Report
Chapter One
Chapter Two
Chapter Three
Chapter Four
Chapter Five
Chapter six
Chapter Seven
Chapter Eight
Chapter Nine
Chapter Ten
Chapter Eleven
Chapter Twelve
Chapter Thirteen
Ch14|| حواء
Ch 15|| خليل الهان
CH 16|| أحكام
Ch17|| الحب و أشباهه
CH18|| فوضى مشاعر
CH19|| رعشة البتول
CH20||فرائس الحب
CH21|| فقدان الفردوس
CH22||حقوق ليست بمحلها
CH23|| تفرِقة
Ch24|| في قاع الحب
CH25|| إلى الهاوية
CH26||حب و جريمة
CH27||خالل الهان
CH28||أساس ركيك
CH29||مُبهم
CH30||صراع القلوب
CH31||الأعزب ليلاً
CH32||إنجلاء قِناع
CH33|| مذلة و نذالة
CH34||في الصفح و الحقد
CH35|| لا يتعظ
CH36|| عصيٌ على الطُهر
CH37|| هوّة
CH38|| حُب الرُّهبان
CH39|| إمرأة للبيع
CH40|| المرأة الثمينة
CH41|| من ضلع الكرامة
CH42|| ابن الهان
CH43||تَمسّ السماء بأناملها
CH44|| أزمة عاطفيّة
CH45|| بداية النهاية
CH46|| اللوتس
CH47|| قلبي يحبها
CH48|| عُقد النقص
CH49|| وعد
CH50|| أزمة ثقة
CH51|| إعتذارات ومعاذير
The End|| تُفّاح مُحرّم
CH51|| إعتذارات ومعاذير
" معاذير واعتذارات"

وقفت أوكتافيا تَطِل برؤياها كذا بهيئتها الرسميّة عبر شُرفة مكتبها إلى الساحة المكشوفة من المدرسة أمامها.

إذ أنها تستُر جسدها ببدلة نسائية أنيقة خمريّة اللون، رفعت شعرها البُنيّ على شكل ذيل حِصان، وقامت بعقد ساعديها إلى صدرها تحتضن ملفًا، فيما يقف خلفها على بُعد مترين لوكاس كالعادة ببدلته الرسمية وشعره البُني الأنيق المرفوع.

وقد مضى على دخوله إلى مكتبها دقائق وهي لم تشعر به، فقط تقف إلى هذه النافذة وتَنظُر إلى الخارج دون حِس أو حركة.

" سيدتي، أشعر أنكِ كثيرة الشرود في الأونّة الأخيرة، أمن خطب؟"

نشزا كتفيها إثر صوته الذي داهم حالة السكون في عقلها فانحنى معتذرًا، حينها تنهدت وإلتفتت إلى مكتبها، حتى هي تشعر بنفسها تنساب كالحِلّ من بين يديها في كثير من الأحيان، يُداهمها شعور ليس بلطيف على الإطلاق، شعور الفُقدان، وتدارُك النهاية، كذا الفراغ.

جلست خلف مكتبها تتنهد، ثم أغمضت عيناها تستند بقِفا رأسها على كُرسيها الجلديّ، واسترخت عليه.

مَرَّ شهر منذ الواقعة، ومنذ ذلك الوقت؛ ولم تسمح لأي فرصة أن تدرك جونغ إن ليراها حتى، ما عادت تلتقيه إطلاقًا، لا في المدرسة ولا خارجها، لا لأجل لارا ولا لأي سبب آخر، وكأن كل الأسباب التي كانت تجمعهما تهالكت وتحللت مع كومة ذكريات لهما معًا.

ليس لأنها تُصدق الجُرم الذي اُتهِم به تبعده عنها، تعلم أنه بريئ كبراءة الذئب من دم يوسف، وتَثِق بكلمة تيمين ثِقة عمياء، لو قال أن أخاه بريئ فهو حقًا بريئ ولا مجال للشك في ذلك.

لكن المشكلة ليست ببرائته من عدمها، المشكلة أنها لا تثق به، ولا تجد نفسها تحبه كفاية، وتصدقه كفاية؛ لتقتنع أن ثمّة حركة إصلاح جابت في خرابه وعمّرته مجددًا، أو حتى لتخاطر معه وتمنحه فرصة.

هذا رِهان كبير؛ لِقائة بقيّة عُمرها، وهي ليست مُستغنية عن نفسها لتضعها في مثل هذا الرِهان الوعِر.

لأنها ببساطة لا يُمكنها ألا تشُك به، ألا تخاف منه في المستقبل، ألا تتوقع الأسوء، لأن لها معرفة طويلة الأمد به، معرفة هي الأنجس من نوعها، تعرف أكثر وجوهه بشاعة، لا تُصدق أنه يمتلك وجهًا جميلًا الآن.

وبينما أوكتافيا تُفكر بعمق بشأن جونغ إن وردها إتصال هاتفيّ من جهة مجهولة، أجابت بعد تردد لم يطل لبضع ثوان، وإذ بصوت تألفه يصلها.

" أوكتافيا؟ هذا أنا بيكهيون، كيف حالك؟"

كانت تعرفه قبل أن يعرّف عن نفسه، فكيف تنسى صوت ألِفته طوال حياتها، ولطالما تشوّقت لسماعه؟!

لكن ليس بعد أن تركها بيد وحش، وانشغل عنها بشؤونه الخاصّة أيًا كان تأزّمها أو بساطتها، لا يهم؛ ما يهم أنه سبق وتخلى عنها، ولا يمكن أن يستعيد منزلة الأخ السند عِندها بمثل هذه السهولة مهما طمح لها وثابر.

لذا لم تكن تتحدث معه بطريقة يعرفها، لم تكن أوكتافيا التي تستند عليه بوقت المِحَن، بل كانت أوكتافيا جديدة تَميل وتميل ولا تستند على أحد.

" إختصر... ماذا تُريد؟!"

تنحنح بيكهيون في قلب السماعة، نبرة صوتها أثلجت صدره، لا بأس لو تكلمت معه بلؤم، لا يلومها، المهم أنها بخير.

حتى أن لهجتها الحادّة في الحديث معه لم تمنعه من قول ما يرغب الإفشاء عنه لها، هو كان يُحضّر لأجلها الفرصة المُناسبة كي تعود، وها هي تأتي إليها.

" بعض أصحاب رؤوس الأموال يرون أن الإستثمار في مدرسة مصدر دخل جانبيّ مُربح، استمعتُ لنصيحة بعض الأصدقاء، وأتيتُ لأعرض عليكِ ألا تكتفي بمدرسة واحدة بل أجعليها سلسة مدارس دوليّة، ما رأيك؟!"

سمع صوت ضِحكة خافتة إنبلجت عن شفاهها، ولا ريب أنها تضحك الآن ساخرة منه.

" رأيي واضح في هذه المسألة سيد بيون بيكهيون، لن أقبل أن أعود إلى أسفل جناحك وضمن حدود سيطرتك، لقد وعيتُ كفايّة لأفهم علامَ تنوي في عرضك السخيف هذا"

كانت ملامح بيكهيون ملتوية بأستياء، لا ينكر أنه يريدها أن تعود، لكن لا ليسيطر عليها إطلاقًا، فقط لتبقى قريبة.

لم يكن المزاج العام لهذه المحادثة حادّة الأطراف كفيل بأن يجعله يغضب أو أن تتفلّت أعصابه عن سيطرته، لذا استرخى على مقعده وزفر بعُمق قبل أن يُغمغم.

" وما الخطأ في إبقائكِ قريبة؟ ألا تشتاقي للوطن والأهل؟ ألا تحنّي للأمكنة والشخوص؟!

متأكد أنكِ تشتاقين لكل شيء دُستِ عليه هنا وتركتِه خلفك، الآن الأشياء تُناديكِ، فلتعودي إلى موطنك ومواطنيكِ، لن تكون الغُربة ألطف منّا عليكِ"

نال الغرور منه، فإذ بثقته تفرش جناحيّ كِبر كطاووسٍ مُبغدد وجميل، لم تكن ثِقته في محلها، لأن أوكتافيا تركت البلاد بأُناسها لأنها عَافتهم وعَافوها.

اللاطوق الذي بينهم سبب هِجرتها التي تخالها وجبت أن تكون أبديّة، دون يد -كيده- تُعرقِل إستدامتها.

لذا قطعت دابر الحديث وآماله، لا نقاش في هذه المسألة.

" لستُ مُهتمة بعرضك، يكفيني ما أملكه بالصين حيث لا أنت ولا أحد من حواة دمك هنا، أنا سعيدة طالما أما بعيدة عنكم"

أغلقت الخط في وجهه وقد تأكدت أن كلماتها أتت في قلب ثِقته وفجّرتها، لا يمكن أن يثق بنفسه أمامها على هذا النحو من الكِبر والنرجسيّة، هي ما عادت ترجو قُربه، لأنه ببساطة حطم كل صوره المثالية في عقلها.

لم تَشُعر وإلا بنفسها تضحك، تسخر من نفسها ومنه، ما كان يستحق منها كل الحُب الذي أحبته أياه، هو ليس نِعم الأخ بعد حين.

...

بعد إنتهاء ساعات الدوام في  المدرسة؛ ذهبت أوكتافيا لتأخذ لارا من صفّها وتعود بها إلى المنزل، لكنها رأت ابنتها تتشبث بأبيها وتبكي على صدره أمام مَبنى الصفوف الإبتدائية، تشكو أنها تُريده.

تنهدت أوكتافيا، ربما قد حانت ساعة المواجهة معه، وأن تلتقيه أخيرًا بعد طول إنقطاع عنه؛ لذا قطعت طريقها إليه، وحينما رآها جونغ إن تزلف قُربًا منهما وضع الطفلة أرضًا وإلتفت إلى أوكتافيا، التي رمقت الصغيرة بسخط تقول.

" اذهبي واحضري حقيبتك وتوجّهي إلى السيارة فورًا"

كادت الصغيرة أن تُجادلها، لكنها منعتها بحزم ظهر في نبرها الحازم، عينيها القويتين، وسبابتها التي تشهر بها مُهددة.

" لا تُجادليني فيما أقول، نفّذي بصمت وحسب!"

غادرت لارا تطيع والدتها مُكرهة، حينها زفرت أوكتافيا أنفاسها المُلتهبة وأنزلت يدها بينما تراقب صغيرتها تبتعد، حينها نبس جونغ إن.

" لا تُثقلي عليها، إنها مُجرّد طِفلة"

نظرت إليه شزرًا فيما تقبض يديها.

" ماذا؟ أيعجبك أن تلعب دور الأب مُجددًا؟! لا يُناسبك على آية حال"

تنهد جونغ إن يستعدي صبرًا على هذه المرأة، وأشهر عن أستياءه من الطريقة التي تنظر فيها إليه، وكلامها الذي يعود به معها إلى نقطة الصفر مجددًا.

" أوكتافيا، شذّبي لسانكِ واضبطي غضبك، لستِ وحدك من يملك نفسيّة مُستاءة هنا!"

غادرها بعد أن قال كلماته هذه، وعلى عكس توقعاتها؛ لم يفتح سيرة تلك الواقعة، لم يُبرر موقفه، ولم يعتذر.

حينها أوكتافيا هزأت منه ومن نفسها فيما تراقبه يُدبر.

" أنا ماذا توقعت منك؟!"

عادت لارا تحمل حقيبتها على ظهرها، تناولت أوكتافيا يدها وغادرت بها إلى المنزل.

عادت إلى شِقتها، ولكنها تفاجئت بالطبيب زانغ يقف أمام باب شِقتها بإنتظارها، وحالما أصبحت قِبالته رفع في وجهها حقيبة بلاستيكية وابتسم، إذ إنغمرت غمّازه في وجنته، وفتنتها لترد له إبتسامة ودودة.

" الدجاج جاهز للإفتراس!"

ضحكت لارا تصفق بيديها، وركضت بالحقيبة إلى طاولة السُفرة فورما تمكنت من الدخول، تبسّمت أوكتافيا تلكز الطبيب بذراعها قائلة.

" أنت دومًا ما تجد أسهل الطرق إلى قلبها"

رفع حاجبه وأومئ قائلًا فيما يدخلا معًا.

" لا تنسي أنني من ربّيتُها"

ضحكت أوكتافيا تومئ، لا يمكنها إنكار مثل هذه الحقيقة الباذخة، فلقد شغل يشينغ مكان الأب في حياة لارا، واهتم بها كما لو أنها من صُلبه، حتى أنها تناديه بابا في مُعظم الأحيان.

لكن ليس بعدما تعرّفت على أبيها الحقيقي، فقد إنخفضت رُتبة يشينغ عندها ليصبح العم يشينغ بدلًا من بابا يشينغ.

انضما معًا إلى لارا النهمة إن تعلق الأمر بالدجاج،  ودارت بينهم أحاديث عاديّة على الطاولة والكثير من الضِحكات.

....

الليل أتى، وأوكتافيا لا تنام، لا يزورها الوزن ولا يباغتها النوم.

نظرت في الساعة التي على المنضدة بجانب السرير، لقد تجاوز الوقت منتصف الليل وهي لا زالت مستيقظة.

تنهدت تقعد على سريرها، ووضبت جسدها بين ذراعيها ثم بعُمق أخذت تُحلل مشاعرها، لِمَ صورة جونغ إن لا ترضى أن تزول من دماغها؟!

تشعر أن ثمة خطأ الآن، لكنها كانت بخير طيلة الشهر الفائت، فهمت أنها بخير طالما لا تراه، ومشاعرها بسببه لا تتخبط.

لا تُحبه، لا يمكنها أن تقول أنها تحبه حقًا، ما فعله بها لا يمسحه شعور سخيف كالحُب الآن، ربما لانت معه، لكن أن تسامحه لهو أمر في غاية الصعوبة والإستحالة.

الحُب لا يتضمن ماسح للذاكرة ومُحسّن للمشاعر، لا يمكنها أن تُفرط بنفسها إليه حتى لو أحبّته فعلًا، طالما الثِقة معدومة الحُب لا ينفع، حتى لو حدث المستحيل وسامحته، كيف تثق به؟!

وعلى مِثل هذه الأفكار السوداويّة قضت ليلتها حتى غمرها النوم أخيرًا.

في الصباح الباكر؛ حيث لم يمضي على نومها سوى ثلاث ساعات تكاثرت الإتصالات التي تستهدفها، وذلك ما أزعجها إزعاجًا شديدًا، لكنها حينما رأت اسم مُساعدها لوكاس على الشاشة أجابته، فهو لا يتصل بها إلا لأمور ضرورية تحدث.

" ما بك تتصل بإصرار شديد هكذا؟! هل حدث شيء؟!"

قلقت وقعدت على سريرها حينما سمعته يزفر بقلق شديد ويتلكئ مترددًا في قول شيء.

" لوكاس؟!"

تنهد على مسامعها ثم همس.

" سيدتي... إحدى الطلبة في الثانوية أقدم على الإنتحار، عليكِ القدوم سريعًا، المدرسة تكاد تتقيئ الفوضى التي بداخلها"

" يا إلهي!"

أغلقت الخط سريعًا ونهضت تتجهز، تركت لارا عند جارتها المُسنّة الوحيدة، وغادرت إلى المدرسة فورًا.

حالما وصلت وجدت المدرسة في حالة من الفوضى الشديدة، سيارات من الشرطة والإسعاف تملئ المكان، كذا فريق تحقيق وبحث جنائي وطب شرعيّ.

لا تدري كيف حصل كل هذا، ولكن إحدى الطلبة همَّ بالإنتحار من السطح الذي لا يكون مفتوح عادة للطلبة!

توجه لوكاس سريعًا إليها وقال.

"حمدًا لله أن محاولة الطالب بائت بالفشل، ولكن مشكلة كبيرة طفت على السطح، إذ أن السبب خلف إنتحار الطالب التنمر الشديد الذي تعرض له من زملائه هنا."

نظرت إلى لوكاس لا تصدق ما تسمع.

" حادثة إنتحار سببها التنمر؟ في مدرستي أنا؟!"

تنهد لوكاس يومئ، فأخذت أوكتافيا تدعك صدغيها وقد داهمها الصُداع فجأة، هذه حادثة كفيلة بإغلاق المدرسة.

خلال ساعات الدوام؛ أتوا الكثير من أهالي الطُلاب وجرّدوا المدرسة طُلّابها، إذ لم يبقى رُبع العدد الأصلي من الطلبة في غضون يوم واحد.

جلست أوكتافيا مُرهقة خلف مكتبها، واستدعت عبر لوكاس اللِجان المسؤولة عن تأديب الطلبة وضبطهم، ومُعلم الصفّ ذاك، وذاك المعلم كان جونغ إن.

طرق الباب مرتين ثم دخل، تقدم حتى وقف أمامها مُنحني الرأس.

" أعتذر عن تقصيري بعملي، مُستعد أن أتلقى الجزاء المُناسب"

أعتذر لكن الأعتذار لا ينفع، وما كان الإعتذار واجب عليه، هو لم يكن يدري أن هناك تنمر خارج إطار كاميرات المُراقبة، التي وضعت لهذا السبب تحديدًا، كدورات المياه مثلًا.

تنهدت أوكتافيا ودعته للجلوس أمام مكتبها، فهي عليها أن تترك أمورهما الخاصّة جانبًا، وتتحدث معه بلسان العمل ليس إلا.

" بيّنت كاميرات المراقبة أنه لم يتم التنمر في نِطاقها، أي ليس في الصفوف أو الممرات، لذا أنت لستَ مُلامًا عمّا يحدث، لكن عليك الحضور لأنك المسؤول عن الشُعبة فقط"

تنهد يومئ ثم نبس ينظر لها.

" وسائل الإعلام تتحدث عن الأمر بشراهة، الجِهات المسؤولة من الحكومة بعثت أمرًا بتوقيف المدرسة بالفعل لغرض التحقيق، ولا ندري كم يطول."

ثم اتبع مُبتأسًا.

"لا يمكن أن تتحملي نفقاتها وهي عاطلة عن العمل، فماذا ستفعلين؟!"

ماذا ستفعل؟!
عرض بيكهيون أخذ يدور في بالها، خياراتها محدودة جدًا في مثل هذه الضائقة العصيبة، وهو لا يمكن أن يُمنن عليها بإستثماره، ستدفع له بالمقابل من الأرباح.

تنهدت تضع رأسها بين كفيها، لِمَ يجب أن تتقطع بها السُبل دومًا؟! ما أرادت أن ينتهي بها المطاف في مثل هذا الحال.

غادر جونغ إن لأجل تقديم إفادته، حينها إختلت بمكتبها وهاتفت بيكهيون، كانت مُترددة بالإتكال عليه مجددًا، وهو كان مُتفاجئ جدًا بالإتصال المُباغت لكن سعيد جدًا.

" هل فكرتِ بالأمر؟ سيعود لكِ بالنفع الكثير"

همهمت.

" متى يبدأ العمل؟!"

أجابها سريعًا.

" المدرسة جاهزة، تنتظر أن تفتتحيها فقط"

أغلقت الخط، الآن ستعود إلى كوريا، تواجه الماضي مجددًا وترمم الإسقاطات في عملها وحياتها الشخصيّة، كانت تدري أن يومًا كهذا قد يأتي، ولكنها لم تتوقع أن يأتي باكرًا إلى هذا الحد.

....

مَضت عِدة أيام بعد الحادثة المشؤومة في المدرسة، وعلى إثرِها المدرسة هُنا أُغلِقت لغايات التحقيق، المحكمة أجازت بفتحها مُقابل خمسة آلاف دولار غرامة، وتعويض يصل إلى عشرة آلاف دولارات لذويّ الطالب.

وهي لا تستطيع دفع كل هذه الأموال المُترتبة عليها من المحكمة، ولا تستطيع أن تدفع التعويض اللازم للطالب، وضعها ليس رغيدًا كفايّة ليكون في وسعها أن تضع مثل هذا المبلغ مرة واحدة، لذا كان آخر الدواء الكيّ، عرض بيكهيون.

ملأت حقائبها بالأمتعة، وأفرغت شِقتها التي إحتضنتها لخمس سنين، عزَّ المكان عليها وأُناسه الطيبون، فهُنا وجدت نفسها وكوّنتها، الآن ستترك كل يد قدمت لها المعروف وترحل لتجمع نفسها من جديد.

قبل يوم واحد من موعد الطائرة إلى سيؤل من بكّين؛ إتصلت أوكتافيا بيشينغ، وطلبت منه اللقاء في مكان يألفانه.

في إحدى أماكنهما، كان إحدى أبراج بكّين، هناك تستطيع أن تختلي به وتتنعم بنسيم بكّين العليل وليلها الوضّاء لآخر مرة قبل الرحيل.

حضر يشينغ تحفُّهُ هالة من الإسوداد والكآبة، فورما رأته إنتحبت والدموع قد ملأت مِحجريها.

" اااه! لا تكون هكذا، ستجعلني أبكي!"

أدار وجهه عنها، وسمعته يتنفس بعمق ويزفر كي يضبط دمعه فلا يبكي أمامها ولا يُبكّيها، ثم إلتفت إليها بطلائع مُحمرّة، واضح أنه بكاها سابقًا.

إقتربت منه كثيرًا حتى لاصقته بجذعها، ولفّت خصره بذراعيها، نوّمت رأسها على صدره وهامسته.

" آسفة لأنني أغادر وأتركك، آسفة لأنني لم أكن الشخص الذي تريده في حياتك، آسفة لأنني لطالما أخذتُ منك ولم أقدم لك شيء، حتى أنني بخلتُ عليك بفرصة معي"

سكنت وتركت جبهتها فوق قلبه النابض، قلب يصرخ، يتمزق ثم يجمع أشلاءه ليتمزق مجددًا.

وضعت يدها فوق المُضغة، التي تتألم في جوف صدره، ورفعت وجهها لتمعن النظر فيه، لعله يبقى بذاكرتها خالدًا، وألا تجرؤ ذاكرتها أن تمسح من رأسها شخصها المُفضّل.

" لم يكن المانع عنك أنني لا أحبك، أو أنني لا أراك سوى صديق، لا أكذب حينما أقول أن قلبي نبض مرات عِدة أمام رجولتك، التي تأتي في دفئك وحنانك، لكنني لا أستحقك"

وضعت يدها على فمه حينما أراد قول شيء، ونفت برأسها ألا يحاول إقناعها بالعكس، واتبعت.

" أنا إمرأة مُلوَّثة يا يشينغ، دنّستُ براءتي وأنوثتي بيديّ هاتين، أحببتُ رجلًا متزوج، قتلتُ إمرأة، ويتَّمتُ طفلة، كما أنني دمرتُ حياة صديقي المُفضل، وحوّلته إلى شخص مُعقّد بعد أن كنتُ أقرأه بسهولة؛ ككتاب أحفظه"

تبسّمت بأسى والدموع تتفطر من عينيها.

"كان شخصي المُفضل كما أنت الآن..."

أشارت إلى نفسها والدموع تُهرب من معاقلها.

" أنا مُدنّسة يا صديقي، محكومة بألا أطهر مهما حييت، لا يستحقني سوى شخص ملوث مثلي، بينما أنت..."

إقتربت تتمسك بوجنتيه، وهمست تنظر في عينيه الكئيبتين.

" أنت جميل وطاهر، نقيّ ونظيف، لم تُدنَّس، أنت تستحق إمرأة من الملائكة، ملاك مثلك"

مسحت دموعه التي إنسابت بهدوء تنفي ألا يبكي، ثم همهمت تُشير إلى ذراعيها الشاغرين له، فانخفض بقامته ليحتضنها، لم يكن يلبّي رغبتها فحسب، هذه رغبته أيضًا.

ربما تنتهي قصّته معها إلى هنا، لكنه لن ينسى أبدًا أنها الحُب الأول الذي ولج قلبه، ربما هي لا تناسبه فعلًا كما تقول، ربما هو فعلًا يستحق من هي أفضل منها، لكنه أحبها بصدق بغض النظر عن كل الأشياء التي أحفّتها.

في لحظة من اللحظات؛ أرادها فحسب مهما كانت مُدنّسة بالخطيئة وملوّث اسمها، كان على إستعداد للقيام بحملة تطهير على دَنسها، وإقتلاعه منها لترجع إلى المرأة الطاهرة والرقيقة، التي يعرفها من خلف أقنعة الدنس.

مسحت دموعها ونظرت إليه تبتسم.

" واثقة بأن فتاة ملاك ستُرفرف بجناحيها حولك وتنثر عليك حُبها، أنا واثقة!"

سخر مما قالت مازحًا لدحض مرارة الموقف.

" تقولين كلامًا عميق مؤخرًا سيدة شكسبير!"

قهقهت واحتضنته مُجددًا، ثم همست فيما تريح رأسها على كتفه.

" نحن لن ننتهي، ستبقى شخصي المُفضل حتى أموت، لن أنسى أن يدك من سحبتني من الظلام وأولجتني إلى النور، شكرًا لك صديقي العزيز!"

ربّت على كتفها فيما ينظر إلى السماء.

" على الرُحب، ستجديني متى ما احتجتِني، لا تنسي أنني بطلك الخارق، حسنًا؟!"

أومأت.

" بالتأكيد، دعنا لا ننقطع عن بعضنا البعض"



....................








جيمين كان يجول بين مكاتب المتدربين لديه ومواقعهم في أنحاء مبنى الشركة كجولة تفقديّة هدفها التحرّي عن هوية الرجل الذي تريد الظفر به الآنسة التي تحمل ذات اسمه، لا تفقد مدى أخذهم للعمل بجديّة وكم هم مُثابرون.

لا بأس أحيانًا بإستغلال السُلطة في أمور لا تضر أحد...

وجدها تقف مع إحدى المتدربين الشباب، إنه الذي حصل على المركز الأول في جامعتها وهي تَلته، لذا جيمين وبلا تأكيد تحرى أنه هو الرجل المنشود بالتأكيد؛ الرجل الذي عادت لأجله.

في البداية؛ لملم كبريائه الذي نثره على أرصفة الغيرة وحمل تعبيرًا على وجهه بأنه لا يُبالي، ثم لَمّ في حلقه نبرات زجر وغضب، ودسّها بين الحروف والأنفاس، لذا أرعب طُلّابه رغم هيئته الظريفة.

" هل أترككم تلعبون مدى الحياة أمام أبواب العمل ولا تجدونه؟ إن كنتم لا تريدون كسب لُقمة العيش فغادروا الآن!"

تحمحم إثر ألم في حلقه تسببت فيه صيحته الغاضبة فيهم، جيمين إنتفضت بكتفيها وإلتفتت تراه، فما باله غاضبًا بلا سبب؟!

لكنها ترى أنه يقف على جمر من الغيرة، يدّعي الصمود فيما أكعابه إحترقت وتشوّهت، تبسّمت خفيّة عنه ثم أشارت إلى زميلها تقول.

" كُنّا نتحدث في أمور العمل فحسب أيها المدير، لا داعي للقلق!"

لوى المتدرب حاجبيه بلا فهم، فلِمَ قد يقلق المدير لمثل هذا الشيء؟!

فيما جيمين تحمحم وعقد كفيه خلف ظهره يستنكر والغرور يملئ صدره، فلقد كره أنها كشفت حقيقة نواياه وشعوره، هل الغيرة واضحة على معالمه لهذه الدرجة؟!

" ومما أقلق؟! تابعي تدريباتك أفضل لكِ"

أومأت تبتسم إبتسامة لعوب وخزت كبريائه، لا يمكن أنها إكتشفت بأن الجولة الإستطلاعية الهدف منها معرفة الرجل الذي يعجبها.

لقد كان كبريائه ينزف في هذه اللحظة...

لكن ما لا يعرفه جيمين أن كبريائه لطالما كان ينزف بالخفيّة عنه، قامته لا تساعده في النهاية، هو ظريف بشكلٍ غير محدود، مجرّد طفل جاد يبحث بين ألعابه عن هيبته وكبريائه.

حينما عاد إلى مكتبه تلقّى منها رسالة نصيّة، عدّ للعشرة قبل أن يفتحها، ويقرأ محتواها كي لا تظنّه مُتلهف لها، سهل المنال.

" حضرة المدير كيم؛ أود لو سمحت وتكرّمت أن أقابلك في التاسعة مساءً في برج نامسان، سأنتظر حتى تأتي، إن ما أتيت سينقلوني إلى المستشفى، لأنني نمتُ في مكان بارد وألتحفتُ السماء"

" ما الذي تقوله هذه المخبولة؟ أتهددني؟!"

ضحك ساخرًا من أفعالها الطفولية، وحمل سترته وخرج منذ أن ساعات دوامه إنتهت، لا ينكر أن رسالتها هذه أعادت له جزء من كرامته، نظر في ساعته بينما يقود سيارته إلى شقته، إنها السابعة.

حسنًا إذن، سيذهب إلى المنزل، يستحم ويتناول عشائه ويضيّع ساعة أو ساعتين ثم يذهب إليها في العاشرة.

هو ليس سهل المنال كما تعلم الآنسة...

وبالفعل هذا ما فعله، ضيّع وقته حتى طرقت الساعة العاشرة غادر شقته على مهل، ووصل البرج الشهير على مهل، أصبحت الحادية عشر إلا بضع دقائق.

لن يستغرب لو ما رآها، البرد شديد هنا، لا يضنها ستصمد لرؤياه، صعد يدندن بألحان تخرج خافتة بين شفتيه لكنها مُنغمة ومُزيّنة بنوتاته الخاصّة، يشعر بالبهجة بشكلٍ مُفاجئ.

صعد البرج حتى وصل المكان، إنها الحادية عشر وبضع دقائق، برم شفتيه وأقام عوده مستغربًا، ها هي تقف في منتصف هذا البرد، تنفخ في كفيها وتلف شالًا صوفيّ حول رقبتها.

إستنكر.

" ما زلتِ هنا؟"

إلتفت إليه، وسُرعان ما أخذت بحماسة تُصفق.

" أخيرًا شرّفتني بحضورك سيدي، يكاد كرمك أن يغمرني وأغرق!"

شزر إليها وغمغم فيما يقترب حتى وقف بجانبها.

" لا تُبالغي!"

كانت تسترسل بالنظر إليه، تُسبب له الحرج بأفعالها الصبيانيّة، حينها تنهد وهمس.

" على آية حال، فيما تريديني؟!"

كمشت على أصابعها ووقفت بجاوره وعلى ذات الوضعية، تستند بساعديها إلى سياج البرج وتنظر إلى السماء ذات اللآلئ، قالت.

" همممم... أردتُ أن أُحدّثكَ عن قصّتي"

لم يُعلّق، فقط لزم الصمت يأذن لها بقول ما تريده.

" حينما بدأت السنة الدراسيّة الأخيرة في الثانوية كنتُ مرتبكة جدًا، فنحن موعودن بمعلم لغة إنجليزيّة ماهر، ولكننا صراحة لا نضمن كفاءته، هكذا كنت أفكر وأصدقائي"

" أتى معلم صارم، لكنه كان ظريف، ما زالت أصابعه اللطيفة محفورة في ذاكرته، وطوله المتواضع يُلاطفني، لكنه يملك وجهًا جميل وملامح مُعبّرة، تخدم مشاعره بكفاءة ونزاهة"

" فيكون غاضب وجميل، صارم وجميل، حزين وجميل، كتوم وجميل، بارد وجميل، وهكذا..."

" بسببه شعرت بالحب لأول مرة، فلطالما كان إلتزامي خالصًا لكُتبي، لكنه أستحوذ على مساحة واسعة مني، أحببته بظرف لحظات، كان حبًا أحمق لمراهقة حمقاء نتج عنه تصرف أحمق"

" ضايقته فحرمني منه واعتزل التدريس بسببي، وبعدها اعتزلته، ودفنت حبه في قلبي عميقًا على أمل أن أجد رجلًا مثله في المستقبل يحبني وأحبه"

" لكن شاء القدر أن أسقط في طريق الرجل ذاته بعد بضع سنين، وأتسبب في عرقلته مجددًا، بسببي تخبّطت مشاعره وظنّ بي السوء فتركته، لكن هذه المرة تدخل حارس الحُب وردّني إليه؛ قائلًا أمهليه وقتًا وامنحيه فرصة"

رمقها بملامح معقوفة لا يفهم، فحللت العطب في فهمه بإبتسامة مُمتنّة.

" للرجل الذي أحبه شقيق أكبر منه، يدعى تيمين، أتى لزيارتي وقال أنك تستحقني وأنا أستحقك، فقط عليّ أن اصبر عليك"

" وااه! هذا الرجل مُدبر علاقات بالفعل!"

ضحكت جيمين لِقاء كلماته التي نفثها بسخرية، وقالت.

" عُدتُ إلى الشركة وأغظته بأنني أعود لأجل رجل آخر غيره، لوّثتُ فهمه بأنه ليس المقصود، لكنه المقصود"

نظرت إليه حينها فوجدته ينظر إليها.

" لكنني ذقت ذرعًا وما عدتُ أملك صبرًا، طلبتُ لقاءه في أقرب مكان للسماء وأسأله الآن، أتقبل بحبي؟!"

إرتبك وغاص في تردده، يريد لكنه خائف، يود لو يستقر مع الحب لكنه لا يثق به كفايّة، تفهمته رغم أنها توجعت من داخلها.

لذا كتمت زفراتها الخائبة وتبسمت بتخوف.

" أنا فتاة قابلة للخضوع لأي إختبار ثِقة وتصديق حُب"

أومأت حينما طال سكوته.

" لستُ استسلم بشأنك، أنا سأمهلك بعض الوقت لتفكر بي"

إلتفتت لتُغادر وعبرته بخطوات بطيئة، لعله جنح عن أفكاره السوداوية وضمّها، لكنه لم يفعل، أضلمت سحابة في عيناها وهطلت بصمت شِتاء هادئ.

كادت أن تعبر الباب، لكنها شعرت بيد تُقيّد مِعصمها وتجتذبها، تقتلعها من خيبتها إلى أحضان الأمل المُزهرة وحضنه الدافئ.

ضمّها إلى صدره، فتفجّرت ينابيع الخوف والخيبة في جوفها، وأخذت تبكي في كُنفه فيما تتوالى كفتيها على ضرب ما تنالانه منه.

تبسم يركن ذقنه على رأسها، ليس واثقًا مما فعل، لكنه سيشعر بخيبة شديدة وندم كبير لو تركها الآن تغادره.

غمغم على مسامعها فيما يمسح على رأسها بكفه.

" سأمنحكِ فُرصة لتثبتي حبك وولائك، لكن ابقي في بالك لو أتتني منك طعنة لن تخلف جُرحًا، ستخلف جسدًا روحه تطوف في السماء، لذا حفاظًا على حياتي أحبيني بلا حدود"

رفعت وجهها المُبتل إليه تومئ، ولفحة سعادة تغمر عينيها.

" سأفعل أي شيء يتطلبه حبك، لن أقول ثِق بي، فقط لا تمنعني عن تسلق أسوارك وإقتحام قلاعك، ستراني نِعم الملكة في قلبك"

ولأن حب جيمين له بدأ بجراءة، لم تنتظره أن يبادر، اجتذبت تلابيب قميصه وغمرته في أول بوادر الحُب، قُبلة شاركته فيها كل مشاعرها،
حب، حزن، خيبة...
حب، سعادة، ثقة، أمل، حب.

لمّا فكّت وثاقه تداعى مستنكرًا.

" لم أرى فتاة مجنونة من قبل مثلك!"

تبسّمت وأجابت تعانق عُنقه.

" لن تعرف فتاة مجنونة سواي، لأنني مجنونة بك أنت تحديدًا!"

تكرم عليه بحبها، هل هذا حقيقي؟!
هي لن تتركه مُعلّقًا بشباكها وتهرب، صحيح؟
سيموت لو حصل، وسيعيش لو ما حصل.

أنها فرصة لو نجحت سيعيش بسعادة، ولو فشلت سيموت بأكثر الطرق تعاسة.

شيء كَ "Do or Die" بالنسبة له.


.................................


في اليوم التالي؛ قد نبت لجيمين جناحيّ فرح، إذ كان يُفرّق إبتسامات ودودة على موظفينه المارين بطريقه، وتلك كانت سابقة، لم يسبق لجيمين أن تبسّم في وجه أحد قط، حتى قال أحد المتدربين بين مجموعته.

" تُرى ما بلاه؟"

تبسّمت جيمين ولزمت الصمت فيما تراه يمر، تكاد تشعر بسحابة من سعادة تُحلّق فوق رأسه، لم تكن تعلم أنها تستطيع تغير مزاجه إلى هذا الحد.

لكنه وببالغ الأسف قُص جناحيّ جيمين أول ما ولج مكتب أخيه تيمين، الذي يتولّى منصب إداري أعلى منه.

تفاجئ بوجود جونغ إن هناك، سُرعان ما إكتئبت ملامحه وطغى على صوته البرود.

" اووه! عُذرًا، ما كنتُ أدري أن لديك ضيوف، سآتي لاحقًا"

لكن تيمين أوقفه فيما يُدبر.

" جيمين، توقف مكانك ولنُنهي هذا هُنا!"

قبض جيمين على يديه، وإلتف برأسه إلى أخيه الذي يقف عاقدًا ساعديه مُتكًأ على طاولته، فيما جونغ إن يجلس على إحدى الآرائك، ويرى جيمين منه ظهره فحسب.

تجاهل جيمين كلمة أخيه وأدبر.

" جيمين، تعال إلى هنا يا رجل!"

لحق به تيمين على إستعجال، وأوقفه أخيرًا في الرُدهة حينما أمسك بذراعه، فإلتفت إليه جيمين وصاح لا يأبه بكم عين تراقب في الرُدهة، منهم جيمين فتاته.

" إن كنتَ تظن أن الصُلح معه ممكن فما أنت إلا مجنون!"

تنهد تيمين وربّت على كتف أخيه يقول.

" كُن أكثر ليونة واستمع إليه، ربما الآن لديه شيء يقوله، لا أقول أن تسامحه؛ لكن امنح نفسك الفرصة؛ لإخراج كل ما فيك من سوء بسببه، لأجلك يا جيمين، ليس لأجله، فكّر بنفسك، أنت تحتاج ذلك أيضًا."

تنهد جيمين والغيط يُصفّر في أُذنيه ألا تستمع واذهب فحسب، لكن تيمين لن يتركه وشأنه، وإن تجاهله أكثر قد يحزنه، لذا أومئ بطاعة، فارتفع شدق تيمين بإبتسامة ممنونة، وربّت على كتف جيمين؛ ليزاوله السير عودة إلى مكتبه.

ولج تيمين ممسكًا بمعصم أخيه الأصغر سِنًا، واجتذبه معه حتى أجلسه قِبالة جونغ إن، إذ زفر جيمين بغيظ شديد، وجونغ إن أخفض رأسه والعار من أخيه يأكل وجهه.

لكنه جمع شجاعته، لطالما خشيّ مواجهة جيمين، يخشى ردوده كثيرًا، لا بأس لو نهض وضربه وشتمه ولعنه، لكنه يريد أن يحصل عليه أخًا، ألا تكون الرابطة بينهم دماء فقط، أن يكونوا إخوة فعًلا.

يعلم أن مطلبه ثقيل جدًا لذا يستثقل أن يطلبه، لكنه تحدث بنبرة هادئة يحفها وجع نفسيّ وندم عميق.

" في أول ليلة دخلتُ بها السجن تذكرتُ يوم طعنتني، شعرتُ بالأسى.

ليلتها أصابني إنهيار عصبيّ، جعلني أقضي أصعب ليلة في حياتي بين الأربعة جدران الضيّقة هذه.

وذلك لأنني يومها فقط وعيتُ أن تيمين دخل السجن بسببي مرتين، يوم طعنتني، ويوم أطلقتُ النار في حفل تخرّجك من الثانوية كي أفسده.

أتذكر جيدًا حينما أخذ من يدي السلاح وقال اخرج أنت لم تفعل شيء"

" لكنني طوال السنين ما شعرت بفضله عليّ، لأنني كَننتُ لكلاكما الكُره.

لِمَ أنتما مثاليان وأنا لا؟!

لِمَ لا أستطيع أن أعيش مثلكما؟!

أردتُ أن أكون سعيدًا وأفضل منكما، لكنني فشلت"

" ذلك لأنني كنتُ أريد كل شيء لي؛ بغض النظر عن الخسائر المترتبة على مشاعر الآخرين بسبب جشعي...

نظر جونغ إن إلى جيمين وهمس.

كأوكتافيا مثلًا..."

وقف جيمين والدمع يتدفق على وجنتيه، وبعصبيّة تلقف تلابيب جونغ إن، حينها أدمع جونغ إن ونبس.

" أنا آسف...!"

أفلته جيمين فيما يدعك صدغيه، ويضحك بجنون، ويسير ذهابًا وأيابًا في المكتب؛ إلا أن عيناه حمراوتين فوفد الدموع كثيف.

" اللعنة عليك!... آسف ماذا ستفعل؟! سترد لي ماذا؟

بأي حق تتأسف وأنت قتلت زوجتك، ويتمت ابنتك، وعِثت بحياتي وحياة صديقتي خرابًا؟!"

" فقط لأنك غيور؟!... لأنك تكرهني؟!... ألا ترى مبررك هذا سخيف جدًا؟!"

مسح جونغ إن وجهه يومئ.

" أدري، سخيف وأنا سخيف، لطالما كنت بغيظ معك وغيرتي واضحة، كرهت أن تحصل على زوجة أفضل من زوجتي"

" أوكتافيا فتاة جميلة ومثقفة وراقية وغنيّة، بينما لارا يتيمة وفقيرة ولم تملك الفرصة لأن تتعلم حتى، هكذا كنتُ أقارن.

كنتُ وبكل حقارة أقول أنه لا يمكنك أن تحصل على أوكتافيا، فقط لأنها أفضل من لارا.

أنا كنتُ نذل كفاية لأخدع أوكتافيا وأوهمها بحبي، وأنا لا أحبها، فقط لا أريدها لك، لو مهما كانت الطريقة كنتُ مصممًا أن أُفسد زواجك منها!"

تقرّب منه جيمين متخصرًا بالغضب ونبس.

" ولقد أفسدته، وأفسدتَ حياتي أيضًا، لقد نجحت كل خططك السافلة، الآن ماذا تريد؟!"

رفع جونغ إن بصره لينظر في عيني أخيه الهائجتين.

" جشعي لا ينتهي، أريدكَ أخي..."

ضحك جيمين بعلو صوته فيما يحني جذعه للخلف وجونغ إن اتبع.

" أفعل ما تشاء، أفرغ غضبكَ عليّ لو هذا يُريحك، سأتحمل كل شيء في سبيل إستعادتك"

سقطت لكمة على وجه جونغ إن أرجحته خطوتين إلى الخلف، فأمسك محل اللكمة واستمع إلى أخيه الذي ينفض قبضته.

" حقًا؟ هل ستتحمل هذا؟"

أخفض جونغ إن يده وأومئ.

" نعم، أي شيء!"

ولم يدري حينها جونغ إن من أين تأتيه اللكمات، كان يضربه جيمين بجنون، وجونغ إن لا يدافع عن نفسه، بل لم يرفع يده ليحمي وجهه، فليفعل أخيه الصغير ما يشاء.

سقط جونغ إن بالنهاية أرضًا فاعتلاه جيمين وهو يصيح ويصرخ غاضبًا ساخطًا هائجًا، ولما اقترب تيمين ليفرقهما جونغ إن أخيرًا رفع يده ليصد تيمين، فليترك جيمين يخرج كل الغضب الذي فيه، هو يستحق في النهاية.

جيمين كان يضربه بجنون ويصرخ.

" فقدت عقلك أنت لتطلب السماح، تظنني سأسامحك لو ضربتك، حتى لو مُتَّ الآن لن أسامحك، أنت دمّرت حياتي، وأقوى علاقة تمسكت بها، صديقة عمري خسرتها بسببك، خسرت كل شيء بسببك، والآن تطلب السماح وكأن الذي كسرته دُمية لا شخصيتي وكياني!"

بدأ يتشتت وعي جونغ إن، حينها قصرًا تدخل تيمين ليبعد جيمين من على جونغ إن، كانت عينا تيمين قد تغرغرت بالدموع عندما صاح بوجه شقيقه.

" جيمين يكفي!"

جيمين أخذ يبكي ويجول في الغرفة فيما يدعك رأسه مُهتاجًا قلبه، وتيمين إنحنى إلى جونغ إن يتفقده.

" أنت بخير؟ دعنا نذهب إلى المستشفى!"

رفض جونغ إن بحركة ضعيفة من يده وهمس بصعوبة.

" لا، سيحضروا الشرطة لو ذهبت، سأكون بخير بعد قليل"

خرج تيمين من مكتبه، وبحث عن أحد يساعده فوجد جيمين، وهي الوحيدة التي يثق بها، ويعلم أنها لن تتحدث بالأمر، فلن يدري الإعلام.

" جيمين، احضري صندوق الإسعافات الأوليّة وتعالي فورًا!"

أومأت مرتبكة، فلقد توقعت حدوث شجار في الداخل، لكنها خائفة على جيمين.

ما إن ولجت المكتب؛ شهقت وهي ترى الأخ الثالث الذي تراه لأول مرة، أرضًا بملامح متهشمة وقميص أبيض تلوث بالدماء.

نظرت إلى جيمين بقلق، كان بخير جسديًا، وهو من تسبب بحالة أخيه هذه، كان ذلك واضحًا من إهتياجه، لا تنكر أنها شعرت بالخوف منه ويدها ارتجفت لوهلة.

داوت وجه جونغ إن بما تستطيع فعله لأجله، ثم تيمين حمله على ظهره؛ ليضعه على إحدى الآرائك الطويلة التي تستوعب طول جسده.

وفيما ينثر تيمين على جونغ إن بطانيّة قال يحدث جيمين.

" خذي جيمين من هنا واذهبي"

نظرت جيمين إليه فيما تضغط بأظافرها على راحتها، لقد بدى مُخيفًا منذ قليل.

تقدمت منه بحذر، وحينما أصبحت خلفه تنفست بعمق فيما تمتد يدها لتلمس ظهره.

بسطت يدها برقة على ظهره وهمست.

" جيمين، دعنا نخرج من هنا"

إلتفت وخرج دون أن يحدثها، بل لم ينظر إليها حتى، تبعت خُطاه إلى مكتبه، جلس على كرسيه، وأرخى ظهره يسند رأسه على وسادة الكرسي وينظر إلى السقف، حينها همس.

" خائفة مني؟"

إزدرئت جوفها، نعم خافت، لكنها لم تعد خائفة بعد الآن، ولأن جوابها تأخر ضحك بخفوت يقول.

" اذن اهربي من الآن، كي لا يكسرني هروبك لاحقًا"

نفت برأسها وتقدمت منه تقول.

" لستُ خائفة منك، فقط كنتُ مدهوشة"

حينما وقفت بجانب كرسيه همست باسمه كي تحظى بإهتمامه بدلًا من السقف، لكنها سرعان ما شهقت حينما إلتفت يده حول فخذها والأخرى حول عِضدها وجذبها لتسقط في حِجره.

تمسّكت بقميصه وكمشت عيناها، فيما هو نظر إليها أخيرًا وقال.

" ما رأيته لم يكن أسوء ما لدي، ما زلتِ تريديني؟!"

أومأت فيما تنظر في عينيه الوعرتين وهمست.

" سأريدك دومًا"

لم يصدق أنها بعد ما رأت مدى بشاعته هذه ما زالت تريده، ظنّ أن ما رأته كافيًا لتهرب منه، ما كان ليمنعها كي لا ينكسر لاحقًا ولا تكسره.

إجتذبها من عُنقها إليه، وبسط راحته الأخرى على جانب وجهها فيما ينظر إلى شفتيها الشهيتين، إقترب بتردد يريد قُبلة، فابتسمت لأنه معها خجول هكذا، نقاوته تظهر.

لكنها إنتظرته حتى إستجمع شجاعته وطبع على شِفاهها قُبلة، أغمضت عيناها وأحاطت عنقه بكفيها، لترد له القُبلة بمثيلتها، جيمين ليس سيء، إنما مرّ بتجارب سيئة فحسب.

...................

داهمها الحنين ومشاعر شتّى، يكاد الماضي أن ينشل سكينه ويزرعه في قلبها.

لطالما كان هذا المكان حُلو، شقّتها هذه عاشت أكثر لحظات حياتها سعادة فيها، وأصعب لحظة في حياتها كانت فيها أيضًا.

هنا ضحكت وبكت، بنت أحلام للسماء على أكتاف المستقبل، وهنا قررت أن تُنهي حياتها،  ما تزال تذكر يوم جلست بتلك الزاوية، وحاولت قطع علاقتها بالحياة بكل يأس.

تنهدت تمسح دموعها، التي لم تشعر بها تنزل، ثم شكّلت على شفتيها إبتسامة مزيفة حينما همست لارا بقلق.

" ماما، لِمَ تبكي؟!"

نفت أوكتافيا وانخفضت على أعقابها نحو طفلتها تقول.

" لا شيء صغيرتي، لكنني أشتقتُ لهذا المكان، لقد عشتُ هنا كثيرًا لوحدي"

أومأت لارا بتفهم، ثم إنساقت خلف والدتها، وجلست بجوارها على الأريكة، كان نظر أوكتافيا مُعلّق على النافذة.

عندما تمطر، كانت تصنع كوبي شوكولاتة ساخنة وتشارك جيمين بطانيّة واحدة، لهذه الدرجة كانوا أصدقاء.

نظرت لارا نحو النافذة وهمست.

" ماما، تبدين مخيفة وأنتِ تبتسمي للنافذة، أترين خلفها شبح؟!"

ضحكت أوكتافيا بخفة ونفت تقول.

" فقط تذكّرتُ أحدهم"

لوت حاجبيها ثم ابتسمت تنظر إلى لارا.

" بما أننا هنا، ما رأيكِ أن ندعو عمّكِ جيمين على العشاء؟!"

شهقت لارا الصغيرة واستندت بكفيها على ساقيّ والدتها لتكون منها أقرب وقالت مدهوشة.

" هل حقًا يمكنه القدوم؟!"

أومأت أوكتافيا وراحت تداعب خصلها بلطافة فيما تحمل هاتفها.

تريثت حتى أجابها، لكنها شعرت بالإرتباك لأن تتحدث والحرج، لذا أعطت الهاتف للارا كي تتحدث معه.

سرعان ما تناولت لارا الهاتف منها وهتفت منشرحة الصدر.

" عمي؛ نحن في كوريا، تعال أريد أن أراك!"

ضحك بخفة وأجابها.

" حقًا صغيرتي! سآتي إذن، أين ومتى؟!"

أشارت لها أوكتافيا بالكلام فقالت الصغيرة.

" أمي تقول أننا سننتظرك على العشاء في شِقتها التي تعرفها"

همهم جيمين وثبطت نبرته حينما قال.

" حسنًا، لا تقتربي من الطعام قبل أن آتي، بلا غُش، حسنًا؟!"

ضحكت لارا ووافقت، حينها تعذر بالعمل وأقفل الخط.

أما أوكتافيا فبالخفاء كمشت قبضتها وضربت رأسها، يا لها من حمقاء! هذه الشقة لهما بها كل الذكريات.

لكن ما حصل حصل، لذا عليها المُضي قُدمًا بأعمال المنزل، قد بعث بيكهيون على شقتها من ينظفها قبل أن تصل لذا لا تحتاج لتنظيف، وإما الطعام فوجدت المطبخ يكاد يتفجّر بشتى المكونات وبعض الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة.

ولأنها عائلة مُغرمة بالدجاج قررت أن تطهوه لأجل وجبة العشاء.

جهزت الطاولة ورتبت كل شيء، ثم جلست مع طفلتها تنتظره، حان موعد العشاء لكنه تأخر.

هو أمام مبنى العِمارة يتردد في الدخول، مضت سنين منذ أن دخلها، وذكرياته الأخيرة فيها كانت بغاية السوء، يتقدم بقدم ويتراجع بأخرى.

تنهد تنهيدة عميقة واستجمع شتاته ثم دخل، وقف أمام الباب يطرقه، لولا أنه متشوق لرؤية لارا بالواقع لتردد جدًا في المجيء، لرفض.

بصعوبة أحدهم فتح الباب من الداخل، ثم إنفرج الباب رويدًا رويدًا، ظهرت من خلف الباب فتاة صغيرة، بضّة البشرة، شعرها أسود كالليل، وعلى جسدها الصغير فستان لطيف باللون الأزرق، لون لارا المفضل.

إنها نسخة مُصغّرة عن لارا، تميل ملامح وجهها بين أبويها، لكن أوصافها العامة للارا أكثر، تبسّم جيمين والحنان دب في صدره، إنخفض على أعقابه يحملها إليه، وضمها بشوق شديد إلى صدره.

" اووه! صغيرتي، رؤيتكِ في الواقع ألذ شعور مرّ علي منذ سنين!"

رفعت لارا رأسها عن كتفه وأخذت تتلمس وجهه بكفيها الصغيرين.

" مرحبًا عمي الوسيم، أنا كيم لارا، تشرفتُ بك"

قهقه يصافح يدها التي إمتدت إليه، واحتضنها من جديد.

" طفلة لطيفة"

دخل المنزل وما زال يحملها، كانت تقف أوكتافيا قرب طاولة الطعام بحرج واضح، كانت تقف بإستقامة، تنظر للأرض وتشابك أصابعها بتوتر.

" أهلًا جيمين، مر وقت طويل"

أومئ لها فيما تبقت نُتف إبتسامة على شفتيه.

" أهلًا بك"

جلس على رأس الطاولة حيث أشارت له لارا وأجلسها على قدمه، ثم رفع سبابته قائلًا لها.

" لم تأكلي قبل وصولي، لم تغُشّي، صحيح؟!"

ضحكت لارا تنفي بيديها.

" لا عمي، لم أغش، انتظرتك لنأكل معًا"

داعب شعرها ونبس.

" فتاة جيدة"

تناول العشاء الثلاثة، ولم يدر حديث بين أوكتافيا وجيمين إطلاقًا، حتى بعد العشاء؛ قضى جيمين وقته مع لارا حتى نامت، وحينما وضعها في سريرها همّ بالمغادرة، لكن أوكتافيا أوقفته.

" جيمين، ما رأيك بكوب شوكولاتة ساخنة قبل أن تغادر؟"

وقف في محله لعدة ثوان، متردد، يود أن يذهب ولا يود في الآن ذاته.

" من فضلك لو سمحت!"

حينها إلتفت إليها وتنهد يومئ، لذا إنشرح وجهها بمعالم إبتسامة وأشارت له بالعودة.

" لارا اتعبتك، تفضل وارتاح قليلًا حتى يجهز"

مضت دقائق حتى عادت تحمل كوبين، كان ينظر عبر النافذة، تستطيع أن تعلم بأنه يسترجع الذكريات الحلوة بينهما.

تقدمت منه ووضعت الكوب أمامه، ثم جلست على الأريكة المجاورة، إرتشف من كوبه رشفة ثم نظر في الكوب وابتسم قائلًا.

" كل شيء تغير إلا طعمها"

همهمت، ثم بتردد تحدثت.

" كيف كان حالك؟!"

أومئ فيما ينظر إلى النافذة.

" فقط هكذا، بخير"

إزدرئت جوفها واستجمعت أنفاسها ثم اتبعت.

" كنتُ خائفة ألا تأتي اليوم، شكرًا لأنك أتيت"

" تعلمين أنني أحب لارا"

تنهدت تومئ.

" أعلم ذلك"

ثم بلا تدابير همست.

" آسفة"

حينها هزأ بإبتسامة يهمس.

" اليوم الجميع يعتذر"

وأخيرًا رفع نظره عن النافذة لينظر إليها، نبرته الهادئة، وعيناه التي تنعم في حالة رخاء وإسترخاء كان خلف كل ذلك نار ما زالت مُستعرة.

" على آية حال؛ بعض الأخطاء لا يمسحها إعتذار،

الخطايا لا تمسحها الإعتذارات"

وضع الكوب على الطاولة ونهض، لكنها تبعته قائلة.

" لكن الخطايا يغفرها الرب حينما يتوب الإنسان بصدق"

فإلتفت إليها ضاحكًا.

" أنا مجرد إنسان عادي"

تقربت منه تستعطفه بملامحها المُبتأسة وصوتها اللين.

" لكنني أعلم من أي طينة عُجِنت أنت، أنا أعرفك جيدًا، لا يمكن أنك تكرهني الآن، أنت فقط غاضب مني"

زفر هازئًا وطالعها بملامح مستعصية ينتشر بها الغضب.

" أوكتافيا؛ لا تتباهي بمعرفتكِ بي، جيمين الذي تعرفينه مات بي، أنتِ قتلتِه، أنا رجل ولد من جديد، أنتِ لا تعرفينه"

تمسكت بعضده تمنعه مجددًا من الرحيل، وتركت الحرية لدموعها لأن تعاضدها أمامه، فتنهد مستاءً غاضبًا، من الناس أجمعين ومن نفسه قبل الجميع.

" أرجوك اسمعني، لم أحبه عليك، لم أفضّله عليك، جونغ إن بالنسبة لي خطأ ونزوة وقعت لها في لحظة ضعف، أنا لم أحبه في ذلك الحين، ولم أهرب من زفافنا لأنني أريد، ولم أصل بيته لأنني أريد، ولم تمت لارا لأنني أريد، لا شيء تم ضمن إرادتي"

" صحيح أنني أخطأت بحقك وحق نفسي قبل الجميع، لكن أنا نِلت أقسى عقاب، أدركتُ خطأي منذ أن وقعت به وندمت عليه"

" أعلم أن لا شيء بيننا سيعود كما كان، فقط أرجوك لا تحمل بقلبك عليّ، قلبك مُرهق، وما عاد يتحمل المزيد، أستطيع أن أرى ذلك في وجهك وعينيك الجامدتين"

أبعد يدها عنه ونظر إليها.

" لستُ أكرهك ولا أحبك، لستِ عدوتي ولن تعودي صديقتي، أنتِ فقط بالنسبة لي إمرأة عادية كبقية النساء."

" لقد تجاوزت الألم الذي تسببتِ به لي منذ زمن طويل، لولا ذلك لما تحملت العيش هذه السنين، أنتِ ما عدتِ أحد أذمّه أو أمدحه، أنتِ فقط غريبة"

تنهد ثم همس.

" إن كان ما سمعتِه مني كافي فسأغادر"

أخفضت رأسها وجيمين خرج، بعض الأمور لا تتصلح لتعود بأصالة الماضي، تتصلح لتعود بنُدبات لا تتصلح.

....

في اليوم التالي؛ كانت أوكتافيا بمدرستها تشرف على مُقابلات العمل، ولم تستغرب حينما رأت سيرة جونغ إن الذاتية بين السيّر المتقدمة للوظائف.

أخرجت السيرة لتشير بها إلى مساعدها الجديد تايونغ قائلة.

" هل هذا المتقدم موجود؟!"

أومئ الشاب قائلًا.

" إنه في صالة الإنتظار منذ ساعتين"

أومأت تقول.

" أدخله إذن"

دخل جونغ إن يرتدي بدلة أنيقة، شعره مرفوع عن ناصيته ويضع نظاراته الطبيّة بأناقة، لكن الجروح في وجهه كثيرة، كدمات هنا وهناك.

سرعان ما فهمت ما أشار إليه جيمين يوم أمس، أعتذر جونغ إن إليه فأوسعه ضربًا.

" مرحبًا أنا الأستاذ كيم جونغ إن"

ضحكت بخفة ونهضت حتى جلست قبالته، ثم عقدت ساعديها ورفعت الساق فوق الأخرى تقول.

" هل تظنني سأوظفك مجددًا؟!"

حرّك كتفيه بجهل وقال.

" لستُ أدري، العمل حُجّة، أتيت لرؤيتك"

قبضت حاجبيها تقول.

" ولِمَ تراني؟"

تبسّم إبتسامة صافية وهمس.

" اشتقتُ لكِ"

تنهدت.

"جونغ إن ألاعيبك لن تجدي نفعًا معي"

" أوكتافيا، أنا لأجلكِ ولأجلي ولأجل ابنتنا أصلح حياتي، لم أخطئ ولن أخطئ، فقط فلتعطني ثقتك مرة واحدة، امتحنيني مرة واحدة بأي طريقة كانت، صدقيني سأنجح"

رفعت حاجبها ترمقه بصمت، رغم الثبات الذي يزين هيئتها إلا أنها من الداخل شديدة الإضطراب والتشتت.

تنهدت بعمق ثم نبست تمد يدها.

" اعطني هاتفك أفتشه"

......................


سلااااام♥️

هذا الفصل كلو لكمات وكدمات😂... جيمين في الواقع ببكي بالزاوية😂😂😂

طبعًا مثل ما هو واضح؛ هذا الفصل مش الأخير، لاحظت أنو في شوية أمور لازم أتم قبل ما نودع الرواية.

أنا كنت مستعجلة أخلصها لأنني زهقت، ليش زهقت؟
الفضل لكم، التفاعل مصفّر، من أكثر من عشر أيام بستنى الفصل يتحقق شرطه، لهدرجة ٢٠٠ تعليق صعبين عليكم.

بمثل هاي المرحلة كنت احط على قرّاء حاقد عاشق شرط ١٠٠٠ تعليق وكانوا يحققوه بغضون ساعات.

ما عم قول أنو ليش انتو مش زي قراء روايتي هديك، لأنكم هون عددكم أقل، بس ستل كثار، شرط خفيف مثل هذا مش قادرين تحققوه ليش مش فاهمة.

لا والأسخم لما تيجي بنت وتحطلي ألف قلب بالتعليقات، عالفاضي بمسحهم...

فرجوني انو الرواية بتهمكم، بدل التذمر بتأخير النشر الي تفاعلكم السبب فيه تفاعلوا يخي

الفصل القادم بعد 100 فوت و 200 كومنت.

التأخير بتحقيق الشرط رح يأخر الفصول ضعف الفترة.

1.رأيكم بجونغ إن؟ تقبله لغضب جيمين؟ إعتراضه لطريق أوكتافيا مجددًا؟

2.رأيكم باوكتافيا؟ اعتذارها من جيمين؟

3.رأيكم بكيم جيمين؟ غضبه المفرط؟ واندماجه أخيرا بالحب؟

4.رأيكم ببارك جيمين؟ تقبلها له رغم شخصيته المحفوفة بالمخاطر؟

5. رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️

© Mercy Ariana Park,
книга «تفاح محرم».
The End|| تُفّاح مُحرّم
Коментарі