CH65||خُدع
" خُدع"
" الحقد أقرب إلي من عشقكِ و لتكوني حذرة فأنني إن اضرمتُ ناري ستكونين أول المحروقين"
إنها ذات جلد و صبر عظيمين أو أنها تحملت من الألم ما يعينها على أكثر الآلام عُسراً، ألم الولادة الذي يعادل كسر إثنين و أربعين عظمة في الجسم في آن واحد، أعظم ألم خُلِقَ بعد ألم الحرق هو ألم الولادة.
في لحظات كهذه و جويل تمثل على سرير التوليد، صراخاتها المكتومة و دموعها الوفيرة كما و أن العرق يتصبب منها كما لم يحدث من قبل، إنها أكثر أوقات حياتها ألماً.
رفضت مرافقة تايهيونغ لها و اكتفت بوالدتها إلى جانبها، تتمسك السيدة دو بيد جويل و تصلي لأجل سلماتها و رغم أنها طبيبة الألم أنساها كل علمها و اقتصر عقلها على لملمة هذا الوجع الذي يعصف بها عصفاً.
" سيدتي، كوني قوية و اتبعي إرشاداتي!"
تحدث الطبيب بشيء من الهلع، إنها في مخاضها منذ عشر ساعات و لكنها لا تلد، تكوم عدد من الأطباء حولها يحاولون حل المعضلة دون تدخل جراحي لكن الأمر لا يجدي نفعاً.
" إحقنوها بالمخاض الصناعي"
كانت آخر وسيلة لتوليدها طبيعياً و ما زالت تعاني في غرفة الولادة، جويل استهلكت كل طاقتها و لأجل طفلها كانت تتحمل المزيد.
يجلس تايهيونغ رفقة دي او و السيد دو أمام قسم الولادة لكن لا نبأ سار يأتيهم، تايهيونغ استنفذ كل طاقته في الصبر و يريد أن يراها و يطمئن عليها لكنها جويل قد رفضت من البداية حرجاً منه.
وقف على قدميه عندما خرجت ممرضة و أوقفها عن طريقها.
" ما الذي حدث مع المريضة كيم جويل؟!"
" إن ولادتها عسيرة و ما زال الأطباء يحاولون مساعدتها، فلتصلوا لأجلها فوضعها حرج"
أوقفها تايهيونغ عن تجاوزه و قال.
" أريد أن أدخل إليها لأمدها بالعون، إنها زوجتي"
أومأت إليه و أذنت له بالدخول، حمّله دي او مسؤولية طمأنته خارجاً و مدّها بالعون قبل أن يدخل.
دخل إليها و وجدها على سرير الولادة، فور أن رأته السيدة نهضت ثم ربتت على كتفه و خرجت ليأتي هو و يجلس بمكانها و يمسك بيدي جويل فاشتكت باكية.
" ما عدتُ أطيق صبراً، أنا أتألم بشدة يا تايهيونغ، أنا خائفة!"
أدمعت عيناه رثاءً على حالها و حط ذراعه أسفل رأسها ليقربها إليه قائلاً.
" أنا آسف حقاً، أنتِ رقيقة جداً و لا تتحملي كل هذا الألم، أعلم أنكِ قوية و أنا لن أترككِ، سأبقى معكِ حتى تضعي الطفل"
أومأت له و تمسكت بيديه أكثر تهمس بنبرة باكية أذابت قلبه بؤساً.
" أرجوك لا تتركني!"
أومئ لها ثم قبل جبينها و صوته قد إمتزج و حسيس بكائه.
" أعدك لن أترككِ يا عمري"
............
" السجين بيون بيكهيون"
ارتفع عن مضجعه مستجيباً لنداء حارس الزنزانة فأخبره.
" لديك زيارة"
نهض بيكهيون عن سريره و خرج يتبع الحارس إلى قاعة الزيارة، هناك حيث وجد كريس بإنتظاره.
وقف كريس عندما رآه و انحنى بإحترام مرحباً و بيكهيون جلس في كرسيه أمامه.
" و الآن أخبرني، ما الذي يحدث خارجاً؟!"
اقترب كريس ناحية الفاصل الزجاجي و تحدث.
" لقد نقلت الآنسة إلى منزل جين لتعالجها أخته و ستبقى هناك حتى تتعافى و لكن جين ليس مُرحِباً بإستضافتها"
تبسم هازئاً و أجابه.
" معه حق، لقد فتحنا مزرعته فندق لنا، حالما تتعافى تلك الساقطة خذها إلى شقتي و احبسها هناك"
أومئ كريس لرئيسه ثم بان على ملامح وجهه التوتر فعلم بيكهيون أن هناك خطب ما يستثقل كريس الحديث فيه و بما أنه يستثقله فإن الأمر متعلق بجويل لا محالة.
" ما بها تلك الخائنة؟!"
ارتفع رأس كريس لمواجهة رئيسه عِدة إنشات ثم تحدث بصوت أخفض مما كان عليه.
" سيدي لقد نُقِلت صباح اليوم إلى المستشفى و علمت أنها تواجه ولادة عسيرة قد تسبب خطراً على حياتها و حياة الجنين"
قبض بيكهيون حاجبيه و قال.
" عندما تلد إتصل بي و اعلمني ماذا وضعت، سأوليك مهمة"
أومئ كريس لرئيسه موافقاً و يرجو ألا يكون في المهمة التي سيتولاها أذية تلحق الطفل أو والدته بأي شكل لأنها حتى لو كانت كذلك لا يسعه سوى القبول و التنفيذ.
" حاضر سيدي"
إتكئ بيكهيون بظهره على الكرسي و قال.
" على آية حال، الليلة سأخرج، تعال لنقلي"
نهض بيكهيون من مكانه و وقف كريس لينحني مجدداً ثم أقام عوده يراقب رئيسه حتى غادر عودة إلى زنزانته.
كما توقع تماماً، لا قانون يفوق الرئيس و لا أحد يتجاوزه نفوذاً و سُلطة، كان و ما زال أقوى رجل عرفه أبداً.
دخل بيكهيون زِنزانته و بمروره إلى سريره توقف قليلاً ثم إلتفت ناحية المحراب، لم يسبق له بحياته كلها أن صلى أو تضرع للرب.
يكرهها كثيراً و لكنه الآن تقدم بقدمين لا تستمعان إليه ليقف في المِحراب، عاضد أنامله بعضها ببعض ثم أغمض عينيه يصلي.
طلب شيئاً واحداً في صلاته، لأول مرة يطلب من الله شيئاً في أول صلاة قام بها في حياته كلها.
" ساعدها يا الله و خفف عليها آلامها"
فتح عينيه بعدما إنتهى و نظر إلى الصليب آخر مرة قبل أن يسحب جسده بعيداً عن مِحرابه، في أول مرة تضرع فيها إلى الله صلى لأجلها رغم بغضه لها.
جلس على سريره و طار الوسن من عينيه، إنه لم ينم إطلاقاً منذ البارحة، ذلك الخبر اوقظ حواسه لكنها نائمة في ذات الوقت إذ أنه لم يسمع نداء زملائه عندما استفسروا عن خطبه.
بدى صامتاً و هادئاً على سجيته لكن المختلف بالأمر أنه يترقب لشيء ما و بدى على وجهه التوتر، رغم أن كريس غادر لتوه إنه ينتظر ساعة إتصاله به.
...................
آتت ساعات الليل الأولى و ما زالت جويل تحاول بكل قوتها الضئيلة المتبقية أن تمنح طفلها الحياة التي يبتغيها لكن الألم ما كان يرحم ساعات عذابها الشّاقة و الطويلة.
وقف الطبيب بعجز أمام عائلتها التي تنتظر خبر ولادتها منذ أكثر من عشر ساعات و قال بنبرة يائسة.
" حاولنا بكل الطرق مساعدتها لكن وضعها الصحي أصبح عصي على الولادة، سننقلها إلى غرفة العمليات لنقوم بالولادة القيصيرة."
وافقت العائلة على قول الطبيب لكنه بقي واقفاً ممتعض الملامح حتى أثار الريبة في نفوسهم.
" تكلم أيها الطبيب "
تحدث بهذه دي او منشقاً عن الصمت فأوجز الطبيب.
" هي بوضع صحي لا يتحمل إخضاعها لعملية جراحية، قد تشكل خطر على حياتها لذا نحن بحاجة توقيع زوجها والد الطفل"
تايهيونغ نظر فيهم عاجز عن الإقدام بحركة، يشعر بأن قدميه تيبست بالأرض أو أن لسانه شُل فجأة.
تقدم إليه دي او و دمعته تقف في منبتها.
" لا حل آخر أمامنا، جويل عليها أن تعيش و تمنح الحياة لطفلك، سنتمسك بالأمل مهما كان ضئيل، انقذ شقيقتي مجدداً يا تايهيونغ"
أخفض تايهيونغ رأسه بقلب متوجع ثم هز رأسه إلى الجانبين بعنف عندما شعر بدموعه قد تحررت و كشفت مشاعره، أراد أن يبقى قوي رغم إنكساره، فقط لأجلها.
" هي ستكون بخير"
قالها و حصل على تربيتة على كتفه من يد دي او ثم غادر حاملاً على عاتقه مسؤولية سلامة زوجته و طفله، وقع الأوراق اللازمة و طلب مرافقتها إلى داخل غرفة العمليات.
ما زالت تبكي منذ ساعات الصبح و لكنها تكتم ألمها كلما آتاها الألم أقوى، دخل إليها بعدما تحضرت للعملية و هرع يتمسك بيديها.
وضعت على سرير غرف العمليات و سارع الأطباء في المباشرة بعملهم بعد أن أعطوها تخديراً موضعياً كما طلبت هي لتبقى وقت أطول مع تايهيونغ و لتكون أول من يسمع صوت صياح طفلها حتى لو كان آخر صوت تسمعه.
أشاح تايهيونغ فجأة بوجهه و امتعضت ملامحه بشدة فقالت بإنهاك.
" قاموا بشق بطني"
نظر إليها تايهيونغ و أشاح ببصره عما يفعلوه الأطباء و نظر إلى وجهها المُنهَك ألماً ثم انخفض ليقبل جبهتها.
" سأحترم أمومتكِ طالما حييت"
تبسمت بوهن و هو ما أفلت يدها أبداً، كانت أوقاتاً عصيبة و جويل ما زالت تحمل نُتف قوى تتشبث بها لإنقاذ طفلها.
صوت صياح حاد ثم ضحكة تايهيونغ السعيدة، قبّل جبهة جويل مجدداً و تريث ينظر إلى الطفل كي يميز جنسه.
إستبشر ملتفتاً إلى جويل يخبرها.
" إنها فتاة!"
اضمحلت تلك الإبتسامة على شفتيها حتى اختفت و تلاها عبوس شديد، عبس مستفهماً.
" ألا ترضينها؟! إنها ابنتنا!"
كاد الطبيب أن يضع المولودة على صدرها لكنها نفرتها بقسوة.
" أبعدها عني، لا أريد رؤيتها!"
نظر الأطباء في بعضهم بجهل ثم أطاعوا قولها، إنه ليس الوقت الذي سينقاشوها به عن أسباب رفضها لطفلتها.
توجهوا إلى عملهم في غلق الشق الجرحي، تايهيونغ تنهد مستاءً لكنه تمسك بيدها، لن يتركها في هذه اللحظات حتى لو كره منها فعلتها هذه.
في منتصف عملهم هذه إستاءت فجأة مؤشرات جويل الحيوية بشكل خطير جداً، جويل شعرت بأنها ما عادت بخير إطلاقاً و تايهيونغ ما تزحزح من مكانه بقربها.
ضغطت على يده فأومئ لها مستمتعاً، سقطت دمعة من عينها و ابتسمت بوهن ثم قالت.
" إن حدث لي شيء فأني اوصيك بها، لا تجعلها عُرضة للخطر و احمها بدمائك، كن نِعم الأب يا تايهيونغ، لا تجعل بيكهيون أو أي من ذريته يعلموا عنها شيء، أرجوك!"
نفى تايهيونغ برأسه و اجتذب تشابك ايديهما إلى صدره قائلاً بهلع.
" لا تقولي ذلك، أنتِ ستكونين بخير و جناحيكِ أنتِ من سيلُم صغيرتنا، كوني بخير و لا تحرميها من حنانكِ أرجوكِ يا جويل ابقي معي و تمسكي بيدي، لا تضعفي، أنا ما خلتكِ بهذه القوى و هذا الجلد العظيم، أنتِ أقوى مما تظنين، أرجوكِ يا جويل لا تستسلمي و قد إلنا إلى النهاية"
سارت دمعة من عينها إلى صدغها إلا أنها احتفظت بإبتسامتها الخاملة.
" لقد أحببتك بحق يا تايهيونغ!"
اصابه الفزع عندما تساقط وعيها كما الرماد عندما كنسته رموشها و تعاضدت تطرد الوعي خارجها، بهلع صرخ بأسمها و لجأ إلى هزها بسريرها بجرحها بلاوعيها بقوة.
" جويل! جويل افيقي! جويل ليس هذا ما تعاهدنا عليه، لا تتركيني الآن حبيبتي أرجوكِ، جويل!"
أخرجوه الأطباء بالقوة و هو إنهار أرضاً أمام باب غرفة العمليات يبكي بجنون و ينفي برأسه غير مقتنعاً لما حدث للتو.
" لم يحدث لها شيء، هي بخير، هي بخير!!"
لم يسمع حديث عائلتها إليه و كأنه لشدة هلعه أصابه الصمم، ما استطاع حمل نفسه على قدميه بل ضل غارقاً بصورتها و هي تفقد الوعيد و صوت طفلته الصغيرة يرن في أذنه رفقة وداعها الأخير الذي خصت فيه ابنتهما الصغيرة التي رفضتها للتو.
تمسك دي او بكتفيه و حاول هلعاً أن يعلم ما مقدار الضرر الذي أصاب اخته لكن تايهيونغ كان غارق في كلماتها و صورتها، لا يشعر بما يحدث حوله لشدة هلعه.
" تايهيونغ، تكلم! ما الذي حدث لجويل؟!"
تقدم دي او من البوابة يحاول تجاوزها لكن السيدان دو و كيم تمسكا به و اجبراه على الجلوس، والدا تايهيونغ أتيا إلى المستشفى بعدما وصلهم خبر جويل من تايهيونغ.
في هذه اللحظة قد قرروا أن يتجاوزا عن رفضهم لعودة جويل مع تايهيونغ و رفضهم لكل ما يحدث لأجل أن يساندوا ابنهم الوحيد في هذا الوقت العصيب و خير ما فعلوا.
السيدة كيم على الأرض جاثية تحتضن تايهيونغ و تحاول تهدئته و إخراجه من الهلع الذي أصابه و السيد كيم تارة يواسي تايهيونغ تارة عائلة جويل.
خرج الأطباء بعد وقت طويل و قد أصابهم الإنهاك بالفعل و الطبيب أعلن.
" لقد أنجبت السيدة طفلة و قمنا ببعث الصغيرة لإجراء الفحوصات الروتينية اللازمة لنتأكد من سلامتها أما الأم فوضعها صعب"
وقف دي او و تقدم إلى الطبيب بقدمين من هُلام.
" ماذا تقصد؟ ما بها جويل؟!"
تنهد الطبيب ثم بعبوس فسّر.
" حالة الرحم و الحوض لديها تؤهلها لولادة طبيعية يسيرة لكن السبب الذي أدى بها إلى هذه الحالة آتٍ من عوامل خارجية، قد تكون جسدية أو نفسية لكننا لا نستطيع فعل شيء طالما هي فاقدة الوعي"
وقف تايهيونغ و قد إكتفى من الإستماع و اجتذب الطبيب من تلابيب قميصه يصيح فيه بقهر.
" كُف عن الثرثرة و اخبرني متى ستستيقظ؟!"
تفلت الطبيب الشاب من غلظة يد تايهيونغ و قال.
" معها ثلاثة أيام، إن ما استيقظت خلالهم ستكون عُرضة للوفاة، هي نفاس و المرأة بهذه الفترة تكون بأكثر حالاتها الصحية ضعفاً."
ترهلت ذراعي تايهيونغ إلى جانبيه مخذولاً و استمع إلى الطبيب بقلب متهاوي.
" إن أستيقظت سنبحث في الأسباب التي أدت بها إلى هذه الحالة كي لا يتكرر الأمر مجدداً ذلك إن كانت بحالة جسدية قادرة على الإنجاب مجدداً و هذا إحتمال ضئيل"
تجاوزهم الطبيب و توجه إلى عمله و خلف بظهره ظهوراً قد كُسِرت و قلوب نزفت، جويل ثمينة، ثمينة للغاية!
..........
آتت ساعة منتصف الليل و حيث اتفق بيكهيون أن يلاقي كريس وجده، ضبط بيكهيون القلنسوة على رأسه بينما يقول.
" ما الذي حدث معها؟!"
تنهد كريس حزيناً ثم قال.
" لقد أنجبت و لكنها ليست بخير، إن لم تستيقظ خلال ثلاثة أيام ستموت"
أشاح بيكهيون برأسه ناحية النافذة و أشار لكريس بجانبه أن يقود السيارة، لن يسمح لأحد يرى الجوى الذي أصابه فجأة فكبته حتى عن نفسه و ما إعترف به.
فكر أنه لو ما صلى لها لعاشت، ربما أراد لها في أوقات كثيرة أن تموت و هو في الزنزانة منعزلاً بين اربعة جدران عن العالم لشهرين و فكر بأفضل طريقة يقتلها فيها لكنه ليس راضياً الآن إطلاقاً.
كان كلما نظر في المرآة و رأى الشيب يغزو رأسه توعد لها بموت وقور كوقارة الشيب في رأسه لكنه الآن لا يريدها أن تموت، على الأقل ليس هكذا، فلينتقم منها أولاً.
تسلل إلى المستشفى بين الإزدحام و إستطاع الوصول إلى حضانة الأطفال حديثي الولادة، نظر في الأطفال جميعهم يبحث عن ضالته حتى وجد طفلة في يدها سِوار صغير كُتِب عليه.
" دو جويل"
إنها هي، لقد وضعت فتاة، تبسم هازئاً و همس.
" بالتأكيد قد كرهتكِ يا صغيرة، كرهت أنها أنجبت فتاة"
أمسك بيدها الصغيرة، قبضتها صغيرة جداً بحجم حبة فراولة فقط.
قهقه بخفة بينما يداعب يد الصغيرة بخفة شديدة خوفاً من أذيتها ثم همس.
" ستحبكِ أمكِ لاحقاً، لا تقلقي يا صغيرتي"
خرج من الحضانة و وقف أمام الفاصل الزجاجي ينظر إلى الصغير حتى آتاه كريس يقف بقربه مرتدياً قلنسوة هو الآخر.
" لقد إنتهيت"
أومئ له بيكهيون بينما ينظر إلى الصغيرة ثم إلتفت مغادراً بهدوء، جاوره كريس في مشيته قائلاً.
" سيدي، ألن نأخذ الطفلة معنا؟! "
تحدث بيكهيون بينما يسير في الأروقة بين الناس بحذر.
" إن كنت تجيد تغيير الحفاظ و تملك ثدياً ترضعها منه اذهب و احضرها"
ضحك كريس بخفوت ثم علق.
" ظننتك يا سيدي تغيرت!"
توقف بيكهيون ثم واجه كريس بقوله و قد انمحت ملامح السخرية عن وجهه.
" إنني حاقد بالفعل لكنني لا أحرم أم من أطفالها و لا أطفال من أمهم مهما كرهت و أردتُ الإنتقام، سأنتقم و لكن ليس هكذا، لي طرقي"
عاد بيكهيون ليسير و كريس يتبعه قائلاً.
"لطالما كانت السيدة جويل بالنسبة لك إستثناء شاذ عن القاعدة، ظننتُ أننا أتينا لنأخذ الطفلة"
ثم أضاف بعدما وجد من رئيسه الصمت.
" إنني أحترمك كثيراً يا سيدي"
توقف بيكهيون عن المسير و إلتفت إلى كريس مرفوع حاجبه عن مضجعه.
" أكنت تتظاهر بأنك تحترمني مسبقاً؟!"
نفى كريس برأسه و بيديه و قد بان على وجهه التفاجئ و برر سريعاً.
" لا سيدي، لا أقصد ذلك، أنا فقط كنتُ متفاجئ!"
وقف بيكهيون و يديه إلى خصره ينتظر تبريراً فعقد كريس يديه أسفل معدته بإحترام و قال.
" لقد استثنيت السيدة جويل من قاعدتك الصريحة بأنك لا تمس إمرأة تحب رجلاً آخر و احترامك للحب، ظننتُ أنها تشذ عن قاعدتك بالنسبة للأمهات"
عاد بيكهيون ليسير و علق.
" لا تشذ إمرأة عن هذه القاعدة مهما كرهتها"
أومئ كريس و سار خلفه بخطوتين.
" و أنا أحترم ذلك سيدي"
توقف بيكهيون فظن كريس أنه سيتلقى المزيد من التوبيخ و هذا ما حدث بالفعل إذ استنكر بيكهيون هازئاً رغم حدة نظراته.
" ما رأيك أن أخيطك بجيدي؟"
كسى اللون الأحمر وجه كريس ثم انحنى و اعتذر ثم غادر، تنهد بيكهيون و التفت يتابع طريقه، مهما وثق في كريس هو بالتأكيد لا يريد أن يراه في حالاته الأخرى المخفية، كالضعف و الحزن.
وقف أمام الفاصل الزجاجي الذي يطل عليها، إنها غافية هناك مجدداً و كأن الزمن يعيد نفسه، لكن هذه المرة لن يمرر على تقاسيم وجهها مسدساً مملوء بالرصاص سينظر إليها من بعيد و حسب.
أسلاك متصلة بأجهزة كثيرة خاضعة بجسدها لها، قناع للتنفس على أنفها و فمها و ملقط يقضم سبابتها، إنها في أكثر حالاتها ضعفاً على الإطلاق، حتى عندما كانت معه بدت أفضل من هذه الحالة.
همس بينما ينظر لها.
" استيقظي، أنا لم أنتهي منكِ بعد، لن أسمح لكِ أن تهربي مني بهذه البساطة، لن أدعكِ تموتي هكذا"
وقف قليلاً ينظر إلى ملامحها المُنهكة، رغم أنه لا يستطيع رؤيتها بوضوح من هذا البُعد لكنه حصل على فرصة لا تفوت في تأملها لأكبر وقت ممكن و قبل أن يثير الريبة و الشك ابتعد ثم غادر بهدوء.
هو واثق أنها ستستيقظ و لن يصيبها مكروه لذا رحل، وقتها لم يحين بعد و ما زال أمامها عمر طويل و طفلة صغيرة عليها أن تربيها.
صعد إلى جانب كريس في السيارة و انطلق كريس إلى وجهته التالية برئيسه، إن الوجهة التالية هي التي ستحمل كل القلق على عكس ما ظن كريس، بيكهيون لم يحاسب نانسي على فعلتها بعد.
وصل كريس بعد قيادة طويلة جداً إلى مزرعة جين خارج المدينة، تريث كريس بالدخول يحدث رئيسه بقلق.
" الآنسة ليست مستثناة من قواعدك العامة، أليست كذلك؟!"
تبسم بيكهيون هازئاً.
" ما عادت حامل لتلمها القاعدة، نانسي قضت على نفسها بيدها"
دخل إلى المنزل و توجه إليها في الغرفة التي تتشاركها مع فلورا و سبق أن شاركتها مع جويل.
" اخرجي أنتِ!"
وجه بيكهيون حديثه إلى فلورا فنظرت إليه بإمتعاض لكنها فعلت فلقد نبهها أخيها بألا تفعل المشاكل.
" و أنت اخرج"
أطاع كريس أمر رئيسه و خرج من الغرفة ليبقى الرئيس رِفقة نانسي النائمة، إقترب ليجلس على طرف السرير بجانبها.
" لا تقتل طفلتك الأولى يا أبي!"
كان لإستنجادها بمشاعره وقع قوي في نفسه، عندما ولدت كان الأكثر فرحاً فيها فلقد رأى فيها فرصة ليخرج عن عزلته أو أن حياته أخيراً سيتشاركها مع أحد.
لطالما كان وحيداً منعزلاً عن بقية الأطفال حتى عن أخيه فلقد كان مُرفه بعكسه، نانسي أضافت لحياته لوناً و طعماً ما جربه قبلها.
لم تكن مشاعره إتجاهها بالية و لم يحزن يوماً إذا أبدت والدته فيها إهتماماً أكثر منه ذلك لأنه لم يراها بعين الأخوة إطلاقاً، ما كانت بالنسبة له أخت و حسب بل إبنة و هدية خالصة بعثها الله إليه لتدخل في حياته البهجة.
في حياة طفل يبلغ من العمر خمس أعوام فحسب.
بيكهيون كان حالماً في صغره و ظن أن خلافات أمه و أبيه الكثيرة لن تبلل ذقنه و أخته ذلك لأنه ما فهم خلافاتهما إلا عندما إشتد عوده و تجرع الحقد حتى بلغ فيه مبلغه هذا.
تجاوز بيكهيون لأجل نانسي الكثير من الفروض التي ألزمها بها والده، يهرب من التدريب ليلاعبها أو يهرب من دروسه حتى يراها فكان جزائه أن أبعدها والده عنها للأبد.
لكنه كانت متعلق بها جداً و قد بدأت تعي أنه والدها ذلك لأنه طالما أخبرها بأنه والدها و أنها أول أطفاله، كان عقله كبير كفاية ليدرك أن والده يرفضها إبنة له فكي يعوض صغيرته نسبها إليه و حاول تعويضها به حتى حين تعلق بها تعلقاً شديداً تدخلت يد والده الغاصبة و سحبتها منه ثم نفتها في أرض بعيدة محال عليه لقائها أبداً.
هكذا دُرِب بيكهيون و تربى على الحِرمان، العُزلة، و العِقاب.
أنَّت على مسامعه ثم أدرات وجهها إلى ناحيته، ثوان قليلة و انفرجا جفنيها تنظر إليه أمامها، بتشوش نظرت إليه حتى أدركت أنه بيكهيون و أنها خالفت قواعده فسارعت للجلوس على سريرها مع شهقة تنم عن فزعها.
راقبها ترتعد خوفاً منه، تقبض يديها إلى صدرها و تنكس برأسها، كما أن ملامحها ممتعضة بألم فربما نهوضها سريعاً أوجعها.
هو ما حرك إلا عنقه ليميل به إلى واجهة توفر له رؤية أفضل إلى ملامحها المذعورة.
" نحن لم نتحاسب بشأن ما فعلتِه"
قضمت شفاهها تحاول رد الدموع إلى أوطانها لكنها كانت آبيّة إلا و الهجرة إلى خارج عينيها.
" لقد خسرتُ ابني"
ظنّت أنه ربما لن يعود و أن ترهيبها قرب الجرف و خسارتها لطفلها ثم رميها هنا عقاباً كافياً لكنها حقاً لا تعرف أخيها كفاية.
قبض على شعرها فشهقت فزعة و هو اجتذبها من شعرها اقرب إليه ثم هسهس قرب وجهها.
" لماذا يوجد طفلاً من الأساس؟!"
شهقت باكية و الذعر أخذ مأخذه منها فقالت ببؤس شديد و رجفة تسيطر على صوتها.
" أخي، أرجوك سامحني، أنا آسفة!"
صفع وجهها بكل الغضب الذي كنّه لها مُذ أن علم بأنها جعلت من نفسها أضحوكة و صيد سهل و وسيلة يسيرة لكن فعّالة للإنتقام منه.
" هل أتى إليكِ؟ هل بحث عنكِ؟ هل حاول مواجهة أي أحد يقربكِ ليحصل عليكِ؟! أين الحب الذي آمنتِ به يا غبية؟! لقد كنتِ بالنسبة له مجرد عاهرة يكسر بها ظهري و أنتِ بالفعل كذلك"
تمسكت بوجنتها التي تشتعل لحراراة الصفعة و لم تقل شيء لأنه ببساطة مُحق، لقد توسلت فلورا كي تتصل به و حالما سمع صوتها أغلق الهاتف في وجهها و ما عاد يستجيب لإتصالاتها أبداً، كان هذا أكبر خذلان تعرضت له في حياتها كلها.
أمسك بيكهيون بذراعها مندفعاً بغضب و اجتذبها إليه ليتحدث بغلظة و ليكن هذه المرة لكلامه تأثيراً في نفسها كي تخافه فعلاً.
" من اليوم و صاعداً ستعيشين كما أختار لكِ أن تعيشي، إن أمرتكِ أن تقتلي نفسكِ ستفعلين، فهمتِ؟!"
أومأت له سريعاً فقال يشدد من غلظة أصابعه على ذراعها.
" ستفعلين ما يملي عليكِ به كريس بأمر مني، منذ اليوم أنا سيحدد كل شيء في حياتك و أنا من سيختار لكِ الحياة التي ستعشينها و أنتِ لا يحق لكِ أن تعترضي"
أومأت له مجدداً.
" حاضرة، سأفعل ما تشاء!"
أفلتها بخشونة ليسقط جذعها على السرير، هي خبأت وجهها بخوف و عار في الوسائد و أخذت تبكي بكل ما حملت من قوة.
نظر إليها قليلاً و كمت تنهيدة ثم خرج من عِندها، آتاه كريس و سار خلفه.
" عندما تصبح بحال جيد اذهب بها إلى الشِقة كما اتفقنا"
أومئ كريس.
" حاضر سيدي"
كاد كريس أن يرافقه خارجاً لكنه تكلم.
" ابقى أنت هنا، سأعود للسجن، اعلمني إن جَدَّ شيء في حالة جويل"
أومئ كريس لرئيسه و قبل أن يغادر بيكهيون سمع صوت فتاة تناديه بوقاحة.
" أنت يا بيكهيون!"
إلتفت بيكهيون عاقداً حاجبيه بأستياء ليرى الفتاة الصغيرة من الداخل و التي بدت له وقحة و الآن ثبت عليها إنطباعه، من السيء جداً أنها صديقة زوجته.
" نانسي تريدك، تستطيع أن تتحدث إليها بدون عنف، تقول أن الأمر يهمك جداً"
تقدم بيكهيون ناحية الفتاة و حالما أصبح أمامها وكز صدغها بسبابته بقسوة حتى أنها تراجعت لترتطم بكريس خلفها.
" تحدثي معي بإحترام و لا تبنيتُ العنف معكِ لغة أيتها الطفلة"
صمتت تنظر إليه بإمتعاض و بيكهيون تجاوزها عودة إلى نانسي أما كريس فهمس بنبرة جافة.
" تستحقين"
ثم دلف و تركها وحدها رفقة غضبها و إشتعالها ذاك، الحق أن نظرات عينيه مخيفة لذا تعذر جويل لأنها تخافه لكنها فلورا التي لا تخاف أحد و لا حتى ذلك البلطجي كما تلقبه.
عاد بيكهيون إلى غرفة نانسي و أغلق الباب.
" إن كان الأمر تافه حقاً ستلفظين أنفاسكِ الأخيرة الآن"
نفت برأسها تقول بهدوء دون أن تنظر فلا جرأة لديها أن تفعل و خصوصاً بعدما اكتشف ما فعلته و بما أنه أكتشفها فعلاً فلا ضير إن إكتشف المزيد.
تذكر يوم بيكهيون ضربها في القصر ثم حبسها بجناحها، يوم أتت إليها جويل و أذنت لها بإستخدام ما تعلمه و لا يعلمه بيكهيون كإنتقام إن خذلها دي او و ها قد خذلها دي او لأجل شقيقته و هي ستسارع بأخذ إنتقامها كأخيها تماماً.
" إنني أعرف شيئاً بخصوص جويل أنت لا تعرفه"
قبض بيكهيون ملامحه بلا فهم ثم قال.
" قولي ما في جعبتكِ دون مقدمات"
استرقت نانسي النظر إلى وجهه لتراقب رد فعله و سردت.
" يوم أقام أبيك حفلاً على شرف زواجك بها ذاك كان أول يوم إلتقينا فيه، كنتُ أنا السبب في إنتكاستها ذلك اليوم"
إزدادت ملامح بيكهيون إمتعاضاً و اقترب إليها قائلاً.
" ما الذي فعلتِه؟! تحدثي سريعاً!"
إزدرئت جوفها تخوفاً من ردة فعله التي هي متأكدة بأنها ستكون عنيفة جداً.
" لقد رأيتها تتبادل القُبل مع كيم تايهيونغ في الرواق أمام الحمام"
صرخت فزعة عندما أسرع إليها و كأن ناراً شبّت فيه فجأة و وثب قرب سريرها بسرعة كما لو أنه فهد شرس.
" أتظنيني أضحوكة لكِ يا ساقطة؟!"
تمسكت برأسها بيديها و قالت فزعة.
" أقسم أن هذا ما حدث، حتى عندما واجهتها قالت لي أنها لا تعتبرك زوجاً لذا هي لا تخونك و لم تخف من تهديدي بأنني سأخبرك، قالت حينها أن أقسى ما قد تستطيع فعله قتلها ثم ستمكث في السجن."
صرخ بها بقوة لكثرة ما هو غاضب و الدم قد ترك دياره الأخرى في جسده و تجمع في وجهه.
" و لماذا لم تخبريني؟!"
رفعت رأسها قليلاً تنظر إلى وجهه الذي يقابلها على بُعد إنشات قليلة و قالت باكية بفزع.
" خشيت أن يتحقق ما قالته، خفت عليك من السجن و ها أنت به بسببها"
إبتعد عنها يسير في الغرفة ذهاباً و أياباً، تارة يتخصر و تارة يمسح بيديه على وجهه، لم تخدعه فقط بالطفل بل كانت تخدعه بنزاهتها معه، لقد ظنها شريفة و هي أكثر النساء عُهراً.
صرخ بغضب يسقط الطاولة بما يعلوها ثم خرج مسرعاً، تبعه كريس إذ أنه أدرك بأنه يجب عليه ألا يترك رئيسه مهما حدث الآن فيبدو عليه أنه ذاهب لإفتعال مصيبة عظيمة إن ما أوقفه كريس عنها ستخلده في السجن.
" سيدي توقف أرجوك و لتهدأ"
قال هذه كريس بينما يلاحق رئيسه يحاول إيقافه من الذهاب إلى أي مكان عدى السجن لكن كريس نال لكمة على وجهه طيرت التوازن من جسده لكنه سرعان ما قوّم عوده و راح يتبع سيده، حتى لو لكمه ألف مرة عليه أن يوقفه.
" سيدي توقف من فضلك، إن فعلت تصرفاً متهوراً الآن ستندم عليه لاحقاً، سيدي ستُكشَف و سيضيع المزيد من عمرك في السجن، أرجوك إهدأ"
ختم كريس حديثه بينما يتقعد بجانب رئيسه في السيارة، بيكهيون أمره بغضب شديد عندما هسهس.
" أخرج!"
رفض كريس أمر رئيسه بجراءة لأول مرة طوال فترة خدمته الطويلة له.
" آسف يا سيدي لكنني لن أخرج"
صرخ بيكهيون بقوة و ضرب المقود بكل قوته قائلاً.
" قلتُ لك أخرج!"
نظر كريس إلى رئيسه رافضاً من جديد حتى أخرج بيكهيون سلاحه من زِنده و وجه فوهته ناحية كريس ثم قال.
" أخرج و إلا قتلتك!"
نظر كريس إلى فوهة السلاح المسددة إلى وجهه ثم إلى رئيسه و همس.
" اقتلني و لكنني لن أنزل"
ألقى بيكهيون المسدس من يده و صرخ غاضباً، كريس ما كان واثقاً بأن سيده لن يطلق النار، كان يتوقع موته بالفعل لكن ثباته على موقفه بدى له أهم من حياته.
إنه يعيش حياة رخيصة بالفعل فلا بأس إن خسرها لسبب ثمين كما يرى.
" أعتذر يا سيدي عن عصيانك و عاقبني بما شِئت لكن الآن أسمح لي أن أقود بك إلى السجن، فلتهدأ يا سيدي و لتفكر بماذا عليكِ فعله فلا تستطيع العودة بالزمن لتغيير الماضي"
...............
" السجين بيون بيكهيون"
رفع يده و هو مضطجع على سريره.
" هنا"
ثم غادر الحرس بعدنا تفقدوا المساجين الذين يتظمنوه ثم هو عاد ليفكر بماذا عليه أن يفعل، يريد أن يحرق قلبها كما فعلت به.
لو تركه كريس الليلة الفائتة لقتلها و قتل كيم تايهيونغ معها و وفر على العائلتين مصاريف بيوت العزاء، لولا كريس فقط.
...............
وقف جين قُرب الباب الذي يطل على نانسي التي تتمدد على سرير جويل سابقاً، فور أن رأته جلست على السرير تنظر إليه و لكن بالنظر إلى الطريقة التي ينظر بها إليها فضلت أن تشيح ببصرها عنه.
" هذا السرير الذي تنامين عليه سبق و أن نامت عليه تلك التي أوشيتِ بها إلى أخيكِ طوال عام بلياليه هرباً منه"
نظرت إلى جين بلا فهم فدخل عقر الغرفة عاقداً حاجبيه ينظر لها بغضب.
" لقد أنقذتها بيديّ من الموت الذي دفعها أخاكِ إليه، لقد دفعها للإنتحار و لولاي لماتت في النهر، إن ما كانت أكلتها الأسماك لأكلها التراب بسببه."
تقدم نحو دولاب الثياب و فتحه على مصراعيه ليخرج كومة فساتين و يلقيها على سرير فلورا.
" أترين هذه الفساتين؟! كلها لها، هنا حيث عاشت عام كامل تخلت عن هويتها و عائلتها و مستقبلها و كل شيء حتى خطيبها الذي أفشيتِ به فقط لتبقى بخير بعيداً عن شقيقك، كي لا تزهق المزيد من الأرواح"
أخفضت نانسي برأسها إلى حِجرها و هو ارتفع صوته يوبخها و قد تفلتت أعصابه أخيراً.
" بعدما تزوجت بتايهيونغ أخوكِ إختطفها و اعتدى عليها ثم أرغمها أن تتزوج به و تقولين خانته؟! ألا تدركين أن عقد الزواج دون موافقتها باطلاً؟! هل ارتحتِ الآن؟! هل انتقمتِ؟! و ما شأنها هي بأن أخيها خدعكِ؟! ألم تكوني أنتِ الغبية التي سلمته جسدها بلا أي إتفاق رسمي بلا أي ضمانة؟! لماذا الآن تحمليها ذنبكِ؟! ألا يكفيها ما هي به بالفعل؟!"
تصبغ وجه جين باللون الأحمر و نانسي أخذت تبكي بصوت مرتفع، جين معه حق، هي كانت تلك الفريسة السهلة لإنتقام جديد، هي من باعت نفسها بثمن بخس و ما استمعت لتحذيرات أخيها رغم أنها تدرك أنه لطالما كان على حق.
أرادت أن تكسر سيطرة بيكهيون عليها و تتحرر من قيوده، ارادت أن تخرج من القصر نكاية به و تعيش الحياة التي تريدها مهما كانت متهورة، الآن لا يحق لها لوم أحد سوى نفسها، لكن ما عاد ينفع ندمها لقد أخطات بحق نفسها و ورطت جويل مجدداً مع أخيها.
خرج جين من الغرفة غاضباً و التقى بكريس الذي كان قادماً لسماعه صياح جين و بكاء نانسي، وقف جين أمام كريس و بعصبية قال.
" خذها و اذهب من هنا، و اياكم و العودة!"
تجاوزه جين و كريس تنهد ملتفتاً فرأى فلورا تقف قرب الباب بملامح حزينة، تنهد بأستياء ثم دخل إلى نانسي يطلب منها أن تجهز نفسها ثم خرج.
أوقفته فلورا قرب الباب عندما بسطت راحتها على ذراعه فالتفت ينظر لها.
" ماذا سيفعل رئيسك بجويل؟!"
تنهد كريس ثم قال.
" لا أعلم، ما عدتُ استطيع أن اخمن أفعاله"
كمشت بأناملها قماش سترته و قالت.
" أرجوك احمِها، إنني أرجو أحد لأول مرة في حياتي، قدر هذا و احمها، حسناً؟!"
نظر إليها دون أن يرد، هذه الفتاة تشبهها كثيراً، ذات الطيبة و الأخلاق الحميدة إلا أنها تختلف عنها بشيء واحد، هذه الفتاة قوية لا تخشى أحد و لا تهاب شيء، لم يفكر طوال سنين عمره بإمرأة، الآن يفعل بسبب هذه الطفلة.
لا يدرك لماذا تنخر تفكيره مؤخراً، كلما أغلق عينيه يرى وجهها و كلما رآها أمامه اضطرب شيء في قلبه، يخشى أن يكون قد وقع في فخ الحب الذي وقع فيه رئيسه.
هو لا يستطيع أن يمنحها شيء لأنه قد كرّس حياته لأجل رئيسه و لأجل بيكهيون يتخلى عن الجميع حتى سعادته لذا من الأفضل ان يبتعد كي لا تنمو هذه المشاعر أكثر و تتجاوز إرادته.
أومئ لها ثم حرك قدميه يبتغي الخروج لكنها مجدداً تمسكت بذراعه و عندما نظر إليها كانت ملامحها الناعمة قد اخشوشنت بغضب، رفعت سبابتها الرفيعة في وجهه و هددت.
" إن فعل ذلك البلطجي شيء بصديقتي سأخبر الشرطة أنه يخرج من السجن بعونك!"
عينيه اقتصرت النظر على سبابتها الرفيعة في وجهه بغية التهديد، رفع يديه فارتفع حاجبها و تخصرت بغضب، تظن أنه كان سيضرب يدها لكنه فقط قصد تعديل سترته.
" لسانكِ يا طفلة!"
رمقته بإزدراء و هو تجاوزها خارجاً، على عتبة الباب ابتسم، إنها شقية و هذا اكثر ما يجذبه إليها.
أغلقت الباب بخشونة بغضب ثم زالت ملامحها الغاضبة و إتكأت بظهرها على الباب، جمعت كفيها إلى صدرها و بنبرة حالمة قالت.
" أحبك أيها البارد!"
نانسي سمعت إنتحابة فلورا و لم يسعها سوى أن تبتسم رغم أنها في أكثر حالاتها بؤساً، بقدر ما هدمت ستحاول الإصلاح تعويضاً لربما سامحت نفسها على الأقل.
............................
مر يوم بأكمله و عائلة جويل يتشبثون بأملهم بأنها ستستيقظ و تعود إليهم سالمة، تأكدوا الأطباء أن صحة المولودة جيدة و لكن الأم ما زال الخطر يحدق بها.
تايهيونغ و دي او رفضا العودة إلى المنزل و الكِبار غادروا على أن يعودوا في الصباح بآمال متجددة.
رغم أن العلاقة بين تايهيونغ و دي او ليست طيبة كلياً إلا أن صعوبة الوقت و الموقف الحاضر جعلهما يتجاوزا ذلك، جويل هي الأكثر أهمية الآن.
يجلسان على كرسي الإستراحة الذي يقابل الفاصل الزجاجي الذي يطل عليها، خرجت الممرضة التي كانت لديها لتفقد حالتها سريعاً تهرول إلى غرفة الأطباء مما جعلهما يشعران بالقلق.
وقف الشابان لينظرا إلى الداخل ثم أتت الممرضة يسبقها ثلاثة أطباء، حاوطوها و أخذوا يفحصوها، تايهيونغ و دي او أبدا قلقاً عندما نظرا ببعضهما بلا فهم ثم إلتفتا للنظر إلى الداخل.
مرّ وقت يتجاوز العشر دقائق حتى خرج الأطباء من لديها، أوقفوهم الشابين عن المرور و تايهيونغ قال.
" هل هناك أي تطورات بحالتها؟!"
تبسم الطبيب مستبشراً.
" نعم، لقد أستيقظت و الآن أستطيع أن أبارك لك بطفلتك و بعودة زوجتك أيضاً"
اتسعت عينا تايهيونغ سعيداً بما سمع ثم قهقه فرحاً بينما الطبيب يربت على كتفه، فجأة باغته دي او بحضن قوي وزعا فيه فرحهما على شكل ضحكات سعيدة.
" جويل عادت، جويل بخير!"
مسح تايهيونغ دموعه و دي او فعل ثم ربت على كتفه قائلاً.
" الآن أبارك لك الطفلة و سلامة جويل"
قهقه تايهيونغ سعيداً و همس.
" شكراً لك"
اخرجوا جويل و وضعوها في غرفة عادية و أذنوا لعائلتها بالدخول إليها، دخل إليها الرجلين و كلاهما إحتضناها في آن واحد و هي ابتسمت لهما.
" أنا بخير!"
............................
سلاااااااام
أظن سبب التأخير واضح، هيني طولت لكم البارت و اطول من هيك مافيه، خمس آلاف كلمة، يا ويلها إلي تقول قصير😒
أنسيت أعايدكم🤭
كل عام و انتو بخير و ينعاد عليكم بالصحة و السلامة و السعادة يا قلب الماما♥️
البارت القادم بعد 200 فوت و 200 كومنت.
١. رأيكم ببيكهيون؟! ردة فعله على كلام نانسي و لقائه بالطفلة و جويل؟!
٢. ماذا تظنون أن بيكهيون سيفعل؟! كيف سينتقم من جويل على كذبها عليه؟!
٣.رأيكم بتايهيونغ و الحالة التي وصل إليها بسبب تدهور وضع جويل الصحي؟!
٤.رأيكم بجويل و ما حدث معها؟! لماذا رفضت طفلتها؟! و ما الذي سبب لها ولادة عسيرة كهذه؟!
٥.رأيكم بنانسي و فعلتها للإنتقام؟ و كيف تتوقعون مصيرها؟!
٦.رأيكم بفلورا القوية و كريس الذي يرفض الوقوع في الحب؟!
٧.رأيكم بجين و انفلات غضبه على نانسي؟!
٨. رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
" الحقد أقرب إلي من عشقكِ و لتكوني حذرة فأنني إن اضرمتُ ناري ستكونين أول المحروقين"
إنها ذات جلد و صبر عظيمين أو أنها تحملت من الألم ما يعينها على أكثر الآلام عُسراً، ألم الولادة الذي يعادل كسر إثنين و أربعين عظمة في الجسم في آن واحد، أعظم ألم خُلِقَ بعد ألم الحرق هو ألم الولادة.
في لحظات كهذه و جويل تمثل على سرير التوليد، صراخاتها المكتومة و دموعها الوفيرة كما و أن العرق يتصبب منها كما لم يحدث من قبل، إنها أكثر أوقات حياتها ألماً.
رفضت مرافقة تايهيونغ لها و اكتفت بوالدتها إلى جانبها، تتمسك السيدة دو بيد جويل و تصلي لأجل سلماتها و رغم أنها طبيبة الألم أنساها كل علمها و اقتصر عقلها على لملمة هذا الوجع الذي يعصف بها عصفاً.
" سيدتي، كوني قوية و اتبعي إرشاداتي!"
تحدث الطبيب بشيء من الهلع، إنها في مخاضها منذ عشر ساعات و لكنها لا تلد، تكوم عدد من الأطباء حولها يحاولون حل المعضلة دون تدخل جراحي لكن الأمر لا يجدي نفعاً.
" إحقنوها بالمخاض الصناعي"
كانت آخر وسيلة لتوليدها طبيعياً و ما زالت تعاني في غرفة الولادة، جويل استهلكت كل طاقتها و لأجل طفلها كانت تتحمل المزيد.
يجلس تايهيونغ رفقة دي او و السيد دو أمام قسم الولادة لكن لا نبأ سار يأتيهم، تايهيونغ استنفذ كل طاقته في الصبر و يريد أن يراها و يطمئن عليها لكنها جويل قد رفضت من البداية حرجاً منه.
وقف على قدميه عندما خرجت ممرضة و أوقفها عن طريقها.
" ما الذي حدث مع المريضة كيم جويل؟!"
" إن ولادتها عسيرة و ما زال الأطباء يحاولون مساعدتها، فلتصلوا لأجلها فوضعها حرج"
أوقفها تايهيونغ عن تجاوزه و قال.
" أريد أن أدخل إليها لأمدها بالعون، إنها زوجتي"
أومأت إليه و أذنت له بالدخول، حمّله دي او مسؤولية طمأنته خارجاً و مدّها بالعون قبل أن يدخل.
دخل إليها و وجدها على سرير الولادة، فور أن رأته السيدة نهضت ثم ربتت على كتفه و خرجت ليأتي هو و يجلس بمكانها و يمسك بيدي جويل فاشتكت باكية.
" ما عدتُ أطيق صبراً، أنا أتألم بشدة يا تايهيونغ، أنا خائفة!"
أدمعت عيناه رثاءً على حالها و حط ذراعه أسفل رأسها ليقربها إليه قائلاً.
" أنا آسف حقاً، أنتِ رقيقة جداً و لا تتحملي كل هذا الألم، أعلم أنكِ قوية و أنا لن أترككِ، سأبقى معكِ حتى تضعي الطفل"
أومأت له و تمسكت بيديه أكثر تهمس بنبرة باكية أذابت قلبه بؤساً.
" أرجوك لا تتركني!"
أومئ لها ثم قبل جبينها و صوته قد إمتزج و حسيس بكائه.
" أعدك لن أترككِ يا عمري"
............
" السجين بيون بيكهيون"
ارتفع عن مضجعه مستجيباً لنداء حارس الزنزانة فأخبره.
" لديك زيارة"
نهض بيكهيون عن سريره و خرج يتبع الحارس إلى قاعة الزيارة، هناك حيث وجد كريس بإنتظاره.
وقف كريس عندما رآه و انحنى بإحترام مرحباً و بيكهيون جلس في كرسيه أمامه.
" و الآن أخبرني، ما الذي يحدث خارجاً؟!"
اقترب كريس ناحية الفاصل الزجاجي و تحدث.
" لقد نقلت الآنسة إلى منزل جين لتعالجها أخته و ستبقى هناك حتى تتعافى و لكن جين ليس مُرحِباً بإستضافتها"
تبسم هازئاً و أجابه.
" معه حق، لقد فتحنا مزرعته فندق لنا، حالما تتعافى تلك الساقطة خذها إلى شقتي و احبسها هناك"
أومئ كريس لرئيسه ثم بان على ملامح وجهه التوتر فعلم بيكهيون أن هناك خطب ما يستثقل كريس الحديث فيه و بما أنه يستثقله فإن الأمر متعلق بجويل لا محالة.
" ما بها تلك الخائنة؟!"
ارتفع رأس كريس لمواجهة رئيسه عِدة إنشات ثم تحدث بصوت أخفض مما كان عليه.
" سيدي لقد نُقِلت صباح اليوم إلى المستشفى و علمت أنها تواجه ولادة عسيرة قد تسبب خطراً على حياتها و حياة الجنين"
قبض بيكهيون حاجبيه و قال.
" عندما تلد إتصل بي و اعلمني ماذا وضعت، سأوليك مهمة"
أومئ كريس لرئيسه موافقاً و يرجو ألا يكون في المهمة التي سيتولاها أذية تلحق الطفل أو والدته بأي شكل لأنها حتى لو كانت كذلك لا يسعه سوى القبول و التنفيذ.
" حاضر سيدي"
إتكئ بيكهيون بظهره على الكرسي و قال.
" على آية حال، الليلة سأخرج، تعال لنقلي"
نهض بيكهيون من مكانه و وقف كريس لينحني مجدداً ثم أقام عوده يراقب رئيسه حتى غادر عودة إلى زنزانته.
كما توقع تماماً، لا قانون يفوق الرئيس و لا أحد يتجاوزه نفوذاً و سُلطة، كان و ما زال أقوى رجل عرفه أبداً.
دخل بيكهيون زِنزانته و بمروره إلى سريره توقف قليلاً ثم إلتفت ناحية المحراب، لم يسبق له بحياته كلها أن صلى أو تضرع للرب.
يكرهها كثيراً و لكنه الآن تقدم بقدمين لا تستمعان إليه ليقف في المِحراب، عاضد أنامله بعضها ببعض ثم أغمض عينيه يصلي.
طلب شيئاً واحداً في صلاته، لأول مرة يطلب من الله شيئاً في أول صلاة قام بها في حياته كلها.
" ساعدها يا الله و خفف عليها آلامها"
فتح عينيه بعدما إنتهى و نظر إلى الصليب آخر مرة قبل أن يسحب جسده بعيداً عن مِحرابه، في أول مرة تضرع فيها إلى الله صلى لأجلها رغم بغضه لها.
جلس على سريره و طار الوسن من عينيه، إنه لم ينم إطلاقاً منذ البارحة، ذلك الخبر اوقظ حواسه لكنها نائمة في ذات الوقت إذ أنه لم يسمع نداء زملائه عندما استفسروا عن خطبه.
بدى صامتاً و هادئاً على سجيته لكن المختلف بالأمر أنه يترقب لشيء ما و بدى على وجهه التوتر، رغم أن كريس غادر لتوه إنه ينتظر ساعة إتصاله به.
...................
آتت ساعات الليل الأولى و ما زالت جويل تحاول بكل قوتها الضئيلة المتبقية أن تمنح طفلها الحياة التي يبتغيها لكن الألم ما كان يرحم ساعات عذابها الشّاقة و الطويلة.
وقف الطبيب بعجز أمام عائلتها التي تنتظر خبر ولادتها منذ أكثر من عشر ساعات و قال بنبرة يائسة.
" حاولنا بكل الطرق مساعدتها لكن وضعها الصحي أصبح عصي على الولادة، سننقلها إلى غرفة العمليات لنقوم بالولادة القيصيرة."
وافقت العائلة على قول الطبيب لكنه بقي واقفاً ممتعض الملامح حتى أثار الريبة في نفوسهم.
" تكلم أيها الطبيب "
تحدث بهذه دي او منشقاً عن الصمت فأوجز الطبيب.
" هي بوضع صحي لا يتحمل إخضاعها لعملية جراحية، قد تشكل خطر على حياتها لذا نحن بحاجة توقيع زوجها والد الطفل"
تايهيونغ نظر فيهم عاجز عن الإقدام بحركة، يشعر بأن قدميه تيبست بالأرض أو أن لسانه شُل فجأة.
تقدم إليه دي او و دمعته تقف في منبتها.
" لا حل آخر أمامنا، جويل عليها أن تعيش و تمنح الحياة لطفلك، سنتمسك بالأمل مهما كان ضئيل، انقذ شقيقتي مجدداً يا تايهيونغ"
أخفض تايهيونغ رأسه بقلب متوجع ثم هز رأسه إلى الجانبين بعنف عندما شعر بدموعه قد تحررت و كشفت مشاعره، أراد أن يبقى قوي رغم إنكساره، فقط لأجلها.
" هي ستكون بخير"
قالها و حصل على تربيتة على كتفه من يد دي او ثم غادر حاملاً على عاتقه مسؤولية سلامة زوجته و طفله، وقع الأوراق اللازمة و طلب مرافقتها إلى داخل غرفة العمليات.
ما زالت تبكي منذ ساعات الصبح و لكنها تكتم ألمها كلما آتاها الألم أقوى، دخل إليها بعدما تحضرت للعملية و هرع يتمسك بيديها.
وضعت على سرير غرف العمليات و سارع الأطباء في المباشرة بعملهم بعد أن أعطوها تخديراً موضعياً كما طلبت هي لتبقى وقت أطول مع تايهيونغ و لتكون أول من يسمع صوت صياح طفلها حتى لو كان آخر صوت تسمعه.
أشاح تايهيونغ فجأة بوجهه و امتعضت ملامحه بشدة فقالت بإنهاك.
" قاموا بشق بطني"
نظر إليها تايهيونغ و أشاح ببصره عما يفعلوه الأطباء و نظر إلى وجهها المُنهَك ألماً ثم انخفض ليقبل جبهتها.
" سأحترم أمومتكِ طالما حييت"
تبسمت بوهن و هو ما أفلت يدها أبداً، كانت أوقاتاً عصيبة و جويل ما زالت تحمل نُتف قوى تتشبث بها لإنقاذ طفلها.
صوت صياح حاد ثم ضحكة تايهيونغ السعيدة، قبّل جبهة جويل مجدداً و تريث ينظر إلى الطفل كي يميز جنسه.
إستبشر ملتفتاً إلى جويل يخبرها.
" إنها فتاة!"
اضمحلت تلك الإبتسامة على شفتيها حتى اختفت و تلاها عبوس شديد، عبس مستفهماً.
" ألا ترضينها؟! إنها ابنتنا!"
كاد الطبيب أن يضع المولودة على صدرها لكنها نفرتها بقسوة.
" أبعدها عني، لا أريد رؤيتها!"
نظر الأطباء في بعضهم بجهل ثم أطاعوا قولها، إنه ليس الوقت الذي سينقاشوها به عن أسباب رفضها لطفلتها.
توجهوا إلى عملهم في غلق الشق الجرحي، تايهيونغ تنهد مستاءً لكنه تمسك بيدها، لن يتركها في هذه اللحظات حتى لو كره منها فعلتها هذه.
في منتصف عملهم هذه إستاءت فجأة مؤشرات جويل الحيوية بشكل خطير جداً، جويل شعرت بأنها ما عادت بخير إطلاقاً و تايهيونغ ما تزحزح من مكانه بقربها.
ضغطت على يده فأومئ لها مستمتعاً، سقطت دمعة من عينها و ابتسمت بوهن ثم قالت.
" إن حدث لي شيء فأني اوصيك بها، لا تجعلها عُرضة للخطر و احمها بدمائك، كن نِعم الأب يا تايهيونغ، لا تجعل بيكهيون أو أي من ذريته يعلموا عنها شيء، أرجوك!"
نفى تايهيونغ برأسه و اجتذب تشابك ايديهما إلى صدره قائلاً بهلع.
" لا تقولي ذلك، أنتِ ستكونين بخير و جناحيكِ أنتِ من سيلُم صغيرتنا، كوني بخير و لا تحرميها من حنانكِ أرجوكِ يا جويل ابقي معي و تمسكي بيدي، لا تضعفي، أنا ما خلتكِ بهذه القوى و هذا الجلد العظيم، أنتِ أقوى مما تظنين، أرجوكِ يا جويل لا تستسلمي و قد إلنا إلى النهاية"
سارت دمعة من عينها إلى صدغها إلا أنها احتفظت بإبتسامتها الخاملة.
" لقد أحببتك بحق يا تايهيونغ!"
اصابه الفزع عندما تساقط وعيها كما الرماد عندما كنسته رموشها و تعاضدت تطرد الوعي خارجها، بهلع صرخ بأسمها و لجأ إلى هزها بسريرها بجرحها بلاوعيها بقوة.
" جويل! جويل افيقي! جويل ليس هذا ما تعاهدنا عليه، لا تتركيني الآن حبيبتي أرجوكِ، جويل!"
أخرجوه الأطباء بالقوة و هو إنهار أرضاً أمام باب غرفة العمليات يبكي بجنون و ينفي برأسه غير مقتنعاً لما حدث للتو.
" لم يحدث لها شيء، هي بخير، هي بخير!!"
لم يسمع حديث عائلتها إليه و كأنه لشدة هلعه أصابه الصمم، ما استطاع حمل نفسه على قدميه بل ضل غارقاً بصورتها و هي تفقد الوعيد و صوت طفلته الصغيرة يرن في أذنه رفقة وداعها الأخير الذي خصت فيه ابنتهما الصغيرة التي رفضتها للتو.
تمسك دي او بكتفيه و حاول هلعاً أن يعلم ما مقدار الضرر الذي أصاب اخته لكن تايهيونغ كان غارق في كلماتها و صورتها، لا يشعر بما يحدث حوله لشدة هلعه.
" تايهيونغ، تكلم! ما الذي حدث لجويل؟!"
تقدم دي او من البوابة يحاول تجاوزها لكن السيدان دو و كيم تمسكا به و اجبراه على الجلوس، والدا تايهيونغ أتيا إلى المستشفى بعدما وصلهم خبر جويل من تايهيونغ.
في هذه اللحظة قد قرروا أن يتجاوزا عن رفضهم لعودة جويل مع تايهيونغ و رفضهم لكل ما يحدث لأجل أن يساندوا ابنهم الوحيد في هذا الوقت العصيب و خير ما فعلوا.
السيدة كيم على الأرض جاثية تحتضن تايهيونغ و تحاول تهدئته و إخراجه من الهلع الذي أصابه و السيد كيم تارة يواسي تايهيونغ تارة عائلة جويل.
خرج الأطباء بعد وقت طويل و قد أصابهم الإنهاك بالفعل و الطبيب أعلن.
" لقد أنجبت السيدة طفلة و قمنا ببعث الصغيرة لإجراء الفحوصات الروتينية اللازمة لنتأكد من سلامتها أما الأم فوضعها صعب"
وقف دي او و تقدم إلى الطبيب بقدمين من هُلام.
" ماذا تقصد؟ ما بها جويل؟!"
تنهد الطبيب ثم بعبوس فسّر.
" حالة الرحم و الحوض لديها تؤهلها لولادة طبيعية يسيرة لكن السبب الذي أدى بها إلى هذه الحالة آتٍ من عوامل خارجية، قد تكون جسدية أو نفسية لكننا لا نستطيع فعل شيء طالما هي فاقدة الوعي"
وقف تايهيونغ و قد إكتفى من الإستماع و اجتذب الطبيب من تلابيب قميصه يصيح فيه بقهر.
" كُف عن الثرثرة و اخبرني متى ستستيقظ؟!"
تفلت الطبيب الشاب من غلظة يد تايهيونغ و قال.
" معها ثلاثة أيام، إن ما استيقظت خلالهم ستكون عُرضة للوفاة، هي نفاس و المرأة بهذه الفترة تكون بأكثر حالاتها الصحية ضعفاً."
ترهلت ذراعي تايهيونغ إلى جانبيه مخذولاً و استمع إلى الطبيب بقلب متهاوي.
" إن أستيقظت سنبحث في الأسباب التي أدت بها إلى هذه الحالة كي لا يتكرر الأمر مجدداً ذلك إن كانت بحالة جسدية قادرة على الإنجاب مجدداً و هذا إحتمال ضئيل"
تجاوزهم الطبيب و توجه إلى عمله و خلف بظهره ظهوراً قد كُسِرت و قلوب نزفت، جويل ثمينة، ثمينة للغاية!
..........
آتت ساعة منتصف الليل و حيث اتفق بيكهيون أن يلاقي كريس وجده، ضبط بيكهيون القلنسوة على رأسه بينما يقول.
" ما الذي حدث معها؟!"
تنهد كريس حزيناً ثم قال.
" لقد أنجبت و لكنها ليست بخير، إن لم تستيقظ خلال ثلاثة أيام ستموت"
أشاح بيكهيون برأسه ناحية النافذة و أشار لكريس بجانبه أن يقود السيارة، لن يسمح لأحد يرى الجوى الذي أصابه فجأة فكبته حتى عن نفسه و ما إعترف به.
فكر أنه لو ما صلى لها لعاشت، ربما أراد لها في أوقات كثيرة أن تموت و هو في الزنزانة منعزلاً بين اربعة جدران عن العالم لشهرين و فكر بأفضل طريقة يقتلها فيها لكنه ليس راضياً الآن إطلاقاً.
كان كلما نظر في المرآة و رأى الشيب يغزو رأسه توعد لها بموت وقور كوقارة الشيب في رأسه لكنه الآن لا يريدها أن تموت، على الأقل ليس هكذا، فلينتقم منها أولاً.
تسلل إلى المستشفى بين الإزدحام و إستطاع الوصول إلى حضانة الأطفال حديثي الولادة، نظر في الأطفال جميعهم يبحث عن ضالته حتى وجد طفلة في يدها سِوار صغير كُتِب عليه.
" دو جويل"
إنها هي، لقد وضعت فتاة، تبسم هازئاً و همس.
" بالتأكيد قد كرهتكِ يا صغيرة، كرهت أنها أنجبت فتاة"
أمسك بيدها الصغيرة، قبضتها صغيرة جداً بحجم حبة فراولة فقط.
قهقه بخفة بينما يداعب يد الصغيرة بخفة شديدة خوفاً من أذيتها ثم همس.
" ستحبكِ أمكِ لاحقاً، لا تقلقي يا صغيرتي"
خرج من الحضانة و وقف أمام الفاصل الزجاجي ينظر إلى الصغير حتى آتاه كريس يقف بقربه مرتدياً قلنسوة هو الآخر.
" لقد إنتهيت"
أومئ له بيكهيون بينما ينظر إلى الصغيرة ثم إلتفت مغادراً بهدوء، جاوره كريس في مشيته قائلاً.
" سيدي، ألن نأخذ الطفلة معنا؟! "
تحدث بيكهيون بينما يسير في الأروقة بين الناس بحذر.
" إن كنت تجيد تغيير الحفاظ و تملك ثدياً ترضعها منه اذهب و احضرها"
ضحك كريس بخفوت ثم علق.
" ظننتك يا سيدي تغيرت!"
توقف بيكهيون ثم واجه كريس بقوله و قد انمحت ملامح السخرية عن وجهه.
" إنني حاقد بالفعل لكنني لا أحرم أم من أطفالها و لا أطفال من أمهم مهما كرهت و أردتُ الإنتقام، سأنتقم و لكن ليس هكذا، لي طرقي"
عاد بيكهيون ليسير و كريس يتبعه قائلاً.
"لطالما كانت السيدة جويل بالنسبة لك إستثناء شاذ عن القاعدة، ظننتُ أننا أتينا لنأخذ الطفلة"
ثم أضاف بعدما وجد من رئيسه الصمت.
" إنني أحترمك كثيراً يا سيدي"
توقف بيكهيون عن المسير و إلتفت إلى كريس مرفوع حاجبه عن مضجعه.
" أكنت تتظاهر بأنك تحترمني مسبقاً؟!"
نفى كريس برأسه و بيديه و قد بان على وجهه التفاجئ و برر سريعاً.
" لا سيدي، لا أقصد ذلك، أنا فقط كنتُ متفاجئ!"
وقف بيكهيون و يديه إلى خصره ينتظر تبريراً فعقد كريس يديه أسفل معدته بإحترام و قال.
" لقد استثنيت السيدة جويل من قاعدتك الصريحة بأنك لا تمس إمرأة تحب رجلاً آخر و احترامك للحب، ظننتُ أنها تشذ عن قاعدتك بالنسبة للأمهات"
عاد بيكهيون ليسير و علق.
" لا تشذ إمرأة عن هذه القاعدة مهما كرهتها"
أومئ كريس و سار خلفه بخطوتين.
" و أنا أحترم ذلك سيدي"
توقف بيكهيون فظن كريس أنه سيتلقى المزيد من التوبيخ و هذا ما حدث بالفعل إذ استنكر بيكهيون هازئاً رغم حدة نظراته.
" ما رأيك أن أخيطك بجيدي؟"
كسى اللون الأحمر وجه كريس ثم انحنى و اعتذر ثم غادر، تنهد بيكهيون و التفت يتابع طريقه، مهما وثق في كريس هو بالتأكيد لا يريد أن يراه في حالاته الأخرى المخفية، كالضعف و الحزن.
وقف أمام الفاصل الزجاجي الذي يطل عليها، إنها غافية هناك مجدداً و كأن الزمن يعيد نفسه، لكن هذه المرة لن يمرر على تقاسيم وجهها مسدساً مملوء بالرصاص سينظر إليها من بعيد و حسب.
أسلاك متصلة بأجهزة كثيرة خاضعة بجسدها لها، قناع للتنفس على أنفها و فمها و ملقط يقضم سبابتها، إنها في أكثر حالاتها ضعفاً على الإطلاق، حتى عندما كانت معه بدت أفضل من هذه الحالة.
همس بينما ينظر لها.
" استيقظي، أنا لم أنتهي منكِ بعد، لن أسمح لكِ أن تهربي مني بهذه البساطة، لن أدعكِ تموتي هكذا"
وقف قليلاً ينظر إلى ملامحها المُنهكة، رغم أنه لا يستطيع رؤيتها بوضوح من هذا البُعد لكنه حصل على فرصة لا تفوت في تأملها لأكبر وقت ممكن و قبل أن يثير الريبة و الشك ابتعد ثم غادر بهدوء.
هو واثق أنها ستستيقظ و لن يصيبها مكروه لذا رحل، وقتها لم يحين بعد و ما زال أمامها عمر طويل و طفلة صغيرة عليها أن تربيها.
صعد إلى جانب كريس في السيارة و انطلق كريس إلى وجهته التالية برئيسه، إن الوجهة التالية هي التي ستحمل كل القلق على عكس ما ظن كريس، بيكهيون لم يحاسب نانسي على فعلتها بعد.
وصل كريس بعد قيادة طويلة جداً إلى مزرعة جين خارج المدينة، تريث كريس بالدخول يحدث رئيسه بقلق.
" الآنسة ليست مستثناة من قواعدك العامة، أليست كذلك؟!"
تبسم بيكهيون هازئاً.
" ما عادت حامل لتلمها القاعدة، نانسي قضت على نفسها بيدها"
دخل إلى المنزل و توجه إليها في الغرفة التي تتشاركها مع فلورا و سبق أن شاركتها مع جويل.
" اخرجي أنتِ!"
وجه بيكهيون حديثه إلى فلورا فنظرت إليه بإمتعاض لكنها فعلت فلقد نبهها أخيها بألا تفعل المشاكل.
" و أنت اخرج"
أطاع كريس أمر رئيسه و خرج من الغرفة ليبقى الرئيس رِفقة نانسي النائمة، إقترب ليجلس على طرف السرير بجانبها.
" لا تقتل طفلتك الأولى يا أبي!"
كان لإستنجادها بمشاعره وقع قوي في نفسه، عندما ولدت كان الأكثر فرحاً فيها فلقد رأى فيها فرصة ليخرج عن عزلته أو أن حياته أخيراً سيتشاركها مع أحد.
لطالما كان وحيداً منعزلاً عن بقية الأطفال حتى عن أخيه فلقد كان مُرفه بعكسه، نانسي أضافت لحياته لوناً و طعماً ما جربه قبلها.
لم تكن مشاعره إتجاهها بالية و لم يحزن يوماً إذا أبدت والدته فيها إهتماماً أكثر منه ذلك لأنه لم يراها بعين الأخوة إطلاقاً، ما كانت بالنسبة له أخت و حسب بل إبنة و هدية خالصة بعثها الله إليه لتدخل في حياته البهجة.
في حياة طفل يبلغ من العمر خمس أعوام فحسب.
بيكهيون كان حالماً في صغره و ظن أن خلافات أمه و أبيه الكثيرة لن تبلل ذقنه و أخته ذلك لأنه ما فهم خلافاتهما إلا عندما إشتد عوده و تجرع الحقد حتى بلغ فيه مبلغه هذا.
تجاوز بيكهيون لأجل نانسي الكثير من الفروض التي ألزمها بها والده، يهرب من التدريب ليلاعبها أو يهرب من دروسه حتى يراها فكان جزائه أن أبعدها والده عنها للأبد.
لكنه كانت متعلق بها جداً و قد بدأت تعي أنه والدها ذلك لأنه طالما أخبرها بأنه والدها و أنها أول أطفاله، كان عقله كبير كفاية ليدرك أن والده يرفضها إبنة له فكي يعوض صغيرته نسبها إليه و حاول تعويضها به حتى حين تعلق بها تعلقاً شديداً تدخلت يد والده الغاصبة و سحبتها منه ثم نفتها في أرض بعيدة محال عليه لقائها أبداً.
هكذا دُرِب بيكهيون و تربى على الحِرمان، العُزلة، و العِقاب.
أنَّت على مسامعه ثم أدرات وجهها إلى ناحيته، ثوان قليلة و انفرجا جفنيها تنظر إليه أمامها، بتشوش نظرت إليه حتى أدركت أنه بيكهيون و أنها خالفت قواعده فسارعت للجلوس على سريرها مع شهقة تنم عن فزعها.
راقبها ترتعد خوفاً منه، تقبض يديها إلى صدرها و تنكس برأسها، كما أن ملامحها ممتعضة بألم فربما نهوضها سريعاً أوجعها.
هو ما حرك إلا عنقه ليميل به إلى واجهة توفر له رؤية أفضل إلى ملامحها المذعورة.
" نحن لم نتحاسب بشأن ما فعلتِه"
قضمت شفاهها تحاول رد الدموع إلى أوطانها لكنها كانت آبيّة إلا و الهجرة إلى خارج عينيها.
" لقد خسرتُ ابني"
ظنّت أنه ربما لن يعود و أن ترهيبها قرب الجرف و خسارتها لطفلها ثم رميها هنا عقاباً كافياً لكنها حقاً لا تعرف أخيها كفاية.
قبض على شعرها فشهقت فزعة و هو اجتذبها من شعرها اقرب إليه ثم هسهس قرب وجهها.
" لماذا يوجد طفلاً من الأساس؟!"
شهقت باكية و الذعر أخذ مأخذه منها فقالت ببؤس شديد و رجفة تسيطر على صوتها.
" أخي، أرجوك سامحني، أنا آسفة!"
صفع وجهها بكل الغضب الذي كنّه لها مُذ أن علم بأنها جعلت من نفسها أضحوكة و صيد سهل و وسيلة يسيرة لكن فعّالة للإنتقام منه.
" هل أتى إليكِ؟ هل بحث عنكِ؟ هل حاول مواجهة أي أحد يقربكِ ليحصل عليكِ؟! أين الحب الذي آمنتِ به يا غبية؟! لقد كنتِ بالنسبة له مجرد عاهرة يكسر بها ظهري و أنتِ بالفعل كذلك"
تمسكت بوجنتها التي تشتعل لحراراة الصفعة و لم تقل شيء لأنه ببساطة مُحق، لقد توسلت فلورا كي تتصل به و حالما سمع صوتها أغلق الهاتف في وجهها و ما عاد يستجيب لإتصالاتها أبداً، كان هذا أكبر خذلان تعرضت له في حياتها كلها.
أمسك بيكهيون بذراعها مندفعاً بغضب و اجتذبها إليه ليتحدث بغلظة و ليكن هذه المرة لكلامه تأثيراً في نفسها كي تخافه فعلاً.
" من اليوم و صاعداً ستعيشين كما أختار لكِ أن تعيشي، إن أمرتكِ أن تقتلي نفسكِ ستفعلين، فهمتِ؟!"
أومأت له سريعاً فقال يشدد من غلظة أصابعه على ذراعها.
" ستفعلين ما يملي عليكِ به كريس بأمر مني، منذ اليوم أنا سيحدد كل شيء في حياتك و أنا من سيختار لكِ الحياة التي ستعشينها و أنتِ لا يحق لكِ أن تعترضي"
أومأت له مجدداً.
" حاضرة، سأفعل ما تشاء!"
أفلتها بخشونة ليسقط جذعها على السرير، هي خبأت وجهها بخوف و عار في الوسائد و أخذت تبكي بكل ما حملت من قوة.
نظر إليها قليلاً و كمت تنهيدة ثم خرج من عِندها، آتاه كريس و سار خلفه.
" عندما تصبح بحال جيد اذهب بها إلى الشِقة كما اتفقنا"
أومئ كريس.
" حاضر سيدي"
كاد كريس أن يرافقه خارجاً لكنه تكلم.
" ابقى أنت هنا، سأعود للسجن، اعلمني إن جَدَّ شيء في حالة جويل"
أومئ كريس لرئيسه و قبل أن يغادر بيكهيون سمع صوت فتاة تناديه بوقاحة.
" أنت يا بيكهيون!"
إلتفت بيكهيون عاقداً حاجبيه بأستياء ليرى الفتاة الصغيرة من الداخل و التي بدت له وقحة و الآن ثبت عليها إنطباعه، من السيء جداً أنها صديقة زوجته.
" نانسي تريدك، تستطيع أن تتحدث إليها بدون عنف، تقول أن الأمر يهمك جداً"
تقدم بيكهيون ناحية الفتاة و حالما أصبح أمامها وكز صدغها بسبابته بقسوة حتى أنها تراجعت لترتطم بكريس خلفها.
" تحدثي معي بإحترام و لا تبنيتُ العنف معكِ لغة أيتها الطفلة"
صمتت تنظر إليه بإمتعاض و بيكهيون تجاوزها عودة إلى نانسي أما كريس فهمس بنبرة جافة.
" تستحقين"
ثم دلف و تركها وحدها رفقة غضبها و إشتعالها ذاك، الحق أن نظرات عينيه مخيفة لذا تعذر جويل لأنها تخافه لكنها فلورا التي لا تخاف أحد و لا حتى ذلك البلطجي كما تلقبه.
عاد بيكهيون إلى غرفة نانسي و أغلق الباب.
" إن كان الأمر تافه حقاً ستلفظين أنفاسكِ الأخيرة الآن"
نفت برأسها تقول بهدوء دون أن تنظر فلا جرأة لديها أن تفعل و خصوصاً بعدما اكتشف ما فعلته و بما أنه أكتشفها فعلاً فلا ضير إن إكتشف المزيد.
تذكر يوم بيكهيون ضربها في القصر ثم حبسها بجناحها، يوم أتت إليها جويل و أذنت لها بإستخدام ما تعلمه و لا يعلمه بيكهيون كإنتقام إن خذلها دي او و ها قد خذلها دي او لأجل شقيقته و هي ستسارع بأخذ إنتقامها كأخيها تماماً.
" إنني أعرف شيئاً بخصوص جويل أنت لا تعرفه"
قبض بيكهيون ملامحه بلا فهم ثم قال.
" قولي ما في جعبتكِ دون مقدمات"
استرقت نانسي النظر إلى وجهه لتراقب رد فعله و سردت.
" يوم أقام أبيك حفلاً على شرف زواجك بها ذاك كان أول يوم إلتقينا فيه، كنتُ أنا السبب في إنتكاستها ذلك اليوم"
إزدادت ملامح بيكهيون إمتعاضاً و اقترب إليها قائلاً.
" ما الذي فعلتِه؟! تحدثي سريعاً!"
إزدرئت جوفها تخوفاً من ردة فعله التي هي متأكدة بأنها ستكون عنيفة جداً.
" لقد رأيتها تتبادل القُبل مع كيم تايهيونغ في الرواق أمام الحمام"
صرخت فزعة عندما أسرع إليها و كأن ناراً شبّت فيه فجأة و وثب قرب سريرها بسرعة كما لو أنه فهد شرس.
" أتظنيني أضحوكة لكِ يا ساقطة؟!"
تمسكت برأسها بيديها و قالت فزعة.
" أقسم أن هذا ما حدث، حتى عندما واجهتها قالت لي أنها لا تعتبرك زوجاً لذا هي لا تخونك و لم تخف من تهديدي بأنني سأخبرك، قالت حينها أن أقسى ما قد تستطيع فعله قتلها ثم ستمكث في السجن."
صرخ بها بقوة لكثرة ما هو غاضب و الدم قد ترك دياره الأخرى في جسده و تجمع في وجهه.
" و لماذا لم تخبريني؟!"
رفعت رأسها قليلاً تنظر إلى وجهه الذي يقابلها على بُعد إنشات قليلة و قالت باكية بفزع.
" خشيت أن يتحقق ما قالته، خفت عليك من السجن و ها أنت به بسببها"
إبتعد عنها يسير في الغرفة ذهاباً و أياباً، تارة يتخصر و تارة يمسح بيديه على وجهه، لم تخدعه فقط بالطفل بل كانت تخدعه بنزاهتها معه، لقد ظنها شريفة و هي أكثر النساء عُهراً.
صرخ بغضب يسقط الطاولة بما يعلوها ثم خرج مسرعاً، تبعه كريس إذ أنه أدرك بأنه يجب عليه ألا يترك رئيسه مهما حدث الآن فيبدو عليه أنه ذاهب لإفتعال مصيبة عظيمة إن ما أوقفه كريس عنها ستخلده في السجن.
" سيدي توقف أرجوك و لتهدأ"
قال هذه كريس بينما يلاحق رئيسه يحاول إيقافه من الذهاب إلى أي مكان عدى السجن لكن كريس نال لكمة على وجهه طيرت التوازن من جسده لكنه سرعان ما قوّم عوده و راح يتبع سيده، حتى لو لكمه ألف مرة عليه أن يوقفه.
" سيدي توقف من فضلك، إن فعلت تصرفاً متهوراً الآن ستندم عليه لاحقاً، سيدي ستُكشَف و سيضيع المزيد من عمرك في السجن، أرجوك إهدأ"
ختم كريس حديثه بينما يتقعد بجانب رئيسه في السيارة، بيكهيون أمره بغضب شديد عندما هسهس.
" أخرج!"
رفض كريس أمر رئيسه بجراءة لأول مرة طوال فترة خدمته الطويلة له.
" آسف يا سيدي لكنني لن أخرج"
صرخ بيكهيون بقوة و ضرب المقود بكل قوته قائلاً.
" قلتُ لك أخرج!"
نظر كريس إلى رئيسه رافضاً من جديد حتى أخرج بيكهيون سلاحه من زِنده و وجه فوهته ناحية كريس ثم قال.
" أخرج و إلا قتلتك!"
نظر كريس إلى فوهة السلاح المسددة إلى وجهه ثم إلى رئيسه و همس.
" اقتلني و لكنني لن أنزل"
ألقى بيكهيون المسدس من يده و صرخ غاضباً، كريس ما كان واثقاً بأن سيده لن يطلق النار، كان يتوقع موته بالفعل لكن ثباته على موقفه بدى له أهم من حياته.
إنه يعيش حياة رخيصة بالفعل فلا بأس إن خسرها لسبب ثمين كما يرى.
" أعتذر يا سيدي عن عصيانك و عاقبني بما شِئت لكن الآن أسمح لي أن أقود بك إلى السجن، فلتهدأ يا سيدي و لتفكر بماذا عليكِ فعله فلا تستطيع العودة بالزمن لتغيير الماضي"
...............
" السجين بيون بيكهيون"
رفع يده و هو مضطجع على سريره.
" هنا"
ثم غادر الحرس بعدنا تفقدوا المساجين الذين يتظمنوه ثم هو عاد ليفكر بماذا عليه أن يفعل، يريد أن يحرق قلبها كما فعلت به.
لو تركه كريس الليلة الفائتة لقتلها و قتل كيم تايهيونغ معها و وفر على العائلتين مصاريف بيوت العزاء، لولا كريس فقط.
...............
وقف جين قُرب الباب الذي يطل على نانسي التي تتمدد على سرير جويل سابقاً، فور أن رأته جلست على السرير تنظر إليه و لكن بالنظر إلى الطريقة التي ينظر بها إليها فضلت أن تشيح ببصرها عنه.
" هذا السرير الذي تنامين عليه سبق و أن نامت عليه تلك التي أوشيتِ بها إلى أخيكِ طوال عام بلياليه هرباً منه"
نظرت إلى جين بلا فهم فدخل عقر الغرفة عاقداً حاجبيه ينظر لها بغضب.
" لقد أنقذتها بيديّ من الموت الذي دفعها أخاكِ إليه، لقد دفعها للإنتحار و لولاي لماتت في النهر، إن ما كانت أكلتها الأسماك لأكلها التراب بسببه."
تقدم نحو دولاب الثياب و فتحه على مصراعيه ليخرج كومة فساتين و يلقيها على سرير فلورا.
" أترين هذه الفساتين؟! كلها لها، هنا حيث عاشت عام كامل تخلت عن هويتها و عائلتها و مستقبلها و كل شيء حتى خطيبها الذي أفشيتِ به فقط لتبقى بخير بعيداً عن شقيقك، كي لا تزهق المزيد من الأرواح"
أخفضت نانسي برأسها إلى حِجرها و هو ارتفع صوته يوبخها و قد تفلتت أعصابه أخيراً.
" بعدما تزوجت بتايهيونغ أخوكِ إختطفها و اعتدى عليها ثم أرغمها أن تتزوج به و تقولين خانته؟! ألا تدركين أن عقد الزواج دون موافقتها باطلاً؟! هل ارتحتِ الآن؟! هل انتقمتِ؟! و ما شأنها هي بأن أخيها خدعكِ؟! ألم تكوني أنتِ الغبية التي سلمته جسدها بلا أي إتفاق رسمي بلا أي ضمانة؟! لماذا الآن تحمليها ذنبكِ؟! ألا يكفيها ما هي به بالفعل؟!"
تصبغ وجه جين باللون الأحمر و نانسي أخذت تبكي بصوت مرتفع، جين معه حق، هي كانت تلك الفريسة السهلة لإنتقام جديد، هي من باعت نفسها بثمن بخس و ما استمعت لتحذيرات أخيها رغم أنها تدرك أنه لطالما كان على حق.
أرادت أن تكسر سيطرة بيكهيون عليها و تتحرر من قيوده، ارادت أن تخرج من القصر نكاية به و تعيش الحياة التي تريدها مهما كانت متهورة، الآن لا يحق لها لوم أحد سوى نفسها، لكن ما عاد ينفع ندمها لقد أخطات بحق نفسها و ورطت جويل مجدداً مع أخيها.
خرج جين من الغرفة غاضباً و التقى بكريس الذي كان قادماً لسماعه صياح جين و بكاء نانسي، وقف جين أمام كريس و بعصبية قال.
" خذها و اذهب من هنا، و اياكم و العودة!"
تجاوزه جين و كريس تنهد ملتفتاً فرأى فلورا تقف قرب الباب بملامح حزينة، تنهد بأستياء ثم دخل إلى نانسي يطلب منها أن تجهز نفسها ثم خرج.
أوقفته فلورا قرب الباب عندما بسطت راحتها على ذراعه فالتفت ينظر لها.
" ماذا سيفعل رئيسك بجويل؟!"
تنهد كريس ثم قال.
" لا أعلم، ما عدتُ استطيع أن اخمن أفعاله"
كمشت بأناملها قماش سترته و قالت.
" أرجوك احمِها، إنني أرجو أحد لأول مرة في حياتي، قدر هذا و احمها، حسناً؟!"
نظر إليها دون أن يرد، هذه الفتاة تشبهها كثيراً، ذات الطيبة و الأخلاق الحميدة إلا أنها تختلف عنها بشيء واحد، هذه الفتاة قوية لا تخشى أحد و لا تهاب شيء، لم يفكر طوال سنين عمره بإمرأة، الآن يفعل بسبب هذه الطفلة.
لا يدرك لماذا تنخر تفكيره مؤخراً، كلما أغلق عينيه يرى وجهها و كلما رآها أمامه اضطرب شيء في قلبه، يخشى أن يكون قد وقع في فخ الحب الذي وقع فيه رئيسه.
هو لا يستطيع أن يمنحها شيء لأنه قد كرّس حياته لأجل رئيسه و لأجل بيكهيون يتخلى عن الجميع حتى سعادته لذا من الأفضل ان يبتعد كي لا تنمو هذه المشاعر أكثر و تتجاوز إرادته.
أومئ لها ثم حرك قدميه يبتغي الخروج لكنها مجدداً تمسكت بذراعه و عندما نظر إليها كانت ملامحها الناعمة قد اخشوشنت بغضب، رفعت سبابتها الرفيعة في وجهه و هددت.
" إن فعل ذلك البلطجي شيء بصديقتي سأخبر الشرطة أنه يخرج من السجن بعونك!"
عينيه اقتصرت النظر على سبابتها الرفيعة في وجهه بغية التهديد، رفع يديه فارتفع حاجبها و تخصرت بغضب، تظن أنه كان سيضرب يدها لكنه فقط قصد تعديل سترته.
" لسانكِ يا طفلة!"
رمقته بإزدراء و هو تجاوزها خارجاً، على عتبة الباب ابتسم، إنها شقية و هذا اكثر ما يجذبه إليها.
أغلقت الباب بخشونة بغضب ثم زالت ملامحها الغاضبة و إتكأت بظهرها على الباب، جمعت كفيها إلى صدرها و بنبرة حالمة قالت.
" أحبك أيها البارد!"
نانسي سمعت إنتحابة فلورا و لم يسعها سوى أن تبتسم رغم أنها في أكثر حالاتها بؤساً، بقدر ما هدمت ستحاول الإصلاح تعويضاً لربما سامحت نفسها على الأقل.
............................
مر يوم بأكمله و عائلة جويل يتشبثون بأملهم بأنها ستستيقظ و تعود إليهم سالمة، تأكدوا الأطباء أن صحة المولودة جيدة و لكن الأم ما زال الخطر يحدق بها.
تايهيونغ و دي او رفضا العودة إلى المنزل و الكِبار غادروا على أن يعودوا في الصباح بآمال متجددة.
رغم أن العلاقة بين تايهيونغ و دي او ليست طيبة كلياً إلا أن صعوبة الوقت و الموقف الحاضر جعلهما يتجاوزا ذلك، جويل هي الأكثر أهمية الآن.
يجلسان على كرسي الإستراحة الذي يقابل الفاصل الزجاجي الذي يطل عليها، خرجت الممرضة التي كانت لديها لتفقد حالتها سريعاً تهرول إلى غرفة الأطباء مما جعلهما يشعران بالقلق.
وقف الشابان لينظرا إلى الداخل ثم أتت الممرضة يسبقها ثلاثة أطباء، حاوطوها و أخذوا يفحصوها، تايهيونغ و دي او أبدا قلقاً عندما نظرا ببعضهما بلا فهم ثم إلتفتا للنظر إلى الداخل.
مرّ وقت يتجاوز العشر دقائق حتى خرج الأطباء من لديها، أوقفوهم الشابين عن المرور و تايهيونغ قال.
" هل هناك أي تطورات بحالتها؟!"
تبسم الطبيب مستبشراً.
" نعم، لقد أستيقظت و الآن أستطيع أن أبارك لك بطفلتك و بعودة زوجتك أيضاً"
اتسعت عينا تايهيونغ سعيداً بما سمع ثم قهقه فرحاً بينما الطبيب يربت على كتفه، فجأة باغته دي او بحضن قوي وزعا فيه فرحهما على شكل ضحكات سعيدة.
" جويل عادت، جويل بخير!"
مسح تايهيونغ دموعه و دي او فعل ثم ربت على كتفه قائلاً.
" الآن أبارك لك الطفلة و سلامة جويل"
قهقه تايهيونغ سعيداً و همس.
" شكراً لك"
اخرجوا جويل و وضعوها في غرفة عادية و أذنوا لعائلتها بالدخول إليها، دخل إليها الرجلين و كلاهما إحتضناها في آن واحد و هي ابتسمت لهما.
" أنا بخير!"
............................
سلاااااااام
أظن سبب التأخير واضح، هيني طولت لكم البارت و اطول من هيك مافيه، خمس آلاف كلمة، يا ويلها إلي تقول قصير😒
أنسيت أعايدكم🤭
كل عام و انتو بخير و ينعاد عليكم بالصحة و السلامة و السعادة يا قلب الماما♥️
البارت القادم بعد 200 فوت و 200 كومنت.
١. رأيكم ببيكهيون؟! ردة فعله على كلام نانسي و لقائه بالطفلة و جويل؟!
٢. ماذا تظنون أن بيكهيون سيفعل؟! كيف سينتقم من جويل على كذبها عليه؟!
٣.رأيكم بتايهيونغ و الحالة التي وصل إليها بسبب تدهور وضع جويل الصحي؟!
٤.رأيكم بجويل و ما حدث معها؟! لماذا رفضت طفلتها؟! و ما الذي سبب لها ولادة عسيرة كهذه؟!
٥.رأيكم بنانسي و فعلتها للإنتقام؟ و كيف تتوقعون مصيرها؟!
٦.رأيكم بفلورا القوية و كريس الذي يرفض الوقوع في الحب؟!
٧.رأيكم بجين و انفلات غضبه على نانسي؟!
٨. رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі