CH88|| بين نارين
" بين نارين"
فوضى صمتاء لجّتها، ذلك عندما سمعت صوته آتٍ من خلفها، الأسوء أنها لا تدري لأي حد قد سمع من نجواتها.
" إنني أتحدث إليكِ يا جويل، لِمَ تبكين؟ و مع من كنتِ تتحدثين؟!"
مسحت دموعها سريعاً عن وجنتيها، و إلتفتت إليه تبتسم بزيف، كانت في قعر الجناح تقف، تحديداً قُرب النافذة التي تطل على شُرفتها، هناك أجابت إتصال الطبيبة سُرى.
و بيكهيون لم تشعر عليه عندما دخل، و أمسك بها بالجرم المشهود تتحدث بهذه النبرة الراجية و الدموع الكثيرة، لذا ساوره الشك و ساورها الخوف.
كان يقف مستنداً إلى الحائط بيمينه و ساقيه متقاطعين، يعقد ساعديه فوق صدره، و ملامح وجهه معقودة، تلك الهيئة الجديّة التي ظهر بها مسحت حتى إبتسامتها المُزيّفة.
رمقته بتوتر، و بنبرة مُرتابة أجابته.
" لا عليك، ليس بالأمر الذي يهمك، أنا بخير"
إرتفع حاجبه إستهجاناً لإجابتها، التي لم ترق له إطلاقاً، و همس.
" هذه ليست الإجابة التي أنتظرها"
رفعت يدها إلى عُنقها تُدلكها بتوتر، تفكر ماذا عليها أن تقول، أيُ كذبة قد تُسعفها بموقفها هذا، هي ليست خائفة من رد فعله ضدها، بقدر ما هي تخاف أن يُعرقل الخُطط، التي تقوم بصياغتها بالخفاء عنه.
أما بيكهيون فقد أقام نفسه عن الحائط، و تقدم منها بخطوات رزان، ما توقفت عن نخر قوتها على الصمود، و جعلت الضعف غصباً يتسلل إلى نفسها.
وقف أمامها، و أمسك بمعصمها لينزله عن عُنقها بلطف، إذ أنه يدرك أن حركتها تلك تنم عن توتر شديد، و هو متأكد أنها تُخفي عنه شيء، و هو لا يريد أن ينفعل و يخيفها، لكنه دون أن يشعر كان يخيفها، بذات الهدوء و الإحتراز المُهيب الذي ينتعله.
" ماذا تُخفي عني؟!"
نفت برأسها تنفي عنها تهمته، بينما تخفضه عنه كي لا تقدر عيناه الخبيّرة على قراءة ملامحها، و قالت.
" لا أُخفي عنك شيء، صدقني إنه أمر لا يهمك"
و بيكهيون رجل عنيد ذا رأس يابس و مزاج عكر إن تعلق الأمر بأمرٍ يريده، و هو يريد أن يعلم ما تخفيه عنه مهما كان تافهاً و لا يهمه.
بسط أنامله النحيفة حول ذقنها و رفع وجهها إليه، بينما يفعل كمشت جفونها بقوة و إزدرئت جوفها، تكره أنه يُضيق عليها الفُرص كما الآن، تكره إصراره هذا حتى لو كان منبعه القلق و الإهتمام.
فتحت عيناها على وجهه المُزيّن بملامح هادئة، لا تظنها تنم عن حقيقة مشاعره الآن، فجويل تدري أن صمتها يثير سخطه.
و هو هدد.
" لن يمُر هذا اليوم قبل أن تتحدثي"
بعد إرتباك شديد، و عِراك صامت مع سِنحته، التي لا تلين قررت أن تعترف، و تخبره بكل شيء.
على آية حال، هذا اليوم لن يَمُر حتى لو تحدثت جويل بما تُخفيه عنه، لا تستبعد غضباً أهوجاً منه، لكنها ستحمي خُطتها منه مهما حدث.
تمسّك بكتفيها، و شتتها عن أفكارها لتستعيد وعيها معه، فنظرت إلى وجهه الكاظم غيظه، عندما تحدث بنبرة تخلل إليها ذاك الغيظ الذي تهاب.
" تحدثي يا جويل و إلا عرفت بطُرقي ما تخفينه عني، لكنني حينها قد لا أكون لطيفاً حتى لو كان السبب تافه و لا يهمني"
تنهدت بأستياء تنظر إليه، ثم أومأت تستسلم، ستخبره بما تخفيه، و ليحدث ما سيحدث.
" أنا..."
بمجرد ما فتحت فاهها لتتحدث طُرق الباب، هو تنهد بغضب يُفلتها، فدائماً ما يأتي تدخُل خارجي في أكثر اللحظات حرجاً و أهميّة بينهما.
أما جويل فزفرت أنفاسها، تتحسس فوق قلبها حيث قلبها ينبض على رنّات طبل، شاكرة لمن طرق الباب أياً كان.
" أدخل"
بإنزعاج وقف متخصراً و أذن للطارق أن يدخل، فأطلّت من خلف الباب إحدى العاملات، و تحدثت بنظرٍ يلُم الأرض.
" سيدي، الشُرطة هنا"
سُرعان ما تراجعت جويل مُرتعبة، و بيدها تتمسك بطنها، يبدو أن تايهيونغ أخبرهم بأنها من أصابته في صدره، و لا تظن أنها ستبرأ من شر فعلتها هذه.
بيكهيون إلتفت سريعاً ينظر إليها ترتعد أضعاف ما كانت عليه بين يديه قبل ثوانٍ فحسب، لذا زلف منها حتى حطّ براحتيه على كتفيها، و همس يطمأنها.
" لا تخافي يا جويل، قولي أنكِ لم تفعلي، و أنا سأكون معكِ!"
نفت برأسها و الدموع ملأت عيناها تقول.
" لا أستطيع، سأقول الحقيقة، لقد حاولت أن أدافع عن نفسي، و سأتلقى حُكماً مُخفف، لكنهم لو اكتشفوا أنني أكذب سيضعوني في السجن لسنين طويلة!"
رجّت كلماتها رجاحته و هدوءه، و وجد نفسه بلا سيكرة ينفضها بين يديه بشيء من القوة، لعلها خرجت من موج الخوف الذي غرقت فيه، و استمعت إليه، هو لن يكون مستعداً لخسارتها إطلاقاً.
" جويل! أخبرتكِ أن تفعلي ما قُلته! أخبريهم أنكِ لم تفعلي فقط، أنا سأتدبر أمركِ، لا تخافي!"
أومأت له سريعاً و دموعها تنساب على وجنتيها، تنهد يجتذبها إلى صدره حتى يحضنها، و يُدفئ أركانها التي تجمّدت فجأة خوفاً.
لقد شحب وجهها و شفتيها ترتعش، جويل أرق من أن تقف خلف القُضبان، هي طفلة صغيرة بجسد إمرأة فحسب، هي هكذا بالنسبة له.
مسح على شعرها بلطف و قال.
" ثقي بي، سأكون معكِ"
أمسك بيدها، ثم سار بها ناحية دورة المياه في جناحهما، أوقفها أمام المغسلة، ثم ملئ كفه بالماء، و مسح به على وجهها يتحدث.
" لا تخافي، تحدثي معهم بهدوء، و تمسّكي بيدي، حسناً؟!"
أومأت، فابتسم لها بخفة لعله مدّها بالطمأنينة، ثم وضّب لها شعرها بأنامله و رتب لها فُستانها الكرميلي، أحاط بذراعه كتفها، و خبأها أسفل عِضده بينما ينزل بها للأسفل.
وجد عُنصرين من عناصر الشُرطة يجلسان في صالة الجلوس و قد قدمت لهما أمه القهوة، اجتذب جويل برفق و جعلها تجلس، ثم جلس بجانبها قائلاً.
" نحن هنا، اطرحوا إسئلتكم لكن لا تضغطوا على زوجتي، فهي حامل و مُتعبة"
أومئ الضابط رغم إنزعاجه من بيكهيون، و طريقته في الحديث، نظر الضابط إلى جويل، ثم قال.
" نحن من مكتب التحقيق في سيؤل، أتينا لنطرح عليكِ بعض الأسئلة عمّا حدث معكِ منذ البداية حتى النهاية"
نظرت إلى بيكهيون فأومئ لها أن تفعل، تنهدت ثم سردت عليهم ما حدث، لكنها قصّت من السياق طبيعة الوقت، الذي قضته مع تايهيونغ، و اكتفت بقول أنه يحبسها، و لم تكن تراه كثيراً.
لكنها عندما وصلت إلى وقت حادثة هروبها صمتت، و ذاك جعل بيكهيون يندفع للحديث معها، كما لو أنه يواسيها كي لا يسمح بالشكوك أن تنال منها.
" لا تخشي شيء حبيبتي، تحدثي عمّا حدث، و أنا سأكون إلى جانبك"
أومأت بعد تنهيدة، أغمضت عيناها بتوتر قبل أن تتحدث.
" لقد كُنت أتجول حول المُستودع عندما سمح لي بذلك، سمعتُ صوت الرصاص فجأة فالتفت إنتباه رجاله إلى الصوت، و أنا أستغللت الفرصة لأهرب"
همهم الضابط يدرس ملامحها بعينيه.
" و أنتِ لا تعرفي من ضربه بالنار؟"
نفت برأسها و قالت.
" لا، لا أعلم، لقد هربت و لم ألتفت، كانت فرصتي للنجاة"
نهض الضابط بعد ثوانٍ و تحدث.
" حسناً سيدة بيون جويل، لو طرأ أمر جديد رجاءً أعلمينا"
أومأت ثم وقفت تشكرهم حُسن عملهم، و حتى غادروا وضعت يدها على قلبها، و أنهارت على صدر بيكهيون تستكين، هو احتضنها برفق، و ربّت على شعرها قائلاً.
" لقد أحسنتِ عملاً، ما من داعي للخوف!"
أومأت جويل، ثم استندت على نفسها، و رفعت بصرها إليه تقول.
" شكراً لأنك معي دوماً!"
تبسّم، و قبّل جبهتها قبل أن يبتعد عنها، بسبب شقيّة صغيرة تعلقت بساقه، إنخفض بجذعه كي يحمل جيني على ذراعه، و طبع على وجنتها قُبلة.
نظر في وجهها اللطيف، و هي كانت تبتسم بظرافة، ثم فجأة إقتربت منه، و عضّت وجنته جعلته يُخرج آهاً من بين شفتيه.
قهقه بخفة يبعدها عنها، ثم بطرف سبابته لاطف وجنتها المُمتلئة قائلاً.
" تعُضّيني أيتها الطفلة الفاسقة! كيف سأخرج إلى العمل بوجه قد تم عضه؟!"
قهقهت جيني تلف ذراعيها القصيرة حول عُنقه.
" بابا... قُبلة"
بالطريقة التي تحدثت بها جعلتها لطيفة إلى أقصى أحد، و لم يشعر بيكهيون بنفسه عندما جلس بها، و أخذ يدغدغها بشفتيه و أنامله، و صوت ضحكاتها قد تحول لصرخات.
و هاي هي بيرل تركض إليهما بعد سمعت الصوت كي لا يفوتها وقت اللعب مع بابا، و بفمها قنينة الحليب تتمسك بمقابضها الوردية بيديها الصغيرة.
ضحك بيكهيون من جُب قلبه، و رفع بيرل إلى حضنه يلاعبها هي الأخرى قائلاً.
" تركضين كبطريق صغير أصفر اللون أيتها المُشاغبة!"
لكن بيرل تمكّنت من قضم أنفه و ذلك جعله يصرخ متألماً، لكنها ضحكت تتشفى به، ثم الصغيرتان تجاهلنّ والدهن و أخذنّ يلعبنّ فيما بينهنّ.
جويل شعرت بالطمأنينة فجأة إثر ذلك، هذا المشهد الذي طيلة شهور رسمته في ذهنها، لقد كان صعباً عليها أن تستحضره بخيالها بغيّة اصطياد الأمل إلى أوكار نفسها، لكنه الواقع الآن، الواقع الذي حاربت لأجله.
أقتربت جويل من الصغيرتين، ثم أمسكت بأيديهنّ و أخذتهنّ للأعلى لتحميمهن، أما بيكهيون فبقيّ جالساً ينظر ناحية أمه، التي تشغل نفسها بقنوات الأخبار كما كانت تفعل قديماً، و لكنها تتجاهله، إنها غاضبة منه.
نهض على قدميه يزفر بضجّة، ثم سار إليها يعقد كفيه خلف ظهره، حتى أصبح خلف أريكتها تماماً قال.
" أمي رأسي يؤلمني"
أجابت بينما تنظر إلى التلفاز بنبرة باردة.
" اذهب إلى زوجتك، ستصرف لك دواء مناسب"
قضم شفته السُفلى يكظم ضحكته، ثم إنخفض بجذعه ناحيتها يقول.
" لطالما كان العلاج في مشروباتكِ السحريّة، هيا يا أمي اصنعي لي شيء أرجوكِ!"
نظرت إليه بإنزعاج، لكنه أبدع في رسم وجه لطيف لا يظهر إلا لأمه، فزفرت أنفاسها تستلم لظرافة ملامحه، و نهضت تتفقده.
إنخفض بجذعه عندما رفعت يدها إلى جبهته، فعلقت.
" لستَ بهذا الطول كي تنحني"
تحمحم مُحرجاً، ثم زفر أنفاسه بريح غاضب عندما تجاوزته، لِمَ يصرّون على أنه قصير؟
هو طويل بالفعل...
لحق بها إلى المطبخ، و كطفل أمه تعلق بجيدها بينما تُحضر له مشروباً ما.
لم يهتم لنظرات العاملات أو ضحكاتهنّ المكبوتة، هو فقط ضل مُلتصقاً بأمه كظِلها، إلتفت له أخيراً، و وضعت بيده كأس الشراب، ثم تجاوزته للخارج.
عادت لتجلس أمام التلفاز و هو جلس بجانبها، شرب كأسه دفعة واحدة، ثم تنهد يمدد نفسه على الأريكة، و وضع رأسه في حِجرها.
تنهدت بأستياء قبل أن تهتف.
" متى تكُف عن أفعالك الطفولية هذه؟! انهض عني!"
حرك كتفيه بلا إهتمام لتوبيخها، و ضع رأسه في وضعية أكثر راحة في حِجرها، حينها حاولت إنهاضه عنها، لكنه إلتفت و اقترب منها حتى أحاطها بذراعيه، و وضع رأسه فوق كتفها يقول.
" أمي أنا طفلك، ألن تسامحيني؟!"
نفت تحاول إبعاده.
" لا، لستَ طفلي، أصبحت رجل البيت الذي تطاول على أمه و حبسها"
عقد كفيه خلف ظهرها يصر على البقاء ملتصقاً بها، و قال.
" أمي، أسحب كلامي، سأترككِ تتحركي كما شئتِ"
إحترازاً قالت.
" ماذا عن نانسي؟!"
تنهد يبتعد عنها، ثم جلس قِبالتها يقول.
" هي لن تعود إلى كيونغسو و هذا قطعيّ"
أومأت.
" طالما هو لا يريدها فحسناً، و لكن لن تجبرها على الزواج من جين"
أشاح إلى يمينه بشيء من الإنزعاج، بان لها تصرفه رفضاً فحاولت النهوض، لكنه تمسّك بها و جعلها تجلس قائلاً.
" انتظري... حسناً"
تبسّمت مستبشرة.
" لن تجبرها على الزواج بجين؟!"
تنهد يجيب.
" لن أجبرها على الزواج به، لكنها لن تعود إلى كيونغسو لو مهما حدث، سأمنحها الفرصة لتختار، و لكن أخبريها أن يكون أختيارها صحيح هذه المرة"
أومأت لإبنها، ثم بفرحة أم احتضنته بحفاوة جعلته يضحك، ثم نهضت سريعاً إلى جناح نانسي تنقل لها الأخبار السعيدة.
بيكهيون رفع رأسها ينظر إلى أمه التي إختفت في الطابق العلوي، ثم تحمحم عندما وجد جويل تعقد ساعديها إلى صدرها، و تبتسم من أعلى السُلم، نزلت إليه حتى جلست بجانبه تتحسس جبهته.
" ليس عليك حرارة، أكان رأسك يؤلمك حقاً؟"
نفى و بغرور قال.
" بالطبع لا، أنها فقط تمثيلية"
ضحكت بخفة قبل أن تحيط عنقه بذراعيها، و تولج نفسها في كُنفه تعانقه و يعانقها.
" الآن قمت بالفعل الصحيح، بما أن نانسي إبنتك الأولى، لن يهون لك بها أن تعيش حياة تعيسة"
زفر أنفاسه و أراح رأسه على كتف جويل، لا يدري لما يشعر بالراحة حيال ذلك، لربما هذا هو التصرف الصحيح، الذي كان عليه القيام به منذ زمن.
..............................
لقد كُنت في وهم طيلة عمري، لربما يقظتي أتت متأخرة، و لكنني على الأقل إستيقظت.
و لكن ما الفائدة؟!
ها أنا محجوز في مصحّة نفسية مثلي مثل المجانين، لقد كان هذا مصيري في نهاية المطاف و مصير حُبي العقيم.
وضعوني في هذه المصحّة، إنها في بوسان، طردوني خارج سيؤل حتى، قالت الطبيبة أن ذلك لحفظ سلامتي...من بيكهيون لربما.
تُسمى قرية الشفاء...
أنها أكبر مما تكون مُستشفى نفسيّة عادية، هي مدينة مصغّرة، أخبرتني الطبيبة أنها ستكون معي هنا، و هي المسؤولة عن حالتي، و ستتابع معي العلاج و تراقب وضعي.
لي غرفة واسعة من ضِمن المكان، إنها غرفة عادية، لا تشعرني بالتوعك أو أنني حقاً في مستشفى.
أمي و أبي لا يعلمون بشيء فرحلتهم بالخارج قد تطول لفترة طويلة و هذا جيد، لا أريد أن أسبب لهم المزيد من القلق.
نهضتُ إلى دورة المياه و أمام المرآة وقفت، لقد طال شعري قليلاً و تموّج، لكن جسدي ضعيف، شققتُ قميصي و نظرتُ في صدري.
هذا ما نِلته من جويل و حُبها، آثار رصاص في صدري، و رصاص مخفيّ يوخز قلبي.
لقد أحببتها بكل ما أملك من مشاعر و قوة، حاربتُ الجميع لأحصل عليها، دمرتُ نفسي لأجلها، و هذا ما نِلتُه، عِللٌ فحسب.
خرجتُ لأقف إلى الشُرفة، أشعر بالحرية، لا أدري كيف رغم أنني محبوس جسدياً ممنوع من الخروج، لكنني أشعر بالحرية، بالحرية من جويل.
لقد مرّت مُدة منذُ أن كُنت هنا، الطبيبة سُرى تأتي كل يوم لأجل جلسة نفسية، و أنني أواضب على شُرب ما تصرفه لي من دواء.
إنني أحاول إستغلال وقتي بفائدة، في البداية كنتُ أواجه صعوبات في التعايش و التقبل، لكنني الآن أتقبل مصيري أياً كان.
وعدتني الطبيبة أنني إن أظهرت تحسُناً في حالتي، ستحضر لي بيرل لأراها.
يا لي من أب سيء!
لم أفكر بها إلا قليلاً، أمها كانت تشغل تفكيري على الدوام، و كأن حياتي خالية من الجميع إلّاها.
الآن حياتي تحوي الكثير من الأمور، لكن على رأس القائمة هناك بيرل، عليها أن تفهم أنني أبيها، و أنني سأعمل على تعويضها، و بناء حياتي من جديد بمجرد ما أخرج من باب هذه المستشفى.
سيكون لدي عملي لأطوّره، و ابنتي لأحتضنها، و قلب لأقفله للأبد... فما عاد للحب مكان بيني و بيني، و أنني مُعتزل النساء حتى أموت.
كنتُ بإنتظار الطبيبة سُرى أن تأتِ، لقد حان موعد الجلسة لليوم.
و بالفعل ها هي تطرق الباب، ثم دخلت تبتسم في وجهي.
" مرحباً سيد كيم، هل أنت مستعد لجلسة اليوم؟"
أومأت، سأكون دوماً مُستعد لإستعادة نفسي، فأشارت لي أن أخرج برفقتها، كانت تسير بمحاذاتي، و على غِرار بقية المرضى أنا لم أكن مُقيّد أو أياً كان، أنا فقط سرت بجانبها بهدوء.
لستُ مختلاً عقلياً، أنا فقط متوعكاً نفسياً... أنا بخير و سأكون بخير أكثر.
ولجتُ مكتبها، الذي إعتدتُه مؤخراً، يحوي غُرفة داخلية مُظلمة بعض الشيء، هناك تجلس معي، و أحياناً تنومني مغناطيسياً.
مددت جسدي إلى الكرسي المائل ذاك، و هي جلبت كرسي و جلست تحمل معها ملفي و قلماً، الضوء كان بمُحاذاة رأسي، و هي تجلس في الظل.
" حسناً سيد كيم، كيف تشعر اليوم؟!"
تنهدتُ أريح رأسي، و أغمضت عيناي براحة.
" بخير، إنني أفكر بالمستقبل"
قبضت حاجبيها قليلاً، أنني لأول مرة منذ أن بدأ العلاج أتحدث بشيء خارج إطار جويل.
" مثل ماذا؟!"
" أريد أن أهتم بابنتي، أطور عملي، أمارس هواياتي، و أعيش بسعادة!"
هتفت سُرى بحفاوة.
" هذا تقدم رائع يا تايهيونغ، يسعدني أنك بدأت تفكر بأمور كهذه"
إبتسمت، أشعر بالسعادة...
أشارت لي نحو ساعة البندول و قالت.
" أحتاج لقراءة عقلك الباطن، لذا سأقوم بتنويمك"
.....................
تتبع حركة البنادول بعينيه حتى غفى، و قفز ذهنه إلى مشهد آخر.
" سيد كيم، أخبرني ما الذي تراه؟"
عكّر حاجبيه، و انعقدت ملامحه، يقول بصوتٍ خالجه الوجع.
" أرى نفسي، لقد كنتُ سعيداً معها"
عادت ذاكرته إلى يوم أتت عائلته إلى منزل والدها لخطبتها رسمياً، في الليلة التي سبقت؛ أخبرها أنه سيأتي لها يحمل معه مفاجأة، لكنها إطلاقاً ما فكّرت بأن هديته ستكون خاتم زواج.
كان قد أنهى درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال حديثاً، و كان قد اشترط على أبيه أن يخطب له جويل مقابل أن يعمل بجد في الشركة.
و هذا فعلاً ما حدث، كان الآباء يناقشون خطط عقد الخطوبة، و هو ينظر إلى السُلم حيث من المفروض أن تنزل.
لكنها كانت خجلة يومها، و مترددة، لم تكن جاهزة بدنياً و لا حتى نفسياً... لذلك تطوع دي او يومها بأن يرافق تايهيونغ إلى الجناح، و بطريقة خاصة أن يضع في أصبعها خاتمه.
طرق الباب بهدوء بعدما غادر دي او يتمنى له الحظ، و عندما سمع صوتها من الداخل تأذن له بالدخول، دخل يسير ببطئ إلى الداخل، كي يكون بصره قادراً على إحتواء التُحفة الفنيّة التي سيراها.
كانت تقف إلى مرآتها، و ترتدي فُستان خمريّ يبرز إنحناءات خصرها و رتابة جسدها، كانت تحاول عقد القلادة حول عنقها، و لكنها دوماً ما كانت تحتاج المساعدة بهذا الشأن.
إقترب بهدوء و خِلسة، ثم لمس بأطراف أصابعه أصابعها فشهقت بخفة تبعد يداها، لكنه عقد لأجلها القلادة.
" تايهيونغ!"
جعلها تلتفت إلى المرآة، و احتضنها من خِلاف يسند ذقنه على كتفها و قال.
" قلب تايهيونغ متعطل حالياً لفرط تدفق الدماء، لكن حواسه تعمل بشكلٍ يفوق المُعتاد"
ضحكت بخفة و وضعت يدها على وجنته تقول.
" كيف أبدو؟!"
زفر أنفاسه يمثل التفكير بينما يقضم شفتيه ثم همس.
" ينقصكِ شيء واحد فحسب"
أخذت تتفحص نفسها في المرآة بحرص، و بشيء من التوتر قالت.
" لا أريد أن أبدو ناقصة أمام عائلتك، اخبرني ماذا يلزمني؟!"
بغتةً رفع شعرها عن كتفها، و اندست أنفاسه في مِحراب نحرها، ذلك قُبيل أن يطبع قبلة عميقة هي الأولى من نوعها بينهما على عُنقها، جعلها ترتعش رعشة العذراء بين يديه.
" تايهيونغ! توقف! لا تترك أثراً!"
لكنه قصد أن يترك أثراً و ما ابتعد حتى نال مُبتغاه، لكنها هربت من بين يديه سريعاً، و إختبأت بدورة المياه.
سُرعان ما سمع صوتها تتباكى من الداخل بسبب فعلته المُخلّة بعنقها.
" كيف سأخرج الآن؟!"
تنهدت سُرى بينما تُضيء عليه الغرفة، و كان آخر قوله و هو نائم.
" تلك الذكريات هي كل ما بقي لي منها"
عادت لتجلس في مكانها أمامه و قالت.
" سيد كيم، تستطيع أن تنهض الآن"
فتح عينيه على صورة السقف، نبضات قلبه متسارعة و أنفاسه متتابعة، يشعر بالحر، و وجنتيه مُبتلة.
هذه معضلة، في كل مرة يستيقظ من نومته هذه يجد نفسه على هذا الحال، همس بشيء من القنوت.
" ألا أُحرز أي تحسن؟!"
تبسمت الطبيبة تجيبه.
" بلى، إنك تتحسن، عقلك الواعي في تحسن مستمر، و رغبتك في العلاج هي أقوى الركائز التي نستند عليها، سيتبع رغباتك عقلك الباطن مع الوقت و الكفاح"
دونت الطبيبة سُرى في ملفه تاريخ اليوم، و بخانة المستجدات كتبت لا شيء.
هو لا يتطور، حالته الصحية مقترنة بصحة عقله الباطن المُكبل في حب جويل و ذكرياته معها، لكن في خانة الإيجابيات كتبت أنه يحرز تقدماً في التفكير في مستقبله.
و كطريقة لتحفيزه و رد مجهوده، ابنته الصغيرة ستكون قد وصلت الآن، و بغرفته تنتظره.
عاد تايهيونغ إلى غرفته، و تقدم بكسلٍ إلى الداخل تتبعه الطبيبة، فالطريقة التي سينفعل بها لرؤية ابنته ستحدد حقيقة كم يرغب بالعلاج.
كانت الطفلة بين بعض الألعاب تجلس على سريره، تحيطها الوسائد كي لا تقدر على القفز هنا و هناك.
إنها طفلة شقراء بملامح كورية و حدقتين خضراء، ترتدي فُستاناً من الجينز و تلهو بألعابها.
تايهيونغ ما إن وقع بصره على السرير تجمّد لوهلة و هو ينظر لها، راودته مشاعر كثيرة بل هاجمته هجوماً شرساً، شوق و حنين، إثم و ذنب، ألم و حب، و الكثير...
ابتلع غصته، و اقترب بهدوء منها، و للفت إنتباهها همس بإسمها فالتفتت إليه، كانت تنظر ناحيته بجهل، لكنه عندما إبتسم إبتسمت، هي ما عادت تُميّزه، لكن قلبها الصغير يضحك لأي من ابتسم لها.
جلس على طرف السرير ينظر في النمو الذي طرأ على حجمها، إنها مُمتلئة و جميلة، تلعب و تضحك، تعيش جيداً بدونه.
إقترب منها حتى وضع أصابعه على وجنتها، و داعب المارشميلو هناك بلطف حتى ضحكت، ثم صرخت الطفلة لكثرة الحماس حينما حملها بغتة و بسرعة بين يديه، و ضمها إلى صدره بقوة.
مُعتادة هي أن تلف ذراعيها حول عنق أي من يعانقها، و كانت تلك بادرة بريئة و لطيفة منها جعلته يخفي ملامح وجهه فيها، و يبكي بهدوء شوقاً لها.
أنه يكمش فُستانها بيديه، و يحتضنها بحفاوة إلى صدره، بكى حتى إرتفع صوته، و مازّت نبرة الشوق فيه، بكى حباً فيها.
" أنا إسف يا ابنتي، سامحيني يا ابنتي أرجوكِ، سأكون لكِ أفضل بابا، أنا أعدك يا روح بابا"
حينها نغمت بصوتها الرقيق.
" بابا... بابا؟!"
أومئ، و وضعها على قدمه بينما يشير لها عليه، و دموعه مدراراً على وجنتيه.
" نعم نعم، أنا بابا، أنا أبوكِ، أنتِ كل ما تبقى لي، لذا أرجوكِ يا ابنتي لا تتخلي عني، أنا بابا، أنا الذي أنجبتك، أرجوكِ لا تنسيني!"
الصغيرة إعتادت أن لا تحب الدموع رغم أنها لا تفهم سبب ذرفها، إقتربت منه و مسحت بكفها الصغير وجنته تقول.
" لا بابا، بكاء لا!"
إبتسم بين دموعه، و جلب يدها الصغيرة، ليطبع في باطنها قُبل عميقة، حينها الصغيرة إبتسمت، و حملت لعبتها تلعب بها.
لكن تايهيونغ لم يقدر أن يتجاوز مشاعره إطلاقاً، جعلها ترتاح على صدره، و جمع لها ألعابها في حجره كي لا تبتعد عنه.
سُرى خرجت تمسح دموعها ثم ابتسمت تهمس.
" هذا تقدمٌ جيد!"
تايهيونغ شارك ابنته ألعابها و لاعبها، سرَّح لها شعرها، و رتب لها فستانها.
و عندما شعر بالحياة تدب فيه بسببها، تدب به كما لم يحدث منذ زمناً طويل جداً، نهض يحملها على ذراعه، و هي صرخت تضحك إثر إرتفاعها المفاجئ.
ضحك بخفة و حاجبيه قد حلّقا، فهي بشوشة تجبر الفرح أن يقتحم صدره، قبل وجنتها ضاحكاً، ثم وضع التلفاز على إحدى الأغاني المخصصة للأطفال.
رفع الصوت على آخره، و رقص مع طفلته على ذراعه بكل حفاوة و إحتفال، لقد كانت تصرخ لكثرة ضحكاتها و حماسها، و هو يتحرك بحيوية و يرقص معها، و صوت ضحكاتهما قد تجاوز باب غرفته.
بعد وقت طويل تمدد أرضاً و وضعها بجانبه يلهث أنفاسه قائلاً.
" لقد تعبت و أنتِ ما زلتِ تضحكي"
قهقه بخفة إستهجاناً عندما وجدها تحاول تقليد الطريقة التي يتنفس بها، قعد على الأرض و جلبها نائمة أسفل يده، ثم راح يدغدغها و يداعبها بحفاوّة.
" يا مشاكسة، تهزأي من بابا!"
كان ذلك أسعد يوماً في حياته إطلاقاً، و الساعات التي قضاها معها كانت أجمل أوقات عمره.
نامت بيرل في النهاية لكثرة ما لعبت، و رغم أنه لم يُرد أن تنام و أراد أن يستغل كل دقيقة له معها، لكنه لم يقدر أن يمنعها عن النوم، خصوصاً أنها بدأت مُنهكة لكثرة ما لعبت.
وضعها على سريره و جعلها تنام على ذراعه، طوال غفوتها كان ينظر في وجهها، يتحسس بشرتها، يقبلها، يملئ كيانه بها.
و لكن ساعة الفُراق قد حانت، فها هي الطبيبة تدخل، و بدت مُحرجة أن تطلبه تسليمها لها، لكنه تبسّم بإنكسار و همس.
" إن كنتُ قادراً أن آراها دوماً فلا بأس"
إبتسمت سُرى تومئ.
" بلى، ستراها دوماً"
أومئ تايهيونغ و نهض يحملها بين يديه، سلمها بحذر شديد للطبيبة، ثم أسرع بجلب سترة له، و وضعها عليها يقول.
" ابقي هذه عليها كي لا تشعر بالبرد"
حمل يدها بخفة و طبع قُبلة عليها، ثم بسبابته داعب وجنتها قائلاً.
" تعالي دوماً لرؤية بابا و اللعب معه، وداعاً ملاكي"
اليوم قد إكتشف جانب غائر في شخصيته، الأب الذي يُحب ابنته بكل طاقته، الآن يفهم مشاعره أفضل ناحية ابنته، فهم أنه لأجلها سيقدر على نفسه و يعود أفضل مما كان عليه، لأجلها قبل نفسه.
................................
في صبيحة يوم ما، يومٌ مهم جداً، فاليوم لن يكون يوماً عادي، ربما سيعلق في ذاكرتها للأبد، لربما يزول قمره على رؤية دموعها على وسادتها، أو ضحكات تستخف خوفها الحالي.
لا تدري، فقط تتمنى لو اليوم يمُر سريعاً، و هي تنام في أحضان الغد بأمنٍ و رحابة صدر.
اليوم، يوم المواجهة، المحكمة سوف تُعقد اليوم، لقد سبق و تخلّفت جويل عن الجلسات السابقة، و ناب عنها محامٍ و ذلك أيضاً مع بيكهيون.
لكن اليوم هي الجلسة النهائية، و اليوم سيقضي القاضي بحق تايهيونغ ما يراه يستحقه، لكن بيدها ورقة رابحة، و إن ما نفعت فلديها خُطة بديلة.
لقد سبق و ذهبت بيرل عدة مرّات لوالدها، فهي تخبر بيكهيون أنها ستذهب لزيارة أمها و تأخذ بيرل و جيني، و دي او يتكفل بأخذ بيرل إلى المستشفى و إستعادتها سِراً، ذلك لكي يبقى الأمر سِراً عن بيكهيون.
فبيكهيون لا علم له أن تايهيونغ في مستشفى يتلقى العلاج، كل الظنون أنه بالسجن.
تايهيونغ تستر على فعلة جويل به، و قال أن رصاصة طائشة أصابته، و ذلك نجّاها من مُصيبة كبيرة كادت أن تقع بها.
اليوم إرتدت فُستاناً أسود يصل إلى أسفل ركبتيها، و وضعت فوقه سترة داكنة من الجينز الأزرق، إبتعدت كلياً عن الثياب البيضاء.
ولّت طفلتيها لنانسي التي إستعادت شيء من بهجتها مؤخراً، و خرجت مع بيكهيون و جونغداي كشاهد.
صعدت بجانب بيكهيون، و جونغداي صعد في مقعد كريس في الأمام، و تولّى كريس القيادة، و لكن ذلك لن يخلو من تذمراته.
" انظر إلى نفسك يا جونغداي، حرام على شبابك أن يضيع في المحاكم!"
بيكهيون تنهد بعصبية، و ركل المقعد الذي يجلس عليه قائلاً.
" فلتُحسن لنا بصمتك أيها الناعم!"
أراد جونغداي حينها أن يتفاخر بإمجاده مع النساء، لكن وجود جويل أسكته، هو أراد أن يضفي لمسة مرح على هذا الجوّ المتوتر، و لكن يبدو أنه لن يكن قادراً على إضفاء لمساته.
تنهد بأستياء يبرم شفتيه و إلتزم الصمت، أما في الخلف فجويل ما توقفت عن تعنيف كفيّها بحِجرها و هي تنظر عبر النافذة، بدت متوترة على آخرها، و لم تلحظ قلق بيكهيون الذي يشكل غمامة فوق رأسها.
أمسك بيدها فإلتفتت إليه، شابك أصابعه بأصابعها و ربتّ على وجنتها قائلاً.
" لا تخافي، أنا معك!"
إبتسمت بإرتباك و لكنها أومأت على آية حال، جويل ليست خائفة إلا من بيكهيون و غضبه لاحقاً، تتمنى أن يتفهم موقفها و حسب.
وصلت السيارة أمام قصر العدل، فترجل بيكهيون يسبقها، ثم إلتفت ليفتح لها الباب، و ساعدها على النزول.
هو لم يتصرف بنُبل بسبب تجمهر الصحافة و عدسات المصورين، بل فقط لأنها بحاجته، و ابنه يزعجها بما فيه الكفاية.
عكف ذراعه لأجلها و تأبطته، ثم دخل بها يتبعهما كريس و جونغداي،
جلسا الزوجين في صندوق الإدعاء، ثم بعد هُنيهة إنفتح صندوق الإتهام، جويل نظرت ناحيته، لم يقع بصره إلا عليها.
تقدم بهدوء حتى جلس قِبالتها، و رغم أن المسافة بينهما بعيدة شعر أنها قريبة جداً، أقرب إليه من الوريد.
أحاط بيكهيون كتفها بشيء من القلق و الكثيرة من الغيرة، و إجتذبها إليه يقول.
" لا تخافي منه"
أومأت، و بيكهيون تمسّك بها و كأنه مسبقاً يحسم نتيجة معركة لم تبدأ بعد، أن جويل هي حبيبة بيكهيون و زوجته وحده.
تايهيونغ أسقط من عينه دمعة، و ما بادر بمسحها بل تركها تراها أو تغُضّ البصر عنها، لكنها رأته و فهمت شفتيه التي تحركت بلا صوت.
" ما زلتُ أريدك!"
تنهدت جويل تصرف النظر عنه، ثم وقفت كما الجميع عندما دخل القاضي و أعلن بدء الجلسة، الكثير من الأحداث جرت في هذه القاعة، و حينما ظن بيكهيون أن كل شيء إنتهى إلى هذا الحد، تفاجئ بمحامي الدفاع يطلب شهادة الطبيبة بيون سُرى، التي كان ضمن الحضور و لكن بيكهيون لم يلحظها.
وقفت في محل الشاهد، و جويل سمعت بيكهيون يقول بإستهجان.
" ماذا تفعل هذه هنا؟ لا أريد أن أصل لإستنتاج أنها تقف هنا بصفتها طبيبة نفسيّة"
جويل ابتلعت ردها، و لزمت الصمت تستمع إلى الطبيبة سُرى تقول.
" أنا الطبيبة بيون سُرى، طبيبة بالأمراض النفسية في مستشفى قرية الشفاء"
قدمت هويتها و بطاقة المزاولة على الطاولة، فإذن لها القاضي أن تتحدث، لذا أكملت و قد إمتدت يدها بملف للقاضي.
" حضرة القاضي، هذا ملف إستطباب المتهم كيم تايهيونغ و هو مريض لدي، أنا المسؤولة عن حالته في المستشفى، و ذلك الملف يحوي مشكلاته النفسية التي تحوله عن تلقي العقوبة، و تلزمه بالعلاج"
إرتفعت بعض الأصوات قي القاعة، فلجئ القاضي إلى مطرقته قائلاً بصرامة.
" إلزموا الصمت!"
ثم إلتفت إلى سُرى و تحدث.
" أوجزي حالته النفسية من فضلك"
" لقد قمتُ مع فريق مُختصّ بمستشفى جويل بتشخيص حالته بشكلٍ دقيق، و كانت النتيجة أنه مريض بالحُب المرضي، الهوس المرضيّ، و الوسواس القهريّ"
علق القاضي بينما يتصفح الملف قائلاً.
" إنها وثيقة مؤكدة تحوي توقيع الفريق الطبي، مدير المستشفى، و مالكة مستشفى جويل"
سُرعان ما نظر بيكهيون إلى جويل فانكست برأسها، و كمشت على ثوبها بقوة.
" تلك الوثائق تؤكد أنه قام بهذه الأفعال الإجرامية بتأثير من المرض، و عدالتكم تقضي بإنصافه و معالجته، شكراً لك سيدي"
و مع ختام هذه الكلمات نزلت سُرى عن المنصّة، و استدعى القاضي جويل لتقف في مكانها، نهضت جويل بإرتباك حتى وقفت على المنصّة، و رغم أن نظرات تايهيونغ لم تتزحزح من عليها، هي لم تنظر إليه إطلاقاً، يكفيها أنه بخير و يتعالج.
" سيدة دو جويل، هل تُقرين بجميع التُهم الموجّهة ضد كيم تايهيونغ؟ و تريدين حقكِ منه؟"
جويل زفرت أنفاسها من أعماق صدرها قبل أن تجيبه.
" نعم أُقِرّ بها، و لكنني أسامحه، لا أريد منه حقي!"
وقف بيكهيون مدهوشاً مما قالت، فقضمت شفتيها خوفاً و لكنها أصرّت على مسامحته فحسب.
توّجه كل شخص فيهم إلى مكانه، و عادت لتجلس بحانب بيكهيون، الذي سينفجر بها فور أن يستفرد بها.
" قررت المحكمة حضورياً بأن كيم تايهيونغ مُدان بمحاولة قتل بيون بيكهيون في برشلونة أسبانيا، و اختطاف دو جويل لمدة ستة شهور قسراً، كما أنه مُدان بمحاولة قتل كيم جونغداي و إختطافه"
توجه سؤال القاضي إلى تايهيونغ.
" هل تعترف سيد كيم تايهيونغ بأفعالك؟"
أومئ.
" أعترف"
اتبع القاضي.
" بالنظر إلى الأدلة و الإثباتات التي تثبت إعتلال نفسيّة المتهم، فقد قررت المحكمة أن تلزمه بالعلاج و ترفع عنه العقوبة، و دفع غرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين دولار بما تسبب به من مشاكل دولية مع الصين و أسبانيا، رُفِعَت الجلسة!"
......................
خرج بيكهيون يستشيظ غضباً من قصر العدل، و ترك جويل خلفه بصُحبة كريس و جونغداي، كانت جويل تتقدم بقدم و تتأخر بعشر، أرادت أن تصرخ أنها لا تريد الصعود مع بيكهيون.
خصوصاً بعدما قبض على يدها في الداخل، و حتى أنّت حررها، لكنه لم يفكر بل نهض و خرج فوراً يأمر كريس بجلبها إليه.
وقفت بظهر كريس عندما وصلت السيارة، و رفضت أن تصعد عندما فتح لها كريس الباب، لكن في نهاية المطاف ما كان لديها سوا هذا الحل، أن تصعد برفقته خصوصاً أنه رمقها بغضب و أشار لها بعينيه أن تصعد.
صعدت بجانبه و تحاشت كل تنهداته و تمتماته، و فقط إلتصقت بالنافذة تنتظر الوصول، كي تختبئ في جناحها بعيداً عنه.
فورما وصلوا القصر فتحت الباب تريد الخروج، لكنه سبقها عندما أمسك بذراعها فإلتفتت له، وجدته يصرّ على أسنانه و يُكلمها بسخط.
" ابقي في السيارة، لا تحاولي أن تهربي مني"
نزل من السيارة، و أمسك بمعصمها، ثم سحبها خلفه بشيء من القوة إلى المُلحق، أدخلها أولاً ثم دخل بعدها، و أغلق الباب بالمفتاح قبل أن يلتفت لها بسِنحة غاضبة.
" ما الذي فعلتِه من خلف ظهري؟"
إلتزمت الصمت و انكست برأسها، و لكنه عندما لكم المكتب بقوة و صرخ، شهقت تنتفض في مكانها، و نظرت إليه مدهوشة.
" و اللعنة تحدثي! ماذا فعلتِ؟!"
إقترب منها سريعاً يدفع بكل ما يعيقه إليها عن الطريق فيصبح رُكاماً، تقدم منها متجهماً متهجماً، لذا إحترازاً رفعت ذراعيها تحاول حماية نفسها، و استنجدت مرعوبة.
" بيكهيون إهدأ أرجوك، سأخبرك!"
أمسك بها من كتفيها فأغمضت عيناها تخوفاً، لكنه جعلها تجلس على الكرسي، و وقف يعقد ساعديه إلى صدره أمامها يأمر بغضب.
" تحدثي!"
أومأت، ثم عاونت نفسها بنفس عميق، لكن نظرها لم يرتفع عن حِجرها، لا تريد رؤية وجهه المخيف هذا.
" لقد طلبتُ من الطبيبة سُرى أن تُعاين تايهيونغ، و تتولى معالجته لو تم تشخيصه بالفعل"
همهم فاتبعت.
" و قد تشخيصه بالفعل في مشفاي، و صحّته النفسية تستدعي أن يتم نقله إلى مستشفى مؤهل و الحجر عليه هناك"
و هو اتبع سارداً شكوكه.
" و استعنتِ بجونغداي كي يضعها في مشفاه، أليس كذلك؟"
نفت برأسها قائلة.
" لا، تلك كانت محض صُدفة، لم أكن أعلم أن جونغداي هو الوريث الشرعي للمستشفى"
همهم بيكهيون، ثم اقترب ليجلس على طرف الطاولة أمامها، ثم رفع بأصابعه وجهها إليه قائلاً.
" و لِمَ يا زوجتي العزيزة فعلتِ هذا رغم أنكِ تعلمين أنني لن أكون راضياً؟!"
إزدرئت جوفها بتخوف لكنها قررت مواجهته، فأبعدت يده عنها و قالت.
" الأمر لا يتعلق برضاك، إنقاذ حياة إنسان عندي أهم!"
لم يكن قادراً على استيعاب ما تفوهت به للتو، فهمس يتحصّن بنُتف الصبر الباقية.
" هل سمعتِ ما تفوهتِ به للتو؟!"
نظرت في عينيه الساخطة و قالت.
" ظننتُ أنك ستفهمني!"
إنكمشت على نفسها عندما ركل الطاولة، و أسقطها بما حملت و صاح.
" لن أفهمكِ أيتها المرأة المجنونة، أنسيتِ ماذا فعل بنا؟ تريدني أن أذكرك؟!"
نهضت عن الكرسي، و ابتعدت عنه سريعاً تنفي برأسها قائلة.
" لا أريد أن تُذكرني، أنا لم أنسى، لكنه مريض و هو لم يقم بفعل شيء عن وعي"
أمسك بها من ذراعها، و جعلها تقف إلى الحائط ليحاصرها بذراعيه.
" أنتِ تدافعين عنه الآن؟! هل بقي في قلبكِ شيء له يا زوجتي؟!"
عقدت حاجبيها بأستياء، و وضعت يديها على صدره تحاول إبعاده.
" عندما كُنتَ في محله و عفوت عنك لم يكن لك شيء في قلبي"
نظر لها مدهوشاً، ثم فجأة ضحك مستهجناً ما قالت، لكن ملامحه الغاضبة لم تفتر.
" أنتِ تقارنين بيني و بينه الآن؟ بماذا تظنيني سأفكر؟!"
رفعت كتفيها لا تهتم و أجابت.
" عليك أن تفكر بأن ما قام به لم يكن واعياً عليه على الأقل"
" هو يستحق أن أسامحه يا بيكهيون، أنا لا أستطيع مسح وجوده من سِجل حياتي لأنك تريد، بيرل تربطنا حتى لو رفضت الإعتراف بذلك"
" أنا لا أحاول أن أغضبك، أحاول فتح عينيك على الواقع، لتفكر بسويّة، و ليس بأنانية"
أمسك بعِضديها بغلظة، فجعل ملامحها تنكمش بألم.
" أنتِ تفهمين لُطفي معكِ على نحو سيء، و تستغلي أنني أحبكِ كي تفعلي ما تشائي، لكن لا يا جويل، لن أسمح لكِ بهذا، أنتِ إمرأتي أنا و هذا يعني أنكِ لستِ حُرة في تصرفاتك"
تكره أن يعاملها بهذه الطريقة المُجحفة، أن ينسبها له من باب التملك لا الحب، يبقى فيه حِس بيكهيون القديم مهما تغير و تبدل.
" أنا لستُ عبدة، أنا إمرأة حُرّة، بالغة، و راشدة، و حرة في تصرفاتي، لا يحق لك أن تقيدني لهذا الحد لأنك زوجي"
وخز بسبابته صِدغها و بإصرار نبس.
" لأنكِ زوجتي أنا، لستِ حُرّة كما يخال لكِ يا سيدة جويل"
دفعت بصدره عنها و قالت بلا تفكير.
" حتى أنت تحتاج لطبيب نفسي"
رفع يده بتهور، و كاد أن ينزلها قاسية عليها، لولا أنه وعى قبل أن يفعلها، و هي إنكمشت على نفسها، ثم أخذت تبكي.
دفعت به عن طريقها، و هربت من أمامه تبكي، دخلت أبواب القصر، و سريعاً صعدت إلى الجناح تغلقه على نفسها، حتى لم تلتفت للصغار و لا لأي أحد، أرادت أن تنفرد بنفسها بعيداً عنه فحسب.
ركل الباب بقدمه يلحق بها بخُطى سريعة، ولج القصر و لم يجب إستفسارات أمه الكثيرة، صرخ بينما يصعد السُلم إليها، حاول فتح الباب عليها لكنها أغلقته من الداخل، فأخذ يلكم الباب و ينادي عليها من الخارج و يصرخ.
" قلتِ أحتاج طبيب نفسي، افتحي لنذهب له معاً!"
صعد جونغ هيون إليه يتمسك به، و يحاول تهدئته، فصرخ بيكهيون بلا تصديق قائلاً.
" لقد عَفت عنه! سامحته هذه الغبية!"
..........................
و الله ما غبي غيرك انطم😒😒
سلاااااااااااام
كيف حالكم؟ أتأخرت شويتين هالمرة بس معلش، رح حاول ما يصير هذا الشي مرة ثانية، بس لو صار لا تضغطوا علي برسائل، كل دقيقتين رسالة😭😭😭😭
ترا أنا بكيت ع مشهد تاي و بيرل، أثر فيكم؟ و لا أنا دراما كوين؟
اشتقت لبيكهيون الحيوان... سوري نوت سوري😂😂
طبعاً حبيت أنوه، أنا ما بقدر أستعرض علاج تايهيونغ بالتفصيل لأني ما عندي علم كافي بمجال علم النفس، حتى التشخيص النفسي مش من إختراعي أنا سألت صديقة لي بتدرس علم نفس و هي حكتلي أنو ع الأغلب هيك بكون تشخصيه، فلو لقيته أخطاء بهذا المجال تناسوها.
و آخر شي، لما بدكم تنفدوا الرواية، حاولوا تنقدوا الأسلوب و السرد لأنو بهاي النقطة بعتبر نقدك مفيد و بساعدني، بس لما تنقدي الشخصيات و الأحداث هذا لن يغير بطبيعتها، أما بتقبل كل آرائكم بس ما بتقدروا تفرضوا علي الأحداث الي بدكم اياه، أو كيف بدكم الشخصية تصير.
طبعاً ما في شخصية مثالية، لا بطل مثالي و لا بطلة مثالية و لا شي، لأنو هذا الواقع و أنا بحب اكتب بهذا الأسلوب.
بكرا عيد ميلاد شيومين... لا تنسوا الشوكولاتة الساخنة إلى اتفقنا عليها، رح أحتفل معكم بمولده هون، فخلوا عيونكم على حسابي.😁😁😁
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
١. رأيكم ببيكهيون؟ رد فعله على سماح جويل لتاي؟ وقفته معها أمام الشرطة؟
٢.رأيكم بجويل؟ قراراها بالعفو عن تاي و مساعدته؟ مواجهتها مع بيكهيون؟
٣.رأيكم بتايهيونغ؟ حالته النفسية؟ مشهده مع بيرل؟
٤.رأيكم بالسيدة بيون؟
٥.رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
فوضى صمتاء لجّتها، ذلك عندما سمعت صوته آتٍ من خلفها، الأسوء أنها لا تدري لأي حد قد سمع من نجواتها.
" إنني أتحدث إليكِ يا جويل، لِمَ تبكين؟ و مع من كنتِ تتحدثين؟!"
مسحت دموعها سريعاً عن وجنتيها، و إلتفتت إليه تبتسم بزيف، كانت في قعر الجناح تقف، تحديداً قُرب النافذة التي تطل على شُرفتها، هناك أجابت إتصال الطبيبة سُرى.
و بيكهيون لم تشعر عليه عندما دخل، و أمسك بها بالجرم المشهود تتحدث بهذه النبرة الراجية و الدموع الكثيرة، لذا ساوره الشك و ساورها الخوف.
كان يقف مستنداً إلى الحائط بيمينه و ساقيه متقاطعين، يعقد ساعديه فوق صدره، و ملامح وجهه معقودة، تلك الهيئة الجديّة التي ظهر بها مسحت حتى إبتسامتها المُزيّفة.
رمقته بتوتر، و بنبرة مُرتابة أجابته.
" لا عليك، ليس بالأمر الذي يهمك، أنا بخير"
إرتفع حاجبه إستهجاناً لإجابتها، التي لم ترق له إطلاقاً، و همس.
" هذه ليست الإجابة التي أنتظرها"
رفعت يدها إلى عُنقها تُدلكها بتوتر، تفكر ماذا عليها أن تقول، أيُ كذبة قد تُسعفها بموقفها هذا، هي ليست خائفة من رد فعله ضدها، بقدر ما هي تخاف أن يُعرقل الخُطط، التي تقوم بصياغتها بالخفاء عنه.
أما بيكهيون فقد أقام نفسه عن الحائط، و تقدم منها بخطوات رزان، ما توقفت عن نخر قوتها على الصمود، و جعلت الضعف غصباً يتسلل إلى نفسها.
وقف أمامها، و أمسك بمعصمها لينزله عن عُنقها بلطف، إذ أنه يدرك أن حركتها تلك تنم عن توتر شديد، و هو متأكد أنها تُخفي عنه شيء، و هو لا يريد أن ينفعل و يخيفها، لكنه دون أن يشعر كان يخيفها، بذات الهدوء و الإحتراز المُهيب الذي ينتعله.
" ماذا تُخفي عني؟!"
نفت برأسها تنفي عنها تهمته، بينما تخفضه عنه كي لا تقدر عيناه الخبيّرة على قراءة ملامحها، و قالت.
" لا أُخفي عنك شيء، صدقني إنه أمر لا يهمك"
و بيكهيون رجل عنيد ذا رأس يابس و مزاج عكر إن تعلق الأمر بأمرٍ يريده، و هو يريد أن يعلم ما تخفيه عنه مهما كان تافهاً و لا يهمه.
بسط أنامله النحيفة حول ذقنها و رفع وجهها إليه، بينما يفعل كمشت جفونها بقوة و إزدرئت جوفها، تكره أنه يُضيق عليها الفُرص كما الآن، تكره إصراره هذا حتى لو كان منبعه القلق و الإهتمام.
فتحت عيناها على وجهه المُزيّن بملامح هادئة، لا تظنها تنم عن حقيقة مشاعره الآن، فجويل تدري أن صمتها يثير سخطه.
و هو هدد.
" لن يمُر هذا اليوم قبل أن تتحدثي"
بعد إرتباك شديد، و عِراك صامت مع سِنحته، التي لا تلين قررت أن تعترف، و تخبره بكل شيء.
على آية حال، هذا اليوم لن يَمُر حتى لو تحدثت جويل بما تُخفيه عنه، لا تستبعد غضباً أهوجاً منه، لكنها ستحمي خُطتها منه مهما حدث.
تمسّك بكتفيها، و شتتها عن أفكارها لتستعيد وعيها معه، فنظرت إلى وجهه الكاظم غيظه، عندما تحدث بنبرة تخلل إليها ذاك الغيظ الذي تهاب.
" تحدثي يا جويل و إلا عرفت بطُرقي ما تخفينه عني، لكنني حينها قد لا أكون لطيفاً حتى لو كان السبب تافه و لا يهمني"
تنهدت بأستياء تنظر إليه، ثم أومأت تستسلم، ستخبره بما تخفيه، و ليحدث ما سيحدث.
" أنا..."
بمجرد ما فتحت فاهها لتتحدث طُرق الباب، هو تنهد بغضب يُفلتها، فدائماً ما يأتي تدخُل خارجي في أكثر اللحظات حرجاً و أهميّة بينهما.
أما جويل فزفرت أنفاسها، تتحسس فوق قلبها حيث قلبها ينبض على رنّات طبل، شاكرة لمن طرق الباب أياً كان.
" أدخل"
بإنزعاج وقف متخصراً و أذن للطارق أن يدخل، فأطلّت من خلف الباب إحدى العاملات، و تحدثت بنظرٍ يلُم الأرض.
" سيدي، الشُرطة هنا"
سُرعان ما تراجعت جويل مُرتعبة، و بيدها تتمسك بطنها، يبدو أن تايهيونغ أخبرهم بأنها من أصابته في صدره، و لا تظن أنها ستبرأ من شر فعلتها هذه.
بيكهيون إلتفت سريعاً ينظر إليها ترتعد أضعاف ما كانت عليه بين يديه قبل ثوانٍ فحسب، لذا زلف منها حتى حطّ براحتيه على كتفيها، و همس يطمأنها.
" لا تخافي يا جويل، قولي أنكِ لم تفعلي، و أنا سأكون معكِ!"
نفت برأسها و الدموع ملأت عيناها تقول.
" لا أستطيع، سأقول الحقيقة، لقد حاولت أن أدافع عن نفسي، و سأتلقى حُكماً مُخفف، لكنهم لو اكتشفوا أنني أكذب سيضعوني في السجن لسنين طويلة!"
رجّت كلماتها رجاحته و هدوءه، و وجد نفسه بلا سيكرة ينفضها بين يديه بشيء من القوة، لعلها خرجت من موج الخوف الذي غرقت فيه، و استمعت إليه، هو لن يكون مستعداً لخسارتها إطلاقاً.
" جويل! أخبرتكِ أن تفعلي ما قُلته! أخبريهم أنكِ لم تفعلي فقط، أنا سأتدبر أمركِ، لا تخافي!"
أومأت له سريعاً و دموعها تنساب على وجنتيها، تنهد يجتذبها إلى صدره حتى يحضنها، و يُدفئ أركانها التي تجمّدت فجأة خوفاً.
لقد شحب وجهها و شفتيها ترتعش، جويل أرق من أن تقف خلف القُضبان، هي طفلة صغيرة بجسد إمرأة فحسب، هي هكذا بالنسبة له.
مسح على شعرها بلطف و قال.
" ثقي بي، سأكون معكِ"
أمسك بيدها، ثم سار بها ناحية دورة المياه في جناحهما، أوقفها أمام المغسلة، ثم ملئ كفه بالماء، و مسح به على وجهها يتحدث.
" لا تخافي، تحدثي معهم بهدوء، و تمسّكي بيدي، حسناً؟!"
أومأت، فابتسم لها بخفة لعله مدّها بالطمأنينة، ثم وضّب لها شعرها بأنامله و رتب لها فُستانها الكرميلي، أحاط بذراعه كتفها، و خبأها أسفل عِضده بينما ينزل بها للأسفل.
وجد عُنصرين من عناصر الشُرطة يجلسان في صالة الجلوس و قد قدمت لهما أمه القهوة، اجتذب جويل برفق و جعلها تجلس، ثم جلس بجانبها قائلاً.
" نحن هنا، اطرحوا إسئلتكم لكن لا تضغطوا على زوجتي، فهي حامل و مُتعبة"
أومئ الضابط رغم إنزعاجه من بيكهيون، و طريقته في الحديث، نظر الضابط إلى جويل، ثم قال.
" نحن من مكتب التحقيق في سيؤل، أتينا لنطرح عليكِ بعض الأسئلة عمّا حدث معكِ منذ البداية حتى النهاية"
نظرت إلى بيكهيون فأومئ لها أن تفعل، تنهدت ثم سردت عليهم ما حدث، لكنها قصّت من السياق طبيعة الوقت، الذي قضته مع تايهيونغ، و اكتفت بقول أنه يحبسها، و لم تكن تراه كثيراً.
لكنها عندما وصلت إلى وقت حادثة هروبها صمتت، و ذاك جعل بيكهيون يندفع للحديث معها، كما لو أنه يواسيها كي لا يسمح بالشكوك أن تنال منها.
" لا تخشي شيء حبيبتي، تحدثي عمّا حدث، و أنا سأكون إلى جانبك"
أومأت بعد تنهيدة، أغمضت عيناها بتوتر قبل أن تتحدث.
" لقد كُنت أتجول حول المُستودع عندما سمح لي بذلك، سمعتُ صوت الرصاص فجأة فالتفت إنتباه رجاله إلى الصوت، و أنا أستغللت الفرصة لأهرب"
همهم الضابط يدرس ملامحها بعينيه.
" و أنتِ لا تعرفي من ضربه بالنار؟"
نفت برأسها و قالت.
" لا، لا أعلم، لقد هربت و لم ألتفت، كانت فرصتي للنجاة"
نهض الضابط بعد ثوانٍ و تحدث.
" حسناً سيدة بيون جويل، لو طرأ أمر جديد رجاءً أعلمينا"
أومأت ثم وقفت تشكرهم حُسن عملهم، و حتى غادروا وضعت يدها على قلبها، و أنهارت على صدر بيكهيون تستكين، هو احتضنها برفق، و ربّت على شعرها قائلاً.
" لقد أحسنتِ عملاً، ما من داعي للخوف!"
أومأت جويل، ثم استندت على نفسها، و رفعت بصرها إليه تقول.
" شكراً لأنك معي دوماً!"
تبسّم، و قبّل جبهتها قبل أن يبتعد عنها، بسبب شقيّة صغيرة تعلقت بساقه، إنخفض بجذعه كي يحمل جيني على ذراعه، و طبع على وجنتها قُبلة.
نظر في وجهها اللطيف، و هي كانت تبتسم بظرافة، ثم فجأة إقتربت منه، و عضّت وجنته جعلته يُخرج آهاً من بين شفتيه.
قهقه بخفة يبعدها عنها، ثم بطرف سبابته لاطف وجنتها المُمتلئة قائلاً.
" تعُضّيني أيتها الطفلة الفاسقة! كيف سأخرج إلى العمل بوجه قد تم عضه؟!"
قهقهت جيني تلف ذراعيها القصيرة حول عُنقه.
" بابا... قُبلة"
بالطريقة التي تحدثت بها جعلتها لطيفة إلى أقصى أحد، و لم يشعر بيكهيون بنفسه عندما جلس بها، و أخذ يدغدغها بشفتيه و أنامله، و صوت ضحكاتها قد تحول لصرخات.
و هاي هي بيرل تركض إليهما بعد سمعت الصوت كي لا يفوتها وقت اللعب مع بابا، و بفمها قنينة الحليب تتمسك بمقابضها الوردية بيديها الصغيرة.
ضحك بيكهيون من جُب قلبه، و رفع بيرل إلى حضنه يلاعبها هي الأخرى قائلاً.
" تركضين كبطريق صغير أصفر اللون أيتها المُشاغبة!"
لكن بيرل تمكّنت من قضم أنفه و ذلك جعله يصرخ متألماً، لكنها ضحكت تتشفى به، ثم الصغيرتان تجاهلنّ والدهن و أخذنّ يلعبنّ فيما بينهنّ.
جويل شعرت بالطمأنينة فجأة إثر ذلك، هذا المشهد الذي طيلة شهور رسمته في ذهنها، لقد كان صعباً عليها أن تستحضره بخيالها بغيّة اصطياد الأمل إلى أوكار نفسها، لكنه الواقع الآن، الواقع الذي حاربت لأجله.
أقتربت جويل من الصغيرتين، ثم أمسكت بأيديهنّ و أخذتهنّ للأعلى لتحميمهن، أما بيكهيون فبقيّ جالساً ينظر ناحية أمه، التي تشغل نفسها بقنوات الأخبار كما كانت تفعل قديماً، و لكنها تتجاهله، إنها غاضبة منه.
نهض على قدميه يزفر بضجّة، ثم سار إليها يعقد كفيه خلف ظهره، حتى أصبح خلف أريكتها تماماً قال.
" أمي رأسي يؤلمني"
أجابت بينما تنظر إلى التلفاز بنبرة باردة.
" اذهب إلى زوجتك، ستصرف لك دواء مناسب"
قضم شفته السُفلى يكظم ضحكته، ثم إنخفض بجذعه ناحيتها يقول.
" لطالما كان العلاج في مشروباتكِ السحريّة، هيا يا أمي اصنعي لي شيء أرجوكِ!"
نظرت إليه بإنزعاج، لكنه أبدع في رسم وجه لطيف لا يظهر إلا لأمه، فزفرت أنفاسها تستلم لظرافة ملامحه، و نهضت تتفقده.
إنخفض بجذعه عندما رفعت يدها إلى جبهته، فعلقت.
" لستَ بهذا الطول كي تنحني"
تحمحم مُحرجاً، ثم زفر أنفاسه بريح غاضب عندما تجاوزته، لِمَ يصرّون على أنه قصير؟
هو طويل بالفعل...
لحق بها إلى المطبخ، و كطفل أمه تعلق بجيدها بينما تُحضر له مشروباً ما.
لم يهتم لنظرات العاملات أو ضحكاتهنّ المكبوتة، هو فقط ضل مُلتصقاً بأمه كظِلها، إلتفت له أخيراً، و وضعت بيده كأس الشراب، ثم تجاوزته للخارج.
عادت لتجلس أمام التلفاز و هو جلس بجانبها، شرب كأسه دفعة واحدة، ثم تنهد يمدد نفسه على الأريكة، و وضع رأسه في حِجرها.
تنهدت بأستياء قبل أن تهتف.
" متى تكُف عن أفعالك الطفولية هذه؟! انهض عني!"
حرك كتفيه بلا إهتمام لتوبيخها، و ضع رأسه في وضعية أكثر راحة في حِجرها، حينها حاولت إنهاضه عنها، لكنه إلتفت و اقترب منها حتى أحاطها بذراعيه، و وضع رأسه فوق كتفها يقول.
" أمي أنا طفلك، ألن تسامحيني؟!"
نفت تحاول إبعاده.
" لا، لستَ طفلي، أصبحت رجل البيت الذي تطاول على أمه و حبسها"
عقد كفيه خلف ظهرها يصر على البقاء ملتصقاً بها، و قال.
" أمي، أسحب كلامي، سأترككِ تتحركي كما شئتِ"
إحترازاً قالت.
" ماذا عن نانسي؟!"
تنهد يبتعد عنها، ثم جلس قِبالتها يقول.
" هي لن تعود إلى كيونغسو و هذا قطعيّ"
أومأت.
" طالما هو لا يريدها فحسناً، و لكن لن تجبرها على الزواج من جين"
أشاح إلى يمينه بشيء من الإنزعاج، بان لها تصرفه رفضاً فحاولت النهوض، لكنه تمسّك بها و جعلها تجلس قائلاً.
" انتظري... حسناً"
تبسّمت مستبشرة.
" لن تجبرها على الزواج بجين؟!"
تنهد يجيب.
" لن أجبرها على الزواج به، لكنها لن تعود إلى كيونغسو لو مهما حدث، سأمنحها الفرصة لتختار، و لكن أخبريها أن يكون أختيارها صحيح هذه المرة"
أومأت لإبنها، ثم بفرحة أم احتضنته بحفاوة جعلته يضحك، ثم نهضت سريعاً إلى جناح نانسي تنقل لها الأخبار السعيدة.
بيكهيون رفع رأسها ينظر إلى أمه التي إختفت في الطابق العلوي، ثم تحمحم عندما وجد جويل تعقد ساعديها إلى صدرها، و تبتسم من أعلى السُلم، نزلت إليه حتى جلست بجانبه تتحسس جبهته.
" ليس عليك حرارة، أكان رأسك يؤلمك حقاً؟"
نفى و بغرور قال.
" بالطبع لا، أنها فقط تمثيلية"
ضحكت بخفة قبل أن تحيط عنقه بذراعيها، و تولج نفسها في كُنفه تعانقه و يعانقها.
" الآن قمت بالفعل الصحيح، بما أن نانسي إبنتك الأولى، لن يهون لك بها أن تعيش حياة تعيسة"
زفر أنفاسه و أراح رأسه على كتف جويل، لا يدري لما يشعر بالراحة حيال ذلك، لربما هذا هو التصرف الصحيح، الذي كان عليه القيام به منذ زمن.
..............................
لقد كُنت في وهم طيلة عمري، لربما يقظتي أتت متأخرة، و لكنني على الأقل إستيقظت.
و لكن ما الفائدة؟!
ها أنا محجوز في مصحّة نفسية مثلي مثل المجانين، لقد كان هذا مصيري في نهاية المطاف و مصير حُبي العقيم.
وضعوني في هذه المصحّة، إنها في بوسان، طردوني خارج سيؤل حتى، قالت الطبيبة أن ذلك لحفظ سلامتي...من بيكهيون لربما.
تُسمى قرية الشفاء...
أنها أكبر مما تكون مُستشفى نفسيّة عادية، هي مدينة مصغّرة، أخبرتني الطبيبة أنها ستكون معي هنا، و هي المسؤولة عن حالتي، و ستتابع معي العلاج و تراقب وضعي.
لي غرفة واسعة من ضِمن المكان، إنها غرفة عادية، لا تشعرني بالتوعك أو أنني حقاً في مستشفى.
أمي و أبي لا يعلمون بشيء فرحلتهم بالخارج قد تطول لفترة طويلة و هذا جيد، لا أريد أن أسبب لهم المزيد من القلق.
نهضتُ إلى دورة المياه و أمام المرآة وقفت، لقد طال شعري قليلاً و تموّج، لكن جسدي ضعيف، شققتُ قميصي و نظرتُ في صدري.
هذا ما نِلته من جويل و حُبها، آثار رصاص في صدري، و رصاص مخفيّ يوخز قلبي.
لقد أحببتها بكل ما أملك من مشاعر و قوة، حاربتُ الجميع لأحصل عليها، دمرتُ نفسي لأجلها، و هذا ما نِلتُه، عِللٌ فحسب.
خرجتُ لأقف إلى الشُرفة، أشعر بالحرية، لا أدري كيف رغم أنني محبوس جسدياً ممنوع من الخروج، لكنني أشعر بالحرية، بالحرية من جويل.
لقد مرّت مُدة منذُ أن كُنت هنا، الطبيبة سُرى تأتي كل يوم لأجل جلسة نفسية، و أنني أواضب على شُرب ما تصرفه لي من دواء.
إنني أحاول إستغلال وقتي بفائدة، في البداية كنتُ أواجه صعوبات في التعايش و التقبل، لكنني الآن أتقبل مصيري أياً كان.
وعدتني الطبيبة أنني إن أظهرت تحسُناً في حالتي، ستحضر لي بيرل لأراها.
يا لي من أب سيء!
لم أفكر بها إلا قليلاً، أمها كانت تشغل تفكيري على الدوام، و كأن حياتي خالية من الجميع إلّاها.
الآن حياتي تحوي الكثير من الأمور، لكن على رأس القائمة هناك بيرل، عليها أن تفهم أنني أبيها، و أنني سأعمل على تعويضها، و بناء حياتي من جديد بمجرد ما أخرج من باب هذه المستشفى.
سيكون لدي عملي لأطوّره، و ابنتي لأحتضنها، و قلب لأقفله للأبد... فما عاد للحب مكان بيني و بيني، و أنني مُعتزل النساء حتى أموت.
كنتُ بإنتظار الطبيبة سُرى أن تأتِ، لقد حان موعد الجلسة لليوم.
و بالفعل ها هي تطرق الباب، ثم دخلت تبتسم في وجهي.
" مرحباً سيد كيم، هل أنت مستعد لجلسة اليوم؟"
أومأت، سأكون دوماً مُستعد لإستعادة نفسي، فأشارت لي أن أخرج برفقتها، كانت تسير بمحاذاتي، و على غِرار بقية المرضى أنا لم أكن مُقيّد أو أياً كان، أنا فقط سرت بجانبها بهدوء.
لستُ مختلاً عقلياً، أنا فقط متوعكاً نفسياً... أنا بخير و سأكون بخير أكثر.
ولجتُ مكتبها، الذي إعتدتُه مؤخراً، يحوي غُرفة داخلية مُظلمة بعض الشيء، هناك تجلس معي، و أحياناً تنومني مغناطيسياً.
مددت جسدي إلى الكرسي المائل ذاك، و هي جلبت كرسي و جلست تحمل معها ملفي و قلماً، الضوء كان بمُحاذاة رأسي، و هي تجلس في الظل.
" حسناً سيد كيم، كيف تشعر اليوم؟!"
تنهدتُ أريح رأسي، و أغمضت عيناي براحة.
" بخير، إنني أفكر بالمستقبل"
قبضت حاجبيها قليلاً، أنني لأول مرة منذ أن بدأ العلاج أتحدث بشيء خارج إطار جويل.
" مثل ماذا؟!"
" أريد أن أهتم بابنتي، أطور عملي، أمارس هواياتي، و أعيش بسعادة!"
هتفت سُرى بحفاوة.
" هذا تقدم رائع يا تايهيونغ، يسعدني أنك بدأت تفكر بأمور كهذه"
إبتسمت، أشعر بالسعادة...
أشارت لي نحو ساعة البندول و قالت.
" أحتاج لقراءة عقلك الباطن، لذا سأقوم بتنويمك"
.....................
تتبع حركة البنادول بعينيه حتى غفى، و قفز ذهنه إلى مشهد آخر.
" سيد كيم، أخبرني ما الذي تراه؟"
عكّر حاجبيه، و انعقدت ملامحه، يقول بصوتٍ خالجه الوجع.
" أرى نفسي، لقد كنتُ سعيداً معها"
عادت ذاكرته إلى يوم أتت عائلته إلى منزل والدها لخطبتها رسمياً، في الليلة التي سبقت؛ أخبرها أنه سيأتي لها يحمل معه مفاجأة، لكنها إطلاقاً ما فكّرت بأن هديته ستكون خاتم زواج.
كان قد أنهى درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال حديثاً، و كان قد اشترط على أبيه أن يخطب له جويل مقابل أن يعمل بجد في الشركة.
و هذا فعلاً ما حدث، كان الآباء يناقشون خطط عقد الخطوبة، و هو ينظر إلى السُلم حيث من المفروض أن تنزل.
لكنها كانت خجلة يومها، و مترددة، لم تكن جاهزة بدنياً و لا حتى نفسياً... لذلك تطوع دي او يومها بأن يرافق تايهيونغ إلى الجناح، و بطريقة خاصة أن يضع في أصبعها خاتمه.
طرق الباب بهدوء بعدما غادر دي او يتمنى له الحظ، و عندما سمع صوتها من الداخل تأذن له بالدخول، دخل يسير ببطئ إلى الداخل، كي يكون بصره قادراً على إحتواء التُحفة الفنيّة التي سيراها.
كانت تقف إلى مرآتها، و ترتدي فُستان خمريّ يبرز إنحناءات خصرها و رتابة جسدها، كانت تحاول عقد القلادة حول عنقها، و لكنها دوماً ما كانت تحتاج المساعدة بهذا الشأن.
إقترب بهدوء و خِلسة، ثم لمس بأطراف أصابعه أصابعها فشهقت بخفة تبعد يداها، لكنه عقد لأجلها القلادة.
" تايهيونغ!"
جعلها تلتفت إلى المرآة، و احتضنها من خِلاف يسند ذقنه على كتفها و قال.
" قلب تايهيونغ متعطل حالياً لفرط تدفق الدماء، لكن حواسه تعمل بشكلٍ يفوق المُعتاد"
ضحكت بخفة و وضعت يدها على وجنته تقول.
" كيف أبدو؟!"
زفر أنفاسه يمثل التفكير بينما يقضم شفتيه ثم همس.
" ينقصكِ شيء واحد فحسب"
أخذت تتفحص نفسها في المرآة بحرص، و بشيء من التوتر قالت.
" لا أريد أن أبدو ناقصة أمام عائلتك، اخبرني ماذا يلزمني؟!"
بغتةً رفع شعرها عن كتفها، و اندست أنفاسه في مِحراب نحرها، ذلك قُبيل أن يطبع قبلة عميقة هي الأولى من نوعها بينهما على عُنقها، جعلها ترتعش رعشة العذراء بين يديه.
" تايهيونغ! توقف! لا تترك أثراً!"
لكنه قصد أن يترك أثراً و ما ابتعد حتى نال مُبتغاه، لكنها هربت من بين يديه سريعاً، و إختبأت بدورة المياه.
سُرعان ما سمع صوتها تتباكى من الداخل بسبب فعلته المُخلّة بعنقها.
" كيف سأخرج الآن؟!"
تنهدت سُرى بينما تُضيء عليه الغرفة، و كان آخر قوله و هو نائم.
" تلك الذكريات هي كل ما بقي لي منها"
عادت لتجلس في مكانها أمامه و قالت.
" سيد كيم، تستطيع أن تنهض الآن"
فتح عينيه على صورة السقف، نبضات قلبه متسارعة و أنفاسه متتابعة، يشعر بالحر، و وجنتيه مُبتلة.
هذه معضلة، في كل مرة يستيقظ من نومته هذه يجد نفسه على هذا الحال، همس بشيء من القنوت.
" ألا أُحرز أي تحسن؟!"
تبسمت الطبيبة تجيبه.
" بلى، إنك تتحسن، عقلك الواعي في تحسن مستمر، و رغبتك في العلاج هي أقوى الركائز التي نستند عليها، سيتبع رغباتك عقلك الباطن مع الوقت و الكفاح"
دونت الطبيبة سُرى في ملفه تاريخ اليوم، و بخانة المستجدات كتبت لا شيء.
هو لا يتطور، حالته الصحية مقترنة بصحة عقله الباطن المُكبل في حب جويل و ذكرياته معها، لكن في خانة الإيجابيات كتبت أنه يحرز تقدماً في التفكير في مستقبله.
و كطريقة لتحفيزه و رد مجهوده، ابنته الصغيرة ستكون قد وصلت الآن، و بغرفته تنتظره.
عاد تايهيونغ إلى غرفته، و تقدم بكسلٍ إلى الداخل تتبعه الطبيبة، فالطريقة التي سينفعل بها لرؤية ابنته ستحدد حقيقة كم يرغب بالعلاج.
كانت الطفلة بين بعض الألعاب تجلس على سريره، تحيطها الوسائد كي لا تقدر على القفز هنا و هناك.
إنها طفلة شقراء بملامح كورية و حدقتين خضراء، ترتدي فُستاناً من الجينز و تلهو بألعابها.
تايهيونغ ما إن وقع بصره على السرير تجمّد لوهلة و هو ينظر لها، راودته مشاعر كثيرة بل هاجمته هجوماً شرساً، شوق و حنين، إثم و ذنب، ألم و حب، و الكثير...
ابتلع غصته، و اقترب بهدوء منها، و للفت إنتباهها همس بإسمها فالتفتت إليه، كانت تنظر ناحيته بجهل، لكنه عندما إبتسم إبتسمت، هي ما عادت تُميّزه، لكن قلبها الصغير يضحك لأي من ابتسم لها.
جلس على طرف السرير ينظر في النمو الذي طرأ على حجمها، إنها مُمتلئة و جميلة، تلعب و تضحك، تعيش جيداً بدونه.
إقترب منها حتى وضع أصابعه على وجنتها، و داعب المارشميلو هناك بلطف حتى ضحكت، ثم صرخت الطفلة لكثرة الحماس حينما حملها بغتة و بسرعة بين يديه، و ضمها إلى صدره بقوة.
مُعتادة هي أن تلف ذراعيها حول عنق أي من يعانقها، و كانت تلك بادرة بريئة و لطيفة منها جعلته يخفي ملامح وجهه فيها، و يبكي بهدوء شوقاً لها.
أنه يكمش فُستانها بيديه، و يحتضنها بحفاوة إلى صدره، بكى حتى إرتفع صوته، و مازّت نبرة الشوق فيه، بكى حباً فيها.
" أنا إسف يا ابنتي، سامحيني يا ابنتي أرجوكِ، سأكون لكِ أفضل بابا، أنا أعدك يا روح بابا"
حينها نغمت بصوتها الرقيق.
" بابا... بابا؟!"
أومئ، و وضعها على قدمه بينما يشير لها عليه، و دموعه مدراراً على وجنتيه.
" نعم نعم، أنا بابا، أنا أبوكِ، أنتِ كل ما تبقى لي، لذا أرجوكِ يا ابنتي لا تتخلي عني، أنا بابا، أنا الذي أنجبتك، أرجوكِ لا تنسيني!"
الصغيرة إعتادت أن لا تحب الدموع رغم أنها لا تفهم سبب ذرفها، إقتربت منه و مسحت بكفها الصغير وجنته تقول.
" لا بابا، بكاء لا!"
إبتسم بين دموعه، و جلب يدها الصغيرة، ليطبع في باطنها قُبل عميقة، حينها الصغيرة إبتسمت، و حملت لعبتها تلعب بها.
لكن تايهيونغ لم يقدر أن يتجاوز مشاعره إطلاقاً، جعلها ترتاح على صدره، و جمع لها ألعابها في حجره كي لا تبتعد عنه.
سُرى خرجت تمسح دموعها ثم ابتسمت تهمس.
" هذا تقدمٌ جيد!"
تايهيونغ شارك ابنته ألعابها و لاعبها، سرَّح لها شعرها، و رتب لها فستانها.
و عندما شعر بالحياة تدب فيه بسببها، تدب به كما لم يحدث منذ زمناً طويل جداً، نهض يحملها على ذراعه، و هي صرخت تضحك إثر إرتفاعها المفاجئ.
ضحك بخفة و حاجبيه قد حلّقا، فهي بشوشة تجبر الفرح أن يقتحم صدره، قبل وجنتها ضاحكاً، ثم وضع التلفاز على إحدى الأغاني المخصصة للأطفال.
رفع الصوت على آخره، و رقص مع طفلته على ذراعه بكل حفاوة و إحتفال، لقد كانت تصرخ لكثرة ضحكاتها و حماسها، و هو يتحرك بحيوية و يرقص معها، و صوت ضحكاتهما قد تجاوز باب غرفته.
بعد وقت طويل تمدد أرضاً و وضعها بجانبه يلهث أنفاسه قائلاً.
" لقد تعبت و أنتِ ما زلتِ تضحكي"
قهقه بخفة إستهجاناً عندما وجدها تحاول تقليد الطريقة التي يتنفس بها، قعد على الأرض و جلبها نائمة أسفل يده، ثم راح يدغدغها و يداعبها بحفاوّة.
" يا مشاكسة، تهزأي من بابا!"
كان ذلك أسعد يوماً في حياته إطلاقاً، و الساعات التي قضاها معها كانت أجمل أوقات عمره.
نامت بيرل في النهاية لكثرة ما لعبت، و رغم أنه لم يُرد أن تنام و أراد أن يستغل كل دقيقة له معها، لكنه لم يقدر أن يمنعها عن النوم، خصوصاً أنها بدأت مُنهكة لكثرة ما لعبت.
وضعها على سريره و جعلها تنام على ذراعه، طوال غفوتها كان ينظر في وجهها، يتحسس بشرتها، يقبلها، يملئ كيانه بها.
و لكن ساعة الفُراق قد حانت، فها هي الطبيبة تدخل، و بدت مُحرجة أن تطلبه تسليمها لها، لكنه تبسّم بإنكسار و همس.
" إن كنتُ قادراً أن آراها دوماً فلا بأس"
إبتسمت سُرى تومئ.
" بلى، ستراها دوماً"
أومئ تايهيونغ و نهض يحملها بين يديه، سلمها بحذر شديد للطبيبة، ثم أسرع بجلب سترة له، و وضعها عليها يقول.
" ابقي هذه عليها كي لا تشعر بالبرد"
حمل يدها بخفة و طبع قُبلة عليها، ثم بسبابته داعب وجنتها قائلاً.
" تعالي دوماً لرؤية بابا و اللعب معه، وداعاً ملاكي"
اليوم قد إكتشف جانب غائر في شخصيته، الأب الذي يُحب ابنته بكل طاقته، الآن يفهم مشاعره أفضل ناحية ابنته، فهم أنه لأجلها سيقدر على نفسه و يعود أفضل مما كان عليه، لأجلها قبل نفسه.
................................
في صبيحة يوم ما، يومٌ مهم جداً، فاليوم لن يكون يوماً عادي، ربما سيعلق في ذاكرتها للأبد، لربما يزول قمره على رؤية دموعها على وسادتها، أو ضحكات تستخف خوفها الحالي.
لا تدري، فقط تتمنى لو اليوم يمُر سريعاً، و هي تنام في أحضان الغد بأمنٍ و رحابة صدر.
اليوم، يوم المواجهة، المحكمة سوف تُعقد اليوم، لقد سبق و تخلّفت جويل عن الجلسات السابقة، و ناب عنها محامٍ و ذلك أيضاً مع بيكهيون.
لكن اليوم هي الجلسة النهائية، و اليوم سيقضي القاضي بحق تايهيونغ ما يراه يستحقه، لكن بيدها ورقة رابحة، و إن ما نفعت فلديها خُطة بديلة.
لقد سبق و ذهبت بيرل عدة مرّات لوالدها، فهي تخبر بيكهيون أنها ستذهب لزيارة أمها و تأخذ بيرل و جيني، و دي او يتكفل بأخذ بيرل إلى المستشفى و إستعادتها سِراً، ذلك لكي يبقى الأمر سِراً عن بيكهيون.
فبيكهيون لا علم له أن تايهيونغ في مستشفى يتلقى العلاج، كل الظنون أنه بالسجن.
تايهيونغ تستر على فعلة جويل به، و قال أن رصاصة طائشة أصابته، و ذلك نجّاها من مُصيبة كبيرة كادت أن تقع بها.
اليوم إرتدت فُستاناً أسود يصل إلى أسفل ركبتيها، و وضعت فوقه سترة داكنة من الجينز الأزرق، إبتعدت كلياً عن الثياب البيضاء.
ولّت طفلتيها لنانسي التي إستعادت شيء من بهجتها مؤخراً، و خرجت مع بيكهيون و جونغداي كشاهد.
صعدت بجانب بيكهيون، و جونغداي صعد في مقعد كريس في الأمام، و تولّى كريس القيادة، و لكن ذلك لن يخلو من تذمراته.
" انظر إلى نفسك يا جونغداي، حرام على شبابك أن يضيع في المحاكم!"
بيكهيون تنهد بعصبية، و ركل المقعد الذي يجلس عليه قائلاً.
" فلتُحسن لنا بصمتك أيها الناعم!"
أراد جونغداي حينها أن يتفاخر بإمجاده مع النساء، لكن وجود جويل أسكته، هو أراد أن يضفي لمسة مرح على هذا الجوّ المتوتر، و لكن يبدو أنه لن يكن قادراً على إضفاء لمساته.
تنهد بأستياء يبرم شفتيه و إلتزم الصمت، أما في الخلف فجويل ما توقفت عن تعنيف كفيّها بحِجرها و هي تنظر عبر النافذة، بدت متوترة على آخرها، و لم تلحظ قلق بيكهيون الذي يشكل غمامة فوق رأسها.
أمسك بيدها فإلتفتت إليه، شابك أصابعه بأصابعها و ربتّ على وجنتها قائلاً.
" لا تخافي، أنا معك!"
إبتسمت بإرتباك و لكنها أومأت على آية حال، جويل ليست خائفة إلا من بيكهيون و غضبه لاحقاً، تتمنى أن يتفهم موقفها و حسب.
وصلت السيارة أمام قصر العدل، فترجل بيكهيون يسبقها، ثم إلتفت ليفتح لها الباب، و ساعدها على النزول.
هو لم يتصرف بنُبل بسبب تجمهر الصحافة و عدسات المصورين، بل فقط لأنها بحاجته، و ابنه يزعجها بما فيه الكفاية.
عكف ذراعه لأجلها و تأبطته، ثم دخل بها يتبعهما كريس و جونغداي،
جلسا الزوجين في صندوق الإدعاء، ثم بعد هُنيهة إنفتح صندوق الإتهام، جويل نظرت ناحيته، لم يقع بصره إلا عليها.
تقدم بهدوء حتى جلس قِبالتها، و رغم أن المسافة بينهما بعيدة شعر أنها قريبة جداً، أقرب إليه من الوريد.
أحاط بيكهيون كتفها بشيء من القلق و الكثيرة من الغيرة، و إجتذبها إليه يقول.
" لا تخافي منه"
أومأت، و بيكهيون تمسّك بها و كأنه مسبقاً يحسم نتيجة معركة لم تبدأ بعد، أن جويل هي حبيبة بيكهيون و زوجته وحده.
تايهيونغ أسقط من عينه دمعة، و ما بادر بمسحها بل تركها تراها أو تغُضّ البصر عنها، لكنها رأته و فهمت شفتيه التي تحركت بلا صوت.
" ما زلتُ أريدك!"
تنهدت جويل تصرف النظر عنه، ثم وقفت كما الجميع عندما دخل القاضي و أعلن بدء الجلسة، الكثير من الأحداث جرت في هذه القاعة، و حينما ظن بيكهيون أن كل شيء إنتهى إلى هذا الحد، تفاجئ بمحامي الدفاع يطلب شهادة الطبيبة بيون سُرى، التي كان ضمن الحضور و لكن بيكهيون لم يلحظها.
وقفت في محل الشاهد، و جويل سمعت بيكهيون يقول بإستهجان.
" ماذا تفعل هذه هنا؟ لا أريد أن أصل لإستنتاج أنها تقف هنا بصفتها طبيبة نفسيّة"
جويل ابتلعت ردها، و لزمت الصمت تستمع إلى الطبيبة سُرى تقول.
" أنا الطبيبة بيون سُرى، طبيبة بالأمراض النفسية في مستشفى قرية الشفاء"
قدمت هويتها و بطاقة المزاولة على الطاولة، فإذن لها القاضي أن تتحدث، لذا أكملت و قد إمتدت يدها بملف للقاضي.
" حضرة القاضي، هذا ملف إستطباب المتهم كيم تايهيونغ و هو مريض لدي، أنا المسؤولة عن حالته في المستشفى، و ذلك الملف يحوي مشكلاته النفسية التي تحوله عن تلقي العقوبة، و تلزمه بالعلاج"
إرتفعت بعض الأصوات قي القاعة، فلجئ القاضي إلى مطرقته قائلاً بصرامة.
" إلزموا الصمت!"
ثم إلتفت إلى سُرى و تحدث.
" أوجزي حالته النفسية من فضلك"
" لقد قمتُ مع فريق مُختصّ بمستشفى جويل بتشخيص حالته بشكلٍ دقيق، و كانت النتيجة أنه مريض بالحُب المرضي، الهوس المرضيّ، و الوسواس القهريّ"
علق القاضي بينما يتصفح الملف قائلاً.
" إنها وثيقة مؤكدة تحوي توقيع الفريق الطبي، مدير المستشفى، و مالكة مستشفى جويل"
سُرعان ما نظر بيكهيون إلى جويل فانكست برأسها، و كمشت على ثوبها بقوة.
" تلك الوثائق تؤكد أنه قام بهذه الأفعال الإجرامية بتأثير من المرض، و عدالتكم تقضي بإنصافه و معالجته، شكراً لك سيدي"
و مع ختام هذه الكلمات نزلت سُرى عن المنصّة، و استدعى القاضي جويل لتقف في مكانها، نهضت جويل بإرتباك حتى وقفت على المنصّة، و رغم أن نظرات تايهيونغ لم تتزحزح من عليها، هي لم تنظر إليه إطلاقاً، يكفيها أنه بخير و يتعالج.
" سيدة دو جويل، هل تُقرين بجميع التُهم الموجّهة ضد كيم تايهيونغ؟ و تريدين حقكِ منه؟"
جويل زفرت أنفاسها من أعماق صدرها قبل أن تجيبه.
" نعم أُقِرّ بها، و لكنني أسامحه، لا أريد منه حقي!"
وقف بيكهيون مدهوشاً مما قالت، فقضمت شفتيها خوفاً و لكنها أصرّت على مسامحته فحسب.
توّجه كل شخص فيهم إلى مكانه، و عادت لتجلس بحانب بيكهيون، الذي سينفجر بها فور أن يستفرد بها.
" قررت المحكمة حضورياً بأن كيم تايهيونغ مُدان بمحاولة قتل بيون بيكهيون في برشلونة أسبانيا، و اختطاف دو جويل لمدة ستة شهور قسراً، كما أنه مُدان بمحاولة قتل كيم جونغداي و إختطافه"
توجه سؤال القاضي إلى تايهيونغ.
" هل تعترف سيد كيم تايهيونغ بأفعالك؟"
أومئ.
" أعترف"
اتبع القاضي.
" بالنظر إلى الأدلة و الإثباتات التي تثبت إعتلال نفسيّة المتهم، فقد قررت المحكمة أن تلزمه بالعلاج و ترفع عنه العقوبة، و دفع غرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين دولار بما تسبب به من مشاكل دولية مع الصين و أسبانيا، رُفِعَت الجلسة!"
......................
خرج بيكهيون يستشيظ غضباً من قصر العدل، و ترك جويل خلفه بصُحبة كريس و جونغداي، كانت جويل تتقدم بقدم و تتأخر بعشر، أرادت أن تصرخ أنها لا تريد الصعود مع بيكهيون.
خصوصاً بعدما قبض على يدها في الداخل، و حتى أنّت حررها، لكنه لم يفكر بل نهض و خرج فوراً يأمر كريس بجلبها إليه.
وقفت بظهر كريس عندما وصلت السيارة، و رفضت أن تصعد عندما فتح لها كريس الباب، لكن في نهاية المطاف ما كان لديها سوا هذا الحل، أن تصعد برفقته خصوصاً أنه رمقها بغضب و أشار لها بعينيه أن تصعد.
صعدت بجانبه و تحاشت كل تنهداته و تمتماته، و فقط إلتصقت بالنافذة تنتظر الوصول، كي تختبئ في جناحها بعيداً عنه.
فورما وصلوا القصر فتحت الباب تريد الخروج، لكنه سبقها عندما أمسك بذراعها فإلتفتت له، وجدته يصرّ على أسنانه و يُكلمها بسخط.
" ابقي في السيارة، لا تحاولي أن تهربي مني"
نزل من السيارة، و أمسك بمعصمها، ثم سحبها خلفه بشيء من القوة إلى المُلحق، أدخلها أولاً ثم دخل بعدها، و أغلق الباب بالمفتاح قبل أن يلتفت لها بسِنحة غاضبة.
" ما الذي فعلتِه من خلف ظهري؟"
إلتزمت الصمت و انكست برأسها، و لكنه عندما لكم المكتب بقوة و صرخ، شهقت تنتفض في مكانها، و نظرت إليه مدهوشة.
" و اللعنة تحدثي! ماذا فعلتِ؟!"
إقترب منها سريعاً يدفع بكل ما يعيقه إليها عن الطريق فيصبح رُكاماً، تقدم منها متجهماً متهجماً، لذا إحترازاً رفعت ذراعيها تحاول حماية نفسها، و استنجدت مرعوبة.
" بيكهيون إهدأ أرجوك، سأخبرك!"
أمسك بها من كتفيها فأغمضت عيناها تخوفاً، لكنه جعلها تجلس على الكرسي، و وقف يعقد ساعديه إلى صدره أمامها يأمر بغضب.
" تحدثي!"
أومأت، ثم عاونت نفسها بنفس عميق، لكن نظرها لم يرتفع عن حِجرها، لا تريد رؤية وجهه المخيف هذا.
" لقد طلبتُ من الطبيبة سُرى أن تُعاين تايهيونغ، و تتولى معالجته لو تم تشخيصه بالفعل"
همهم فاتبعت.
" و قد تشخيصه بالفعل في مشفاي، و صحّته النفسية تستدعي أن يتم نقله إلى مستشفى مؤهل و الحجر عليه هناك"
و هو اتبع سارداً شكوكه.
" و استعنتِ بجونغداي كي يضعها في مشفاه، أليس كذلك؟"
نفت برأسها قائلة.
" لا، تلك كانت محض صُدفة، لم أكن أعلم أن جونغداي هو الوريث الشرعي للمستشفى"
همهم بيكهيون، ثم اقترب ليجلس على طرف الطاولة أمامها، ثم رفع بأصابعه وجهها إليه قائلاً.
" و لِمَ يا زوجتي العزيزة فعلتِ هذا رغم أنكِ تعلمين أنني لن أكون راضياً؟!"
إزدرئت جوفها بتخوف لكنها قررت مواجهته، فأبعدت يده عنها و قالت.
" الأمر لا يتعلق برضاك، إنقاذ حياة إنسان عندي أهم!"
لم يكن قادراً على استيعاب ما تفوهت به للتو، فهمس يتحصّن بنُتف الصبر الباقية.
" هل سمعتِ ما تفوهتِ به للتو؟!"
نظرت في عينيه الساخطة و قالت.
" ظننتُ أنك ستفهمني!"
إنكمشت على نفسها عندما ركل الطاولة، و أسقطها بما حملت و صاح.
" لن أفهمكِ أيتها المرأة المجنونة، أنسيتِ ماذا فعل بنا؟ تريدني أن أذكرك؟!"
نهضت عن الكرسي، و ابتعدت عنه سريعاً تنفي برأسها قائلة.
" لا أريد أن تُذكرني، أنا لم أنسى، لكنه مريض و هو لم يقم بفعل شيء عن وعي"
أمسك بها من ذراعها، و جعلها تقف إلى الحائط ليحاصرها بذراعيه.
" أنتِ تدافعين عنه الآن؟! هل بقي في قلبكِ شيء له يا زوجتي؟!"
عقدت حاجبيها بأستياء، و وضعت يديها على صدره تحاول إبعاده.
" عندما كُنتَ في محله و عفوت عنك لم يكن لك شيء في قلبي"
نظر لها مدهوشاً، ثم فجأة ضحك مستهجناً ما قالت، لكن ملامحه الغاضبة لم تفتر.
" أنتِ تقارنين بيني و بينه الآن؟ بماذا تظنيني سأفكر؟!"
رفعت كتفيها لا تهتم و أجابت.
" عليك أن تفكر بأن ما قام به لم يكن واعياً عليه على الأقل"
" هو يستحق أن أسامحه يا بيكهيون، أنا لا أستطيع مسح وجوده من سِجل حياتي لأنك تريد، بيرل تربطنا حتى لو رفضت الإعتراف بذلك"
" أنا لا أحاول أن أغضبك، أحاول فتح عينيك على الواقع، لتفكر بسويّة، و ليس بأنانية"
أمسك بعِضديها بغلظة، فجعل ملامحها تنكمش بألم.
" أنتِ تفهمين لُطفي معكِ على نحو سيء، و تستغلي أنني أحبكِ كي تفعلي ما تشائي، لكن لا يا جويل، لن أسمح لكِ بهذا، أنتِ إمرأتي أنا و هذا يعني أنكِ لستِ حُرة في تصرفاتك"
تكره أن يعاملها بهذه الطريقة المُجحفة، أن ينسبها له من باب التملك لا الحب، يبقى فيه حِس بيكهيون القديم مهما تغير و تبدل.
" أنا لستُ عبدة، أنا إمرأة حُرّة، بالغة، و راشدة، و حرة في تصرفاتي، لا يحق لك أن تقيدني لهذا الحد لأنك زوجي"
وخز بسبابته صِدغها و بإصرار نبس.
" لأنكِ زوجتي أنا، لستِ حُرّة كما يخال لكِ يا سيدة جويل"
دفعت بصدره عنها و قالت بلا تفكير.
" حتى أنت تحتاج لطبيب نفسي"
رفع يده بتهور، و كاد أن ينزلها قاسية عليها، لولا أنه وعى قبل أن يفعلها، و هي إنكمشت على نفسها، ثم أخذت تبكي.
دفعت به عن طريقها، و هربت من أمامه تبكي، دخلت أبواب القصر، و سريعاً صعدت إلى الجناح تغلقه على نفسها، حتى لم تلتفت للصغار و لا لأي أحد، أرادت أن تنفرد بنفسها بعيداً عنه فحسب.
ركل الباب بقدمه يلحق بها بخُطى سريعة، ولج القصر و لم يجب إستفسارات أمه الكثيرة، صرخ بينما يصعد السُلم إليها، حاول فتح الباب عليها لكنها أغلقته من الداخل، فأخذ يلكم الباب و ينادي عليها من الخارج و يصرخ.
" قلتِ أحتاج طبيب نفسي، افتحي لنذهب له معاً!"
صعد جونغ هيون إليه يتمسك به، و يحاول تهدئته، فصرخ بيكهيون بلا تصديق قائلاً.
" لقد عَفت عنه! سامحته هذه الغبية!"
..........................
و الله ما غبي غيرك انطم😒😒
سلاااااااااااام
كيف حالكم؟ أتأخرت شويتين هالمرة بس معلش، رح حاول ما يصير هذا الشي مرة ثانية، بس لو صار لا تضغطوا علي برسائل، كل دقيقتين رسالة😭😭😭😭
ترا أنا بكيت ع مشهد تاي و بيرل، أثر فيكم؟ و لا أنا دراما كوين؟
اشتقت لبيكهيون الحيوان... سوري نوت سوري😂😂
طبعاً حبيت أنوه، أنا ما بقدر أستعرض علاج تايهيونغ بالتفصيل لأني ما عندي علم كافي بمجال علم النفس، حتى التشخيص النفسي مش من إختراعي أنا سألت صديقة لي بتدرس علم نفس و هي حكتلي أنو ع الأغلب هيك بكون تشخصيه، فلو لقيته أخطاء بهذا المجال تناسوها.
و آخر شي، لما بدكم تنفدوا الرواية، حاولوا تنقدوا الأسلوب و السرد لأنو بهاي النقطة بعتبر نقدك مفيد و بساعدني، بس لما تنقدي الشخصيات و الأحداث هذا لن يغير بطبيعتها، أما بتقبل كل آرائكم بس ما بتقدروا تفرضوا علي الأحداث الي بدكم اياه، أو كيف بدكم الشخصية تصير.
طبعاً ما في شخصية مثالية، لا بطل مثالي و لا بطلة مثالية و لا شي، لأنو هذا الواقع و أنا بحب اكتب بهذا الأسلوب.
بكرا عيد ميلاد شيومين... لا تنسوا الشوكولاتة الساخنة إلى اتفقنا عليها، رح أحتفل معكم بمولده هون، فخلوا عيونكم على حسابي.😁😁😁
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
١. رأيكم ببيكهيون؟ رد فعله على سماح جويل لتاي؟ وقفته معها أمام الشرطة؟
٢.رأيكم بجويل؟ قراراها بالعفو عن تاي و مساعدته؟ مواجهتها مع بيكهيون؟
٣.رأيكم بتايهيونغ؟ حالته النفسية؟ مشهده مع بيرل؟
٤.رأيكم بالسيدة بيون؟
٥.رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі