CH92|| البطل الأبديّ
" البطل الأبدي"
بعد قيادة طالت لساعتين؛ وصل بيكهيون بعائلته وجهتُه أخيراً، فها هو ذا يقف خلف أسوار مزرعة أمه، تلك المزرعة التي حَوت من الذكريات ما حَوت، ذكريات أليمة.
إنبجلت البوابة فورما تعرف فِرقة الحرس الأمامي عليه، وانحنوا جميعاً إستقبالاً له وإحتراماً لرئيسهم، ولج بيكهيون بسيارته حتى اصطف بها قُرب الباحة الأماميّة.
ألقى نظرة على صُحبته من عائلته، إذ وجدهنّ جميعاً نائمات، حتى تلك التي قالت أنها لا تشعر بالنُعاس وأنها ستؤنسه خلال الرحلة، ها هي نائمة كالدُببة كذا بناته.
تهكم ضاحكاً بخفوت قبل أن يترجل من السيارة، لقد أخبرها أنها ستنام وتحدَّته، حمل مقاعد صغيرتيه أولاً وتوجّه بهنّ إلى منصّة الأعمدة.
وضعهنّ هُناك بين الوسائد، ثم عاد لأجل جويل، فتح بابها ثم حملها على ذراعيه وسار بها بحذر إلى حيث ترك بناته، في زيارتهم السابقة؛ كانت هذه المنصّة أولى محاطاتهم، وها أنتهى بهم الأمر لتكون أيضاً أولى محطاتهم هذه المرة.
كما سبق ووِصفت؛ إذ لم يتغير عليها بُنيانها أو ديكورها شي، إنها منصّة مرفوعة عن الأرض العُشبية عبر ثلاث درجات، مرفوعٌ سقفها بأربع أعمدة متوازية، وحيث وجب أن يكون بناء الجُدران عُلّقَت ستائر بألوان خافتة شفافة، وذاك ما يسمح للنسيم بالولوج بعد رقصة خاصّة مع الستائر، كما أن الضوء يتسلل برفق، ولا تتسلل الأشعّة القويّة.
تنتشر على الأرض وسادات كثيرة، بأحجام وألوانٍ مُختلِفة، تنفع لقيلولة قصيرة كالتي تحظى بها عائلته الآن، وهو أيضاً سيفعل في الحال.
مدّ جذعه فوق الوسائد حيث مدد جويل بجانبه ثم تنهد براحة، فَرد ذراعه ليضم بها جويل إلى صدره، وإلى جانبه الثاني تنام طفلتيه في مقاعدهن التي أصبحت أسرّة بالفعل.
إبتسم بيكهيون قُبيل أن يضم جفونه بعضها على بعض، لقد سبق وعاش شعور الحب والعائلة، ولكنه كلما جرّبه شعر بأنه جديد عليه، لذا في كل مرة تَدُب السعادة أوصاله.
غَفت عينيه أسفل نور الشمس الواسن، وانضم إليهنّ في قيلولة ثمينة في مثل هذا الوقت الذي تكون فيه الشمس حتى واسنة، هو المُتعب الأكثر هنا، بينما هو يقود إلى هنا كنّ نائمات، لذا وجب أن يرتاح قليلاً.
بعد أن مالت الشمس إلى الغروب؛ فتحت جويل عيناها، إذ كانت أول من أستيقظ بينهم الأربعة، تبسّمت بينما تتفقد طفلتيها أولاً، ثم حينما آتى دور بيكهيون إتسعت إبتسامتها بينما تُمرر أصابعها فوق معالم وجهه الوسيمة.
ولأنها تحبه بإفراط؛ ولا تقدر أن تقاوم حُسن وجهه؛ إنخفضت لتطبع على وجهه قُبل مُتفرِّقة، الأخيرة كانت من نصيب شفتيه، وقبل أن تبتعد عنه شهقت، إذ يده أتت من العدم وتمسّك بقِفا عُنقها يمنعها أن تبتعد.
فتح عينيه على مرآها الحَسن، وبانت على شفتيه إبتسامة خافتة قُبيل أن يهمس بصوتٍ ناعس.
" يَنُص القانون الأول أنه ممنوع أن تسرقي أي قُبلات مني بينما أنا نائم، هذا ليس عدلاً كما تعلمين"
حاولت تحرير نفسها من قبضته، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً إذ إجتذبها أكثر حتى مسَّ بشفتيه شفتيها، وذلك جعلها تهمس فوق شفتيه.
" أنا بالتأكيد لن أرضى بمثل هذه القوانين الجائرة ولن أُطبّقها"
ارتفع حاجبه إستهجاناً لإجابتها وقال.
" جائرة؟!"
أومأت، ثم ابتسمت بينما تُسرح خُصله الأمامية للخلف بأناملها، حتى تقدر أن ترى وجهه من ناصيته إلى ذقنه، تراه ضمن كل حدوده المرسومة بدقّة.
" لأنكَ فِتنة، والفِتن لا تُقاوم"
فرّت من شفاهه ضِحكة، وقعد فوق الوسائد قُربها، ثم بسرعة ولكن بحذر طرحها فوق الوسائد لتكون أسفل جِذعه.
زلف منها بجذعه حتى مسّها، ثم همس ينظر في الربيع اليانع في عينيها.
" أُحب كيف أن غزلكِ بي مُتقن، وأحب أكثر أن أتغزل بكِ على طريقتي"
تبسّمت وسقط بصرها على شفتيه التي تُنقب عن زاوية مُثلى للقاءٍ مع شفتيها، قَبّلها بشغف، كما شغفه الأول بها، ذاك الشغف الذي ضلّ منيعاً رغم الوقت، رغم الصِعاب.
ذلك لأنه شغفها حُباً وشغفته...
تفرّقت الشِفاه، وتبادلا أنفاس حارّة فيما بينهما، بينما الجبهة تستريح على الأخرى، بيكهيون همس.
" وحدكِ من أحببت، أنتِ الحب الأول والأخير يا جويل"
كان ردها أن طبعت على فكّه قُبلة ثم همست.
" وحدك من في قلبي، أنتَ كل شيء بالنسبة لي"
تبسّم بينما يتمسّك بمعصميها، ثم ساعدها على القعود يقول.
" والآن كفى غزلاً، ماذا ستطبخي لنا؟!"
ثم اتبع وقد نظر إلى الصغيرات، اللتان قد أستيقظنّ بالفعل.
" نحن جائعون، أليس كذلك يا فتيات؟!"
سُرعان ما أومئنّ الصغيرات وهتفنّ بحماسة يردنّ الطعام، لكن جويل وقد إتسعت عيناها أشارت إليهنّ بينما تسأل بيكهيون.
" هل حدث وأن رأينَّ قُبلتنا للتوّ؟!"
بيكهيون أومئ بفخر وقال.
" هنّ شاهدات على أمجادي"
ثم أشار إلى بطنها واتبع.
" وهذا دليل على مجدي بالفعل"
جويل استنكرت، لا تفهم دوماً كيف يرى بأمور مُحرِجة كهذه مجداً يحتذي به ويفخَر.
" مجدك؟! أهذا شيء تفخر به حتى؟!"
أومئ، فالبطبع؛ بيكهيون شخصية تميل إلى أن تكون نرجسيّة في معظم الأحيان، وحيث يتسنى له أن يتفاخر وينفخ في شخصه، لذا أي فعل بسيط يصدر عنه قد يكون بالنسبة له مجداً وإنجاز عظيم.
تنهدت جويل بشيء من الأستياء وقررت أنها لن تُناقش بيكهيون في ذلك، فقناعته رغم غرابتها وأحياناً حماقتها غير قابلة للتغير، فهي ثابتةٌ ثابتة مع الأسف، قامت تُرتب فستانها على جذعها كذا شعرها.
" وماذا يرغب الأب وبناته أن يأكلوا؟!"
أجابها بيكهيون بينما يُقيم عوده.
" دعينا نُقرر معاً بينما نطهو"
سُرعان ما استنكرت ترمقه وقد حلّقا حاجبيها.
" نطهو؟!"
أومئ مُبتسماً ثم أمسك بيدها، وبيده الأخرى حمل مقعد بيرل من مِقبضه، وتكفَّلت جويل بحمل جيني، ثم سارا معاً إلى داخل بيت المزرعة.
وضع بيكهيون جيني وبيرل متجاورتين أرضاً بمقاعدهن، وناول كل واحدة قِطعة بسكويت، ثم هو تقدم ناحية جويل التي باشرت بالفعل بتجهيز الطعام وبيده قِطعة بسكويت أخيرة.
رفع القِطعة إلى شفاهها ففتحت فمها تقبض على طرف القِطعة بأسنانها ونظرت إليه تعقد حاجبيها، ثم إبتسمت وطرف القِطعة عالقة بين قواطعها واقتربت منه.
تكونت عُجمة بين حاجبيه فأشارت ناحية القطعة وهمهمت، إبتسم وقد فهم مُرادها ثم أقترب ليتلقط الطرف الحُر بأسنانه، تقاسماها ثم جويل قالت قُبيل أن يطبع بيكهيون على طرف شفتيها قُبلة.
" سأعد شرائح اللحم مع الخضراوات"
همهم بيكهيون ثم أبعدها قليلاً عبر خصرها، ليشغل حيزاً بجانبها وقال.
" إذن أنتِ تولي تجهيز اللحم وأنا سأتولى الخضراوات؟!"
بذهول همست.
" أُتجيد تقطيعها؟!"
إكتفى بإبتسامة وبدل أن يُجيبها إستعرض عليها قُدراته، إنه طاهٍ جيد، يجيد تقطيع الخضراوت وطهي بعض الأطباق، وذلك ما فاجئ جويل، إذ هو يُقطع الخُضرة كخبير طهي.
" لم أكن أعلم أن لك مهارات في المطبخ، كيف تعلّمت؟!"
بيكهيون أجابه وتركيزه مع الخضراوات.
" عندما كنتُ أعيش مع أبي، كان يمنعني من تناول الطعام إذ ما فعلت شيء لا يرضيه أو ما اتبعت إحدى أوامره، لذا كُنت أتلصص إلى المطبخ والجميع نيام، أُحضر لنفسي طعاماً، ولا أُبقي أثراً خلفي"
ثم ابتسم يتبع وقد نظر لها.
" لذا أنا جيد بالتنظيف أيضاً"
كانت قد توقفت جويل عمّا تفعله، ووقفت تنظر إليه بعيون حزينة، حينها أشهر بسكينه في وجهها يشير لها وحذّر.
" أياكِ أن تشعري بالشفقة عليّ!"
نفت ثم تقدمت منه حتى عانقته، وقالت تُخبئ وجهها في عُنقه.
" أنا سأستغل قدراتك بالطهي جيداً فحسب"
ضحك بخفة قبل أن يفصلها عنه، وقال ينظر في عينيها.
" أستغليها هُنا، لا أريد أن تُنتزع هيبتي في القصر"
ترهلا كتفيها وبرمت شفتيها تتذمر.
" ظننتُكَ نسيت بشأن هيبتك!"
حينها ارتفع حاجبه بإستهجانٍ وتحدث.
" ومن ينسى هيّبته؟!"
تنهدت وقد ساورها القنوط.
" ليس أنت بالطبع!"
ثم توجهت جويل عودة لتحضير الطبق، حالما إنتهيا جويل جهزت الأطباق وبيكهيون إقترح.
" فلنأكل خارجاً"
جويل أومأت وقد تذكّرت جِذع الشجرة ذاك الذي تناولا عليه ذات الوجبة في المرة السابقة ثم بيكهيون تناولها هي، إنها ليست ذكرى لطيفة ولكنها تبتسم متكهمة، كانت أيام لا تُطاق، بالكاد إستطاعت أن تصمد.
نظرت إلى بيكهيون بينما يتولّى نقل طفلاته، كانت تكِن له كُرهاً عظيماً، ما زالت لا تُصدق أنها تحبه ويحبها، ويعيشان الآن معاً ضِمن عائلتهما الخاصة بحُب وسعادة، تنهدت تصرف الأفكار عن ذهنها ثم تبعت بيكهيون وهي تحمل الطعام.
وضع بيكهيون جيني وبيرل ثم تناول من جويل صينية الطعام قبل أن يمد لها يده ويعينها على تسلّق درجات جِذع الشجرة.
جلست جويل بجانب بيكهيون ثم ناولته طبقه، أما جيني وبيرل فكان نصبيهن من الخضراوات المشويّة وفير، تنهد بيكهيون بينما ينظر ناحية السماء.
الليلة القمر بدر لذا السماء ليست مُعتِمة جداً، تترصع السماء بحُلة من النجوم، وكانت جديرة أن تسرق إنتباه بيكهيون لبعض الوقت، كما أن للهدوء سطوته الخاصّة عليه، فهو يُحب السكينة التي يجتذبها هكذا وقت إلى نفسه.
نظرت جويل إليه، وحينما وجدته يتأمل السماء بينما تحفّه غمامة من السكينة، كانت لها الفُرصة أن تتأمله، فلا شيء جدير بالثقة للتأمل بقدره.
رفعت سبابتها تعد الشامات التي تقدر أن تراها عبر صِدغه الأيمن، واحدة إثنتان، ثلاث، أربع... وهنا توقفت حينما إلتفت ينظر لها، فابتسمت تعكف سبابتها.
" بيكهيون؟!"
همهم فاتبعت.
" شكراً لك لأنك تُحبني"
عقد حاجبيه لا يفهم ما الداعي لهذا الكلام، وهو بالفعل قد كَره نبرتها للتو، لا يدري لأي سبب لكنه لم يحب ذلك على الإطلاق، وهذا ما فهمه.
" ما مُناسبة هذا الكلام؟!"
حرّكت كتفيها بجهل، وبانت على شفتيها إبتسامة خافتة بينما تنظر ناحية السماء، حتى إبتسامتها هذه كرهها، ولأول مرة يجد ما يكرهه بجويل.
" في زيارتنا السابقة لهذا المكان، كنتَ أنت تُحبني وأنا أبغي الفِرار منك، كلما تذكرت الماضي أستغرب قوة مشاعري نحوك"
نظرت إليه واتبعت تبتسم.
" أنا متى أحببتُك إلى هذا الحد من الإفراط؟!"
إقترب منها، ثم أحاط براحتيه وجنتيها، وضع جبهته إلى جبهتها وكلاهما أغلق عينيه، حينها همس.
" لا أدري، حتى أنا لا أدري كيف تسللتِ إلى قلبي بعد كل ما كننته عليكِ من حِقد، المشاعر يصعُب فهمها كما يصعُب شرحها"
تمسّكت بتلابيب قميصه وهمست.
" أحبَّني بجراءة كما تفعل دوماً، أنا أُريدكَ الآن يا بيكهيون!"
تبسم وهمس يرفع شعرها عن صِدغها.
" ماذا عن أقوال الطبيبة؟!"
نفت برأسها وهمست.
" لقد انقضى شهري الثامن، أنا على وشك الولادة الآن"
حينها هو اتبع.
" وبعد الولادة ستتشمتين بي"
حينها ضحكت تومئ وبنفسها أسرّت.
" إن بقيتُ حيّة"
لذا بيكهيون همس وقد مال برأسه إلى شفتيها يقول.
" إذن أنا لن أوفر هذه الفُرصة"
تمسكت بقميصه، وانقبضت ملامحها بينما بيكهيون قد بدأ غزوه على شفتيها بالفعل، يده التي كانت تُحيط رأسها إنخفضت حتى سحّاب فُستانها وأنزله حتى آخره.
فَصل القُبلة ومدد جذعها فوق جِذع الشجرة، ثم نظر في عينيها، وجويل لم تخفى عنها لمعة الرغبة التي توقد عينيه كذا جسده، كذا نبرته المغموسة في قاع الرغبة.
" كما سبق، مكاني آمن، فلا تخافي من العيون"
أومأت.
" أعلم، لذا أثق بك"
وبلا أن يرد، إنخفض بجذعه ناحيتها حتى غمس وجهه في عُنقها، وهناك مكثّ طويلاً يُعلّم أديمها حتى أوجعها وجعلها تُريده أكثر فأنَّت.
ابتسم وارتفع قليلاً يُشير إلى جيني وبيرل اللتين يأكلن بنهم وحسب.
" عيونهنّ فقط من قد تتلصص علينا"
ضحكت بخفة ثم قالت.
" ألسنَّ الشاهدات على أمجادك؟!"
وبيكهيون بغرورٍ أومئ.
إنقضت سحابة الحُب من عليهما، ولكن حُبهما لم ولن ينقضي، تنهدت جويل وقد توسّدت صدر بيكهيون تنظر إلى ما ينظر إليه، السماء.
" أود أن أنام معك بالعربة، ولكن أظن أنها لن تسعنا نحن الأربعة"
بيكهيون إكتفى بصمته وطبع على جبهة حبيبته قُبلة، نظرت إليه جويل باسمة وطبعت قُبلة على وجنته، ثم قعدت تضع على جسدها فُستانها.
" هل تبقى مع الطفلات حتى أستحم وأعود؟!"
أومئ وهي ذهبت، قعد بيكهيون يرتدي قميصه، ثم إقترب من جيني وبيرل، أخرجهن عن مقاعدهن وأجلسهنّ قِبالته ليقول.
" ألعبنَّ مع بابا حتى تعود ماما"
والصغيرات حبونَّ نحوه بحماسة حتى تسلقن قدميه وجلسنّ في حُضنه، ضحك يقبّلهن ثم بدأ يمضي وقته معهن حتى تعود جويل.
عادت جويل ووجدت بيكهيون بوضع مُزري للغاية، إذ هو مُمَدد أرضاً بتعب، يلهث أنفاسه، شعره أشعث وقميصه مُجعد.
جيني تجلس فوق صدره وبينما تعقد حاجبيها لشدة تركيزها تحاول فكّ أزرار قميصه، أما بيرل فهي تجلس ورأسه بين قدميها، وبتركيز تنتف شعره.
ضحكت جويل تقول.
" ماذا فعلنّ بك؟!"
حينها تأوه بصوت مرتفع وبأنفاس متقطعة قال.
" أنقذيني، سيقتلنني"
أتت جويل بجانبه ضاحكة، ورفعت جيني عن صدره لتضعها في حِجرها، وخلّصت شعره بسلام من يد بيرل.
حينها قعد يلهث أنفاسه وهي قالت.
" اذهب واستحم، سنكون بإنتظارك هُنا"
ذهب بيكهيون وغفون الصغيرات بغيابه، أما جويل فهي استفردت بتأمل خاص مع السماء حتى وردها إتصال، وإذ هي الطبيبة المسؤولة عنها.
جويل أجابتها رغم الإرتجاف المُفاجئ والشديد الذي إستحوذ عليها.
" سيدة جويل، عُذراً لأنني اتصل بكِ مُتأخراً"
" لا بأس، هل هناك أمر هام؟"
همهمت الطبيبة ثم أجابتها.
" نعم، بالنظر إلى حال رحمكِ الآن وتوسع عُنق الرحم لديكِ، أظن أنكِ لربما تلدي قريباً جداً، وإن حدث بينكِ وبين زوجكِ علاقة فقد تلدي بأي وقت، لذا إن أمكن غداً زوريني، فلربما نضطر إلى إبقائكِ لدينا حتى تلدي"
جويل تنهدت بأستياء ثم قالت.
" حسناً أيتها الطبيبة، غداً سآتي"
أغلقت الخط مع الطبيبة وتنهدت بضنك، إذن عليها أن تقطع رحلتها مع بيكهيون مجدداً، هما لا يبدوا أنهما سيهنئا بعطلة على الإطلاق، لكنها لا تملك خياراً، ستخبره الليلة بكل شيء، هو من حقه أن يعلم أيضاً.
بيكهيون عاد يقول وقد ألقى على بناته نظرة.
" بما أن الصغيرات قد نمنّ دعينا نتوجه نحن للنوم أيضاً"
أومأت وتولّى بيكهيون حمل طفلتيه، سارا متجاورين، وبينما يسيران ميّزت جويل الطريق فتسآلت.
" ألسنا نتجه نحو العَربة؟!"
أومئ باسماً فشهقت.
" لكنها لا تتسعنا!"
حينها همس.
" أتذكرين اليقطينة التي كنتُ أضع فيها لكِ الفراولة والكرز؟!"
أومأت فاتبع.
" أصبحت الآن سرير صغير لجيني وبيرل."
أدخل جيني وبيرل، ووضعهن على الفراش الناعم في اليقطينة، ثم مدّ يده لها كي تدخل العربة.
دخلت تنظر فيها، ما زالت كما هي، إلا أن اليقطينة تحولت من دولاب صغير إلى سرير، تمدد بيكهيون على السرير ثم ربّت على صدره يقول.
" وكما سبق ونِمنا، تفضلي نامي على صدري وفي حُضني"
تبسّمت بينما تأخذ في حُضنه حيّز.
" وبالتأكيد أنا لن أفوّت الفرصة"
بيكهيون تنهد وأغمض عينيه بينما جويل قبضت على تلابيب قميصه بأصابعها، هي الآن بحاجة لتخبره، لن تتوفر لها فُرصة أفضل.
" بيكهيون؟"
همهم فاتبعت.
" هُناك أمر هام، عليكَ أن تعلم بشأنه"
فتح عينيه وشعرت به ينظر إليها، رفعت بصرها ناحيته وقالت، وهي لا تدري حقاً كيف تسلل الدمع إلى عينيها.
" أخشى أن أخبرك بأننا بحاجة إلى قطع رحلتنا مجدداً والعودة"
حينها قعد على السرير وقد بانت الجديّة مرتسمة بحدة على ملامحه، وهي قعدت قِبالته وقد أخفضت بصرها عنه.
" عندما أنجبت بيرل أخبرني الطبيب بأني قد أُصاب بالعُقم بنسبة كبيرة، لذا أنا ما توقعت أن أحمل بسهولة مجدداً"
شعرت بأصابعه أسفل ذقنها، ثم رفع وجهها إليه يقول وقد انقبضت ملامحه بأستياء.
" لماذا أنتِ مُعرَضة للعُقم؟!"
كتمت الإجابة واخفضت رأسها، حينها حرر ذقنها وأومئ يبتلع غصّته.
" بسببي أنا"
تمسّكت بيده، فهذا ليس الوقت المُناسب ليلوم نفسه، فاللوم لن يغير في حقيقة الأمر شيء، ولن يعود بالزمن إلى الوراء، فقط سيضخ في نفسه الألم والعذاب، وهذا بالطبع ما لا تريده.
" لا تَلُم نفسك، حقيقة أن هناك طفل من دمك ينمو بأحشائي كان أمراً مستحيل بالنسبة لي"
أمسكت بيده و وضعتها على بطنها.
" الآن انظر إلي، ابنك ينمو داخلي"
بيكهيون نفث أنفاسه ثم قال وقد كمش على فستانها فوق بطنها.
" والآن ماذا سيحدث لكِ ولطفلنا؟"
تبسمت تتحسس وجنته برفق.
" لا تقلق، ليس هناك أمر خطير"
حينها تنهد براحة فاتبعت.
" لقد دخلتُ في شهري الأخير، وقد ألِد في أي وقت، إتصلت بي الطبيبة بينما تستحم واخبرتني أنه علي الذهاب غداً إلى المستشفى، فربما سأبقى هناك حتى ألد تحسباً لأي أمر قد يطرأ"
أمسك بيكهيون بذراعيها واجتذبها إلى صدره يقول.
" ما زال الوقت يثبت لي أنني لا أستحقك، أنكِ كثيرة علي"
أخذت تمسح على شعره وقالت.
" أكره أن تتحدث عن نفسك بهذا السوء، لذا كُف رجاءً عن قول هذا، أنا بخير وسنحظى بطفلنا الثالث، أليس هذا كافياً؟!"
أومئ وشدد على عناقها.
" كافٍ، بل وأكثر من كافٍ"
مسحت دموعها التي هربت إلى وجنتيها قُبيل أن تبتعد عنه، طبعت على صدغه قُبلة ثم أراحت رأسها على كتفه تقول.
" أريدك أن تكون معي خلال الأيام القادمة، لا تفلت يدي إطلاقاً"
تمدد بها على السرير مجدداً، وأحاطها بذراعيه يقول.
" لن أترككِ أبداً"
...............................
في الصباح الموالي، بيكهيون لم ينم على الإطلاق، بل إن الأرق تسلّط عليه، ولكثرة ما فكّر عجز عن النوم.
ما تثبّت بأن جويل قد نامت بالفعل حتى انتزع نفسه من ذراعيها، وخرج يسير في المزرعة وتلك كانت خلال ساعات الفجر المتأخرة.
تنهد يقطع الأشجار بهدوء، أحياناً ينظر إلى السماء التي تشُق عتمتها الشمس، وتارة ينظر في الأرض و يتتبع سير قدميه بعينيه.
لم يُبدي البارحة ردَ فعلٍ خَشِن حيال ما قالته جويل، حقيقة أنها حملت رغم الخطر المُحدق بها، حقيقة أنها ما أخبرته بمدى خطورة الحمل على حياتها، حتى ليلة الأمس كذّبت عليه.
لكنه يتفهمها، يتفهم رغبتها بمشاركته طفلاً، وهو يريد أيضاً أن يكون له منها أطفال، لا طفل واحد فحسب، لكن ليس على حساب حياتها حياتها هي أثمن ما يملك، لذا لن يتفهم أنه لربما يخسرها.
مع أول الصُبح إتصل بطبيبتها واستفسر عن حقيقة وضعها، فهو يعلم أن جويل ربما لم تَقُل الحقيقة كاملة له في سبيل حِفظ مشاعره من التدهور، هي أرادت أن تتدهور وحدها بلا سند، بلا عونه.
أمر أنه عليها المكوث في المستشفى أسبوع قبل ولادتها أثار في نفسه الريّبة، لذا كان عليه أن يتأكد من حقيقة الأمر، ويتحرّى خلف شكوكه.
وها هو ذا، عَلِم أنها كذّبت عليه مُجدداً، قالت أن لا شيء خطير يحفّها، بينما حياتها مُهددة بنسبة عالية تُقارب النِصف، لا ينكر أنه يشعر بالخوف حيال فقدانها، المخاوف وأفكار سوداء أخرى تراوده حول ما ستكون عليه الأيام القليلة التالية.
لكن عليه أن يكون كما كان دوماً في مثل هذه المواقف، عليه أن يبقى قوياً عتيداً في وجه أي عاصفة تود لو أنها تضربه، وأن تقتلع جذوره الصلبة من أرضه العتيدة، لأنه الأقوى، الأقوى دائماً، لأنه بيون بيكهيون.
هَجر العَرَبة باكراً واتصل بكريس ليأتيه بسيارة إسعاف دون أن يُعلِم أحد، فقط بسريّة تامة، كما أنه طلب منه أن يُحضِر معه نانسي.
وفي تمام الساعة الثامنة؛ كان كريس قد وصل بصُحبة نانسي إلى المزرعة، وسيارة إسعاف تابعة لمستشفى جويل تتبعه.
تقدم كريس من رئيسه، الذي يقف أمام البوابة بإنتظاره، بدى قلِقاً ومتوتراً عندما سأله.
" سيدي، ما الذي حدث؟!"
بيكهيون تحاشى النظر في وجه كريس جهارة، كي لا يرى الأخير الضعف الذي يسوِّر روحه في مثل هذا الظرف، لذا نظر من حوله وكأنه يتفقد مُجريات الأمور بينما هو يقف مُتخصِّراً.
" على جويل أن تذهب إلى المستشفى فوراً"
وبلا أن يُبرر بالأسباب أشار لِنانسي بيده أن تتبعه، لذا فعلت وتبعته بصمت بينما هو يتقدمها بعدة خطوات، لاحظت انقباض عضلات ظهره بشكلٍ مُتكرر عبر قميصه الخفيف، حينها أخفضت رأسها تقضم شفاهها، رؤية بيكهيون على هذا الحد من التوتر يُرعبها.
عندما وصل بها إلى العربة حثّها على الإنتظار خارجاً لبعض الوقت حتى يعود، فأومأت تنتظره.
دخل بيكهيون إلى العَربة، ما زالت جويل كذا طفلاته مُستغرقات في النوم بعمق هكذا، جلس على طرف السرير، ورفع بأنامله شعر جويل عن وجهها بينما ينظر في حُسنها، ثم ابتسم رغم أن عيناه تحرقه.
ربّتَ على كتفها بلُطف، وناداها بخفوتحتى إستفاقت من نومتها ، نظرت إليه وابتسمت، ثم بنبرة ناعسة قالت.
" صباح الخير"
وضع قُبلة على جبهتها ثم قال.
" صباح الخير، هيا انهضي وتجهّزي سريعاً، علينا أن نتحرك"
انقبضت ملامحها بأستياء، ولكنها أومأت على آية حال، فتلك بالنسبة لها لحظات وداع، وسعادة قد فرطت من يدها مُجدداً.
تمسَّك بيدها حتى يُخرجها من العَربة، ولكن قُبيل أن يُخرجها تمسّكت بكلتي يديه تجذب إنتباهه لها، فإلتفت إليها، حينها لحظ الدموع متراكمة في عينيها، لذا نفى وباشر بمسحها يقول.
" لا تبكي!"
تمسكت بيده التي على وجنتها، وطبعت قُبلة في راحته، ثم همست وقد بحّ البُكاء المكتوم صوتها، فالعَبرة قد خنقتها بالفعل.
" أنا آسفة!"
آسفة لأن خُططهم لأوقاتٍ سعيدة معاً دوماً ما تنتزع، كالآن فحسب، نفى بيكهيون برأسه واجتذبها إلى صدره يقول.
" لا تبكي! ستكوني بخير أنتِ وطِفلنا، لذا لا تخافي واعتمدي علي"
أومأت، تريد أن تصدق ما يقول حتى لو كانت مجرد توقعات ضعيفة، فهو بعكس كل المواقف لا يملك ما يفعله لأجلها، هذه المرة هما أمام قدر الله خاضعين وحسب.
ضمّ كتفيها أسفل ذراعه وبيده الأخرى تمسك بكفّها، ثم سار بها خارج العربة على مهل وبحذر، وحينما رأت جويل نانسي تقف في الخارج يإنتظارهما إلتفتت إلى بيكهيون تحمل في ملامحها سؤال، فقال.
" ستتولى نانسي أمر جيني وبيرل، ستُعيدهنّ مع كريس إلى القصر، وأنا وأنتِ سنذهب للمستشفى"
.....
بعد أن تجهزت جويل؛ تقدمت بعون بيكهيون نحو سيارة الإسعاف التي تقف بإنتظارها، لكنها عجزت عن التقدم بل توقفت وأوقفته، ثم إلتفتت ناحية سيارة كريس، حيث وضِعنَّ بناتها، ولذا تسللت دمعة من عينيها.
تقدمت من السيارة تحمل في صدرها حنين اُم، فتحت الباب الخلفيّ للسيارة، وقالت لنانسي التي تجلس بجوار الصغيرات.
" أُريد أن أودعهنّ"
وبقية جُملتها احتفظت بها لنفسها.
" فلربما لا يتسنى لي فُرصة لأراهنّ مرة أخرى"
أومأت نانسي ولم تكتم رغبتها بالبكاء أمام جويل، ناولتها جيني أولاً فهي الأقرب إلى مقعدها، حملتها جويل وضمتها بقوة إلى صدرها، ثم ابتسمت بوجهها حينما همست الصغيرة.
" ماما، لا بُكاء"
أومأت جويل تمسح دموعها وكررت خلف جيني.
" نعم، لا بُكاء، لن أبكي"
تبسّمت جيني وباشرت بمسح دموع والدتها بيدها الصغيرة، وذاك جعل جويل تمسك يدها الصغيرة وتُقبلها بحرارة، وذاك قبل أن تضع على وجهها قُبلات مُتفرقة.
احتضنتها للمرة الأخيرة إلى صدرها قبل أن تُعيدها لنانسي رغم أنها ترغب في إبقائها في حُضنها للأبد، تكره أن تُسيرها الظروف، تكره بشدة أن تكون مُجبرة.
تناولت بيرل لاحقاً، وبيرل بالفعل كانت تبرُم شفتيها تأهُباً للبكاء بما أن أُمها تبكي، نفت جويل كي لا تبكي، ووضعت قُبلة على وجنتها، ثم ضمتها إلى صدرها.
بيرل صغيرتها الحبيبة رفعت ذراعيها ووضعتهما على كتفي والدتها، ثم أخذت تُربت عليها كي لا تبكي، لكن جويل بكت أكثر إثر مواساة ابنتها واشتد عِناقها حول بيرل.
" أنا لستُ خائفة عليكِ، أثق أنكِ ستكوني بخير دوماً!"
أعادت بيرل إلى نانسي، ثم بإبتسامة لوّحت لطفلاتها بما أنهن يلوّحِن لها، ودون أن تُلقي نظرة أخيرة بعد هذه؛ صعدت في سيارة الإسعاف.
نامت على السرير كما طلب المُسعِف إلا ان دموعها لم تتوقف، بيكهيون جلس على الكرسي قِبالتها وتمسّك بيدها يقول بينما يمسح بأنامله وجنتيها.
" لا تخشي شيء، أثق أنكِ ستكوني بخير وستعودي إلى أطفالنا"
تمسّكت جويل بيده بكلتي يديها وأومأت تبتسم رغم أن الدموع ما زالت حُرة، فبيكهيون على غِرارها يثق ثِقة عمياء بأنها ستنجو، وهي لن تشوّه آماله، لا تجرؤ أن تفعل، فلا؛ هي لا تستطيع أن تراه في قنوطه عائم، على أحدهما أن يكون واثق بالقدر، وهذا كان بيكهيون.
" سأكون بخير بالطبع، أنا فقط سأشتاق لطفلاتي"
مسح بيكهيون دموعها، ثم رفع يدها ليطبع عليها قُبلة وقال.
" لا تخشي شيء وأنا معكِ، حسناً؟"
أومأت، حينها باشر بتصفيف شعرها بأنامله، لكن رغم إبتساماتهما الودودة التي يتبادلانها، إلا أن في قلبيهما أثقال من المخاوف، تتشابه مخاوفهما، لكن أياً منهما لن يُفصح للآخر عمّا هي.
...
نُقلت جويل إلى غرفتها الخاصة لأجل أن تخضع لرقابة الأطباء قبل الولادة، ولأنها مالكة المستشفى وضِعت في جناح مُخصص لها ولأفراد عائلتها المقرّبون.
كان قد تم وضع بعض الأجهزة على جسدها، و الطبيبة المسؤولة عنها قد مكثت لديها لفترة وجيزة من الزمن.
في هذه الأثناء؛ بيكهيون كان في الخارج يستوصي كريس عبر الهاتف في بعض الأمور لأجل العمل والقصر، لكنه قُرب البوابة الرئيسة للمستشفى؛ تفاجئ بوجود عِدة من رجال والده الأوفياء.
إحتمال كأن تتم مراقبته فهو ليس إحتمال، هذه حقيقة أكيدة، فمنذ أن تحرر من جُنح والده وسُلطته؛ دوماً ما كان يعلم والده عن كل تحركاته وشتى أعماله، كذا أدق أدق تفاصيل حياته، لذا نعم؛ هناك من رجال أبيه يراقبونّه على الدوام.
لكنهم لا يظهروا أنفسهم علانية له كما يفعلون الآن، وذلك أثار الريبة في نفسه، لذا تقدم منهم يحمل فضوله وحذره، وفور ما رأواه الرجال إنحنوا لأجله.
وقف أمامهم بكبريائه المعهود وعدائتيه التي إعتادوها منه، واستقصى مُستفسِراً بغِلظة بينما يتخصّر برعونة أمامهم.
" ما الذي آتى بكم إلى هنا؟!"
أجاب أحدهم بينما يُنكس رأسه ويجمع كفيه إلى معدته.
" سيدي، إن الرئيس الكبير يتلقى العِلاج في هذه المستشفى ونحن هُنا لحراسته"
بيكهيون جمع حاجبيه في عُجمة، ثم تهكم بضحكة بعد وهلة إستهلكها بتفسير ما قاله الرجل.
" ولِمَ هذه المستشفى تحديداً من بين كل مُستشفيات كوريا؟!"
أجاب الرجل بنبرٍ يحذوه الإحترام.
" هذه المستشفى إستقطبت كافة الكفاءات من الأطباء المختصّين حول القارّة، كما أنها الأفضل للعرض أمام الصحافة"
إرتفع حاجب بيكهيون وسخر باسماً.
" قُل أنه يريد إستقطاب تعاطف الناس من البداية، بما أنه يتلقى العلاج بمستشفى زوجة إبنه التي يكره"
ثم دخل بيكهيون ولم يسمع أي من تبريراتهم اللاحقة، قاد طريقه مُباشرةً إلى المصعد حيث سيقُلُه إلى طابق جويل، لكنه ما أستطاع أن يتجاوز مكتب الإستقبال.
شعر بقدميه مُكبلة، لذا جمع أصابعه في قبضة، ثم لعن بخفوت حينما انتصرت عليه عاطفته، وجرّته إلى مكتب الإستقبال.
" أين تقع غُرفة بيون نامهيون؟!"
سُرعان ما أجابته الموظفة بما أنها تعرفت عليه، وهو توجه حيث وجَّهته، توقف في أول الرِواق الذي تقع غرفته فيه، يستطيع أن يعلم بأي غرفة هو نظراً لٍتجمّع الحرس الغفير أمام إحدى الغُرف.
تقدم يسير في الممر بعدما نفث أنفاسه بأستياء من نفسه، فهو لا يفهم لِمَ عاطفته الحمقاء تقوده إلى هذا الرجل الآن، عليه أن يُدير ظهره له ويغادره، هذا ما يليق ببيون بيكهيون.
لكنه لا يستطيع، يشعر بأن قدميه مُسيّرة وهو لا يقودها، مهما حاول ضخّ الأفكار الإنتقامية في عاطفته؛ لا تنتقم ولا ترغب بإنتهاز الموقف.
بينما يسير في هذا الرواق الذي بدى له أطول من اللازم؛ شريط من الذكريات الأليمة مرّت في ذهنه.
..
" بيكهيون أقتل هذه القطة وإلا حبستك في قبو الفئران ذاك"
يذكر يومها أنه صرخ رِفقة صوت ضحكة أبيه وصوت كَسر عُنق القِطّة.
..
" إن كنت تريد ان تعود لأمك، عليك ان تفعل ما أريد"
كان ذاك إقناعاً مُسبَق يضخه في رأس طفل لقتل عدد لا بأس به من القِطط، عشرة شهور لم يرى أمه بها وذلك لأنه إمتنع عن قتل عشر قِطط.
..
" سأجعلك تتضور جوعاً"
صوت صُراخ والده ما زال في سمعه يرن، لكنه ما كان ليستسلم أمام جوعه، فهو قد تخطى هذه المرحلة وأصبح يجيد التسلل عبر الأنابيب الخارجية إلى المطبخ، فما عاد التهديد بالطعام يؤتي نفعاً.
..
" لا تدعوها بابنتي! أمك جلبتها من الشارع وتنعتها بابنتي! وتصدق أنها أختك!"
كانت نظراته عالقة على نانسي الرضيعة وقد تم رميها أرضاً بأهمال، كان يبكي ويصرخ معها، فهي على الأرض تبكي بسبب خوفها وهو يتشبث بقدم أبيه ويرجوه ألا يُبعد عنه أخته.
..
" هذا الحارس عصاني وأنا أوكلت عقابه لك، أقتله وإلا جعلته يقتلك"
كان في التاسعة عشر آنذاك، صادف يومها أن أُعلنت نتائج قبول الجامعات وهو قد تم قبوله في كل الجامعات التي تقدم إليها وبالتخصص الذي يريد، الهندسة المعمارية.
لكنه عندما عاد وجد أن مستقبله مُهدد بفعل أبيه، فهو قد رهن مستقبل ابنه بحياة إحدى رجاله الذي استغنى عنه.
ولكنه ما كان ليُقايض حياة إنسان بمستقبله، فما كان الوحش قد نما في داخله كفاية ليقتُل إنساناً مهما كان الظرف.
لكن عندما رفع الرجل السلاح وأطلق ناحيته بغيّة حِفظ حياته، فالرئيس قال له " إن ما أصابك أصبه وستنجو".
حينها شعر بيكهيون بحلاوة روحه وتمسّك بالحياة، فبلا وعي أطلق على الرجل ثم إنهار لفترة طويلة بعدها.
...
" عليك أن تعتدي عليها كما إعتدى والدها على أمك، عليك أن تأخذ بحقك، وإلا ستعيش طيلة عمرك ورأسك في التُراب"
يذكر أنه كان مُثبت على كرسي يحوي أسلاك موصولة برأسه وجهاز حاسوب يجلس أمامه خبير في الطاقة المغناطيسية.
" أبي توقف! رأسي يؤلمني من هذه الكهرباء!"
...
توقف بيكهيون مُتخصراً ورأسه عالياً، نفث أنفاسه رِفقة صيحة مغلولة، ثم وقع بصره على هذا الباب، ولأن بصره مشوش يدري أن الدموع تراكمت في عينيه، تلك الذكريات لا تنمسح من عقله مهما حاول طمسها.
سيدخل، ويتشمت به، سيتمنى له أن يحظى بمكان أنيق يليق به في الجحيم، ولربما يُقدم خِدمة لملاك الموت، ويتولى المهمة عنه.
فتح الباب بخشونة كما يتصرف دوماً في حضرة والده الذي يكره، اضطهد مشاعره حينما إرتفع شِدقه على شاكلة إبتسامة شامتة في وجه أبيه المُمدد بضعف فوق سرير الإستطباب.
تقدم يتبختر بخطواته وكفيه في جيوب بنطاله، كأنه لا يهتم، كأنه وحسب...
وقف أمام عارضة السرير الخلفيّة، ثم أمال رأسه يتمعن في هذا المنظر الممتع وابتسم يقول.
" أتمنى أنك تنال القِسط المُناسب من الألم، وأن العلاج ما عاد ينفعك"
والده إبتسم أسفل قِناع الأوكسجين قبل أن يرفعه عن وجهه، وتحدث بصعوبة بينما يسعل.
" أدري أنك لا تتمنى لي الألم، لأنني أدرى بك، حاولتُ كثيراً أن أنزع قلبك من صدرك، لكنني دوماً ما فشلت، وأكبر دليل على فشلي هو تواجدك هُنا الآن"
بيكهيون نفى برأسه، وقد إستند بذراعيه على العارضة ثم قال.
" أتيتُ لأشمت بك، وأرى الموت ينتقم لي منك، رغم أنه سيكون إنتقاماً رحيماً بحقك"
إرتفع حاجب والده، وما كانت الدموع في عينيه عصيّة على نظر بيكهيون.
" إنتقم بيدك إذن، اقتلني!"
لقد فكّر في ذلك فقط مذُّ لحظات سالفة، ولكن أن تكون في الموقف أمراً مُختلف تماماً، يشعر بيده مغلولة مُجدداً.
لكنه بحاجة أن يبقى صامداً في وجه مشاعره المُتضاربة الآن، عليه ألا يُظهر أن جُزءً داخله لا يريد لوالده الأذى، لكنه لن يظهره إطلاقاً، سيبقيه في جوفه محبوس.
لذا الآن إبتسم بشماتة وهمس.
" أود أن تتعذب كثيراً قبل أن تموت، ثم أنني ما عدتُ أشبهك، أنا ليس بيكهيون الذي عجنته بالحقد والشر، لقد تغيّرت"
اتبع بيكهيون، وقد انحنى بظهره قليلاً نحو العارضة بينما يتكئ عليها بذراعيه، ليمعن النظر في وجه أبيه، وليكون الآخر قادر على تقدير التغيير، بيكهيون ما عاد حاقداً.
" الآن أنا أملك عائلة، أمي، أخي وعائلته، زوجتي، و..."
إتسعت إبتسامته ورفع بوجه أبيه أربعة أصابع.
" وصِغاري الأربعة، أكبرهم نانسي"
ضحك متهكماً حينما بان على وجه أبيه السخط، فبيكهيون اتبع وقد أصبح يسير في الغرفة عاقداً ذراعيه إلى صدره، وذلك ليزيد من سخط أبيه لا أكثر.
" ما زلت تظن أن نانسي إبنة غير شرعيّة لأمي؟!"
ورغم ضُعف موقف والده إلا أنه برعونة تشبث في موقفه كما فعل على الدوام.
" انا لم أنجب هذه العا..."
" اششش!"
بيكهيون وضع سبابته على شفتيه وأشار لأبيه بالصمت قبل أن يُنهي ما في جوفه.
" اقطع كلامك قبل أن أقطع حُنجرتك!"
تنهد والده، ثم إزدرئ جوفه يقول.
" بيكهيون أنا..."
وللمرة الثانية بيكهيون يقاطعه.
" لا تثق بأحد، إعتدتُ أن أكون مثلك، في ذلك الحين الذي كنتُ أشبهكَ فيه، أجريتُ فحص أبوّة على دمك ودم نانسي، واحزر ماذا كانت النتيجة؟!"
السيد ابتلع جوفه برهبة، فهو يعلم بيكهيون بالقدر الكافي، الذي يجعله يعلم أن ما سيقوله الآن الحقيقة، الحقيقة وحسب.
" ابنتك بنسبة مائة بالمائة"
أمال رأسه ناحية والده حينما شهق الأخير بضعف.
" هل كان علي قول ذلك فقط؟!"
رأى دموع والده بالفعل على وجهه، لكنه نفى يُزيّف شفقته.
" مع الأسف، أنت لا تستطيع أن تُصلح الموقف بعد الآن، فلقد نسبتها لي بالفعل، وأنت خسِرتها للأبد"
وبين دموع السيد همس بضعف.
" بيكهيون بُني أرجوك اسمعني الآن، فقد لا تتوفر فرصة كهذه مرة ثانية"
بيكهيون نفى وتأهب للخروج.
" بلى، سأراك، ربما في الجحيم"
وهذا ليس توعداً لوالده، بل لأن هذا ما يشعر به، أبوه لا يستحق النعيم الأخير، كما يرى نفسه لا يستحقه أيضاً، فهو كان دُمية بيد والده، عبداً لطموحه الإنتقامي، لذا لا يظن أنه يستحق النعيم أيضاً.
فتح الباب وأراد الخروج، لكن والده استوقفه بقوله.
" لقد سجلتُ كل اموالي وأملاكي باسمك، أنت الآن تستطيع أن تنتقم من كيم تايهيونغ كما يحلو لك، لقد أصبحت الاقوى بالفعل"
إلتفت إلى والده وبأستياء شديد استنكر.
" الإنتقام مجدداً! ربما ليس لديك علم، لكن الحرب إنتهت بالفعل، وأنا لا أملك حق عند تايهيونغ كي انتقم منه"
أشار ناحية أبيه واتبع.
" بقي لي حق عندك، وأود لو انتقم منك"
منح والده ظهره بينما السيد يناديه بإستماتة بطريقة مُزرية مُثيرة للشفقة، بيكهيون توقف عند الباب حينما استذكر، والتفت نصف إلتفاتة ناحية أبيه وقال.
" اه صحيح! مالك الثمين، سأحرقه كله فوق قبرك!"
ثم اتبع بإبتسامة حينما راودته فكرة أكثر جنوناً.
" اوه! ربما لا يكون لك قبر، سأحرقك أنت ومالك، ثم انثر رمادك في المِرحاض، فهذا المكان الذي يليق بك"
وما إستطاع بيكهيون إن يكبح دمعته اليتيمة عن التحرر فلقد إحمرّت عينيه لكثرة ما حبسها، لكنه أستطاع ان يُنفث الكُره من فمه.
" أمثالك كثيرٌ عليهم أن يُدفَنوا تحت التُراب حتى!"
أغلق الباب خلفه بقوة، وصمّ آذانه عن صُراخ أبيه وصياحه باسمه، سار بسرعة في الرِواق، ولعن بسخط شديد بينما يمسح دموعه.
هكذا الوداع الآخير مع أبيه عليه أن يكون، عليه أن يكون بهذا القدر من الحقد، فلطالما كان الجامع بينهما الحقد فحسب...
ما إستطاع بيكهيون أن يعود إلى جويل ويتصرف وكأن شيئاً لم يكُن، لذا نزل إلى حديقة المُستشفى، ووجد لمشاعره المُهتاجة مكان مُضلل أسفل شجرة ذات ظِل، وبعيدة عن العيون.
ارتمى بجسده الذي إنحلّت منه القوة أسفل الشجرة، وبكى كما لم يفعل من قبل، بيكهيون ليس الرجل الذي يبكي، بل هو الرجل الذي يكره الرجل الذي يبكي، لكنه يحتاج أن يبكي الآن، وإلا سبق والده إلى المرتع الأخير، ولن يكون قادراً على تنفيذ وعيده الأخير بحقه.
مضى من عمره ثلاثة عقود وبضع سنين وهو في قفص هذه المشاعر محبوس، مشاعره لوالده تنتصر على كل مشاعره الأخرى مجموعة.
يكره والده أكثر مما يحب أطفاله، يكره والده أكثر مما يحب زوجته، يكره والده أكثر مما يكره نفسه.
الآن يحتاج أن يتخلص من مشاعره هذه، فكلامه مُذُّ قليل كان عِز الإنتقام، أمراً ما كان يُخيَّل له أنه قادر على فعله إطلاقاً.
الآن عليه أن يستخلص من مشاعره نقائها، ويعيش بنقاء وسعادة لما بقيَّ له من عُمر، وعلى عكس والده؛ سيسعى ليكون الأب الأفضل، الزوج الأفضل، الأبن الأفضل، والأخ الأفضل، والشخصية الفُضلى في هذه القِصة.
بيكهيون قرر أن يكون بطل الرواية، الشخصية التي إنقلبت من الأكثر شراً إلى الأكثر خيراً، سيكون بيكهيون بطل حاقد عاشق...
وإلى الأبد؛ بيكهيون هو البطل الأبديّ.
........
مرّت الأيام على وتيرة بطيئة، بيكهيون هو الوحيد الذي لبث في المستشفى لرعاية زوجته، فلقد رفض كل الأيدي التي إمتدت بالعون لأجله ولأجل زوجته، وأصرّ أن يكون سندها في كل ظرف، وفي أي ظرف.
والده ما زال حي يلقط أنفاسه الأخيرة، لم يتحرى عن مرضه ولن يتحرى ولن يهتم، سينتظر خبر وفاته فحسب، وكل الأحوال الباقية على حالها.
كان بيكهيون في طريقه إلى جناح جويل يحمل بيده حليب الشوكولاتة، الذي إشتهته جويل فجأة.
طرق عليها الباب ثم دخل، فوجدها تسير في الغرفة بصعوبة بينما تستند على الأثاث والجُدران، تتمسك ببطنها وملامحها مُنقبضة، وهذا ما أشعره بخطورة الموقف.
هرع إليها يسندها عليه.
" ما بكِ؟! هل أطلب الطبيبة لأجلك؟!"
جويل نفت برأسها وقالت.
" لقد كانت هنا منذ دقائق"
إجتذبها ناحية السرير، لكنها تشبثت بقميصه رافضة، ونفت تقول بصوت مُهتزّ.
" لا بيكهيون، الآن عليّ أن أُعين نفسي، وأنت عليك أن تُعينني"
بان الإرتباك على وجه بيكهيون وهو يسندها عليه، ويسير معها جيئة وذهاباً في الغرفة.
" أنتِ ماذا تقصدين؟!"
جويل نظرت إليه وقد طَفر الدمع في عينيها.
" أظن أن الوقت قد حان، لذا بيكهيون لا تُفلت يدي الآن، أنا بحاجتك، حسناً؟!"
تمسّك بيدها أكثر، وأحاط ظهرها بذراعه الأخرى يقول موبخاً.
" ما الذي تقولينه أنتِ؟! أنا بالطبع باقٍ إلى جانبك"
إبتسمت رغم دموعها وأومأت، ثم اتبعت سيرها معه تقول.
" الآن يأتيني الألم كل عشر دقائق، عليها أن تكون خمس كي ينقلوني إلى غرفة الولادة"
وهذا بالفعل ما أغضب بيكهيون، إذ كاد يفلتها وهو يلعن المسؤولين عن حالتها.
" لا يهتمون بكِ وأنتِ المالكة، أنا سأذهب وأعلمهم كيف يهتمون"
تمسكت بيده سريعاً ونفت تقول.
" هذا ما يجب فعله، لا تقلق، أنا سأكون بخير طالما أنت معي"
وفجأة إنحنت بظهرها وصرخت تتمسك ببطنها، تمسك بها بيكهيون سريعاً وصاح.
" تتألمين؟! أقسم ساقتلهم! سأجعلهم يزيلوا الألم عنكِ"
تشبثت بيده بقوة حتى إستطاعت أن تقيم عودها، ونظرت في ساعة يدها بيننا تبكي بلا حِس.
" أيها المُهندس، هذا ألم الولادة، لا مُسكّن له، والمسكّن المتوفر قد يضرني أكثر مما ينفعني، لذا فقط تشبث بيدي وساعدني لأقاوم أكثر"
نظرت إليه وابتسمت رغم أوجاعها وقالت.
" أين حليب الشوكولاتة؟!"
وضع لها الماصّة ورفعه إلى شفتيها يقول.
" هاكِ، على حلقكِ ألا يجف"
أومأت تبتسم ثم صرخت مرة ثانية، وانحنت مجدداً، وما كان بيده إلا أن يتمسّك بها مرة أخرى وأن يُعينها الآن بما يستطيع فعله، نظرت في ساعتها وهمست.
" أصبح كل سبع دقائق، جيد"
وبيكهيون يكره شعور العجز الذي يراوده الآن، لذا ما كان لسواها أن يتلقى سوء شعوره حينما صاح.
" أنا لا أرى شيء جيد بكل هذا أيتها المرأة المجنونة!"
ضحكت بخفة وهي تقبض ملامحها بسبب الألم، ثم أشارت نحو الماصّة، فرفعه إلى فاهها متذمراً بتنهيدة مُستاءة.
رفعت وجهها إليه ثم قالت.
" بيكهيون، هل أستطيع أن أطلب منك شيء؟!"
يعلم جيداً ما نوع هذا الحديث لذا رفض، لن يسمح لها بأن توصيه.
" لا، لا تستطيعين، فقط اصمتي واشربي"
رفع الماصّة إليها مجدداً، شربت من الحليب ثم قالت.
" لن أوصيك على الأطفال إطلاقاً لذا لا تقلق، لستُ هذا ما أريد قوله"
" إذن ماذا؟!"
إنسابت دموعها فحوى طلق في المشاعر، لا في الرحم.
" أريد أن أوصيكَ نفسك فحسب"
وضع يده على شفتيها، وأشار لها بالصمت بملامح ليست بلطيفة على الإطلاق، رفعت عنها يده ثم قالت.
" إن مُت فأنني سأكون بسلام لو تجاوزتني، إن عذّبت نفسك من بعدي ستعذبني، لذا لأجلي جِد بدايتك الجديدة من بعدي"
رفع يده مُهدداً وهسهس بغضب شديد.
" جويل أخرسي، أقسم أنني سألطم فاهكِ الثرثار هذا لو تفوهتِ بالمزيد!"
لكنها تعلم أنه تهديد فارغ، يده لن تمتد عليها بالسوء إطلاقاً لذا اتبعت.
" ولا تقلق، ستكون أفضل أب لأبننا القادم، أنه صبيّ تُربيه أنت بحنان وعاطفة وشدّة حينما يلزم، سيكون فخوراً بك"
تلقف كتفيها بين قبضتيه، وهزها بحركة عنيفة بلا أن يكون بوعيه، فتلك الأفكار السوداوية، والإحتمالات المُظلمة التي تضخها بعقله قد سممته لذا يتصرف بلا إدراك، وهنا صاح بها.
" أخبرتك أن تصمتي! أبعقلكِ عطب؟!"
إنحنت تصرخ حينما أتاها الألم مجدداً، لذا تمسك بيدها وهتف سريعاً بقلق.
" هذا يكفي! لقد تألمتِ كثيراً، دعيني أستدعي الطبيبة لأجلكِ يا جويل!"
رفعت رأسها تسنده على صدره ثم نظرت في ساعتها، وما إن نظرت بها حتى صرخت مجدداً، حينها رأت الدمّ يسير على قدميها بغزارة.
بيكهيون إزدرئ جوفه وانحنى لأجلها يقول.
" أرجوكِ يكفي! أنا خائف عليكِ! أشعري بي على الأقل!"
تشبثت بقميصه حتى تستقيم، ثم ببقايا قوتها جذبته من ياقته، لاقته بشفتيها شفتيه، قبّلته بضعف لكن بود وبحب، منحت نفسها الفرصة أن تودعه كما يجب لو كان هذا الوداع الأخير.
فرّقت شفاهها عنه، وهو لم يبادلها إطلاقاً، فلا؛ هو لا يملك القوة الكافية ليُقبّلها حتى، لقد أنهكه الخوف.
تمسكت بقميصه بضعف شديد، ثم همست بنبرة غزاها الوهن، الدموع قد بللت وجهها وهي قد غرقت بالفعل في دمائها، في موقف مُشبَّع بالألم كهذا يجب أن تقول آخر ما في جُعبتها.
موقف قاسٍ كهذا يليق بقسوة قِصتهما، يليق بقسوة بدايتهما.
" بيكهيون، أريدك أن تعلم أمرين، الأول أنني سامحتك على كل شيء، وانا لا أكنّ لك سوى كل الحُب، لذا إن ما إلتقينا مجدداً هنا، سنلتقي بالنعيم بلا شك، فأنا وأنت نستحق النعيم"
وبشجن رِفقة دمعة أخيرة همست.
" الثاني، أنني أحبك جداً يا بيكهيون!"
..........................
حبايبي😭😭😭💔
نهاية مفتوحة...
سلااااااااام
هذا الفصل ينفع جداً يكون نهاية مفتوحة لهيك قررت أنو خلص هون النهاية الي شايفتها مناسبة.💔
مقلب😂🌚
هو فعلا ينفع نهاية مفتوحة بس أنا ما بحب النهايات المفتوحة، ولهيك تلقّوا الخبر التالي.
بنسبة 90% الفصل القادم هو الأخير.
لكل الأشخاص الي بحكوا أني ركزت ع رقم ١٠٠، أنا قلت بوضوح انها ممكن توصل ١٠٠، تزيد عن ١٠٠ أو تنقص، مش أنها بمخطط أكيد ١٠٠.
على كل حال، كنت ناوية نزل الشابتر من يومين، لكن في كل مرة بنتهي بهيك وقت فبكون وقت الإمساك لهيك ببطل، بس اليوم قررت انشره، والي يلحق يقرأه الآن والي ما يلحق يقرأه بعد الفطور.
الفصل القادم رح يكون في السادس من مايو، يوم ميلاد بيكهيون، ح نحتفل بعيد ميلاد بيكهيون، و ح نودع حاقد عاشق كمان.
دموعي واقفة بعيوني، أتمنى أقدر أكتب النهاية مثل اللازم وما تأثر علي مشاعري الحالية.
لهيك ادعموا الفصل ما قبل الأخير...
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
الايموجيز، الكلام المكرر، التعليقات المكررة، الأحاديث الخارجية كلها بحذفها...
١.رأيكم ببيكهيون؟! بيكهيون الأبن؟! بيكهيون الزوج؟! بيكهيون الأب؟!
٢.رأيكم بجويل؟ كلامها الأخير مع بيكهيون؟ هل ستنجو؟!
٣.رأيكم برحلتهم؟! سير الأحداث؟!
٤.رأيكم بمآل السيد بيون؟!
٥.رأيكم بالفصل وللمرة الأخيرة توقعاتكم للفصل القادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بعد قيادة طالت لساعتين؛ وصل بيكهيون بعائلته وجهتُه أخيراً، فها هو ذا يقف خلف أسوار مزرعة أمه، تلك المزرعة التي حَوت من الذكريات ما حَوت، ذكريات أليمة.
إنبجلت البوابة فورما تعرف فِرقة الحرس الأمامي عليه، وانحنوا جميعاً إستقبالاً له وإحتراماً لرئيسهم، ولج بيكهيون بسيارته حتى اصطف بها قُرب الباحة الأماميّة.
ألقى نظرة على صُحبته من عائلته، إذ وجدهنّ جميعاً نائمات، حتى تلك التي قالت أنها لا تشعر بالنُعاس وأنها ستؤنسه خلال الرحلة، ها هي نائمة كالدُببة كذا بناته.
تهكم ضاحكاً بخفوت قبل أن يترجل من السيارة، لقد أخبرها أنها ستنام وتحدَّته، حمل مقاعد صغيرتيه أولاً وتوجّه بهنّ إلى منصّة الأعمدة.
وضعهنّ هُناك بين الوسائد، ثم عاد لأجل جويل، فتح بابها ثم حملها على ذراعيه وسار بها بحذر إلى حيث ترك بناته، في زيارتهم السابقة؛ كانت هذه المنصّة أولى محاطاتهم، وها أنتهى بهم الأمر لتكون أيضاً أولى محطاتهم هذه المرة.
كما سبق ووِصفت؛ إذ لم يتغير عليها بُنيانها أو ديكورها شي، إنها منصّة مرفوعة عن الأرض العُشبية عبر ثلاث درجات، مرفوعٌ سقفها بأربع أعمدة متوازية، وحيث وجب أن يكون بناء الجُدران عُلّقَت ستائر بألوان خافتة شفافة، وذاك ما يسمح للنسيم بالولوج بعد رقصة خاصّة مع الستائر، كما أن الضوء يتسلل برفق، ولا تتسلل الأشعّة القويّة.
تنتشر على الأرض وسادات كثيرة، بأحجام وألوانٍ مُختلِفة، تنفع لقيلولة قصيرة كالتي تحظى بها عائلته الآن، وهو أيضاً سيفعل في الحال.
مدّ جذعه فوق الوسائد حيث مدد جويل بجانبه ثم تنهد براحة، فَرد ذراعه ليضم بها جويل إلى صدره، وإلى جانبه الثاني تنام طفلتيه في مقاعدهن التي أصبحت أسرّة بالفعل.
إبتسم بيكهيون قُبيل أن يضم جفونه بعضها على بعض، لقد سبق وعاش شعور الحب والعائلة، ولكنه كلما جرّبه شعر بأنه جديد عليه، لذا في كل مرة تَدُب السعادة أوصاله.
غَفت عينيه أسفل نور الشمس الواسن، وانضم إليهنّ في قيلولة ثمينة في مثل هذا الوقت الذي تكون فيه الشمس حتى واسنة، هو المُتعب الأكثر هنا، بينما هو يقود إلى هنا كنّ نائمات، لذا وجب أن يرتاح قليلاً.
بعد أن مالت الشمس إلى الغروب؛ فتحت جويل عيناها، إذ كانت أول من أستيقظ بينهم الأربعة، تبسّمت بينما تتفقد طفلتيها أولاً، ثم حينما آتى دور بيكهيون إتسعت إبتسامتها بينما تُمرر أصابعها فوق معالم وجهه الوسيمة.
ولأنها تحبه بإفراط؛ ولا تقدر أن تقاوم حُسن وجهه؛ إنخفضت لتطبع على وجهه قُبل مُتفرِّقة، الأخيرة كانت من نصيب شفتيه، وقبل أن تبتعد عنه شهقت، إذ يده أتت من العدم وتمسّك بقِفا عُنقها يمنعها أن تبتعد.
فتح عينيه على مرآها الحَسن، وبانت على شفتيه إبتسامة خافتة قُبيل أن يهمس بصوتٍ ناعس.
" يَنُص القانون الأول أنه ممنوع أن تسرقي أي قُبلات مني بينما أنا نائم، هذا ليس عدلاً كما تعلمين"
حاولت تحرير نفسها من قبضته، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً إذ إجتذبها أكثر حتى مسَّ بشفتيه شفتيها، وذلك جعلها تهمس فوق شفتيه.
" أنا بالتأكيد لن أرضى بمثل هذه القوانين الجائرة ولن أُطبّقها"
ارتفع حاجبه إستهجاناً لإجابتها وقال.
" جائرة؟!"
أومأت، ثم ابتسمت بينما تُسرح خُصله الأمامية للخلف بأناملها، حتى تقدر أن ترى وجهه من ناصيته إلى ذقنه، تراه ضمن كل حدوده المرسومة بدقّة.
" لأنكَ فِتنة، والفِتن لا تُقاوم"
فرّت من شفاهه ضِحكة، وقعد فوق الوسائد قُربها، ثم بسرعة ولكن بحذر طرحها فوق الوسائد لتكون أسفل جِذعه.
زلف منها بجذعه حتى مسّها، ثم همس ينظر في الربيع اليانع في عينيها.
" أُحب كيف أن غزلكِ بي مُتقن، وأحب أكثر أن أتغزل بكِ على طريقتي"
تبسّمت وسقط بصرها على شفتيه التي تُنقب عن زاوية مُثلى للقاءٍ مع شفتيها، قَبّلها بشغف، كما شغفه الأول بها، ذاك الشغف الذي ضلّ منيعاً رغم الوقت، رغم الصِعاب.
ذلك لأنه شغفها حُباً وشغفته...
تفرّقت الشِفاه، وتبادلا أنفاس حارّة فيما بينهما، بينما الجبهة تستريح على الأخرى، بيكهيون همس.
" وحدكِ من أحببت، أنتِ الحب الأول والأخير يا جويل"
كان ردها أن طبعت على فكّه قُبلة ثم همست.
" وحدك من في قلبي، أنتَ كل شيء بالنسبة لي"
تبسّم بينما يتمسّك بمعصميها، ثم ساعدها على القعود يقول.
" والآن كفى غزلاً، ماذا ستطبخي لنا؟!"
ثم اتبع وقد نظر إلى الصغيرات، اللتان قد أستيقظنّ بالفعل.
" نحن جائعون، أليس كذلك يا فتيات؟!"
سُرعان ما أومئنّ الصغيرات وهتفنّ بحماسة يردنّ الطعام، لكن جويل وقد إتسعت عيناها أشارت إليهنّ بينما تسأل بيكهيون.
" هل حدث وأن رأينَّ قُبلتنا للتوّ؟!"
بيكهيون أومئ بفخر وقال.
" هنّ شاهدات على أمجادي"
ثم أشار إلى بطنها واتبع.
" وهذا دليل على مجدي بالفعل"
جويل استنكرت، لا تفهم دوماً كيف يرى بأمور مُحرِجة كهذه مجداً يحتذي به ويفخَر.
" مجدك؟! أهذا شيء تفخر به حتى؟!"
أومئ، فالبطبع؛ بيكهيون شخصية تميل إلى أن تكون نرجسيّة في معظم الأحيان، وحيث يتسنى له أن يتفاخر وينفخ في شخصه، لذا أي فعل بسيط يصدر عنه قد يكون بالنسبة له مجداً وإنجاز عظيم.
تنهدت جويل بشيء من الأستياء وقررت أنها لن تُناقش بيكهيون في ذلك، فقناعته رغم غرابتها وأحياناً حماقتها غير قابلة للتغير، فهي ثابتةٌ ثابتة مع الأسف، قامت تُرتب فستانها على جذعها كذا شعرها.
" وماذا يرغب الأب وبناته أن يأكلوا؟!"
أجابها بيكهيون بينما يُقيم عوده.
" دعينا نُقرر معاً بينما نطهو"
سُرعان ما استنكرت ترمقه وقد حلّقا حاجبيها.
" نطهو؟!"
أومئ مُبتسماً ثم أمسك بيدها، وبيده الأخرى حمل مقعد بيرل من مِقبضه، وتكفَّلت جويل بحمل جيني، ثم سارا معاً إلى داخل بيت المزرعة.
وضع بيكهيون جيني وبيرل متجاورتين أرضاً بمقاعدهن، وناول كل واحدة قِطعة بسكويت، ثم هو تقدم ناحية جويل التي باشرت بالفعل بتجهيز الطعام وبيده قِطعة بسكويت أخيرة.
رفع القِطعة إلى شفاهها ففتحت فمها تقبض على طرف القِطعة بأسنانها ونظرت إليه تعقد حاجبيها، ثم إبتسمت وطرف القِطعة عالقة بين قواطعها واقتربت منه.
تكونت عُجمة بين حاجبيه فأشارت ناحية القطعة وهمهمت، إبتسم وقد فهم مُرادها ثم أقترب ليتلقط الطرف الحُر بأسنانه، تقاسماها ثم جويل قالت قُبيل أن يطبع بيكهيون على طرف شفتيها قُبلة.
" سأعد شرائح اللحم مع الخضراوات"
همهم بيكهيون ثم أبعدها قليلاً عبر خصرها، ليشغل حيزاً بجانبها وقال.
" إذن أنتِ تولي تجهيز اللحم وأنا سأتولى الخضراوات؟!"
بذهول همست.
" أُتجيد تقطيعها؟!"
إكتفى بإبتسامة وبدل أن يُجيبها إستعرض عليها قُدراته، إنه طاهٍ جيد، يجيد تقطيع الخضراوت وطهي بعض الأطباق، وذلك ما فاجئ جويل، إذ هو يُقطع الخُضرة كخبير طهي.
" لم أكن أعلم أن لك مهارات في المطبخ، كيف تعلّمت؟!"
بيكهيون أجابه وتركيزه مع الخضراوات.
" عندما كنتُ أعيش مع أبي، كان يمنعني من تناول الطعام إذ ما فعلت شيء لا يرضيه أو ما اتبعت إحدى أوامره، لذا كُنت أتلصص إلى المطبخ والجميع نيام، أُحضر لنفسي طعاماً، ولا أُبقي أثراً خلفي"
ثم ابتسم يتبع وقد نظر لها.
" لذا أنا جيد بالتنظيف أيضاً"
كانت قد توقفت جويل عمّا تفعله، ووقفت تنظر إليه بعيون حزينة، حينها أشهر بسكينه في وجهها يشير لها وحذّر.
" أياكِ أن تشعري بالشفقة عليّ!"
نفت ثم تقدمت منه حتى عانقته، وقالت تُخبئ وجهها في عُنقه.
" أنا سأستغل قدراتك بالطهي جيداً فحسب"
ضحك بخفة قبل أن يفصلها عنه، وقال ينظر في عينيها.
" أستغليها هُنا، لا أريد أن تُنتزع هيبتي في القصر"
ترهلا كتفيها وبرمت شفتيها تتذمر.
" ظننتُكَ نسيت بشأن هيبتك!"
حينها ارتفع حاجبه بإستهجانٍ وتحدث.
" ومن ينسى هيّبته؟!"
تنهدت وقد ساورها القنوط.
" ليس أنت بالطبع!"
ثم توجهت جويل عودة لتحضير الطبق، حالما إنتهيا جويل جهزت الأطباق وبيكهيون إقترح.
" فلنأكل خارجاً"
جويل أومأت وقد تذكّرت جِذع الشجرة ذاك الذي تناولا عليه ذات الوجبة في المرة السابقة ثم بيكهيون تناولها هي، إنها ليست ذكرى لطيفة ولكنها تبتسم متكهمة، كانت أيام لا تُطاق، بالكاد إستطاعت أن تصمد.
نظرت إلى بيكهيون بينما يتولّى نقل طفلاته، كانت تكِن له كُرهاً عظيماً، ما زالت لا تُصدق أنها تحبه ويحبها، ويعيشان الآن معاً ضِمن عائلتهما الخاصة بحُب وسعادة، تنهدت تصرف الأفكار عن ذهنها ثم تبعت بيكهيون وهي تحمل الطعام.
وضع بيكهيون جيني وبيرل ثم تناول من جويل صينية الطعام قبل أن يمد لها يده ويعينها على تسلّق درجات جِذع الشجرة.
جلست جويل بجانب بيكهيون ثم ناولته طبقه، أما جيني وبيرل فكان نصبيهن من الخضراوات المشويّة وفير، تنهد بيكهيون بينما ينظر ناحية السماء.
الليلة القمر بدر لذا السماء ليست مُعتِمة جداً، تترصع السماء بحُلة من النجوم، وكانت جديرة أن تسرق إنتباه بيكهيون لبعض الوقت، كما أن للهدوء سطوته الخاصّة عليه، فهو يُحب السكينة التي يجتذبها هكذا وقت إلى نفسه.
نظرت جويل إليه، وحينما وجدته يتأمل السماء بينما تحفّه غمامة من السكينة، كانت لها الفُرصة أن تتأمله، فلا شيء جدير بالثقة للتأمل بقدره.
رفعت سبابتها تعد الشامات التي تقدر أن تراها عبر صِدغه الأيمن، واحدة إثنتان، ثلاث، أربع... وهنا توقفت حينما إلتفت ينظر لها، فابتسمت تعكف سبابتها.
" بيكهيون؟!"
همهم فاتبعت.
" شكراً لك لأنك تُحبني"
عقد حاجبيه لا يفهم ما الداعي لهذا الكلام، وهو بالفعل قد كَره نبرتها للتو، لا يدري لأي سبب لكنه لم يحب ذلك على الإطلاق، وهذا ما فهمه.
" ما مُناسبة هذا الكلام؟!"
حرّكت كتفيها بجهل، وبانت على شفتيها إبتسامة خافتة بينما تنظر ناحية السماء، حتى إبتسامتها هذه كرهها، ولأول مرة يجد ما يكرهه بجويل.
" في زيارتنا السابقة لهذا المكان، كنتَ أنت تُحبني وأنا أبغي الفِرار منك، كلما تذكرت الماضي أستغرب قوة مشاعري نحوك"
نظرت إليه واتبعت تبتسم.
" أنا متى أحببتُك إلى هذا الحد من الإفراط؟!"
إقترب منها، ثم أحاط براحتيه وجنتيها، وضع جبهته إلى جبهتها وكلاهما أغلق عينيه، حينها همس.
" لا أدري، حتى أنا لا أدري كيف تسللتِ إلى قلبي بعد كل ما كننته عليكِ من حِقد، المشاعر يصعُب فهمها كما يصعُب شرحها"
تمسّكت بتلابيب قميصه وهمست.
" أحبَّني بجراءة كما تفعل دوماً، أنا أُريدكَ الآن يا بيكهيون!"
تبسم وهمس يرفع شعرها عن صِدغها.
" ماذا عن أقوال الطبيبة؟!"
نفت برأسها وهمست.
" لقد انقضى شهري الثامن، أنا على وشك الولادة الآن"
حينها هو اتبع.
" وبعد الولادة ستتشمتين بي"
حينها ضحكت تومئ وبنفسها أسرّت.
" إن بقيتُ حيّة"
لذا بيكهيون همس وقد مال برأسه إلى شفتيها يقول.
" إذن أنا لن أوفر هذه الفُرصة"
تمسكت بقميصه، وانقبضت ملامحها بينما بيكهيون قد بدأ غزوه على شفتيها بالفعل، يده التي كانت تُحيط رأسها إنخفضت حتى سحّاب فُستانها وأنزله حتى آخره.
فَصل القُبلة ومدد جذعها فوق جِذع الشجرة، ثم نظر في عينيها، وجويل لم تخفى عنها لمعة الرغبة التي توقد عينيه كذا جسده، كذا نبرته المغموسة في قاع الرغبة.
" كما سبق، مكاني آمن، فلا تخافي من العيون"
أومأت.
" أعلم، لذا أثق بك"
وبلا أن يرد، إنخفض بجذعه ناحيتها حتى غمس وجهه في عُنقها، وهناك مكثّ طويلاً يُعلّم أديمها حتى أوجعها وجعلها تُريده أكثر فأنَّت.
ابتسم وارتفع قليلاً يُشير إلى جيني وبيرل اللتين يأكلن بنهم وحسب.
" عيونهنّ فقط من قد تتلصص علينا"
ضحكت بخفة ثم قالت.
" ألسنَّ الشاهدات على أمجادك؟!"
وبيكهيون بغرورٍ أومئ.
إنقضت سحابة الحُب من عليهما، ولكن حُبهما لم ولن ينقضي، تنهدت جويل وقد توسّدت صدر بيكهيون تنظر إلى ما ينظر إليه، السماء.
" أود أن أنام معك بالعربة، ولكن أظن أنها لن تسعنا نحن الأربعة"
بيكهيون إكتفى بصمته وطبع على جبهة حبيبته قُبلة، نظرت إليه جويل باسمة وطبعت قُبلة على وجنته، ثم قعدت تضع على جسدها فُستانها.
" هل تبقى مع الطفلات حتى أستحم وأعود؟!"
أومئ وهي ذهبت، قعد بيكهيون يرتدي قميصه، ثم إقترب من جيني وبيرل، أخرجهن عن مقاعدهن وأجلسهنّ قِبالته ليقول.
" ألعبنَّ مع بابا حتى تعود ماما"
والصغيرات حبونَّ نحوه بحماسة حتى تسلقن قدميه وجلسنّ في حُضنه، ضحك يقبّلهن ثم بدأ يمضي وقته معهن حتى تعود جويل.
عادت جويل ووجدت بيكهيون بوضع مُزري للغاية، إذ هو مُمَدد أرضاً بتعب، يلهث أنفاسه، شعره أشعث وقميصه مُجعد.
جيني تجلس فوق صدره وبينما تعقد حاجبيها لشدة تركيزها تحاول فكّ أزرار قميصه، أما بيرل فهي تجلس ورأسه بين قدميها، وبتركيز تنتف شعره.
ضحكت جويل تقول.
" ماذا فعلنّ بك؟!"
حينها تأوه بصوت مرتفع وبأنفاس متقطعة قال.
" أنقذيني، سيقتلنني"
أتت جويل بجانبه ضاحكة، ورفعت جيني عن صدره لتضعها في حِجرها، وخلّصت شعره بسلام من يد بيرل.
حينها قعد يلهث أنفاسه وهي قالت.
" اذهب واستحم، سنكون بإنتظارك هُنا"
ذهب بيكهيون وغفون الصغيرات بغيابه، أما جويل فهي استفردت بتأمل خاص مع السماء حتى وردها إتصال، وإذ هي الطبيبة المسؤولة عنها.
جويل أجابتها رغم الإرتجاف المُفاجئ والشديد الذي إستحوذ عليها.
" سيدة جويل، عُذراً لأنني اتصل بكِ مُتأخراً"
" لا بأس، هل هناك أمر هام؟"
همهمت الطبيبة ثم أجابتها.
" نعم، بالنظر إلى حال رحمكِ الآن وتوسع عُنق الرحم لديكِ، أظن أنكِ لربما تلدي قريباً جداً، وإن حدث بينكِ وبين زوجكِ علاقة فقد تلدي بأي وقت، لذا إن أمكن غداً زوريني، فلربما نضطر إلى إبقائكِ لدينا حتى تلدي"
جويل تنهدت بأستياء ثم قالت.
" حسناً أيتها الطبيبة، غداً سآتي"
أغلقت الخط مع الطبيبة وتنهدت بضنك، إذن عليها أن تقطع رحلتها مع بيكهيون مجدداً، هما لا يبدوا أنهما سيهنئا بعطلة على الإطلاق، لكنها لا تملك خياراً، ستخبره الليلة بكل شيء، هو من حقه أن يعلم أيضاً.
بيكهيون عاد يقول وقد ألقى على بناته نظرة.
" بما أن الصغيرات قد نمنّ دعينا نتوجه نحن للنوم أيضاً"
أومأت وتولّى بيكهيون حمل طفلتيه، سارا متجاورين، وبينما يسيران ميّزت جويل الطريق فتسآلت.
" ألسنا نتجه نحو العَربة؟!"
أومئ باسماً فشهقت.
" لكنها لا تتسعنا!"
حينها همس.
" أتذكرين اليقطينة التي كنتُ أضع فيها لكِ الفراولة والكرز؟!"
أومأت فاتبع.
" أصبحت الآن سرير صغير لجيني وبيرل."
أدخل جيني وبيرل، ووضعهن على الفراش الناعم في اليقطينة، ثم مدّ يده لها كي تدخل العربة.
دخلت تنظر فيها، ما زالت كما هي، إلا أن اليقطينة تحولت من دولاب صغير إلى سرير، تمدد بيكهيون على السرير ثم ربّت على صدره يقول.
" وكما سبق ونِمنا، تفضلي نامي على صدري وفي حُضني"
تبسّمت بينما تأخذ في حُضنه حيّز.
" وبالتأكيد أنا لن أفوّت الفرصة"
بيكهيون تنهد وأغمض عينيه بينما جويل قبضت على تلابيب قميصه بأصابعها، هي الآن بحاجة لتخبره، لن تتوفر لها فُرصة أفضل.
" بيكهيون؟"
همهم فاتبعت.
" هُناك أمر هام، عليكَ أن تعلم بشأنه"
فتح عينيه وشعرت به ينظر إليها، رفعت بصرها ناحيته وقالت، وهي لا تدري حقاً كيف تسلل الدمع إلى عينيها.
" أخشى أن أخبرك بأننا بحاجة إلى قطع رحلتنا مجدداً والعودة"
حينها قعد على السرير وقد بانت الجديّة مرتسمة بحدة على ملامحه، وهي قعدت قِبالته وقد أخفضت بصرها عنه.
" عندما أنجبت بيرل أخبرني الطبيب بأني قد أُصاب بالعُقم بنسبة كبيرة، لذا أنا ما توقعت أن أحمل بسهولة مجدداً"
شعرت بأصابعه أسفل ذقنها، ثم رفع وجهها إليه يقول وقد انقبضت ملامحه بأستياء.
" لماذا أنتِ مُعرَضة للعُقم؟!"
كتمت الإجابة واخفضت رأسها، حينها حرر ذقنها وأومئ يبتلع غصّته.
" بسببي أنا"
تمسّكت بيده، فهذا ليس الوقت المُناسب ليلوم نفسه، فاللوم لن يغير في حقيقة الأمر شيء، ولن يعود بالزمن إلى الوراء، فقط سيضخ في نفسه الألم والعذاب، وهذا بالطبع ما لا تريده.
" لا تَلُم نفسك، حقيقة أن هناك طفل من دمك ينمو بأحشائي كان أمراً مستحيل بالنسبة لي"
أمسكت بيده و وضعتها على بطنها.
" الآن انظر إلي، ابنك ينمو داخلي"
بيكهيون نفث أنفاسه ثم قال وقد كمش على فستانها فوق بطنها.
" والآن ماذا سيحدث لكِ ولطفلنا؟"
تبسمت تتحسس وجنته برفق.
" لا تقلق، ليس هناك أمر خطير"
حينها تنهد براحة فاتبعت.
" لقد دخلتُ في شهري الأخير، وقد ألِد في أي وقت، إتصلت بي الطبيبة بينما تستحم واخبرتني أنه علي الذهاب غداً إلى المستشفى، فربما سأبقى هناك حتى ألد تحسباً لأي أمر قد يطرأ"
أمسك بيكهيون بذراعيها واجتذبها إلى صدره يقول.
" ما زال الوقت يثبت لي أنني لا أستحقك، أنكِ كثيرة علي"
أخذت تمسح على شعره وقالت.
" أكره أن تتحدث عن نفسك بهذا السوء، لذا كُف رجاءً عن قول هذا، أنا بخير وسنحظى بطفلنا الثالث، أليس هذا كافياً؟!"
أومئ وشدد على عناقها.
" كافٍ، بل وأكثر من كافٍ"
مسحت دموعها التي هربت إلى وجنتيها قُبيل أن تبتعد عنه، طبعت على صدغه قُبلة ثم أراحت رأسها على كتفه تقول.
" أريدك أن تكون معي خلال الأيام القادمة، لا تفلت يدي إطلاقاً"
تمدد بها على السرير مجدداً، وأحاطها بذراعيه يقول.
" لن أترككِ أبداً"
...............................
في الصباح الموالي، بيكهيون لم ينم على الإطلاق، بل إن الأرق تسلّط عليه، ولكثرة ما فكّر عجز عن النوم.
ما تثبّت بأن جويل قد نامت بالفعل حتى انتزع نفسه من ذراعيها، وخرج يسير في المزرعة وتلك كانت خلال ساعات الفجر المتأخرة.
تنهد يقطع الأشجار بهدوء، أحياناً ينظر إلى السماء التي تشُق عتمتها الشمس، وتارة ينظر في الأرض و يتتبع سير قدميه بعينيه.
لم يُبدي البارحة ردَ فعلٍ خَشِن حيال ما قالته جويل، حقيقة أنها حملت رغم الخطر المُحدق بها، حقيقة أنها ما أخبرته بمدى خطورة الحمل على حياتها، حتى ليلة الأمس كذّبت عليه.
لكنه يتفهمها، يتفهم رغبتها بمشاركته طفلاً، وهو يريد أيضاً أن يكون له منها أطفال، لا طفل واحد فحسب، لكن ليس على حساب حياتها حياتها هي أثمن ما يملك، لذا لن يتفهم أنه لربما يخسرها.
مع أول الصُبح إتصل بطبيبتها واستفسر عن حقيقة وضعها، فهو يعلم أن جويل ربما لم تَقُل الحقيقة كاملة له في سبيل حِفظ مشاعره من التدهور، هي أرادت أن تتدهور وحدها بلا سند، بلا عونه.
أمر أنه عليها المكوث في المستشفى أسبوع قبل ولادتها أثار في نفسه الريّبة، لذا كان عليه أن يتأكد من حقيقة الأمر، ويتحرّى خلف شكوكه.
وها هو ذا، عَلِم أنها كذّبت عليه مُجدداً، قالت أن لا شيء خطير يحفّها، بينما حياتها مُهددة بنسبة عالية تُقارب النِصف، لا ينكر أنه يشعر بالخوف حيال فقدانها، المخاوف وأفكار سوداء أخرى تراوده حول ما ستكون عليه الأيام القليلة التالية.
لكن عليه أن يكون كما كان دوماً في مثل هذه المواقف، عليه أن يبقى قوياً عتيداً في وجه أي عاصفة تود لو أنها تضربه، وأن تقتلع جذوره الصلبة من أرضه العتيدة، لأنه الأقوى، الأقوى دائماً، لأنه بيون بيكهيون.
هَجر العَرَبة باكراً واتصل بكريس ليأتيه بسيارة إسعاف دون أن يُعلِم أحد، فقط بسريّة تامة، كما أنه طلب منه أن يُحضِر معه نانسي.
وفي تمام الساعة الثامنة؛ كان كريس قد وصل بصُحبة نانسي إلى المزرعة، وسيارة إسعاف تابعة لمستشفى جويل تتبعه.
تقدم كريس من رئيسه، الذي يقف أمام البوابة بإنتظاره، بدى قلِقاً ومتوتراً عندما سأله.
" سيدي، ما الذي حدث؟!"
بيكهيون تحاشى النظر في وجه كريس جهارة، كي لا يرى الأخير الضعف الذي يسوِّر روحه في مثل هذا الظرف، لذا نظر من حوله وكأنه يتفقد مُجريات الأمور بينما هو يقف مُتخصِّراً.
" على جويل أن تذهب إلى المستشفى فوراً"
وبلا أن يُبرر بالأسباب أشار لِنانسي بيده أن تتبعه، لذا فعلت وتبعته بصمت بينما هو يتقدمها بعدة خطوات، لاحظت انقباض عضلات ظهره بشكلٍ مُتكرر عبر قميصه الخفيف، حينها أخفضت رأسها تقضم شفاهها، رؤية بيكهيون على هذا الحد من التوتر يُرعبها.
عندما وصل بها إلى العربة حثّها على الإنتظار خارجاً لبعض الوقت حتى يعود، فأومأت تنتظره.
دخل بيكهيون إلى العَربة، ما زالت جويل كذا طفلاته مُستغرقات في النوم بعمق هكذا، جلس على طرف السرير، ورفع بأنامله شعر جويل عن وجهها بينما ينظر في حُسنها، ثم ابتسم رغم أن عيناه تحرقه.
ربّتَ على كتفها بلُطف، وناداها بخفوتحتى إستفاقت من نومتها ، نظرت إليه وابتسمت، ثم بنبرة ناعسة قالت.
" صباح الخير"
وضع قُبلة على جبهتها ثم قال.
" صباح الخير، هيا انهضي وتجهّزي سريعاً، علينا أن نتحرك"
انقبضت ملامحها بأستياء، ولكنها أومأت على آية حال، فتلك بالنسبة لها لحظات وداع، وسعادة قد فرطت من يدها مُجدداً.
تمسَّك بيدها حتى يُخرجها من العَربة، ولكن قُبيل أن يُخرجها تمسّكت بكلتي يديه تجذب إنتباهه لها، فإلتفت إليها، حينها لحظ الدموع متراكمة في عينيها، لذا نفى وباشر بمسحها يقول.
" لا تبكي!"
تمسكت بيده التي على وجنتها، وطبعت قُبلة في راحته، ثم همست وقد بحّ البُكاء المكتوم صوتها، فالعَبرة قد خنقتها بالفعل.
" أنا آسفة!"
آسفة لأن خُططهم لأوقاتٍ سعيدة معاً دوماً ما تنتزع، كالآن فحسب، نفى بيكهيون برأسه واجتذبها إلى صدره يقول.
" لا تبكي! ستكوني بخير أنتِ وطِفلنا، لذا لا تخافي واعتمدي علي"
أومأت، تريد أن تصدق ما يقول حتى لو كانت مجرد توقعات ضعيفة، فهو بعكس كل المواقف لا يملك ما يفعله لأجلها، هذه المرة هما أمام قدر الله خاضعين وحسب.
ضمّ كتفيها أسفل ذراعه وبيده الأخرى تمسك بكفّها، ثم سار بها خارج العربة على مهل وبحذر، وحينما رأت جويل نانسي تقف في الخارج يإنتظارهما إلتفتت إلى بيكهيون تحمل في ملامحها سؤال، فقال.
" ستتولى نانسي أمر جيني وبيرل، ستُعيدهنّ مع كريس إلى القصر، وأنا وأنتِ سنذهب للمستشفى"
.....
بعد أن تجهزت جويل؛ تقدمت بعون بيكهيون نحو سيارة الإسعاف التي تقف بإنتظارها، لكنها عجزت عن التقدم بل توقفت وأوقفته، ثم إلتفتت ناحية سيارة كريس، حيث وضِعنَّ بناتها، ولذا تسللت دمعة من عينيها.
تقدمت من السيارة تحمل في صدرها حنين اُم، فتحت الباب الخلفيّ للسيارة، وقالت لنانسي التي تجلس بجوار الصغيرات.
" أُريد أن أودعهنّ"
وبقية جُملتها احتفظت بها لنفسها.
" فلربما لا يتسنى لي فُرصة لأراهنّ مرة أخرى"
أومأت نانسي ولم تكتم رغبتها بالبكاء أمام جويل، ناولتها جيني أولاً فهي الأقرب إلى مقعدها، حملتها جويل وضمتها بقوة إلى صدرها، ثم ابتسمت بوجهها حينما همست الصغيرة.
" ماما، لا بُكاء"
أومأت جويل تمسح دموعها وكررت خلف جيني.
" نعم، لا بُكاء، لن أبكي"
تبسّمت جيني وباشرت بمسح دموع والدتها بيدها الصغيرة، وذاك جعل جويل تمسك يدها الصغيرة وتُقبلها بحرارة، وذاك قبل أن تضع على وجهها قُبلات مُتفرقة.
احتضنتها للمرة الأخيرة إلى صدرها قبل أن تُعيدها لنانسي رغم أنها ترغب في إبقائها في حُضنها للأبد، تكره أن تُسيرها الظروف، تكره بشدة أن تكون مُجبرة.
تناولت بيرل لاحقاً، وبيرل بالفعل كانت تبرُم شفتيها تأهُباً للبكاء بما أن أُمها تبكي، نفت جويل كي لا تبكي، ووضعت قُبلة على وجنتها، ثم ضمتها إلى صدرها.
بيرل صغيرتها الحبيبة رفعت ذراعيها ووضعتهما على كتفي والدتها، ثم أخذت تُربت عليها كي لا تبكي، لكن جويل بكت أكثر إثر مواساة ابنتها واشتد عِناقها حول بيرل.
" أنا لستُ خائفة عليكِ، أثق أنكِ ستكوني بخير دوماً!"
أعادت بيرل إلى نانسي، ثم بإبتسامة لوّحت لطفلاتها بما أنهن يلوّحِن لها، ودون أن تُلقي نظرة أخيرة بعد هذه؛ صعدت في سيارة الإسعاف.
نامت على السرير كما طلب المُسعِف إلا ان دموعها لم تتوقف، بيكهيون جلس على الكرسي قِبالتها وتمسّك بيدها يقول بينما يمسح بأنامله وجنتيها.
" لا تخشي شيء، أثق أنكِ ستكوني بخير وستعودي إلى أطفالنا"
تمسّكت جويل بيده بكلتي يديها وأومأت تبتسم رغم أن الدموع ما زالت حُرة، فبيكهيون على غِرارها يثق ثِقة عمياء بأنها ستنجو، وهي لن تشوّه آماله، لا تجرؤ أن تفعل، فلا؛ هي لا تستطيع أن تراه في قنوطه عائم، على أحدهما أن يكون واثق بالقدر، وهذا كان بيكهيون.
" سأكون بخير بالطبع، أنا فقط سأشتاق لطفلاتي"
مسح بيكهيون دموعها، ثم رفع يدها ليطبع عليها قُبلة وقال.
" لا تخشي شيء وأنا معكِ، حسناً؟"
أومأت، حينها باشر بتصفيف شعرها بأنامله، لكن رغم إبتساماتهما الودودة التي يتبادلانها، إلا أن في قلبيهما أثقال من المخاوف، تتشابه مخاوفهما، لكن أياً منهما لن يُفصح للآخر عمّا هي.
...
نُقلت جويل إلى غرفتها الخاصة لأجل أن تخضع لرقابة الأطباء قبل الولادة، ولأنها مالكة المستشفى وضِعت في جناح مُخصص لها ولأفراد عائلتها المقرّبون.
كان قد تم وضع بعض الأجهزة على جسدها، و الطبيبة المسؤولة عنها قد مكثت لديها لفترة وجيزة من الزمن.
في هذه الأثناء؛ بيكهيون كان في الخارج يستوصي كريس عبر الهاتف في بعض الأمور لأجل العمل والقصر، لكنه قُرب البوابة الرئيسة للمستشفى؛ تفاجئ بوجود عِدة من رجال والده الأوفياء.
إحتمال كأن تتم مراقبته فهو ليس إحتمال، هذه حقيقة أكيدة، فمنذ أن تحرر من جُنح والده وسُلطته؛ دوماً ما كان يعلم والده عن كل تحركاته وشتى أعماله، كذا أدق أدق تفاصيل حياته، لذا نعم؛ هناك من رجال أبيه يراقبونّه على الدوام.
لكنهم لا يظهروا أنفسهم علانية له كما يفعلون الآن، وذلك أثار الريبة في نفسه، لذا تقدم منهم يحمل فضوله وحذره، وفور ما رأواه الرجال إنحنوا لأجله.
وقف أمامهم بكبريائه المعهود وعدائتيه التي إعتادوها منه، واستقصى مُستفسِراً بغِلظة بينما يتخصّر برعونة أمامهم.
" ما الذي آتى بكم إلى هنا؟!"
أجاب أحدهم بينما يُنكس رأسه ويجمع كفيه إلى معدته.
" سيدي، إن الرئيس الكبير يتلقى العِلاج في هذه المستشفى ونحن هُنا لحراسته"
بيكهيون جمع حاجبيه في عُجمة، ثم تهكم بضحكة بعد وهلة إستهلكها بتفسير ما قاله الرجل.
" ولِمَ هذه المستشفى تحديداً من بين كل مُستشفيات كوريا؟!"
أجاب الرجل بنبرٍ يحذوه الإحترام.
" هذه المستشفى إستقطبت كافة الكفاءات من الأطباء المختصّين حول القارّة، كما أنها الأفضل للعرض أمام الصحافة"
إرتفع حاجب بيكهيون وسخر باسماً.
" قُل أنه يريد إستقطاب تعاطف الناس من البداية، بما أنه يتلقى العلاج بمستشفى زوجة إبنه التي يكره"
ثم دخل بيكهيون ولم يسمع أي من تبريراتهم اللاحقة، قاد طريقه مُباشرةً إلى المصعد حيث سيقُلُه إلى طابق جويل، لكنه ما أستطاع أن يتجاوز مكتب الإستقبال.
شعر بقدميه مُكبلة، لذا جمع أصابعه في قبضة، ثم لعن بخفوت حينما انتصرت عليه عاطفته، وجرّته إلى مكتب الإستقبال.
" أين تقع غُرفة بيون نامهيون؟!"
سُرعان ما أجابته الموظفة بما أنها تعرفت عليه، وهو توجه حيث وجَّهته، توقف في أول الرِواق الذي تقع غرفته فيه، يستطيع أن يعلم بأي غرفة هو نظراً لٍتجمّع الحرس الغفير أمام إحدى الغُرف.
تقدم يسير في الممر بعدما نفث أنفاسه بأستياء من نفسه، فهو لا يفهم لِمَ عاطفته الحمقاء تقوده إلى هذا الرجل الآن، عليه أن يُدير ظهره له ويغادره، هذا ما يليق ببيون بيكهيون.
لكنه لا يستطيع، يشعر بأن قدميه مُسيّرة وهو لا يقودها، مهما حاول ضخّ الأفكار الإنتقامية في عاطفته؛ لا تنتقم ولا ترغب بإنتهاز الموقف.
بينما يسير في هذا الرواق الذي بدى له أطول من اللازم؛ شريط من الذكريات الأليمة مرّت في ذهنه.
..
" بيكهيون أقتل هذه القطة وإلا حبستك في قبو الفئران ذاك"
يذكر يومها أنه صرخ رِفقة صوت ضحكة أبيه وصوت كَسر عُنق القِطّة.
..
" إن كنت تريد ان تعود لأمك، عليك ان تفعل ما أريد"
كان ذاك إقناعاً مُسبَق يضخه في رأس طفل لقتل عدد لا بأس به من القِطط، عشرة شهور لم يرى أمه بها وذلك لأنه إمتنع عن قتل عشر قِطط.
..
" سأجعلك تتضور جوعاً"
صوت صُراخ والده ما زال في سمعه يرن، لكنه ما كان ليستسلم أمام جوعه، فهو قد تخطى هذه المرحلة وأصبح يجيد التسلل عبر الأنابيب الخارجية إلى المطبخ، فما عاد التهديد بالطعام يؤتي نفعاً.
..
" لا تدعوها بابنتي! أمك جلبتها من الشارع وتنعتها بابنتي! وتصدق أنها أختك!"
كانت نظراته عالقة على نانسي الرضيعة وقد تم رميها أرضاً بأهمال، كان يبكي ويصرخ معها، فهي على الأرض تبكي بسبب خوفها وهو يتشبث بقدم أبيه ويرجوه ألا يُبعد عنه أخته.
..
" هذا الحارس عصاني وأنا أوكلت عقابه لك، أقتله وإلا جعلته يقتلك"
كان في التاسعة عشر آنذاك، صادف يومها أن أُعلنت نتائج قبول الجامعات وهو قد تم قبوله في كل الجامعات التي تقدم إليها وبالتخصص الذي يريد، الهندسة المعمارية.
لكنه عندما عاد وجد أن مستقبله مُهدد بفعل أبيه، فهو قد رهن مستقبل ابنه بحياة إحدى رجاله الذي استغنى عنه.
ولكنه ما كان ليُقايض حياة إنسان بمستقبله، فما كان الوحش قد نما في داخله كفاية ليقتُل إنساناً مهما كان الظرف.
لكن عندما رفع الرجل السلاح وأطلق ناحيته بغيّة حِفظ حياته، فالرئيس قال له " إن ما أصابك أصبه وستنجو".
حينها شعر بيكهيون بحلاوة روحه وتمسّك بالحياة، فبلا وعي أطلق على الرجل ثم إنهار لفترة طويلة بعدها.
...
" عليك أن تعتدي عليها كما إعتدى والدها على أمك، عليك أن تأخذ بحقك، وإلا ستعيش طيلة عمرك ورأسك في التُراب"
يذكر أنه كان مُثبت على كرسي يحوي أسلاك موصولة برأسه وجهاز حاسوب يجلس أمامه خبير في الطاقة المغناطيسية.
" أبي توقف! رأسي يؤلمني من هذه الكهرباء!"
...
توقف بيكهيون مُتخصراً ورأسه عالياً، نفث أنفاسه رِفقة صيحة مغلولة، ثم وقع بصره على هذا الباب، ولأن بصره مشوش يدري أن الدموع تراكمت في عينيه، تلك الذكريات لا تنمسح من عقله مهما حاول طمسها.
سيدخل، ويتشمت به، سيتمنى له أن يحظى بمكان أنيق يليق به في الجحيم، ولربما يُقدم خِدمة لملاك الموت، ويتولى المهمة عنه.
فتح الباب بخشونة كما يتصرف دوماً في حضرة والده الذي يكره، اضطهد مشاعره حينما إرتفع شِدقه على شاكلة إبتسامة شامتة في وجه أبيه المُمدد بضعف فوق سرير الإستطباب.
تقدم يتبختر بخطواته وكفيه في جيوب بنطاله، كأنه لا يهتم، كأنه وحسب...
وقف أمام عارضة السرير الخلفيّة، ثم أمال رأسه يتمعن في هذا المنظر الممتع وابتسم يقول.
" أتمنى أنك تنال القِسط المُناسب من الألم، وأن العلاج ما عاد ينفعك"
والده إبتسم أسفل قِناع الأوكسجين قبل أن يرفعه عن وجهه، وتحدث بصعوبة بينما يسعل.
" أدري أنك لا تتمنى لي الألم، لأنني أدرى بك، حاولتُ كثيراً أن أنزع قلبك من صدرك، لكنني دوماً ما فشلت، وأكبر دليل على فشلي هو تواجدك هُنا الآن"
بيكهيون نفى برأسه، وقد إستند بذراعيه على العارضة ثم قال.
" أتيتُ لأشمت بك، وأرى الموت ينتقم لي منك، رغم أنه سيكون إنتقاماً رحيماً بحقك"
إرتفع حاجب والده، وما كانت الدموع في عينيه عصيّة على نظر بيكهيون.
" إنتقم بيدك إذن، اقتلني!"
لقد فكّر في ذلك فقط مذُّ لحظات سالفة، ولكن أن تكون في الموقف أمراً مُختلف تماماً، يشعر بيده مغلولة مُجدداً.
لكنه بحاجة أن يبقى صامداً في وجه مشاعره المُتضاربة الآن، عليه ألا يُظهر أن جُزءً داخله لا يريد لوالده الأذى، لكنه لن يظهره إطلاقاً، سيبقيه في جوفه محبوس.
لذا الآن إبتسم بشماتة وهمس.
" أود أن تتعذب كثيراً قبل أن تموت، ثم أنني ما عدتُ أشبهك، أنا ليس بيكهيون الذي عجنته بالحقد والشر، لقد تغيّرت"
اتبع بيكهيون، وقد انحنى بظهره قليلاً نحو العارضة بينما يتكئ عليها بذراعيه، ليمعن النظر في وجه أبيه، وليكون الآخر قادر على تقدير التغيير، بيكهيون ما عاد حاقداً.
" الآن أنا أملك عائلة، أمي، أخي وعائلته، زوجتي، و..."
إتسعت إبتسامته ورفع بوجه أبيه أربعة أصابع.
" وصِغاري الأربعة، أكبرهم نانسي"
ضحك متهكماً حينما بان على وجه أبيه السخط، فبيكهيون اتبع وقد أصبح يسير في الغرفة عاقداً ذراعيه إلى صدره، وذلك ليزيد من سخط أبيه لا أكثر.
" ما زلت تظن أن نانسي إبنة غير شرعيّة لأمي؟!"
ورغم ضُعف موقف والده إلا أنه برعونة تشبث في موقفه كما فعل على الدوام.
" انا لم أنجب هذه العا..."
" اششش!"
بيكهيون وضع سبابته على شفتيه وأشار لأبيه بالصمت قبل أن يُنهي ما في جوفه.
" اقطع كلامك قبل أن أقطع حُنجرتك!"
تنهد والده، ثم إزدرئ جوفه يقول.
" بيكهيون أنا..."
وللمرة الثانية بيكهيون يقاطعه.
" لا تثق بأحد، إعتدتُ أن أكون مثلك، في ذلك الحين الذي كنتُ أشبهكَ فيه، أجريتُ فحص أبوّة على دمك ودم نانسي، واحزر ماذا كانت النتيجة؟!"
السيد ابتلع جوفه برهبة، فهو يعلم بيكهيون بالقدر الكافي، الذي يجعله يعلم أن ما سيقوله الآن الحقيقة، الحقيقة وحسب.
" ابنتك بنسبة مائة بالمائة"
أمال رأسه ناحية والده حينما شهق الأخير بضعف.
" هل كان علي قول ذلك فقط؟!"
رأى دموع والده بالفعل على وجهه، لكنه نفى يُزيّف شفقته.
" مع الأسف، أنت لا تستطيع أن تُصلح الموقف بعد الآن، فلقد نسبتها لي بالفعل، وأنت خسِرتها للأبد"
وبين دموع السيد همس بضعف.
" بيكهيون بُني أرجوك اسمعني الآن، فقد لا تتوفر فرصة كهذه مرة ثانية"
بيكهيون نفى وتأهب للخروج.
" بلى، سأراك، ربما في الجحيم"
وهذا ليس توعداً لوالده، بل لأن هذا ما يشعر به، أبوه لا يستحق النعيم الأخير، كما يرى نفسه لا يستحقه أيضاً، فهو كان دُمية بيد والده، عبداً لطموحه الإنتقامي، لذا لا يظن أنه يستحق النعيم أيضاً.
فتح الباب وأراد الخروج، لكن والده استوقفه بقوله.
" لقد سجلتُ كل اموالي وأملاكي باسمك، أنت الآن تستطيع أن تنتقم من كيم تايهيونغ كما يحلو لك، لقد أصبحت الاقوى بالفعل"
إلتفت إلى والده وبأستياء شديد استنكر.
" الإنتقام مجدداً! ربما ليس لديك علم، لكن الحرب إنتهت بالفعل، وأنا لا أملك حق عند تايهيونغ كي انتقم منه"
أشار ناحية أبيه واتبع.
" بقي لي حق عندك، وأود لو انتقم منك"
منح والده ظهره بينما السيد يناديه بإستماتة بطريقة مُزرية مُثيرة للشفقة، بيكهيون توقف عند الباب حينما استذكر، والتفت نصف إلتفاتة ناحية أبيه وقال.
" اه صحيح! مالك الثمين، سأحرقه كله فوق قبرك!"
ثم اتبع بإبتسامة حينما راودته فكرة أكثر جنوناً.
" اوه! ربما لا يكون لك قبر، سأحرقك أنت ومالك، ثم انثر رمادك في المِرحاض، فهذا المكان الذي يليق بك"
وما إستطاع بيكهيون إن يكبح دمعته اليتيمة عن التحرر فلقد إحمرّت عينيه لكثرة ما حبسها، لكنه أستطاع ان يُنفث الكُره من فمه.
" أمثالك كثيرٌ عليهم أن يُدفَنوا تحت التُراب حتى!"
أغلق الباب خلفه بقوة، وصمّ آذانه عن صُراخ أبيه وصياحه باسمه، سار بسرعة في الرِواق، ولعن بسخط شديد بينما يمسح دموعه.
هكذا الوداع الآخير مع أبيه عليه أن يكون، عليه أن يكون بهذا القدر من الحقد، فلطالما كان الجامع بينهما الحقد فحسب...
ما إستطاع بيكهيون أن يعود إلى جويل ويتصرف وكأن شيئاً لم يكُن، لذا نزل إلى حديقة المُستشفى، ووجد لمشاعره المُهتاجة مكان مُضلل أسفل شجرة ذات ظِل، وبعيدة عن العيون.
ارتمى بجسده الذي إنحلّت منه القوة أسفل الشجرة، وبكى كما لم يفعل من قبل، بيكهيون ليس الرجل الذي يبكي، بل هو الرجل الذي يكره الرجل الذي يبكي، لكنه يحتاج أن يبكي الآن، وإلا سبق والده إلى المرتع الأخير، ولن يكون قادراً على تنفيذ وعيده الأخير بحقه.
مضى من عمره ثلاثة عقود وبضع سنين وهو في قفص هذه المشاعر محبوس، مشاعره لوالده تنتصر على كل مشاعره الأخرى مجموعة.
يكره والده أكثر مما يحب أطفاله، يكره والده أكثر مما يحب زوجته، يكره والده أكثر مما يكره نفسه.
الآن يحتاج أن يتخلص من مشاعره هذه، فكلامه مُذُّ قليل كان عِز الإنتقام، أمراً ما كان يُخيَّل له أنه قادر على فعله إطلاقاً.
الآن عليه أن يستخلص من مشاعره نقائها، ويعيش بنقاء وسعادة لما بقيَّ له من عُمر، وعلى عكس والده؛ سيسعى ليكون الأب الأفضل، الزوج الأفضل، الأبن الأفضل، والأخ الأفضل، والشخصية الفُضلى في هذه القِصة.
بيكهيون قرر أن يكون بطل الرواية، الشخصية التي إنقلبت من الأكثر شراً إلى الأكثر خيراً، سيكون بيكهيون بطل حاقد عاشق...
وإلى الأبد؛ بيكهيون هو البطل الأبديّ.
........
مرّت الأيام على وتيرة بطيئة، بيكهيون هو الوحيد الذي لبث في المستشفى لرعاية زوجته، فلقد رفض كل الأيدي التي إمتدت بالعون لأجله ولأجل زوجته، وأصرّ أن يكون سندها في كل ظرف، وفي أي ظرف.
والده ما زال حي يلقط أنفاسه الأخيرة، لم يتحرى عن مرضه ولن يتحرى ولن يهتم، سينتظر خبر وفاته فحسب، وكل الأحوال الباقية على حالها.
كان بيكهيون في طريقه إلى جناح جويل يحمل بيده حليب الشوكولاتة، الذي إشتهته جويل فجأة.
طرق عليها الباب ثم دخل، فوجدها تسير في الغرفة بصعوبة بينما تستند على الأثاث والجُدران، تتمسك ببطنها وملامحها مُنقبضة، وهذا ما أشعره بخطورة الموقف.
هرع إليها يسندها عليه.
" ما بكِ؟! هل أطلب الطبيبة لأجلك؟!"
جويل نفت برأسها وقالت.
" لقد كانت هنا منذ دقائق"
إجتذبها ناحية السرير، لكنها تشبثت بقميصه رافضة، ونفت تقول بصوت مُهتزّ.
" لا بيكهيون، الآن عليّ أن أُعين نفسي، وأنت عليك أن تُعينني"
بان الإرتباك على وجه بيكهيون وهو يسندها عليه، ويسير معها جيئة وذهاباً في الغرفة.
" أنتِ ماذا تقصدين؟!"
جويل نظرت إليه وقد طَفر الدمع في عينيها.
" أظن أن الوقت قد حان، لذا بيكهيون لا تُفلت يدي الآن، أنا بحاجتك، حسناً؟!"
تمسّك بيدها أكثر، وأحاط ظهرها بذراعه الأخرى يقول موبخاً.
" ما الذي تقولينه أنتِ؟! أنا بالطبع باقٍ إلى جانبك"
إبتسمت رغم دموعها وأومأت، ثم اتبعت سيرها معه تقول.
" الآن يأتيني الألم كل عشر دقائق، عليها أن تكون خمس كي ينقلوني إلى غرفة الولادة"
وهذا بالفعل ما أغضب بيكهيون، إذ كاد يفلتها وهو يلعن المسؤولين عن حالتها.
" لا يهتمون بكِ وأنتِ المالكة، أنا سأذهب وأعلمهم كيف يهتمون"
تمسكت بيده سريعاً ونفت تقول.
" هذا ما يجب فعله، لا تقلق، أنا سأكون بخير طالما أنت معي"
وفجأة إنحنت بظهرها وصرخت تتمسك ببطنها، تمسك بها بيكهيون سريعاً وصاح.
" تتألمين؟! أقسم ساقتلهم! سأجعلهم يزيلوا الألم عنكِ"
تشبثت بيده بقوة حتى إستطاعت أن تقيم عودها، ونظرت في ساعة يدها بيننا تبكي بلا حِس.
" أيها المُهندس، هذا ألم الولادة، لا مُسكّن له، والمسكّن المتوفر قد يضرني أكثر مما ينفعني، لذا فقط تشبث بيدي وساعدني لأقاوم أكثر"
نظرت إليه وابتسمت رغم أوجاعها وقالت.
" أين حليب الشوكولاتة؟!"
وضع لها الماصّة ورفعه إلى شفتيها يقول.
" هاكِ، على حلقكِ ألا يجف"
أومأت تبتسم ثم صرخت مرة ثانية، وانحنت مجدداً، وما كان بيده إلا أن يتمسّك بها مرة أخرى وأن يُعينها الآن بما يستطيع فعله، نظرت في ساعتها وهمست.
" أصبح كل سبع دقائق، جيد"
وبيكهيون يكره شعور العجز الذي يراوده الآن، لذا ما كان لسواها أن يتلقى سوء شعوره حينما صاح.
" أنا لا أرى شيء جيد بكل هذا أيتها المرأة المجنونة!"
ضحكت بخفة وهي تقبض ملامحها بسبب الألم، ثم أشارت نحو الماصّة، فرفعه إلى فاهها متذمراً بتنهيدة مُستاءة.
رفعت وجهها إليه ثم قالت.
" بيكهيون، هل أستطيع أن أطلب منك شيء؟!"
يعلم جيداً ما نوع هذا الحديث لذا رفض، لن يسمح لها بأن توصيه.
" لا، لا تستطيعين، فقط اصمتي واشربي"
رفع الماصّة إليها مجدداً، شربت من الحليب ثم قالت.
" لن أوصيك على الأطفال إطلاقاً لذا لا تقلق، لستُ هذا ما أريد قوله"
" إذن ماذا؟!"
إنسابت دموعها فحوى طلق في المشاعر، لا في الرحم.
" أريد أن أوصيكَ نفسك فحسب"
وضع يده على شفتيها، وأشار لها بالصمت بملامح ليست بلطيفة على الإطلاق، رفعت عنها يده ثم قالت.
" إن مُت فأنني سأكون بسلام لو تجاوزتني، إن عذّبت نفسك من بعدي ستعذبني، لذا لأجلي جِد بدايتك الجديدة من بعدي"
رفع يده مُهدداً وهسهس بغضب شديد.
" جويل أخرسي، أقسم أنني سألطم فاهكِ الثرثار هذا لو تفوهتِ بالمزيد!"
لكنها تعلم أنه تهديد فارغ، يده لن تمتد عليها بالسوء إطلاقاً لذا اتبعت.
" ولا تقلق، ستكون أفضل أب لأبننا القادم، أنه صبيّ تُربيه أنت بحنان وعاطفة وشدّة حينما يلزم، سيكون فخوراً بك"
تلقف كتفيها بين قبضتيه، وهزها بحركة عنيفة بلا أن يكون بوعيه، فتلك الأفكار السوداوية، والإحتمالات المُظلمة التي تضخها بعقله قد سممته لذا يتصرف بلا إدراك، وهنا صاح بها.
" أخبرتك أن تصمتي! أبعقلكِ عطب؟!"
إنحنت تصرخ حينما أتاها الألم مجدداً، لذا تمسك بيدها وهتف سريعاً بقلق.
" هذا يكفي! لقد تألمتِ كثيراً، دعيني أستدعي الطبيبة لأجلكِ يا جويل!"
رفعت رأسها تسنده على صدره ثم نظرت في ساعتها، وما إن نظرت بها حتى صرخت مجدداً، حينها رأت الدمّ يسير على قدميها بغزارة.
بيكهيون إزدرئ جوفه وانحنى لأجلها يقول.
" أرجوكِ يكفي! أنا خائف عليكِ! أشعري بي على الأقل!"
تشبثت بقميصه حتى تستقيم، ثم ببقايا قوتها جذبته من ياقته، لاقته بشفتيها شفتيه، قبّلته بضعف لكن بود وبحب، منحت نفسها الفرصة أن تودعه كما يجب لو كان هذا الوداع الأخير.
فرّقت شفاهها عنه، وهو لم يبادلها إطلاقاً، فلا؛ هو لا يملك القوة الكافية ليُقبّلها حتى، لقد أنهكه الخوف.
تمسكت بقميصه بضعف شديد، ثم همست بنبرة غزاها الوهن، الدموع قد بللت وجهها وهي قد غرقت بالفعل في دمائها، في موقف مُشبَّع بالألم كهذا يجب أن تقول آخر ما في جُعبتها.
موقف قاسٍ كهذا يليق بقسوة قِصتهما، يليق بقسوة بدايتهما.
" بيكهيون، أريدك أن تعلم أمرين، الأول أنني سامحتك على كل شيء، وانا لا أكنّ لك سوى كل الحُب، لذا إن ما إلتقينا مجدداً هنا، سنلتقي بالنعيم بلا شك، فأنا وأنت نستحق النعيم"
وبشجن رِفقة دمعة أخيرة همست.
" الثاني، أنني أحبك جداً يا بيكهيون!"
..........................
حبايبي😭😭😭💔
نهاية مفتوحة...
سلااااااااام
هذا الفصل ينفع جداً يكون نهاية مفتوحة لهيك قررت أنو خلص هون النهاية الي شايفتها مناسبة.💔
مقلب😂🌚
هو فعلا ينفع نهاية مفتوحة بس أنا ما بحب النهايات المفتوحة، ولهيك تلقّوا الخبر التالي.
بنسبة 90% الفصل القادم هو الأخير.
لكل الأشخاص الي بحكوا أني ركزت ع رقم ١٠٠، أنا قلت بوضوح انها ممكن توصل ١٠٠، تزيد عن ١٠٠ أو تنقص، مش أنها بمخطط أكيد ١٠٠.
على كل حال، كنت ناوية نزل الشابتر من يومين، لكن في كل مرة بنتهي بهيك وقت فبكون وقت الإمساك لهيك ببطل، بس اليوم قررت انشره، والي يلحق يقرأه الآن والي ما يلحق يقرأه بعد الفطور.
الفصل القادم رح يكون في السادس من مايو، يوم ميلاد بيكهيون، ح نحتفل بعيد ميلاد بيكهيون، و ح نودع حاقد عاشق كمان.
دموعي واقفة بعيوني، أتمنى أقدر أكتب النهاية مثل اللازم وما تأثر علي مشاعري الحالية.
لهيك ادعموا الفصل ما قبل الأخير...
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
الايموجيز، الكلام المكرر، التعليقات المكررة، الأحاديث الخارجية كلها بحذفها...
١.رأيكم ببيكهيون؟! بيكهيون الأبن؟! بيكهيون الزوج؟! بيكهيون الأب؟!
٢.رأيكم بجويل؟ كلامها الأخير مع بيكهيون؟ هل ستنجو؟!
٣.رأيكم برحلتهم؟! سير الأحداث؟!
٤.رأيكم بمآل السيد بيون؟!
٥.رأيكم بالفصل وللمرة الأخيرة توقعاتكم للفصل القادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі