" أزمة عاطفيّة"







" أخشى أنني لا أهتم!"

فيما تحرر هذا التحدي من شِفاه بيكهيون ودخل عِدة من رجاله بأمره؛ جيمين ببُنيانه المتواضع لن يقدر عليهم أجمعين وحده، لكنه تأهب لعِراك، لأي شيء في سبيل حفظ وعده في المقام الأول، ولو كان على حسابه الشخصيّ.

أشار بيكهيون بعينيه إلى تابعيه من الرجال؛ أن يشنّوا هجومهم على جيمين ما دام يقف مُتصديًا لهم.

نفت إيزابيلا وصاحت أن لا، كما أنها نهضت على أعقابها حينما تكاثفوا على جيمين، وما كان قادرًا وحده على صدّ الضربات، التي تأتيه من كل صوب.

إيزابيلا ركضت نحو الباب تُريد طلب الأمن، لكن بيكهيون قيّد خصرها بذراعه، وبيده الأخرى سد فمها عن الصُراخ.

حاولت التحرر من قبضته، الفرار أو حتى الصراخ لكن كل إنتفضاتها لم تمنحها حُريتها، لذا إستسلمت، وهدأت حركتها، تنظر إلى جيمين الذي أصبح أرضاً يتلقى الضرب، نظرت إليه تكتفي بالبكاء.

حركت رأسها لأعلاها؛ ليشمل نظرها وجه بيكهيون، ثم بعينيها المُكتئبة ليّنته، حرر فمها من يده فقالت.

" أرجوك لا تؤذيه، سأذهب معك، فقط اتركوه!"

جيمين أرضاً صاح بضعف بعد أن إبتعدوا الرجال عنه.

" إيزابيلا واللعنة لا! أنا لم أخض كل هذا حتى تعودي له في النهاية"

أرادت أن تنحني له، كي تواسيه، وربما تقنعه في الإستسلام إلى هنا وتخفف عنه، لكن بيكهيون منعها بقبضته على عِضدها، حينها فقط إكتفت بالإعتذار مع الكثير من الدموع.

كل ما يحدث له هو خطأها وحدها، ما كان عليها إقحامه في شؤونها سيئة المَصير، هي من تسببت له في هذه الحالة المقيتة، وهي من أودت به إلى إختبار هذا الشعور الكريه للمرة الثانية.

" أنا آسفة جداً يا جيمين، أنت لا تستحق إمرأة معطوبة مثلي، أنت تستحق فتاة يانعة تُقحم الربيع في حياتك، أنت أفضل من أن أكون أنا لك"

تناولت السيدة بيون الرضيع، وسبقتهم بالخروج مع زوجها، أما جيمين فتبسّم أرضاً ساخراً، لكم مرة عليه أن يخسر حرب على إمرأة؟! هل العطب فيه ليس فيهم؟!

رمقته إيزابيلا للمرة الأخيرة منذ أن بيكهيون يحثّها على الخروج ومرافقته، وللمرة الأخيرة أسمعته صوتها خائبًا، خاسرًا، ومُتأسِّفًا.

" اعتني بنفسك ولا تفكر بي، أنا آسفة!"

ضلّ على حاله أرضاً حتى بعد مغادرتها بصُحبته، لم يكن يدري إلى أي حد هو ضائع ومشتت الآن.

لأي درجة هو تعيس والحياة تأبى أن تَنصفه، يشعر بالظلم وبالكآبة؛ وكأن الدنيا بما رَحُبت ضاقت عليه، وكأن كل الناس تآمروا عليه.

نهض عن مَرتعه بعد تشتت مشاعره، وأزدادت تشتتاً، خرج من الغرفة بخُطى متباطئة ومتهالكة، تجاوز الممرات ثم البوابة، ثم سار بالشارع بلا أن يهتدي إلى وجهة، كان ضائع كمشاعره.

يعترف أنه لا يكنّ لإيزابيلا الحُب، لكنه وجد فيها الفرصة لحياة جديدة كما وجدت هي فيه ذات الفرصة، ولكن للمرة الثانية؛ الحياة تُسلمه دُمى من أحلام، وفي عِز لُعبته تأخذ منه دُماه وتتركه فقيراً إلا من الواقع النذل.

عاد إلى شِقته، شِقته المُتخمة بلمساتها هنا وهناك، بما أن هذا الألم خبير فيه، ألم الفقد، لا يشعر بذات الألم، ربما لأنه كان يحب أوكتافيا بكل عواطفه وقدراته على الحُب، وإيزابيلا عزّها ووَدها فحسب.

لكنه يشعر بأنه يعيش الواقع ذاته مجدداً، أحداهنّ تخلّت عنه لأجل رجل آخر مجدداً، فكّر لِوهلة؛ ألا يحق له أن يُحب؟!

أما الحُب وجد لأُناس لا يتضمنهم هو؟!

ربما هو ناقص، ربما هو لا يستحق، وربما مكتوب عليه أن يعيش وحيد طيلة شبابه.

قرر أنه من اليوم لن يُفكر بأي إمرأة، ولن يُعين أحد في مُصيبته، ولن يطلب عون أحد في أموره، فهو دوماً المُتضرر الوحيد، لذا سيكتفي بنفسه وكفى.

إنزلق جسده على الباب بعدما ولج شِقته، إتكئ بظهره عليه واتصل بالمدرسة، اعتذر عن دوام أسبوع، ورغم أن المُدير لن يكن مسرور بما سمع لكنه عفاه.

نظر في أرجاء الشقة، أنها تخنقه لأنها هنا كانت، وهناك، وبتلك الزاوية، وبتلك الرُقعة، وفي ذاك الموقف، حتى مكانه الخاص يخنقه ويخونه، لذا استعجل على نفسه الهرب من كل شيء وخرج.

سار في الشارع بصمت، دخل إلى إحدى المقاهي، نظر في لائحتهم، شوكولاتة ساخنة، تذكره بأوكتافيا، رغم أنه يحب هذا المشروب، وتشتهيه نفسه، لكنه يرفض أن يُلبي حاجته فيه.

طلب قهوة سوداء، ثم حمل كوبه وغادر، سار حتى وصل الحديقة القريبة، جلس على إحدى المقاعد واتصل بأحد معارفه العاملين في شركة أبيه.

طلب أن يبحث له عن شِقّة أُخرى غير التي يسكنها، والرجل لبّاه دون أن يستفسر، وبما أن الرجل يعمل تحت سُلطة تيمين فسيصل تيمين الخبر قريباً.

وضع هاتفه على وضع الصامت ثم أرفقه بجيبه، وأمام المشهد الأخضر أخذ يشرب القهوة دون أن يُمتعه فعل ذلك، فقط من باب المرارة؛ يزيد مرارة حياته مرارة.

نهض عائداً إلى شِقته، لكنه توقف في منتصف الطريق، عقد حاجبيه، يشعر بأحدهم يتعقّبه، تُرى من هذه المرة؟! والده ليرى كيف ابن النُخبة يعيش، أم بيكهيون ليرى إن كان يخطط لشيء ما، لكن لا؛ جيمين ما عاد يملك دافعاً ليحارب أحد، كما قال؛ سيكتفي بنفسه.

لذا تجاهل كل شيء وعاد إلى شقته، لكن له أخ من صُلب الإهتمام لن يتركه وشأنه في مِثل هذا الظرف، تيمين لم يتصل به حينما سمع بما حدث بل آتى بنفسه عليه.

فلما عاد جيمين إلى شقته وجد بعض ثيابه موضّبة في حقيبة يمسك مقبضها تيمين، جيمين مستغربًا استفسر.

" ما الذي يحدث؟! هل تشاجرت مع زوجتك ولجأت إليّ؟!"

تمسّك تيمين بذراع أخيه وحثّه على إتباعه قائلاً.

" ليس هكذا، ولكنني أختطفك من كآبتك هذه قبل أن تقضي عليك، أخاك أمر أنك ستبقى معه حتى تتعافى نفسيتك، بل حتى أزوجك وارتاح منك"

فضّ جيمين يد أخيه عنه ورمقه مُبتئسًا وقال.

" لا تذكر جنس حواء أمامي مجدداً، لا أريد أن تكون إمرأة في حياتي مجدداً"

ربّت تيمين على كتفه وأومئ بصمت، ثم إستئنف سحب أخيه معه حتى صعد في السيارة بجانبه.

" إلى أين ستأخذني؟!"

" إلى بيتي، أنه واسع وشرح، سنحظى بسهرات شبابية معاً، ستكون سعيد معنا ونكون سعداء بك أخي"

تمسّك تيمين بيد أخيه وتبسّم يحدّثه.

" لا تظن أنك لوحدك في هذه الحياة، لو الجميع تخلى عنك وتخليت عنهم، أنا لن أتركك ما دمتُ أتنفس، لذا لا تشعر بالحرج إن احتجتني"

تأثر جيمين بكلام أخيه، وبالفعل نجح بالتخفيف عنه، لكن جيمين يملك شخصية غليظة كتومة لا يفصح عن مشاعره، لذا أبعد يد أخاه عنه وسخر بإبتسامة.

" رومنسيّ للغاية!"

إكتفى تيمين بالضحك.

..............................

كانت إيزابيلا تقف في قلب قصر ذويها، تقف وتضم ابنها إلى صدرها، رأسها مُنكَس عن المواجهة وجسدها يرتجف مُقدماً.

ملّ والدها النظر إليها شزرًا دون أن يفعل شيء، أشار لإحدى العاملات المارات أن تأتيه فأتت تنتظر ما يطلب، فقال.

" خُذي الطفل إلى غرفتها واعتني به"

تمسّكت إيزابيلا بطفلها ورفضت تسليمه، وبما أن الخادمة لا تقدر أن تأخذه بالغصب وقفت فقط، لذا تقدم السيد بيون، وجرّدها طفلها بالغصب، وسلمه للعاملة، التي فوراً تحرّكت به إلى الأعلى.

ما كادت إيزابيلا أن تعترض بكلمة حتى سقطت على وجنتها صفعة مُجدداً، كادت أن تُسقطها لولا أن بيكهيون تمسّك بها، ووضعها بظهره، فيعلو صوته على عمه.

" أخبرتك أن كل ما حدث كان خطأي وليس خطأها!"

سُرعان ما شعر بالحرارة في وجنته هو الآخر، لاك فكيه يضع غضبه تحت السيطرة قبل أن يواجه عمه مجدداً، الذي أشهر بسبابته نحوهما وقال.

" كلاكما خيبتما ظني أكثر مما أقدر أن أُحصي"

تنهد بيكهيون، وإيزابيلا احتفظت برأسها منخفضاً، ويدها تحتضن وجنتها الساخنة، بينما السيد أشار إلى بيكهيون يتّهمه.

" أنت قلت أنك لا تُحبها، وزواجكما الذي قدرناه لكما سابقاً يستحيل أن يكون، قُلت أنها لا تنفع لك، ما الذي حدث لكلامك هذا فجأة؟! هل عندما تركتك إكتشفت أنك تحبها؟!"

بيكهيون أخفض رأسه، أغمض عينيه في أستياء وتنهد، لكنه فضّل مُلازمة الصمت في مِثل هذا الموقف.

أما السيد فتلى ذلك أنه إتهم ابنته قائلاً.

" وأنتِ، ألستِ من إنفصل عنه وطلبت الرحيل للإختلاء بنفسك وتجاوزه؟ هل طلبت الرحيل لتذهبي إليه؟!"

إكتفت إيزابيلا بالبكاء ولم تدافع عن نفسها، لأنها تدرك بأن الأمر برمته خطأها هي، ووالدها اتبع.

" لماذا عندما إتصل بكِ ركضتِ إليه؟ لِمَ لم تقولي أنه إعتدى عليكِ وهو مخمور؟!"

ارتفع رأس إيزابيلا وشهقت، منذ أن الذي يقوله والدها ليست الرواية الصحيحة، لكن بيكهيون شدد على يدها، كي لا تنفي ما سمعت وتلتزم الصمت ففعلت.

أشار السيد ناحيتهما، ثم قال بصرامة لا تُقبل من بعدها نِقاش.

" أنتما، ستتزوجان ردئًا للفضيحة، سواء أحببتم ذلك أم لا، ما عادت مشاعركم ورغباتكم بعد هذه المُصيبة تهم"

إيزابيلا اتعرضت.

" لكن أبي أنا لا أُ...!"

أشار لها بالصمت يقطع حديثها وقال.

" لستُ أطلب رأيكِ في هذا الأمر بعد الآن، أحببتِ أم كرهتِ ستتزوجينه، لستُ في مَحمل لتحمل فضيحة، وتلطيخ اسم عائلتنا بمثل هذه الفِعلة المُشينة"

بَكت إيزابيلا رفضاً، وأرادت أن تعترض أكثر، لولا أن أبيها صرخ فيها.

" اصعدي إلى غرفتك ولا تجعليني أرى وجهك!"

وما كان بيدها إلا أن تُطيع كلمة والدها وتصعد، تلقف بيكهيون أثرها بعينيه حتى إختفت، نظر إلى عمّه وقال.

" أريد أن أتحدث معها، لربما يعود الحُب وترضى بي"

تهكّم السيد ساخراً وقال.

" أسترضى برجل إغتصبها؟!"

لزم بيكهيون الصمت فيما عمه تنهد، ثم سمح له بإشارة.

" اذهب، اسمح لك بمُلاقاتها في كل حين، لكن لا تظن أنني أفعل هذا لأجلك، إنما لأجلها، لم أنسى أنك إتهمتها برجل أمريكي، وألقيتَها عليّ قائلًا أنها باغية"

لم يُبَرر بيكهيون أيًا مما أُتهِمَ فيه، فقط تولّى السُلَّم إلى الطابق العُلوي حيث تكون غرفتها الخاصة.

كان يسمع صوت بُكاءها من خارج الغُرفة، لذا تردد في طرق الباب في البداية، لكنه لا يستطيع تفويت الفرصة التي مُنِحَت له، هو لا يُخطط أن يكون سيء معها أكثر.

زمّ شجاعته وطرق الباب، لكنها لم تأذن له، وهذا ما منعه من الدخول إليها، وجدها تتراكم على جسدها وبحضنها طفلها، كذا طفله.

تقرّب منها بخطوات هادئة، لَحِظَته فرفعت رأسها إليه، وضمّت صغيرها على صدرها.

" منذ أنك حققت ما تبتغيه وانتهت الحكاية إلى هذا الحد، لِمَ تأتي؟!"

جلس على الطرف السرير لكن بعيدًا عنها ثم قال.

" لأن الحكاية لم تنتهي إلى هذا الحد"

عقدت حاجبيها فتنهد واتبع.

" أنا أحاول أن تكون لي فرصة ثانية معكِ، لِمَ لا تمنحيني فُرصة؟!"

كادت أن تتكلم لوما أشهر بسبابته وأسكتها.

" لا تقولي أنكِ ما عُدتِ تُحبيني، لن أصدق مثل هذه الكذبة، أيضاً لا تقولي أنكِ تُحبي جيمين، لو أنكِ فعلًا أحببتِه لتمسكتِ به أكثر"

قبضت إيزابيلا بقواطعها على شِفتها ثم قالت.

" لأنني تخلصتُ من مشاعري اتجاهك، أظننتَ أنني موهت نفسي أمامك لأجل نيل تلك الليلة كما ظننت؟!"

نفت برأسها واتبعت.

" لا، السبب أنني أردت معرفة ما ينقصني لأكون فتاتك، لكنني خرجتُ بشيء آخر، بالتخلي عنك."

" لأنني أنا لا ينقصني شيء، أنت الناقص، مثلك الذين يَرون أنفسهم فوق الناس، لمجرد أنهم ولدوا بملعقة ذهب في فاههم، هم ناقصين، رغم أنني ولدتُ مثلك، ترييتُ مثلك، ولي ما لك، لكنك كنتَ تبحث عن إمراة أفضل مني لك، ليس ما أدّعيت أو ربما أوهمت نفسك به، حُب مُتبادل ومشاعر صادقة"

قدّم بيكهيون يديه بغية أن يمسك بيديها، لكنها فرّت منه، حينها قال.

" ربما ما قُلتِه صحيح، لكنني كنتُ أبحث عن إمراة أُحبها، ما كنتُ أُقدّر النعمة التي بين يديّ بما أنني لا أراها، بحثتُ عن أخرى وأنتِ معي"

" أعجبتني بيول، لولا ذلك لما عرضتُ عليها نفسي، لم أفعل هذا لأتخلص منها، بل لأختبر نفسي، أكانت مشاعري مجرد نزوة أم أنها صادقة"

" لكنكِ من أدبرتِ وهربتِ مني، أنتِ لم تمنحيني الفرصة كاملة، ولم تمنحيني حقي في الشرح، أعترف أنني أخطأتُ بحقكِ كثيراً، حتى هذه اللحظة أنا مُخطئ بحقك، لكن أعدكِ أنني سأعوضك، فقط اعطني فرصة"

مسحت إيزابيلا دموعها وتهكّمت.

" أعطيكَ فرصة؟! أبي أعطاك أياي دون أن يأذن مني حتى"

نفى بيكهيون برأسه وتقدم منها ليمسك بيدها هذه المرة وافلح.

" لا يا بيلا، أنا أريدك أن ترضي بعلاقتنا، أن تفكري على الأقل وتُمهليني فرصة"

أفلتت يدها منه واستطردت.

" ما الرواية التي قُلتها لأبي عنا؟!"

إبتلع غصّته منذ أنها لا تستجيب لإلحاله وأجاب.

" ببساطة جنّبتُكِ الذنب على قدر إستطاعتي"

" وكيف ذلك؟!"

" أخبرته أنني لاقيتُك قبل أن تُسافري، أخبرته أنني إتصلتُ بك من شِقتي الخاصة، وطلبتُ حضورك فأتيتِ، وأنني تحت تأثير الخمر إعتديتُ عليكِ، لذا لم أتذكر لاحقاً أنني من جعلتكِ حاملًا"

أومأت وقد كسى وجهها الخجل، حينها بيكهيون مدّ يديه ناحية الطفل يُطالب فيه، فلبّت ووضعته على ذراعيه.

حمله بيكهيون وقرّبه من وجهه، إنه صغير جداً، خفيف، وأي حركة قد تؤذيه، لذا إحتضنه برفق وتمعّن في وجهه الصغير، يشعر بالإنتماء لهذا الطفل، وأنه ينتمي إليه.

إنخفض برأسه يقبل ما بين عينيه ثم همس.

" ماذا أسميّتِه؟"

أجابت وهي تنظر في ملامحه، تنظر إلى أي أحد سيمتعض.

" جيمين، فهو الذي حماه من الهلاك"

إكتفى بيكهيون بإيمائة ثم سلمه أياها قائلاً.

" ليس لدي مشكلة، يبقى جيمين ذا فضلٍ علينا"

وعلى سيرة جيمين؛ إمتعض قلب إيزابيلا، فلا تدري حاله الآن، هل هو بخير؟! هل تعافى مما حدث؟! أيتوجع؟!

لكن الوقت ما زال باكراً لأن تُهوّد عليه، كلامها معه في هذا الحين لن يزيد الموقف بينهما سوى حرجًا، لذا دفعًا للحرج؛ سكتت وقررت أن تنتظر أن يَمُر المستقبل بها ويُسيّر لها طريقها.

بيكهيون نهض على أعقابه ثم قال.

" على الأرجح ستبدأ تحضيرات الزفاف سريعًا، وسأراكِ كثيرًا قبل أن تكوني معي في منزلي، الآن سأذهب وأُسجل جيمين باسمي، فهو بيون جيمين وليس من حقنا أن نجرّده من اسمه، أنه ابني لذا سيحمل اسمي، هذا حقه، فلا تفكري بالأمر مليًّا"

ظنّ أنها قد تعترض، تنفر، أو تقول شيئًا، لكنها لزمت الصمت علامة موافقة، وهو ذهب ليسجل طفله باسمه، وليحل هذه الفوضى الآن.

........................

في سيؤل، وتحديداً في إحدى مُستشفيات الصِحّة النفسيّة والأمراض العقلية؛ حيث يكون المريض رقم 1520 يمكُث لتلقي العلاج.

شُخِّص جونغ إن بإضطراب الإدمان نحو الكحول والكوكائين، كما شُخِّص بإضطراب الدونيّة أو كما هو مُتعارف عليه بعُقدة النَقص.

الطبيب المسؤول عن حالة جونغ إن هو طبيب شاب ثلاثيني يُدعى لي دونغهي، هو طبيب مُحترف في مجاله، واستوصته المستشفى بأن يعطي عناية خاصّة لجونغ إن وصديقه اوه سيهون.

دخل الطبيب إلى حُجرة المريض 1520، كان يحمل على ذراعه ملف المريض تتبعه مُمرضة للنظر في حالة المريض هنا.

جونغ إن كان شاخصٌ بَصره إلى السقف، معصماه مُقيدان إلى السرير بأصفاد حديديّة كذا قدميه.

ما كان يقدر أن يتحرك إلا بصعوبة شديدة، عيناه متورّمة لكثرة ما بَكى، تملئ وجهه هالات سوداء، حول عينيه وحول فمه، جسده مُنهك ولا يحمل قوّة مِقدار ذرّة، فقط صوته يخرج بصعوبة.

إقترب الطبيب يفحص مؤشراته الحيوية، ثم سأله.

" بماذا تشعر؟!"

فتح فمه وبصعوبة لملم حروفه في جوف فمه.

" جسدي ينهشني، أشعر بآلام شديدة"

أومئ الطبيب، ثم حَقن كيس المحلول فوق رأسه ثم قال.

" لا تقلق، ستكون بخير قريباً، لقد وضعتُ لك جُرعة مُخففة ستجعلك تشعر بالراحة وتنام، لكنك لن تنتشي، أنت تُريد أن تتعالج، أليس كذلك؟!"

أومئ جونغ إن للطبيب فابتسم وربّت على كتفه يقول.

" إذن حارب بقوة، ستكون بخير، وإن تأكدت أنك لن تؤذي نفسك والآخرين؛ سأحرر قيدك وأتركك حُر في مساحتك الخاصّة هُنا."

أومئ جونغ إن، ثم الطبيب خرج يدوّن ملاحظاته، بأن المريض رقم 1520 في طور التقدم في العلاج.

تحرك الطبيب إلى غرفة المريض الذي يجاوره، وهو مريض ليس في حالة أفضل من كاي، المريض 1521 مُدمن للمواد الكحوليّة والمُخدِّرات.

دخل إليه الطبيب، كان المريض اوه سيهون مُكبّل إلى السرير أيضاً، عيناه مُهلَّلة بالسواد، وجهه كاتم لونه، وجسده ضعيف جداً.

تفحّص الطبيب مؤشراته الحيويّة، ثم حقن له المحلول، وإلتفت يغادر دون أن يُدلي بشيء، لكن صوت سيهون الذي خرج ضعيفًا، مبحوحًا إستوقفه.

" يا لبشاعة حظي الذي جعلني مريضًا لديك!"

إلتفت الطبيب إليه وقال.

" بغض النظر عن سوء حظك، أنتَ يجب أن تتعافى، ولوما أتيت بالحُسنى سأُمارس عليك دور الطبيب المخبول وأرغمك على الشفاء يا سيهون"

ودّ سيهون أن يضحك مِلئ جوفه، لكنه ما إستطاع في مِثل هذه الحالة السقيمة التي هو عالق فيها.

" لا تَدّعي الإهتمام، وكأنني سأُصدقك!"

الطبيب لي قال قبل أن يغادر.

" أنت مُذُّ خُلِقت وأنا مُهتم بشأنك، أنت فقط لا تريد أن ترى"

خرج الطبيب لي من عِند مريضه الآخر، وخرج ليكتُب تقريره عن مرضاه الذي تحت طائلة مسؤوليته.

المريض رقم 1520 كيم جونغ إن في طور التقدم في العلاج.

المريض رقم 1521 اوه سيهون لا يُحرز تَقدُّمًا في عِلاجه.

....................................

في الصين؛ تحديداً في بكّين، هُناك تكون مُستشفى الطبيب زانغ التي ورثها من أسلافه، فهو من عائلة أطباء، أمه طبيبة أعصاب، وأبوه طبيب قلب.

وإما يشينغ فهو طبيب أطفال، من عائلته لم يخرج أحد عن دائرة الطِب سوى تؤامه لاي، الذي أراد دراسة التصميم في الولايات المتحدة، درسها بالفعل، لكنه لم يعمل في مجاله أو في أي مجال آخر، فقط كان عاطلًا يُمثل عالة على عائلته.

وعلى سيرته -لاي-؛ فهو يتلقى العلاج المناسب في المصحّة النفسيّة التابعة لإدارة مستشفى يشينغ، هكذا يكون تحت رقابته أثناء العلاج ويعلم بمُستجدات حوادثه.

أما في الشؤون الأُخرى، وعلى رأسها أوكتافيا، فلقد إستأجر لها الشِقة التي تجاور شِقته مُذُّ أنها فارغة منذ زمن.

إنتقلت أوكتافيا إليها، وكانت أول مشاغلها لتأسيس نفسها من جديد هو العناية بحال لارا الصغيرة، إذ في ليلة وصولهما بكّين حجزت للصغيرة موعداً في المُستشفى واليوم هي تجري للصغيرة الفحوصات اللازمة قبل أن تخضع للعملية.

إتصل بها يشينغ بينما هي في كفتيريا المُستشفى تنتظر النتائج، أعلمته عن مكانها ثم انتظرته أن يأتي.

رفعت يدها تُشير لها عن مكانها، تبسّم بتلك الجاذبية التي يحملها في مَبسمه، ثم آتاها يرتدي ثوب الأطباء الأبيض، أسفله قميص أسود مفتوح مقدمة أزراره، فتدلى القلادة الفضيّة التي يضعها في عنقه، وبنطال جينز أزرق، يرفع شعره الأسود عن جبهته، ويضع في معصمه ساعته المُفضّلة، كما دوماً؛ يكون في كامل أناقته وجاذبيته.

جلس قِبالتها ثم داعب بسبابته وجنة لارا التي تجلس في حضن أوكتافيا، حينها نظر إلى أمها.

" أخبروني أن نتائج الفحوصات ستخرج بعد قليل، سأستلمها أنا وأقرر موعد العملية المُناسب لأجلها"

أومأت أوكتافيا، حينها ورد الطبيب زانغ إتصالًا تحرّك لإجابته سريعًا.

" قادم"

أغلق الخط ونهض يقول.

" خرجت النتائج، سأراها وأعود لكِ"

" سأنتظركَ هُنا"

غادر الطبيب سريعًا وضلّت أوكتافيا في إنتظاره بالكفتيريا، أثناء غيابه كانت تفكر، هو يتعب معها وتشعر بنفسها تستغله، بسبب مشاعره.

تشعر بالأستياء الشديد مِما تفعله به، تنهدت أوكتافيا بينما تُهدهد على لارا التي تكاد تنام على يدها.

تود لو تتحدث معه وتحسم موقفها معه، لكنها بنفسها لا تدري ما موقفها، إنها لا تُحبه كما تُحب المرأة الرجل، بل تُحبه بمعانٍ أُخرى، كصديق، أخ، رفيق مَعضِلة، مُنقذ، رجلٌ تَمتنّ له في حياتها.

لكنها لا تريد أن تخسره لو أخبرته بحقيقة ما تكنّه له، تخشى خسارته، تدري أن هذا تصرفًا أنانيًّا منها، لكنها لا تستطيع أن تخسره، ليس لأنها بحاجته، بل لأنها تعزّه كمعزّتها لجيمين.

لطالما خَشت أن تضعه في مُقارنة مع جيمين، مع ما تكنّه له لِما تكنّه لجيمين، لكنها لن تسمح أن يكون لها مع يشينغ ذات المَصير الذي تشاركته مع جيمين.

هي الآن واعية أكثر ومُكتفية بكمّ المصائب التي أصابتها، كما أنها غير قابلة للحب، ببساطة لا تريد رجلاً في حياتها.

آتى يشينغ أخيراً يحمل معه أوراق، قدّمها لها وأشار لها قائلاً.

" وقّعي هنا، سأقوم بإدخالها المستشفى الليلة، غداً ستكون العمليّة"

وقعت أوكتافيا على الأوراق وقالت.

" ظننتُ أن العملية ستكون بعد عدة أيام، أنا لستُ جاهزة للبقاء في المستشفى بعد"

نفى الطبيب وقال.

" لا تقلقي بهذا الشأن، أنتِ لن تبيتي عندها، سأبقى أنا مُنذ أنها مناوبتي بالفعل، أنتِ عودي إلى المنزل"

شعرت بالحرج أمام فضله عليها وقالت.

" لا يصح ما تقول، لقد قُمت بالكثير، أشعر بالسوء حيال ذلك"

نفى برأسه وبانت على شفتيه إبتسامة، ثم أوكتافيا إرتبكت حينما أمسك يدها من فوق الطاولة وقال.

" ليس عليكِ أن تقلقي بشأني، لارا عزيزة عليّ كما أُمها، وستعنيني منذ أنني شهدتُ نشأتها، ليس شيئًا تشعرين بالسوء حياله."

إزدرئت جوفها تنظر إلى أيديهما التي تتعانق، ثم نظرت إليه وبعد تردد أباحت.

" أود أن أتحدث معك بشأننا"

شدّ على يدها وقال.

" ليس الآن يا أوكتافيا، فلنُعالج لارا أولاً ثم سنتحدث بكل الشؤون"

تنهدت، لكنها إستسلمت لرغبته في تقويم الأمور، لذا أومأت ولزمت الصمت، بينما هو تحلّى بوجه لطيف، وأخذ يداعب لارا التي إستفاقت على صوته.

....

وقد حان الوقت، في هذه الساعة الحاسمة، تقف أوكتافيا خلف قِسم غُرف العمليات بإنتظار خبرٍ يسرها، أقله؛ أن فلذّة كبدها بخير، وتنام كملاك كيوبد صغير براحة.

كانت وحيدة في مثل هذه الساعة التي تتطلب حشداً من التعاضد والمواساة، كانت تجلس وحدها على كراسي الإنتظار وتنتظر والوقت لا يَمُر.

كيف أن العُمر يركض وهذه الأوقات منه يُصيبها الشلل، فلا تمضي ويأتي أوقات غيرها، أكثر إشراقًا تَبُثَّ فيها الأمل.

كانت تجلس مُكتئبة تنتظر خبرًا يُسعف قلبها المُرهق من القلق.

وبينما هي في إحدى محطات الزمن المُتعطلة شعرت بهاتفها يرتجّ في جُب جيبها، أخرجته وإذ به جيمين يتصل، فورًا أجابته، رغم أنها المرة الأولى التي يتصل بها، ووحده هو وتيمين يعرفان رقمها الجديد هذا.

هي إجابته بلا إحتساب لما كان ولما سيكون، في أُم هذه اللحظة إحتاجت شريكًا يواسيها، لا الوحدة التي تخنقها.

" مرحبًا... جيمين؟!"

همهم ثم بهدوء قال.

" انتظرتُ أن تبعثي لي صورة صباحية للارا، لكنكِ لم تفعلي وقلقت"

" تعلم أن اليوم موعد عمليتها، وأنا وصلت المستشفى متأخرة، كانوا قد أخذوها ليقوموا بالأمور اللازمة لأجلها قبل العملية"

صمت يتحسس سكون حروفها، وما تحمله من قلق وكأنه يحسّ عنها بالمعاناة، يشاطرها أياها.

" ستكون بخير، تلك الطفلة حديديّة، أقوى من كل الظروف!"

وحينذاك سمع جيمين شهقة تفلتت من فاه أوكتافيا تَعسُّفًا، فما ودت إلا صَقل هزّاتها النفسيّة بالدموع، و تفريق تأزُّم المشاعر في صدرها.

ولأن جيمين يعرفها، فهذه صديقة السنين، تركها تبكي واستمع إلى نوتاتها النقيّة، حينما سيطرت على إنفلاتاتها العاطفيّة تعذّرت.

" آسفة لأنني أزعجتُك ببكائي، وشكرًا لك؛ لأنني كنت بحاجة لأُسمع أحدهم بكائي، سأرسل لك صورة لها فورما أراها، وداعاً"

لم تفتصل بين جُملها المُتعاضدة لتعطيه مجالًا للتحدث، فأنها تخشى أن يتحدث وتجرحها كلماته.

أغلقت الهاتف وأعادته إلى جيبها، كانت تنتقي من هدوءها أحسنه، وتتحزم به في ظِل أزمتها هذه.

بعد إنتظار قضى على نحبه دهر أصابه الهرم بالنسبة لأوكتافيا خرج الطبيب زانغ إليها، تقدمت منه سريعاً و تمسّكت بمأزره كما لو أنها تستنجده.

" اخبرني أرجوك، ما حال ابنتي؟!"

راحته ربتت على شعرها ثم قال ببشاشة.

" إنها بخير، سنقرر صلاح العملية من فسادها حينما نركب لها السماعة الخارجية، الآن سننقلها إلى غرفتها الخاصّة وسيكون بإمكانكِ رؤيتها"

أومأت تنفصل عنه بخطوات أكثر بينما تُخفي معالم وجهها بيدها، ثم أخذت تبكي لأنها سعيدة، فابنتها للمرة الثالثة تغلب الموت وتنجو.

فخورة هي بهذه الطفلة، ومنها ستصنع قدوة لنفسها قبل الجميع، سترعاها بعينيها، لأنها ليست مجرد طفلة، إنما روح مُحاربة ومقاتلة، شجاعة أبيّة في جسد طفلة لم تتعلم الحبو بعد.

إقترب الطبيب زانغ من المرأة المنهمكة بإنهاك نفسها، جذبها من كتفيها، وودّها بعِناق ليخفف عنها، كانت كطائر تعوَّد الحرية وتكسّرت أجنحته، أو كملكة أبيّة أحتل عرشها مُعتدٍ، شيئًا من هذه العظمة وهذه الهزيمة.

وأوكتافيا بكت على كتفه حتى استرجعت حواسها، وأدركت أنها تبكي على كتفه، إبتعدت عنه برفق وطفقت تمسح دموعها.

" شكرًا لأنكَ تعتني بابنتي وتعتني بي، أنت أنقذتني كثيراً"

نفى يشينغ بكفيه وقال.

" ألسنا متعاضدان؟! ليس بيننا شُكر أو إعتذار"

إبتسامته النقيّة وغمّازته اللامعة منعتها من أن تَرد في شيء، نعم، هما متعاضدان، ولكن ليس بالطريقة التي يريدها هو.

" الآن اذهبي وانتظريها في غُرفتها، سننقُلها إلى هناك بعد قليل"

أومأت أوكتافيا ثم سارت برفقته إلى غرفة ابنتها، جلست على الأريكة وعاضدت كفّاها على صدغيها، رأى كم هي مُنهكة فأتى ليجلس بجانبها وقال.

" أوكتافيا، أنتِ بخير؟!"

تنهدت ورفعت رأسها تقول.

" عندما أراها تعيش كبقية الأطفال، تلعب وتضحك وتلهو، تفسد ثيابها وتزعجني طيلة الوقت، سأكون فقط حينها بخير"

تبسّم الطبيب بيد أنه ما عاد يتفاجئ قوة عاطفتها.

" في البداية؛ كان يصدمني تشبثك بابنة زوجك، الآن ما عادت هذا الشيء يصدمني، أنتِ أُم لم تَلِد، معنى عميق للأمومة"

نظرت إليه أوكتافيا.

" هي مصدر قوّة لي، وأنتَ أيضاً"

بعد ذاك، دخل سرير صغير يحمل في ربوعه جسدًا ضئيل، حينها نهضت اوكتافيا على أعقابها سريعاً، لتنظر إلى إبنة قلبها.

كانت صغيرة جداً على هذه اللُفافة التي تلف رأسها، بدت ضعيفة وهزيلة، نائمة وتتنفس بيُسر.

تشوشت رؤيا أوكتافيا بينما تنظر لها، أمسكت بيدها الصغيرة بين أصابعها ورفعتها لتُقبلها، ثم بين دموع صامتة قالت.

" شكرًا لأنكِ عُدتِ ولم تتخلي عني، شكرًا لأنكِ قويّة"

...........................

وفي منزل تيمين فالحكايات تختلف، بعد أن أصرّ تيمين على شقيقه الصغير أن يخرج من قوقعته ويلتحق إلى البَهجة القائمة في بيته، تحسَّنت نفسية جيمين سريعاً وتقريبًا تعافى.

إكتشف خلال الوقت الذي يُقدّر بأسبوع أن إيزابيلا بالنسبة له ليست كأوكتافيا، لن يُحارب لإستردادها، ربما لأنه تعلم الدرس أخيرًا أو لأنه ملّ أن يُحارب.

رغم أن بهجة العائلة الصغيرة تحفّه من كل الجوانب إلا أنه لم يكن مُبتهجًا مثلهم، ولكن على الأقل روّح عن نفسه، وقرر أن يسترد عمله ويعود إلى دوامه في المدرسة.

وفي هذا الموضوع؛ هو في نقاش حامي الوطيس مع أخيه تيمين، فتيمين يرى الأمر من منظور آخر، بينما هما في حديقة المنزل يشربان مشروب بارد يخفف عنهما حر الصيف، وجونغهيون في الجوار يلعب.

" أخي، أخبرتك أنني سأتدبر نفسي"

تنهد تيمين، فمهما تحدث معه لا يقتنع.

" لا علاقة لكبريائك بعملك ودخلك الماديّ، وظيفة المعلم لا تَدُر عليك المال الكافي ليجعلك تؤمن مستقبلك عبرها، أنا أخبرك أن تلتحق في العمل بالشركة، هذا سيدرّ عليك دخلًا أفضل، وستعيش بالرفاهية التي إعتدت عليها، أفي كلامي خطب؟!"

رمق جيمين أخيه بإنزعاج وقال.

" كل ما في كلامك لا يروقني، أنا أحب مهنتي ومُقتنع ومُكتفي بما تدرّ علي من مال، وعن أي مستقبل تتحدث؟! لن أرتبط بإمرأة مجددًا، جربت حظّي مرتين وبكليهما فشلت، لقد إستنزفت قواي في هذا الشأن"

تبسّم تيمين ثم إمتدت يده ليُربت على كتف جيمين وقال.

" أنا مُتأكد بأن فتاة ما ستدخل قلبك ولن تخرج، أنت فقط أخطأت الأختيار في المرّتين السابقتين، هذه المرة أرجو أن تختارك هي لا أن تختارها أنت"

الكلام صُبَّ في أُذنه اليُمنى لينسكب من اليُسرى، إمرأة في حياته مرة ثانية أمر يدعو للسخرية.

" ما رأيك أن تلتحق بالشركة بعد ساعات عملك كمعلم إذٍا؟!"

نهض جيمين على أعقابه يهرب من أخيه اللحوح.

" أخبرتك أن لا، لا تحاول إقناعي"

سار جيمين عودة إلى المطبخ فيما تيمين بقيّ في مكانه يفكر بحيلة ليُمارسها على أخيه ويجعله يخضع لأمره.

جيمين قرر أن يهرب من أخيه اللحوح ويلجئ لزوجته اللطيفة، التي تكون في مثل هذا الوقت قد بدأت في تحضير وجبة العشاء.

دخل إلى المطبخ فوجدها تقف لغسل الخضروات، إقترب منها وقال.

" دعيني أساعدك"

رمقته نايون وقد حلّقا حاجبيها.

" أتجيد فعل شيء في المطبخ؟!"

تَبسّم جيمين بينما يرفع كُمّيه.

" أنا ماهرٌ جدًا بهذا الشأن، لا ينقصني شيء في هذا المجال"

ذُهِلَت نايون وقدمت له الخضروات تقول.

" إذن، هل تقطعها من أجلي؟!"

أخذه عنها وانحنى بقامته قليلًا يقول.

" yes Maam"

قهقت بخفّة بيد أن روحه المَرِحة بدأ يستردها.

" شكرًا لك جيمين!"

جلس على الطاولة في المطبخ وأخذ يقطع الخضراوات كمُحترف، وهذا ما أذهلّ نايون.

" اووه! أنت فعلًا ماهر!"

قهقه بخفّة وعاد لتقطيع الخضروات بينما نايون تعد طبقًا آخر، لكنها فجأة شعرت بالدوار، ولأنها قريبة من مِقلاة الزيت صرخت، بيد أن بصرها تشوش وما عادت تدرك أين تحط قدمها.

" جيمين ساعدني!"

نهض جيمين مسرعًا إليها، ولإنقاذها من الموقف الخطير ما شعر بنفسه إلا وهو يحملها من خصرها ويبعدها عن النار، لكنها سقطت بين يديه.

رأسها أصبح على كتفه وقد فقدت وعيها، حينها جيمين صاح بينما يُربت على وجنتيها.

" نايون، ما بكِ؟!"

آتى تيمين مُسرعًا على صوت الضجيج، وحينما وجدها أرضاً بين ذراعيّ أخيه جثى بجانبها ورفعها ليضعها على صدره.

" ما الذي حدث؟! ما بها؟!"

جيمين بإرتباك أجابه.

" كانت تقف لتحضير الوجبة ثم فجأة صرخت وفقدت توازنها هكذا!"

أتى جونغهيون الصغير يصرخ.

" أمي أمي!"

جذب تيمين طفله من ذراعه وقال.

" لا تخاف، ستكون بخير، سآخذها إلى المُستشفى، وأنت إبقى هنا مع عمك جيمين، حسناً؟!"

أومئ الطفل بينما يمسح دموعه وجيمين إعترض.

" دعني اذهب معكم!"

رفض تيمين وقال.

" سأكون شاكرًا أكثر لو هدأت روع طفلي، سأخبرك بما يحدث معي" 

أومئ جيمين ثم ساعد أخيه في نقل زوجته إلى السيارة والذهاب، ثم عاد إلى قعر المنزل فوجد ابن أخيه يجلس أرضاً ويبكي.

تقدم جيمين منه و رفعه على ذراعه.

" لا تخاف على أمك، على الأرجح أن ضغط دمها هبط، الأمر لا يستدعي دموعك"

لفّ الطفل بذراعيه كتفيّ عمه وخبئ وجهه في عنقه يقول.

" أمي ستكون بخير، صحيح؟!"

همهم.

" نعم، لذا دعنا نحضّر الطعام ونوضب المطبخ قبل أن تعود، حسنًا؟!"

ما إن إنتهيا حتى اصطحب جيمين الطفل خارجًا بيد أن الطفل ما زال في مزاجٍ كئيب ولا يفكر سوى بأمه، لذا قرر جيمين الترويح عنه.

كانت الشمس قد غَرُبَت بالفعل، لكن المدينة محفوفة بالناس، نزل به إلى الحديقة التي تخص الحي السكنيّ.

إشترى له المُثلجات ثم جلس به إلى إحدى المقاعد في الحديقة وراوده إحساس بأن أحد ما يراقبه من جديد، تلفّت هنا وهناك وما وجد أحد.

لكن جيمين حينما نظر ناحية جونغهيون لَحِظ كاميرا تصوره من خلف إحدى الأشجار في هذا الإتجاه يحملها رجل يضع قُبّعة.

وجيمين لم يعلم كيف يتصرف بما أن جونغهيون معه، ولا يستطيع أن يتركه ويُلاحق الرجل.

هو بالتأكيد سوف يمسك بهذا الرجل في المستقبل القريب، ويعلم من بعثه إليه.

عاد بجونغهيون إلى المنزل وخلال ذلك إتصل بتيمين يستعلم عمّا حدث معه، فيتطمأن ويُطمئن الطفل.

" اخبرني، ما حال نايون؟! هل هي بخير؟!"

" هي بخير، لقد إنخفض ضغط دمها فحسب، نحن عائدين إلى المنزل الآن"

أغلق جيمين المكالمة ثم انخفض ليجلس القرفصاء أمام جونغهيون، أمسك بيديه ومسح دموعه التي لا تنفك تنساب.

" أمك بخير، ما إن نصل ستكون هناك، لذا توقف عن البكاء وهيا بنا إليها أيها البطل"

استشرت ملامح الطفل الفرحة ثم جرى مُسرعاً إلى المنزل، ضحك جيمين بينما يتبعه بخطوات هادئة إلى الداخل.

ما إن دخل جونغهيون حتى ركض إلى حضن أمه التي أجبرها تيمين أن تتمدد على الأريكة، وأخذ يبكي يسند رأسه على بطنها.

أخذت نايون تمسح على رأسه وتواسيه.

" أنا بخير عزيزي، فقط كنتُ مُتعبة"

إحتضنت ابنها حتى هدأ، ثم نظرت إلى تيمين وقالت.

" يبدو أنك متعب، اذهب واستحم، سأكون بخير وها جيمين معي، لا تقلق"

تبسّمت في وجهه عندما رمقها بنظرات قلقة، ثم تحسست وجنته القريبة منها بأصابعها تحثّه على النهوض، فنهض وطبع على يدها قُبلة قبل أن ينهض ويترك يدها على معدتها.

" حسناً"

راقبته حتى اختفى خلف باب غرفتهما، ثم نايون بحماسة قعدت وأشارت لطفلها أن يأتيها فأجلسته بجانبها ثم أشارت لجيمين أن يقترب، وهو فعل مدهوشًا من مشاكستها، فهي عادة هادئة ورزينة، لم يدري أن لها جانبًا مُشاغب.

" سأخبركما شيئًا"

ضحكت بخفة قبل أن تتبع.

" أنا حامل!"

جيمين شهق وجونغهيون أصبح يصرخ فرحًا لولا أنها كتمت فمه بيدها وأشارت له بالصمت تُنبه.

" اششش! أبوك لا يدري"

كلا جيمين وجونغهيون إستنكر، أومأت نايون وضحكت.

" نعم، طلبت من الطبيب أن يخبره بأنه هبوط في ضغط الدم، أود أن أُفاجئه بالأمر!"

وكز جيمين الصبي وقال.

" غداً ستذهب معي إلى شقتي وتبيت معي هناك، حسنًا؟!"

أومئ جونغهيون وبحماسة صفّق يقول.

" فلنترك المنزل لأمي وأبي!"


...

في الصباح التالي، كان على جيمين أن يعود للعمل في المدرسة، لذا ذهب إلى عمله، وفور وصوله إستدعاه المُدير إلى مكتبه الخاصّ.

دخل جيمين مكتب المدير بعدما طرقه، ثم تقدم ليجلس أمام مكتب المدير حيث أشار له.

" فيما استدعيتني حضرة المدير؟!"

عقد المدير كفيه على ظهر الطاولة وقال.

" أردتُ أن أُبلّغك أن إجازاتك بالفعل إنقضت منك، أنت تغيبت لأسبوعين مما تسبب بتأخر الطلبة عن الجدول المُمنهج."

إنحنى جيمين برأسه قليلاً وقال.

" لقد طرأت لي ظروف خاصّة طارئة، منعتني عن مزاولة العمل كما يجب، أنا مُتأسف"

نفى المدير وقال.

" لا بأس طالما أنت قادر أن تعوّض الطلبة، كُن على أهبّة الإستعداد، لديك مُهمات كثيرة"

وقف جيمين وأومئ للمدير فقال الأخير مُستطردًا.

" بما أنك المعلم المسؤول عن الشُعبة الثانوية A, فأردتُ تكليفك بمهمة"

أومئ جيمين للمدير بغرض أن يُتبع ففعل.

" في تلك الشعبة، هناك الطالبة بارك جيمين، والدها أهم راعٍ للمدرسة، الطالبة مُتغيبة منذ أسبوع، أي منذ تغيبت أنت هي لم تظهر"

إرتفع حاجب جيمين بإنزعاج فسارع المدير للتبرير.

" لا أقصد ما وصلك، صَدف أن وافق غيابك غيابها، وهي لم تأتي للمدرسة إطلاقًا، أود لو تذهب وتُلقي نظرة، سأمنحك عنوان منزلها"

تبسّم جيمين مُتهكمًا ثم استنكر.

" منذ متى يعمل المدرسون كعُمال توصيل للطلبة الأثرياء؟!"

لم يود أن يقف ليستمع للمزيد من أعذار المدير وفقط وافق.

" سأذهب لأرى أمرها بعد الدوام، فقط ابعث لي عنوان منزلها"

وبهدوء إنقضى الدوام، ثم توجّه جيمين إلى منزل طالبته التي بعث له المُدير بعنوانها، وما تفاجئ أنه رأى قصرًا.

اصطف أمام بوابة القصر حيث يحرسها عدد من الرجال، أخفض نافذة الباب وأطل بوجهه السَمِح عليهم مُتحفظًا بملامح جادّة مُتخلِصة من المعاني.

" أنا أستاذ الطالبة بارك جيمين، بعثتني المدرسة لأرى ما بها"

فُتحت له البوابة بعد مشاورات خاصة قامت بين حرس البوابة والإدراة من الداخل، إستقبلته خادمة دلّته إلى قعر القصر، حيث رأى رجلًا وإمرأتان، وكان تخمينه صحيحاً أن الأهرم أُم الرجل والأصبى زوجته.

ألقى التحية عليهم بإحترام ثم هم دعوه ليجلس معهم.

" من أنت يا بُني؟ وما الذي آتى بك إلى هنا؟!"

كانت السيدة العجوز من تسآلت وهو أجابها.

" أنا أستاذ الطالبة بارك جيمين، بعثتني إدارة المدرسة لانظر في سبب تغيبها عن المدرسة"

أومئ الرجل وقال.

" ما عرّفتنا عن نفسك، ما اسمك؟!"

" أنا كيم جيمين، تشرفتُ بلقائكم"

تناظر ثلاثتهم بإبهام لم يفهمه جيمين حتى قال الرجل.

" هل يصدف أنك كيم جيمين الابن الأصغر لكيم جايهيون؟!"

وعندما أومئ جيمين ما توقع ردة الفعل اللاحقة، أيعرفونه حقًا؟!



......................




سلاااااااااام♥️

كيف حالكم مع الحر الجميل😂♥️

أتمنى لكم أوقات سعيدة في ظِل الظروف الراهنة♥️

طبعاً حبايبي ملاحظين انو مساحة الشخصيات الثانوية توسّعت، طبعًا هذا الشي لأنو الأبطال في مرحلة هُدنة كمان الفصول صارت أطول فصار في مشاهد أكثر، بس هذا الشي مش رح يدوم حتى النهاية.

ورحبوا بالشخصية الجديدة الي ح تكون كضيف شرف خفيف لي دونغهي القمرررر.

الفصل القادم بعد 400 كومنت و 100 فوت.

1.رأيكم بجونغ إن؟ تقبل للعلاج؟! توقعاتكم حوله؟!

2.رأيكم بأوكتافيا؟! موقفها مع الطبيب يشينغ؟! إنهزامها العاطفي بسبب حالة لارا؟! توقعاتكم حول حياتها؟!

3.رأيكم ببيكهيون؟ الكذبة التي نجّى بها إيزابيلا؟ هل يستحق فرصة؟!

4.رأيكم بإيزابيلا؟ تخليها عن جيمين واستسلامها للأمر الواقع؟

5. رأيكم بجيمين؟ إستسلامه بشأن إيزابيلا رغم الأزمة العاطفية التي مرّ بها؟! ما السبب خلف دهشة عائلة الطالبة به؟!

6. ما توقعاتكم خلف العلاقة السيئة بين اوه سيهون والطبيب لي دونغهي؟!

7.رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️