CH82|| المقاومة
" الحرب الأخيرة: المعركة الأولى: المقاومة"
" و ربما جارّ علينا الهوى و الحب، و أضاقنا من ويله، و ها نحن الآن على طرف نِزاع، إما ننتصر للمرة الأخيرة أو ننهزم... للمرة الأخيرة."
في برٍّ كوري فسيح، حيث لا يسكن الناس عادة، فهذه منطقة مأهولة بالحيوانات، و قلما يقطع أراضيها بشري.
يقع مستودع قديم إلى حدٍ ما، يبدو من الخارج كمستودع لتخزين قِطع غيار للسيارات المستعملة، أما في الداخل فهو عالمٌ ثاني.
مستودع بأربع واجهات، يقع في منتصف ساحة فسيحة، ينتشر على نِقاطها رجال حرس خاص، يرتدون البدلات الرسمية و يتشاركوا جهة إتصال وحيدة، موصولة إلى سماعاتهم اللاسيلكية على أذن كل فردٍ منهم.
ينقسم المستودع إلى طابقين، أرض العلوي فاصل نحاسي، و سقف الأول هو ذاته سقف الثاني، حيث تكون الغرفة الوحيدة و مرافئها.
في الطابق الثاني، و تحديداً بتلك الغرفة التي سبق ذكرها، موضوع في مقدمتها سرير أبيض، تنام عليه صبيّة مُخدّرة.
و تلك الغرفة لا تحوي سوى ذاك السرير، و نافذة صغيرة مرتفعة عن المستوى المعتاد، يحفّها شِباك متين.
في هذه الغرفة، التي لم يمس جدرانها أي لون أو طلاء، بل إن جدرانها جرداء على لون البناء، رماديّة، كانت تلك المرأة اليافعة.
جويل و حيث قُدِّر لها أن تكون، لا تذكر كيف وصلت إلى هنا إطلاقاً، لكنها تدرك أنها قد نامت لساعات طويلة، فها الصُداع يدُب في رأسها دبيب الحياة.
فتحت جويل عيناها رويداً رويداً، و ثم ها أتت الذاكرة تروي إليها على شاكلة فيلم قصير سريع المرور ما حدث قبل أن تنام نومتها هذه.
تذكُر أنها بعد أن صفعها تايهيونغ، سحبها رغماً عنها إلى سيارته، و رفض تقديم المساعدة لبيكهيون أياً كان نوعها رغم أن الأخير قدمها في موقف مشابه، و تركه في الشارع سقيم و وحيد.
أدمعت عيناها تذكر ذاك العناق و وصيته، أوصاها أولاً بجيني، ثم أوصاها بحق جيني، جيني و بيكهيون مرة واحدة؛ خسارة كبيرة، و بعد تلك الخسارة حتى هي لا ترى أنها تملك دافعاً لتعيش.
" بيكهيون!"
همست بتلك باكية حينما إستعرضت ذاكرتها إبتسامته حيّة أمام عينيها، إن لشفاهه شكل فريد من نوعه، إستثنائي، تينكِ الشفتين كانت أغلى ما تملك منه، فبهما يحبها، و بهما يغازلها، بهما يقبّلها .
شعرت بحركة ضئيلة في الجِوار بعد أن همست باسم حبيبها، فحركت ببصرها من حولها، و إذ به شاب يقف قُرب النافذة، ينظر من خلالها إلى الخارج بهدوء، و بما يسببه الصداع من تشويشٍ على بصرها لم تقدر على تمييزه.
" من أنت؟!"
شعرت به يقترب منها دون أن يجيب سؤالها السالف، ففضلت أن تنهض عن السرير بلا أن يباغتها عليه، لذا وقفت بإستقامة قُرب السرير، رغم أن جسدها يتأرجح بفعل ما سببه المخدّر لها من دوار.
" ماذا تريد؟"
حتى وقف أمامها، و رفعت بصرها إلى وجهه، إستطاعت أن تميزه، إزدرئت جوفها متخوفة، و تراجعت عنه خطوة، فتقدم يجيب سؤالها السابق.
" أريد حقي"
زلف بوجهه تحديداً بشفتيه إلا أنها هربت من أسفل ذراعه، لكنها للأسف لم تنجح كثيراً، إذ أمسك بذراعها، و دفعها إلى السرير بعنف، و بمحض ثانية كان يعتليها، و بكفه يكتم شهقتها المرتعبة.
قيّد معصميها بيده الأخرى حينما إستخدمتهما لمقاومته، ثم إقترب بوجهه منها أكثر حتى لامس بأنفه وجنتها، فإذ هي تشيح عنه، و دمعة متوجسة مشت على صِدغها.
نظر في عينيها الذابلتين، و همس بصوت لا يصل إلا لسمعها هي.
" حضرتُ لأجلكِ أفضل بيئة ممكنة، بيئة تجعلكِ تعيشي هذا اليوم بحذافيره مجدداً، و لكن مع رجل آخر، معي أنا و ليس هو، و لأرى إن كان في الإغتصاب مُتعة أكثر من العلاقة السويّة، فأنتِ فضلتِ الرجل الذي يذلكِ بالفراش على الرجل الذي رفعكِ فيه"
حركت رأسها تنفي عنه نواياه الموبؤة، و عنها معتقداته المُريبة، و حينما رفع كفه عن شفتيها بغرض إستبداله بشفتيه قالت.
" أنت الآن تصبح الحاقد في هذه الحكاية، أنت بفعلتك هذه تخسر حقك و كل مشاعري الودودة تجاهك، نحن وصلنا معاً إلى نهاية مسدودة، و تلك لن تكون بداية مطلقاً، لذا أرجوك فكر بنا، بإبنتنا، أنت لا تريد أن تصبح مجرم، و أنا لا أريد أن أنتحر مجدداً، و لا أريد لإبنتنا أن تصبح يتيمة، أرجوك تايهيونغ أستيقظ، هذا ليس أنت!"
تبسم تايهيونغ إبتسامة ذات ريبة، حملت إليها شعور بأنه ليس حاقد فحسب إنما مريض بالحقد، و هنا همس يؤكد شكوكها بإبتسامة لا تنفك أن يزداد ظهورها على شفتيه.
" و أنا لا أريد منزلة العاشق في هذه القصة، تخليتُ عنها عندما تخليتِ عني، لذا الآن أريد حقي، أريدكِ مذلولة، أريد أن أنتقم منكِ."
نفت برأسها تبكي بحرقة، لكنه كتم حتى صوت بكائها بكفه، و ضغط على فمها بيده يشكل قبضة، ذلك قبل أن يقترب لها من جديد بوجهٍ قد غزته حُمرة الغضب و الشر.
همس بين أسنان متراصة ينفث كرهاً.
" ثلاث ساعات فقط و سأترككِ تذهبي، سأتسلى بجسدكِ و أعبث حتى أرتوي و تصيبني التُخمة، ثم سأرمي بكِ خارج حياتي كما لو أنكِ لم تكوني، كما لو أنني إستأجرتُ عاهرة و مارستُ عليها دور المغتصب، أما بيرل فلن أسمح لكِ أن تنظري في وجهها ثانية."
عاودت تلك الإبتسامة تظهر على شفتيه عندما إنتفضت برفض بين يديه، ثم أقترب ليهمس في أذنها؛ كما لو أن ثعبان يفح بأذنها، ينفث سُمّه.
" ثم بعد ذلك عزيزتي، اتبعي زوجكِ العزيز و ابنته، سيكون بإنتظاركِ في الجحيم"
حركت رأسها كذا جسدها بقوة تبغى الفرار من قبضته، لكنه أحكم وِثاقه عليها، و افتتح إنتقامه حينما رفع رأسها، فكان عُنقها ساحة معركته الأولى ضدها.
صراخها ما كان كفيلاً بتليينه، لا دفعاتها، لا بكائها، و لا توسلاتها، إنما الحقد يعمي بصره و بصيرته. و هلُمَّ جرّ...
................
و بعد ليلتين من هجوم كيم تايهيونغ على قصر بيون بيكهيون، كانت عائلة بيكهيون مجتمعة في المستشفى.
كريس على سرير الإستطباب يتعالج، إذ أنه خضع لعملية خطيرة و لكنها تكللت بالنجاح، أما بقية النسوّة فهن كلياً بخير إلا من أزماتهنّ النفسيّة.
فور أن أستيقظ كريس من نومته؛ إتصل برئيسه يخبره عن نوايا عدوه اللدود، كما أخفى عنه أن الصغيرات بحوزته، فهو يعرف رئيسه، رجلٌ حساس ذا قلبٍ ضعيف إن تعلق الأمر ببناته.
لكن ما من خبر وردهم عنه لاحقاً، و كل محاولات كريس لمحادثة رئيسه بائت بالفشل، حتى أن اليأس إستعمره، و جعله يشعر أنه ها هنا ينتهي، فهو لم يحفظ الأمانة و لم يصون الوعد.
لكن و على غِرار ذلك، فلقد وصل الخبر كوريا، و محطّات التلفاز تتسابق على نقله.
" وردنا من مصادر موثوقة بأن نجل وزير الداخلية بيون بيكهيون و زوجته نجلة محافظ العاصمة دو جويل قد تعرضا لضرب رِصاص، لم يُعثر على الزوج أو الزوجة، كما أن عائلة بيون و عائلة دو توجهان أصابع الإتهام على كيم تايهيونغ، الزوج الأسبق لدو جويل"
صُدفة أن التلفاز في غرفة كريس، حيث يجالسنّه النسوّة الثلاث، مفتوح على المحطة الوطنية، و كما شاء الله قدر لهم أن يسمعوا الخبر من فاه المذيع ذا الملامح الجامدة، كما لو أنه لا ينقل خبر موت محتمل و جريمة حاصلة.
فوراً إنهارت السيدة بيون فاقدة وعيها، و نانسي أخذت تصرخ بلوعة، و الدموع كما الألم تفجّرت حارّة من عينيها.
" لا! أخي بيكهيون لم يحدث له شيء! أخي!"
فلورا رغم أنها تبكي بحرقة إلا أنها أسعفت السيدة هانمي و حاولت تهدئة نانسي، فصديقتها و طفلتين في الأمر واقعات، كما أن ذلك البلطجيّ غالٍ دمه، لا يهون، حتى عليها.
أما كريس فتجرد من غِطاءه، و نهض بصعوبة يتمسك بصدره، حيث جرحه ماكن، توجه حتى خزانة الثياب يريد الخروج للبحث عن رئيسه، لكن فلورا تمسكت به ترجوه قائلة.
" كريس استمع إلي! أنت لا تستطيع فعل شيء بهذه الحالة، ابعث رجلاً موثوق بدلاً عنك، أنت تحتاج من يساعدك الآن، لا تقدر على العِراك مهما حاولت!"
لكنه رفض، و أبعد يديها عنه يقول، و قد رأت الدمع يتسرب عبر عينيه خارجها، لكنه مسحها بأنفة و تحدث.
" لا تحاولي أن توقفيني، الرئيس يحتاجني، علي أن أجده، بل أنا لن أعود، و لن تري وجهي إذا ما وجدته"
حاولت منعه مجدداً و مجدداً، لكنها لا تقدر على صلابة رأيه و إرادته، لكن إقتحام خشن على الغرفة سبق خروجه، جعل الغضب يتأجج في نفس كريس.
كان ذاك دو كيونغسو يلج الغرفة بكل هذه العِزة، لكن كريس هاجمه، يضيق عليه الخِناق بقبضتين على تلابيب قميصه، يشد بهما على نحره.
" هل أتيت لتشمت بنا، و ترى كم عاث صاحبك بنا من دمار؟!"
صرخ به كيونغسو، يفك نفسه من قبضتي المُصاب.
" جننت أنت؟ أختي و إبنتها ضمن هذا النزاع!"
إستل كريس نفساً غاضباً و قال.
" و ماذا تريد الآن؟"
أجاب كيونغسو بلا أن يحيد ببصره عن كريس.
" سلامة أختي و عائلتها تتضمن زوجها"
ثم أحاد ببصره عن كريس؛ لا يتعمد أن ينظر إلى نانسي، التي تنظر إليه و تبكي، و حينما إلتقت النظرات سبقته في قطع الوصال.
ثم كيونغسو وصل كريس بحديثه يقول.
" الآن نزاعاتنا الداخلية ليست من صفّنا، علينا أن نتعاضد لنجدهم و ننقذهم"
و كريس هنا شكّك بحُسن نوايا كيونغسو، فلطالما كان الأخير في صف تايهيونغ و صديقه الصدوق، و لا يستبعد أن إستعراضه للشهامة مجرد فخ مفخخ، ليسقط ما بقي عامراً عندهم.
" و كيف أثق بك؟!"
أومئ كيونغسو فهذا سؤال متوقع، و لطالما كان بين الطرفين نِزاع، فلا تكون أزمة الثقة هذه أمراً مستبعد.
مدَّ كيونغسو يد إلى جيبه، ثم أخرج محفظته يعرض منها بطاقة سوداء إلى كريس يقول.
" هذه بطاقة ذاكرة، تخزين لقاعدة بيانات لا محدودة السِعة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة جمعتُ بها كل ما من شأنه أن يسقط رئيسك، الآن سأسلمها لك، و لتفحصها أنت، فمحتواها لا يُنسخ و لا يُنقل، و لا يتعرض للقرصنة"
وضعها في يد كريس ثم قال.
" هذه كنزي الأثمن ضد رئيسك، الآن هي ملكك"
نظر كريس إلى كيونغسو بنفسٍ مقبوضة، حينها تحدث كيونغسو متنهداً بأستياء.
" أليست كافية؟ حسناً تستطيع قتلي إن خنتُ وحدتنا هذه"
تنهد كريس ثم أومئ يقول.
" و ماذا سنفعل الآن؟"
أجاب كيونغسو.
" لن نذهب إلى أسبانيا من أجل جويل، أنا واثق من أنها هنا، لكن بيكهيون ربما يكون هناك، و علينا البحث عنه"
أومئ كريس يقول.
" سأذهب أنا لأسبانيا، و أنت ابحث عن السيدة جويل هنا"
و إقتحام جديد للغرفة نتج عنه بلع للألسنة، فها هو السيد بيون يلج الغرفة بكل عِز و كبرياء يقول.
" ابقوا في أحضان نسائكم، ابني لا يحتاج أحداً"
وقفت السيدة هانمي سريعاً، و تقدمت له تقول بلهفة أم.
" أين بيكهيون؟ أين إبني؟"
و الرجل إكتفى بإجابة موّجزة.
" إبني بكُنفي أحميه"
..................
كما لو أن روحه نَجت عبر سَمّ خيّاط، فحيث تُركِ بيكهيون في العراء سقيم وحيد، و قد سلبه تايهيونغ كل شيء حتى رجاله و سياراته، بل تركه منزوع السلاح؛ يجابه الموت و البر بجسدٍ معطوب.
لكن بيكهيون كان فاقداً وعيه لا يفكر بإستعادته، إذ أنه لا يملك الحافز ليعود، و لكنه بيكهيون ينحدر من نسلٍ مُترف، و ابن ظهر يرفعه إذ ما رفعته قدميه.
ما لا يعلمه بيكهيون -بل ما لا يعلمه أحد- أن رجال أبيه، واسعي الخبرة في الترصد و التّتبُّع، يتبعونه مُذُ أن خرج عن طوع أبيه و هو ابن العشرين، و ما زالوا يتبعونه تحفظاً على سلامته.
لربما كانت لهم بضع هفوات عنه، قبل أن تدب قدمه السجن، لكنهم كانوا حريصين عليه أكثر منذ أن خرج.
و ربما هفوتهم اليوم أن عينهم الوحيدة عليه لم تكون مزوّدة بالسلاح، لذا لم يقدروا على حمايته في المقام الأول، لكنهم ربما يقدروا على إنقاذه الآن.
" سيدي الشاب!"
قالها رجلٌ ضِمن خمسة في محاولة لأيقاظ بيكهيون، لكنه في سُبات مُعتلّ، وصل الإسعاف لنقله إلى أفضل مستشفى في برشلونة، و الشرطة أتمّت عملها، فالسيد بيون كان مُصراً أن يوّرط تايهيونغ قدر المستطاع.
وحده في غرفة العمليات يناضل، أو ربما لا يناضل، بل حشد الأطباء حوله هم من يناضلون لأن تتمسك به الحياة و لا تفلت آصرته، فإن هو أفلتها هي لا تفلته، فهو إبنها المُعذَّب، إبنها الذي لم ينل من حبها و عطفها شيء.
فالحياة فور ما تبغددت عليه بنِعمها، كالحب و نِعَمٍ كهذه، جردته منها أجمعين قبل أن يتنعم بها حتى، لذا عليها أن تكون كريمة معه هذه المرة، و توفيه حقه الذي يستحق.
و بعد ثُلّة ساعات من نبش الأطباء في صدره، حيث يكمن قلبه مكلوم بوجع إبنته، اخرجوا الرصاصة و وضعوا بضع أحزان، كذا تركوا له نُدب مستقبلية، و أغلقوا عليه الضوء.
ثم ورد إتصال بعد ساعتين السيد بيون والده من الطبيب المسؤول، يبلغه ببالغ الأسى و الحُزن.
" سيدي، لقد قمنا بإخراج الرصاصة من صدر نجلك بيون بيكهيون، و لكن الشاب لا يساعدنا، إذ أن وضعه مُتردي و إصابته بالغة بالفعل، لذا وجب عليّ أخبارك أن الخيارات السيئة واردة"
سمع السيد ما قيل بهيئة جامدة و قلب متردي، فبيكهيون بالنسبة له إبنه الوحيد، إبنه الذي ربّاه، إبنه الذي ورّثه شخصه و شخصيته، و الوحيد الذي سيحل في مكانه.
" إن كان ابني قادر على المقاومة، فأنا أريد إستعادته ليتم علاجه في وطنه، إبني هذا من صُلبي، لا تراه ينام أسفل أجهزتكم بهدوء، هذا الشاب يملك قلب أسد و قِوامه، ابني لا يُقهر!"
..................
و إن كان عود بيكهيون شديد الغِلظة لا ينكسر، لكن عود ملاكه سهل كسره إن مُسَّت نِقاطها الحسّاسة.
فها هي جويل تنطوي على السرير، تستتر بأغطيته و تبكي بجنون، تضم نفسها إلى نفسها و تبكي عليها.
فلا، هي لا تقدر أن تقاوم الإنكسار إن مُسّت بعِفّتها...
تايهيونغ أجرد القميص يقف على مقربة من السرير، و يسير بغضب في مكانه، يتلفت و يدور و يشد شعره.
نظر لها بعين حمراء شديدة الغضب، و بدا أنه سبق له أن بكى أثناء معركته ضدها على ساحة السرير هذا، فإن هو قلّب عليها مواجع الجسد، هي قلّبت عليه مواجع الروح، حتى أُضرِمَت به من جديد.
رفعت ذراعها تحمي رأسها عندما إرتفعت يده، و رماها بقميصه بكل ما ملكت يده من بطش، سار حتى باب الغرفة فظنّته سيخرج، و يترك لها ساحة العويل تترأسها.
لكنه سرعان ما عاد يحمل حقداً لا محدوداً في عينيه، و ضربها به حينما دفع بها من كتفيها العاريين على سريره، فسقطت عليه، و هو أخذ مكان غيره بعدوانية فوق جسدها.
تلاحمت أنامله على عُنقها و شدد الوثاق يخنقها فإذ هي تصرخ و تبكي، تحاول أن تنجو من شر سطوته و بطشه، لكنه ما حررها بل شد الوِثاق أكثر، و بملامح متجهمة مشدودة هسهس من بين أسنانه.
" سأريكِ ما أنا فاعلٌ بكِ، ثلاث ساعات لن تكون كافية، بل العمر برمته لن يكون كافياً، من اليوم أنتِ أسيرتي و حتى تموتي ستضلي في سجني، و في كل يوم سأخوض معكِ نِزال على هذا السرير، و ستخضعين كل يوم رغماً عنكِ!"
أفلت عنقها و نهض من عليها، فإذ هي تتمسك بعنقها تمسدها حيث عنّفها، و تسعل بقوة كما لو أن روحها أصبحت في حُنجرتها.
سرق قميصه من عليها، و تركها جرداء الجسد مكلومة على سريره الموحش تُنازل الألم، تُنازل الحقد من جديد، معارك ستخرج بها خاسرة كما تخرج دوماً.
لكنها بكت مِلئ حنجرتها تضمر نجواتها في الوسائد و الأغطية، و تصرخ فيها.
" بيكهيون! بيكهيون أرجوك كُن حيّ، و سأقاوم حتى تعود لتأخذني، أرجوك عُد و خذني!"
و بينما هي بهذه الحال تُناجي، تايهيونغ قد نزل السُلم يضع قميصه على جسده لكنه يبكي، أخذ يبطش بكل ما تحت يده، هشّم كل ما يقدر عليه، و تلك النار في صدره لا تنطفئ.
رمى بجسده المُنهك أرضاً، يستند بظهره على الحائط كذا قِفا رأسه، و دموعه لا تنفك تنذرف إلى وجنتيه، بدا مهدماً، مهشماً، و متصدعاً.
يحتاج أن يشعل ناراً حتى أن ينطفئ، أو أن يجرح لتتهادى جِراحه إلى الشفاء...
رفع بصره إلى حيث تقبع الغرفة في الأعلى، و مسح دمعه بخشونة ثم إستقام، أنها في حقه الأكثر ذنباً، هي من تخلت عنه بأول فرصة، هي من وأدت حباً عاش لخمسة عشر سنة، و ما زال حي فيه وحده.
هي من تخلت عنه لأجل رجل إنتزعها منه، هي من تركت صفه رغم أنه كان الوحيد بصفها، و ما فعلته به لا ينفع في الرد عليه أيُ شفقة، لن تأخذه الرحمة بها.
أغلق قميصه، أقام قِوامه، جمّد ملامحه ثم خرج ينتعل خُفيّ حقد، أوصد عليها المخارج، و شدد عليها الحِراسة يضع عليها بدل العين عشرة، ثم غادر المخزن -إلى حيث إختطفها، و أُختُطِفت منه سابقاً في مكان مشابه-.
عاد إلى قصره حيث ترك الصغيرات تحت رعاية طاقمه، كان الهدوء يلُف جنبات القصر كالعادة، و لكن حيث يضع الصغيرات فهناك تضج الألوان، تتفجر الضِحكات.
القصر يخلو من أمه و أبيه، إذ هما برحلة طويلة الأمد إلى الولايات المتحدة، و قد أمر تايهيونغ بقطع الإتصال بهم مسبقاً و إلا تقطعت الأعناق.
ولج إلى جناح بيرل الذي قد أعده سابقاً لأجلها، و لكنه في مطلعه الآن يبدو مخصص لتؤام فتيات، لا لواحدة، فكل شيء موجود منه نسختين، حتى الألعاب و ما شابه.
خلع عن وجهه الغضب و الحدة، و ولج بوجهٍ هادئ إلى صغيرته و رفيقتها، إذ وجدهنّ يجلسنّ أرضاً و يلعبنّ بالدمى.
حمل بيرل إلى ذراعيه يُقبل وجهها البشوش، و كانت إستجابتها بضع ضحكات طفولية دغدغت بريشة من حب صدره.
حضنها إلى صدره يشعر بدقات قلبها الصغير فابتسم أخيراً، يذكر أن آخر مرة إبتسم فيها كانت و هي بحضنه أصغر عمراً ببضع شهور.
أجلسها على ذراعه و نظر للطفلة الأخرى، كلما نظر لها شعر بالندم ينهشه عمّا فعله مسبقاً بها، و لكنه استنتج أن هذه الطفلة إبنة أبيها بحق، فعلى عكس بيرل التي بدت متحمسة لأن يحملها و يداعبها، الصغيرة، جيني لم ترفع رأسها من بين الدُمى إطلاقاً.
تنحّى يجلس أرضاً، و وضع بيرل على فخذه، أما جيني فلم تنظر إليه بعد، حينها تنهد يهمس.
" تبقي إبنة المجرم بيون بيكهيون حتى لو أنكِ طفلة، طِباعه بدمكِ"
الصغيرة أخيراً رفعت رأسها فقط لتخطف الدمية من يد بيرل، حينها بيرل بكت على دميتها، و تايهيونغ ناول إبنته دمية أخرى يقول.
" هذا تماماً ما يفعله أبيكِ، نشل ما يملكه الآخرين علناً و بجراءة"
لكن الصغيرة جيني أبدت إهتماماً بالدمى فقط، حتى أن بيرل تحركت عن قدم أبيها؛ تريد النزول فأنزلها، ثم شاركت جيني بالألعاب.
تنهد تايهيونغ من جديد ينظر إلى الطفلة الهادئة، صاحبة البشرة الشاحبة و الشعر الأسود، همس يتحدث إلى العاملة من خلفه.
" ما كان إسمها؟!"
أجابته.
" بيون جيني سيدي"
همس باسمها بينما يحملها حتى وضعها بأمان على فخذه يقول.
" جيني، اسمٌ جميل، ما كنتُ أعلم أن لدى والدكِ ذوق في أختيار الأسماء آنسة جيني، كيف حالكِ؟"
مدّ بيده لها، و ما كان يتوقع أن تضع يدها بيده لكنها فعلت، فأبدى دهشة حينما ضحك، و صافح يدها بحرارة، ثم طبع عليها قبلة يقول.
" اووه! فتاة لطيفة!"
حينها رفعت جيني وجهها إليه، و ابتسمت حينما وجدته يبتسم لها، أعجبته إبتسامتها البريئة فراح يداعب ذقنها بأنامله، و ها هي تضحك.
ضمها إلى صدره بلطف، ثم تنهد يحدث نفسه.
" إنها مجرد طفلة تايهيونغ، لا شأن لها بشيء"
رفع بيرل على قدمه الثانية، و للترويح عن نفسه المُنهكة، راح يلعب مع الطفلتين، لعلّه ببرائتهن يُطفئ النار في صدره.
بيرل ما بخلت عليه بكلمة بابا، لكن جيني تُميز أباها بالفعل، فلا يختلط عليها الأمر كما بيرل.
.......
مع مرور الوقت كان على عائلة بيون أن تُفارق المستشفى، لكن القصر يتداعى و لا يصلح أن يسكن به أحد بعد الآن، لذا السيد بيون إستغل الفرصة التي وجدها أمامه سانحة.
دخل إلى عائلته التي سبق و تفرقت عنه منذ عقدين و بضع سنين، فكانوا يجتمعون في غرفة كريس الذي جِراحه هي الأقوى، و حين دخل توقفوا عن محادثتهم الخافتة، و استمعوا إليه يقول.
" قصر بيكهيون لا يصلح للعيش به حالياً، لذا ستمكثوا في قصري حتى تنتهي تصليحاته"
تحدثت السيدة هانمي من مكانها بلا أن تنظر إليه حتى، بل إن الجفاء هو كل شيء باقياً فيها له.
" ذلك لن يُرضي بيكهيون، و نحن لا نريد أن نثقل عليه بالمزيد من الهموم، لقد قررنا إستئجار منزل حتى تنتهي الأعمال في قصرنا"
السيد بيون إبتسم مستهجناً، و اقترب من السيدة يتكلم بلهجة عِدائية رغم نبره الساخر.
" لا أظن أن لكِ الحق بتكليف ابني بالمزيد من المصاريف و هو بهذا الوضع، لذا وفري على ابني عناءكِ و أبنائك، و اتركي لي هذه المهمة"
و على حين غرّة، انبلج من بين شقيّ الباب هيون جونغ تخلفه زوجته، فلقد كان الشقيق الأكبر سناً برحلة عمل إلى اليابان حينما علم بالأمر، فما كان منه إلا أن يتمم أموره سريعاً، و يعود إلى عائلته يعيلهم، و يكون بعونهم.
كان متشحاً بملامح مُظلمة كما لون ثيابه، و قال يوئد الحديث عن بكرة أبيه.
" في غياب أخي أنا المسؤول و ليس أنت، و هذا ما يريده بيكهيون تحديداً، لذا ضُب أجنحة الملائكة و اذهب لفردها في مكان آخر"
إلتفت السيد إلى إبنه محموماً بالغضب و قال.
" تحدث معي بأدب، أنا والدك و أنتم عائلتي شِئتم أم أبيتم، أنتم مسؤوليتي أنا و رفضكم من قبولكم لن يغير بحقيقة الأمر شيء، لذا الأفضل لكم الآن أن تتركوا هذا الأمر علي، و أنا لن أدعكم تتولوّن أنفسكم، حتى و إن إستعدى الأمر مني إستخدام القوة ضدكم."
لكن هيون جونغ كأخيه لا يلين، لذا تحدى أبيه بلهجة كارهة عدائية.
" إذن افعل و حاول أن تجبرنا، سوف نكون في مكاني الخاص حتى تقدر علينا فخامة الوزير"
تقدم ناحية كريس يعينه على الخروج، و النساء خرجنّ من بعدهما، ثم تركوا الغرفة فارغة على السيد بيون، كما كان دوماً وحيداً يتركونه.
قام هيون جونغ بنقل العائلة إلى منزل قام بإستئجاره حتى تنتهي تصليحات القصر كافة، أما كريس فتولّى أمر تنظيم الرجال الباقين و العمل من جديد، رغم أنه لم يتعافى بعد.
لكن كان على كلٍ أن يأخذ دوره سريعاً، ذاك إن عاد الرئيس قريباً قدر أن يعود إلى مكانه الطبيعي بيُسرٍ و سهولة، بلا أيةِ أعباء.
و فلورا سبق و إن إستأذنت أخيها، كي تبقى مع العائلة بيون، فهم -على حسب قولها- يحتاجون عونها، أما هي حقيقيةً فقد بقيت لأجل كريس فحسب.
دخلت إلى كريس بعد أن صرف الرجال، و كان النهار على آخره، فهو الآن يحتاج للتغيير على جُرحه.
ولجت تحمل إليه عِدة التغيير، فور أن رآها تمدد على السرير يقول.
" لم أراكِ منذ الصباح، أين كنتِ؟!"
أجابته بينما هي مشغولة بتوضيب عدة أمور.
" كنتُ في الجامعة، لتوّي وصلت"
أومئ متفهماً و بصمت إنصاع إلى تطبيبها، إذ هي قدمت أناملها لتفك عِناق أزرار قميصه، و قد غزى وجنتيها حُمرة الخجل كذا إرتجفت يديها، حينها إبتسم يدري ما أصابها قائلاً.
" ماذا؟ أتشعرين بالخجل مني؟ مُحرَجة؟"
رفعت وجهها إليه و نفت سريعاً تقول.
" مِمَ أخجل؟ ليس و كأنك أول رجل مريض أغير على جرحه"
همهم ينظر في عينيها الخجول، ثم أمسك بيدها التي تفتك بتعانق جنبات قميصه على جسده فشهقت، حينها قال و قد إجتذبها من يديها أقرب إلى وجهه.
" لكنني لستُ أي رجل مريض، أنا كريس، رَجُلكِ أنتِ عزيزتي"
قضمت شفاهها تنظر إليه بلا تصديق، ها قد نسب نفسه أخيراً لها، و بينما هي ضائعة بين الكلمات لا تدري بأيها ترد؛ تحسس وجنتها بأطراف أنامله، ثم وضع شعرها إلى خلف أذنها، كي يتسنى له النظر في ملامحها بلا أي مانع.
تبسّم.
" أنتِ جميلة!"
نظرت في عينيه، فوجدته يترصد شفتيها بنظرات غائمة، ثم ببطئ أبان بنيته حينما أمسك بذقنه برقّة لامتناهية و قربها إليه، حتى أصبحت شفتيها في متناوله تناولها.
و بلوعة حب لأول مرة يختبرها في حياته، تمسك بوجنتها و جذبها إليه يقبلها بعمق كما لو أنه خبير، كما لو أنها ليست أول مرة في حياة هذا الثلاثيني لأن يقبل شفتيّ إمرأة.
و فلورا بادلته ترد له قُبلة العشوائية مستعينة بخبرتها الفقيرة، فهو أيضاً أول رجل في حياة تلك الصبيّة اليافعة.
إبتعد أخيراً يسند جبهته إلى جبهتها، و أوشى بالقليل مِما في قلبه يقول.
" ظننتُ أنكِ ستُدبرين هاربة بعد أن شهدتِ تلك الليلة معي، ما ظننت أنك ستبقي معي رغم ما عشتِ معي، لذا الآن أنا أؤمن بحبك"
إبتسمت تتحسس وجنته براحة يدها كاملة، و قالت تنظر في عينيه قائلة.
" حبي لك لن تُغيره الظروف الصعبة كهذه"
حينها إرتفع حاجبه و همس.
" متأكدة؟"
أومأت بإبتسامة فقال.
" إذن عليّ أن أخبركِ اليوم، أنا سأخرج في مهمة للبحث عن الرئيس، و لا أظن أنني سأعود قريباً، ذلك لأنني لن أعود بدونه، لذا ابقي على حبي حتى أعود و تعود الأمور كالسابق، و حينها سأتحدث مع جين لأجلنا، أنا لا أحب العلاقات العشوائية، سأتزوجكِ"
و عكس توقعاته برمت ملامحها ترمقه بسخط، ثم قالت.
" أهكذا تعرض عليّ الزواج بك؟ أيُ رجل يقدم عرض زواج بارد كهذا؟!"
تنهد كريس مستاءً يقول.
" ألا تريدين الزواج مني؟!"
أجابت بقوة.
" لم أقل أنني لا أريد، أنت لم تقل لي أنك تحبني حتى!"
تنهد يشيح عنها، و نهض يرتدي قميصه بعدما إنتهت من التغيير على جُرحه يقول.
" تدبري أمرك، هذا ما لدي!"
و خرج يتمتم على مسامعها.
" النساء متطلبات للغاية، لا أدري ماذا تتوقع مني، أن أركع على ركبتي، أعترف بحبي بينما أحمل خاتم زواج؟! هذا السُخف بعينه"
خرج كريس و ثُلّة من رجاله إلى بُقعة لِقائه بدو كيونغسو، و تلاقى الطرفان فعلاً على أطراف المدينة يتوكلان المهام برتابة، دي او عليه أن يسافر إلى أسبانيا، و كريس عليه أن يبحث هنا.
عليهما كشف أوكار كيم تايهيونغ جميعها، كذا أوكار السيد بيون ليعلموا أن يخفي بيكهيون إن فعلاً عاد، و سيكونوا محظوظين لو وجدوا بيكهيون قبل أن يصل البلاد.
...............
مرّت الأيام مُثقلة بالهم كذا بالعمل الجاد، فكريس تعافى تقريباً و أصبح ذا بأس أشد، كذا أكثر صرامة في البحث عن رئيسه بلا توقف، لا يكل و لا يمل، فهو لا يملك سوى الوقت ليخسره في سبيل تحصيل رئيسه من جديد، حتى و إن كان العثور عليه صعباً.
أما كيونغسو فهو متعاون لأقصى حد مع كريس، و رغم أنه عاد من أسبانيا بخُفي حنين، لكنه لم يتوقف عن البحث، كيونغسو أبدى عزماً بالبحث عن أخته و عائلتها، حتى علم أين تايهيونغ يخبئ الصغيرات.
فلقد رصده مرة يجلس بطفلتين في حديقة القصر، لكنهم لا يستطيعون مداهمة قصره، إذ أن فعلاً متهوراً كهذا قد يكلفهم حياتهم أجمعين، و لن يحصّلوا الصغيرات.
تايهيونغ يعلم بأنه يتفوق عليهم الآن، لذا كان واثقاً مُطمئناً حينما وضع الأطفال في قصره الخاص.
لقد مرّت بالفعل ستة أسابيع و عائلة بيكهيون أخيراً عادوا إلى قصرهم بعدما إنتهت تصليحاته، إكتشف هيون جونغ لاحقاً أن حرس القصر الذي أخذهم تايهيونغ قد إنضموا إلى صفّه قصراً.
و كانت ثقته عمياء بهذا الفعل المغفل، فهو لا يعلم أن هؤلاء الرجال قضوا نحباً في خدمة بيكهيون، لذا الولاء له دوماً.
إذ كان سهلاً أن يتواصل معهم كريس لاحقاً، و هم جميعاً أثبتوا ولاءهم لبيكهيون، فها قد زرع تايهيونغ بيديه عيون تراقبه لصالح بيكهيون، عيون كثيرة جاهزة دوماً للإنقضاض عليه ما إن يؤمَروا بذلك.
لكن خلال تلك الأسابيع السِتة لم تُنجَز أمور أكبر، فصفوف بيون ما زالت جريحة، و الشرطة لا تنفع إمداداتها التي تأتي دائماً مُتأخرة، و ما زالوا عاجزين أن يجدوا الرئيس، أو حتى زوجته.
أما جويل، فهي ما زالت في ذاك المخزن سجينة، تايهيونغ منذ أول يوم لم يظهر، أي منذ ستة أسابيع، و ذاك تركها في بحبوحة راحة من إعتداء قادم على يديه.
يدخل عليها كل يوم حارس، يرى إن كانت تحتاج شيء، و ها هو اليوم يدخل يحمل لها كيساً به الأشياء التي طلبتها.
صعدت بالكيس إلى الغرفة في الأعلى، و كادت أن تحظى بوقت خاص، لولا أنها سمعت صوت باب المخزن يضرب بقوة.
خبأت الكيس و خرجت إلى الغرفة تحتمي بها منه، فتلك ضربة تايهيونغ، هي تميزها، و الآن هي خائفة من بطشه من جديد.
فتح باب الغرفة، و ولج ليغلقه بقوة من بعده، فها هو يبدو غاضباً مجدداً رغم أنها لم تراه منذ فترة طويلة.
تراجعت عنه سريعاً تقول.
" ماذا تريد الآن؟ لقد حققت كل أهدافك لذا دعني و شأني!"
إقترب منها حتى أصبحت مُحاصره بين جسده و الحائط خلفه، رفعت يديها تدفعه من صدره، لكنه أنزل يديها عنه بغلظة ثم تمسّك بذقنها بين إبهامه و سبابته يُقيّم حال وجهها.
وجهها شاحب بالفعل، هالات سوداء تنتشر أسفل عينيها، و جفونها متورمة لكثرة ما تبكي، كذا هي إزدادت نحولاً، حتى إن عظمتي وجنتيها بارزتين.
إنحدر ببصره إلى جسدها فأخذت تتدثر بذراعيها، و الدموع ملأت عيناها من جديد، أشاحت عنه ترتجف.
" تذكر أنني أم إبنتك التي تحرمني منها كلما أردت أن تؤذيني!"
تبسّم شامتاً، ثم داخل أصابعه في شعرها فأغمضت عيناها تبكي بقهر، فجأة إقترب سريعاً يهمس في أذنها التي عرّاها من سِترها.
" إن فكرت بابنتي و أنتِ بين يدي هكذا، فلن يكون الأمر في صالحكِ، أنتِ بالتأكيد لا تنفعين أماً لابنتي لذا لربما أنا أقتلك"
طبع قبلة على صِدغها قبل أن يبتعد عنها فوجدها تبكي بحرقة، إبتسم و مسح لها دموعها يهمس.
" بكيتِ أم لا، ذلك لن يغير شيء، أنتِ لي من جديد، لي وحدي!"
أمسك بذقنها يُقومه إلى واجهته، ثم طبع على طرف شفتيها قبلة، جعلها تصرخ برفض، و تضرب صدره بكل ما أوتيت من ألم رفضاً.
لكنه لم يهتم، بل تحرك ناحية دولاب الثياب الصغير، و أخرج لأجلها فستان أبيض يقول و كأن الحال الذي هما فيه طبيعي لأقصى حد.
" تعلمين أنني أفضل عليكِ اللون الأبيض منذ الأزل، فلطالما أكمل صورتك الملائكية في ذهني، لذا خذي إرتديه الآن، أريد أن أراكِ به"
رمى لها الفستان، ثم قال يبتسم بطريقة مُريبة لم تجد لها تفسير سوى أنه يظن أنها عودتها هذه له أبدية، و كأنها تريده، و كأن بيكهيون لن يعود.
" لقد طلبتُ منهم أن يجلبوا لكِ كل الثياب بذات اللون، كلها فساتين بيضاء، تعلمين أنني أحب الفساتين البيضاء عليكِ جداً، حتى إنني أفكر بشراء المزيد"
ما قاله ما هو إلا من محض جنون، أو أن اللبس قد أصاب إدراكه، إذ أنه لا يعي شِدة الموقف و سوء ما بينهما، أو أنه لربما يتجاهل كل العوائق و يحاول أن يبني من فوقها بُنيان تتشاركه فيه رغماً عنها.
خرج من الغرفة بعد ذلك إلى الأسفل، و ما كادت أن تتنهد حتى ناداها عالياً، إمتنعت عن الرد أولاً و ثانياً، و لكنه بالثالثة أرفق تهديداً يجبرها على طاعته.
" إن ما أتيتِ إليّ سآتيكِ، و لكن إن أتيت أنا ستكون العواقب وخيمة"
لذا حملت نفسها رغماً عنها عليه، و على أرصفة حضوره تحدثت.
" ماذا تريد مني أنت؟! ماذا تريد بإمرأة رجل آخر؟ ما فائدة حبسي هنا؟!"
نظر إليها بعينٍ حَمئة، و كأنه لتوه أستيقظ من الوهم الذي كان فيه، وقف يرمقها بغضب و قال.
" الرجل الآخر الذي تتحدثي عنه نهشت جُثته الكلاب في البر الأسباني، لا أقول ذلك من فراغ، لقد تأكدت من أنه كان وجبة دسمة للكلاب الضالة قبل أن آتي بكِ إلى هنا"
تبسمت و الدمع يقف في جفونها تشير له ساخرة.
" تريد مني تصديق ذلك؟ أنت أكثر جُبناً من أن تقف قُربه حتى لو كان ميتاً كما تدعي، فكيف ترى الكلاب تنهشه؟ ربما الكلاب نهشت عقلك أنت لأنك أصبحت ذا رأس فارغ إلا يالتُرهات هذه!"
إتهامه بالجُبن ما كان في صالحها إطلاقاً، خصوصاً أنها تدرك بأنه بلا عقل حرفياً، أي أنه لن يفكر مرة قبل أن يفعل أمراً يؤذيها.
و ها هو بالفعل ينهض، و يأتيها سريعاً كي يجعلها تسقط أرضاً من صفعة، رفعت رأسها إليه تتمسك بوجنتها و رمقته بكره شديد، الدمع من عيناها يهرّ غضباً لا ألماً، حتى أن الحُمرة في عينيها كانت إنعكاس غضب، لا خوف أو ألم.
" هذه الحقيقة التي ستزلزلك على الدوام، أنت تحاول أن تكون مثله و لكنك لن تستطيع، أنت ستبقى كما أنت دوماً، تأتي بالمرتبة الثانية"
ضغط على صدغيه ينفث أنفاسه بعنف، و ينظر حوله ببصرٍ مشوش، فالدمع كفيلٌ بهذه الوشوشة.
نهضت من مكانها و صعدت إلى الأعلى مرة ثانية، تجردت من فستانها و رمت بجسدها أسفل الماء، كانت تبكي بكل قوتها كلما وقع بصرها على مكان سابق لإحدى علاماته البنفسجية، إما ضربة أو قبلة.
لا تدري كيف تعود إلى بيكهيون، كيف تنظر في عينيه و رجل آخر مسّها، لا تستطيع أن تتخلى عنه و لا تستطيع ان تبقى هنا، في النهاية هي ضحية في كل هذه المعمعة و حسب، ليس ذنبها أن تايهيونغ إعتدى عليها.
إرتدت إحدى الفساتين البيضاء التي إبتاعها لها، فهي لا تملك خياراً آخر.
شعرت بباب الغرفة يفتح بقوة، و بعد طرقات تايهيونع القوية على باب دورة المياه خرجت.
إذ هي تجد أمامها تايهيونغ يبكي، أمسك بذراعها قبل أن تقدر على قول شيء، و ضمها إلى صدره بقوة، يقول و البكاء قد زاد صوته خشونة.
" لسنا كذلك يا جويل، أنا لكِ و أنتِ لي، هذا وعدنا لبعضنا البعض منذ ثمانية عشر عاماً، لقد تعاهدنا على ذلك، أنتِ الآن لا تقدري أن تكسري هذا الوعد، هذا لن ينفع!"
سحبها رغماً عن مقاومته، و جعلها تجلس على السرير، ثم أراح رأسه على صدرها يستنشق عبيرها إلى أعماق أعماقه يقول.
" أنا الآن مهووس، مهووس بكِ، أحبكِ بجنون، لذا لا يمكنكِ أن تتخلي عني بعد كل ما فعلته لتحصيلكِ"
رفع رأسه عن صدرها، و نظر في عينيها يهددها بعين غاضبة و نبرٍ حاد.
" أنا لأجلكِ أصبحتُ مجرماً و قتلت، إن فكرتِ أنتِ بتركي سأقتلكِ أنتِ الأخرى، و لن أتردد إطلاقاً!"
أمسك بذراعيها و قرّبها إليه يقول.
" سأقتلكِ أنتِ و اقتل نفسي معكِ، حتى بيرل سأقتلها إن فكرتِ أن تتركيني مجدداً"
تايهيونغ مريض... و هذا تشخيص أكيد!
..............
في مكان آخر، في غرفة ذات طِلاء رمادي يتوسطها سرير و بضع أجهزة تحاوطه، ينام بيكهيون، و يقف رجلاً فوق رأسه.
صوت جهاز نبضات القلب و سقوط قطرات المغذي هو كل ما يسمع في هذه الغرفة الجرداء، بيكهيون على سرير الإستطباب يستره غِطاء خفيف فحسب، و صدره مُثقل بأجهزة كثيرة، كذا الضمادات الثخينة فوق جُرحه.
سبابته تقضمها ملقط طبي تحركت، و حدقتيه من أسفل جفونة المُطبقة بهدوء تحركت، ثم حينما إنفك عِناق رموشه، و فتح بيكهيون عينيه، وقف الرجل و تقدم إليه مذهولاً.
" بيكهيون! بُني!"
لكن بصره لم يتزحزح عن السقف و لو قيد نُتفة، مهما حاول والده فوق رأسه شدّ إنتباهه، مشاهد من ذاك اليوم تتكرر في ذهنه.
إصابته بالرصاصة... خبر جيني... و إختطاف جويل.
سارت دمعة على صدغه...
لكنه الآن عاد... عاد ليأخذ بحقه، عاد هذه المرة ليقتل بحق، قتلاً لا رحمة فيه، على طريقته هو، طريقة بيون بيكهيون، بيكهيون الحاقد الأول و العاشق الأخير.
...............................
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
1.رأيكم بِ:
١.جويل؟
٢.تايهيونغ؟
٣.السيد بيون؟
٤.كريس؟
٥.فلورا؟
٦.هيون جونغ؟
2.توقعاتكم حول عودة بيكهيون؟ ماذا سيفعل؟
3.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
إنتهى...
" و ربما جارّ علينا الهوى و الحب، و أضاقنا من ويله، و ها نحن الآن على طرف نِزاع، إما ننتصر للمرة الأخيرة أو ننهزم... للمرة الأخيرة."
في برٍّ كوري فسيح، حيث لا يسكن الناس عادة، فهذه منطقة مأهولة بالحيوانات، و قلما يقطع أراضيها بشري.
يقع مستودع قديم إلى حدٍ ما، يبدو من الخارج كمستودع لتخزين قِطع غيار للسيارات المستعملة، أما في الداخل فهو عالمٌ ثاني.
مستودع بأربع واجهات، يقع في منتصف ساحة فسيحة، ينتشر على نِقاطها رجال حرس خاص، يرتدون البدلات الرسمية و يتشاركوا جهة إتصال وحيدة، موصولة إلى سماعاتهم اللاسيلكية على أذن كل فردٍ منهم.
ينقسم المستودع إلى طابقين، أرض العلوي فاصل نحاسي، و سقف الأول هو ذاته سقف الثاني، حيث تكون الغرفة الوحيدة و مرافئها.
في الطابق الثاني، و تحديداً بتلك الغرفة التي سبق ذكرها، موضوع في مقدمتها سرير أبيض، تنام عليه صبيّة مُخدّرة.
و تلك الغرفة لا تحوي سوى ذاك السرير، و نافذة صغيرة مرتفعة عن المستوى المعتاد، يحفّها شِباك متين.
في هذه الغرفة، التي لم يمس جدرانها أي لون أو طلاء، بل إن جدرانها جرداء على لون البناء، رماديّة، كانت تلك المرأة اليافعة.
جويل و حيث قُدِّر لها أن تكون، لا تذكر كيف وصلت إلى هنا إطلاقاً، لكنها تدرك أنها قد نامت لساعات طويلة، فها الصُداع يدُب في رأسها دبيب الحياة.
فتحت جويل عيناها رويداً رويداً، و ثم ها أتت الذاكرة تروي إليها على شاكلة فيلم قصير سريع المرور ما حدث قبل أن تنام نومتها هذه.
تذكُر أنها بعد أن صفعها تايهيونغ، سحبها رغماً عنها إلى سيارته، و رفض تقديم المساعدة لبيكهيون أياً كان نوعها رغم أن الأخير قدمها في موقف مشابه، و تركه في الشارع سقيم و وحيد.
أدمعت عيناها تذكر ذاك العناق و وصيته، أوصاها أولاً بجيني، ثم أوصاها بحق جيني، جيني و بيكهيون مرة واحدة؛ خسارة كبيرة، و بعد تلك الخسارة حتى هي لا ترى أنها تملك دافعاً لتعيش.
" بيكهيون!"
همست بتلك باكية حينما إستعرضت ذاكرتها إبتسامته حيّة أمام عينيها، إن لشفاهه شكل فريد من نوعه، إستثنائي، تينكِ الشفتين كانت أغلى ما تملك منه، فبهما يحبها، و بهما يغازلها، بهما يقبّلها .
شعرت بحركة ضئيلة في الجِوار بعد أن همست باسم حبيبها، فحركت ببصرها من حولها، و إذ به شاب يقف قُرب النافذة، ينظر من خلالها إلى الخارج بهدوء، و بما يسببه الصداع من تشويشٍ على بصرها لم تقدر على تمييزه.
" من أنت؟!"
شعرت به يقترب منها دون أن يجيب سؤالها السالف، ففضلت أن تنهض عن السرير بلا أن يباغتها عليه، لذا وقفت بإستقامة قُرب السرير، رغم أن جسدها يتأرجح بفعل ما سببه المخدّر لها من دوار.
" ماذا تريد؟"
حتى وقف أمامها، و رفعت بصرها إلى وجهه، إستطاعت أن تميزه، إزدرئت جوفها متخوفة، و تراجعت عنه خطوة، فتقدم يجيب سؤالها السابق.
" أريد حقي"
زلف بوجهه تحديداً بشفتيه إلا أنها هربت من أسفل ذراعه، لكنها للأسف لم تنجح كثيراً، إذ أمسك بذراعها، و دفعها إلى السرير بعنف، و بمحض ثانية كان يعتليها، و بكفه يكتم شهقتها المرتعبة.
قيّد معصميها بيده الأخرى حينما إستخدمتهما لمقاومته، ثم إقترب بوجهه منها أكثر حتى لامس بأنفه وجنتها، فإذ هي تشيح عنه، و دمعة متوجسة مشت على صِدغها.
نظر في عينيها الذابلتين، و همس بصوت لا يصل إلا لسمعها هي.
" حضرتُ لأجلكِ أفضل بيئة ممكنة، بيئة تجعلكِ تعيشي هذا اليوم بحذافيره مجدداً، و لكن مع رجل آخر، معي أنا و ليس هو، و لأرى إن كان في الإغتصاب مُتعة أكثر من العلاقة السويّة، فأنتِ فضلتِ الرجل الذي يذلكِ بالفراش على الرجل الذي رفعكِ فيه"
حركت رأسها تنفي عنه نواياه الموبؤة، و عنها معتقداته المُريبة، و حينما رفع كفه عن شفتيها بغرض إستبداله بشفتيه قالت.
" أنت الآن تصبح الحاقد في هذه الحكاية، أنت بفعلتك هذه تخسر حقك و كل مشاعري الودودة تجاهك، نحن وصلنا معاً إلى نهاية مسدودة، و تلك لن تكون بداية مطلقاً، لذا أرجوك فكر بنا، بإبنتنا، أنت لا تريد أن تصبح مجرم، و أنا لا أريد أن أنتحر مجدداً، و لا أريد لإبنتنا أن تصبح يتيمة، أرجوك تايهيونغ أستيقظ، هذا ليس أنت!"
تبسم تايهيونغ إبتسامة ذات ريبة، حملت إليها شعور بأنه ليس حاقد فحسب إنما مريض بالحقد، و هنا همس يؤكد شكوكها بإبتسامة لا تنفك أن يزداد ظهورها على شفتيه.
" و أنا لا أريد منزلة العاشق في هذه القصة، تخليتُ عنها عندما تخليتِ عني، لذا الآن أريد حقي، أريدكِ مذلولة، أريد أن أنتقم منكِ."
نفت برأسها تبكي بحرقة، لكنه كتم حتى صوت بكائها بكفه، و ضغط على فمها بيده يشكل قبضة، ذلك قبل أن يقترب لها من جديد بوجهٍ قد غزته حُمرة الغضب و الشر.
همس بين أسنان متراصة ينفث كرهاً.
" ثلاث ساعات فقط و سأترككِ تذهبي، سأتسلى بجسدكِ و أعبث حتى أرتوي و تصيبني التُخمة، ثم سأرمي بكِ خارج حياتي كما لو أنكِ لم تكوني، كما لو أنني إستأجرتُ عاهرة و مارستُ عليها دور المغتصب، أما بيرل فلن أسمح لكِ أن تنظري في وجهها ثانية."
عاودت تلك الإبتسامة تظهر على شفتيه عندما إنتفضت برفض بين يديه، ثم أقترب ليهمس في أذنها؛ كما لو أن ثعبان يفح بأذنها، ينفث سُمّه.
" ثم بعد ذلك عزيزتي، اتبعي زوجكِ العزيز و ابنته، سيكون بإنتظاركِ في الجحيم"
حركت رأسها كذا جسدها بقوة تبغى الفرار من قبضته، لكنه أحكم وِثاقه عليها، و افتتح إنتقامه حينما رفع رأسها، فكان عُنقها ساحة معركته الأولى ضدها.
صراخها ما كان كفيلاً بتليينه، لا دفعاتها، لا بكائها، و لا توسلاتها، إنما الحقد يعمي بصره و بصيرته. و هلُمَّ جرّ...
................
و بعد ليلتين من هجوم كيم تايهيونغ على قصر بيون بيكهيون، كانت عائلة بيكهيون مجتمعة في المستشفى.
كريس على سرير الإستطباب يتعالج، إذ أنه خضع لعملية خطيرة و لكنها تكللت بالنجاح، أما بقية النسوّة فهن كلياً بخير إلا من أزماتهنّ النفسيّة.
فور أن أستيقظ كريس من نومته؛ إتصل برئيسه يخبره عن نوايا عدوه اللدود، كما أخفى عنه أن الصغيرات بحوزته، فهو يعرف رئيسه، رجلٌ حساس ذا قلبٍ ضعيف إن تعلق الأمر ببناته.
لكن ما من خبر وردهم عنه لاحقاً، و كل محاولات كريس لمحادثة رئيسه بائت بالفشل، حتى أن اليأس إستعمره، و جعله يشعر أنه ها هنا ينتهي، فهو لم يحفظ الأمانة و لم يصون الوعد.
لكن و على غِرار ذلك، فلقد وصل الخبر كوريا، و محطّات التلفاز تتسابق على نقله.
" وردنا من مصادر موثوقة بأن نجل وزير الداخلية بيون بيكهيون و زوجته نجلة محافظ العاصمة دو جويل قد تعرضا لضرب رِصاص، لم يُعثر على الزوج أو الزوجة، كما أن عائلة بيون و عائلة دو توجهان أصابع الإتهام على كيم تايهيونغ، الزوج الأسبق لدو جويل"
صُدفة أن التلفاز في غرفة كريس، حيث يجالسنّه النسوّة الثلاث، مفتوح على المحطة الوطنية، و كما شاء الله قدر لهم أن يسمعوا الخبر من فاه المذيع ذا الملامح الجامدة، كما لو أنه لا ينقل خبر موت محتمل و جريمة حاصلة.
فوراً إنهارت السيدة بيون فاقدة وعيها، و نانسي أخذت تصرخ بلوعة، و الدموع كما الألم تفجّرت حارّة من عينيها.
" لا! أخي بيكهيون لم يحدث له شيء! أخي!"
فلورا رغم أنها تبكي بحرقة إلا أنها أسعفت السيدة هانمي و حاولت تهدئة نانسي، فصديقتها و طفلتين في الأمر واقعات، كما أن ذلك البلطجيّ غالٍ دمه، لا يهون، حتى عليها.
أما كريس فتجرد من غِطاءه، و نهض بصعوبة يتمسك بصدره، حيث جرحه ماكن، توجه حتى خزانة الثياب يريد الخروج للبحث عن رئيسه، لكن فلورا تمسكت به ترجوه قائلة.
" كريس استمع إلي! أنت لا تستطيع فعل شيء بهذه الحالة، ابعث رجلاً موثوق بدلاً عنك، أنت تحتاج من يساعدك الآن، لا تقدر على العِراك مهما حاولت!"
لكنه رفض، و أبعد يديها عنه يقول، و قد رأت الدمع يتسرب عبر عينيه خارجها، لكنه مسحها بأنفة و تحدث.
" لا تحاولي أن توقفيني، الرئيس يحتاجني، علي أن أجده، بل أنا لن أعود، و لن تري وجهي إذا ما وجدته"
حاولت منعه مجدداً و مجدداً، لكنها لا تقدر على صلابة رأيه و إرادته، لكن إقتحام خشن على الغرفة سبق خروجه، جعل الغضب يتأجج في نفس كريس.
كان ذاك دو كيونغسو يلج الغرفة بكل هذه العِزة، لكن كريس هاجمه، يضيق عليه الخِناق بقبضتين على تلابيب قميصه، يشد بهما على نحره.
" هل أتيت لتشمت بنا، و ترى كم عاث صاحبك بنا من دمار؟!"
صرخ به كيونغسو، يفك نفسه من قبضتي المُصاب.
" جننت أنت؟ أختي و إبنتها ضمن هذا النزاع!"
إستل كريس نفساً غاضباً و قال.
" و ماذا تريد الآن؟"
أجاب كيونغسو بلا أن يحيد ببصره عن كريس.
" سلامة أختي و عائلتها تتضمن زوجها"
ثم أحاد ببصره عن كريس؛ لا يتعمد أن ينظر إلى نانسي، التي تنظر إليه و تبكي، و حينما إلتقت النظرات سبقته في قطع الوصال.
ثم كيونغسو وصل كريس بحديثه يقول.
" الآن نزاعاتنا الداخلية ليست من صفّنا، علينا أن نتعاضد لنجدهم و ننقذهم"
و كريس هنا شكّك بحُسن نوايا كيونغسو، فلطالما كان الأخير في صف تايهيونغ و صديقه الصدوق، و لا يستبعد أن إستعراضه للشهامة مجرد فخ مفخخ، ليسقط ما بقي عامراً عندهم.
" و كيف أثق بك؟!"
أومئ كيونغسو فهذا سؤال متوقع، و لطالما كان بين الطرفين نِزاع، فلا تكون أزمة الثقة هذه أمراً مستبعد.
مدَّ كيونغسو يد إلى جيبه، ثم أخرج محفظته يعرض منها بطاقة سوداء إلى كريس يقول.
" هذه بطاقة ذاكرة، تخزين لقاعدة بيانات لا محدودة السِعة، خلال الثلاث سنوات الأخيرة جمعتُ بها كل ما من شأنه أن يسقط رئيسك، الآن سأسلمها لك، و لتفحصها أنت، فمحتواها لا يُنسخ و لا يُنقل، و لا يتعرض للقرصنة"
وضعها في يد كريس ثم قال.
" هذه كنزي الأثمن ضد رئيسك، الآن هي ملكك"
نظر كريس إلى كيونغسو بنفسٍ مقبوضة، حينها تحدث كيونغسو متنهداً بأستياء.
" أليست كافية؟ حسناً تستطيع قتلي إن خنتُ وحدتنا هذه"
تنهد كريس ثم أومئ يقول.
" و ماذا سنفعل الآن؟"
أجاب كيونغسو.
" لن نذهب إلى أسبانيا من أجل جويل، أنا واثق من أنها هنا، لكن بيكهيون ربما يكون هناك، و علينا البحث عنه"
أومئ كريس يقول.
" سأذهب أنا لأسبانيا، و أنت ابحث عن السيدة جويل هنا"
و إقتحام جديد للغرفة نتج عنه بلع للألسنة، فها هو السيد بيون يلج الغرفة بكل عِز و كبرياء يقول.
" ابقوا في أحضان نسائكم، ابني لا يحتاج أحداً"
وقفت السيدة هانمي سريعاً، و تقدمت له تقول بلهفة أم.
" أين بيكهيون؟ أين إبني؟"
و الرجل إكتفى بإجابة موّجزة.
" إبني بكُنفي أحميه"
..................
كما لو أن روحه نَجت عبر سَمّ خيّاط، فحيث تُركِ بيكهيون في العراء سقيم وحيد، و قد سلبه تايهيونغ كل شيء حتى رجاله و سياراته، بل تركه منزوع السلاح؛ يجابه الموت و البر بجسدٍ معطوب.
لكن بيكهيون كان فاقداً وعيه لا يفكر بإستعادته، إذ أنه لا يملك الحافز ليعود، و لكنه بيكهيون ينحدر من نسلٍ مُترف، و ابن ظهر يرفعه إذ ما رفعته قدميه.
ما لا يعلمه بيكهيون -بل ما لا يعلمه أحد- أن رجال أبيه، واسعي الخبرة في الترصد و التّتبُّع، يتبعونه مُذُ أن خرج عن طوع أبيه و هو ابن العشرين، و ما زالوا يتبعونه تحفظاً على سلامته.
لربما كانت لهم بضع هفوات عنه، قبل أن تدب قدمه السجن، لكنهم كانوا حريصين عليه أكثر منذ أن خرج.
و ربما هفوتهم اليوم أن عينهم الوحيدة عليه لم تكون مزوّدة بالسلاح، لذا لم يقدروا على حمايته في المقام الأول، لكنهم ربما يقدروا على إنقاذه الآن.
" سيدي الشاب!"
قالها رجلٌ ضِمن خمسة في محاولة لأيقاظ بيكهيون، لكنه في سُبات مُعتلّ، وصل الإسعاف لنقله إلى أفضل مستشفى في برشلونة، و الشرطة أتمّت عملها، فالسيد بيون كان مُصراً أن يوّرط تايهيونغ قدر المستطاع.
وحده في غرفة العمليات يناضل، أو ربما لا يناضل، بل حشد الأطباء حوله هم من يناضلون لأن تتمسك به الحياة و لا تفلت آصرته، فإن هو أفلتها هي لا تفلته، فهو إبنها المُعذَّب، إبنها الذي لم ينل من حبها و عطفها شيء.
فالحياة فور ما تبغددت عليه بنِعمها، كالحب و نِعَمٍ كهذه، جردته منها أجمعين قبل أن يتنعم بها حتى، لذا عليها أن تكون كريمة معه هذه المرة، و توفيه حقه الذي يستحق.
و بعد ثُلّة ساعات من نبش الأطباء في صدره، حيث يكمن قلبه مكلوم بوجع إبنته، اخرجوا الرصاصة و وضعوا بضع أحزان، كذا تركوا له نُدب مستقبلية، و أغلقوا عليه الضوء.
ثم ورد إتصال بعد ساعتين السيد بيون والده من الطبيب المسؤول، يبلغه ببالغ الأسى و الحُزن.
" سيدي، لقد قمنا بإخراج الرصاصة من صدر نجلك بيون بيكهيون، و لكن الشاب لا يساعدنا، إذ أن وضعه مُتردي و إصابته بالغة بالفعل، لذا وجب عليّ أخبارك أن الخيارات السيئة واردة"
سمع السيد ما قيل بهيئة جامدة و قلب متردي، فبيكهيون بالنسبة له إبنه الوحيد، إبنه الذي ربّاه، إبنه الذي ورّثه شخصه و شخصيته، و الوحيد الذي سيحل في مكانه.
" إن كان ابني قادر على المقاومة، فأنا أريد إستعادته ليتم علاجه في وطنه، إبني هذا من صُلبي، لا تراه ينام أسفل أجهزتكم بهدوء، هذا الشاب يملك قلب أسد و قِوامه، ابني لا يُقهر!"
..................
و إن كان عود بيكهيون شديد الغِلظة لا ينكسر، لكن عود ملاكه سهل كسره إن مُسَّت نِقاطها الحسّاسة.
فها هي جويل تنطوي على السرير، تستتر بأغطيته و تبكي بجنون، تضم نفسها إلى نفسها و تبكي عليها.
فلا، هي لا تقدر أن تقاوم الإنكسار إن مُسّت بعِفّتها...
تايهيونغ أجرد القميص يقف على مقربة من السرير، و يسير بغضب في مكانه، يتلفت و يدور و يشد شعره.
نظر لها بعين حمراء شديدة الغضب، و بدا أنه سبق له أن بكى أثناء معركته ضدها على ساحة السرير هذا، فإن هو قلّب عليها مواجع الجسد، هي قلّبت عليه مواجع الروح، حتى أُضرِمَت به من جديد.
رفعت ذراعها تحمي رأسها عندما إرتفعت يده، و رماها بقميصه بكل ما ملكت يده من بطش، سار حتى باب الغرفة فظنّته سيخرج، و يترك لها ساحة العويل تترأسها.
لكنه سرعان ما عاد يحمل حقداً لا محدوداً في عينيه، و ضربها به حينما دفع بها من كتفيها العاريين على سريره، فسقطت عليه، و هو أخذ مكان غيره بعدوانية فوق جسدها.
تلاحمت أنامله على عُنقها و شدد الوثاق يخنقها فإذ هي تصرخ و تبكي، تحاول أن تنجو من شر سطوته و بطشه، لكنه ما حررها بل شد الوِثاق أكثر، و بملامح متجهمة مشدودة هسهس من بين أسنانه.
" سأريكِ ما أنا فاعلٌ بكِ، ثلاث ساعات لن تكون كافية، بل العمر برمته لن يكون كافياً، من اليوم أنتِ أسيرتي و حتى تموتي ستضلي في سجني، و في كل يوم سأخوض معكِ نِزال على هذا السرير، و ستخضعين كل يوم رغماً عنكِ!"
أفلت عنقها و نهض من عليها، فإذ هي تتمسك بعنقها تمسدها حيث عنّفها، و تسعل بقوة كما لو أن روحها أصبحت في حُنجرتها.
سرق قميصه من عليها، و تركها جرداء الجسد مكلومة على سريره الموحش تُنازل الألم، تُنازل الحقد من جديد، معارك ستخرج بها خاسرة كما تخرج دوماً.
لكنها بكت مِلئ حنجرتها تضمر نجواتها في الوسائد و الأغطية، و تصرخ فيها.
" بيكهيون! بيكهيون أرجوك كُن حيّ، و سأقاوم حتى تعود لتأخذني، أرجوك عُد و خذني!"
و بينما هي بهذه الحال تُناجي، تايهيونغ قد نزل السُلم يضع قميصه على جسده لكنه يبكي، أخذ يبطش بكل ما تحت يده، هشّم كل ما يقدر عليه، و تلك النار في صدره لا تنطفئ.
رمى بجسده المُنهك أرضاً، يستند بظهره على الحائط كذا قِفا رأسه، و دموعه لا تنفك تنذرف إلى وجنتيه، بدا مهدماً، مهشماً، و متصدعاً.
يحتاج أن يشعل ناراً حتى أن ينطفئ، أو أن يجرح لتتهادى جِراحه إلى الشفاء...
رفع بصره إلى حيث تقبع الغرفة في الأعلى، و مسح دمعه بخشونة ثم إستقام، أنها في حقه الأكثر ذنباً، هي من تخلت عنه بأول فرصة، هي من وأدت حباً عاش لخمسة عشر سنة، و ما زال حي فيه وحده.
هي من تخلت عنه لأجل رجل إنتزعها منه، هي من تركت صفه رغم أنه كان الوحيد بصفها، و ما فعلته به لا ينفع في الرد عليه أيُ شفقة، لن تأخذه الرحمة بها.
أغلق قميصه، أقام قِوامه، جمّد ملامحه ثم خرج ينتعل خُفيّ حقد، أوصد عليها المخارج، و شدد عليها الحِراسة يضع عليها بدل العين عشرة، ثم غادر المخزن -إلى حيث إختطفها، و أُختُطِفت منه سابقاً في مكان مشابه-.
عاد إلى قصره حيث ترك الصغيرات تحت رعاية طاقمه، كان الهدوء يلُف جنبات القصر كالعادة، و لكن حيث يضع الصغيرات فهناك تضج الألوان، تتفجر الضِحكات.
القصر يخلو من أمه و أبيه، إذ هما برحلة طويلة الأمد إلى الولايات المتحدة، و قد أمر تايهيونغ بقطع الإتصال بهم مسبقاً و إلا تقطعت الأعناق.
ولج إلى جناح بيرل الذي قد أعده سابقاً لأجلها، و لكنه في مطلعه الآن يبدو مخصص لتؤام فتيات، لا لواحدة، فكل شيء موجود منه نسختين، حتى الألعاب و ما شابه.
خلع عن وجهه الغضب و الحدة، و ولج بوجهٍ هادئ إلى صغيرته و رفيقتها، إذ وجدهنّ يجلسنّ أرضاً و يلعبنّ بالدمى.
حمل بيرل إلى ذراعيه يُقبل وجهها البشوش، و كانت إستجابتها بضع ضحكات طفولية دغدغت بريشة من حب صدره.
حضنها إلى صدره يشعر بدقات قلبها الصغير فابتسم أخيراً، يذكر أن آخر مرة إبتسم فيها كانت و هي بحضنه أصغر عمراً ببضع شهور.
أجلسها على ذراعه و نظر للطفلة الأخرى، كلما نظر لها شعر بالندم ينهشه عمّا فعله مسبقاً بها، و لكنه استنتج أن هذه الطفلة إبنة أبيها بحق، فعلى عكس بيرل التي بدت متحمسة لأن يحملها و يداعبها، الصغيرة، جيني لم ترفع رأسها من بين الدُمى إطلاقاً.
تنحّى يجلس أرضاً، و وضع بيرل على فخذه، أما جيني فلم تنظر إليه بعد، حينها تنهد يهمس.
" تبقي إبنة المجرم بيون بيكهيون حتى لو أنكِ طفلة، طِباعه بدمكِ"
الصغيرة أخيراً رفعت رأسها فقط لتخطف الدمية من يد بيرل، حينها بيرل بكت على دميتها، و تايهيونغ ناول إبنته دمية أخرى يقول.
" هذا تماماً ما يفعله أبيكِ، نشل ما يملكه الآخرين علناً و بجراءة"
لكن الصغيرة جيني أبدت إهتماماً بالدمى فقط، حتى أن بيرل تحركت عن قدم أبيها؛ تريد النزول فأنزلها، ثم شاركت جيني بالألعاب.
تنهد تايهيونغ من جديد ينظر إلى الطفلة الهادئة، صاحبة البشرة الشاحبة و الشعر الأسود، همس يتحدث إلى العاملة من خلفه.
" ما كان إسمها؟!"
أجابته.
" بيون جيني سيدي"
همس باسمها بينما يحملها حتى وضعها بأمان على فخذه يقول.
" جيني، اسمٌ جميل، ما كنتُ أعلم أن لدى والدكِ ذوق في أختيار الأسماء آنسة جيني، كيف حالكِ؟"
مدّ بيده لها، و ما كان يتوقع أن تضع يدها بيده لكنها فعلت، فأبدى دهشة حينما ضحك، و صافح يدها بحرارة، ثم طبع عليها قبلة يقول.
" اووه! فتاة لطيفة!"
حينها رفعت جيني وجهها إليه، و ابتسمت حينما وجدته يبتسم لها، أعجبته إبتسامتها البريئة فراح يداعب ذقنها بأنامله، و ها هي تضحك.
ضمها إلى صدره بلطف، ثم تنهد يحدث نفسه.
" إنها مجرد طفلة تايهيونغ، لا شأن لها بشيء"
رفع بيرل على قدمه الثانية، و للترويح عن نفسه المُنهكة، راح يلعب مع الطفلتين، لعلّه ببرائتهن يُطفئ النار في صدره.
بيرل ما بخلت عليه بكلمة بابا، لكن جيني تُميز أباها بالفعل، فلا يختلط عليها الأمر كما بيرل.
.......
مع مرور الوقت كان على عائلة بيون أن تُفارق المستشفى، لكن القصر يتداعى و لا يصلح أن يسكن به أحد بعد الآن، لذا السيد بيون إستغل الفرصة التي وجدها أمامه سانحة.
دخل إلى عائلته التي سبق و تفرقت عنه منذ عقدين و بضع سنين، فكانوا يجتمعون في غرفة كريس الذي جِراحه هي الأقوى، و حين دخل توقفوا عن محادثتهم الخافتة، و استمعوا إليه يقول.
" قصر بيكهيون لا يصلح للعيش به حالياً، لذا ستمكثوا في قصري حتى تنتهي تصليحاته"
تحدثت السيدة هانمي من مكانها بلا أن تنظر إليه حتى، بل إن الجفاء هو كل شيء باقياً فيها له.
" ذلك لن يُرضي بيكهيون، و نحن لا نريد أن نثقل عليه بالمزيد من الهموم، لقد قررنا إستئجار منزل حتى تنتهي الأعمال في قصرنا"
السيد بيون إبتسم مستهجناً، و اقترب من السيدة يتكلم بلهجة عِدائية رغم نبره الساخر.
" لا أظن أن لكِ الحق بتكليف ابني بالمزيد من المصاريف و هو بهذا الوضع، لذا وفري على ابني عناءكِ و أبنائك، و اتركي لي هذه المهمة"
و على حين غرّة، انبلج من بين شقيّ الباب هيون جونغ تخلفه زوجته، فلقد كان الشقيق الأكبر سناً برحلة عمل إلى اليابان حينما علم بالأمر، فما كان منه إلا أن يتمم أموره سريعاً، و يعود إلى عائلته يعيلهم، و يكون بعونهم.
كان متشحاً بملامح مُظلمة كما لون ثيابه، و قال يوئد الحديث عن بكرة أبيه.
" في غياب أخي أنا المسؤول و ليس أنت، و هذا ما يريده بيكهيون تحديداً، لذا ضُب أجنحة الملائكة و اذهب لفردها في مكان آخر"
إلتفت السيد إلى إبنه محموماً بالغضب و قال.
" تحدث معي بأدب، أنا والدك و أنتم عائلتي شِئتم أم أبيتم، أنتم مسؤوليتي أنا و رفضكم من قبولكم لن يغير بحقيقة الأمر شيء، لذا الأفضل لكم الآن أن تتركوا هذا الأمر علي، و أنا لن أدعكم تتولوّن أنفسكم، حتى و إن إستعدى الأمر مني إستخدام القوة ضدكم."
لكن هيون جونغ كأخيه لا يلين، لذا تحدى أبيه بلهجة كارهة عدائية.
" إذن افعل و حاول أن تجبرنا، سوف نكون في مكاني الخاص حتى تقدر علينا فخامة الوزير"
تقدم ناحية كريس يعينه على الخروج، و النساء خرجنّ من بعدهما، ثم تركوا الغرفة فارغة على السيد بيون، كما كان دوماً وحيداً يتركونه.
قام هيون جونغ بنقل العائلة إلى منزل قام بإستئجاره حتى تنتهي تصليحات القصر كافة، أما كريس فتولّى أمر تنظيم الرجال الباقين و العمل من جديد، رغم أنه لم يتعافى بعد.
لكن كان على كلٍ أن يأخذ دوره سريعاً، ذاك إن عاد الرئيس قريباً قدر أن يعود إلى مكانه الطبيعي بيُسرٍ و سهولة، بلا أيةِ أعباء.
و فلورا سبق و إن إستأذنت أخيها، كي تبقى مع العائلة بيون، فهم -على حسب قولها- يحتاجون عونها، أما هي حقيقيةً فقد بقيت لأجل كريس فحسب.
دخلت إلى كريس بعد أن صرف الرجال، و كان النهار على آخره، فهو الآن يحتاج للتغيير على جُرحه.
ولجت تحمل إليه عِدة التغيير، فور أن رآها تمدد على السرير يقول.
" لم أراكِ منذ الصباح، أين كنتِ؟!"
أجابته بينما هي مشغولة بتوضيب عدة أمور.
" كنتُ في الجامعة، لتوّي وصلت"
أومئ متفهماً و بصمت إنصاع إلى تطبيبها، إذ هي قدمت أناملها لتفك عِناق أزرار قميصه، و قد غزى وجنتيها حُمرة الخجل كذا إرتجفت يديها، حينها إبتسم يدري ما أصابها قائلاً.
" ماذا؟ أتشعرين بالخجل مني؟ مُحرَجة؟"
رفعت وجهها إليه و نفت سريعاً تقول.
" مِمَ أخجل؟ ليس و كأنك أول رجل مريض أغير على جرحه"
همهم ينظر في عينيها الخجول، ثم أمسك بيدها التي تفتك بتعانق جنبات قميصه على جسده فشهقت، حينها قال و قد إجتذبها من يديها أقرب إلى وجهه.
" لكنني لستُ أي رجل مريض، أنا كريس، رَجُلكِ أنتِ عزيزتي"
قضمت شفاهها تنظر إليه بلا تصديق، ها قد نسب نفسه أخيراً لها، و بينما هي ضائعة بين الكلمات لا تدري بأيها ترد؛ تحسس وجنتها بأطراف أنامله، ثم وضع شعرها إلى خلف أذنها، كي يتسنى له النظر في ملامحها بلا أي مانع.
تبسّم.
" أنتِ جميلة!"
نظرت في عينيه، فوجدته يترصد شفتيها بنظرات غائمة، ثم ببطئ أبان بنيته حينما أمسك بذقنه برقّة لامتناهية و قربها إليه، حتى أصبحت شفتيها في متناوله تناولها.
و بلوعة حب لأول مرة يختبرها في حياته، تمسك بوجنتها و جذبها إليه يقبلها بعمق كما لو أنه خبير، كما لو أنها ليست أول مرة في حياة هذا الثلاثيني لأن يقبل شفتيّ إمرأة.
و فلورا بادلته ترد له قُبلة العشوائية مستعينة بخبرتها الفقيرة، فهو أيضاً أول رجل في حياة تلك الصبيّة اليافعة.
إبتعد أخيراً يسند جبهته إلى جبهتها، و أوشى بالقليل مِما في قلبه يقول.
" ظننتُ أنكِ ستُدبرين هاربة بعد أن شهدتِ تلك الليلة معي، ما ظننت أنك ستبقي معي رغم ما عشتِ معي، لذا الآن أنا أؤمن بحبك"
إبتسمت تتحسس وجنته براحة يدها كاملة، و قالت تنظر في عينيه قائلة.
" حبي لك لن تُغيره الظروف الصعبة كهذه"
حينها إرتفع حاجبه و همس.
" متأكدة؟"
أومأت بإبتسامة فقال.
" إذن عليّ أن أخبركِ اليوم، أنا سأخرج في مهمة للبحث عن الرئيس، و لا أظن أنني سأعود قريباً، ذلك لأنني لن أعود بدونه، لذا ابقي على حبي حتى أعود و تعود الأمور كالسابق، و حينها سأتحدث مع جين لأجلنا، أنا لا أحب العلاقات العشوائية، سأتزوجكِ"
و عكس توقعاته برمت ملامحها ترمقه بسخط، ثم قالت.
" أهكذا تعرض عليّ الزواج بك؟ أيُ رجل يقدم عرض زواج بارد كهذا؟!"
تنهد كريس مستاءً يقول.
" ألا تريدين الزواج مني؟!"
أجابت بقوة.
" لم أقل أنني لا أريد، أنت لم تقل لي أنك تحبني حتى!"
تنهد يشيح عنها، و نهض يرتدي قميصه بعدما إنتهت من التغيير على جُرحه يقول.
" تدبري أمرك، هذا ما لدي!"
و خرج يتمتم على مسامعها.
" النساء متطلبات للغاية، لا أدري ماذا تتوقع مني، أن أركع على ركبتي، أعترف بحبي بينما أحمل خاتم زواج؟! هذا السُخف بعينه"
خرج كريس و ثُلّة من رجاله إلى بُقعة لِقائه بدو كيونغسو، و تلاقى الطرفان فعلاً على أطراف المدينة يتوكلان المهام برتابة، دي او عليه أن يسافر إلى أسبانيا، و كريس عليه أن يبحث هنا.
عليهما كشف أوكار كيم تايهيونغ جميعها، كذا أوكار السيد بيون ليعلموا أن يخفي بيكهيون إن فعلاً عاد، و سيكونوا محظوظين لو وجدوا بيكهيون قبل أن يصل البلاد.
...............
مرّت الأيام مُثقلة بالهم كذا بالعمل الجاد، فكريس تعافى تقريباً و أصبح ذا بأس أشد، كذا أكثر صرامة في البحث عن رئيسه بلا توقف، لا يكل و لا يمل، فهو لا يملك سوى الوقت ليخسره في سبيل تحصيل رئيسه من جديد، حتى و إن كان العثور عليه صعباً.
أما كيونغسو فهو متعاون لأقصى حد مع كريس، و رغم أنه عاد من أسبانيا بخُفي حنين، لكنه لم يتوقف عن البحث، كيونغسو أبدى عزماً بالبحث عن أخته و عائلتها، حتى علم أين تايهيونغ يخبئ الصغيرات.
فلقد رصده مرة يجلس بطفلتين في حديقة القصر، لكنهم لا يستطيعون مداهمة قصره، إذ أن فعلاً متهوراً كهذا قد يكلفهم حياتهم أجمعين، و لن يحصّلوا الصغيرات.
تايهيونغ يعلم بأنه يتفوق عليهم الآن، لذا كان واثقاً مُطمئناً حينما وضع الأطفال في قصره الخاص.
لقد مرّت بالفعل ستة أسابيع و عائلة بيكهيون أخيراً عادوا إلى قصرهم بعدما إنتهت تصليحاته، إكتشف هيون جونغ لاحقاً أن حرس القصر الذي أخذهم تايهيونغ قد إنضموا إلى صفّه قصراً.
و كانت ثقته عمياء بهذا الفعل المغفل، فهو لا يعلم أن هؤلاء الرجال قضوا نحباً في خدمة بيكهيون، لذا الولاء له دوماً.
إذ كان سهلاً أن يتواصل معهم كريس لاحقاً، و هم جميعاً أثبتوا ولاءهم لبيكهيون، فها قد زرع تايهيونغ بيديه عيون تراقبه لصالح بيكهيون، عيون كثيرة جاهزة دوماً للإنقضاض عليه ما إن يؤمَروا بذلك.
لكن خلال تلك الأسابيع السِتة لم تُنجَز أمور أكبر، فصفوف بيون ما زالت جريحة، و الشرطة لا تنفع إمداداتها التي تأتي دائماً مُتأخرة، و ما زالوا عاجزين أن يجدوا الرئيس، أو حتى زوجته.
أما جويل، فهي ما زالت في ذاك المخزن سجينة، تايهيونغ منذ أول يوم لم يظهر، أي منذ ستة أسابيع، و ذاك تركها في بحبوحة راحة من إعتداء قادم على يديه.
يدخل عليها كل يوم حارس، يرى إن كانت تحتاج شيء، و ها هو اليوم يدخل يحمل لها كيساً به الأشياء التي طلبتها.
صعدت بالكيس إلى الغرفة في الأعلى، و كادت أن تحظى بوقت خاص، لولا أنها سمعت صوت باب المخزن يضرب بقوة.
خبأت الكيس و خرجت إلى الغرفة تحتمي بها منه، فتلك ضربة تايهيونغ، هي تميزها، و الآن هي خائفة من بطشه من جديد.
فتح باب الغرفة، و ولج ليغلقه بقوة من بعده، فها هو يبدو غاضباً مجدداً رغم أنها لم تراه منذ فترة طويلة.
تراجعت عنه سريعاً تقول.
" ماذا تريد الآن؟ لقد حققت كل أهدافك لذا دعني و شأني!"
إقترب منها حتى أصبحت مُحاصره بين جسده و الحائط خلفه، رفعت يديها تدفعه من صدره، لكنه أنزل يديها عنه بغلظة ثم تمسّك بذقنها بين إبهامه و سبابته يُقيّم حال وجهها.
وجهها شاحب بالفعل، هالات سوداء تنتشر أسفل عينيها، و جفونها متورمة لكثرة ما تبكي، كذا هي إزدادت نحولاً، حتى إن عظمتي وجنتيها بارزتين.
إنحدر ببصره إلى جسدها فأخذت تتدثر بذراعيها، و الدموع ملأت عيناها من جديد، أشاحت عنه ترتجف.
" تذكر أنني أم إبنتك التي تحرمني منها كلما أردت أن تؤذيني!"
تبسّم شامتاً، ثم داخل أصابعه في شعرها فأغمضت عيناها تبكي بقهر، فجأة إقترب سريعاً يهمس في أذنها التي عرّاها من سِترها.
" إن فكرت بابنتي و أنتِ بين يدي هكذا، فلن يكون الأمر في صالحكِ، أنتِ بالتأكيد لا تنفعين أماً لابنتي لذا لربما أنا أقتلك"
طبع قبلة على صِدغها قبل أن يبتعد عنها فوجدها تبكي بحرقة، إبتسم و مسح لها دموعها يهمس.
" بكيتِ أم لا، ذلك لن يغير شيء، أنتِ لي من جديد، لي وحدي!"
أمسك بذقنها يُقومه إلى واجهته، ثم طبع على طرف شفتيها قبلة، جعلها تصرخ برفض، و تضرب صدره بكل ما أوتيت من ألم رفضاً.
لكنه لم يهتم، بل تحرك ناحية دولاب الثياب الصغير، و أخرج لأجلها فستان أبيض يقول و كأن الحال الذي هما فيه طبيعي لأقصى حد.
" تعلمين أنني أفضل عليكِ اللون الأبيض منذ الأزل، فلطالما أكمل صورتك الملائكية في ذهني، لذا خذي إرتديه الآن، أريد أن أراكِ به"
رمى لها الفستان، ثم قال يبتسم بطريقة مُريبة لم تجد لها تفسير سوى أنه يظن أنها عودتها هذه له أبدية، و كأنها تريده، و كأن بيكهيون لن يعود.
" لقد طلبتُ منهم أن يجلبوا لكِ كل الثياب بذات اللون، كلها فساتين بيضاء، تعلمين أنني أحب الفساتين البيضاء عليكِ جداً، حتى إنني أفكر بشراء المزيد"
ما قاله ما هو إلا من محض جنون، أو أن اللبس قد أصاب إدراكه، إذ أنه لا يعي شِدة الموقف و سوء ما بينهما، أو أنه لربما يتجاهل كل العوائق و يحاول أن يبني من فوقها بُنيان تتشاركه فيه رغماً عنها.
خرج من الغرفة بعد ذلك إلى الأسفل، و ما كادت أن تتنهد حتى ناداها عالياً، إمتنعت عن الرد أولاً و ثانياً، و لكنه بالثالثة أرفق تهديداً يجبرها على طاعته.
" إن ما أتيتِ إليّ سآتيكِ، و لكن إن أتيت أنا ستكون العواقب وخيمة"
لذا حملت نفسها رغماً عنها عليه، و على أرصفة حضوره تحدثت.
" ماذا تريد مني أنت؟! ماذا تريد بإمرأة رجل آخر؟ ما فائدة حبسي هنا؟!"
نظر إليها بعينٍ حَمئة، و كأنه لتوه أستيقظ من الوهم الذي كان فيه، وقف يرمقها بغضب و قال.
" الرجل الآخر الذي تتحدثي عنه نهشت جُثته الكلاب في البر الأسباني، لا أقول ذلك من فراغ، لقد تأكدت من أنه كان وجبة دسمة للكلاب الضالة قبل أن آتي بكِ إلى هنا"
تبسمت و الدمع يقف في جفونها تشير له ساخرة.
" تريد مني تصديق ذلك؟ أنت أكثر جُبناً من أن تقف قُربه حتى لو كان ميتاً كما تدعي، فكيف ترى الكلاب تنهشه؟ ربما الكلاب نهشت عقلك أنت لأنك أصبحت ذا رأس فارغ إلا يالتُرهات هذه!"
إتهامه بالجُبن ما كان في صالحها إطلاقاً، خصوصاً أنها تدرك بأنه بلا عقل حرفياً، أي أنه لن يفكر مرة قبل أن يفعل أمراً يؤذيها.
و ها هو بالفعل ينهض، و يأتيها سريعاً كي يجعلها تسقط أرضاً من صفعة، رفعت رأسها إليه تتمسك بوجنتها و رمقته بكره شديد، الدمع من عيناها يهرّ غضباً لا ألماً، حتى أن الحُمرة في عينيها كانت إنعكاس غضب، لا خوف أو ألم.
" هذه الحقيقة التي ستزلزلك على الدوام، أنت تحاول أن تكون مثله و لكنك لن تستطيع، أنت ستبقى كما أنت دوماً، تأتي بالمرتبة الثانية"
ضغط على صدغيه ينفث أنفاسه بعنف، و ينظر حوله ببصرٍ مشوش، فالدمع كفيلٌ بهذه الوشوشة.
نهضت من مكانها و صعدت إلى الأعلى مرة ثانية، تجردت من فستانها و رمت بجسدها أسفل الماء، كانت تبكي بكل قوتها كلما وقع بصرها على مكان سابق لإحدى علاماته البنفسجية، إما ضربة أو قبلة.
لا تدري كيف تعود إلى بيكهيون، كيف تنظر في عينيه و رجل آخر مسّها، لا تستطيع أن تتخلى عنه و لا تستطيع ان تبقى هنا، في النهاية هي ضحية في كل هذه المعمعة و حسب، ليس ذنبها أن تايهيونغ إعتدى عليها.
إرتدت إحدى الفساتين البيضاء التي إبتاعها لها، فهي لا تملك خياراً آخر.
شعرت بباب الغرفة يفتح بقوة، و بعد طرقات تايهيونع القوية على باب دورة المياه خرجت.
إذ هي تجد أمامها تايهيونغ يبكي، أمسك بذراعها قبل أن تقدر على قول شيء، و ضمها إلى صدره بقوة، يقول و البكاء قد زاد صوته خشونة.
" لسنا كذلك يا جويل، أنا لكِ و أنتِ لي، هذا وعدنا لبعضنا البعض منذ ثمانية عشر عاماً، لقد تعاهدنا على ذلك، أنتِ الآن لا تقدري أن تكسري هذا الوعد، هذا لن ينفع!"
سحبها رغماً عن مقاومته، و جعلها تجلس على السرير، ثم أراح رأسه على صدرها يستنشق عبيرها إلى أعماق أعماقه يقول.
" أنا الآن مهووس، مهووس بكِ، أحبكِ بجنون، لذا لا يمكنكِ أن تتخلي عني بعد كل ما فعلته لتحصيلكِ"
رفع رأسه عن صدرها، و نظر في عينيها يهددها بعين غاضبة و نبرٍ حاد.
" أنا لأجلكِ أصبحتُ مجرماً و قتلت، إن فكرتِ أنتِ بتركي سأقتلكِ أنتِ الأخرى، و لن أتردد إطلاقاً!"
أمسك بذراعيها و قرّبها إليه يقول.
" سأقتلكِ أنتِ و اقتل نفسي معكِ، حتى بيرل سأقتلها إن فكرتِ أن تتركيني مجدداً"
تايهيونغ مريض... و هذا تشخيص أكيد!
..............
في مكان آخر، في غرفة ذات طِلاء رمادي يتوسطها سرير و بضع أجهزة تحاوطه، ينام بيكهيون، و يقف رجلاً فوق رأسه.
صوت جهاز نبضات القلب و سقوط قطرات المغذي هو كل ما يسمع في هذه الغرفة الجرداء، بيكهيون على سرير الإستطباب يستره غِطاء خفيف فحسب، و صدره مُثقل بأجهزة كثيرة، كذا الضمادات الثخينة فوق جُرحه.
سبابته تقضمها ملقط طبي تحركت، و حدقتيه من أسفل جفونة المُطبقة بهدوء تحركت، ثم حينما إنفك عِناق رموشه، و فتح بيكهيون عينيه، وقف الرجل و تقدم إليه مذهولاً.
" بيكهيون! بُني!"
لكن بصره لم يتزحزح عن السقف و لو قيد نُتفة، مهما حاول والده فوق رأسه شدّ إنتباهه، مشاهد من ذاك اليوم تتكرر في ذهنه.
إصابته بالرصاصة... خبر جيني... و إختطاف جويل.
سارت دمعة على صدغه...
لكنه الآن عاد... عاد ليأخذ بحقه، عاد هذه المرة ليقتل بحق، قتلاً لا رحمة فيه، على طريقته هو، طريقة بيون بيكهيون، بيكهيون الحاقد الأول و العاشق الأخير.
...............................
الفصل القادم بعد 400 فوت و 1000 كومنت.
1.رأيكم بِ:
١.جويل؟
٢.تايهيونغ؟
٣.السيد بيون؟
٤.كريس؟
٥.فلورا؟
٦.هيون جونغ؟
2.توقعاتكم حول عودة بيكهيون؟ ماذا سيفعل؟
3.رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!
إنتهى...
Коментарі