس بجانبها فيما جلست أوكتافيا قِبالتهما، أخذت تأكل أوكتافيا بصمت، حينها نظر إليها بيكهيون وبحرج تحدث.
" كيف حالكِ أوكتافيا؟"
نظرت إليه تلزم الصمت، ثم نظرت إلى لارا التي تنتظرها أن تُجيب، فهي لا تدري أن العلاقة بين أمها وخالها مشحونة، لذا كان عليها ألا تُظهر اي شيء أمام الطفلة، فأجابته.
" كما ترى، بخير"
أومئ وتناول بعض اللُقم، حينما نهضت لارا لغسل يديها إستغلت أوكتافيا غياب ابنتها كي تصارح بيكهيون فيما يدور بخلدها لذا قالت.
" ما الذي أتى بك إليّ؟"
وضع عيدانه جانبًا، ثم أخذ ينظر لها بأعين ليّنة.
" أوكتافيا، أعلم أنني أخطأتُ معكِ خطأً فادحًا حينما تبرأت منكِ وتخليتِ عنك، وأهملتك، كل هذا صحيح، أنا أقرّ به، وأنا آسف على كل شيء بدر مني.
أوكتافيا أنا أخوكِ، نحن لا نملك سوى بعضنا، أرجوكِ لا تتخلي عني كما فعلت أنا سابقًا، أنتِ عائلتي وأنا عائلتك، لن أقبل بخسارتك إطلاقًا بعد الآن"
تنهدت أوكتافيا فيما تحرك عيدان الطعام بالصحن بلا هدف، بدى ضعيفًا بطريقة لم تعتد عليها وهو يتوسلها الغُفران، لم تشئ أن يضعف أكثر لذا فقط غيرت الموضوع دون أن تتقبل أعتذاره أو ترفضه، الحياة ستسير رغم كل الظروف.
" كيف حال أسرتك؟"
تبسّم، إذ إستجابت له ولانت، فقال.
" بخير، أنا وإيزابيلا اتفقنا أخيرًا، وابننا يحظى بحياة هادئة"
رفعت رأسها إليه وقالت.
" هل يدعى ابنك جيمين؟"
تبسّم وأومئ يقول.
" لأن كيم جيمين انقذ حياة ابني من الهلاك؛ أصرّت إيزابيلا أن يحصل ابننا على اسمه"
تنهدت أوكتافيا تهمس.
" لطالما كان جيمين يعطي ولا يأخذ"
حدث صمتًا مُحرِجًا بينهما، أثناء ذلك؛ بيكهيون كان مترددًا فيما يرغب قوله، لكنه استجمع شجاعته وعرض عليها.
" اليوم تناولتُ العشاء في بيتك، هل يمكن أن آتِ غدًا وآخذكِ إلى بيتي لطعام العشاء"
وضعت أعواد الطعام جانبًا وقالت.
" بيكهيون، أنا لا..."
تمسّك بيدها سريعًا ينفي برأسه وقال.
" لا تقولي لا، قولي نعم فقط، لا ترفضي قُربي، لا يمكنك أن تتجردي مني، انا بحاجتك وأنتِ بحاجتي"
سحبت يدها منها وزفرت تقول.
" حسنًا حسنًا، لا تتوسل، تبدو غريبًا!"
ضحك وأومئ، ثم أتت لارا إليهما.
الدم لا يمكن أن ينحلّ ليصبح ماءً، بيكهيون شقيقها وعائلتها الوحيدة، لم تقدر أن تقسو عليه أكثر، لأنها أخطأت بحقه حينما خانت ثقته بها.
كما أنها تذكرت يوم أتى جيمين إلى شِقتها وطلبت العفو منه، لقد لان معها رغم أن ذنبها في حقه كبير، كيف لا تلين مع بيكهيون الآن؟
ربما لن تنسى أيًا من شقاء الماضي، ستتذكره دومًا كدرسٍ قاسٍ لها، وستسامح الجميع لأجل نفسها قبل أي أحد، فهي تريد أن ترتاح وتريد عفو الذين أذنبت بحقهم.
...................
مرّت الفترة التي حددتها أوكتافيا كي تفكر بأمر العودة إلى جونغ إن من عدمها، وها هي الآن تتهرب منه.... الآن قد طفح الكيل معه.
كانت ليلة اليوم الرابع بعد الإتفاق وأوكتافيا لا تُجيب إتصلاته، ربما تحتاج المزيد من الوقت لتفكر لكنه ما عاد يتحمل أكثر.
يريد أن يعلم الجواب الآن مهما كان، نعم أم لا...
ذهب إلى شِقتها بعدما رتّب إتصالاته مع طبيبه لي دونغهي وأخيه تيمين يخبرهما بما ينوي فعله، وأولى مهمة إعلام بيكهيون وإقناعه لتيمين، فهو أفضل منه في الحديث.
فكما قال دونغهي سابقًا؛ أن آخر الدواء الكيّ.
كانت الساعة العاشرة مساءً، تكاد أوكتافيا ولارا أن يخلدنّ للنوم لأجل المدرسة غدًا.
صعد إلى شقتها وطرق بابها، سمعها تتحدث من خلف الباب للارا.
" اغتسلي واذهبي إلى فراشك"
فتحت له الباب وإذ به جونغ إن، تنهدت تستند على الباب وقالت.
" ألا يمكنك أن تصبر قليلًا بعد؟"
نفى برأسه.
" لا، لا يمكنني!"
ثم نادى لارا لتأتيه راكضة.
" بابا!"
تبسّم في وجهها وانحنى إلى قامتها يجلس على قدميه.
" بما أنكِ فتاة كبيرة الآن، أيمكنكِ أن تنتظري العم تيمين خمس دقائق فقط حتى يأتي لأخذك من هنا؟!"
عقدت الطفلة حاجبيها، لكنها أومأت على أية حال، فيبدو أن والدها عاقدًا عزمه لإستعادة أمها.
ربّت جونغ إن على رأسها فيمت يبتسم.
" فتاة جيدة"
حينها قاطعته أوكتافيا تقول فيما ترفع حاجبًا إستنكارًا لما يحدث هنا.
" ولم سيأتي تيمين ليأخذها؟!"
قال فيما يقترب منها.
" لأنكِ ستأتين معي"
ما كادت أن تستفسر عن أي شيء حتى صرخت وهو يحملها على كتفه ويخرج بها.
كانت تصرخ على كتفه وتضرب ظهره وتمتم بالشتائم المؤدبة والتهديدات الفارغة، وهو يتحدث إلى لارا.
" أغلقي الباب الآن، دقائق وسيأتي العم تيمين، احزمي بعض أغراضك لتبيتي عنده، حسنًا؟"
ضحكت لارا فيما تصفق قائلة.
" أبي لا تقلق بشأني، فقط تصالح أنت وأمي!"
" إلى اين تأخذني أيها المجنون؟! هذا يسمى إختطاف!"
أومئ فيما ينزل بها عبر المصعد.
" حسنًا، إذن أنا الآن أختطفكِ حبيبتي"
هتفت بغضب.
" حبيبتك! واضح أنك ثملت قبل أن تأتي، أليس كذلك؟"
تنهد فيما يسير إلى سيارته.
" ربما علي أن أضع على هذا الفم الجميل لاصق"
رأى تيمين في الخارج، فلوح له وتيمين عن بُعد صاح مُبتهجًا يضحك.
" اقضوا وقتًا سعيدًا معًا"
وضعها جونغ إن في سيارته وربطها بالحزام، ليصعد من الجهة الثانية، حينها قالت منزعجة.
" هل هو متحالف معك؟"
أومئ مبتسمًا يقول.
" الجميع يعلم أنني سآخذك، لذا هذا لا يعد إختطافًا"
صاحت بغضب فضحك.
" بحقك! لكنني لا أريد أن أذهب!"
تجاهل ما قالت واستطرد مُبتهجًا.
" لم نذهب بزواجنا الأول في شهر عسل، أخطط هذه المرة أن نقضي شهر العسل ثم نتزوج، ما رأيك؟"
شزرت إليه والشرار يتقاذف من عينيها.
" سأقتلك لو لمستني!"
ضحك بخفّة.
" هوّني عليكِ، يستحيل أن أرتكب معك خطأ كذاك مجددًا، أو أن أجبركِ على شيء لا تريدينه"
سُرعان ما صاحت بعصبيّة.
" لكنكَ الآن تُجبرني على الذهاب معك"
همهم يبرم شفتيه ثم نبس باسمًا.
" حسنًا، هذا أمر مختلف!"
تنهدت والتزمت الصمت تنظر من النافذة فقط، لكنه حينما خرج من سيؤل تسآلت.
" إلى أين تأخذني الآن؟"
" سنذهب إلى المَصيف تملكه العائلة، هو في بوسان، لذا نامي، في الصباح ستستيقظين على فِراش ناعم"
رفعت حاجبًا فتنهد.
" ستنامين عليه وحدك، أقسم!"
عاضدت ذراعيها إلى صدرها، وأخذت تنظر في الطريق، ليست خائفة منه، لكنها حذرة، الحذر واجب.
بعدما طال الطريق حاولت قدر الإمكان ألا تغفو عينيها، لكنها غفت بالنهاية، هي لا تشعر بالخوف منه بعد الآن لذا لا بأس لو نامت.
...
في الصباح الباكر؛ إستيقظت أوكتافيا بعد أن إكتفت من النوم لساعات طويلة لا تدري مُدتها تحديدًا، فتحت عينيها تمد أطرافها، فالنُعاس ما زال عالقًا بها، الفراش الذي تنام عليه بالفعل ناعم.
سُرعان ما تذكرت الأمس بكل أحداثه؛ فنهضت سريعًا تقعد على السرير وتنظر حولها، تنام في غرفة مُعتمة، لا يمكنها أن ترى بوضوح ما حولها.
نهضت تُزيح الستائر عن النوافذ.
" واااو!"
الستائر هذه تُخبئ خلفها شُرفة جميلة لها إطلالة ساحرة، تطل على مسبح حوله إستراحات في منتصف بيئة مُشجِرة.
رفعت رأسها ولم تدري أنها تبتسم حتى، إستنشقت الهواء النضيف إلى اعماق أعماقها، ثم رمقت البيئة المحيطة بأعين مرتاحة، تشعر بالراحة بمجرد النظر إلى ملامح الطبيعة من حولها.
نظرت إلى ما ترتديه، هي ذاتها ثيابها من الأمس لم تتغير، لم يعبث معها، هذا جيد.
دخلت إلى الغرفة مجددًا تنظر فيها، إنها غرفة مُرفهة وجميلة، ولجت إلى الحمام تنظر إلى وجهها بالمرآة، وجهها مرتاح بالفعل.
إغتسلت ثم بحثت لنفسها ثيابًا، وبالفعل وجدت بالدولاب ثيابًا كثيرة، لكنها شعرت بالخجل، هناك ثياب داخلية وأخرى تخص ساعات النوم، ترجو ألا يكون من حضّرها.
خرجت من الغرفة، هي على الطابق الثاني، نزلت السلم، فاشتمت رائحة الطعام قادمة من مكان ما، نظرت في الساعة المعلقة، إنها الحادية عشر صباحًا، لا تنام عادة إلى هذه الساعة المُتأخرة من اليوم.
خرج جونغ إن من المطبخ يحمل بيديه أطباقًا، وحالما رآها ابتسم يدعوها.
" اووه! أستيقظتِ؟! تعالي لنتناول الإفطار معًا"
أومأت تنزل إليه، أشار لها أن تجلس، ثم جلس قِبالتها يقول.
" تفضّلي، هذا ما استطعتُ إعداده"
تبسّمت بخفة وأومأت تقول.
" لقد أعجبتني الطاولة بالفعل، لم أكن أدري أنك تجيد الطهي"
قهقه بخفة.
" إستعنتُ بالإنترنت في الحقيقة"
تناولا الإفطار معًا، ثم بينما جونغ إن يوضّب الطاولة قامت أوكتافيا بتجهيز كوبيّ قهوة لأجلهما.
تناول من يدها كوبه وهمس.
" شكرًا لكِ، دعينا نخرج لشربها في الخارج، الهواء لطيف الآن خارجًا"
أومأت له ثم خرجا معًا، جلست قُرب المسبح ووضعت قدميها فيه، فأتى ليجلس بجانبها مبتسمًا.
" أحببتِ المكان؟"
أومأت.
" إنه جميل"
دار بينهما بعدها صمت، كانت أوكتافيا تستمتع بأجواء المكان اللطيفة وهو ينظر لها، كاتت تغلق عينيها وترفع رأسها، فيما تبتسم وتتنفس الهواء.
بدى مظهرها لعينيه من هذه الزواية ساحرًا للغاية، لذا لم يكن قادرًا ألا يبتسم، وجودها معه يشعره بالراحة، ينشر السلام في صدره، يجعل قلبه ينبض بحب، لا يدري متى أحبها إلى هذا الحد.
" أوكتافيا؟"
همهمت فقال.
" ألا يمكنكِ أن تثقي بي؟ ألا يمكن أن نبني عائلتنا من جديد؟"
فتحت اوكتافيا عينيها، ثم زفرت أنفاسها بعمق قبل أن تنظر إليه وقد ابتسمت، لقد فكّرت بالأمر كثيرًا، ووصلت لنتيجة هي مقتنعة بها.
" ما عُدت أملك حُجة لأشك بك، سأكون صريحة معك من الآن فصاعدًا..."
أومئ، شعر بنبضات قلبه تتسارع فأخذ يدعك كفيه ببعضهما، تحرّكت لتجلس قِبالته ثم قالت.
" لا يمكنني أن أنسى ما حدث بيننا، الأذى الذي سببناه للناس، والأذى الذي سببناه لأنفسنا، ولا يمكنني أن أنسى الأذى الذي سببته لي"
أخفض رأسه يشعر بالإحباط، لم تكن هذه المُقدمة مبشّرة على الإطلاق، لكنها اتبعت.
" لكن أنا وأنت نحمل ذات العيوب، الأخطاء من النوع ذاته، لا يمكن أن نحظى بعائلة لا تكون أنت فيها زوجي أو أنا زوجتك"
" أنا لن أتحمل أن يُمنن عليّ رجل أنه تقبّلني بعيوبي، أخشى أن يعيّرني بها، ويشعرني بالنقص، وأنه أفضل مني وكثير علي، هذا ما منعني عن الإرتباط بالطبيب يشينغ"
" معك لن أشعر بهذا النقص، لن تمنن علي تقبلك لي، لن تعيرني بعيوبي، لن تشعرني بالنقص، لن تشعرني بأنك أكثر مما استحق، لأننا متماثلين، عيوبنا واحدة"
رفع رأسه إليها فابتسمت.
" لأكون معك صادقة؛ أنا لا أحبك ولا أظنني قادرة أن أحب بعد الآن، لكنني سأمنحنا فرصة لأننا لا نملك سوى بعضنا، سأودك واحترمك واهتم بك لنعيش برخاء واستقرار، ستقدم لي ما أقدمه لك ونعيش هكذا"
شعر بعينيه تحرقانه فأشاح عنها لتقول.
" آسفة لتخييب آمالك"
سرعان ما نفى وعاد برأسه إليها يقول فيما يمسح دموعه.
" لستُ خائبًا، أنا راضي بأي شيء تقدمينه لي، يكفي بالنسبة لي أن نعود معًا"
تبسّمت وتمسّكت بيده تقول.
" كُن عند حُسن ظنّي بك، لا يمكنك أن تُخيّب أملي فيك، حسنًا؟"
سُرعان ما أومئ لها وابتسم، ثم حط يده برقة على مؤخرة رأسها ليجتذبها وطبّع على ناصيتها قُبلة.
وبعدما وضع بينهما مسافة تمكنّه النظر في ملامح وجهها عن قُرب قال، إذ أن توقعات جونغ إن من البداية لم تكن عالية، لم يطلب الحب، طلب عودتها فقط.
الآن وهي تتقبله وتقبله أخيرًا لا أحد يمكنه أن يكون أكثر سعادة منه، فخرجت الوعود من فاهه موثوقة، وعود لا يمكن تحطيمها، لا يمكن أن يكسرها، فهو لن يكسر ذلك القلب مجددًا.
" أعدك، سأكون أفضل من كل توقعاتك"
تمسّك بيدها واتبع.
" سأحبك، سأصونك، سأحميكِ، سأحترمكِ دومًا واعتز بكِ، سأهتم بكِ، وأعاملك بالوِد والرحمة على الدوام"
تبسّمت أوكتافيا تومئ برأسها وقد شعرت بالدمع يُعكّر عليها الرؤية.
" أعدك أنني سأكون خير الزوج لكِ، وخير الأب لابنتنا، سأكون كل شيء لكما وتكونا كل شيء بالنسبة لي، سأعيش لأحبكما وأرعاكما"
مسح دمعتها حينما إنسابت على وجنتها واتبع.
" أعدكِ أن عينيكِ لن تحمل دمعة بسببي بعد الآن، سأكون لكِ زوجًا تفتخرين به، وتتكلي عليه على الدوام، رجل تشعرين معه بالأمان"
تركت كلماته أثرًا عميقًا في نفسها، تَثق أنه سيلتزم بوعوده هذه، وفيما تنزل دموعها وهو يمسحها ربتت على يده التي تُمسك بيدها وتبسّمت تهمس.
" أثق بك الآن"
إجتذبها من يدها ووضعها في أحضانه، عانقها وشدد عليها العناق، عيناه تبكي، وكفّتيه تشد على فُستانها، ووجهه يخبئه في كتفها.
كانت تشعر بصدره يرتجف تحت كفّتيها وبدموعه تُبلل كتفها، تبسمت وأخذت تمسح على شعره بكفٍ حنون تقول.
" عاقب الرب آدم وحواء بالخروج من الفردوس حينما تناولا من التُفّاح المُحرّم، عاقبهم على الأرض، ولكن بعد توبتهما إستردّا مكانهما بالجنة"
" الجميع يملك فرصة ليصلح أخطاءه"
" نحنُ الآدميّان الذين نهشنا من تُفاح الفتنة المُحرم فنُفينا إلى قاع الحياة لنبنيها من جديد بصلاح*"
................
*مُقتبسة
..............
بعد مرور عامين...
الأخوة الثلاثة بعائلتهم مجتمعون في منزل جيمين، فاليوم عيد مولد جوري الأول، جوري أميرة جيمين الصغيرة وابنته الأولى.
قد مرّ على زواج جيمين من بارك جيمين عام ونصف، إذ مرّ الزفاف وتحضيراته على إستعجال لإخفاء حمل الآنسة بارك الذي حدث قبل الزواج.
لقد أثبت السيد جيمين أنه يمكنه أن يكون مُشاغبًا، فبعد فترة بسيطة من المواعدة حملت فتاته بطفل منه، نال توبيخ حار من والديه ومن تيمين، لكنه كان سعيد، سيصبح أب.
الآن ابنته الصغيرة يحملها على ذراعه ويراقصها فيما يغني لها أغنية الميلاد، وصغيرته تضحك وتردد.
" با... با"
داعب أنفها بأنفه ثم طبع قبلة على وجنتها، يكاد أن يشعّ الفرح منه، وذلك ما جعل زوجته التي تبتسم لرؤيته سعيدًا هكذا تقول.
" أشعر بالغيرة"
ضحك الجميع بما فيهم جيمين، فلف ذراعه حولها، وقرّبها إلى صدره يقول فيما ينظر إليها بعينين باسمتين.
" أنتِ السبب في سعادتي هذه، شكرًا لأنكِ منحتني أغلى ما أملك!"
تبسّمت فيما هو طبع قبلة على رأسها، حينها تحمحم جونغ إن وقال.
" نحن هنا!"
اخفت جيمين وجهها بكتفه حرجًا والجميع ضحك، حينها جونغ إن غمز الصغيرة جوري التي على ذراع والدها فاسترسلت بالضحك.
تمسّكت أوكتافيا بذراعه وهمست له.
" أنت! لا تحاول إغواء الصغيرة هكذا!"
ضحك جونغ إن وانحنى يجمع كفّيه قائلًا.
" لن أفعل حبيبتي!"
رفع يدها التي تحمل خاتم زواجه منها إلى شفتيه وطبع قُبلة، ثم تشتت إنتباههما بفعل لارا حينما ربتت على بطن أوكتافيا وقالت.
" ماما، متى يخرج أخي أنا أيضًا؟!"
حركت أوكتافيا كتفيها بجهل، ما زال حملها في بدايته، هي بالشهر الثالث لذا همست لابنتها.
" تبقت ستة أشهر ليأتي أخوكِ أو أختك"
أومأت لارا تقول.
" أرجو أن أحظى بأخت وأخ مرة واحدة"
رفع جونغ إن حاجبه مُعجبًا بكلام ابنته يقول.
" وااه! أنا أتمنى ذلك أيضًا"
رمقت كلاهما بسخط تقول.
" بأحلامكما!"
أخذ تيمين ينظر لأخوته بأعين سعيدة، هم أخيرًا وجدوا طُرقهم ليعيشوا بسويّة، وقد وجدوا سعادتهم أخيرًا.
جيمين سعيد جدًا بأسرته الصغيرة بعد مشقة طويلة خاضها مع الحياة وظروفها اللئيمة، زوجته كانت جديرة بقلبه، فلقد تحملت شخصيته الرعناء ومزاجه المتقلب، بل حسّنته، وأصبح بمقدور تيمين أن يرى جيمين القديم فيه، ذاك الفتى الطائش اللطيف.
أما جونغ إن؛ فهو أخيرًا إستقرّ بحياته، ما عاد يقلق بشأنه أبدًا، فلقد أثبت أنه يستحق فرصة ثانية، أغتنمها وربح عائلته واستقراره معهم.
علاقته مع أوكتافيا هادئة، ليست مثيرة للمتاعب كالزوجين جيمين، هم أوعى أكثر.
أما هو، فما زالت حياته تنعم بالهدوء والرخاء مع زوجته نايون وطفلاه.
لا ضير من المشاكل في بعض الأحيان، لا يمكن لكل يوم في الحياة أن يكون حلو، حتى الحلاوة تصبح مملة لو مسّها التعوّد.
ربما ضل بعض الموانع بين جيمين وجونغ إن، فإن لم يبتدأ جونغ إن حديث مع شقيقه الصغير لا يبدأ، ودائمًا تكون إجاباته مُقتضبة؛ وكأنه يفرّ من كل محادثة بينهما، لكنهما على الأقل انخرطا معًا في دائرة العائلة الكبيرة.
لكن والديهما يرفضان زوجة جيمين ويرفضان عودة أوكتافيا، كما هما رافضين لوجود نايون من البداية، لأسباب سخيفة.
مثل أن بارك جيمين لا يعجبهم شكلها، ووالدها ليس رجل أعمال من الصف الأول، وأما أوكتافيا فلا تصلح بالنسبة لهما زوجة لابنهما العزيز، هو بنظرهما يستحق فتاة من أعلى السُلم الإجتماعي -رغم أنها في أعلاه- وأن تكون بِكر بلا علاقات سابقة، رغم ان أوكتافيا لم تكن بعلاقة سابقة مع أحد.
هم يظنّا أنها تزوجت في الصين وعادت بعدما فشل زواجها، كما أنهما لا يتقبلا أحفادهما بأي شكل من الأشكال، وذلك ما جعل الأخوة الثلاثة يزورونهم كل حين بدون عوائلهم الصغيرة.
صدف أن والدي أوكتافيا وبيكهيون، السيد والسيدة بيون، ذهبا إلى تايلاند بذات الطائرة التي ذهبا بها السيد والسيدة كيم أيضًا إلى تايلاند بعُطلة صيفيّة.
لكن الأنباء السيئة أتت...
إذ أتصل تايونغ بأوكتافيا في هذا الوقت من الليل وهم بحفل مولد جوري الصغيرة، شعرت بالغرابة إزاء إتصاله بهذه الساعة، لكنها أجابته على آية حال.
بدى صوته هلوعًا حينما تحدث.
" سيدتي إن كنتِ بالمنزل فافتحي التلفاز على القناة الإخبارية الرئيسة بسرعة!"
لاأراديًا أخذت يدها ترتجف فيما تبحث عن جهاز التحكم لدرجة أن الجميع إلتفت لينظر ما بالها، فنبرة تايونغ الهلوعة أخافتها حقًا.
إقترب منها جونغ إن يُقيم كتفيها وبقلق تحدث.
" ما بكِ حبيبتي؟"
أجابته بصوت يرتجف.
" القناة الإخبارية سريعًا!"
تحركت جيمين لتضع التلفاز على المحطة المُرادة، فيما جونغ إن ساعد أوكتافيا على الجلوس فيما يمسك بيديها ويجلس القرفصاء أمامها، مسح على شعرها ونبس يطمأنها.
" لا داعي لكل هذا الخوف، إهدأي حسنًا؟!"
تمسكت بيديه تومئ، ثم إزدرئت جوفها فيما تنظر إلى الأخبار العاجلة.
" حلّقت اليوم في تمام الساعة الثانية مساءً طائرة مدنيّة إلى تايلاند تحمل ثلاثة مائة راكب، وفيما تحلق الطائرة فوق سطح المياه سقطت في المحيط"
" فرق الإنقاذ والتقصّي إنطلقت من تايلاند وكوريا لإخراج الناجين والقتلى، وإيجاد المفقودين منهم"
نزلت الأخبار على مسامعهم كالنار التي تُضرم بالهشيم، فلقد حرقت كل سعادتهم وبقي منها الرماد.
فيما جيمين وتيمين في حالة من الخدران وعدم التصديق؛ جونغ إن وضع رأسه في حِجر أوكتافيا وأخذ يبكي بلا أنين ولا نحيب.
أما أوكتافيا، فلقد ظنّت أن الأمر مزحة لذا ابتسمت، ثم أخذت تنفي الأمر برأسها تنكره، وفي لحظات من الأستيعاب أخذت تبكي كما يبكي جونغ إن بحجرها بلا صوت، وحينما فهمت أنها لم تراهما منذ سنين خرج نحيبها وأنينها وصارت تصرخ.
" لا لا لا!!"
نهض جونغ إن سريعًا وضمّها إلى صدره، كانت تختنق وتتمسك بقميصه تنكر والألم ينهشها، يبقيان والداها مهما فعلا بها.
" أريد أن أراهم ولو لمرة أخيرة! أخيرة يا جونغ إن أرجوك!"
جونغ إن كان يمسح دموعه ودموعها، جيمين كان يبكي بحضن زوجته، كذا تيمين.
وهما... كلٌ يبكي في حُضن الآخر...
....
فيما الجميع يرتدي ثيابًا سوداء، وضعت أوكتافيا باقة من الزهور على النصب التذكاري لوالديها.
لم يجدوا جثث لأي من العائلتين، لا كيم ولا بيون، مرّت فترة شهر على التنقيب وما عادت فرق التنقيب قادرة أن تبحث، فاعتبروهم من القتلى المفقودة جثثهم، وعلى هذا الأساس أقامت العائلتين بيوت العزاء.
مسحت أوكتافيا دموعها فيما تقف قُرب النصب، يخلفها جونغ إن بمسافة مترين، حتى تأخذ راحتها بالحديث مع والديها.
" أنا آسفة لأنني لم أكن ابنة صالحة لكما، آسفة لأنني خيّبت ظنونكما كثيرًا، آسفة لأنني لم أتشبث بكما كفاية!"
أخذت تبكي فيما تغطي وجهها بكفيها، الأسى ملأ قلب جونغ إن عليها فاقترب منها ليهدأها؛ لكن بيكهيون سبقه إليها وضمها إلى صدره، فبكت على كتفه كثيرًا، وعلى قدر إستطاعته حاول أن يبقى قويًا لأجلها، لكنه كان يبكي بلا إرادته.
" الآن حقًا نحن لا نملك سوى بعضنا"
نبس بهذه بيكهيون فيما يبكي بلا أنين عكس أخته التي تأنّ على صدره.
......................
والأيام تمضي، والجراح مع سير عجلة الحياة تندمل، فالحياة لا تتوقف على أحد، ستبقى تسير مهما فقدت من حمولتها.
كذلك حيوية هذه العائلة عادت مع مرور الوقت، والمرور في الأزمات آلف بين القلوب، قلبي جونغ إن وجيمين.
في صباح باكر خرج كل من الأخوة الثلاثة من منازلهم إلى مكاتبهم، تيمين أصبح رئيس مجلس الإدارة، جيمين نائبه، وجونغ إن مدير تنفيذي.
إصطفت ثلاثة سيارات سوداء فارهة خلف بعضها البعض أمام بوابة الشركة، ترجل السائقين لخدمة أرباب عملهم.
نزل من السيارة الأولى تيمين، من الثانية جونغ إن ومن الثالثة جيمين، ثلاثتهم مشرقين وأنيقين.
يتأنق تيمين ببدلة رمادية، شعره الكرميلي مرفوع عن ناصيته.
يتبعه جيمين، يرتدي بدلة سوداء، وشعره البُني مرفوع عن ناصيته.
ثم جونغ إن يرتدي بدلة زيتيّة اللون وشعره البني أيضًا مرفوع، إلا أنه يضع نظاراته الطبيّة.
تجاور الثلاثة في المسير، ودخلوا أبواب الشركة يتبادلون الأحاديث فيما تيمين يتوسطهم.
" لم أنام بسبب جوري، ضلّت تضع مؤخرتها على رأسي طيلة الليل"
ضحك تيمين من قول أخيه وعلّق.
" تايون كانت تغار من جونغهيون لذا لا ترضى إلا أن تنام في حضني عندما كانت بعمر جوري"
برم جيمين شفتيه واتبع.
" أحسد جونغ إن!"
جونغ إن ضحك قائلًا.
" أخبرتكما أن تضعا أطفالكما بغرف منفصلة، لكن لم تستمعا إلي!"
تيمين تحدث.
" سمعتُ أن لارا تملك حبيب"
توقف جونغ إن مندهشًا.
" ماذا؟! لكن هي ما زالت طفلة!"
وكزه تيمين قائلًا.
" بحقك! أطفال هذه الأيام قادرين على تكوين علاقات كالحب رغم طفولتهم"
ضحك جيمين وضرب كتف تيمين بلطف يقول.
" تتحدث هكذا لأنها تحب جيمين الصغير، أليس كذلك؟"
أومئ تيمين بسخط يقول.
" اه نعم، لأنها تحب بيون جيمين، ابنك البعيد ذاك، ثم أنني لا أدري لِمَ الجميع يتيمنوا بتسمية أطفالهم على اسمك!"
" إنه فقط طفل واحد!"
اعترض جيمين بأستياء.
...............
كانت لارا في منزل خالها بيكهيون، تلعب مع صديقها في الحقيقة، فيما الكِبار يشربون الشاي في رُدهة الحديقة.
وفيما يلعبون بين تضاريس الحديقة، الطفل جيمين قال.
" لارا، اليوم سمعت أمهاتنا يتحدثن"
تسآلت فيما تلعب.
" في ماذا؟"
همهم الصغير واتبع.
" عمتي قالت لأمي أنها السبب في موت والدتك، لولاها لما دفعها والدك عن السُلّم وماتت"
توقفت عن اللعب والتفتت له.
" ماذا تقول أنت؟ "
حرّك كتفيه بجهل ونبس.
" مما فهمته من حديثهم بأن والدك وعمّتي كانا يحبان بعضهما خلف ظهر والدتك، يخونانها، شيء كهذا"
لارا ذات الإثنا عشر عامًا ما عادت طفلة بعد الآن.
" النهاية"
........................
بدأت في تاريخ 30/8/2018
إنتهت في تاريخ 27/8/2020
ستتم هذه الرواية عامها الثاني يوم الأحد الموافق 30/8/2020
تُفّاح مُحرّم أنجبتها أفكاري في بداية عام 2018، لم أضع عليها توقعات عليها نظرًا لوعورة أحداثها، لكنني الآن وبكل رضى وفخر أضع لها نهاية.
كنتُ أتصفح رواية صديقتي كامي Mr.Park حينما خطرت لي الفكرة، وتورطت مع الزمن لتصبح كنا تعرفونها الآن.
ربما لا تكون بهذه الروعة، فأنا كاتبة مع مرور الزمن أزداد نُضجًا كتابيًا، وأبدأ برؤية أخطاء لم أكن أراها مُسبقًا، ولكنني راضية عنها وأحبها كما رواياتي حاقد عاشق ومجرم في الإخلاص.
وهنا دعوني أوضح آرائي ككاتبة حول النهاية:
جونغ إن وأوكتافيا: ما كان من الممكن أن يحدث أن أفرقهما بعد كل هذا، لا يمكن أن يرتبط أحدهما بشخص آخر.
لأن العالم ليس ورديًا في الواقع، لو افترضنا أن أوكتافيا ويشينغ انتهوا سويًّا، يشينغ سيحبها ولكنه لن ينسى أنها فعلت شيئًا مُشينًا في يوم من الأيام، وفي لحظة غضب سيعيرها ويمنن عليها حبه، وقد فعل أن عيّرها بماضيها.
جونغ إن تغير لأجل أوكتافيا وابنته، فلا نفع من تغييره لو انتهى مع أخرى، قد لا تتقبل ماضيه، وترى نفسها أفضل منه.
لذا، كلاهما لا ينفعا سوى لبعضهما، عيوبهما تتوافق، فلا مجال لأن يمنن أحدهم على الآخر.
كما أنهما لم ينتهيا بحب بعضهما البعض، بل بالزواج، ربما هذه الرواية الوحيدة في الواتباد التي لم يجمع البطلين فيها حب، ولم يحصل إعتراف حب.
جيمين:
جيمين علاقته تحسّنت مع أوكتافيا لكن لا يمكن أن يعود معها كسابق عهده، إنها إصلاحات بندب لا يمكن محوها.
أما جونغ إن فهو لم يكن يومًا أخيه كما تيمين ولن يكون، هو فقط تقبّله وصدّق توبته.
أما حياته الخاصة، فلا يمكن لمرأة أن تحتويه سوى جيمين، فهي على عكس سابقتيها أحبته بلا مصالح، فأولى بها أن تكسبه هي.
السيدان والسيدتان كيم وبيون:
الموت بهذه الطريقة كان عقابهما، لأنهما لم يكونوا نعم الأهل، وأن تربيتهم السيئة، والتفريق بين الأبناء، كذا تفضيل المال على أبنائهم، كل هذا صيّر ابنائهم إلى هذا المصير.
لارا:
حظت بنهاية مفتوحة تقريبًا، لكنها قُدِرَت لتكون عِقاب أوكتافيا وجونغ إن الأبدي على خسارة روح والدتها، فكما خسرت لارا الأم ابنتها، هما خسروها أيضًا.
في الخِتام؛ أود أن أشكر كل شخص منكم، كل من قرأ، كل من صوّت، كل من علّق، كل من أضافها لمكتبته، كل من روج لها دون علمي، لكل من قرأها إلى هنا.
شكرًا لكم واعتذر عن تزمتي في تحقيق الشرط، والتأخير الذي كان يحدث في التحديثات، شكرًا لأنكم دعمتموني حتى ولو بقراء صامتة.
وبما أنه مولد الرواية الثاني قد حان أود أن أشكركم على ال مائة ألف مشاهدة، أشكركم لأنكم أحببتوها و وثقتم بي.
لا تنسوا أن تدعموا عزيزنا كاي في ترسيمه المُنفرد، وفيما تستعدون لذلك لآخر مرة امنحوا تفاح محرم الحب.
رأيكم بشخصية البطل؟ من تقلباته الأولى حتى الأخير؟ تغييره لمصيره بتغييره من نفسه؟ وكسبه معركة الحياة مع الكثير من الخسارات من أماكن أخرى؟
رأيكم بشخصية أوكتافيا التي بدأت مثالية ثم انكسرت صورتها؟ وانتهت على هذه الحال، أم وإمرأة قوية وعاقلة لا تحكمها عاطفتها؟
رأيكم بشخصية جيمين -البطل الثاني-؟ صورته التي تبدلت مع كل خيبة خاضها في حياته؟ وبالنهاية ختامه السعيد؟
رأيكم بتيمين؟ الذي برز كأخ أقرب لأن يكون أب لأخوته وحاضن للعائلة بأكملها بلا صراع خاص متأجج؟
رأيكم ببيكهيون -البطل الثالث-؟ صراعه الخاص مع شخصيته ومشاعره قبل أن يكون مع فتاة؟ كذا دوره كأخ؟
رأيكم بإيزابيلا؟ الفتاة التي حكتها عاطفتها جدًا لدرجة جعلتها تتصرف بتهور شديد؟
رأيكم بجيمين؟ الفتاة التي بدأت مشاكسة؟ وانتهت بكسب قلب الرجل الذي تحبه؟
رأيكم بكل مصداقية بالرواية ككل؟ إنتقداتكم؟ و ما العِبر التي تقف خلفها؟
قيّموا الرواية من عشرة؟
وأخرًا، إن كان لي بكم لقاء بأعمال أخرى فإلى اللقاء، وإن انتهت علاقتكم بي إلى هنا فوداعًا.
أعزائي قُرّاء تُفاح مُحرّم
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі