تقرير
Part One
Part Two
Part Three
Part Four
Part Five
Part Six
Part Seven
Part Eight
Part Nine
Part Ten
Part Eleven
Part Twelve
Part Thirteen
Part Fourteen
Chapter Fifteen
Chapter Sixteen
Chapter Seventeen
Chapter Eighteen
Chapter Ninteen
Chapter Twenty
Chapter Twenty-one
Chapter Twenty_two
Chapter Twenty-three
Chapter Twenty four
Chapter Twenty five
Chapter Twenty-six
Chapter Twenty-seven
Chapter Twenty-eight
Chapter Twenty-nine
Chapter Thirty
Chapter Thirty-one
Chapter Thirty-two
Chapter Thirty-three
Chapter Thirty-four
Chapter Thirty-five
Report || تقرير
Chapter Thirty-six
Chapter Thirty-seven
Chapter Thirty-eight
Chapter Thirty-nine
Chapter Forty
Chapter Forty-one
Chapter Forty-two
Chapter Forty-three
Chapter Forty-four
Chapter Forty-five
Chapter Forty-six
Chapter Forty-seven
Chapter Forty-eight
Chapter Forty-nine
Chapter Fifty
Chapter Fifty-one
Chapter Fifty-two
Chapter Fifty-three
Ch 54|| لؤلؤ
Ch55|| بيننا قدر
Ch 56|| تخبط
Ch 57|| ضعف
CH58||المقاومة
Ch59|| !يا حب
CH60|| خاشع للقلب
CH61|| إحتضار
CH62||بتلات ميتة
CH63|| هُدنة
CH64|| في الغياهب
CH65||خُدع
CH66|| حب زائف
CH67||إلى البداية
CH68||شتات
CH69||أقتل الحب
CH70|| فوضى
CH71|| عهد جديد من البسالة
CH72||فصل النهاية
CH73||الإنفجار العظيم
CH74||حالة حب
CH75||تصلحه و تبنيه
CH76|| طُرف الحب
CH77|| الملاك الشقراء
CH78||نِعمة
CH79||إبنة قلبه
CH80||بيكهيون و ملائكته
CH81||عِناق الموت
CH82|| المقاومة
CH83|| حوافز
CH84||العودة
CH85|| نهاية حرب الدماء
CH86|| تقلبات زمن
CH87|| اقتلني أو اشفيني
CH88|| بين نارين
CH89|| مُقرمشات
CH90|| وعكة نفسيّة
CH91||طَوق
CH92|| البطل الأبديّ
THE END|| حاقد عاشق
THE END|| حاقد عاشق
تستَّر المطر الذي ينهمر من السماء إنهماراً على السوء الذي يعلو ملامحي؛ فنُسِبت الكآبة إليه، لا لي، مشاعري تتضارب في جوفي تضارُباً شَرِساً، فلا أُدرك حقيقتها، لا أدري كيف أشعر الآن.

بماذا أشعر أنا الآن بينما أرفع نعشاً يحمل جُثّة على كتفي؟!
أنا في الحقيقة لا أدري.

أشعرُ وكأنه تمَّ الإستغناء عني، كما لو أنها تخلى عني وترك صفي، وكأنني تُرِكتُ ضد الحياة أُقاتل وحدي بلا جبهة، بلا سلاح، وبلا صدر يفديني، أشعر بأنني وحيد جداً ، أشعر باليُتم فجأة.

لا أدري لِمَ تتكالب علي هذه المشاعر فجأة، ولا أدري لِمَ أنا ضائع جداً الآن، في مثل هذا الوقت الذي وجب عليَّ أن أكون فيه سعيد، لِمَ وَجَبَ عليَّ أن أردم جُثّة تحت التُراب؟!

غادر المُعزّون والأقربون من حولي، وبقيتُ أنا وهذا القبر وحدي، جلستُ أمام الشاهد وبينما أقرأ ما كُتب عليه في سِري تشوش بصري فهرعتُ أُنقّيه، ليس عليّ أن أحزن ولا أتأثر كثيراً.

أنا بيون بيكهيون في النهاية، رجل الصوامع، لا يهدم جبروتي ما حدث، ومهما حدث أنا رجلٌ لا يسقط، هذا ما وعدتُ جويل به مُسبقاً.

إستندتُ بظهري على جِذع الشجرة القريب، وضللتُ أنظر لهذا القبر النديّ، كيف الحال يا تُرى بالأسفل؟!

لستُ قلِقاً إنما فضولياً فحسب، هل بدأ حِسابك يا تُرى أم أنك تستنأنس بي الآن؟! أتشعر بوجودي قريباً منك أم أنك لا تشعر بشيء؟

وضعتُ يديّ على وجهي حينما خانتني عيني وبكت رغماً عن إرادتي، لِمَ أنا أبكي الآن؟!

أنت لا تستحق أن أبكي عليك إطلاقاً، أنت تستحق مني أن أنهض وأحتفل فوق قبرك، هذا ما يليق فيما بيني وبينك.

أنت من سببت لي الشقاء طيلة حياتي، بسببك أنا عانيتُ كثيراً، وسببتُ المُعاناة لآخرين أبرياء، ضاع من عمري ما ضاع بسببك، حملتُ السِلاح بسببك، كل سوء حصل معي أنت السبب الأول له، لذا أنا أكرهك.

ولكن الآن، لِمَ أنا أبكي؟! لِمَ موتك يعزّ علي رغم أنك بالنسبة لي لا شيء أو كل شيء سيء فحسب؟!

تحدثتُ معكَ بصراحة، وعبّرتُ لكَ عن سوء مشاعري ناحيتك، أن ما بيني وبينك هو الحقد فقط، لِمَ لا أحقد عليك الآن؟!

لِمَ لا أستطع تنفيذ وعيدي؟!
لِمَ ذهبتُ بكَ إلى الكنيسة بدلاً من أن أحرقك؟! أنا لماذا قبلتُ أن أرث مالك؟
لِمَ لم أحرقه هنا فوق قبرك؟!

أنت لست بحاجة لتعلم كم أنا أكرهك، أنت بالفعل تعلم كم أنا أكرهك، أكرهك مِلئ ما بين السماء والأرض.

لكنكَ كُنت تعرفني أكثر مما أعرف نفسي، كنت تعلم أنني لن أنفذ وعيدي ذاك إطلاقاً، كنتَ تعلم بأنني لا أتمنى لك الموت من خالص قلبي، بل أنني تمنيت أنك لو خرجت على قدميك.

لستُ أدري لماذا... ربما لأنك كنت دوماً تنقذني عندما أكون عاجزاً، ربما لأنك الوحيد الذي لم يكرهني مهما فعلت، ربما لأنك الوحيد الذي كان يراقبني بعين الصون والحيطة.

وربما لأنني أناني فحسب، أردتُ أن أحتفظ بكَ على الدوام كبطاقة جانبية أعتازها عندما أعجز عن عون نفسي.

بيون نامهيون، توفيَّ عن عُمرٍ يُناهز الرابعة والستون، كنتَ في مِثل عمري عندما أنجبتني، وأنا الآن لدي صبي صغير، لكنه لن يكون بيكهيون صغير، لن يكون عبداً لأحلامي، أنه حُر مُذُّ أن زرعته ببطن أمه.

على خِلافك، أنجبتُ ابني ليحيا، لا ليحيا عني، أرأيت؟
أنا لستُ بيكهيون الذي أنجبتُهُ لتحيا فيه.

أنا الآن سأقول لكَ آخر ما لدي... وداعاً أبي، أتمنى أن تَرقُد بسلام، ولا عليك مني الآن، أنا أعيش بسلام، فما عاد لتدخُلاتك الإلزامية أية ضرورة بعد الآن، لذا كُن مرتاح، وداعاً...

...

استهلكني توديعه وقتاً طويل، ساقي ما استطعتُ أن أُقيمها وأرحل عنه، مكثتُ طويلاً عند قبره حتى تعافت مشاعري نسبياً، أو على الأقل؛ إنتهى نزاع المشاعر القائم في صدري.

أنا الآن حزين، سأحزن لفترة من الزمن، ثم سأنسى هذا الحُزن وستعود بعدها حياتي كما كانت، هكذا الحياة تسير.

حملتُ نفسي إلى القصر بعد أن غابت الشمس، بالتأكيد قد غادر المعزّون الآن، أنا لا أطيق أن أتحدث مع أي أحد، ولا مزاج لي لأتقبل تملُّقات الآخرين ومواساتهم المُزيفة، أدري أنهم سعيدون لأن كُرسيه بالوزارة أصبح شاغراً وسيتكالبون عليه.

تركتُ السيارة أمام البوابة الرئيسة للقصر ودخلتُ أشق الطريق إلى الداخل على قدميّ، لن أحمل قِناعاً على وجهي الآن، لكنني بحاجة لضبط مشاعري قُبيل أن أرى أي أحد في الداخل.

سرتُ بشرود من البوابة حتى الحديقة الأمامية للقصر وهناك كانت جويل تقف بإنتظاري، بفستان أسود تخطى طوله ركبتيها وهي تحمل على يديها طفلنا الصغير، أستطيع أن أُخمِّن من ملامح وجهها المُنقبِضة أنها خائفة عليّ.

تقدمت مني سريعاً حالما رأتني، ثم ضمّت خدي براحتها تتفقدني بقلق.

" أنت بخير بيكهيون؟!"


أومأت وقد نظرتُ إلى صغيري على ذراعيها، رفعتُ الغطاء على وجهه وقُلت.

" أنا بخير، ولكنني لن أبقى بخير لو أنتِ مرضتِ أو الصغير في ظِل هذا الجو البارد"

ضمّت ابننا إلى صدرها تحميه من الجو، وهي ضممتُها أسفل ذراعي وإلى صدري أحميها، دخلتُ بها إلى القصر، ثم تركتُها في صالة الجلوس حينما نهضت أمي فور دخولي وغادرت إلى جناحها، أستطيع أن أرى كم هي حزينة بسبب الأخبار المؤسفة وبسببي.

أشرتُ لجويل أنني سألحق بأمي، صعدتُ إليها ثم طرقتُ على بابها مرتين ولم تأذن لي، فأذنت لنفسي ودخلت، رأيتُها تجلس على الأريكة وتبكي هكذا في جناحها الخاص.

" أُمي!"

أقتربتُ منها من خِلاف وهي باشرت بتجفيف دموعها فورما سمعتني، جلستُ بجانبها وتناولت جهاز التحكم عن الطاولة لأشغل التلفاز، وبالفعل القنوات الإخبارية مشغولة بلُجّة الخبر، فهم يعرضون سير الجنازة، سيرته الذاتية، وإنجازاته السياسيّة.

" مُذ أن عُدتُ لأعيش معكِ، كنتُ أستغرب حُبكِ المُفاجئ للأخبار السياسة والإقتصاد، فأنني أذكر أنكِ كنتِ تحبين مشاهدة البرامج الترفيهية"

" ولكنني مع الوقت علمت سبب حبك المفاجئ للقنوات الإخبارية، لأن حبك له يا أمي لم يندثر إطلاقاً"

نظرت لي وكأنني مسكتُ عليها أمراً، لكنني اعلم منذُ البداية؛ أنها ما زالت تحبه للأسف.

" من خلال القنوات الإخبارية كنتِ تستطيعي أن تري وجهه مرة على الأقل في الأسبوع، وعلى هذه المرة تصومي حتى مرة أخرى، هكذا لأكثر من عشرين عاماً"

إزدرئت جوفها وأخفضت رأسها، تظن أنني كشفتها للتوّ فقط، أنا أعلم من البداية.

" لكنه الآن مات يا أمي، لذا على الأرجح سيتوقفون عن ذكره قريباً على القنوات الإخباريّة، لذا انظري له ما دُمتِ تستطيعين؟!"

نظرت لي وبدموع كثيرة سألتني، بل هي لامتني.

" لِمَ لم تُخبرني أنه يموت؟!"

الحقيقة تؤلم، لكنها أفضل من أن أكذب عليها.

" لو أنه أرادكِ أن تعلمي لأعلمكِ بنفسه، أمي أنتِ أحببتِ رجُلاً لا يُحبك، كان أختياركِ خاطئ"

إقتربتُ منها واحتضنتها على صدري عندما إنتابها النواح والبكاء، ربّتُ عليها كثيراً.

" لكنكِ تملكيني الآن يا أمي، أنا وهيون جونغ ونانسي، حتى أن ثلاثتنا كوّن عائلته"

أومأت وباشرت بمسح دموعها، رفعتُ رأسها ثم قبّلتُ جبهتها.

" لا بأس أن تشعري بالحُزن وتبكي لبعض الوقت، تخلّصي من حزنكِ سريعاً وعودي لنا يا أمي"

نهضتُ من جانبها وتركتُها تبكي كما تريد، أنني لو منعتها من فعل ذلك، لو لُمتها على بكائها الآن ربما أخسرها هي أيضاً، وأنا حينها لن أتحمل، أمي ثمينة للغاية بالنسبة لي، هي كل شيء بالفعل.

عُدت إلى الجناح، الأيام الفارطة كانت في غاية الصعوبة بالنسبة لي، أنا كِدتُ أفقد حبيبتي أيضاً، حمداً لله أنها نجت.

في يوم ميلادها كنتُ معها، دخلت غرفة الولادة معها، وشهدتُ على كل صرخاتها واستنجاداتها، صرختُ بالأطباء كثيراً ولومتهم، حتى أنني هددتُهم ليخلوصها من وجعها، هكذا حتى بكى الصغير خارج رحم أمه.

حينما حملته على ذراعي، شعرتُ بمشاعر غريبة وكأن أبوّتي قد تجددت، وكأنني أباً لأول مرة، لقد كنتُ من حمله أولاً وكنت من قدّمه لجويل، أنا وضعته على صدرها وحينها منحته إسماً.

"جوان"
ليكون الشفق الذي ينقلنا من الظلام إلى النور، من العتمة إلى الضياء، هو الفارق، هو ابني العزيز الذي عبره سأثبت لنفسي أنني بالفعل أباً صالح.

حينما خرجتُ من غرفة الولادة استدعوني إلى ثلاجة الموتى، في اللحظة التي ولِد بها ابني توفي أبي إثر نوبة قلبيّة تسبب بها كلامي الأخير معه، فأنا آخر من رآه قبل أن يُفارق.

ندمتُ كثيراً عمّا قلت، ولكنني كنت صامداً جلموداً أمام جُثّته الباردة.

لا أدري إن كانت وفاته آخر العتمة أم أول الضياء، لكنني أرجو له السلام حيث كان، أرقد بسلام أبتاه.

لم أشعر بنفسي أنني أصبحتُ بقعر الجناح إلا عندما توقفت جويل أمامي تعقد حاجبيها.

" بيكهيون، أرجوك كُن بخير، لا بأس لو أردت أن تحزن أو تبكي، افعل ما يلزم كي لا تنهار، نحن بحاجة لك"

تنهدتُ انظر نحو الأرض، جيني وبيرل يتشبثن بساقاي ويبرمنّ ثغورهن.

" بابا، لا بُكاء"

أمسكتُ بأيديهنّ ثم سرت بهنّ إلى الشُرفة، جلستُ أرضاً وهنّ أخترن الجلوس قِبالتي بينما ينظرن لي بصمت، ربما استثقلن أنفسهن على حضني، لذا يراقبنّ متى سيحين موعد هطول غيومي.

لكنني أنا لا أُمطر، لأنني أحوي بداخلي رعد وبرق، وأتحفظ على عواصفي وكوارث طبيعتي المحفوفة بالخطر داخلي، ولا أظهر إلا بمزاج خريفي رغم برودته هادئ.

رُغماً عني ابتسمتُ بعدها، فجيني وبيرل لا يتوقفنّ عن النظر لي بتفقّد، الفتيات هكذا، لطيفات إلى هذا الحد، يزرعنّ حُبهنّ في الصدور، إنهنّ مُهتمّات ومُراعيات رغم أنهنّ لا يفقهن في فلسفة الحياة شيء، لذا هنّ ملائكتي.

أشرتُ لهنّ أن يقتربن مني فاقتربن دون ضجّة، كل واحدة جلست على إحدى ساقاي وإستأنفت النظر لي، لففتُ حولهنّ ذراعاي واحتضنتهنّ إلى صدري، أنهنّ جنتي على هذه الأرض.

وضعت جيني يدها على وجنتي وقالت.

" بابا، لا حُزن"

وبيرل أصبحت تبكي عني، بما أنها تشعر أنني كئيب اليوم على غير عادتي معهنّ قررت أن تُفرج هي عن كآبتي، احتضنتهن إلى صدري وضحكت، علي أن أكون بخير لأجلهنّ على الدوام.

فأنا ما عُدتُ وحدي، سقوطي يعني سقوط كل فرد في هذه العائلة معي، و نجاحي بنجاحهم، هم مُقترنين بي، هذا معنى ربّ الأسرة، المعنى الذي بحثتُ عنه دوماً وها أنا أخيراً أُلاقيه.

وذلك يجعلني أُفكر مليّاً بأمور عِدة، منها نظافة أموالي، أنا غني جداً، لكن اموالي ليست نظيفة، أخشى أن يأتي يوم وأتورط مع القانون أو مع إحدى العِصابات التي أتعامل معها.

بالتأكيد عملي كمهندس وإمتلاكي لشركة أنا أسستُها ليس ما أسفر عن ثرائي الفاحش، إنها تِجارة السِلاح.

لكن الآن الوضع إختلف وأنا ما عدتُ فقط واحد من أفضل المُهندسين في آسيا فقط، أنا أفضل رجل أعمال شاب.

لذا علي أن أتوقف لهذا الحد، علي أن أتابع مسيرتي كمهندس عِمارة فقط، علي أن اُبيض سِجلي.

لا أدري كم أن رجال الشُرطة والقانون أغبياء كي لا يشكوا بأمري، لكنني شاكراً غبائهم هذا.

في آخر الليل، كُن صغيراتي قد خَلدنَّ للنوم، أنا أخذتُ حماماً وقد فكرت ملياً بأمر تجارتي، وكيف أُنهيها دون أن أتأثر مادياً.

عندما خرجت وجدتُ جويل تحمل جوان وتسير به في الجناح بينما تهزه برفق بين ذراعيها.

إنها ملاك ساقط من السماء وإلا كيف تكون بعيني جميلة مهما كانت حالتها، أنها ترتدي قميص نوم أسود، ينساب على جسدها براحة، وتركت شعرها حُر على ظهرها وكثيراً ما يُزعجها عندما يتدلى من عند صِدغيها.

إقتربتُ لها من خِلاف وعانقتُ خصرها، ركنتُ ذقني على كتفها، وأسقطتُ نظري على هذا الطفل الصغير بين يديها، طفلي الصغير، ابني أنا.

لا أستطيع أن أصفه بالكلمات، فهو ليس جميل وملامحه ما زالت تنمو، هكذا الأطفال حديثي الولادة على حسب قول جويل، لكنني أستطيع أن أُخمن بأنه سيشبه أمه أكثر مني، بداية بعينيه التي لا تشبه رسمة العين الأسيوية.

حركت رأسها ناحيتي وهمست بإبتسامة ودودة.

" أتود أن تحمله قليلاً؟"

سُرعان ما نفيت وابتعدت عن جويل.

" بالتأكيد لا، أنه صغير جداً، أخشى أن أسقطه أو أحمله بطريقة خاطئة!"

لم يتسنى لي أن أرى جيني بهذا العمر، ولم أشهد على نموّها البدائي، أنا عندما استطعت أن أكون معها كانت قد قاربت على العام، لذا أشعر مع طفلي هذا بأنني اب من جديد.

أود أن أرى كل شيء ما رأيتُه سالفاً، أريد أن أرى أول إبتسامة، أول مرة يجلس بها، أول مرة يقف بها، أول حَبوة، أول خطوة، أريد أن أشهد على كل تفصيلة في حياته، وأعدك يا بُني أنني سأكون الأب الذي ستُحب.

جويل تبسّمت في وجهي تُخرجني من أفكاري، ثم أشارت لي ناحية السرير.

" سأعلمك كيف تحمله، لذا أجلس على السرير"

أطعتُها وجلست ووقفت هي أمامي، أنا حقاً أرغب في حمله واحتضانه، لكنني أخشى عليه مني، لكن جويل بدت مُصرَّة فوجّهتني كيف أحمله بالطريقة الصحيحة، وما أن أصبح على يديّ حتى ابتسمت، حسناً هو ليس جميل لكنه ظريف.

صعدت جويل السرير، ثم جلست خلفي على ركبتيها وأخذت تُدلك لي كتفيّ وعُنقي، وهذا ما جعلني أزفر براحة، أحتاج هذا حاجة ماسّة فلقد كاد ظهري أن ينهد وكتفيّ أن يتمزقا.

أنا مُتعب، مُتعب من كل شيء، من الماضي والتفكير به، من المستقبل والتخطيط له، حتى أنني مُتعب من نفسي.

" أنا فخورة بك، أتعلم؟!"

لم أجب، أدري لِمَ تفخر بي ولكنني لا أفخر بنفسي، ركنت ذقنها على كتفي وأتبعت.

" أنت ابن صالح، لذا لا تَلُم نفسكَ زيادة، كان الأمر سيحدث حتى لو ما تحدثت معه، لكل إنسان أجله وأنت ما كنتَ سبباً في لقائه أجله"

سأحاول إقناع نفسي بكلامها هذا وأتجاوز الأمر، فلأكون صادقاً مع نفسي واعتقادي؛ أبي لا يستحق مني أن أحزن عليه كثيراً.

أخذت عن يدي جوان، ووضعته في سريره الذي يكون قُربها، ثم جلست هي على السرير، وفتحت ذراعيها لي جاهزة لأستقبالي، فأنا طفلها الذي يحتاج كل إهتمامها الآن، لذا زرعتُ نفسي بين ذراعيها وهي ضمتني، إمرأتي الحنون.

أخذت تُربت على كتفي، وقبّلت رأسي عدة مرات، إنها تواسيني وتمدني بالقوة على طريقتها الخاصة، وأنا أُحب شتى طُرقها في مَحبّتي.

نمتُ على صدرها تلك الليلة، وهي سهرت علي ترعاني، لقد كنتُ بحاجتها جداً في هذه الليلة، لا يمُدّني بالقوة شيء سوى حُضنها الدافئ، لمساتها الحنون، وقُبلاتها الودودة.

................................

" ثلاثة، إثنان، واحد...الآن تايهيونغ، أستيقظ!"

صوت الطبيبة دخل إلى رأسي ولا أدري كيف ككل مرة تنتشلني من الصورة التي أكون بها، كيف بكلمات وحسب أستعيد وعيي.

فتحتُ عيني على مِرآها، وكانت - كما تكون دوماً- أول من أرى، لكنها اليوم تبتسم على غير العادة، أشعر بأنني أفضل حتى، فبالعادة أستيقظ بأنفاس متسارعة ونبضات قلب قويّة وربما أكون أبكي حتى، لكن الآن كل شيء رتيب، أنا بخير، مشاعري بخير، حتى أنني لا أشعر بالضنك، سعيد بشكلٍ مُفاجئ.

" كيف حالي أيتها الطبيبة؟! هل أنا أفضل الآن؟!"

أومأت، أشعر أن إبتسامتها الواسعة هذه ليست لمديّ بالطاقة الإيجابية فحسب، أشعر أنها صادقة.

" نعم تايهيونغ، أنت تُظهر تحسُناً جليّاً"

تسآلت، أود أن أعرف عن نفسي أكثر، هل سأخرج؟! إلى متى سأبقى هنا؟! أنا متشوق للحياة بعد المصحّة.

" وكيف ذلك أيتها الطبيبة؟!"

وقفت ثم حملت بيدها جهاز تحكم وشغّلت التِلفاز الذي يعرض تسجيل الكاميرا هنا، إنني لا أبكي، بل أتحدث عن ابنتي وحسب، كما إنّي أبدو سعيداً.

وضعت الطبيبة الجهاز ونظرت لي بعيون باسمة، لأول مرة أراها سعيدة لهذا الحد.

" ما ذكرت زوجتك السابقة على الإطلاق، أنت تحدثت مليّاً عن ابنتك، وما خُططك بعد الخروج، وهذا بالتأكيد علامة فارقة في علاجك، أنت تتأهب للشفاء التام بالفعل، وربما تخرج قريباً حتى"

لم أسيطر على ضحكتي حينما خرجت من فاهي ووقفت، تقدمتُ بحماسة من الطبيبة، تمسَّكتُ بكتفيها وقُلت.

" شكراً لكِ حقاً، بفضلك الآن أستطيع أن أكمل حياتي على نحو سليم"

لاحظتُ الإرتباك على وجهها، وأنها لا تنظر في وجهي، بل نظرها مُنحدر إلى الأسفل، أفلتُّها واعتذرت.

" أنا آسف، كنتُ متحمساً فقط"

نفت برأسها ألا أعتذر وابتسمت، ذلك لا يَمُدني بالراحة، فابتسامتها بدت خجولة لا مُحرَجة، وشتان ما بين الأثنين.

حملت ملفاتها ثم أشارت لي لنخرج من غرفة التنويم المغناطيسي، جلست خلف طاولتها، وأنا جلستُ قِبالتها، تصفّحت ملفاتها بينما تُخبرني بمُجريات الأمور.

" سأتكلم مع الفريق الطبي، وسنقرر إن كان الوقت اللازم لإخراجك قد حان، على الأرجح ستخضع لعلاج مغناطيسي مُكثّف وتكون تحت الرقابة المتشددة لفترة قصيرة حتى نضمن سلامتك إن خرجت"

أومأت وهي نهضت تحمل ملفاتها.

" لا تقلق، أنه فقط إجراء إحترازيّ نتخذه مع المرضى قُبيل تسريحهم"

وهنا تفارقنا وأنا عدتُ إلى غرفتي انتظر على أحرّ من الجمر، مضت ساعة وها هي أخيراً أتت، تأهبت للوقوف عن سريري واستضفتُها على الأريكة.

جلست بجواري ضمن مسافة تُفرقنا، ثم باشرت هي بالحديث.

" كما أخبرتك، ستمكث لدينا لأسبوع أخير، وإن أجمعنا على شفائك ستخرج، لذا تجهز بالفعل"

صبرتُ كثيراً هنا، وتحمّلت كثيراً، واضبتُ على علاجي واستمعت لأوامر الأطباء، كنتُ مُراعياً، مُهذباً، وصالحاً، لأنني أريد أن أنجو.

أريد أن أنجو من شر نفسي وأعيش من جديد، أكوّن ذاتي من جديد، وأعيش كما يجب، أنا سعيد الآن، ليس لأنني على أهبّة الخروج  وأن الحُرية فتحت ذراعيها لي أخيراً، بل لأنني على أهبّة الشفاء والحياة تنتظرني.

عِنتُ نفسي كما تعلمت مؤخراً وضبطتُ مشاعري، ثم إلتفتُ إلى الطبيبة وتمسّكت بيدها، فالحق أنها من تمسّكت بيدي ودلّتني على طريق نجاتي، لولاها لظللتُ في طُغياني وعتمتي عائم.

" أنتِ السبب بأن حياتي بدأت من جديد، أنتِ وهبتني حياة جديدة، شكراً لكِ أيتها الطبيبة"

نظرت إلى يدي ثم رفعت رأسها لي وقالت.

" أنت تستحق هذه الحياة، وأنا لم أكن سوى وسيلة، أنت بإرادتك وعزيمتك نجحت ووهبت نفسك حياة جديدة، هنيئاً لك تايهيونغ"

ثم صمتت بشكلٍ مُفاجئ، قبضتُ حاجبيّ انظر لها، حينها إزدرئت جوفها، تنهدت ثم رفعت وجهها إلي مجدداً.

" أنا في الحقيقة لا أدري لِمَ أقول لك هذا الآن، ورغم أنني أعلم أنه ليس الوقت المُناسب، لكن ما عدتُ أستطيع أن أكتم ما في جوفي"

كان أول ما خطر في بالي أني بي مُشكلة لم تُفصح الطبيبة عنها، لا أدري لِمَ إرتعدت ولِمَ وجلني الخوف.

" هل أنا لدي مُشكلة أخرى؟!"

سُرعان ما نفت بيديها وظهرت على شِفاهها إبتسامة مُحرَجة.

" ليس هذا تايهيونغ، أنا فقط أردتُ أن أحدثك بأمر آخر"

هُنا أنا صمت وقررتُ ألا أحكم عليها أو أخمن ماذا تود أن تقول، أنا فقط أومأت وهي بعدما زفرت أنفاسها قالت.

" في الحقيقة أنا أكنّ لك مشاعر ودودة"

أصابت مخاوفي وتحققت، أكره أن أجرح قلبها لأنني أملك قلباً لكثرة ما جُرح تمزق، لذا ما عاد قادراً أن ينبض بحُب.

" أنا..."

قاطعتني عندما أشهرت بيدها في وجهي وقالت.

" أنا لا انتظر منك شيء، أنا أخبرتكَ كي لا أشعر بالندم لاحقاً، أنا حقاً لا أطالبك بشيء سوى لو وجدت نفسك بحاجة إمرأة بحياتك فكر بي حينها، هذا فقط"

ثم نهضت على وجه سُرعة وغادرت بحرج، تنهدت أضم وجهي بكفيّ، مكان لمرأة بحياتي؟!
لا أظن مكاناً كهذا سيتوفر على الإطلاق.

في لقائي بها اليوم الموالي، الطبيبة تعاملت معي كما تتعامل معي دوماً، وذلك ما دفع الحرج من بيننا ودفعني لأكون معها على طبيعتي مجدداً، وهي لم تتحدث بالأمر مجدداً.

وهكذا حتى انقضى الأسبوع، سيتقرر اليوم إن كنتُ سأخرج أم لا، وذلك ما تقرره اللجنة المُختصّة من الأطباء النفسيين، والطبيبة سُرى ستكون معي بصفتها الطبيبة المسؤولة عن حالتي.

وضعت آمالاً بأنني سأخرج وألقى حياتي من جديد، لكنني أيضاً إحتفظتُ بإحتمالات البقاء كي لا أُصدم لو قررت اللجنة عدم كفائتي لمواجهة المجتمع.

أرتديتُ بدلة رسمية رمادية، وتركتُ شعري على جبهتي مُسرحاً ثم خرجتُ إلى اللجنة، كانوا سِتة يشغلون طاولة طويلة، قِبالتهم توجد أريكة لشخص واحد، فهمت أنها لي، جلست ونظرت إلى الطبيبة سُرى التي تشغل حيزاً بينهم، فأومأت لي وابتسمت تُدعوني للإطمئنان.

وهنا بدأت أسألتهم، الطبيبة أخبرتني أنه عليَّ أن أتصرف وكأنني بمقابلة لقبول توظيف، لذا كنتُ مرتاحاً أكثر.

" سيد كيم تايهيونغ، اخبرني عن نفسك"

تسآلت طبيبة تجلس في مركز الطاولة وهي تنظر في أوراقها.

" كيم تايهيونغ، أبلغ من العمر ثلاثون عاماً، حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، مُنفصل ولدي طفلة واحدة تبلغ من العمر عامين"

أومئ الأطباء وتبادلوا نظرات، بينما الطبيبة سُرى رفعت إبهامها لي كإطراء، حينها تحدث طبيب آخر.

" كيف تصف ماضيك؟!"

إبتسمت وقد انحدر عنهم بصري.

" يؤلم عند مسّه"

" وكيف تطلع للمستقبل؟!"

حينها نظرت لهم واتبعت.

" حياة حديدة سأكرسها لرعاية ابنتي وتطوير عملي والإستمتاع بالحياة"

" هل ربما تفكر بالإرتباط مجدداً؟!"

نظرت إلى الطبيبة سُرى التي بدت موّلعة كي تحصل على إجابتي، نفيت برأسي لها، ثم اتبعت وقد نظرت إلى الأطباء.

" لا أفكر، ولن أفكر، أنا أريد أن أستمر في حياتي بلا إمرأة، فلا مكان لإمرأة بحياتي مجدداً، ولن يكون"

غامت ملامح الطبيبة سُرى وذهبوا الأطباء لمناقشة قرار تخريجي من إبقائي، وهي لم تذهب معهم، فقط ضلّت في مكانها جالسة ورأسها مخفض، حتى أنني لا أرى وجهها.

" أنا آسف"

سمعتها تبكي، شعرتُ بالأسف الشديد، فانا أدري وأقدر ما تشعر به، ولأي درجة هذه النوعية من المشاعر مؤذية وتحرق صاحبها، هي نفت وعلى وضعيتها هذه تحدثت.

" لا تقلق، أنا أخبرتك بالفعل أنني لا أنتظر منك شيء"

لكنني أنا لستُ مُطمئن، لا أريد أكون سبباً لخراب قلب كان عامراً، هي فتاة طيبة وتستحق الحب، لكنني أنا رجل معطوب، عاجز عن تقديم الحُب.

عادت لجنة الأطباء وجلسوا في أماكنهم السابقة، طالعتهم بلهفة، أرجو أن ما في جُعبتهم من أخبار تَسُرّني، بعدما تبادلوا إيمائات الطبيبة تحدثت.

" السيد كيم تايهيونغ، قررنا نحن الأطباء بالإجماع على أنك صالح لأن تنخرط في المجتمع من جديد، ولكن عليك أن تتابع جلسات نفسية خارجية في عيادة الطبيبة سُرى، وهي ستصف لك عقاقير مُخففة"

وهذا كل ما أردتُ أن أسمعه، أنا أخيراً حُر...!

هذه حريتي أنا، أنا الآن حُر، مسموح لي لأن أعود إلى حياتي الطبيعية، أنا أيضاً سعيد جداً بما آلت إليه الأمور، فأنا تعافيت واستعدتُ حُريتي.

نهضت وصافحتهم واحد تلو الآخر، وحينما وصلتُ إلى الطبيبة سُرى مدت يدها لمصافحتي وابتسمت رغم أن عيناها دامعة، صافحتها ولأنني مُمتن تمسكتُ بيدها بين كلا كفيّ وهمست.

" كل الفضل يعود لكِ، شكراً لكِ أيتها الطبيبة!"

تبسّمت في وجهي وقالت.

" قمتُ بواجبي فقط، الآن جهّز لخروجك، الحياة في الخارج تنتظرك"

خرجت من المستشفى أخيراً، قمتُ بالإجراءات اللازمة وتولّى عدد من الحرس حمل حقائبي ونقلها، لقد قررتُ أن أنفصل عن عائلتي بشكلٍ كليّ وأعيش بشقتي الخاصّة، لأنني أريد مسح الماضي من حياتي، لا أريد أن أراه في وجه أبي وأمي في كل مرة انظر لهما.

إنها شقة جديدة قد اشتريتُها حديثاً، بعثتُ لأبي أنني سأعود لتولي العمل قريباً، لكنني الآن فقط سأكتفي بتصليح بعض الأمور، وأخذ راحة من سجني، أود أن استمتع بحريتي قليلاً.

سأبدأ بشقتي، لقد خصصتُ بها غرفة خاصة لأجل بيرل، وذلك لأنني بالتأكيد سأُطالب أن تبيت لدي بما يحق لي قانونياً، أتشوق لهذا من الآن.

كما أنني منعتُ دخول الكحول إلى شقتي، فأنا لا أريد أن أتذوق هذا السُم مرة أخرى، ولا أريد أن تتأثر حياتي بأي سوء، سأعيش على صلاح وبصحّة.

نزلتُ من الشقة وقررتُ أن أسير في الشارع بحرية، أمر بسيط كهذا كنتُ محروم منه لفترة طويلة جداً، في المستشفى كانوا يسمحوا لنا بأن نمشي في الحدائق الخاصة، مع كثرة المرور بها مللت.

كنتُ أشعر بالقيود علي حتى لو كنتُ غير مقيّد بالفعل، أن تكون مجبوراً على البقاء في حيز مكاني معين فهذا الأسر، وأنا كنتُ مأسور لفترة طويلة، لذا مجرد أن أمشي بالشارع بلا قيود يجعلني أستعيد روحي وعافيتي.

شقتي تطل على نهر الهان، فعبر النوافذ والشُرفة أستطيع أن أرى النهر أمامي، وذلك ما يجعل السير خارجاً مُتعة نفسيّة، حصلتُ على شرابي الساخن، وسِرتُ على ضِفاف النهر يحفّني الهدوء.

أرى العائلات يمدوّن بِساطاً على الأرض العُشبية، يجتمعون عليها ويتسامرون، هناك أطفال يلعبون على الأراجيح، هذه الحياة الطبيعية التي أردتُ أن أعيشها.

وقفتُ مُستنداً على السور ونظرتُ في الماء بينما احتسي قهوتي، أنه منظر مُريح للعين يبعث في نفسي شعور السكينة، أحب هذا الهدوء.

لكنني أخشى من أمر واحد، هل أستطيع دوماً أن أعيش وحيداً؟
هل سأحب أن أعيش وحدي؟ ماذا إن ما استطعت؟!
هل سأفكر بالطبيبة سُرى؟!

حقاً لا أدري، فلأترك المُهِمّة على الأيام، والأيام كفيلة أن تثبت لي حقيقة حاجتي وما أريد.

................................

مرّت الأيام على وتيرة هادئة، الحياة لمسها السلام أخيراً، فأخيراً بيكهيون بلا مخاوف، تنام جويل في حُضنه كل ليلة وهو مُطمئن أن لا بأس بها، وأن الموت قد أبعد نظره عنها.

جوان أضفى معنى جديد لحياته، فهو يرى ابنه الصبي ينمو ليصبح نُسخة مُصغّرة عنه شكلاً، ولكنه أيضاً لا يضمن ألا يكون نُسخة عن شخصيته.

حسناً، لا بأس من أن يكون إبنه نُسخة عن شخصيته الحالية.

أصبح جوان قادر أن يجلس بعون سند خلف ظهره وإلى جانبيه، يضحك ويصنع شغبه الخاص، يلعب مع نفسه وكلما رأى أمه عرض عليها مهارته الصوتية بلطافة، فهو إلى أمه أقرب من أبيه.

عكس الفتيات، جيني وبيرل يكبرنّ أيضاً وأصبحت لُغتهنّ أفضل، لدرجة أنهنّ يستطعنّ أن يقدمنّ شكوى بحق جويل، أو جوان، أو حتى بحق بعضهنّ لبيكهيون الذي يُمثل دور القاضي الغير عادل أن تعلق الأمر ببناته.

وهذه إحدى المسائل، فاليوم القصر غارق بالتجهيزات الأخيرة قُبيل الحفل الموعود، وجويل أمضت اليوم مشغولة.

فلقد ذهبت لمُصففة الشعر وتبرجت برزان، وارتدت ثوبها الخاص بهذا الحفل، ثم كان الوقت لإبنائها.

عادت إلى القصر بصُحبة إحدى الحرس، وما إن ولجت جناحها حتى وجدت بيكهيون يقف غاضباً، جوان في عربته يتحرك بشغب وبيكهيون مهما حاول ضبطه ضمن الصف؛ الصغير لا ينضبط.

بينما جيني وبيرل يقفن متحاذتين وينظرن لوالدهن إلتزاماً بالصفّ الذي فعله، لكنهنّ من باب العنادة، يقفنّ مُتخصرات يقلدنّ والدهنّ وملامحهن ملتوية مثله تماماً.

" بيكهيون ماذا تفعل بالأطفال؟!"

دون أن ينظر إليها رفع يده وقال.

" أنتِ لا تتدخلي، تركتيهم لي إذن اصمتي الآن"

قضمت شفاهها تكتم ضحكتها بينما تنظر إليه، يبدو أنه خاض عِراك حامي الوطيس مع أطفال، فتقريباً هو أشعث الشعر وفوضوية ثيابه كما أنه يتنفس بثقل.

إقتربت تنظر ما في الأمر، بينما بيكهيون وجه كلامه لجيني وبيرل.

" أنا لعبتُ معكنّ طوال اليوم رغم أنه يوم مهم ولا يتسنى لي البقاء معكنّ، ثم ماذا، أتجرؤي أنتِ وهي وتنعتنّي بالأب السيء؟!"

جيني وبيرل تبادلن النظرات وكأنهن يتبادلن العزم، ثم معاً هتفن وهنّ يقلدنّ وقفته وملامحه المتجهمة.

" نعم بابا بيون بيكهيون"

ضحكت جويل بصوت مرتفع واختفت خلف بيكهيون عندما رمى عليها سترته غاضباً، ثم بيكهيون قال لجوان الذي يقود عربته بحماسة.

" أنت ولد غير مؤدب ولا تستمع للكلام، قلتُ لك أن تلتزم الصف!"

وجويل خرجت من خلف ظهر بيكهيون ولوَّحت لجوان بيديها فصرخ بحماسة بينما يحرك أطرافه بحيوية فائقة.

" ماما! ماما!"

إنتحبت جويل بلطافة بينما تسير إلى صغيرها وتشهر بين ذراعيها.

" حبيب ماما، صغيري الثمين!"

أخرجته من العَرَبة وحملتُه على ذراعها تُحدثه بإبتسامة.

" أبوك كان يتنمر عليك؟!"

الصغير أومئ بينما يشير إلى والده وقال ضاحكاً.

" بابا!"

ضمّته جويل وقبّلت وجنته المُكتنزة ثم إلتفتت إلى بيكهيون تقول.

" لو سمحت تحاسب أنت وبناتك بعيداً عن ابني، لا شأن له بعراككم"

بيكهيون ما قال شيء، فلقد إستغرقه تأمل هذه التُحفة البشرية كل تركيزه وقدراته الذهنية شتى.

رمش بعينيه عِدة مرات يستجمع شتاته ثم صفق بيديه يُعلن.

" إنتهى الإجتماع، طفلاتي الفاسدات يستطعن المغادرة"

جيني وبيرل تمسكنّ بأيدي بعضهن وحينما أصبحنّ قرابة الباب، وقد ضمنّ الهروب وأن والدهن لن يلحق بهن ويحملهن من فساتينهن كأكياس البطاطا، صرخن ثم ركضن هرباً.

" بابا فاسد"

تنهد بيكهيون بأستياء ما إن لُذن صغيراته بالفرار، ثم نظر إلى أُمهنّ مُتخصراً وقال.

" انظري إلى تربيتكِ"

ارتفع حاجب جويل إستهجاناً وقالت.

" تربيتي أنا! من الذي يدللهن ولا يؤدبهن، أنا أم أنت؟!"

قضم سُفلاه بغيظ وتنهد بأستياء فنقرت بسبابتها ذقنه وهمست باسمة.

" أنت حبيبي، لذا تحمل سوء تربيتك"

ودون أن تُلقي بالاً لجموح مشاعر بيكهيون في هذه اللحظة أخذت تُربت على صغيرها وتهزه على ذراعها.

" جوان أنا سأربيه جيداً، سأجعل منه رجُلاً نبيلاً تحبه الفتيات"

هزأ بضحكة واستنكر.

" أهذه طموحاتكِ بشأنه؟!"

أومأت تقول.

" بالطبع، طموحاتي مُتعلقة بشخصيته، أريده أن يكون شخص فاضل ومحبوب، الأمور الأخرى هو من سيختارها"

تبسم بيكهيون وراح يمسح على رأس جوان الذي رمقه بلطافة وهو يردد بلفظه الخاص.

" بابا"

يُحب بيكهيون كيف تفكر جويل بشأن صغيرهما، لم تقل إطلاقاً أنها تُريده بتعليم مُمتاز أو بوظيفة مُميزة، أن يكون ذاك وذاك، فقط تحاول أن تضعه بقالب الشخصية الفُضلى التي تقدر عليها وحسب.

إنحنت جويل لتضع ابنها في العَربة فلقد حان الوقت أن تهتم بطفلها الذي لن يكبر إطلاقاً، إلتفتت إليه وباشرت بفك أزرار قميصه قائلة.

" سيبدأ الحفل قريباً، عليك أن تتجهز سريعاً لتكون مع العريس في الأسفل لإستقبال الضيوف"

خلعت عنه القميص، واقتربت تُثير فوضى في خُصله المترامية بأصابعها ثم ضحكت تقول.

" من يراك لن يعرف أنك الرئيس بيون بيكهيون بجلالة قدره!"

ولأنه رجل يُحب بجموح، قبض على خصرها الذي عاد رشيقاً كما كان سابقاً واجتذبها إليه، مسّت أنفاسها وجهه، وبدت شفتيها أجمل ما يكون مع أحمر الشفاه الداكن هذا وإبتسامتها الخلّابة.

وهو بسحرها من يومه واقع، لذا لا يقدر أن يُقاوم، فالحُب الذي يحبها إياه لا يعتق ولا يتخلله الإعتياد أو الملل، فكل مرة يقترب منها بغية تقبيلها يكون فضولياً كيف سيكون إحساسه بشفتيها، وكأنه مع كل حرب شِفاه خاضها معها تعرف على إحساسٍ جديد.

والآن أشعرته القُبلة، التي لم يسرقها بل نصبها نصباً وأطال، بالخمول تتخله إثارة مُريبة، ورغم أنه فرّق شفتاه عنها إلا أنه لم يبتعد بل تحدث وهو يمسسهما بشفتيه.

" دعينا نتخلص من هذه البدلة وهذا الفُستان ونحتفل بمكاننا الخاص على طريقتي"

مسّته شفتيها عندما إبتسمت، ووضعت يدها على صدره تبعده نافية برأسها.

" لا يُمكن يا رَجُلي المجنون، اليوم ليس لنا"

حينها تبسّم واقترب مُجدداً ليهمس بأذنها.

" لكن الليلة لنا"

وحيث كانت شفاهه طبع قُبلة قبل أن يبتعد، غمز لها بينما ترمقه بإبتسامة، وبيكهيون توجه إلى دورة المياه ليستحم.

وضعت جويل بدلته ورتبت مظهرها، ثم عندما خرج صففت له شعره الأسود، الذي تتخلله بعض الشيّبات، بفاصلة جانبية تجعل جبينه مكشوف، تماماً كما يحبه.

نظر بيكهيون عبر الشُرفة بينما جويل تُجهز جوان، ثم قال لها.

" بدأ الحضور بالوصول، هيا بنا"

أومأت وحملت جوان على يدها، لكن بيكهيون نفى وأخذه عنها قائلاً.

" تنتعلين بقدمكِ حذاء بكعب عالي، وفستانكِ الذي بالمناسبة لا يُعجبني طويل كفاية كي تتعرقلي به ويتهشم وجهك، لذا حِفاظاً على ابني سيبقى معي"

عكرت حاجبيها وتخصّرت أمامه بإنزعاج تقول.

" وأنا التي أحسنت الظن بك وظنَّتك قلِقاً عليّ!"

أنزل بيكهيون يديها عن خصرها وقال مُحذراً.

" لا تتخصري بالأسفل، تبدين مُغرية زيادة"

تمسك بيدها وجعلها تتأبطه، فجعلها تسير معه وهي تذمرت بعد تنهيدة.

" أنت لا تُجيد سوى التهديد"

حينها توقف وغمز لها قائلاً.

" أجيد أشياء أخرى، سأريكِ أياها ليلاً"

ضحكت تضرب ذراعه بخفّة وقالت.

" أنت ستفضحنا بلا شك، ثم أن جوان يستيقظ كثيراً ليلاً، لا أظن أن خُططك ستنجح"

بيكهيون رفع كتفيه يملك حلاً وقال.

" سأرميه خارج الجناح الليلة إذن"

ثم تحدث إلى الصغير الذي ضحك وأخذ يصفق بلطافة.

" ما رأيكَ أن تنام الليلة لدى نانا؟!"

" نانا!!"

إحتفال الصغير كان بمثابة حل للمشكلة ونجاح الخُطط الليليّة.

نزل الزوجين معاً إلى الأسفل وسُرعان ما اجتذبا إهتمام الحاضرين، تقدم كلاهما متحاذيين ونانسي أخذت جوان لينظم لجيني وبيرل، ثم أخذا يُرحبان بالحضور معاً.

" بالمناسبة، أين العروسان؟!"

جويل قالت.

" سيدخلان في غضون دقائق"

جذب الموظف المسؤول عن تنظيم الحفلة إهتمام الجميع عندما قال.

" سيدخل العروسان، لذا أرجو أن تستقبلوهما بحفاوة"

وقف الجميع وأخذا يُصفقا حينما فُتح الباب الزُجاجي الذي يطل على حديقة القصر الخلفيّة، وتعالت التصافير من الحرس عندما ظهر العريس يسند عروسه إلى نفسه ويسيران بإستعراض.

" لا أصدق أن كريس اليوم يتزوج، أشعر بالغيرة" 

قالها بيكهيون بينما يُصفّق، وجويل عكرت حاجبيها ضاحكة وقالت.

" أنت تمثل دور الحَماة الشريرة، أتدرك ذلك؟!"

حرك كتفيه بلامبالاة ورمق فلورا التي تسير بعونه ممتعضاً وقال.

" هذه الطفلة المائعة، لا أدري ما الذي يعجبه بها، ربما لسانها الذي هو أطول من السجادة الحمراء التي يسيرون عليها"

جويل عانقت خصره وخبأت وجهها في عنقها لا تقدر أن تسيطر على ضحكتها.

" بيكهيون أرجوك، أكاد أختنق لكثرة ما ضحكت"

ما الذي تغير؟!
الكثير...

بعون المال الذي ورثه بيكهيون من والده الراحل إستطاع أن يتخلص من كل أعماله المشبوهة وتوقف عن تجارة السلاح، ولأنها مهنة أن دخلت فيها لا تستطيع أن تخرج، إحتاج عدة مرات أن يخرق القانون لينجو، ونجى.

برايف (Prive)أصبحت فعلاً ماركة ثياب، ولها شُهرة على سِعة العالم، كما لها فروع في ثلاثين دولة، ما عادت مجرد اسم يخفي خلفه تجارة أخرى.

وهذا نتج عنه أن بيكهيون استغنى عن خدمات الكثير من رجاله الذين كانوا متخصصين بهذه الأمور معه، ولكنه لم يتخلّى عنهم، فلقد وجد لهم أماكن أخرى شريفة لأجلهم وتُناسبهم.

تخلى عن كل مستوداعاته وحوّلها إلى مصانع وورش تابعة لماركة الثياب، أما شركته فنالتها توسعة مُذهلة فلقد أصبحت تُنافس ضمن الخط الأول من الشركات الأسيوية.

توسعت إهتمامات شركته من تصميم العمارة وحسب إلى أنواع أخرى من التصاميم، تصاميم الديكور و التصميم النباتي.

وكريس ما عاد مجرد حارس يرافق بيكهيون إينما ذهب، فلقد رفع بيكهيون شأنه وظيفياً لقاء سنين عمره التي أفناها بخدمته، فوضعه نائب إداري له وأخرجه من المُلحق الذي يسكنه.

ولكن لأن كريس أصرّ على ألا يبتعد عن رئيسه خصَّص له بيكهيون جناح فخم في قصره، جناح يعيش فيه للأبد معه وبقُربه.

وذلك كان قراراً رغم غرابته إلا انه عمليّ بكل الُطرق.

جويل وبيكهيون تقدما من العروسين بعدما أنهيا رقصتهما، جويل حضنت فلورا وبيكهيون عانق كريس، ثم جويل هنّأت كريس بزواجه لكن بيكهيون رمق فلورا بغيظ وقال.

" اهتمي بكريس وإلا زوَّجته أخرى"

جويل لكزته بذراعها وكريس ضحك بخفة، فأخذت فلورا ترمقه بغضب وقالت.

" من الآن تريد أخرى؟!!"

والمسكين كريس تورط وانتهى.

ولكن حدث أن خطف جونغداي الأضواء بشكلٍ مُفاجئ، لقد غادر منذ زمن إلى الصين كي ينقل إدارته إلى كوريا، وخلال تلك الفترة الطويلة التي غاب بها إتصاله مع نانسي لم ينقطع.

عَلِمَ مُسبقاً بأن حفل زفاف سيتم بقصر بيون بيكهيون، لذا جونغداي قرر إستغلال الحدث لمصالحه الخاصّة.

حَضِر ضمن أول طائرة قادمة اليوم ووصل الزفاف في مُنتصفه، ولأن جونغداي من النوع المُشاغب والمُشاكس فلا بأس عنده أن يسرق مُكبر الصوت من الفرقة التي تؤدي معزوفات مختلفة، و حنجرته الذهبية ساعدته أن يصرخ مِلئ صوته في المُكبّر كي يجذب إنتباه الخضور كلهم.

" نانسي!"

ونانسي المسكينة كادت أن تسقط جوان من يدها لولا أن السيدة هانمي حملته عنها سريعاً، إلتفتت ناحية منصّة الفِرقة ببدن مُرتجف ويدها إلى قلبها.

جونغداي إبتسم وركع أرضاً يرفع بيده عُلبة بيضاء يحويها خاتم ذا حجر ألماسي، ناعم رخم فخامته.

نانسي شهقت تضع يديها إلى فمها وجونغداي هتف.

" تزوجيني نانا!"

قهقهت نانسي بخفة والحضور من حولها أيَّدوها لتوافق، كما أنها نظرت إلى بيكهيون فأومئ لها بينما يبتسم.

تقدمت منه مُدهوشة ثم أومأت له موافقة.

" موافقة، لنتزوج داي"

وقف جونغداي ووضع في أصبعها خاتمه، ثم رفع يدها إلى شفتيه ليطبع عليها قُبلة، ولم يكن من المُفاجئ على شخصه أن يصرخ بحفاوة.

" أحبك!"

إقترب وحملها من خصريها ليدور بها بينما الحضور يصفقون ويصفّرون، وضعها أرضاً ثم طبع قُبلة على جبهتها قُبيل أن يهمس.

" أود لو أضع قُبلتي في مكان آخر، لكن أخوكِ الإرهابي سيقتلني"

ضحكت نانسي وكادت أن تُنادي أخيها لولا أن جونغداي كتم فاهها بيده وسحبها معه مُحرجاً.

دي او الذي كان يقف بين الحضور مع والادته ضحك وارتشف من كأسه النبيذ، ثم من خالص مشاعره تمنى لهذه الفتاة السعادة في كُنف رجُلها الكوميدي هذا.

..........

توجّهت جويل لتنظر إلى أطفالها، كانوا بخير مع جدتهم، ثم حينما أولت بيكهيون إهتمامها لم تجده بالجوار.

بحثت عنه هنا وهناك ولم تجده، وقفت في النهاية أمام بركة الماء والتي تكون ضمن الحديقة الأمامية أي أنه ليس ضمن مساحة الحفل، كانت السماء قد غربت وأضواء المُلحق الذي يخصّها مُفعّلة.

تبسّمت حينما لمحت ظهره في الداخل، فتحت الباب وتقدمت إلى الداخل، كان قد نزع سُترته واكتفى بقميصه الأبيض الذي قد فتّق أول أزراره عن بعضها، يقف قُرب المكتب وبيده كأس نبيذ.

إلتفت إليها حينما سمع صوت كعبها يطرق الأرض بتلك الضوضاء النسوية، واستند إلى الحائط خلفه بينما ينظر لها وبيده كأس نبيذه يرتشف منه كلما جفّ حلقه، كل ثانية.

إقتربت منه تحمل على شفتيها إبتسامة إمرأة في الحب غاطسة، إمرأة جريئة معه فقط، وله فقط لها ألف وجه تحبه فيهم.

سرقت الكأس من يده وبإبتسامة همست.

" لِمَ أنت هنا وحدك ولستَ في الحفل؟"

إمتدت يده فنظرت لها وإلى مسارها الذي كان نحو خُصلها المترامية على صدغها، مشّطه بأصابعه إلى الخلف وقال.

" أكره رؤية هذه العروس البغيظة كما تعلمين"

همهمت تبتسم، ثم اقتربت منه خطوة أخيرة جعلت تماس جسدي غير عفوي يحدث بين صدرها وصدره.

" وماذا عني؟! أتتركني وحدي؟"

نفى برأسه وأرجع خُصلها عن عُنقها، ليطبع عليه قُبلة فجعل كتفها ينشز.

" كنتُ أعلم أنكِ ستتقفي أثري، فأتيتُ إلى هنا بإنتظارك"

ولأنه جلس على حافة الطاولة فأن قامته أصبحت أقل منها إرتفاعاً، فغرت ذراعيها له فجعل رأسه يرتاح على صدرها، أغمض عينيه ونفث أنفاسه بينما يحيط خصرها بذراعيه.

" نحنُ أجمل قِصة في الكون، رواية بائسة، لكنها رغم ذلك تدعو للأمل، وأن المستحيل قد يحدث"

"أنا وأنتِ لوما شبكنا القدر لكان كل منّا يعيش حياته العادية، أنتِ مع رجل آخر وأنا بين الأسلحة والفتيات"

" شكراً لأي ما جمعنا، أبي، أبوكِ، أنا، الحقد، شكراً لكل شيء، لولاكِ لكنتُ الآن قد أبدّتُ روحي لوما أبادها أحد عني"

رفع رأسه عن صدرها ونظر في عينيها الدامعة، ثم بسبابته وكز قلبها واتبع.

" شكراً لهذا القلب الأحمق الذي أحبني بلا منطق، شكراً لأنكِ تُحبيني، شكراً لأنكِ جعلتني أباً، شكراً لأنكِ جعلتني البطل!"

إنخفضت لتضع قُبلة زاخمة المشاعر على جبهته وهمست.

" أنا وأنت بطليّ القصّة، أنت غيرتني وأنا غيرتك، نحن متعادلان، فلا فضل لي عليك ولا فضل لك علي، نحن هكذا تقرر لنا أن نكون، إلى هذا الحد من الحُب والجنون"

...........................

أشعرُ بأنني أحيا من جديد، أو أن حياتي للتو قد بدأت، أشعر بالسعادة، لقد حققتُ كل آمالي، ما ظننتُ أن الحياة بمقدورها أن تكون بهذه المثالية.

أنا المرأة التي ما سبق لها أن ضمنت أن تعيش ليومٍ آخر، اليوم أنا أعيش بآمال فائقة أضعها على كل يوم أعيشه.

أنا سعيدة جداً، سعادتي بسعادة عائلتي، أطفالي الصِغار وزوجي الثمين، حبيبي الغالي، بيكهيون بَطلي الأبديّ، نحن الآن نعيش على وِفاق ونربي أطفالنا معاً.

يحدث أن تحصل بيننا خِلافات، قد أبكي، وربما أُغضبه، الحياة هكذا، على كثير من رشات الملح أن تُنكهها كي تكون أطيب.

في هذا الصباح؛ أستيقظتُ على وجهه الحَسن، ككل صباح أستيقظ على وجهه، لكنني لا أعتاد ولا أظنني سأعتاد، هو غير قابل للأعتياد عليه، في كل مرة أنظر فيها إليه أنبهر.

رغم أنه رجُل بالغ شديد الأزر إلا أن به من عادات الأطفال ما به، ينام وفمه مفتوح بخفة، وبيده يكمش على ثوبي كي يضمن أنني لن أنهض قبله، أو أتركه في الفراش.

كثيراً ما أستيقظ بحضنه، كثيراً ما أستيقظ وأجده يتشبث بي، كثيراً ما أستيقظ وأجده ينام على صدري.

سرحتُ شعره بأناملي برتابة على جبهته،  ليتسنى لي أن أنظر في مظهره اللطيف هذا قبل أن يستيقظ وتبدأ تذمراته على افتعالي هذه التسريحة بشعره، والتي تجعله يبدو كصبي مُراهق على حد تعبيره.

تبسّمت حينما كشّر مُنزعِجاً ثم نهضتُ أطبع على وجنته قُبلة، تفّلتُ منه بحذر ثم نهضت انظر في سرير جوان بمحاذاتي.

أنه مستيقظ بالفعل ومشغول بالألعاب المُعلّقة فوق رأسه، ضحك حينما رآني، سُرعان ما أشرت له بالصمت بينما ينظر إلى بيكهيون.

" أترك أباك نائماً ولا تصنع ضجّة، حسناً؟!"

قهقه لا يفهم ما أقوله له، ضحكت بخفة وانحنيت اضع على صغيري قُبلة، قال بيكهيون لي يوم إكتشفنا أنه صبي أن التاريخ لا يلده مرتين، لكنني هنا في السرير أرى بيكهيون صغير.

الجينات تلدك أيها الرئيس بيكهيون مُجدداً!

تحركت على أطراف قدمي إلى دورة المياه، أخذتُ حماماً وخرجتُ لأوقظ بيكهيون، أنها السابعة صباحاً بالفعل.

جلستُ إلى طرف السرير حيث يوليني ظهره، إنحنيتُ عليه، ثم داعبتُ عُنقه بأصابعي حتى أزعجتُه.

" بيكهيون، هيا أستيقظ، ستتأخر على عملك"

كمش يدي قبل أن أبعدها عن عنقه، ثم أنا صرخت حينما عضّ أصابعي، أصبحت أتلوى ألماً وهو يتحرك متناسياً أصابعي العالقة بين أسنانه، جلس على السرير وأنا أتوسل.

" أصابعي!"

أمسك بيدي ثم طبع فوق أثر أسنانه قُبل مُتفرقة، وأنا رمقته بغضب رغم أنني أنال حِصة وفيرة من القُبل في هذا الصباح.

" تجرح وتداوي في ذات الوقت، أليس كذلك؟!"

أومئ قبل أن ينفش شعري المبلول بأصابعه ونهض.

" تستحقين، كلما دغدغتني هكذا وأنا نائم سأعضك"

لن أهتم، سأدغدغك ثم سأهرب في المرات القادمة.

نهض إلى دورة المياه وأنا تبعته، أخرجتُ لأجله بدلة لأجل عمله، حضّرت له أشيائه الخاصة،  إرتديتُ ثيابي وسرحتُ شعري.

خرج يرتدي ثيابه وأنا انشغلتُ بترتيب الجناح حتى ينتهي.

" جويل تعالي إلى هنا"

أجبته فوجدته أمام المرآة في غرفة الثياب يعاني لربط ربطة عُنقه، أخذتها من يده وباشرت بعقدها.

" أنت جميل بدونها حتى!"

ويا للأسف لقد نسيت ومدحته، فها قد إغترّ ونفخ صدره، رمقني بتعالٍ وقال.

" بالطبع أنا جميل بكل حالاتي، أنتِ محظوظة لأنني زوجك"

قهقتُ بخفة وأومأت، أحياناً لا يكون علي إلا أن أُسايره مهما قال، لكنه يبدو أن ضحكتي ما نالت إستحسانه فها هو قد قرص خصري.

صرخت ألتوي وهو رفع سبابته بوجهي وهدد.

" لا تسخري مني مجدداً، أنتِ محظوظة بي وانتهى!"

تحسستُ موضع أصابتي وتبعته إلى الخارج، دوماً ما آمنت أنني محظوظة به، لكن بهذه الأوقات أتسائل لِمَ وقعت لهذا النرجسي المغرور.

" إنني أسمعك"

يا إلهي! أكنتُ أفكر بصوت عالي؟!
للمرة المليون؛ أكرهني.

خرجتُ أضع على وجهي إبتسامة بريئة الأديم، بيكهيون حمل المشط والمجفف يقول.

" هيا سرحي شعري"

أتيتُ خلفه وتناولتُ منه المُجفف، جففت خصله وسرحتها كما يُحب، ثم حدثته عبر المرآة.

" سأتفقد الأطفال"

أومئ وقد ابتسم لي، كلما ذكرت أطفالنا إبتسم، أنه يعشق دور الأب الذي يؤديه بمثالية، حملتُ جوان، جهزته ثم ذهبتُ به إلى غرفة جيني وبيرل.

جيني وبيرل حصلنّ على غرفتهنّ الخاصة بالفعل، فلقد بلغن من العمر ثلاث سنين بالفعل، وبيكهيون أصرّ أن ينفصلنّ عنّا بحُكم أنهنّ أصبحنّ أكبر وهو لن يضبط جموحه لأجلهنّ، لذا طردهنّ ومن الآن يخطط لطرد جوان أيضاً رغم أنه ما زال صغيراً لا يفقه شيء.

جهزتُ الفتيات، حممتهن وجهزتهن فهن بالفعل إلتحقن بالحضانة باكراً، بيكهيون أصرّ أن يلتحقنّ وأنا لم أرفض، حضانة لإكتساب اللغة وقوة الشخصية وضبط السلوك والقدرات الإجتماعية.

أثناء ذلك كان بيكهيون يجلس مع كريس وهيون جونغ في الصالة، فلورا حامل بالفعل بالمناسبة وكريس يريد فتاة، لا أدري سبب تعلقه هو رئيسه بالفتيات.

إجتمعنا جميعاً على الطاولة التي إزدادت حجماً بالمناسبة، فلقد أضيف أربعة كراسي جدد، كرسي أطفال لأجل جوان، كرسي لأجل جونغداي حينما يأتي لزيارة خطيبته نانا، وكرسيين لأجل كريس وفلورا، هما أصبحا جزءً خاص من العائلة بالفعل.

بعد الإفطار توجهنا جميعاً إلى أعمالنا، بيكهيون هو من تكفل بإيصالي كل يوم وعادة ما تأتي سيارتي الخاصة بعد وصولي، كنتُ بجانبه في الكُرسي الخلفي يفصلنا عن السائق في الأمام فاصل زجاجي مُظلم، وبالسيارة التي تخلفنا يوجد كريس وفلورا.

نعم، أنا بالفعل عُدت للطب ولا أظن أن أمراً ما قد يشغلني عن مهنتي، فالطب حلم الطفولة، الحلم الذي مهما انشغلت عنه ضل عالقاً داخلي، أنا لم أدرس طيلة هذه السنين عبثاً.

الآن أن طبيبة مُقيمة، رئيسي شديد وهذا يسعدني، يسعني أن أتعلم منه الكثير، إنني متخصصة بالقلب وجراحته، أنه أمر مُعقد ولا يسعني سوى العمل بجد.

أكره ان أقول ذلك، لكنني لا أناوب في المستشفى، كما أنني آتي بعد بداية الدوام وأغادر قبل أن ينتهي، أنا مالكة المستشفى فلا يسع لأحد أن يعترض ولكنني أكره ذلك، هذا إستغلال للسلطة، لكن أطفالي وزوجي بحاجتي أيضاً.

بيكهيون تمسّك بيدي يخرجني من شرودي وجذبني إليه.

" اليوم عليكِ أن تنتهي باكراً، لا تنسي أمر الحفل، أريدكِ معي"

أومأت باسمة.

" سأكون في المنزل باكراً، سأنتظرك وأكون جاهزة"

أومئ لي وحينما وصلنا المستشفى، جذب يدي قبل أن أنزل، وها قد بدأ الروتين اليومي، حرر شعري ورتبه حولي كما يريد، حممني بعطره ومسح أحمر شفاهي بإبهامه، ثم أذن لي بالخروج بإشارة من يده.

رمقته بإبتسامة قبل أن أطبع قُبلة على شفتيه.

" أراك مساءً"

لوحت له بعدما نزلت، ثم دخلت بصحبة فلورا إلى المستشفى، ففلورا الآن متدربة في سنتها الأخيرة.

فوراً ما باشرنا بالعمل، ولكثرة ما يقوم رئيسنا بتوظيفنا في مهام كثيرة ما شعرنا بالوقت يمضي، أنه يستغل فترة تواجدنا بالمستشفى جيداً.

توجهتُ إلى آخر مريض كلفني الطبيب بفحصه اليوم،  إنها أمرأة كهلة، حينما دخلت أفحصها تبسّمت بوجهي وزوجها الذي رغم ضعف كاهله ركض إلي ليطمئن عنها.

" هل زوجتي بخير؟!"

تمسكت به وقُدته إلى الكرسي، ثم ابتسمت أربت على كتفه.

" هي بخير، لا تقلق، تكللت العملية بالنجاح وربما نخرجها بالفعل، لكنها تحتاج الرعاية"

أومئ الرجل وتمسك بيد زوجته يقبلها ثم قال وهو يبكي، رغم أن زوجته هي المريضة لكنها من تواسيه بإبتسامة وهو يبكي.

" سأرعاها واعتني بها دوماً"

هذا هو الحب الذي أريد، الحب الذي يدوم حتى هذه المرحلة من العمر وما بعدها، رؤية الحب بين هذين العجوزين يثير في نفسي الحب أيضاً، أرجو لي وبيكهيون أن نعيش الحب هذا حتى نموت، ولما بعد الموت حتى.

في السادسة غادرنا، بيكهيون اليوم لديه حفل في غاية الأهمية وأنا سأحضره معه، أنه حفل توزيع جوائز تقوم عليه دوائر حكومية ومؤسسات مجتمعية لمكافأة رجال الأعمال.

تحضّرت لأجل الحفل، ارتديت الثوب الذي ابتاعه لي بيكهيون، أسود طويل لا يضيق على جسدي وليس فضفاض، يناسبني فحسب.

أنه فُستان أنيق وفخم، لطالما كان ذوق بيكهيون فريد وأنيق، دوماً ما أحب الأشياء التي تكون على ذوقه الخاص.

وصل بالسيارة وبعث لي بالعاملة أنه بإنتظاري في الأسفل.

نزلتُ إليه وقد وليت الأطفال إلى جدتهم حتى نعود، كان يقف مُتكئ على سيارته بإنتظاري، يرتدي بدلة مختلفة عن التي ألبسته أياها صباحاً ويبدو أنه تجهز في مكتبه قبل أن يأتي.

تبسم حالما رآني ثم تناول يدي، وبُنبل لم أعتاد عليه منه فتح لي باب سيارته، وجعلني أجاوره ثم صعد وانطلق.

لكنه ما علق على مظهري فقط إبتسم، وهذا ما ازعجني، هو لم يقل كلمة واحدة حتى، وصلنا الحفل، ترجل من السيارة قبلي ثم وقف يعكف ذراعه لأجلي، تأبطت يده ودخلنا معاً.

فلاشات الكاميرات كانت سبباً لإبتسم وإلا أنا غاضبة، ونعم عقلي بحجم نملة.

فور ما دخلنا بدأ رجال الأعمال والصحافة يتهافتون عليه، للترحيب وطرح الأسئلة وغيره، أنا فقط كنتُ أكتفي بالإبتسام ورد التحيّة لهم.

تشريح القلب بالنسبة لي أسهل من كلام الأموال وأرقامه التي لا افقه بها شيء.

لكن ما لم أتوقعه أن أراه هُنا، ما خُيل لي أنه من الممكن أن أراه ثانية، لا أدري لِمَ إمتلئت عينيّ بالدموع ولكنني كنت إبتسم، أرمقه بهذه الطريقة وأشدد على ذراع بيكهيون حتى نظر إلى ما أنظر إليه.

وبغيرة واضحة أحاطني بذراعه واجتذبني إليه، لكن الأمر مختلف، ذراعه تتأبطها إمرأة، إنها الطبيبة سُرى!

إستأذن بيكهيون الرجال الذين يقف معهم وسحبني معه، مرحباً تايهيونغ، أرجو أنك وجدت حياتك من جديد.

توقف بي بيكهيون برواق فارغ وأحسستُ بمقدار غضبه وغيرته حينما استهجن أنني أبكي، فها يقف متخصراً ويقبض يديه يكبح فيهما غضبه.

" ما سبب هذه الدموع سيدة بيون جويل؟!"

نفيتُ أمسح دموعي ثم رفعتُ وجهي إلى بيكهيون.

" لطالما شعرتُ بالذنب حياله، رؤيته بخير اليوم خلّصتني من مشاعري هذه، أنا آسفة، لم أقصد أن تشعر هكذا"

تنهد وأنا أخفضت رأسي لا أنظر إليه، كان عليّ ضبط إنفعالي أمامه، ما كان يجب علي أن أبكي، ما كان علي أن أتناسى مشاعر بيكهيون.

" أنا حقاً آسفة، لم أقصد أن أؤذي مشاعرك"

رفعتُ رأسي إليه وتمسكت بقميصه.

" ليس علي أن أقول أن وحدك في قلبي، أنت تعلم بالفعل!"

تنهد ثم أومئ، وفجأة اجتذبني من ظهري حتى ادخلني في كُنفه الدافئ، أحاطني بذراعيه وتحدث.

" أفهمكِ، لطالما راودتني ذات المشاعر إتجاهه، هو بخير الآن ونحن بخير، لذا فلنتصرف على هذا النحو، حسناً؟"

أومأت، مسح دموعي ثم قال.

" تبدين جميلة وأنتِ تبكي، رغم ذلك أكره دموعك، فهي الشيء الوحيد الذي أكرهه فيكِ، لذا لا تبكي"

تبسّمت ثم أومأت، أحاطني بذراعه وسار بنا عودة إلى الحفل، أنا حينها علقت.

" تقول أنني جميلة وانا أبكي، ألا أبدو جميلة بهذا الفستان؟! وأنا معك الآن؟!"

ضحك بخفة وشدد يده عليّ.

" أنتِ لستِ بحاجة أن أخبركِ بأنكِ جميلة، فحالتك هذه ليست تجعلك جميلة بشكل إستثنائي، أنتِ جميلة كيفما بدوتِ"

غمرت وجهي بعنقه، حينها ضحك وربت على كتفي، لم غزله فريد من نوعه؟! الطريقة التي يتحدث بها هكذا تهزّ قلبي هزّاً، ترهقني.

أُحبّه...

جلسنا إلى إحدى الطاولات وقد بدأ الحفل بشكلٍ رسمي.

" جائزة رجل الأعمال الرائد تذهب إلى..."

هذه أعلى جائزة، الجميع بالفعل يعلم لمن هذه الجائزة، فكلنا وقفنا بتصفيق حينما أُعلِن الأسم.

" كيم تايهيونغ، تهانينا!"

عدنا إلى مقاعدنا وهو صعد إلى المنصّة ليستلم جائزته ويلقي خطابه.

" شكراً لكم على هذه الجائزة، سأسعى لتطوير أعمالي على الدوام، لكنني بشكلٍ خاص أود أن أشكر الشخص الذي ساعدني أن أقف على قدميّ مُجدداً"

نظر إليّ! لِمَ ينظر إليّ؟!
يستحيل أنه أكتشف...

أنني من حوّلته إلى الطب النفسيّ!

تبسم في وجهي وبيكهيون نظر إلى سريعاً وتمسّك بيدي.

" أود أن أشكره لأنه السبب في وقوفي الآن هنا مُعافى، بسبب هذا الشخص أنا تعالجت، شكراً"

خصّني بنظراته أثناء كلامه، أنا إزدرئت جوفي قلقاً من رد بيكهيون، لكنه كان هادئاً فحسب، ثم تايهيونغ أشار بيده بحفاوة إلى الجهة المقابلة وقال.

" وأود أن أشكر طبيبتي الخاصّة التي ما سأمت مني، وتمسكت بي حتى نجحت وجعلتني أستعيد نفسي، شكراً لكِ طبيبة سُرى"

سُرى أومأت له وابتسمت، ثم أخذت تصفق لأجله.

بعدما نزل عن المنصّة صعد الرجل ثانية للأعلان عن الجائزة الثانية.

" جائزة أفضل رجل أعمال صاعد تذهب إلى..."

تبسمتُ انظر إلى بيكهيون وشددت على يده.

" بيون بيكهيون، تهانينا!"

وقف بيكهيون، احتضنني ثم صعد المنصّة ليلقي خطابه.

" لن أطيل عليكم، أنا فقط سأستلم هذه الجائزة وأسلمها لشريكة حياتي وسبب نجاحي، زوجتي الحبيبة لأنها من صححت لي دربي وأقامت مُنعرجاتي، هذه بسببكِ يا ثمينة ولأجلكِ حبيبتي!"

الأضواء سلطت علي وأنا اصفق لأجله وأبكي، فقط إنتابتني عواطف جمّة في هذا الوقت، أنا سعيدة لأنه نجح واستقام وأصبح الرجل الفاضل الذي هو عليه.

نزل عن المنصة، احتضنني بعاطفة وسلمني جائزته.

" أنتِ أكبر جائزة في حياتي"

أنتَ كُل حياتي...

....................

وقفت سُرى تحمل كأس النبيذ خارج الحفل في الحديقة الأمامية للقاعة، قد إتصل بها تايهيونغ في وقت سابق وطلب منها مرافقته للحفل هذا، لم تتردد في الموافقة، لكنها الآن لا تدري لِمَ وافقت، حُبها له واضح جداً، وهذا امر محرج بالنسبة لها.

فجأة شعرت بمعطف على كتفيها، إلتفتت وإذ به تايهيونغ يبتسم بشفتيه على طريقته الخاصة.

لكنها لم تبتسم في وجهه، أخفضت رأسها وطرقت بيدها على الكوب عِدة مرات بتوتر، حتى أستطاعت أن تجمع قِواها، وأن تبوح فيما يُخالج خاطرها.

" لقد أخبرتني بصراحة أنه لن يتوفر لي مكاناً في حياتك، ما الذي تغير الآن؟!"

وقف بجانبها ونظر إلى السماء حيث كانت تنظر قبل وصوله، إبتسم وطرق بأظافره على الكأس بيده.

" يُقال أن آدم كان يسكن الفردوس، لكنه ملّ هذه الجنة لأنه كان بها وحيداً رغم النعيم، حتى خُلِقت حوّاء لأجله"

نظرت سُرى إليه فاتبع.

" وأنا هكذا أشعر الآن، بالوحدة رغم أن كل شيء متوفر لي وأفعل ما أريد"

نظر لها وتبسّم.

" أنا بحاجة إمرأة بحياتي بالفعل، ولا يمكنني أن أفكر بإمرأة سواكِ"

بان التوتر على وجه سُرى، لكن تايهيونغ لا يملك سوى هذه الفرصة، فامسك بذراعها وجعلها تواجهه ثم اتبع.

" امنحيني الفرصة الآن، أنا أريد أن أحبك، واثق أنني سأحبكِ كما يجب مع الوقت، لذا لا تفلتي يدي كما تفعلي دوماً"

تفلتت منه وخبأت وجهها بيديها، سُرعان ما سمع نحيبها الخافت، لا تصدق أنها نالت منه فرصة لكسب قلبه.

تبسّم واقترب منها، ثم عانقها من خِلاف، وضع ذقنه على كتفها ونظر إلى السماء.

" سأعتبر هذه الدموع موافقة، أهلاً بكِ في حياتي!"

.................

إنه الربيع، وعلى التوالي هذه الزيارة الرابعة إلى هذه المزرعة، لكن هذه المرة قرر بيكهيون وجويل أن يكتفيا بأنفسهما بهذه الرحلة.

جيني أصبحت تزور والدتها وتبيت لديها في الفترة التي تزور بيرل فيها والدها وتبيت لديه، كان إقناع بيكهيون صعب ولكنها نجحت بالنهاية، وجعلته جويل يحرر أم جيني ويتركها حُرة بحياتها الخاصة.

أما جوان، فهو بالتأكيد ينغص على جونغداي أوقاته مع عروسه، السيدة هانمي أصرّت أن تعتني به بنفسها أثناء غياب والديه، لكن بيكهيون أراد أن يضايق جونغداي وحسب.

الأرض عاشبة من حولهما بينما هما فوق جذع الشجرة، إنها ساعة الغروب بالفعل، جويل كانت جالسة وبيكهيون يتمدد بينما رأسه على ساقيها مُرتاح.

كانت شاردة بألوان الشفق في السماء بينما تداعب شعر بيكهيون بأصابعها، الشفق الذي أتى اسم جوان منه.

" بيكهيون؟!"

همهم.

" أُحبك"

تبسم وفتح عينيه لينظر لها وقال.

" أنا لا أحبك..."

" أنا هائم في حُبك، أعشقكِ بلا حدود"

حاكت أناملها خطوط الشمس التي تنعكس على شعره وهمست.

" لطالما كان حُبنا بلا حدود"

نظرت جويل إلى ما كتبه بيكهيون على ظاهر الجذع بواسطة سكين الطعام.

نحن لسنا عُشّاق... نحن بطليّ عِشق.

" النهاية"

.......

بدأت في تاريخ 19/9/2017
وانتهت في تاريخ 6/5/2020

حاقد عاشق أنجبتها أفكاري في نهاية عام 2016، كنتُ أعلم أنها ستنجح وتحظى بجمهورها الخاص، لكن النجاح الذي حصّلته قد فاق توقعاتي.

لقد بدأتُ بها مع ثلاثين قارئ واليوم تنتهي مع عدد هائل من القُرّاء، أنا لن أشكر أحد على نجاحها سوى أنتم، فقرّائي الأعزاء هم سبب النجاح.

ربما لا تكون في هذه الروعة، فأنا ككاتبة كل ما انضج بكتاباتي وحبكاتي أرى الأخطاء والنقص يخرج من عدة أماكن، رغم ذلك أنا راضية لأنها دخلت قلوب الكثيرين.

وبسبب هذه الرواية بشكلٍ خاص علمتُ معنى أن تكون كاتباً، هي ليست مجرد هواية، هي قُدرة مرتبطة بطموح عظيم، ما يطورها إلا مصاحبة القلم والكتابة إلى ما بعد الإنهاك.

بفضل هذه الرواية حصلتُ على كثير من الأصدقاء، والكثير من الكارهين، وهذا هو نجاحي الخالص.

من خالص قلبي أشكر كل من قرأ وكل من سيقرأ، لكل من صوّت ولكل من سيصوت، لكل من علّق ولكل من سيعلق.

لكل من أضافها لمكتبته، لكل من وصّى بها، لكل من سند ظهري في غيابي، ولكل من انتقدني بلؤم وساعد في نشر روايتي.

وأعتذر على فضضاتي في بعض الأحيان، وتزمتي بتحقيق الشروط، آسفة على كل ما بدر مني، وشكراً لكل ما بدر منكم.

اليوم بينما نحتفل بذكرى مولد بيكهيون التاسعة والعشرون ونودع حاقد عاشق اود أن أشكركم على النصف مليون مشاهدة، وأشكركم على صبركم علي.

ولأنه الفصل الأخير قدموا له الحب، وفي النهاية أرجو أن تخبروني آرائكم، خصوصاً فئة القرّاء الذين لم أراهم مسبقاً.

رأيكم ببيكهيون كشخصية صعدت من القاع إلى القمة؟! رأيكم به بطلنا الأبدي؟

رأيكم بجويل كشخصية قادت دور البطولة النسائية؟! هي لم تكن البطلة النسوّية لأنها جزء من كاتبة لا تؤمن بكل بنود النسويّة، لكنها كانت البطلة العاطفية

رأيكم بتايهيونغ كبطل ثاني أنشبتم بسببه شجارات كثيرة فهو لم يكن البطل الثاني التقليدي، فهو بطريقة او بأخرى هو بطل حقيقي.

رأيكم بكريس، الرجل الوفي الذي نرجو أن نحظى بشخص مثله في حياتنا.

رأيكم بنانسي، الفتاة التي مثلت عقيلة بعض الفتيات المتهورات، لكنه تهور نابع من عاطفة، فتاة عاطفية ورقيقة

رأيكم بفلورا، تلك التي تشبه أغلبكم كما لاحظت، الفتاة قوية الشخصية الصامدة.

رأيكم بسُرى، الشخصية التي كانت ولادتها تأثر بصديقة ثمينة لي، تحب بيكهيون بجنون، ولكن شاء القدر أن استخدم اسمها في هذه الطريقة، فتكون المنقذة.

رأيكم بدي او كأخ وشخصية مؤثرة كانت في بعض الأحيان شخصية شريرة، دي او الذي حظى بنهاية مفتوحة فلا أظن أنني قادرة أن أمنحه نهاية مغلقة، كان عليه أن يكون الضحية الوحيدة.

في النهاية، رايكم بالنهاية؟! كيف أثّرت بنفوسكم؟! لأي درجة تجدونها جيدة؟

رأيكم برواية حاقد عاشق بكل مصداقية؟!

قيمو الرواية من عشرة؟!

وفي النهاية، هل هذه الرواية تحتل مرتبة خاصة في قائمة أفضل الروايات التي قرأتموها؟! في أي مرتبة تضعونها؟!

ولكي لا تحزنوا كثيراً فأنني أخطط لروايتين جديديتين لبيكهيون احدهما العنقاء التي اعلنتُ عنها مؤخراً.

رواية لتايهيونغ ستكون رواية حساسة وربما انشرها قريبا.

رواية لدي او ورواية لكريس.

وإن كان لي بكم لقاء بروايات أخرى فإلى اللقاء، وإن إنتهت علاقتكم بي إلى هنا فوداعاً.

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️


© Mercy Ariana Park,
книга «حاقد عاشق|| The Love Odessy».
Коментарі
Упорядкувати
  • За популярністю
  • Спочатку нові
  • По порядку
Показати всі коментарі (1)
Dalel Jerbi
THE END|| حاقد عاشق
شكرا جزيلا لك على هذه الرواية الرائعة التي جعلتني أشعر أن كل شخص يستحق فرصة أخرى 🥰🥰
Відповісти
2020-05-06 20:40:57
1